عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 1 ص -253-
ذكر دخوله عليه السلام المدينة:
وكان أهل
المدينة يتوكفون1 قدوم رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين بلغهم توجهه إليهم فكانوا
يخرجون كل يوم لذلك أول النهار ثم يرجعون حتى
كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر
ربيع الأول خرجوا لذلك على عادتهم فرجعوا ولم
يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
قدم من يومه ذلك حين اشتد الضحاء، فنزل بقباء
على بني عمرو بن عوف على كلثوم بن هدم، وكان
يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة. قال الواقدي
ونزل على كلثوم أيضا جماعة من الصحابة منهم
أبو عبيدة بن الجراح والمقداد بن عمرو وخباب
بن الأرت وسهيل وصفوان ابنا بيضاء وعياض بن
زهير وعبد الله بن مخرمة ووهب بن سعد بن أبي
سرح ومعمر بن أبي سرح وعمرو بن أبي عمرو من
بني محارب بن فهر وعمير بن عوف مولى سهيل بن
عمرو وكل هؤلاء قد شهد بدرا ثم لم يلبث كلثوم
أن مات قبل بدر وكان رجلا صالحا غير مغموص
عليه انتهى كلام الواقدي. وقيل: نزل أبو بكر
على خبيب بن إساف وقيل: على خارجة بن زيد بن
أبي زهير وأقام علي بمكة ثلاث ليال حتى أدى
الودائع التي كانت عند النبي صلى الله عليه
وسلم للناس ثم جاء فنزل على كلثوم فكان يقول:
كانت بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة، فرأيت
إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها
بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه، فتأخذه
قال: فاستربت شأنه، فقلت: يا أمة الله من هذا
الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين
إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة
مسلمة لا زوج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ينتظرون ويتوقعون.
ج / 1 ص -254-
لك،
قالت: هذا سهل بن حنيف قد عرف أني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على
أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال: احتطبي بهذا فكان علي يأثر ذلك
من أمر سهل بن حنيف. وكان فيمن خرج لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام. أخبرنا الشيخان أبو الفضل
عبد الرحيم بن يوسف وأبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل قالا: أنا أبو حفص
عمرو بن محمد بن طبرزذ قال: أنا أبو القاسم بن الحصين قال: أنا أبو
طالب بن غيلان قال: أنا أبو بكر الشافعي ثنا معاذ ثنا مسدد ثنا يحيى عن
عوف ثنا زرارة قال: قال عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة قيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فانجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم
عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فأول ما سمعته يقول:
"أفشوا السلام
وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة
بسلام". وأشرقت المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم وسرى السرور إلى القلوب
بحلوله بها. روينا من طريق ابن ماجه حدثنا بشر بن هلال الصواف ثنا جعفر
بن سليمان الضبعي ثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: لما كان اليوم الذي دخل
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان
اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي صلى الله
عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا، وروى ابن أبي خيثمة عن أنس شهدت
يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر يوما أحسن منه ولا
أضوأ، وروى البخاري من حديث البراء بن عازب قال: فما رأيت أهل المدينة
فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث. قال ابن
إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم
الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم أخرجه
الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم
أكثر من ذلك.
ج / 1 ص -255-
وقد
روينا عن أنس من طريق البخاري إقامته فيهم أربع عشرة ليلة، والمشهور
عند أصحاب المغازي ما ذكره ابن إسحاق فأدركت رسول الله صلى الله عليه
وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي
وأدى رانونا فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة فأتاه عتبان بن مالك وعباس
بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف فقالوا: يا رسول الله أقم
عندنا في العدد والعدة والمنعة قالوا:
"خلوا سبيلها فإنها مأمورة" -لناقته- فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازت دار بني بياضة تلقاه زياد
بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله هلم
إلينا إلى العدد والعدة والمنعة فقال:
"خلوا سبيلها فإنها مأمورة"،
فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن
عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد
والعدة والمنعة قال:
"خلوا سبيلها فإنها مأمورة"، فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج
اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني
بلحارث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة
والمنعة قالوا:
"خلوا سبيلها فإنها مأمورة"، فخلوا سبيلها حتى إذا مرت بدار عدي بن النجار وهم أخواله: دنيا أم
عبد المطلب، سلمى بنت عمرو، وإحدى نسائهم، اعترضه سليط بن قيس وأبو
سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا: يا رسول
الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة قالوا:
"خلوا سبيلها فإنها مأمورة"،
فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب
مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني مالك
بن النجار في حجر معاذ بن عفراء: سهل، وسهيل ابني عمرو، فلما بركت
ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد
ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به
ج / 1 ص -256-
ثم
التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تلحلحت1 وأرزمت2
ووضعت جرانها3 ونزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب
خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أقامت ولزمت مكانها، وفى الأصل "تحلحلت" والتصويب من النهاية.
