ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى

القسم الثاني في ذكر مناقب القرابة على وجه التفصيل إلا من دعت ضرورة التأليف إلى إدخاله في القسم الاول اتباعا لمناسبة التأليف.
وفيه أبواب: الباب الاول في ذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه فصول: الفصل الاول في كنيتهم ومواليدهم وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه: وجملة ما اتفق عليه ستة: ابنان القاسم وإبراهيم وأربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكلهن أدركن الاسلام وهاجرن معه.
اختلف فيما سوى هؤلاء قيل لم يكن له صلى الله عليه وسلم سواهم.
حكاه أبو عمر والمشهور خلافه

(1/151)


قال ابن إسحاق كان له صلى الله عليه وسلم الطاهر والطيب أيضا فيكون على هذا جملتهم ثمانية أربعة ذكور وأربعة إناث.
وقال الزبير بن بكار له غير إبراهيم القاسم وعبد الله مات صغيرا بمكة ويقال له الطيب والطاهر ثلاثة أسماء وهو قول أكثر أهل النسب قاله
أبو عمر.
وقال الدارقطني وهو الا ثبت وسمى بالطيب والطاهر لانه ولد بعد النبوة فيكون على هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذكور وقيل عبد الله غير الطيب والطاهر.
حكاه الدارقطني وغيره فيكون على هذا جملتهم تسعة خمسة ذكور.
وقيل كان له صلى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا في بطن والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
ذكره صاحب الصفوة فيكونون على هذا أحد عشر.
وقيل ولد له صلى الله عليه وسلم ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف فيكونون على هذا اثنى عشر وهذا القائل يقول أولاده كلهم سوى هذا ولد في الاسلام وهلك البنون قبل الاسلام وهم يرضعون، وقد تقدم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوة فذلك سمى بالطيب والطاهر فيحصل من مجموع الاقوال على ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وإبراهيم وستة مختلف فيهم عبد مناف وعبد الله والطيب والمطيب والطاهر والمطهر، والاصح أنهم ثلاثا ذكور والاربع البنات متفق عليهن وكلهن من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم.
وذكرها وذكر مناقبها مستوفى في كتاب مناقب الازواج.
وعن هشام بن عروة عن أبيه ولدت خديجة للنبى صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم قلت لهشام فأين الطيب والطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم يا أهل العراق فأما أشياخنا فقالوا عبد العزى وعبد المناف والقاسم، ولا يجعل عبد العزى على هذه الرواية تاسعا لان رواتها تنفى ما سوى الثلاثة بخلاف ما تقدم.
وهذا خرجه أبو الجهم الباهلى.
وكان أكبر ولده صلى الله عليه وسلم القاسم وبه كان يكنى وعاش عليه السلام حتى مشى وقيل عاش سنتين، وقال مجاهد مكث سبع ليال ثم هلك رحمة الله عليه.
ذكره ابن قتيبة، وقيل بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيب (1) ومات قبل المبعث أو بعده على الخلاف المتقدم وهو أول من مات من ولده ثم ولد
__________
(1) النجيب: الفاضل من كل حيوان.

(1/152)


له صلى الله عليه وسلم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله، وقيل رقية أكبر من أم كلثوم وهو الاشبه لان عثمان تزوجها أولا في أول إسلامه ثم أم كلثوم بعدها بعد وقعة بدر والظاهر أن الكبيرة تزوج أولا وإن جاز خلافه.
والاكثر أن فاطمة أصغرهن سنا، ولا خلاف أن زينب أكبرهن سنا.
قاله أبو عمر.
وسنذكر نبذا من أخبار إبراهيم والبنات ومناقبهم ونخص كل واحد بفصل إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث * (في ذكر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أمه وميلاده وعقيقته وما يتعلق بذلك) * أمه مارية القبطية بنت شمعون وذكرها مستوفى في فضل سراريه صلى الله عليه وسلم من كتاب مناقب أمهات المؤمنين.
ولد في ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة.
وذكر الزبير بن بكار عن أشياخه أنه ولد بالعالية وكانت سلمى زوجة أبى رافع مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلته فبشر أبو رافع به النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبش وحلق رأسه حلقه أبو هند وسماه يومئذ وتصدق بزنة شعره ورقا على المساكين ودفنوا شعره في الارض.
هكذا قال الزبير سماه يوم سابعه.
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولد لى الليلة غلام فسميته باسم أبى إبراهيم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين - أي حداد - بالمدينة يقال له أبو سيف قال فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه واتبعته فانتهى إلى أبى سيف وهو ينفخ في كيره وقد امتلا البيت دخانا فأسرعت بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبى فضمه إليه فقال ما شاء الله أن يقول قال ولقد رأيته يكيد بنفسه فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تدمع العين ويحزن القلب.
ولا نقول إلا ما يرضى الرب والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون.
أخرجاه.
(شرح) : القين الحداد وجمعه قيون.
ويكيد بنفسه أي يجود بها ولا تضادد بين هذا وبين ما تقدم من أن التسمية كانت يوم سابعه بل هو محمول على أن التسمية كانت

