عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -264-       ذكر الموآخاة:
وكانت الموآخاة مرتين الأولى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فآخى بين أبي بكر وعمر. وبين حمزة وزيد بن حارثة. وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف. وبين الزبير وابن مسعود. وبين عبيدة بن الحارث وبلال. وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص. وبين أبى عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة. وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله. وبين علي ونفسه صلى الله عليه وسلم. قرأت على أبي الربيع سليمان بن أحمد المرجاني بثغر الإسكندرية وغيره عن محمد بن عماد قال: أنا ابن رفاعة قال أنا الخلعي قال: أنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن جعفر العطار وثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري ثنا أبو عبد الله محمد بن رزيق1 بن جامع المديني ثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي ثنا علي بن هاشم بن البريد عن كثير النواء عن جميع بن عمير عن عبد الله بن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فآخى بين أبي بكر وعمر وفلان وفلان حتى بقي علي عليه السلام وكان رجلا شجاعا ماضيا على أمره إذا أراد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن أكون أخاك"، قال: بلى يا رسول الله رضيت قال: "فأنت أخي في الدنيا والآخرة" قال كثير: فقلت لجميع بن عمير: أنت تشهد بهذا على عبد الله بن عمر قال: نعم أشهد فلما نزل عليه السلام المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق في دار أنس بن مالك فكانوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن رزيق بن جامع بتقديم الراء على الزاي.

 

ج / 1 ص -265-       يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت وقت وقعة بدر: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فنسخت ذلك. وكانت الموآخاة بعد بنائه عليه السلام المسجد. وقد قيل كان ذلك والمسجد يبنى، وقال أبو عمر بعد قدومه عليه السلام المدينة لخمسة أشهر. قرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح المقدسي بمرج دمشق وأنا أسمع أخبركم ابن الحرستاني سماعا قال: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي قال: أنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان قال: أنا محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطي قراءة عليه ثنا سعدان ثنا يزيد بن هارون قال: أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال: "لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم". وبه إلى الخرائطي ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن نافع عن ابن عمر قال: لقد رأيتنا وما الرجل المسلم بأحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم. رواه مسلم عن أبي كريب والترمذي والنسائي عن هناد كليهما عن أبي معاوية فوقع لنا بدلا عاليا لهم1. وقال ابن إسحاق آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال: "تواخوا في الله أخوين أخوين"، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أخوين وحمزة وزيد بن حارثة أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد. وذكر سنيد بن داود أن زيد بن حارثة وأسيد بن الحضير أخوان وهو حسن إذ هما أنصاري ومهاجري، وأما الموآخاة بين حمزة وزيد فقد ذكرناها في المرة الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ليس هو في مسلم ولا الترمذي ولا النسائي.

 

ج / 1 ص -266-       رجع إلى ابن إسحاق: وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين وأنكره الواقدي لغيبة جعفر بالحبشة، وعند سنيد أن الموآخاة كانت بين ابن مسعود ومعاذ بن جبل.
رجع: أبو بكر بن أبي قحافة وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخوين وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين ويقال: بل الزبير وعبد الله بن مسعود. قلت: هذا كان في الموآخاة الأولى قبل الهجرة وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوين وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك آخوين وسعيد بن زيد وأبي بن كعب أخوين ومصعب بن عمير وأبو أيوب خالد بن زيد أخوين وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أخوين ويقال: بل ثابت بن قيس بن الشماس وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين، وأنكره الواقدي لغيبة أبي ذر عن المدينة وقال: لم يشهد بدرا ولا أحدا ولا الخندق وإنما قدم بعد ذلك وعنده طليب بن عمير والمنذر بن عمرو أخوين.
رجع إلى ابن إسحاق: وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين وسلمان الفارسي وأبو الدرداء أخوين وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين. وعند سنيد بن داود فيما حكاه أبو عمر الموآخاة بين أبي مرثد وعبادة بن الصامت وبين سعد وسعد بن معاذ وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح وبين عتبة بن غزوان وأبى دجانة وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعد بن خيثمة وبين عثمان بن مظعون وأبي الهيثم بن التيهان. وزاد

