دلائل النبوة للبيهقي محققا

جُمَّاعُ أَبْوَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ [ (1) ]
بَابُ تَارِيخِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
__________
[ (1) ] انظر في عمرة الحديبية:
- طبقات ابن سعد (2: 95) .
- سيرة ابن هشام (3: 265) .
- المغازي للواقدي (1: 383) .
- صحيح البخاري (5: 121) .
- صحيح مسلم بشرح النووي (12: 135) .
- تاريخ الطبري (2: 620) .
- الدرر لابن عبد البر (191) - ابن حزم (207) .
- البداية والنهاية (4: 164) .
- نهاية الأرب (17: 217) .
- عيون الأثر (2: 148) .
- شرح المواهب (4: 164) .
- السيرة الشامية (5: 55) .
[ (2) ] الحديبية: بحاء مهملة مضمومة، فدال مهملة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مفتوحة. قال الإمام الشافعي- رحمه الله- وأهل اللغة وبعض أهل الحديث- رحمهم الله- التحتية مخففة. وقال اكثر أهل الحديث مشددة. قال النووي- رحمه الله- فهما وجهان مشهوران.

(4/90)


جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ [النَّحْوِيُّ] [ (3) ] قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ سَنَةَ سِتٍّ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ [ (4) ] .
__________
[ () ] وقال في المطالع: ضبطنا التخفيف عن المتقنين واما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها. وقال البكري- رحمه الله- أهل العراق يشددون، وأهل الحجاز يخففون.
وقال النحاس- رحمه الله- سألت كلّ من لقيت ممن أثق بعلمه عن «الحديبية» فلم يختلفوا عن قراءتها مخففة.
قال أحمد بن يحيى- رحمه الله- لا يجوز فيها غيره، ونص في البارع على التخفيف. وحكى التشديد ابن سيده- رحمه الله- في المحكم، قال في تهذيب المطالع: ولم أره لغيره، وأشار بعضهم الى أنّ التثقيل لم يسمع حتى يصح، ووجهه ان التثقيل إنما يكون في المنسوب، نحو الإسكندرية فإنها منسوبة الى الإسكندر وأما الحديبية» فلا تعقل فيها النسبة، وياء النسبة في غير منسوب قليلة، ومع قلته موقوف على السماع. والقياس ان يكون أصلها حدباء بزيادة «ألف للإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء، وقيل: حديبة وشهد لصحة هذا أقوالهم لييلة بالتصغير ولم يرد لها مكبر فقدره الأئمة ليلة لأن المصغر فرع المكبر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله.
قال المحب الطبري- رحمه الله-: هي قريبة من مكة أكثرها في الحرم.
وفي صحيح البخاري عن البراء «الحديبية» بئر. قال الحافظ- رحمه الله- يشير إلى ان المكان المعروف بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك، هذا اسمها، ثم عرف المكان كله بذلك، وبينها وبين مكة نحو مرحلة واحدة، وبين المدينة تسع مراحل وانظر حول المسافة التي بين الحديبية وكل من مكة والمدينة في شرح المواهب (2: 179) .
[ (3) ] الزيادة من (ح) .
[ (4) ] قالوا كانت سنة ستّ، قاله الجمهور، في ذي القعدة، وقال هشام بن عروة عن أبيه- رحمهما الله- في شوال، وشذّ بذلك هشام عن الجمهور. وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور. وفي البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلّا في ذي القعدة، وفيه عن أنس- رضي الله عنه- اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، فذكر منها عمرة «الحديبية» .

(4/91)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالٍ.
قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ حَسَّانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تجهز يُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَتَجَهَّزَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ.
أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عمر كلهن في ذي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجعرانة حيث قسم غنائم حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وعمرة مع حجته.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ [ (5) ] .
__________
[ (5) ] البخاري عن هدبة في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4148) ، فتح الباري (7: 439) ، وأخرجه مسلم عن هدبة في كتاب الحج، (35) باب بيان عدد عُمُرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، الحديث (217) ، ص (2: 916) .
والحديث أخرجه أبو داود أيضا في الحج عن أبي الوليد، وعن هدبة، والترمذي في الحج عن حبان، وقال: «حسن صحيح» .

(4/92)


بَابُ عَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، قال: أخبرنا الحسن ابن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري، عن عروة ابن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ [ (1) ] قَلَّدَ الْهَدْيَ [ (2) ] وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [ (3) ] .
وَاخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ فِي الْبِضْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
كانوا ألفا وثلاثمائة [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (ذو الحليفة) قرية بينها وبين المدينة ستة أميال.
[ (2) ] (قلّد الهدي) علّق في عنقها قطعة من حبل ليعلم أنها هدي، فيكف الناس عنها.
[ (3) ] أخرجه البخاري في المغازي في باب الحديبية، فتح الباري (7: 444) .
[ (4) ] وقال الصالحي في السيرة الشامية:
اختلفت الروايات في عدة مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- فيها، ففي رواية عبد العزيز الأفاقي عن الزّهري في حديث المسور، ومروان: ألف وثمانمائة.

(4/93)


__________
[ () ] وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء: كنّا أربع عشرة مائة.
وفي رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر.
وفي رواية لسالم بن أبي الجعد عن جابر: أنهم كانوا خمس عشرة مائة، وكذلك رواية سعيد بن المسيّب عنه، وكذلك رواية ابن أبي شيبة عن مجمّع بن جارية.
قال الحافظ- رحمه الله- والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه. ويؤيده قول البراء في رواية عنه:
كنّا ألفا وأربعمائة أو أكثر، واعتمد على هذا الجمع النووي- رحمه الله. وأما البيهقي- رحمه الله- فمال إلى التّرجيح، وقال: إن رواية من قال ألفا وأربعمائة أرجح، ثم روى من طريق أبي الزبير ومن طريق سفيان بن عمر بن دينار، كلاهما عن جابر كذلك.
ومن رواية معقل بن يسار عن سلمة بن الأكوع، والبراء بن عازب ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبيه، ومعظم هذه الطرق عن مسلم.
ووقع عند ابن سعد- رحمه الله- في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو أيضا في عدم التحديد.
وأما قول عبد الله بن أبي أوفى- رحمه الله-، كنّا ألفا وثلاثمائة كما رواه البخاري، فيمكن حمله على ما اطّلع عليه، واطلع غيره على زيادة أناس لم يطّلع هو عليهم، والزيادة من الثّقة مقبولة.
أو العدد الّذي ذكره عدد المقاتلة. والزّيادة عليها من الأتباع من الخدم والنّساء والصّبيان الّذين لم يبلغوا الحكم.
وأمّا قول ابن إسحاق- رحمه الله- إنّهم كانوا سبعمائة فلم يوافقه [أحد] عليه، لأنّه قاله استنباطا من قول جابر- رضي الله عنه-: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة. وهذا لا يدلّ على أنّهم لم ينحروا غير البدن. مع أنّ بعضهم لم يكن أحرم أصلا. وقال ابن القيّم: ما ذكره ابن إسحاق غلط بيّن، واستدلّ به من أنّهم نحروا سبعين بدنة، والبدنة جاء إجزاؤها عن سبعة وعن عشرة، وهذا لا يدل على ما قاله فإنّه قد صرّح أن البدنة في هذه العمرة عن سبعة، فلو كانت السّبعون عن جميعهم كانوا أربعمائة وتسعين رجلا، وقد قال في تمام الحديث بعينه: إنّهم كانوا ألفا وأربعمائة.
وأمّا ما وقع في حديث المسور ومروان عن البخاري أنهم خرجوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأنّ الّذين بايعوا كانوا كما تقدم. وأمّا الّذين زادوا على ذلك فكانوا غائبين عنها، كمن توجّه مع عثمان- رضي الله عنه- إلى مكة، على أنّ لفظ البضع يصدق على الخمس

(4/94)


حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ [ (5) ] .
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ [ (6) ] ، فَذَكَرَهُ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقِيلَ عنه: ألف وخمس
__________
[ () ] والأربع، فلا تخالف.
وجزم ابن عقبة بأنّهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة. وحكى ابن سعد: أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وهذا إن ثبت تحرير بالغ.
وزاد ابن مردويه عن ابن عبّاس، وفيه ردّ على ابن دحية، حيث زعم أنّ سبب الاختلاف في عددهم، أنّ الّذي ذكر عددهم لم يقصد التّحديد، وإنما ذكره بالحدس والتّخمين.
[ (5) ] مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ، في: 33- كتاب الإمارة (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (75) ، ص (1485) .
[ (6) ] البخاري في المغازي، باب الحديبية تعليقا، الحديث (4155) ، فتح الباري (7: 443) .

(4/95)


مائة، وقيل: ألف وأربع مائة.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا [ (7) ] : كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ [ (8) ] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عن حُصَيْنٍ كَذَلِكَ [ (9) ] .
وَخَالَفَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ، فَقَالَ: كَمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وأربع مائة أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ [ (10) ] ، واستشهد البخاري بهذه
__________
[ (7) ] (لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لكفانا) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية، ومعناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنز مثل الشراك، فبصق النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةَ، فجاشت، فهي إحدى المعجزات لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم، فقال جابر: كنا ألفا وخمسمائة، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لكفانا.
[ (8) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، الحديث (73) عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ، عن خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ..، ص (1484) .
[ (9) ] فتح الباري (7: 441) باب غزوة الحديبية، ومسلم (3: 1484) ، الحديث (72) .
[ (10) ] مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة، في الموضع السابق، الحديث (74) ، ص (1484) .

(4/96)


الرِّوَايَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخَرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟
قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ قُلْتُ: فَإِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ- يَرْحَمُهُ اللهُ- وَهِمَ، هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (11) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَهْمَ، فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: كُنَّا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ أُبْصِرُ لرأيتكم مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ [ (12) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَذَكَرَهُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
__________
[ (11) ] فتح الباري (7: 443) ، الحديث (4153) . ط. السلفية.
[ (12) ] البخاري في الموضع السابق، الحديث (4154) ، فتح الباري (7: 443) .

(4/97)


وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَابْنُ رُمْحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة [ (13) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقُلْنَا لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألفا وأربع مائة بِخَيْلِنَا وَرِجَالِنَا.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ فَكَذَلِكَ قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربع مائة [ (14) ] .
__________
[ (13) ] صحيح مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الليث ... في الإمارة، ح (67) ، ص (1483) .
[ (14) ] راجع الحاشية (4) من هذا الباب.

(4/98)


بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فِيهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد ابن إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حدثنا محمد ابن يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيمَا حَدَّثَنَا عَنِ الْمَغَازِي، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (ح) .
قَالَ: وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ [ (1) ] ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيِهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ [ (2) ] عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رسول
__________
[ (1) ] (أشعره) وخز سنامها حتى يعلم أنها هدي.
[ (2) ] في (ح) : «تخبره» .