(1/153)


قبل يوم السابع على ما تضمنه حديث انس ثم أظهرت التسمية يوم السابع على ما تضمنه حديث الزبير.
ويحمل أمره صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نبى الله صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الاذى عنه والعق.
خرجه الترمذي وقال حسن غريب على أنها لا تؤخر عن السابع إلا أنها لا تكون إلا فيه.
بل هي مشروعة من وقت الولادة إلى يوم السابع.
(ذكر من أرضعه عليه السلام) قال الزبير بن بكار تنافست الانصار فيمن يرضعه أحبوا أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلعون من جنوحه إليها وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة من ضأن ترعى بالقف - القف واد من أودية المدينة - ولقاح تروح عليها وكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب وتسقى ابنها فجاءت أم بردة بنت المنذر ابن يزيد الانصاري وزوجة البراء بن أويس فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ترضعه فكانت ترضعه بلبن ابنها في بنى مازن بن النجار وترجع به إلى أمه وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل.
وقد تقدم في الذكر قبله أنه أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن توفى من غير أن يكون بينهما تضادد غير أنه قد جاء أن توفى عند أم بردة وسيأتى في الذكر بعده فيرجع في الترجيح إلى الصحيح.
(ذكر ما جاء أن لابراهيم عليه السلام ظئرا في الجنة تتم رضاعه) عن أنس بن مالك قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابنه ابراهيم مسترضعا في العوالي بالمدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابني
ابراهيم كان في الثدى وإن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة.
خرجه أبو حاتم.
(شرح) الظئر: الامام من الرضاعة وجمعة ظآر على فعال بالضم وظؤور وأظآر.
وعن البراء قال لما توفى ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن له مرضعا في الجنة) خرجه أبو حاتم

(1/154)


(ذكر وفاته عليه السلام) عن جابر بن عبد الله قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى به النخل فإذا ابنه ابراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم قال (يا ابراهيم إنا لانغنى عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه ثم قال يا ابراهيم إنا لانغنى عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه ثم قال يا ابراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وان آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنابك يا إبراهيم لمحزونون تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب.
خرجه بهذا السياق أبو عمر وابن السماك ومعناه في الصحيح.
(شرح) : ذرفت عيناه دمعت يقال ذرف الدمع ذرفا وذرفانا أي سال.
وقال الواقدي توفى ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الاول سنة عشر في بنى مازن عند أم بردة ابنة المنذر من بنى النجار ودفن بالبقيع، قال غيره وحمل على سرير صغير وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وكبر عليه أربعا، وقال ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون، ومعنى الفرط والفارط المتقدم للقوم والاصل فيه المتقدم إلى الماء ليرتاد لهم ويهيئ لهم الدلاء والارشية (1) .
وروت عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ابنه ابراهيم ولم يصل عليه.
خرجه أبو عمر ولا يصح والاول قول الجمهور، ويجوز أن يكون معنى قولها ولم يصل عليه أي بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه، أو لم يصل
عليه في جماعة فلا تضادد بين هذا وبين قول الجمهور.
وروى أنه غسله أبو بردة.
وروى الفضل بن عباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل في قبره الفضل وأسامة والنبى صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، ولما دفن رش قبره وعلم بعلامة قال الزبير وهو أول قبر رش.
ذكر سنة عليه السلام قال أهل العلم بالتاريخ مات وله ستة عشرا شهرا وقيل ثمانية عشر.
__________
(1) الارشية: الحبال.

(1/155)


(ذكر ما جاء أن الشمس انكسفت يوم موته) عن جابر بن عبد الله قال انكسفت الشمس يوم مات ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت لموت ابراهيم فقال عليه السلام (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل وإنها لا يكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي.
أخرجاه، وقد ذكر في معنى قولهم ذلك أن الغالب في كسوف الشمس أن يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين فكسفت في يوم موت ابراهيم وكان يوم العاشر من ربيع الاول فلذلك قالوا ذلك والله أعلم.
ذكر ما جاء أن ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو عاش كان نبيا، والتوصية بأخواله عن أنس بن مالك وقد قيل له كم كان بلغ ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد كان ملا لهذه ولو بقى لكان نبيا ولكن لم يبق لان نبيكم آخر الانبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
خرجه أبو عمر.
وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف يخص إبراهيم وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبي نبيا بدليل ابن نوح عليه السلام.
قال أبو عمر وروى انه صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم ذمة ورحما.
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لو عاش
إبراهيم لاعتقت أخواله ولو ضعت الجزية عن كل قبطى.
(الفصل الثالث في ذكر فاطمة سيدة نساء العالمين) وقد تقدمت أحاديث هذا الفصل في القسم الاول دعت إليه ضرورة التأليف.
(الفصل الرابع في ذكر زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد تقدم بيان انها أكبر بناته بلا خلاف إلا مالا يصح، وإنما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أولا قال ابن اسحاق سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي يقول ولدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وأدركت الاسلام وأسلمت وهاجرت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبا فيها.