 

ج / 1 ص -267-       غيره وبين عبيدة بن الحارث وعمير بن الحمام وبين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة وسفيان بن نسر1 بن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج وبين الحصين أخيهما وعبد الله بن جبير وبين عثمان بن مظعون والعباس بن عبادة بن نضلة وبين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلى وبين المقداد وابن رواحة وبين ذي الشمالين ويزيد بن الحارث من بني حارثة وبين عمير بن أبي وقاص وخبيب بن عدي وبين عبد الله بن مظعون وقطبة بن عامر بن حديدة وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد وبين زيد بن الخطاب ومعن بن عدي وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل وبين عاقل بن البكير ومبشر بن عبد المنذر وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو البياضي وبين خنيس بن حذافة والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح وبين سبرة بن أبي رهم وعبادة بن الخشخاش وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن المزين وبين عكاشة بن محصن والمجذر بن ذياد حليف الأنصار وبين عامر بن فهيرة والحارث بن الصمة وبين مهجع مولى عمر وسراقة بن عمرو بن عطية من بني غنم بن مالك بن النجار. كل هذا المزيد عن أبي عمر، وقيل: كان عددهم مائة: خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار. وزيد بن المزين كذا وجد بخط أبي عمر بزاي مفتوحة وياء آخر الحروف مشددة مفتوحة. وفى أصل ابن مفوز: المزين مكسور الميم ساكنة الزاي مفتوحة الياء. وعند ابن هشام ابن المزني. قال ابن إسحاق فلما دون عمر الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهدا فقال عمر لبلال: إلى من تجعل ديوانك قال: مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بيني وبينه فضمه إليه وضم ديوان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالنون ذكره الأمير، وقال ابن إسحاق: "بن بشير" وقال أبو معشر: "بن بشر".

 

ج / 1 ص -268-       الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام. أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي وغازي بن أبي الفضل الدمشقي قالا: أنا عمر بن محمد بن معمر قال: أنا هبة الله بن محمد قال: أنا أبو طالب محمد بن محمد قال: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله ثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر الثقفي ثنا العلاء بن عمرو الحنفي ثنا أيوب بن مدرك عن مكحول عن أبي أمامة قال: لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين علي. أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح فيما قرأ عليه الحافظ أبو الحجاج المزي وأنا أسمع قال له: أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به قال: أنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي سماعا قال: أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السلمي قال: أنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد قال: أنا محمد بن جعفر الخرائطي ثنا سعدان بن يزيد ثنا يزيد بن هارون قال: أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف هاجر إلى المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له: سعد يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالا وأنا مقاسمك وعندي امرأتان فأنا مطلق أحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك. رواه البخاري من حديث حميد عن أنس أطول من هذا.

 

ج / 1 ص -269-       بدء الأذان:
وكان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء. روينا من طريق أبي داود ثنا عباد بن موسى الختلي وزياد بن أيوب وحديث عباد أتم قالا: حدثنا هشيم عن أبي بشر قال زياد: أنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال: فذكر له القنع يعني الشبور1 وقال زياد: شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال: "هو من أمر اليهود"، قال: فذكر له الناقوس، فقال: "هو من أمر النصارى"، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ما منعك أن تخبرني" فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فانظر ماذا يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله" فأذن بلال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القنع بضم القاف، والشبور بفتح الشين المعجمة وضم الباء المشددة وهو البوق.