(4/99)


الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ [ (3) ] قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ [ (4) ] أَتَاهُ عُيَيْنَةُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ [ (5) ] ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَهُمْ قَاتِلُوكَ أَوْ مُقَاتِلُوكَ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ: وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، قَالَا: جَمِيعًا: وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشِيرُوا عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ [ (6) ] الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا جِئْنَا معتمرين، ولم نجيء لِقِتَالِ [أَحَدٍ] [ (7) ] ، وَلَكِنْ مَنْ حَالِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُوحُوا إذا» .
الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فخذوا ذات اليمين» ،
فو الله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ [ (8) ] ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ
__________
[ (3) ] (الأشطاط) : «جمع شط، وهو جانب الوادي» .
[ (4) ] (عسفان) قرية بينها وبين مكة ثلاث مراحل.
[ (5) ] (الأحابيش) هم: بنو الهون بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وبنو الحارث، وبنو عبد مناة، وبنو المصطلق من خزاعة، وجاء في شرح المواهب (2: 182) : «الأحابيش كانوا تحالفوا مع قريش تحت جبل يقال له: الحبش، أسفل مكة، وقيل: سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم» .
[ (6) ] رسمت في (ح) : «هاؤلاء» .
[ (7) ] الزيادة من (ح) فقط.
[ (8) ] (قترة الجيش) الغبار الأسود الذي تثيره حوافر الدواب» .

(4/100)


رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ [ (9) ] ، فَأَلَحَّتْ [ (10) ] ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ [ (11) ] الْقَصْوَاءُ [ (12) ] ، خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ: لَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُوحُوا إِذًا
قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْمِسْوَرُ وَمَرْوَانُ فِي حَدِيثِهِمَا: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ، رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً [ (13) ] يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا [ (14) ] ، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ، قَالَ: فَعَدَلَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ [ (15) ] قَلِيلِ الْمَاءِ إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ [ (16) ] الناس تبرضا،
__________
[ (9) ] (حل حل) كلمة تقال للناقة إذا تركت السير، قال الخطابي «إن قلت «حل» واحدة فبالسكون، وإن أعدتها نونت الأولى وسكّنت الثانية.
[ (10) ] (ألحّت) تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح الإصرار على الشيء.
[ (11) ] (خلأت) بخاء معجمة والمد للإبل كالحران للخيل، قال ابن قتيبة: «لا يكون الخلأ إلا للنوق خاصة» .
[ (12) ] في شرح المواهب (2: 184) : «القصو: قطع طرف الأذن، ويقال: بعير أقصى، وناقة قصواء، وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها القصواء.
[ (13) ] (خطّة) أي خصلة يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، ومعنى قوله: يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ: أي ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة، والكف عن إراقة الدماء.
[ (14) ] (أعطيتهم إياها) : أجبتهم إليها.
[ (15) ] (الثمد) حضيرة فيها ماء قليل، ويقال: «ماء مثمود» قَلِيلِ الْمَاءِ.
[ (16) ] (إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ الناس) يأخذونه قليلا قليلا، وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفين.

(4/101)


فَلَمْ يُلْبِثْهُ [ (17) ] النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ الْعَطَشَ فَانْتَزَعَ سَهْمًا من كنانة ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فيه قال فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّمِيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ [ (18) ] نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ [ (19) ] مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «إنا لم نجيء لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ [ (20) ] الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ [ (21) ] مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وإن هم أبوا فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهُ» .
فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ نَعْرِضُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ:
هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ، يَقُولُ: قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: أَلَسْتُ بِالْوَلَدِ [ (22) ] ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لا،
__________
[ (17) ] أي لم يتركوه أن يقيم.
[ (18) ] (عيبة نصح) أي أنهم موضع النصح له، والأمانة على سره.
[ (19) ] (الأعداد) الذي لا انقطاع له.
[ (20) ] (نهكتهم) أي أضعفتهم.
[ (21) ] (ماددتهم) جعلت بينك وبينهم مدة بترك الحرب.
[ (22) ] (ألستم بالوالد وأ لست بالولد) : أنتم حي قد ولدني، لكون أمي منكم. [كانت أمه: سبيعة بنت عبد شمس] .

(4/102)


قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا [ (23) ] عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنْ تكن الأخرى فو الله إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْشَابًا [ (24) ] مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ [ (25) ] ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، قَالَ: مَنْ ذَا [ (26) ] ؟ قال أبو بكر: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ [ (27) ] كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ (28) ] وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ:
أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ [ (29) ] ؟ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟
قَالَ: وَكَانَ
__________
[ (23) ] (بلّحوا عليّ) امتنعوا من الإجابة.
[ (24) ] (الأوشاب) الأخلاط.
[ (25) ] (امصص بظر اللات) البظر) القطعة التي تبقى بعد ختان المرأة ... ، (واللات) اسم أحد الأصنام، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، وبلفظ الأمر: أراد أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عنه- المبالغة في ذلك.
[ (26) ] في (ص) : «من هذا» .
[ (27) ] (اليد) : النعمة والإحسان.
[ (28) ] كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه، ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب:
إنما يفعل ذلك النظير بالنظير، لكن كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا، والمغيرة يمنعه إجلالا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
[ (29) ] (غدر) على وزن عمر، مبالغة في الوصف بالغدر، وهو ترك الوفاء.

(4/103)


الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ.
ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ [ (30) ] صَحَابَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم، فو الله مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا لِأَمْرِهِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ ثَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُجِدُّنَ [ (31) ] إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ: وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهُ،
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كنانة: دعوني ءاته، فقالوا ائتيه، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبَعَثَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَرَجَعَ لِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ.
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ دَعُونِي آتِهِ. قالوا: ائتيه
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ
[ (32) ] ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ
__________
[ (30) ] (يرمق) يلحظ.
[ (31) ] في (ح) : «وما يحدون» .
[ (32) ] استشكل قَوْلِهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصة، وفي إجازته أبا جندل لأجل رسول

(4/104)


النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا، فَدَعَا الْكَاتِبَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل أما الرحمن فو الله مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقَالَ سُهَيْلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيودِهِ،
__________
[ () ] الله- صلى الله عليه وسلّم- لمّا امتنع سهيل بْنِ عَمْرٍو- رَضِيَ اللهُ عنه- قبل إسلامه، وأجيب: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ في مغازيه في غزوة «بدر» أن عتبة بن ربيعة قال لقريش كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا؟ قال: وذلك أنّ حفص بن الأخيف- بخاء معجمة فتحتية وبالفاء- والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ ابن عبد مناة بدم لهم، كان في قريش، فتكلّمت قريش في ذلك. ثمّ اصطلحوا، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد، سيّد بني بكر غرّة فقتله، فنفرت من ذلك كنانة، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدّم في القصة أنه أراد أن يبيّت المسلمين بالحديبية، فكأنّه- صلى الله عليه وسلم- أشار إلى هذا.

(4/105)


قَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكتاب بعد، قال: فو الله إِذًا لَا نُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَأَجِرْهُ لِي، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيرِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَرْنَاهُ.
قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا! أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ! وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاللهِ، مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي. قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى أَنَا أَخْبَرْتُكُ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ،
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بلى، قلت: فلم نعط الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغرزة [ (33) ] حتى تموت، فو الله إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أو ليس كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّهُ سَيَأْتِي الْبَيْتَ وَيَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَتَطُوفُ بِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا، قَالَ: فو الله ما قام
__________
[ (33) ] في (أ) «بغرزم» ، والغرز هو ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب.

(4/106)


مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ثَلَاثَ مِرَارٍ،
فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ بِحَالِقِكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ حَتَّى بَلَغَ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (34) ] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حتى بلغ بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرّجلين: والله إني لا أرى سيفك جيّد جِدًّا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ،
فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ. قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «وَيْلُ امِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ [ (35) ] ، لَوْ كَانَ لَهُ أحد،
فلما
__________
[ (34) ] [الممتحنة- 10] .
[ (35) ] ويل أمّه- بضم اللّام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة: وهي كلمة ذمّ تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذّمّ، لأنّ الويل الهلاك، فهو كقولهم: لأمّه الويل قال الفرّاء:
أصل ويل وي لفلان، أي حزن له: فكثر الاستعمال، فألحقوا بها اللّام، فصارت كأنها منها، وأعربوها، وتبعه ابن مالك، إلّا أنه قال تبعا للخليل إن وي كلمة تعجب، وهي من أسماء

(4/107)


سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ.
وَيَتَفَلَّتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ.
قَالَ: فو الله لَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ خَرَجَتْ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللهَ وَالرَّحِمَ، لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ، فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأُنْزِلَ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ [ (36) ] حَتَّى بَلَغَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ [ (37) ] ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ شَوَاهِدُ وَفِيهَا زِيَادَاتٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ مُفَصَّلَةً فِي أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَّامِيِّ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْخُطَبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قال:
__________
[ () ] الأفعال، واللام بعدها مكسورة، ويجوز ضمها إتباعا للهمزة، وحذفت الهمزة تخفيفا.
مسعر حرب- بكسر الميم، وسكون السّين، وفتح العين المهملتين وبالنّصب على التمييز، وأصله من مسعر حرب أي مسعرها، قال الخطابي: كأنّه يصفه بالإقدام في الحرب، والتّسعير لنارها.
[ (36) ] [الفتح- 24] .
[ (37) ] الحديث بطوله أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ في: 54- كتاب الشروط، (15) باب الشروط في الجهاد، فتح الباري (5: 329) .

(4/108)


حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ [ (38) ] فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ تَبَادَرَ النَّاسُ بَعْدُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» [ (39) ] فَقُلْنَا تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ [ (40) ] .
__________
[ (38) ] (ثنية المرار) : أصل الثنية: الطريق بين الجبلين، قال الحازمي: هي مهبط الحديبية.
[ (39) ] (إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ) هو: الجد بن قيس المنافق.
[ (40) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ معاذ في: 50- كتاب المنافقين، الحديث (12) ، ص (2144) .

(4/109)


بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي دَعَا فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ: بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أربع عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا، فَلَمْ نَتْرُكْ [ (2) ] فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا [ (3) ] ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ مِنْهَا، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكَهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا نَحْنُ وركائبنا.
__________
[ (1) ] في (ح) : «قال حدثنا» .
[ (2) ] في الأصول: «فما ترك» وأثبتّ ما في الصحيح.
[ (3) ] (شفير البئر) حرفها.