(1/156)


(ذكر تزويجها رضى الله عنها) وكان تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهلية واسمه لقيط وعليه الاكثر وقيل هشيم وقيل مهشم، أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة لابيها وأمها.
قاله الدارقطني.
فخديجة خالته.
عن عائشة رضى الله عنها قالت كان ابن العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة فقالت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه الوحى فزوجه زينب فلما أكرم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنبوته آمنت خديجة وبناته فلما نادى قريشا بأمر الله تعالى أتوا أبا العاص بن الربيع فقالوا فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأى امرأة شئت من قريش فقال لا والله لاأفارق صاحبتي وما يسرنى أن لى بامرأتي أفضل امرأة من قريش.
ذكر هجرتها صلوات الله تعالى على أبيها وعليها عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة
خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الاسود فجعل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها فألقت ما في بطنها وأهريقت دما فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية فقالت بنو أمية نحن أحق بها لكونها تحت ابن عمهم أبى العاص فكانت عند هند فكانت تقول لها هذا في سبب أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ألا تنطلق فتجيئني بزينب قال بلى يا رسول الله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقى راعيا فقال لمن ترعى قال لابي العاص فقال لمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ولا تذكره لاحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعى فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت وأين تركته قال مكان كذا وكذا فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه فلما جاءته قال لها زيد اركبي بين يدى على بعيرى قالت

(1/157)


لا ولكن اركب أنت بين يدى فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هي أفضل بناتى أصيبت في فبلغ ذلك على بن الحسين فانطلق إلى عروة فقال ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص به حق فاطمة قال عروة ما أحب أن لى ما بين المشرق والمغرب وانى أنتقص فاطمة حقا هو لها وأما بعد فلك على أن لا أحدث به أحدا.
أخرجه الدولابى.
وقد روى ان أبا العاص لما أسر يوم بدر وفدى نفسه وأطلق أخذ عليه العهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفذها إليه إذا عاد إلى مكة ففعل فجاءت مهاجرة إلى المدينة.
خرجه الفضائلى، ولعل الهجرة الاولى كانت بارسال أبى العاص فلما منعتها قريش خرج زيد وأتى بها، ولا تضادد بينهما.
(ذكر إسلام زوجها أبى العاص)
قال أبو عمر وغيره: كان أبو العاص بن الربيع ممن شهد بدرا مع كفار قريش وأسره عبد الله بن جبير بن النعمان الانصاري فلما بعث أهل مكة فداء أسراهم قدم في فدائه أخوه عمرو بن الربيع بمال دفعته إليه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك قلادة لها كانت خديجة أمها قد أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا الذى لها فافعلوا فقالوا نعم وكان ابو العاص بن الربيع مواخيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيا له وكان صلى الله عليه وسلم قد شكر مصاهرته وأثنى عليها خيرا حين أبى أن يطلق زينب لما سألته قريش ذلك وهاجرت زينب مسلمة وتركته على شركه فلم يزل كذلك مقيما على الشرك حتى كان قبل الفتح خرج لتجارة إلى الشام ومعه أموال لقريش فلما انصرف قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم زيد بن حارثة وكان أبو العاص في جماعة عير وكان زيد في نحو سبعين ومائة فأخذوا ما في تلك العير من الاثقال وأسروا أناسا منهم أبو العاص فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أبو العاص من الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وكبر الناس معه صرخت زينب أيها الناس

(1/158)


إنى قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل عن الناس فقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذى نفسي بيده ما علمت بشئ كان حتى سمعت منه ما سمعتم إنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فانك لاتحلين له فقالت إنه جاء في طلب ماله فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى تلك السرية فاجتمعوا إليه فقال لهم إن هذا الرجل منا بحيث تعلمون وقد أصبتم له مالا وهو مما أفاء الله عليكم وأنا أحب أن تحسنوا
وتردوا الذى له إليه وإن أبيتم فأنتم أحق به قالوا يا رسول الله بل نرده عليه فردوا عليه ماله فلما قدم مكة أدى إلى كل ذى مال من قريش ماله الذى كان أبضع معه ثم قال يا معشر قريش هل بقى لاحد منكم مال لم يأخذه قالوا جزاك الله خيرا لقد وجدناك وفيا كريما قال فانى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله والله ما منعنى من الاسلام إلا تخوف أن تظنوا بى أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه رضى الله عنه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته عليه.
خرج ذلك كله ابن اسحق وموسى ابن عقبة.
وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها زوجها أن خذى لى أمانا من أبيك فخرجت فأطلعت رأسها من باب حجرتها والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس فقالت أيها الناس أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنى قد أجرت أبا العاص ابن الربيع فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيها الناس إنى لم أعلم بها حتى سمعتموه ألا وانه يجير على المسلمين أدناهم.
خرجه الدولابى.
(ذكر حكم نكاحة بعد الاسلام) عن ابن عباس قال رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبى العاص بن الربيع بالنكاح الاول لم يحدث شيئا.
وفى رواية بعد سنتين.
وفى رواية بعد ست سنين.
خرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لم يحدث نكاحا.
وقال ليس باسناده بأس وعن

