دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ [تَعَالَى] [ (1) ] عَنْهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَنُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على ابن أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (2) ] لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [قَالَ] : [ (3) ] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [قَالَ] : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ [قَالَ] حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ بَقِيَّةَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَتْ بَرَاءَةُ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عليه [ (4) ] .
__________
[ (1) ] الزيادة من (ح) .
[ (2) ] ليست في (ح) .
[ (3) ] من (ك) ، وكذا في سائر الإسناد.
[ (4) ] رواه ابن هشام في السيرة (4: 157) ، وبقية الخبر من سيرة ابن هشام: «الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فيما بينه وبينهم: أن لا يصدّ عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك. وكانت بين ذلك عهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص إلى آجال مسماة. فنزلت فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ المنافقين عنه في تبوك، وفي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون: منهم من سمي لنا، ومنهم من لم يسم لنا فقال عَزَّ وَجَلَّ «بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الذين عاهدتم من المشركين» اي:

(5/293)


__________
[ () ] لأهل العهد العام من أهل الشرك «فسيحوا في الأرض اربعة أشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وأن الله مخزى الكافرين وأذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الأكبر ان الله بريء من المشركين ورسوله) أي: بعد هذه الحجة فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اي: العهد الخاص الى الأجل المسمى «ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم الى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم» يعني: الأربعة التي ضرب لهم أجلا (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن احد من المشركين) أي: من هؤلاء الذين امرتك بقتلهم «استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» ثم قال: «كيف يكون للمشركين» الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام أن لا يخيفوكم ولا تخيفوهم في الحرمة ولا في الشهر الحرام «عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام» وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية الى المدة التي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبين قريش فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الديل من بني بكر بن وائل الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته «فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين» ثم قال تعالى: «كيف وإن يظهروا عليكم» اي:
المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة» .
قال ابن هشام: الإلّ: الحلف، قال أوس بن حجر أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم:
لولا بنو مالك والإلّ مرقبة* ومالك فيهم الآلاء والشّرف وهذا البيت في قصيدة له، وجمعه آلال، قال الشاعر:
فلا إلّ من الآلال بيني* وبينكم فلا تألنّ جهدا والذمة: العهد، قال الأجدع بن مالك الهمداني، وهو أبو مسروق بن الأجدع الفقيه:
وكان علينا ذمّة أن تجاوزوا* من الأرض معروفا إلينا ومنكرا وهذا البيت في ثلاثة أبيات له، وجمعها ذمم.
«يرضونكم بأفواههم وتأتي قلوبهم وأكثرهم فاسقون. اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون» اي: قد اعتدوا عليكم «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون» .
قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه، أنه قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد كان بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: «لا يؤدي عني إلا رجل من اهل بيتي. ثم دعا عليّ بن أبي طالب، رضوان الله عليه، فقال له: «اخرج بهذه القصة من صدر

(5/294)


قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم الْعَضْبَاءِ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ [الصِّدِّيقُ] [ (5) ] قَالَ: أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ مَأْمُورٌ.
ثُمَّ مَضَيَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ عليّ ابن أَبِي طَالِبٍ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مشرك، ولا يطوف بالبيت عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِهِ [وَأَجَلَّ النَّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذَّنَ فِيهِمْ لِيَرْجِعَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَأْمَنِهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ ثُمَّ لَا عَهْدَ وَلَا ذِمَّةَ، إِلَّا أَحَدًا كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ فَهُوَ لَهُ: مُدَّتَهُ] [ (6) ] وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْصُولَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ ابْنُ ابْنَةِ: يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي أَنَّ [ (7) ] جَدِّي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ:
بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى
__________
[ () ] براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ العام مشرك ولا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِهِ» .
[ (5) ] الزيادة من (ح) .
[ (6) ] الزيادة من (ح) ، وسيرة ابن هشام (4: 158) .
[ (7) ] في (ح) و (ك) : «حدثنا» .

(5/295)


أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا العام مشرك ولا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ وَيؤَذِّنَ بِهَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ كَافِرٌ وَلَا عُرْيَانٌ [ (8) ] لَفْظُ حَدِيثِ عَاصِمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ: «تِلْكَ الْحَجَّةُ فِي نَفَرٍ بَعَثَهُمْ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ [ (9) ] ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ.
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَأَتْبَعَهُ
__________
[ (8) ] كما في (أ) بخط غير خط الناسخ، وليست في (ح) ، وفي (ك) : «فأذن معنا علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي أهل منى يوم النحر: ألا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ولا يطوف بالبيت عريان» .
[ (9) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة، (22) باب «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أشهر واعلموا ... » الحديث (4655) ، فتح الباري (8: 317) .
[ (10) ] مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزهري:
- البخاري في: 25- كتاب الحج (67) باب لا يطوف بالبيت عريان، الحديث (1622) ، فتح الباري (3: 483) .
- مسلم في: 15- كتاب الحج، (78) باب لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، الحديث (435) ، ص (2: 982) .

(5/296)


عَلِيًّا، فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، إِذْ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْوَاءِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَزِعًا، فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا عَلِيٌّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّرَهُ عَلَى الْمَوْسِمِ وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَقَامَ عَلِيٌّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ «إِنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي بِهَا فَإِذَا أَبَحَّ قَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَنَادَى بِهَا [ (11) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ:
سَأَلْنَا عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ [ (12) ] الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ [ (13) ] أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ [ (14) ] .
أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أبو حمة، حدثنا أبو قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا اسْتَوَى بِالتَّكْبِيرِ سَمِعَ الدَّعْوَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَوَقَفَ عَنِ التَّكْبِيرِ فَقَالَ: هَذِهِ رَغْوَةُ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم الجدعاء، لقد
__________
[ (11) ] مسند أحمد (2: 299) .
[ (12) ] (ك) : «أن لا يدخل» .
[ (13) ] (ك) : أجله إلى أربعة» .
[ (14) ] أخرجه الإمام احمد في «مسنده» (1: 79) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (5: 38) .

(5/297)


بَدَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الْحَجِّ] فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا، فَإِذَا عَلِيٌّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَمِيرٌ أَمْ رَسُولٌ؟ قَالَ: بَلْ رَسُولٌ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةَ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ فِي مَوَاقِفِ الْحَجِّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ عَنْ مَنَاسِكِهِمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ، فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَقِرَاءَةُ عَلِيٍّ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ عَقِيبَ كُلِّ خُطْبَةٍ مِنْ خُطَبِهِ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْشَأَ النَّاسُ الْحَجَّ تَمَامَ سَنَةِ تِسْعٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى النَّاسِ، وَكَتَبَ لَهُ سُنَنَ الْحَجِّ، وَبَعَثَ مَعَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِآيَاتٍ مِنْ بَرَاءَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِمَكَّةَ، وَبِمِنًى وَبِعَرَفَةَ وَبِالْمَشَاعِرِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ: بَرِئَتْ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ حَجَّ بَعْدَ الْعَامِ أَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَأَجَّلَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَسَارَ عَلِيٌّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمِ الْقُرْآنَ «بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (16) ] الْآيَةَ.
وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
__________
[ (15) ] أخرجه النسائي في الحج (187) باب الخطبة قبل يوم التروية، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي قرة موسى بن طارق، عن ابن جريج، عنه: وقال النسائي: «ابن خثيم ليس بالقوي، إنما أخرجت هذا لئلا يجعل ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ الزبير.
[ (16) ] [31- الأعراف] .

(5/298)