(4/110)


لَفْظُ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رَجَاءٍ مِثْلُهُ إِلَى قَوْلِهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، قَالَ: نَزَلْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ بِئْرٌ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ نَزَحُوهَا، فَلَمْ يدعو فِيهَا قَطْرَةً، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِدَلْوٍ فَنَزَعَ مِنْهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ بِفِيهِ فَمَجَّهُ فِيهَا، وَدَعَا اللهَ فَكَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى صَدَرْنَا وَرَكَائِبُنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (4) ] وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أبي إسحاق.
وأخبرنا الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ رَجَاءٍ، قَالَ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى هَوُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. قال: فعقدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى جَبَاهَا [ (5) ] : فَإِمَّا دَعَا، وأمَّا بَزقَ فِيهَا، فَجَاشَتْ [ (6) ] فَسَقَيْنَا، وَاسْتَقَيْنَا.
لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَجَاءٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
__________
[ (4) ] في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4150) ، فتح الباري (7:
441) .
[ (5) ] كذا بالأصول، وفي صحيح مسلم: جبا الرّكيّة، ومعناها: حول البئر.
[ (6) ] (فجاشت) ارتفعت وفاضت.
[ (7) ] هو جزء من حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ الحديث (132) ، ص (1433) .

(4/111)


حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ والمسور بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ حَرْبًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ فِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ انْزِلُوا» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا بِالْوَادِي مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقُلُبِ [ (8) ] فَاغْرِزْهِ فِي جَوْفِهِ، فَفَعَلَ، فَجَاشَ بِالْمَاءِ بِالرَّوَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ [عَنْهُ] بِعَطَنٍ [ (9) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ: فَذَكَرَ خُرُوجَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ فَسَبَقُوهُ إِلَى بَلْدَحَ، وَإِلَى الْمَاءِ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ سُبِقَ نَزَلَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا بِئْرٌ وَاحِدَةٌ، فَأَشْفَقَ الْقَوْمُ مِنَ الظَّمَاءِ وَالْقَوْمُ كَثِيرٌ، فَنَزَلَ فِيهَا رجال يميجونها، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ فِي الدَّلْوِ، وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمَّ مَجَّ بِهِ وَأَمَرَ أَنْ يُصَبَّ فِي الْبِئْرِ، وَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ وَدَعَا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَفَارَتْ بِالْمَاءِ، حَتَّى جَعَلُوا يَغْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفَتَيْهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عن ابن
__________
[ (8) ] جمع قليب وهو البئر.
[ (9) ] العطن مبرك الإبل، والخبر في سيرة ابن هشام (3: 267) .

(4/112)


إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ أَنَا الَّذِي نَزَلْتُ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتَ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ، فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ [ (10) ] عَلَى النَّاسِ، فقالت:
يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا [ (11) ]
يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجِّدُونَكَا [ (12) ]
فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النَّاسِ:
قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنِّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ
وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طَعَنْتُهَا تَحْتَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ [ (13) ]
وَذَكَرَ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي الْبِئْرِ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ، وَدَلَّاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِعِمَامَتِهِ، فَمَاحَ فِي الْبِئْرِ، فَكَثُرَ الْمَاءُ، حَتَّى روي الناس، قال:
__________
[ (10) ] يميح على الناس: يملأ لهم الدلاء.
[ (11) ] المائح: هو الرجل يكون في أسفل البئر يملأ الدلاء للقوم، والماتح بالتاء المثناة- هو الذي يكون في أعلى البئر ينتزع الدلاء المملوءة، وقولها «دلوي دونكا» هو من شواهد بعض النحاة على جواز تقديم معمول اسم الفعل عليه، وتأوله قوم بأنه من باب حذف العامل، وأصله: خذ دلوي دونكا
[ (12) ] يمجدونكا: يشرفونك، والتمجيد: التشريف ويروى الرجز هكذا:
إنّي رأيت النّاس يمنحونكا ... يثنون خيرا ويمجّدونكا
ويمنحونك: أي يعطونك، والمنحة: العطية، تريد أنهم يعطونه دلاءهم.
[ (13) ] سيرة ابن هشام (2: 267- 268) ، والبداية والنهاية (4: 165) .

(4/113)


وَيُقَالُ بَلِ الْمَائِحُ فِي الْبِئْرِ: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيُّ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ لَنَا مَاءٌ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي قَعْرِ قَلِيبٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَرَوِيَ النَّاسُ حَتَّى ضَرَبُوا بِعَطَنٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ؟ فَنَزَلَ خَلَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْغِفَارِيُّ فذكره نحوه.
__________
[ (14) ] الدرر لابن عبد البر (193) ، وسيرة ابن هشام (3: 267) ، والبداية والنهاية (4:
165) .

(4/114)


بَابُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ ماء يشربونه ويتوضّؤون بِهِ مِنْ دَلَالَاتِ النُّبُوَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَرْجِعَهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ دَعَا فِي أَزْوَادِهِمْ بِالْبَرَكَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ- رَحِمَهُ اللهُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ.
قال شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كنا ألفا وخمس مائة، وَذَكَرَ عَطَشًا أَصَابَهُمْ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيونُ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، قَالَ قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا. كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4152) عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى، عن ابن فضيل، عن حصين، عن سالم، عن جابر. فتح الباري (7:
441) ، وأخرجه مسلم في المغازي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن نمير، كلاهما عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدريس، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن حصين، وعن أبي موسى وبندار، عن غندر، عن شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ.

(4/115)


أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، إِذْ جَهَشَ الناس نحوه، فقال: مالكم؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَشْرَبُ، وَلَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ، إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ [ (2) ] بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِثْلَ الْعُيونِ، قَالَ:
فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا، قَالَ: قُلْتُ كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ [ (3) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْمَاءَ يَغُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، كَأَمْثَالِ الْعُيونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. ثُمَّ ذَكَرَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
__________
[ (2) ] في البخاري: «يفور» .
[ (3) ] أنظر (1) ، وأخرجه عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في علامات النبوة في الإسلام من كتاب المناقب، فتح الباري (6: 581) .
[ (4) ] فتح الباري (7: 441) .

(4/116)


الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرُ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ من بين أَصَابِعِهِ قَالَ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ، وَشَرِبُوا، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا آلوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ، قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرٍ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ، قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، غَزَوْنَا أَوْ سَافَرْنَا، ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ طَهُورٍ؟ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ مَاءٌ غَيْرُهُ، فَعَبَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَدَحٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ، قَالَ فَرَكِبَ الناس ذلك القدح، وقال: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: على رسلكم
__________
[ (5) ] البخاري من حديث الأعمش، عن سالم، عن جابر، في: 74- كتاب الأشربة (31) باب شرب البركة، والماء المبارك، الحديث (5639) ، فتح الباري (10: 101) .

(4/117)


حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، ثُمَّ قال: أسبغوا الوضوء.
فو الذي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي، لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيونَ: عُيونَ الْمَاءِ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ وَلَمْ يَرْفَعْهَا حَتَّى تؤووا أَجْمَعُونَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، يَعْنِي [ابْنُ] [ (7) ] إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ [ (8) ] ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَأَمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا [ (9) ] ، فَبَسَطْنَا [ (10) ] لَهُ نِطْعًا [ (11) ] فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطْعِ، قال: فتطاولت لأحزركم [ (12) ] هو؟
__________
[ (6) ] سنن الدارمي، باب ما أكرم اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم من تفجير الماء بين أصابعه من المقدمة (1: 21) .
[ (7) ] سقطت من (أ) .
[ (8) ] (جهد) بفتح الجيم، وهو المشقة.
[ (9) ] (مزاودنا) هكذا هو في بعض النسخ أو أكثرها. وفي بعضها: أزوادنا. وفي بعضها: تزاودنا، بفتح التاء وكسرها. والمزاود جمع مزود، كمنبر، وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد، وهو ما تزوده المسافر لسفره من الطعام. والتزاود معناه ما تزودناه.
[ (10) ] (فبسطنا له) أي للمجموع مما في مزاودنا.
[ (11) ] (نطعا) أي سفرة من أديم، أو بساطا.
[ (12) ] (فتطاولت لأحزره) أي أظهرت طولي لأحزره، أي لأقدّره وأخمنه.

(4/118)


فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ [ (13) ] ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ فِيهَا نُطْفَةٌ فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ، فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً [ (14) ] أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم:
فَرَغَ الْوَضُوءُ لَفْظُ حَدِيثِ النَّضْرِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَلَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا جَهَدْنَا، وَفِي النَّاسِ ظَهْرٌ فَانْحَرْهُ لَنَا فَنَأْكُلَ مِنْ لُحُومِهِ وَلِنَدَّهِنَ مِنْ شُحُومِهِ، وَلِنَحْتَذِيَ مِنْ جُلُودِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّ النَّاسَ إِنْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَقِيَّةُ ظَهْرٍ أَمْثَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْسُطُوا أَنْطَاعَكُمْ، وَعَبَاكُمْ. فَفَعَلُوا ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ زَادٍ وَطَعَامٍ فَلْيَنْثُرْهُ وَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَرِّبُوا أَوْعِيَتَكُمْ فَأَخَذُوا مَا شَاءَ اللهُ.
يُحَدِّثُهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
__________
[ (13) ] (كربضة العنز) أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة. والعنز الأنثى من المعز إذا أتى عليها حول.
[ (14) ] أي نصبه صبا شديدا.

(4/119)


وَحَدَّثَنِيهِ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا نَزَلَ مَرَّ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ قَالَ أَصْحَابُ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولُ اللهِ لَوِ انْتَحَرْنَا مِنْ ظُهُورِنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَحَسَوْنَا مِنَ الْمَرَقِ أَصْبَحْنَا غَدًا إِذَا غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ وَبِنَا جَمَامٌ قَالَ لَا وَلَكِنِ ائْتُونِي بِمَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِكُمْ، فَبَسَطُوا أَنْطَاعًا، ثُمَّ صَبُّوا عَلَيْهَا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلُوا حَتَّى تَضَلَّعُوا شِبَعًا، ثُمَّ لَفَّفُوا فُضُولَ مَا فَضَلَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ فِي جُرُبِهِمْ [ (15) ] .
__________
[ (15) ] أخرجه مسلم في: 31- كتاب اللقطة، (5) باب استحباب خلط الأزواد إذا قلّت، الحديث (19) ، ص (1354) .

(4/120)


بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَزِيَادَةَ مَاءِ الْبِئْرِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ كَانَتْ لَهُ عَادَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو زَكَرِيَّا [ (1) ] بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي فِي آخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، وَأَمَرَ الناس أن يتوضؤوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] في (أ) رسمت: «زكرياء» .
[ (2) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسلمة القعنبي في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3573) ، فتح الباري (6: 580) .

(4/121)


وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْنٍ، وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ [ (4) ] ، فَجَعَلَ الْقَوْمَ يتوضأون، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الرَّبِيعِ.
وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن مسدد [ (5) ] .
__________
[ (3) ] مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ موسى الأنصاري، عن معن، عن مالك فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (5) ، ص (1783) .
وأخرجه النسائي في الطهارة، والترمذي في المناقب، وقال: «حسن صحيح» .
[ (4) ] «رحراح» الواسع القصير الجدار.
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 4- كتاب الوضوء (46) باب الوضوء من التّور، الحديث (200) ، فتح الباري (1: 304) .