(1/159)


عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبى العاص بمهر جديد ونكاح جديد.
خرجه الدارقطني وقال حجاج يعنى راوي الحديث لا يحتج بحديثه.
والصواب حديث ابن عباس، وقال الترمذي في إسناده مقال.
وعن عائشة قالت كان الاسلام قد فرق بين زينب وبين أبى العاص حين
أسلمت الا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على أن يفرق بينهما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبا بمكة.
خرجه الدولابى.
(ذكر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أبى العاص) عن المسور بن مخرمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فقال إن فاطمة منى وأخاف أن تفتن في دينها وذكر صهرا من بنى عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن وقال حدثنى فصدقني ووعدني فوفاني.
أخرجاه.
(ذكر وفاة زينب رضى الله عنها) ماتت زينب صلوات الله على أبيها وعليها في حياة ابيها صلى الله عليه وسلم في سنة ثمان من الهجرة وكان سبب وفاتها سقوطها من بعيرها لما طعنه هبار على ما تقدم، سقطت على صخرة وأهر يقت دما ولم تزل مريضة بذلك حتى ماتت.
قاله أبو عمر.
وعن أبى عمر زاد ان قال لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب جلس عند القبر فتربد (1) وجهه ثم سرى عنه فسأله أصحابه عن ذلك فقال ذكرت ابنتى زينب وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها وايم الله لقد ضمت ضمة سمعها ما بين الخافقين.
خرجه سعيد بن منصور في سننه.
وكان زوجها أبو العاص محبا فيها فقال وهو متوجه في أسفاره إلى الشام: ذكرت زينب لما وركت أرما فقلت سقيا لشخص يسكن الكرما بنت الامين جزاها الله صالحة وكل بعل سيثنى بالذى علما (شرح) : وركت: أي اضطجعت يقال ورك يرك وروكا إذا اضطجع كأنه وضع وركه على الارض، أرما الارم الحجر الذى ينصب علما في المفازة
__________
(1) أي تغير إلى الغبرة وقيل الربدة لون بين السواد والغبرة.
(2) بالاصل (المغارة) وهو غلط.

(1/160)


والجمع وأرام وأروم نحو ضلع وأضلاع وضلوع، فلعله أراد ذلك توسعا أي انها
اضطجعت على الحجارة أو اضطجعت ونصب لها حجر علامة، والكرم ضد اللؤم فلعله أراد جعله كالمنزل لها استعارة وتوسعا.
ثم تزوج أبو العاص بنت سعيد بن العاص وهلك بالمدينة وأوصى إلى الزبير بن العوام.
(ذكر ولدها) قال أبو عمر وغيره ولدت زينب من أبى العاص غلاما يقال له على مات وقد ناهز الحلم.
وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، وجارية يقال لها أمامة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها وكان يحملها في الصلاة على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها.
عن أبى قتادة قال بينا نحن في المسجد جلوس إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبى العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى صبية يحملها على عاتقه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها.
أخرجاه.
وعن عائشة قالت أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها قلادة من جزع قال لادفعنها إلى أحب أهلى إلى فقال النساء ذهبت بها ابنة أبى قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبى العاص من زينب فأعلقها في عنقها.
(شرح) : علق وأعلق بمعنى.
وتزوجها على بن أبى طالب بعد فاطمة وقيل إن فاطمة كانت أوصته بذلك.
ذكره الدارقطني.
وزوجها منه الزبير بن العوام وكان أبوها أوصى بها إليه فولدت له ولدا سماه محمدا وقيل قتل عنها فلم تلد له.
ذكره الدارقطني.
فلما قتل على رضى الله عنه تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكان على قد أمره بذلك بعد لانه خاف أن يتزوجها معاوية فتزوجها فولدت لى يحيى وبه كان يكنى وماتت عنه.
وروى أن عليا قال لها حين حضرته الوفاة إنى لا آمن أن يخطبك يعنى معاوية فان كان لك في الرجال حاجة فقد
رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما انقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان

(1/161)