 

ج / 1 ص -270-       قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا. وروينا عن ابن إسحاق من طريق زياد ومن طريق أبي داود ثنا محمد بن منصور الطوسي ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس يجمع للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك"، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد". اللفظ لأبي داود. قال ابن هشام وذكر ابن جريج قال: قال لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب إلى النبي

 

ج / 1 ص -271-       صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك: "قد سبقك بذلك الوحي" وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وابن أم مكتوم وأبو محذورة وسعد القرظ وهو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر وكان يلزم التجارة في القرظ فعرف بذلك وكان يؤذن لأهل قباء، وابن أم مكتوم عمرو بن قيس العامري. وقيل: عبد الله وأبو محذورة سمرة بن معير وقيل: أوس. وروينا عن الطبراني حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي ثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله". رواه النسائي في سننه كذلك. ورواه مسلم عن أبي راهويه فوقع لنا عاليا وهذا من أعز الموافقات. قال ابن إسحاق ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن كان غسا على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالمبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام واتخذوه جُنة من القتل ونافقوا في السر فكان هواهم مع يهود وكان أحبار يهودهم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها فمن اليهود الموصوفين بذلك

 

ج / 1 ص -272-       حيي بن أخطب وأخواه ياسر وجدي وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وعبد الله بن صوريا الأعور من بني ثعلبة بن الفطيون1، ولم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة وابن صلوبا ومخيريق، وكان حبرهم. وذكر ابن إسحاق منهم جماعة منهم عبد الله بن سلام، وكان خيرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الفاء وسكون الطاء وفتح الياء.
2 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".

 

ج / 1 ص -273-       إسلام عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه:
وهو من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب نبي الله وهو حليف للقواقلة وهم بنو غنم وبنو سالم ابني عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج. روينا عن ابن سعد أخبرنا عبد الله بن عمر وأبو معمر المنقري ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قالوا جاء نبى الله فاستشرفوا ينظرون إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف1 لهم منه فعجل أن يضع التي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله قال: فلما خلى نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول الله حقا وأنك جئت بحق ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا: فيّ ما ليس فيّ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فدخلوا عليه فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق أسلموا"، قالوا ما نعلمه فأعادها عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك، قال: "فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام"، قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال: "أفرأيتم إن أسلم" قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم فقال: "يابن سلام اخرج عليهم"، فخرج إليهم فقال: يا معشر اليهود

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يجتني.

 

ج / 1 ص -274-       ويلكم اتقوا الله والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا وأنه جاء بالحق فقالوا: كذبت فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري من حديث عبد العزيز بن صهيب. وروينا من طريق البخاري حدثني حامد بن عمر عن بشر بن المفضل ثنا حميد ثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسئله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه وإلى أمه قال: "أخبرني بهن جبريل آنفا" قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة قال: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد" قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت1 فذكر نحو ما تقدم. وروينا عن ابن سعد أخبرنا يزيد بن هارون قال: أنا جويبر عن الضحاك في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} قال جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن اليهود أعظم قوم عضيهة2 فسلهم عني وخذ عليهم ميثاقا أني إن اتبعتك وآمنت بكتابك أن يؤمنوا بك وبكتابك الذي أنزل عليك وأخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك فأرسل إلى اليهود فقال: "ما تعلمون عبد الله بن سلام فيكم؟" قالوا: خيرنا وأعلمنا بكتاب الله سيدنا وعالمنا وأفضلنا قال: "أرأيتم إن شهد أني رسول الله وآمن بالكتاب الذي أنزل علي تؤمنون بي؟"، قالوا: نعم، فدعاه فخرج عليهم عبد الله بن سلام فقال: "يا عبد الله بن سلام أما تعلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يواجهون بالباطل.
2 أي: كذبا وبهتانا ونميمة.

 

ج / 1 ص -275-       أني رسول الله تجدوني مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل أخد الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي وأن يتبعني من أدركني منكم"، قال: بلى، قالوا: ما نعلم أنت رسول الله وكفروا به وهم يعلمون أنه رسول الله وأن ما قال حق فأنزل الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} -يعني الكتاب- {وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} -يعني عبد الله بن سلام- {فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ففي ذلك نزلت هذه الآية.