(4/122)


وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الرَّبِيعِ [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ:
الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ، فَأُتِيَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهِمْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ، قَالَ:
فَأَدْخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَلَمْ يَسَعْهُ الْقَدَحُ، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ إِبْهَامَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ: هَلُمُّوا إِلَى الشَّرَابِ، قَالَ أَنَسٌ: بَصُرَ عَيْنِي يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَلَمْ يَزَلِ الْقَوْمُ يَرِدُونَ الْقَدَحَ حَتَّى رَوَوْا مِنْهُ جَمِيعًا [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كم هم [ (8) ] ؟ قال: ثمانين وَزِيَادَةٌ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ السهمي [ (9) ] .
__________
[ (6) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (4) ، ص (1783) .
[ (7) ] ذكره الحافظ ابن كثير في التاريخ (6: 94) وعزاه للإمام أحمد، وقال: «وهكذا رواه البخاري عن بندار بن أبي عدي، ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ غندر.
[ (8) ] في الصحيح: «كم كنتم» .
[ (9) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن منير في: 4- كتاب الوضوء (45) باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح ... الحديث (195) ، فتح الباري (1: 301) ، وأعاده في: 61- كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الْفَتْحِ (6: 581) .

(4/123)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدِ القوم ماء يتوضؤون فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَمَرَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ قال للقوم: هلموا فتوضؤوا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَسُئِلَ أَنَسٌ كَمْ بَلَغُوا؟ قَالَ: كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ [ (10) ] .
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى قُبَاءَ، وَرِوَايَةُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ أُخْرَى وَاللهُ أعلم.
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٍ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله، حدثنا علي بن جمشاد الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ بِالزَّوْرَاءِ [ (11) ] دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بين
__________
[ (10) ] الحديث أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، فتح الباري (6: 581) .
[ (11) ] (الزّوراء) بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فيها ثمّة.

(4/124)


أَصَابِعِهِ، وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ:
ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (12) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [ (13) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ.
وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وأصحابه كَانُوا بِالزَّوْرَاءِ وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فَدَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ جَمِيعًا فَقُلْتُ لِأَنَسٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ كَمْ كَانُوا فَقَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فَذَكَرَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ عَنْ مُعَاذٍ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّيْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زياد، قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، قَالَ: أتيت
__________
[ (12) ] فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (7) ، ص (1783) .
[ (13) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3572) ، فتح الباري (6: 580) .
[ (14) ] هذه الرواية في صحيح مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ (3) بَابُ في معجزات النبي صلى الله عليه وسلّم، الحديث (6) ، ص (1783) .

(4/125)


رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (15) ] إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَشَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، قَالَ بِشْرٌ: يَعْنِي سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَلَزِمْتُهُ وَكُنْتُ قَوِيًّا وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَيَسْتَأْخِرُونَ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَذَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أخا صداء؟ فَقُلْتُ: لَا، إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ. قَالَ الصُّدَائِيُّ فَرَأَيْتُ بَيْنَ إصبعين من أصابعه عينا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ كان له
__________
[ (15) ] بقية الحديث وسيأتي تخريجه بعد قليل:
فأخبرت أنه قد بَعَثَ جَيْشًا إِلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِإِسْلَامِ قَوْمِي وَطَاعَتِهِمْ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَرُدَّهُمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رَاحِلَتِي قد كلّت، ولكن ابعث إليهم رجلا، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، وكتبت معه إليهم، فردّهم، قال الصدائي: فَقَدِمَ وَفْدُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَخَا صُدَاءَ، إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ، قلت: بَلِ اللهُ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أؤمّرك عليهم؟ قلت:
بلى، فكتب لي كتابا بذلك، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مر لي بشيء من صدقاتهم، فَكَتَبَ لِي كِتَابًا آخَرَ بذلك، وكان ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فأتى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عاملهم، يقولون: أَخَذَنَا بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَنَا وبينه في الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ فعل؟ قالوا: نعم، فالتفت إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نفسي، قال: ثم أتاه آخر، فقال: يا رسول الله، أعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن الله لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره [في الصدقات] حتى حكم هو فيها، فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك- أو أعطيناك- حقك،
قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي، لأني سألته من الصدقات وأنا غنيّ.

(4/126)


حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ، فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [ (16) ] وَقَالَ فِيهِ: فَقُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا، فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا لَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا: أَنْ يَسْقِيَنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعَ عَلَيْهَا وَلَا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فَعَرَكَهُنَّ فِي يَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ.
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا يَعْنِي الْبِئْرَ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ:
__________
[ (16) ] وتتمته: فأقمت،
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم صلاته أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ، فقال: وما بدا لك؟ فقلت: إني سمعتك تَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، وَأَنَا أو من بالله ورسوله، وَسَمِعْتُكَ تَقُولُ لِلسَّائِلِ: مَنْ سأل عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ في البطن، وقد سألتك وأنا غنيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ ذاك، إن شِئْتَ فَاقْبَلْ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ [فَقُلْتُ: أَدَعُ] فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدُلَّنِي على رجل أؤمّره عليهم، فَدَلَلْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ، فأمّره علينا، ثم قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ.
[ (17) ] الحديث أخرجه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم، الحديث (199) .
ص (1: 383- 385) ، مختصرا، وأبو داود في الصلاة باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر، الحديث (514) ، ص (1: 142) مختصرا أيضا من طريق عبد الله بن عمر بن غانم.
وأخرجه ابن ماجة في: 3- كتاب الآذان، (3) باب السنة في الآذان، الحديث (717) ، ص (1: 237) .
ورواه أحمد في المسند (4: 169) عن وكيع، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد.
وقد رواه البيهقي في السنن (1: 381) ، و (1: 399) .

(4/127)


حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ يَعْنِي الطَّرَسُوسِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْعُيونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: الوضوء المبارك [ (18) ] .
__________
[ (18) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 251) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (6:
97) ،، وقال: تفرد به أحمد، ورواه الطبراني من حديث عامر الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

(4/128)


بَابُ شُهُودِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِحْدَى هَذِهِ الْمَرَّاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّتِي خَرَجَ الْمَاءُ فِيهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَسَمَاعِهِمْ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ مَعَهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: [حَدَّثَنَا] [ (1) ] أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَعُدُّونَ الْآيَاتِ عَذَابًا، وَكُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَأُتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيَّ عَلَى الطهور المبارك، والبركة مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا [ (2) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي أَحْمَدَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَرْقَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 61- كتاب المناقب، (25) باب علامات النبوة في الإسلام، الحديث (3579) ، فتح الباري (6: 587) .

(4/129)


أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، وَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ [ (3) ] .
__________
[ (3) ] أخرجه الترمذي في المناقب، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عن إسرائيل، وقال:
«حسن صحيح» ، وأشار إليه الحافظ ابن كثير في التاريخ (6: 98) .

(4/130)


بَابُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ مُطِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: جَعْفَرُ بْنُ هارون ابن إِبْرَاهِيمَ النَّحْوِيّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ صَدَقَةَ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (1) ] الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قُلْنَا:
اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللهِ وَبِفَضْلِ اللهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كافر بي.
__________
[ (1) ] في (ح) : «أخبرني» .

(4/131)


وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ [ (2) ] .
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4147) ، فتح الباري (7: 439) .
وأخرجه البخاري في الصلاة عن القعنبي، وفي صلاة الاستسقاء عن إسماعيل بن أبي أويس، كلاهما عن مالك، وفي التوحيد مختصرا عن مسدد.
وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (32) باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء، عن يحيى بن يحيى، الحديث (125) ، ص (1: 83) .

(4/132)


بَابُ إِرْسَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ حِينَ نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَدُعَائِهِ أَصْحَابَهُ إِلَى الْبَيْعَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ: محمد ابن عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي نُزُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: وَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَحَبَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِيَبْعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَا آمَنُهُمْ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي إِنْ أُوذِيتُ فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) فَإِنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا وَإِنَّهُ مُبَلِّغٌ لَكَ مَا أَرَدْتَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقَالَ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا وَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ رِجَالًا بِمَكَّةَ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِمْ وَيُبَشِّرَهُمْ بِالْفَتْحِ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَشِيكٌ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ بِمَكَّةَ حَتَّى لَا يُسْتَخْفَى فِيهَا بِالْإِيمَانِ تَثْبِيتًا يُثَبِّتُهُمْ،
فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَمَرَّ عَلَى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ. أَيْنَ؟، فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ لِأَدْعُوَكُمْ إِلَى اللهِ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا، فَدَعَاهُمْ عُثْمَانُ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَالُوا:
قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ فَانْفُذْ لِحَاجَتِكَ، وَقَامَ إِلَيْهِ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَرَحَّبَ

(4/133)


بِهِ، وَأَسْرَجَ فَرَسَهُ، فَحُمِلَ عُثْمَانُ عَلَى الْفَرَسِ فَأَجَارَهُ وَرَدَفَهُ أَبَانُ، حَتَّى جَاءَ مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ، وَأَخَا بَنِي كِنَانَةَ، ثُمَّ جَاءَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَمَا قَالُوا وَقِيلَ لَهُمْ وَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ إِنَّمَا جَاءَ الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ عُمَّارًا فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَلْيَطُوفُوا، فَشَتَمُوهُ، ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ: سُهَيْلَ بن عمرو، وَحُوَيْطِبَ بِنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ، لِيُصْلِحُوا عَلَيْهِمْ فَكَلَّمُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، فَلَمَّا لَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصُّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ، وَقَدْ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَزَاوَرُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُشْرِكِينَ لَا يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَنْتَظِرُونَ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ، إِذْ رَمَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ فَكَانَتْ مُعَارَكَةً وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَصَاحَ الْفَرِيقَانَ كِلَاهُمَا، وَارْتَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ فِيهِمْ، فَارْتَهَنَ الْمُسْلِمُونَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَارْتَهَنَ الْمُشْرِكُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَمَنْ كَانَ أَتَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْعَةِ، ونَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فَبَايعُوا، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَرَغَّبَهُمُ اللهُ تَعَالَى فَأَرْسَلُوا مَنْ كَانُوا ارْتَهَنُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعَوْا بِالْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي كَيْفِيَّةِ الصُّلْحِ وَالتَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ،
قَالَ: وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: خَلَصَ عُثْمَانُ مِنْ بَيْنِنَا إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ» ، قَالُوا: وَمَا يَمْنَعُهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ خَلَصَ، قَالَ: «ذَلِكَ ظَنِّي بِهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى يَطُوفَ مَعَنَا» ،
فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ:
اشْتَفَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: بِئْسَ مَا ظَنَنْتُمْ بي، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ مَكَثْتُ بِهَا مُقِيمًا سَنَةً وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مُقِيمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا

(4/134)


طُفْتُ بِهَا حَتَّى يَطُوفَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إِلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَأَبَيْتُ قَالَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاللهِ وَأَحْسَنَنَا ظَنًّا [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُلِّغَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كَانُوا قَتَلُوهُ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بَعْضُ آلِ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ: هَذِهِ لِي وَهَذِهِ لِعُثْمَانَ إِنْ كَانَ حَيًّا، ثُمَّ بَلَغَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ بَاطِلٌ فَرَجَعَ عُثْمَانُ [ (3) ] .
قَالَ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ.
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقٌ بِإِبِطِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ صَبَا إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: لَمْ نُبَايِعِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم على الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نفر.
__________
[ (1) ] نقل بعضها الصالحي في السيرة الشامية (5: 77) وقال: «روى البيهقي عن عروة» .
[ (2) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 272) ، ونقله الحافظ ابن كثير في التاريخ (4: 167) .
[ (3) ] سيرة ابن هشام (3: 272) .
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 272) .