يأمره أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة ابن نوفل إن هذا أرسل يخطبني فأن كان لك بنا حاجة فاقبل فأقبل وخطبها إلى الحسن ابن على فتزوجها منه.
خرج جميع ذلك أبو عمر.
وذكر الدولابى أن عليا لما أصيب ولت أمرها المغيرة بن نوفل فقال المغيرة بن نوفل إشهدوا أنى قد تزوجتها وأصدقتها كذا وكذا.
(الفصل الخامس) * (في ذكر رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) * ذكر الزبير بن العوام وغيره أنها أكبر بناته صلى الله عليه وسلم، وصححه الجرجاني النسابة.
وقد تقدم أن الاصح والذى عليه الاكثر أن زينب أكبرهن ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون سنة.
(ذكر من تزوجها) كانت رقية تحت عتبة بن أبى لهب وأختها ام كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت (تبت يدا أبى لهب وتب) قال لهما رأسي من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتى محمد ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوج رقية عثمان بن عفان بمكة وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة وكانت ذات جمال رائع.
عن اسامة ابن زيد قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحفة فيها لحم إلى عثمان فدخلت عليه فإذا هو جالس مع رقية ما رأيت زوجا أحسن منها فجعلت مرة أنظر إلى عثمان ومرة أنظر إلى رقية فلما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلت عليهما قلت نعم قال هل رأيت زوجا أحسن منهما قلت لا وقد جعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان.
خرجه البغوي في معجمه.
(شرح) : الزوج يطلق على الاثنين وعلى كل منهما ويطلق عليهما زوجين
ومنه من أنفق زوجين في سبيل الله وفى بعضها زوجا.
وذكر الدولابى أن تزويج عثمان رقية كان في الجاهلية.
وذكر غيره ما يدل على ان تزويجه إياها كان بعد إسلامه، وقد ذكرنا ذلك في فصل إسلامه من كتاب مناقب العشرة.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت اتت قريش عتبة بن ابى لهب فقالوا طلق بنت محمد

(1/162)


ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش.
فقال إن زوجتموني ابنة ابان بن سعيد بن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه ففارقها ولم يكن دخل بها فأخرجها الله من يديه كرامة لها وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان.
(ذكر أن تزويج رقية لعثمان كان بوحى من الله تعالى) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إلى أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان) خرجه الطبراني في معجمه وخرجه خيثمة بن سليمان عن عروة بن الزبير وزاد بعد قوله كريمتي يعنى رقية وأم كلثوم.
(ذكر هجرتها) كانت رقية صلوات الله على أبيها وعليها ممن هاجر الهجرتين.
عن أنس قال أول من هاجر إلى الحبشة عثمان وخرج معه بابنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فجعل يتوكف الخبر فقدمت امرأة من قريش فسألها فقالت رأيتها فقال على أي حال رأيتيها فقالت رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم صحبهما الله ان كان عثمان لاول من هاجر إلى الله عزوجل بعد لوط.
خرجه خيثمة بن سليمان والملا.
(ذكر وفاتها رضى الله عنها) عن ابن شهاب أنها كانت أصابتها الحصبة فمرضت وتخلف عليها عثمان فلم يشهد بدرا.
وماتت بالمدينة وجاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر وعثمان قائم على
قبر رقية.
خرجه أبو عمر وقال: لا خلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان بسهمه من بدر وأجره.
وعن ابن عباس قال لما عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات.
خرجه الدولابى.
وكانت وفاتها لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة.
ذكره ابن قتيبة.
(ذكر ولدها) ولدت رقية لعثمان رضى الله عنهما بالحبشة ولدا سماه عبد الله وكان يكنى به

(1/163)


قال مصعب وبلغ الغلام ست سنين فنقر عينه ديك فتورم وجهه ومرض ومات.
وقال غيره وصلى الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته وأبو عثمان.
وذكر الدولابى أنه مات وهو يرضع.
وقال قتادة لم تلد رقية لعثمان.
وهو غلط والاصح ما تقدم.
(الفصل السادس) * (في ذكر أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) * وهى ممن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه.
وقد تقدم ذكر الخلاف في أيهما أكبر هي أم رقية.
وهى أكبر سنا من فاطمة.
(ذكر من تزوجها رضى الله عنها) وقد تقدم في الفصل قبله أن عتيبة بن أبى لهب كان تزوجها ثم فارقها قبل دخوله بها فخلف عليها عثمان بن عفان بعد موت أختها رقية.
وعن قتادة أن عتيبة فارق أم كلثوم ولم يبن بها ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشام تاجرا فقال صلى الله عليه وسلم أما انى أسأل الله ان يسلط عليك كلبه، فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف
بهم الاسد تلك الليلة فجعل عتيبة (1) يقول يا ويل أمي هو والله آكلى كما دعا على محمد أقاتلي ابن أبى كبشة وهو بمكة وأنا الشام فعدا عليه الاسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه.
(شرح) السطو: القهر بالبطش يقال سطا به، وتجر: جمع تاجر، وفدغ رأسه: شدخه، والفدغ شدخ الشئ المجوف.
وعن عروة بن الزبير أن عتيبة لما أراد الخروج إلى الشام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هو يكفر بالذى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل ورد التفلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك.
وأبو طالب حاضر فوجم لها وقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى ثم خرج إلى الشام فنزلوا منزلا وأشرف عليهم راهب من الدير فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب يا معشر قريش أعينوني على هذه الليلة
__________
(1) (عتيبة) ساقطة من نسخة، والسياق يعينها.