2 بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي أي صوتت، وفى رواية "رزمت" بفتح
الراء والزاي أي لم تقم من الإعياء.
3 جران البعير مقدم عنقه.
ج / 1 ص -257-
بناء المسجد:
وسأله رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المربد لمن هو؟ فقال له: معاذ بن عفراء هو
يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي وسأرضيهما منه
فاتخذه مسجدا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني ونزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه
المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبي يعمل
لذاك منا العمل المضلل
وأقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة
الداخلة يُبنى له فيها مسجده ومساكنه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم أبى أن يأخذه إلا بثمن فالله أعلم، فبنى رسول الله صلى الله عليه
وسلم مسجده وجعل عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه جريدها بعد
أن نبش قبور المشركين وسواها وسوى الخرب وقطع النخل وعمل فيه المسلمون.
ومات أبو أمامة أسعد بن زرارة حينئذ فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجدا شديدا وكان قد كواه من ذبحة1 نزلت به وكان نقيب بني النجار،
فلم يجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا بعده، وقال لهم:
"أنا نقيبكم"،
فكانت من مفاخرهم. وذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال: فنزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 داء يكون في الحلق يخنق صاحبه.
ج / 1 ص -258-
وأراده
قوم من الخزرج على النزول عليهم، فقال:
"المرء مع
رحله"، فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر ونزل عليه تمام الصلاة بعد
مقدمه بشهر ووهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في
خططها1، وقالوا: يا نبي الله إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم:
"خيرا"،
قالوا: وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه في مسجد له، فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه ثم إنه سأله أسعد أن يبيعه أرضا
متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل
ابنا رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم كذا نسبهما البلاذري وهو
يخالف ما سبق عن ابن إسحاق وغيره والأول أشهر، قال: فعرض عليه أن
يأخذها ويغرم عنه لليتيمين ثمنها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك وابتاعها منهما بعشرة دنانير أداها من مال أبي بكر ثم إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ وبنى به المسجد ورفع أساسه
بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذوعا، فلما استخلف أبو بكر لم يحدث
فيه شيئا واستخلف عمر فوسعه فكلم العباس بن عبد المطلب في بيع داره؛
ليزيدها به فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر في المسجد ثم أن
عثمان بناه في خلافته بالحجارة والغصة وجعل عمده حجارة وسقفه بالسلاج
وزاد فيه ونقل إليه الحصباء من العقيق. وكان أول من اتخذ فيه المقصورة
مروان بن الحكم بناها بحجارة منقوشة ثم لم يحدث فيه شيء إلى أن ولي
الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه فكتب إلى عمر بن عبد العزيز وهو
عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه وبعث إليه بمال وفسيفساء
ورخام وبثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر فبناه وزاد
فيه وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان وذلك في سنة سبع
وثمانين، ويقال: في سنة ثمان وثمانين ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء
شيئا حتى استخلف المهدي. قال الواقدي: بعث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أى: أراضيها.
ج / 1 ص -259-
المهدي
عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة
لبناء مسجدها والزيادة فيه، وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي فمكثا
في عمله سنة وزادا في مؤخره مائة ذراع، فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه
مائتي ذراع. وقال علي بن محمد المدائني ولي المهدي جعفر بن سليمان مكة
والمدينة واليمامة فزاد في مسجد مكة ومسجد المدينة فتم بناء مسجد
المدينة في سنة اثنتين وستين ومائة، وكان المهدي أتى المدينة في سنة
ستين قبل الهجرة فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد.