(4/135)


وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ وَجَدْنَا رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مُخْتَبِئًا تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ [ (5) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ.
وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ [ (6) ] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ [ (7) ] ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (8) ] .
وحَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، قَالَ:
__________
[ (5) ] الحديث الأول «لم نبايع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ ... » أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة (18) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. الحديث (68) ، ص (1483) .
[ (6) ] في الموضع السابق الحديث (69) ، ص (1483) من صحيح مسلم.
[ (7) ] (سمرة) واحدة السمر، كرجل، شجر الطلح.
[ (8) ] (بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الموت) وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت وهو معنى رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد. وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله. وفي رواية ابن عمر، في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر قال العلماء:
هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات. فالبيعة عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل. وهو معنى البيعة على الموت. أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت.
لا أن الموت مقصود في نفسه. وكذا البيعة على الجهاد، أي والصبر فيه، وَاللهُ أَعْلَمُ.

(4/136)


حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَعْرَجِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ [ (11) ] ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى مَا تُبَايعُنِي؟ فَقَالَ أَبُو سِنَانٍ: عَلَى ما في نفسك.
__________
[ (9) ] مضى بمعناه، وراجع الحاشية (5) من هذا الباب، وسيأتي في الحديث التالي أيضا.
[ (10) ] أخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (76) ، ص (1485) .
[ (11) ] الخبر أخرجه أيضا الحافظ ابن حجر في الإصابة (4: 195) (في ترجمة أبي سنان بن وهب، واسمه عبد الله، ويقال: وهب بن عبيد الله الأسدي، شهد بدرا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ بيعة الرضوان، وبقية الخبر: قال: فتح أو شهادة، قال: نعم، فبايعه، فخرج الناس يبايعون على بيعة أبي سنان.

(4/137)


وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ يَزِيدُ [بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ] ذَكَرَهُ- عَنْ سلمة، [ابن الْأَكْوَعِ] ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ يَزِيدُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:
عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ؟ قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ، قَالَ: أَقْبِلْ فَبَايِعْ، قَالَ: فَدَنَوْتُ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: عَلَى مَا [ (13) ] بَايَعْتَهُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ [ (14) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قال:
__________
[ (12) ] أخرجه البخاري في 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية، الحديث (4169) ، فتح الباري (7: 449) .
[ (13) ] في البخاري: «عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تبايعون؟» .
[ (14) ] البخاري عن أَبِي عَاصِمٍ فِي: 93- كِتَابٍ الأحكام (44) باب من بايع مرتين، فتح الباري (13: 199) .
[ (15) ] أخرجه مسلم من هذا الوجه عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عبيد، عن سلمة في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (80) ، ص (1486) .

(4/138)


حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا. فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَاهَا يَعْنِي الرَّكِيَّةَ [ (16) ] فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ [ (17) ] فِيهَا فَجَاشَتْ [ (18) ] ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا إِلَى الْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَبَايَعَهُ أَوَّلُ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّاسِ، قَالَ: «بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ!» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله قَدْ بَايَعْتُكَ أَوَّلَ النَّاسِ، قَالَ وَأَيْضًا، قَالَ: وَرَآنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزِلًا [ (19) ] فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً [ (20) ] ، ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ أَلَا تُبَايِعُ يَا سَلَمَةُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ، قَالَ: وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَقِيَنِي عَامِرٌ عَزِلًا فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ [ (21) ] اللهُمَّ ابغني [ (22) ] حبيبا
__________
[ (16) ] (جبا الركية) الجبا ما حول البئر. والركيّ البئر. والمشهور في اللغة ركيّ، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعيّ وغيره.
[ (17) ] (وإما بسق) هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى. والسين قليلة الاستعمال.
[ (18) ] (فجاشت) أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
[ (19) ] (عزلا) ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
[ (20) ] (حجفة أو درقة) هما شبيهتان بالترس.
[ (21) ] (إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ) الذي صفة لمحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول، بالرفع، فاعل، والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
[ (22) ] (أبغني) أي أعطني.

(4/139)


هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي،
ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ [ (23) ] حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ [ (24) ] فَاصْطَلَحْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ [ (25) ] أَسْتَقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ [ (26) ] ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكَتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا [ (27) ] وَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْغَضْتُهُمْ ثُمَّ فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الوادي [] الْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ قَالَ فَاخْتَرَطْتُ [ (28) ] سَيْفِي، فَشَدَدْتُ [ (29) ] عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقَّدٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا [ (30) ] فِي يَدَيَّ ثُمَّ قُلْتُ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِي عَيْنَاهُ [ (31) ] ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ [ (32) ] يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُودُهُ [على فرس
__________
[ (23) ] ( [] ) هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
[ (24) ] (مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ) في هنا بمعنى إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع [] المعنى مشى بعضنا مع بعض.
[ (25) ] (كنت تبيعا لطلحة) أي خادما أتبعه.
[ (26) ] (وأحسه) أي أخك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
[ (27) ] (فكسحت شوكها) أي كنست ما تحتها من الشوك.
[ (28) ] (فاخترطت سيفي) أي سللته.
[ (29) ] (شددت) حملت وكررت.
[ (30) ] (ضغثا) الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
[ (31) ] (الذي فيه عيناه) يريد رأسه.
[ (32) ] (العبلات) قال الجوهريّ في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. تردّه إلى الواحد.

(4/140)


مُجَفَّفٍ [ (33) ]] حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعُوهُمْ يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ [ (34) ] فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ [ (35) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [ (36) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ لِيُقَاتِلُوهُ [ (37) ] ، قَالَ: فَأَخَذَهُمْ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلْمًا [ (38) ] ، قَالَ: فَأَعْتَقَهُمْ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ (39) ] .
قَالَ حَمَّادٌ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ الْكَلْبِيَّ قَالَ كَذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ [ (40) ] آخَرَ عَنْ حَمَّادِ.
__________
[ (33) ] (مجفف) أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
[ (34) ] (يكن لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ) البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية:
أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
[ (35) ] الآية الكريمة (24) من سورة الفتح.
[ (36) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد والسير، (45) بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، الحديث (132) ، ص (1433- 1435) .
[ (37) ] في صحيح مسلم: «يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه» .
[ (38) ] في الأصول: «أخذا» وأثبت ما في صحيح مسلم.
[ (39) ] الآية (24) من سورة الفتح.
[ (40) ] الحديث في صحيح مسلم، في: 32- كتاب الجهاد والسير، (46) باب قول اللهُ تَعَالَى:
«وَهُوَ الَّذِي كفّ أيديهم عنكم ... الآية» ، الحديث (133) ، ص (1442) .

(4/141)


بَابُ فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتِ الشَّجَرَةِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وأربع مائة، قَالَ: فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ.
قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ، قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِهَا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ أبي
__________
[ (1) ] [الفتح- 18] .
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية.
وأخرجه مسلم في: 33- كتاب الإمارة، (18) باب استحباب مبايعة الإمام، الحديث (71) ، ص (1484) .

(4/142)


مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عِنْدَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فِي قَابِلٍ [ (3) ] حَاجِّينَ فَخَفِيَ عَلَيْنَا مَكَانُهَا [ (4) ] فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ [ (5) ] .
ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ، يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:
«لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ» ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [ (7) ] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» [ (8) ] .
__________
[ (3) ] (في قابل) : صفة لمحذوف. تقديره: في عام قابل أي قادم.
[ (4) ] حتى لا يفتتن الناس بها.
[ (5) ] مسلم عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ في: 33- كتاب الإمارة، الحديث (77) ، ص (1485) .
[ (6) ] البخاري في: 64- كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية.
[ (7) ] [مريم- 71] .
[ (8) ] [مريم- 72] .

(4/143)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَجَّاجٍ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَشْكُو حَاطِبًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» [ (10) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عن قتيبة.
__________
[ (9) ] أخرجه مسلم فِي: 14- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (37) باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، الحديث (163) ، ص (1942) .
[ (10) ] أخرجه مسلم فِي: 44- كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، (36) باب من فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، الحديث (162) ، ص (1942) .

(4/144)


بَابُ كَيْفَ جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَا: فَدَعَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالُوا اذْهَبْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُونَنَّ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، لَا تَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً.
فَخَرَجَ سُهَيْلٌ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلُ،
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ، حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَدِمَهَا خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِسِلَاحِ الرَّاكِبِ، وَالسُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَانَا مِنْ أَصْحَابِكَ بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكَ مِنَّا بِغَيْرِ إِذَنِ وَلِيِّهِ رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُكْتَبَ الْكِتَابُ، قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كما مضى [ (1) ] .
__________
[ (1) ] تقدم الحديث في بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْآثَارِ فيها، وسبق تخريجه في الحاشية رقم (37) من ذلك الباب.

(4/145)


أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، كَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ، فَأَبَى، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ [ (2) ] . قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: السَّيْفُ بِقِرَابِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لِعَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) : «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ،
__________
[ (2) ] (جلبان السلاح) هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته يعلقه في الرحل.
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 53- كتاب الصلح، (6) باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان.
وأخرجه مسلم في موضعين منهما: 32- كتاب الجهاد، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (91) ، ص (1410) .
كما أخرجه أبو داود في الحج عن الإمام أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، عَنِ غندر نحوه.

(4/146)


فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ سهيل بن عمرو: او نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَصَدَّقْنَاكَ، وَلَمْ نُكَذِّبْكَ، اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَكَتَبَ: مَنْ أَتَانَا مِنْكُمْ رَدَدْنَاهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا تَرَكْنَاهُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُعْطِيهِمْ هَذَا قَالَ: «مَنْ أَتَاهُمْ مِنَّا فَأَبْعَدَهُ اللهُ وَمَنْ أَتَانَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الصُّلْحِ، كَانَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:
«اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو» ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَتَلَكَأُ وَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَّا مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ مُضْطَهَدٌ» ، فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنِ عَمْرٍو [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سياه.
__________
[ (4) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (93) ، ص (1411) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عفّان، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
[ (5) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 273) .