(1/164)


فانى أخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم ففرشوا لعتيبة في أعلاها وباتوا حوله فجاء الاسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني ومات.
وروى أن الاسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه.
خرجهما الدولابى.
(شرح) وجم أي اشتد حزنه يقال وجم من الامر وجوما إذا اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام فهو واجم.
(ذكر كيفية تزويج أم كلثوم عثمان رضى الله عنهما) عن سعيد بن المسيب قال أم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمت حفصة بنت عمر من زوجها فمر عمر بعثمان رضى الله عنهما فقال هل لك في حفصة وكان عثمان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه فذكر ذلك عمر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هل لك في خير من ذلك أتزوج أنا حفصة وأزوج عثمان خيرا منها أم كلثوم.
خرجه أبو عمر وقال حديث صحيح.
(شرح) أمت يعنى تأيمت أي خلت من الزوج بموت أو طلاق، تقول منه أمت تئيم وإمت أنا.
وعن ربعى بن خراش عن عثمان أنه خطب إلى عمر ابنته فرده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما راح إليه عمر قال يا عمر أدلك على خير لك من عثمان أدل عثمان على خير له منك قال نعم يا نبى الله قال تزوجني ابنتك وأزوج عثمان ابنتى.
خرجه الخجندى.
(ذكر أن تزويجه إياها كان بوحى من الله تعالى) تقدم في فضل رقية طرف منه.
وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانى جبريل فأمرني أن أزوج عثمان ابنتى.
وقالت عائشة كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه السلام خرج يلتمس نارا فرجع بالنبوة.
خرجه الحافظ أبو نعيم البصري.
وعن أبى هريرة قال لقى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان عند باب المسجد فقال يا عثمان هذا جبريل أخبرني أن الله تعالى قد أمرنى أن أزوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها.
خرجه ابن ماجه القزويني والحافظ أبو القاسم الدمشقي والامام أبو الخير القزويني الحاكمى.
وعنه قال قال

(1/165)


عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بكيت بكاء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك قلت أبكى على انقطاع صهرى منك قال فهذا جبريل عليه السلام يأمرنى بأمر الله عزوجل أن أزوجك أختها.
وعن ابن عباس معناه وفيه والذى نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى حتى لا يبقى بعد المائة شئ هذا جبريل أخبرني أن الله عزوجل يأمرنى أن أزوجك أختها وأن أجعل صداقها مثل صداق أختها.
أخرجهما الفضائلى الرازي.
(ذكر وفاة أم كلثوم رضى الله عنها) ماتت أم كلثوم في سنة تسع من الهجرة وصلى عليها أبوها صلى الله عليه وسلم
ونزل في حفرتها على والفضل وأسامة بن زيد وروى أن أبا طلحة الانصاري استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ينزل معهم فأذن له.
ذكره أبو عمر.
وعن أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه (1) تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا فقال أنزل في قبرها فنزل.
خرجه البخاري.
(شرح) : قارف أي جامع ومنه حديث عائشة كان يصبح جنبا من قراف أي جماع وأصل الاقتراف الاكتساب ومنه اقتراف الذنب ومنه (وليقترفوا ماهم مقترفون) ولا تضادد بين هذا وبين ما تقدم.
بل يجوز أن يكون استأذن أولا فقال صلى الله عليه وسلم ذلك ليثبت لابي طلحة موجب اختصاص بالنزول.
وقد رويت هذه القصة في رقية وهو وهم فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حال دفنها حاضرا بل كان في غزوة بدر كما تقدم، وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وشهدت أم عطية غسلها وروت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ان رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذننى فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال اشعرنها إياه قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها.
__________
(1) في نسخة (عيناه) وهو خطأ بين.