ج / 1 ص -260-
ذكر الموادعة بين المسلمين واليهود:
قال ابن
إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين
والأنصار ووادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم
واشترط عليهم:
"بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم
بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم
إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون
بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على
ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف
والقسط بين المؤمنين"، وذكر كذلك في بني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف
وبني النبيت وبني الأوس،
"وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل
ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم
أو ابتغى دسيعة1
ظلم أو
إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد
أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وأن ذمة
الله واحدة يجبر عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس
وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر
عليهم وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن من دون مؤمن في قتال في
سبيل الله إلا على سواء أو عدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: طلب دفعا على سبيل الظلم، ويجوز أن يراد بها العطية.
ج / 1 ص -261-
بينهم،
وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وأن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض
بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المتقين على أحسن هدى وأقومه، وأنه
لا يجبر مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن، وأنه من
اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود يد إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن
المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه، وأن لا يحل لمؤمن أقر
بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه
وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ
منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله
وإلى محمد، وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وأن يهود
بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، بني النجار مثل
مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته،
وذكر مثل ذلك ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني
الأوس وبني ثعلبة وبني الشطبة وأن جفنة بطن من ثعلبة وأن بطانة يهود
كأنفسهم وأن البر دون الآثم وأن موالي ثعلبة كأنفسهم، وأنه لا يخرج
منهم أحد إلا بإذن محمد، وأنه لا ينجحر عن ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه
إلا من ظلم، وأن الله على أبر هذا، وأن على اليهود نفقتهم وعلى
المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن
بينهم النصح والنصيحة والبر دون الآثم، وأنه لن يأثم امرؤ بحليفه وأن
النصر للمظلوم وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وأن الجار كالنفس
غير مضار ولا آثم وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها وأنه ما كان بين
أهل هذه الصحيفة من حدث أو استجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى
محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره،
وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا
دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا
دعوا إلى مثل ذلك فإنهم لهم على المؤمنين
ج / 1 ص -262-
إلا من
حارب في الدين على كل إنسان حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأن يهود
الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل الصحيفة مع البراء المحض من أهل
هذه الصحيفة، وأن البر دون الآثم لا يكتسب كاسب إلا على نفسه وأن الله
على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم
ولا آثم وأن من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وإن
الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم". هكذا ذكره ابن إسحاق، وقد ذكره ابن أبي خيثمة فأسنده: حدثنا أحمد
بن جناب أبو الوليد ثنا عيسى بن يونس ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو
المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين
المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه.
ج / 1 ص -263-
شرح ما فيه من الغريب:
الربعة
الحالة التي جاء الإسلام وهم عليها من كتاب المزني قال الخشني ربعة
وربعة، وكذلك رباعة ورباعة. والمفرح رواه ابن جريج مفرجا. قال أبو
عبيد: ومعناهما واحد، وقال أبو عبيد: سمعت محمد بن الحسن يقول هذا يروى
بالحاء وبالجيم قال أبو العباس ثعلب: المفرح المثقل من الديون وبالجيم
الذي لا عشيرة له، وقال أبو عبيدة: المفرج بالجيم أن يسلم الرجل فلا
يوالي أحدًا بقود فتكون جنايته على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهو
مفرج، وقال بعضهم: هو الذي لا ديوان له وقال أبو عبيد القاسم بن سلام
عن محمد بن الحسن: هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون عند قرية فإنه
يودى من بيت المال ولا يطل دمه. وقوله:
"وأن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض"، يعني أن دماءهم متكافئة يقال: ما فلان ببواء لفلان أي بكفؤ له
ويقال: باء الرجل بصاحبه يبوء بواء إذا قتل به كفؤا، ولم يفسره ابن
قتيبة ومعناه يقتل بعضهم قاتل بعض يقال: أبأت لفلان قاتله أي قتلته،
ويوتغ: يفسد قاله ابن هشام. نقلت هذه الفوائد من خط جدي -رحمه الله- من
حواشي كتابه الذي تقدم ذكرها. |