(4/147)


(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ، قَالَ:
بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ. قَالَ: بَلَى. قَالَ:
فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي أَنْفُسِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُمْ. قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ ابْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ قال: يا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ فتح هُوَ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَجَعَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْلَى [ (6) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (7) ] .
__________
[ (6) ] أخرجه البخاري في: 58- كتاب الجزية، (18) باب حدثنا عَبْدَانَ.
[ (7) ] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 32- كتاب الجهاد، (34) باب صلح الحديبية، الحديث (94) ، ص (1411)

(4/148)


بَابُ قَوْلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هشام جار أحمد ابن حَنْبَلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَضَرَنَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَ الْهَوَامُّ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ. قُلْتُ نَعَمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً، أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ... الْآيَةَ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِيَّايَ عُنِيَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ أَبُو بِشْرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ [ (2) ] .
__________
[ (1) ] [البقرة- 196] .
[ (2) ] أخرجه البخاري في المغازي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بن عجرة، وأعاده في تفسير سورة البقرة، فتح الباري (8: 186) باسناد آخر. وفي مواضع أخرى. وبأسانيد مختلفة. تحفة الأشراف (8:
300) .

(4/149)


بَابُ مَا جَرَى فِي إِحْرَامِهِمْ وَتَحَلُّلِهِمْ حِينَ وَقَعَ الْحَصْرُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قوموا فانحروا، وحلوا، فو الله مَا قَامَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! أَلَا تَرَيْنَ إِلَى النَّاسِ، أَيْ آمُرُهُمْ بِالْأَمْرِ لَا يَفْعَلُونَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَلُمْهُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ دَخَلَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا رَأَوْكَ حَمَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ فِي الصُّلْحِ، وَرَجْعَتِكَ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْكَ، فَاخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، حَتَّى تَأْتِيَ هَدْيَكَ فَتَنْحَرَ، وَتَحُلَّ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْكَ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَعَلُوا كَالَّذِي فَعَلْتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدَهَا، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ، فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، قَامُوا فَفَعَلُوا، وَنَحَرُوا، وَحَلَقَ بَعْضُهُمْ، وَقَصَّرَ بَعْضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ:

(4/150)


«وَلِلْمُقَصِّرِينَ» [ (1) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لِمَ ظَاهَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَشْكُوا.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ، غَيْرَ رَجُلَيْنِ قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حَيْثُ حَلَّ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَانْصَرَفَ.
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ إِمْلَاءً، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَارِبٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالْمُقَصِّرِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ:
وَالْمُقَصِّرِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ.
__________
[ (1) ] راجع الحاشية (37) من بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وأخرجه البخاري في المغازي. فتح الباري (7: 453) .
[ (2) ] نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (4: 169) عن ابن إسحاق، وهو في سيرة ابن هشام (3: 275) .

(4/151)


قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُحِرَ أَوْ نَحَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فِيهَا جَمَلُ أبي جهل، فلما صدّق عَنِ الْبَيْتِ، حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا.
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ:
أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلَيْهِ خِشَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ الزِّمَامُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الزِّمَامَ يَكُونُ فِي اللَّحْمِ، وَالْخِشَاشُ يَكُونُ فِي الْعَظْمِ، وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا لِيَغِيظَ بِهِ قُرَيْشًا [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ،، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهَا إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ قَامَ بِهَا ثَلَاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ فليح [ (4) ] .
__________
[ (3) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 276) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 169) .
[ (4) ] أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عن سريج بن النعمان، عن فليح ... في: 53- كتاب الصلح، (7) باب الصلح مع المشركين، الحديث (2701) ، فتح الباري (5: 305) .

(4/152)


أخبرنا أبو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي المعروف الفقيه الاسفرائني بِهَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ: قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَيَحْيَى بْنِ يحيى [ (5) ] .
__________
[ (5) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يحيى في المناسك (62) باب الاشتراك في الهدي، الحديث (350) ص (2: 955) .

(4/153)


بَابُ نُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا ظَهَرَ فِي وَعْدِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تِلْكَ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمِ،
وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَدُعَاءِ الْمُحَلِّقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَوَجَدَ تَصْدِيقَ الْفَتْحِ وَالْمَغَانِمَ الْكَثِيرَةِ، وَدُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ تَصْدِيقَ الدُّعَاءِ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ. فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ، وَدَلَالَاتِ الصِّدْقِ فِي الرِّسَالَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ وُجِدَ تَصْدِيقُ غَلَبَةِ الرُّومِ فَارِسَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ... وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (1) ] ، ويقال أن أوتي بَأْسٍ شَدِيدٍ» هَوَازِنُ فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ أَيْضًا.
فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله البوسنجيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابن مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، حَتَّى تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فلَمْ أَنْشِبْ أَنْ
__________
[ (1) ] [الروم- 2] .

(4/154)


سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ، قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (2) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وحديث القعبني نَحْوُهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ [ (3) ] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، جَعَلَتْ نَاقَتُهُ تَثْقُلُ، فَتَقَدَّمْنَا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ مِنَ السُّرُورِ مَا شَاءَ اللهُ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ عَرَّسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْرُسُنَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَدْرَكَنِي النَّوْمُ فَنِمْتُ، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إِلَّا بِالشَّمْسِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظْنَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ أَنْ لَا تَنَامُوا عَنْهَا، لَمْ تَنَامُوا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ ذَهَبَ الْقَوْمُ فِي طَلَبِ رواحلهم، فجاؤوا بِهِنَّ غَيْرَ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اذْهَبْ هَاهُنَا، فَوَجَّهَنِي وَجْهًا، فَذَهَبْتُ حَيْثُ وَجَّهَنِي، فَوَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ، فَجِئْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَجَدْتُ زِمَامَهَا قَدِ الْتَوَى بِشَجَرَةٍ مَا كَانَ يَحُلُّهَا إِلَّا يد.
__________
[ (2) ] أول سورة الفتح.
[ (3) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح، الحديث (4833) ، فتح الباري (8: 582) .

(4/155)


كَذَا قَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا كُنَّا، فَذَكَرَ مَوْضِعًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ، قَالَ، بِلَالٌ: أَنَا. قَالَ: إِذًا تَنَامَ. قَالَ: فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَيْقَظَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقِيلَ: تَكَلَّمُوا لَعَلَّهُ يَسْتَيْقِظُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، وَكَذَلِكَ يفعل من نام أونسى.
قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمَسْعُودِيِّ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ، تَأْرِيخَ نُزُولِ السُّورَةِ، حِينَ أَقْبَلُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَطْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ الرَّاحِلَةِ، وَكَانَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعٌ، يَعْنِي ابْنَ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا، إِذَا النَّاسُ يُوجِفُونَ الْأَبَاعِرَ، [ (4) ] قَالَ:
فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ ما لوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نُوجِفُ مَعَ النَّاسِ، حَتَّى وَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفًا عَنْ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَعْضُ مَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ، قَرَأَ عَلَيْهِمْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
__________
[ (4) ] يوجفون الأباعر: يحركون رواحلهم.

(4/156)


قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَوْ فتح هُوَ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ.
قَالَ: ثُمَّ قُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الجيش ألفا وخمس مائة، فيهم ثلاث مائة فارس، فكان للفارس سهمين. كَذَا رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ فِي قِسْمَةِ خَيْبَرَ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى وَبُنْدَارٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ [ (6) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (7) ] أَبُو عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. [ (8) ] قَالَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ [ (9) ] ، فَقَالَ: رَجُلٌ: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللهِ. هَذَا لَكَ، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَحَدَّثْتُهُمْ، عَنْ قَتَادَةَ،
__________
[ (5) ] أخرجه أبو داود في الجهاد، باب فيمن أسهم له سهما عن محمد بن عيسى، الحديث (2736) ، ص (3: 76) .
[ (6) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن بندار في: 65: كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح، الحديث (4834) ، فتح الباري (8: 583) .
[ (7) ] في (ح) : «أخبرنا» .
[ (8) ] أول سورة الفتح.
[ (9) ] الحديث في فتح الباري (8: 583) .

(4/157)


عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ، فَعَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا الثَّانِي لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... [ (10) ] ، فَعَنْ عِكْرِمَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الرَّصَاصِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ فَجَعَلَ الْأَوَّلَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَجَعَلَ الثَّانِيَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [ (11) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ إِمْلَاءً، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مَرْجِعَهُ من الحديبية، وأصحابه مخالطوا [ (12) ] الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ [ (13) ] فَقَالَ:
نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا تَلَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ مَا يَفْعَلُ، بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (14) ] مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشَيْبَانَ بن عبد الرحمن، عن قَتَادَةَ هَكَذَا، وَفِي رِوَايَةِ شيبان وأصحابه،
__________
[ (10) ] [الفتح- 5] .
[ (11) ] ليس لعكرمة بن أبي جهل سوى حديث واحد في الترمذي. وهو ضعيف. تحفة الأشراف (7: 344) .
[ (12) ] في الصحيح: «وهم يخالطهم» .
[ (13) ] (الكآبة) تغير النفس بالانكسار من شدة الحزن.
[ (14) ] في: 32- كتاب الجهاد والسير (34) باب صلح الحديبية، الحديث (97) ، ص (1413) .

(4/158)


مخالطوا الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ، قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ «وَلَمَّا نَزَلَتْ: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [ (15) ] . نَزَلَ بَعْدَهَا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ. قَدْ عَلِمْنَا مَا يُفْعَلُ بِكَ، مَا يُفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً.. [ (16) ] ،
قَالَ: وَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ: الْجَنَّةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَا: ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَاجِعًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَتْحِ، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً فَكَانَتِ الْقَضِيَّةُ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَمَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ بَيْعَةِ رَسُولِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا أَمِنَ النَّاسُ وَتَفَاوَضُوا، لَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ، بالإسلام
__________
[ (15) ] [الأحقاف- 9] .
[ (16) ] [الأحزاب- 47] .

(4/159)


إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحًا عَظِيمًا [ (17) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (18) ] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله بن الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالُوا وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ رَاجِعًا، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا. بِفَتْحٍ، لَقَدْ صُدِدْنَا عَنِ الْبَيْتِ وَصُدَّ هَدْيُنَا، وَعَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَدِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِفَتْحٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ الْكَلَامُ! هَذَا أَعْظَمُ الْفَتْحِ، لَقَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَنْ بِلَادِهِمْ، وَيَسْأَلُونَكُمُ الْقَضِيَّةَ، وَيَرْغَبُونَ إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا وَقَدْ أَظْفَرَكُمُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِمْ، وَرَدَّكُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا؟
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، والله
__________
[ (17) ] تقدم الحديث في سياق قصة الحديبية، وراجع الحاشية (37) من ذلك الباب.
[ (18) ] في (ح) : «أخبرنا» .