(1/166)


(شرح) : آذننى أعلمنني، والحقو الازار وأصله معقد الازار وجمعه أحق وأحقاء وحقا، وأشعرنها أي اجعلن شعارها الذى يلى جسدها وذلك هو الشعار وما فوقه الدثار.
وعنها أنه صلى الله عليه وسلم قال ابدأن بميامنها ومواضع السجود منها.
أخرجاهما.
وعن ليلى بنت قايف الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر قالت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على الباب معه كفنها فناولنا ثوبا.
خرجه الدولابى وغيره.
(شرح) : الحقا الحقو والله أعلم وقد تقدم ذكره.
(الفصل السابع) في ذكر زينب بنت فاطمة وعلى عليهما السلام وانما أخر ذكرها وذكر أختها أم كلثوم عن أحاديث أهل البيت المشار إليهم في الآية لان أحاديث أهل البيت المذكورة لم تتضمنها لانهما والله أعلم لم يكونا موجودتين حين نزول الآية وتجليلهم بالكساء وقوله صلى الله عليه وسلم ما قال.
(ذكر من تزوجها رضى الله عنها) عن ابن شهاب قال تزوج زينب بنت على عبد الله بن جعفر فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا.
وعن الحسن قال زينب الكبرى بنت على بن أبى طالب أمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت عليا وجعفرا وعونا وعباسا وأم كلثوم بنى عبد الله بن جعفر.
وقال الدارقطني ولدت له عليا وأم كلثوم ورقية.
(الفصل الثامن) في ذكر أم كلثوم بنت فاطمة وعلى عليهما السلام (ذكر مولدها رضى الله عنها) قال أبو عمر ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحق حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال خطب عمر إلى على ابنته أم كلثوم فأقبل

(1/167)


على عليه وقال إنها صغيرة فقال عمر لا والله ما ذلك بك ولكن أردت منعى فان كانت كما تقول فابعثها إلى فرجع على فدعاها فأعطاها حلة وقال انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين وقولى له يقول لك أبى كيف ترى هذه الحلة فأتته بها وقالت له ذلك
فأخذ عمر بذراعها فاجتذبتها منه وقالت ارسلها فأرسلها وقال حصان كريم انطلقي قولى له ما أحسنها وأجملها وليست والله كما قلت فزوجها إياه.
وذكر أبو عمر أن عمر قال له لما قال إنها صغيرة: زوجنيها يا أبا الحسن فانى أرصد من كرامتها مالا يرصده أحد فقال رضى الله عنه له: أنا أبعثها إليك فان رضيتها فقد زوجتكها فبعثها إليه ببرد فقال لها قولى له هذا البرد الذى قلت لك فقالت ذلك لعمر فقال قولى له قد رضيت رضى الله عنك ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت اتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر وقالت أتبعثني إلى شيخ سوء قال يا بنية فانه زوجك فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة وكان يجلس فيها المهاجورن الاولون فجلس إليهم وقال لهم زفونى قالوا بمن يا أمير المؤمنين قال تزوجت أم كلثوم بنت على بن أبى طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري) فزفوه.
وفى رواية أنها قالت لولا ان أمير المؤمنين لطمست عينيك.
(شرح) حصان أي عفيفة تقول منه حصنت المرأة بالضم حصنا أي عفت فهى حاصن وحصان بالفتح وحصنا أيضا بينة الحصانة، زفونى أي قولوا لى بالرفاء والبنين تقول زفيته تزفية إذا قلت له ذلك.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خطب إلى على أم كلثوم فقال عمر أنكحنيها فقال على رضى الله عنه إنى أرصدها لابن أخى جعفر فقال عمر أنكحنيها فوالله ما أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه على فأتى عمر المهاجرين والانصار فقال ألا تهنؤونى فقالوا بم يا أمير المؤمنين قال بأم كلثوم بنت على ثم ذكر معنى ما تقدم إلى قوله إلا سببي ونسبي وزاد فأحببت أن يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب.
وفى رواية أن عليا رضى الله عنه

(1/168)


اعتل عليه بصغرها فقال عمر رضى الله عنه إنى لم أرد الباه ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم ذكر الحديث.
خرجهما أحمد في المناقب وخرج الاول ابن السمان في الموافقة مختصرا.
وعن عطاء الخراساني قال خطب عمر إلى على أم كلثوم بنت فاطمة فاعتل عليه فقال إنها صغيرة فقال عمر وإن كانت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري) فلذلك رغبت في ذلك فزوجه إياها.
خرجه ابن السمان.
وعن المستطل قال خطب عمر إلى على ابنته أم كلثوم فاعتل على بصغرها وقال أعددتها لابن أخى يعنى جعفرا فقال له عمر والله إنى ما أردت الباه ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي وكل بنى أنثى فعصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فانى أبوهم وأنا عصبتهم.
خرجه ابن السمان.
وعن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر عن بعض أهله قال خطب عمر بن الخطاب إلى على بن أبى طالب ابنته ام كلثوم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له على ان على أمراء حتى أستأذنهم فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا زوجه فدعا أم كلثوم وهى يومئذ صبية فقال لها انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له إن أبى يقرئك السلام ويقول لك قد قضيت حاجتك التى طلبت فأخذها عمر فضمها إليه فقال إنى خطبتها إلى أبيها فزوجنيها قيل يا أمير المؤمنين ما كنت تريد إليها إنها صبية صغيرة قال إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فأردت ان يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب وصهر.
خرجه الدولابى وخرج ابن سمان معناه ولفظه مختصرا ان عمر قال لعلى إنى احب ان يكون عندي عضو من اعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له على ما عندي إلا أم كلثوم وهى صغيرة فقال إن تعش تكبر فقال إن لها اميرين معى قال نعم فرجع على إلى اهله وقعد عمر ينتظر ما يرد عليه
فقال على ادعوا الحسن والحسين فجاءا فدخلا فقعدا بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لهما إن عمر قد خطب إلى أختكما فقلت له إن لها معى اميرين وإنى كرهت ان

(1/169)


أزوجها إياه حتى أؤامركما فسكت الحسين وتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أبتاه من بعد عمر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى وهو عنه راض ثم ولى الخلافة فعدل قال صدقت يا بنى ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما ثم ذكر معنى ما تقدم.
وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال خطب عمر رضى الله عنه إلى على ابن أبى طالب أم كلثوم فاستشار على العباس وعقيلا والحسن فغضب عقيل وقال عقيل لعلى ما تزيدك الايام والشهور إلا العمى في أمرك والله لئن فعلت ليكونن وليكونن قال على للعباس والله ما ذاك منه نصيحة ولكن درة عمر أحوجته إلى ما ترى أما والله ما ذاك منه لرغبة فيك يا عقيل ولكن أخبرني عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) خرجه الدولابى.
وعنه أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت على بن أبى طالب على أربعين الف درهم.
خرجه أبو عمر والدولابى وابن السمان في الموافقة.
وعن الزهري قال أم كلثوم بنت على من فاطمة تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب.
وقال أبو عمر: زيد بن عمر الاكبر ورقية بنت عمر، قال الزهري ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبى طالب فلم تلد له شيئا حتى مات فخلف عليها بعده محمد ابن جعفر فولدت له جارية ثم مات فخلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئا وماتت عنده.
قال إبن إسحق حدثنى والدى إسحق بن يسار عن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب قال لما تأيمت أم كلثوم بنت على من عمر بن الخطاب دخل عليها حسن وحسين أخواها فقالا لها إنك من عرفت سيدة نساء العالمين وبنت سيدتهن وإنك والله إن أمكنت عليا من رمتك لينكحنك بعض أيتامه وان أردت ان تصببى
بنفسك مالا عظيما لتصيبيه فوالله ما قاما حتى طلع على رضى الله عنه يتكئ على عصاه فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد عرفت وقد عرفتم منزلتكم يا بنى فاطمة وأثرتكم عندي على سائر ولدى ومكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتكم منه قالوا صدقت رحمك الله فجزاك الله عنا خيرا فقال أي بنية إن الله قد جعل أمرك بيدك فأنا أحب أن تجعليه بيدى فقالت أي أبت

(1/170)


انى والله لامرأة أرغب ما يرغب فيه النساء واحب ان أصيب ما تصيب النساء من الدنيا فأنا اريد أن انظر في أمر نفسي فقال لا والله يا بنية ما هذا من رأيك ما هو إلا رأى هذين ثم قام فقال والله لا أكلم رجلا منهم أو تفعلين فأخذا بثوبه وقالا اجلس يا أبت فوالله ما على هجرتك من صبرا جعلى أمرك بيده قالت قد فعلت قال فانى قد زوجتك من عون ابن جعفر وانه لغلام ثم رجع إلى بيته فبعث إليها بأربعة آلاف درهم وبعث إلى ابن اخيه فأدخلها عليه قال حسن فوالله ما سمعت بمثل عشق منها له منذ خلقها الله عزوجل.
قال ابن إسحق فما نشب عون ان هلك فرجع إليها على فقال يا بنية اجعلي امرك بيدى ففعلت فزوجها محمد بن جعفر وبعث إليها بأربعة آلاف ثم ادخلها عليه فمات محمد عنها فزوجها عبد الله بن جعفر فماتت عنده ولم يصب منها ولد.
هكذا رواه ابن إسحق.
وقال الزهري ماتت عنده كما قدمناه وكذلك ذكره الدارقطني في كتاب الاخوة والاخوات غير أنه ذكر أن محمدا تزوجها أولا ثم عونا ثم عبد الله.
وحكى الدولابى وغيره القولين في موتها عنده أو موته عندها، قال أبو عمر ماتت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد وكان زيد قد أصيب في حرب بين بنى عدى ليلا فخرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم في الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياما ثم مات هو وأمه في وقت واحد وصلى عليهما ابن عمر قدمه الحسن بن على فكانت فيهما سنتان فيما ذكروا لم يورث أحدهما من الآخر.
وقدم زيد على أمه مما يلى الامام.
حكاه أبو عمر وقيل صلى عليهما سعيد بن
العاص وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة.
رواه الدولابى عن عمار بن أبى عمار.