(4/160)


يَا نَبِيَّ اللهِ مَا فَكَّرْنَا فِيمَا فَكَّرْتَ فِيهِ، وَلَأَنْتَ أَعْلَمُ بِاللهِ- عَزَّ وَجَلَّ، وَبِالْأُمُورِ مِنَّا، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ الْفَتْحِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.. إِلَى قَوْلِهِ:
صِراطاً مُسْتَقِيماً [ (19) ] فَبَشَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِمَغْفِرَتِهِ، وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ، وَفِي طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ، وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا الْمُنَافِقُونَ مُعْتَلُّونَ بِهِ إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنْ لَنْ يَرْجِعَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا، وَظَنُّوا السُّوءَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ إِذَا انْطَلَقُوا إِلَى مَغَانِمَ لِيَأْخُذُوهَا، الْتَمَسُوا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ لِعَرَضِ الدُّنْيَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ سَيُدْعَونَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، يُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ مَا يَبْتَلِيهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوا، أَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَإِنْ تَوَلَّوْا كَفِعْلِهِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، عَذَّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَثَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفَتْحِ، وَالْمَغَانِمِ الْكَثِيرَةِ، «وَعَجَّلَ لَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً» ، ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِكَفِّ أَيْدِي الْعَدُوِّ عَنْهُمْ، ثُمَّ بَشَّرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْ «لَوْ قَاتَلَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ، ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، ولأعطيّنكُم النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَيْهِمْ» .
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَصَدَّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنْ لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَوْ كَانَ قِتَالٌ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (20) ] .
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَمِيَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قلوبهم حين أبو أَنْ يُقِرُّوا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِاسْمِهِ، وَلِلرَّسُولِ بِاسْمِهِ، وَذَكَرَ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى
__________
[ (19) ] [الفتح: 1- 5] .
[ (20) ] [الفتح- 25] .

(4/161)


الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السَّكِينَةِ حَتَّى لَا يَحْمُوا كَمَا حَمِيَ الْمُشْرِكُونَ لِوَقْعِ الْقِتَالِ، فَيَكُونَ فِيهِ مَعَرَّةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أنه قد دق رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ إِلَى فَتْحاً قَرِيباً [ (21) ] هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَحَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة بمعناه.
قَالَ: وَالْفَتْحُ الْقَرِيبُ، الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلم مِنَ الظَّفَرِ عَلَى عَدُوِّهِ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صُدَّ فِيهِ آمِنًا هُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَيَقُولُ نَاسٌ: الْفَتْحُ الْقَرِيبُ خَيْبَرُ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا. وَقَدْ سَمَّى اللهُ فَتْحَ خَيْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَتْحًا قَرِيبًا، قَالَ:
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [ (22) ] فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ سَنَتَيْنِ، يَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عقبة، وحديث عروة بمعناه.
وَقَولُهُمَا سَنَتَيْنِ، يُرِيدَانِ بَقَاءَهُ، حَتَّى نَقْضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: قَوْلُهُ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللهِ، وَظُهُورِ أهل الكتاب على المجوس.
__________
[ (21) ] [الفتح- 27] .
[ (22) ] [الفتح- 18] .

(4/162)


قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ [ (23) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ: وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً، قَالَ: خَيْبَرُ، قَالَ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها، قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَوْلُهُ، وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها. قَالَ: هُوَ مَا أَصَبْتُمْ بعده [ (24) ] .
__________
[ (23) ] قال الزهري: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه فلقد دَخَلَ فِي تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك وأكثر.
قال ابن هشام: ويدل عليه أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف.
[ (24) ] نقله القرطبي في التفسير (16: 279) ، وقال: وهو قول الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى.
وعن ابن عباس أيضا والضحاك وابن زيد وابن إسحاق: هي خيبر، وعدها الله نبيّه قبل أن يفتحها، ولم يكونوا يرجونها حتى أخبرهم الله بها. وعن الحسن أيضا وقتادة: هو فتح مكة.
وقال عكرمة: حنين، لأنه قال: «لم تقدروا عليها» . وهذا يدل على تقدم محاولة لها وفوات درك المطلوب في الحال كما كان في مكة، قاله القشيري. وقال مجاهد: هي ما يكون إلى يوم القيامة. ومعنى «قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا» : أي أعدّها لكم، فهي كالشيء الذي قد أحيط به

(4/163)


أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ قَدْ أحاط الله بها أَنَّهَا سَتَكُونُ، لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا عِلْمًا أَنَّهَا لَكُمْ [ (25) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أُرِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ آمِنِينَ محلقين رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ حِينَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَيْنَ رُؤْيَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (26) ] يَعْنِي النَّحْرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَفَتَحُوا خَيْبَرَ ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ تَصْدِيقُ رُؤْيَاهُ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ [ (27) ] .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابَ: شغلتنا
__________
[ () ] من جوانبه، فهو محصور لا يفوت، فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم. وقيل: «أحاط الله بها» علم أنها ستكون لكم، كما قال: «وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بكل شيء علما» . وقيل: حفظها الله عليكم، ليكون فتحها لكم. وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
[ (25) ] راجع الحاشية السابقة.
[ (26) ] [الفتح- 37] .
[ (27) ] كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ارتاب المنافقون حتى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إنه يدخل مكة، فأنزل الله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام، وأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق.
وقيل: إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت، وأنه سيدخل. وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية، وأن رؤيا الأنبياء حق. والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء.

(4/164)


أموالنا [ (28) ] يَعْنِي أَعْرَابَ الْمَدِينَةِ: [ (29) ] جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَتْبَعَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا أَنَذْهَبُ مَعَهُ إِلَى قَوْمٍ جَاءُوهُ فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ فَيُقَاتِلُهُمْ فِي دِيَارِهِمْ فَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ غَافِلِينَ، فَأَرْسَلَهُمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَذَلِكَ الْإِظْفَارُ بِبَطْنِ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَعَدَهُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً، وَعَجَّلَ لَهُ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ الْمُخَلَّفُونَ: ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ، وَهِيَ الْمَغَانِمُ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ وَأَمَّا الْمَغَانِمُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي وُعِدُوا فَمَا يَأْخُذُونَ إِلَى الْيَوْمِ وَقَوْلُهُ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، قَالَ:
هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:
فَارِسُ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قال:
__________
[ (28) ] [الفتح- 11] .
[ (29) ] قال مجاهد وابن عباس: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدّيل، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أراد السفر إلى مكة عام الفتح، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حذرا من قريش، وأحرم بعمرة وساق معه الهدي، ليعلم النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ حربا فتثاقلوا عنه واعتلّوا بالشّغل، فنزلت. وإنما قال: «المخلّفون» لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيّه. والمخلّف المتروك. وقد مضى في براءة» . شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا أي ليس لنا من يقوم بهما. فَاسْتَغْفِرْ لَنا جاءوا يطلبون الاستغفار واعتقادهم بخلاف ظاهرهم، ففضحهم الله تعالى بقوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وهذا هو النفاق المحض. قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا.

(4/165)


حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يَقُولُ فَارِسُ.
وَقِيلَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ [ (30) ] .
قَالَ سَعِيدٌ: قِيلَ لِهُشَيْمٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَنْ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَقُولُ فَهُوَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَلَى هَذَا أُوجِدَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي إِيَاسِ بْنِ بَكْرٍ، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ، وَبَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي أَيَّامِ عَمْرٍو، وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى حَرْبِ كِسْرَى، وَأَهْلِ فَارِسَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: فَارِسُ وَالرُّومُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ تَنْحِيَةَ أَهْلِ الرُّومِ عَنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَتَصْدِيقُ أَوَائِلِهِ وُجِدَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ تَمَّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ مَعَ فَتْحِ فَارِسَ [ (31) ] .
__________
[ (30) ] لخص المسألة القرطبيّ في تفسيره (6: 272) ، فقال: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخرساني: هم فارس. وقال كعب والحسن وعبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: الروم. وعن الحسن أيضا: فارس والروم. وقال ابن جبير: هوازن وثقيف. وقال عكرمة: هوازن. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزّهري ومقاتل: بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة. وقال رافع بن خديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال أبو هريرة: لم تأت هذه الآية بعد. وظاهر الآية يردّه.
[ (31) ] في هذه الآية دليل على صحة إمامة أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم. وأما قول عكرمة وقتادة إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا، لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام، لأنه

(4/166)


وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّصْرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ: هَوَازِنُ، وَبَنُو حَنِيفَةَ. فَعَلَى هَذَا وُجِدَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا فِي زَمَانِهِ وَالْآخَرُ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [ (32) ] . قَالَ السَّكِينَةُ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ هِيَ بعد ريح هفّافة.
__________
[ () ] قال: «لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوّا» فدلّ على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلّم. ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم إلا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ الله عنهما.
الزّمخشري: فإن صحّ ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبدا ما دمتم عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من مرض القلوب والاضطراب في الدّين.
أو على قول مجاهد كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا متطوّعين لا نصيب لهم في المغنم.
[ (32) ] [الْفَتْحِ- 4] .

(4/167)


أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: السَّكِينَةُ مِنَ اللهِ كَهَيْئَةِ الرِّيحِ لَهَا رَأْسٌ مِثْلُ رَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ السَّكِينَةُ هِيَ: الرَّحْمَةُ [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْقَارِعَةُ:
السَّرَايَا، أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دارهم، قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ وَنَحْوُهَا حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ [ (34) ] ، قال: القارعة
__________
[ (33) ] السكينة: هي السكون والطمأنينة، قال ابن عباس: قل سكينة في القرآن هي الطمأنينة إلا التي في البقرة.
[ (34) ] [الرعد- 31] .

(4/168)


السَّرِيَّةُ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قَالَ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ، قال: فتح مكة [ (35) ] .
__________
[ (35) ] وقال القرطبي في تفسير هذه الآية (9: 321) : أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوّهم، ويقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب، قال:
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، كما نزل بالمستهزءين، وهم رؤساء المشركين. وقال عكرمة عن ابن عباس: القارعة النكبة. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة: القارعة الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لهم. «أو تحلّ» أي القارعة. «قريبا من دارهم» قاله قتادة والحسن. وقال ابن عباس: أو تحلّ أنت قريبا من دارهم. وقيل: نزلت الآية بالمدينة، أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كقرى المدينة ومكة.
حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ في فتح مكة، قاله مجاهد وقتادة. وقيل: نزلت بمكة، أي تصيبهم القوارع، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد، فتحلّ قريبا من دارهم، او تحلّ بهم محاصرا لهم، وهذه المحاصرة لأهل الطائف، ولقلاع خيبر، ويأتي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم. وقال الحسن: وعد الله يوم القيامة.

(4/169)


بَابُ إِسْلَامِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ ابن أَبِي مُعَيْطٍ [ (1) ] وهِجْرَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهُدْنَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قاضى رسول
__________
[ (1) ] قال ابن عبد البر في الاستيعاب:
(أُمُّ كُلْثُومٍ) بِنْتُ عُقْبَةَ بن أبي معيط واسم أبي معيط ابان بن أبي عمرو واسم أبي عمرو ذكوان بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مناف. أمها أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عبد مناف أسلمت أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بمكة قبل أن يأخذ النساء في الهجرة إلى المدينة ثم هاجرت وبايعت فهي من المهاجرات المبايعات وقيل هي أول من هاجر من النساء كانت هجرتها في سنة سبع في الهدنة التي كانت بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وبين المشركين من قريش وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن يرد عليهم من جاء مؤمنا وفيها نزلت إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية وذلك أنها لما هاجرت لحقها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة ليرداها فمنعها الله منهما بالإسلام. قال ابن إسحاق وهاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط في هدنة الحديبية فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك، قال أبو عمر يقولون أنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة فلما قدمت المدينة تزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوام فولدت له زينب ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا ومنهم من يقول أنهم ولدت لعبد الرحمن إبراهيم وحميدا ومحمدا وإسماعيل ومات عنها فتزوجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهرا وماتت وهي أخت عثمان لأمه.

(4/170)


الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَنْزَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فِيمَا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ، كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَخَلَّيْتَ بينهما وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّ يَوْمَئِذٍ: أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ الله فيهم: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] .
قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ [ (3) ] الْآيَةَ.
قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ [ (4) ] .
__________
[ (2) ] الآية (10) من سورة الممتحنة، والحديث تقدم بالحاشية (37) من بَابُ سِيَاقِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
[ (3) ] [الممتحنة- 12] .
[ (4) ] تقدم تخريج الحديث في سياق قصة الحديبية.

(4/171)


بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ الثَّقَفِيِّ وَأَصْحَابِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ: ولَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ انْغَلَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ له: أبو بصير ابن أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي مُنْقِذٍ: أَحَدُهُمَا زَعَمُوا مَوْلًى، وَالْآخَرُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ اسْمُهُ جَحْشُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ذَا جَلَدٍ، وَرَأْيٍ فِي أَنْفُسِ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ لَهُمَا الْأَخْنَسُ فِي طَلَبِ أَبِي بَصِيرٍ جُعْلًا فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ أَبَا بَصِيرٍ إِلَيْهِمَا، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ سَلَّ جَحْشٌ سَيْفَهُ، ثُمَّ هَزَّهُ فَقَالَ:
لَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي هَذَا فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ: أو

(4/172)


صارم سَيْفُكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَيُقَالُ: بَلْ تَنَاوَلَ أَبُو بَصِيرٍ سَيْفَ الْمُنْقِذِيِّ بِفِيهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فَقَطَعَ إِسَارَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَجَمَزَ مَذْعُورًا مُسْتَخْفِيًا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَأَقْبَلَ حَتَّى اسْتَغَاثَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ يَتْلُوهُ، فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَفَتْ ذِمَّتُكَ: دَفَعْتَنِي إِلَيْهِمَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ.
سَيُعَذِّبُونَنِي وَيَفْتِنُونَنِي عَنْ دِينِي، فَقَتَلْتُ الْمُنْقِذِيَّ، وَأَفْلَتَنِي هَذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ» ، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، بِسَلَبِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَمِّسْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ إِنِّي إِذَا خَمَّسْتُهُ لَمْ أُوَفِّ لَهُمْ بِالَّذِي عَاهَدْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ شَأْنَكَ بِسَلَبِ صَاحِبِكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ،
فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ مَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ كَانُوا قَدِمُوا مَعَهُ مُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ حَيْثُ قَدِمُوا فَلَمْ يَكُنْ طَلَبَهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ تُرْسِلْ قُرَيْشٌ كَمَا أَرْسَلُوا فِي أَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى كَانُوا بَيْنَ الْعِيصِ، وَذِي الْمَرْوَةِ مِنْ أَرْضِ جُهَيْنَةَ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ مِمَّا يَلِي سِيفَ الْبَحْرِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ يُكْثِرُ أَنْ يقول:
اللهُ رَبِّيَ الْعَلِيُّ الْأَكْبَرُ ... مَنْ يَنْصُرِ اللهُ فَسَوْفَ يُنْصَرُ
وَيَقَعُ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُ
وَانْفَلَتَ أَبُو جندل ابن سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَ أَبِي بَصِيرٍ فِي مَنْزِلٍ كَرِيهٍ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَطَعُوا بِهِ مَادَّاتِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ زَعَمُوا وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ يُصَلِّي لِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو جَنْدَلٍ كَانَ هُوَ يَؤُمُّهُمْ، وَاجْتَمَعَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ حِينَ سَمِعُوا بِقُدُومِهِ نَاسٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَأَسْلَمَ، وَجُهَيْنَةَ، وَطَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى بَلَغُوا ثلاث مائة مُقَاتِلٍ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ.

(4/173)


قَالَ: فَأَقَامُوا مَعَ أَبِي جَنْدَلِ وَأَبِي بَصِيرٍ لَا يَمُرُّ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ إِلَّا أَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَسْأَلُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، وَمَنْ مَعَهُ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَأَمْسِكْهُ غَيْرَ حَرِجٍ أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَالرَّكْبَ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا يَصْلُحُ إِقْرَارُهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ أَبَا جَنْدَلٍ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ أَنَّ طَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُمْ فِيمَا أَحَبُّوا وَفِيمَا كَرِهُوا مِنْ رَأْيِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَأَصْحَابُهُمَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهَا هُنَالِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذُوهُمْ وَمَا مَعَهُمْ وَأَسَرُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا لِصِهْرِ أَبِي الْعَاصِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الْعَاصِ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَبِيهَا كَانَ أَذِنَ لَهَا أَبُو الْعَاصِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ أَنْ تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهَا أَبُو الْعَاصِ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَسَرَ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ وَمَا أَخَذُوا لَهُمْ، فَكَلَّمَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ،
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّا صَاهَرْنَا نَاسًا، وَصَاهَرْنَا أَبَا الْعَاصِ، فَنِعْمَ الصِّهْرُ وَجَدْنَاهُ، وَإِنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذَهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ وَأَبُو بَصِيرٍ، فَأَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَإِنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتَنِي أَنْ أُجِيرَهُمْ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُجِيرُونَ أَبَا الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ،
فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَصْحَابَهُ قول رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْرَى رَدَّ إِلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُمْ حَتَّى الْعِقَالَ، وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جندل وأبي بصير يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُمَا مِمَّنِ اتَّبَعَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْجِعُوا

(4/174)


إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَلَا يَعْتَرِضُوا لِأَحَدٍ مَرَّ بِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَعِيرَانِهَا، فَقَدِمَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَعَمُوا عَلَى أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ، وَأَبُو بَصِيرٍ يَمُوتُ، فَمَاتَ وَكِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ يَقْرَؤُهُ، فَدَفَنَهُ أَبُو جَنْدَلٍ مَكَانَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَقَدِمَ أَبُو جَنْدَلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَرَجَعَ سَائِرُهُمْ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَأَمِنَتْ عِيرَاتُ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ مَا أَدْرَكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ الْفَتْحَ، وَرَجَعَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقَدِمَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْمَدِينَةَ أَوَّلَ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَكَثَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ مُجَاهِدًا إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، هُوَ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَاصْطَحَبَا جَمِيعًا، وَخَرَجَ أَبُو جَنْدَلٍ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمْ يَزَالَا مُجَاهِدَيْنِ بِالشَّامِ، حَتَّى مَاتَا جَمِيعًا، وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهِ إِلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَاخِتَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا بَكْرِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَكَابِرَ وَلَدِهِ، فَهَذَا حَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَفْلَتَهُمْ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَصِيرٍ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَطَلَبَهُ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ، فَرَدَّهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا، فَأَوْثَقَاهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَامَا، فَتَنَاوَلَ السَّيْفَ بِفِيهِ فأمرّه على
__________
[ (1) ] ذكرها ابن عبد البر عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ باختصار شديد في الدرر (195) ، ونقل بعضها ابن كثير في البداية والنهاية (4: 176) ، كما نقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 98- 103) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وعن غيره.

(4/175)


الْإِسَارِ فَقَطَعَهُ، فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا، وَطَلَبَ الْآخَرَ فَسَبَقَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو بَصِيرٍ فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى طَرِيقِ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ، وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا وَخَرَجُوا مُسْلِمِينَ فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُدَّةِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَرِهُوا الثَّوَاءَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَنَزَلُوا مَنْزِلًا قَطَعُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَادَّتَهُمْ مِنَ الشَّامِ وَطَرِيقِ عِيرَانِهِمْ، فَأَرْسَلُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ غَيْرُ حَرِجٍ أَيْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَدْ فَتَحُوا عَلَيْنَا بَابًا لَا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً تَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ الَّذِينَ كَانُوا أَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي جَنْدَلٍ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ أَيْدِي الْقَوْمِ بَعْدَ الْقَضِيَّةِ: أَنَّ طَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ خَيْرٌ فِيمَا كَرِهُوا وَفِيمَا أَحَبُّوا مِنْ رَأْيِ مَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ لَهُ قُوَّةً أَفْضَلُ مِمَّا خَصَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَوْنِ وَالْكَرَامَةِ،
فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ مِثْلَ سِنِي يُوسُفَ» ،
فَجَهَدُوا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ قَطَعْتَ وَأَخَفْتَ مَنْ كَانَ يَحْمِلُ إِلَيْنَا حَتَّى هَلَكَ قَوْمُكَ فَأَمِّنِ النَّاسَ حَتَّى يَحْمِلُوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ حَتَّى حَمَلُوا.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَصَبَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ: اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ ابن أَبِي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ مِثْلَ سِنِيِّ يُوسُفَ،
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو حَتَّى نَجَّاهُمُ اللهُ

(4/176)


عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ [ (2) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: فَذَكَرَ الدُّعَاءَ لِلِمُسْتَضْعَفِينَ [ (3) ] ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَخُذْهُمْ بِسِنِينَ كَسِنِيِّ يُوسُفَ، فَأَكَلُوا الْعِلْهِزَ،
قَالَ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال الوبر والدّم.
__________
[ (2) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، (21) باب فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوّا غفورا، الحديث (4598) ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، فتح الباري (8: 264) .
وأخرجه مسلم في: 5- كتاب المساجد، (54) باب استحباب القنوت في جميع الصلوات، الحديث (295) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرازي، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابن أبي كثير، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ص (467) .
وأخرجه أبو داود في صلاة الوتر، الحديث (1442) ، ص (2: 68) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبراهيم، عن الوليد، عن الأوزاعي ...
[ (3) ] راجع الحاشية السابقة.

(4/177)