عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -321-       غزوة بدر الكبرى:
وكانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجارتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص وقال ابن عقبة وابن عائذ في أصحاب أبي سفيان هم سبعون رجلا وكانت عيرهم ألف بعير ولم يكن لحويطب بن عبد العزى فيها شيء فلذلك لم يخرج معهم، وقال ابن سعد: هي العير التي خرج لها حتى بلغ ذا العسيرة تحين قفولها من الشام فبعث طلحة بن عبيد الله التيمي وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس كل قد حدثني بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا من أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن

 

ج / 1 ص -322-       محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة. وقال ابن سعد: فخرج المشركون من أهل مكة سراعا ومعهم القيان والدفوف وأقبل أبو سفيان بن حرب بالعير وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة واستبطئوا ضمضما والنفير حتى وردوا بدرا وهو خائف فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحدا من عيون محمد. قال ابن إسحاق فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر1 لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منه فلقة، قال العباس: والله إن هذا لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان صديقا له فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش، قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا، فلما فرغت أقبلت حتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الغدر هو ترك الوفاء، وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم يقال: يا غدر ويقال: في الجمع يا آل غدر.

 

ج / 1 ص -323-       جلست معهم فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال: قلت: وما ذاك؟ قال: ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة قال: فقلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقا ما تقول، فسيكون وإن تقضي الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا إنكم أكذب أهل بيت في العرب، قال العباس: فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا. وعند ابن عقبة في هذا الخبر أن العباس قال لأبي جهل: هل أنت منته؟ فإن الكذب فيك وفى أهل بيتك، فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرفا. وكذلك قال ابن عائذ وزاد فقال له العباس: مهلا يا مصفر استه، ولقي العباس من عاتكة أذى شديدا حين أفشى من حديثها.
رجع إلى خبر ابن إسحاق: قال: ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم تكن عندك غير لشيء مما سمعت قال: فقلت: قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنه قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال: فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال: قلت في نفسي: ما له لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه، قال: فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد

 

ج / 1 ص -324-       عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا وقالوا يظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب ابن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه فخرج عنه وتخلف أبو لهب. قال ابن عقبة وابن عائذ خرجوا في خمسين وتسعمائة مقاتل وساقوا مائة فرس. وروينا عن ابن سعد قال: أنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: لما أسرنا القوم في بدر قلنا كم كنتم قال كنا ألفا. قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان أجمع القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمر يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال: يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء قال: قبحك الله وقبح ما جئت به قال: ثم تجهز وخرج مع الناس، قيل وكان سبب تثبطه ما ذكره البخاري في الصحيح من حديثه مع سعيد بن معاذ وأبي جهل بمكة وقول سعد له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه قاتلك".
قلت: المشهور عند أرباب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة وهو الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يوم أحد بحربته وهذا أيضا لا ينافي خبر سعد والله أعلم.
قال ابن إسحاق: ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا

 

ج / 1 ص -325-       فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا. وذكر ابن عقبة وابن عائذ في هذا الخبر وأقبل المشركون ومعهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة يحدثهم أن بني كنانة وراءه وقد أقبلوا لنصرهم وأن لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. قال ابن إسحاق: وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام كان الذي رآه حين نكص على عقبيه عند نزول الملائكة وقال: إني أرى ما لا ترون فلم يزل حتى أوردهم ثم أسلمهم ففي ذلك يقول حسان:

سرنا وساروا إلى بدر لحينهم                 لو يعلمون يقين العلم ما ساروا

دلاهم بغرور ثم أسلمهم                       إن الخبيث لمن والاه غرار

في أبيات ذكرها.
قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه، قال ابن هشام: لثمان ليال خلون منه، وقال ابن سعد: يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعشر ليال وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره بئر أبي عنبة وهي على ميل من المدينة فعرض أصحابه ورد من استصغر وخرج في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر كان المهاجرون منهم أربعة وستين رجلا وسائرهم من الأنصار وثمانية تخلفوا لعذر ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم ثلاثة من المهاجرين عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فأقام عليها حتى ماتت وطلحة وسعيد بن زيد

 

ج / 1 ص -326-       بعثهما يتجسسان خبر العير وخمسة من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة وعاصم بن عدي العجلاني خلفه على أهل العالية والحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم والحارث بن الصمة كسر من الروحاء وخوات بن جبير كسر أيضا. قال ابن إسحاق: ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير وكان أبيض وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع بعض الأنصار، وقال ابن سعد كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ كذا قال، والمعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وأن لواء المهاجرين كان بيد علي. قرئ على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير بعربيل بغوطة دمشق وأنا أسمع أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه وأنت حاضر في الرابعة فأقر به أنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي سماعا قال: أنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قال: أنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين السمسار قال: أنا أبو القاسم المظفر بن حاجب بن مالك بن الركين الفرغاني أنا أبو الحسن محمد بن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي ثنا أحمد يعني ابن أبي أحمد الجرجاني ثنا شبابة بن سوار الفزاري ثنا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عليا الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة. قال ابن إسحاق وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمرو عبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. وروينا عن ابن

 

ج / 1 ص -327-       سعد قال: أنا يونس بن محمد المؤدب ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشي عنك فيقول: "ما أنتما بأقوى مني على المشي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما". انتهى ما رويناه عن ابن سعد، والمعروف أن أبا لبابة رجع من بئر أبي عنبة ولم يصحبهم إلى بدر رده رسول الله صلى الله عليه وسلم واليا على المدينة وقد تقدم. قال ابن إسحاق وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أحد بني مازن بن النجار فسلك طريقه إلى المدينة حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلا من الأعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا ثم ارتحل حتى أتى على واد يقال له: زفران وجذع فيه ثم نزل فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمر الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشيروا علي"، فذكر ابن عقبة وابن عائذ أن عمر قال: يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لنقاتلنك فاتهب لذلك أهبته وأعدد لذلك عدته. رجع إلى خبر ابن إسحاق: قال وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم عدد الناس وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلنا إليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا

 

ج / 1 ص -328-       ممن دعمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ: لعلك تريدنا يا رسول الله؟ فقال: "أجل"، قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى. وقد روينا من طريق مسلم أن الذي قال ذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج وإنما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ. كذلك رواه ابن إسحاق وابن عقبة وابن سعد وابن عائذ وغيرهم. واختلف في شهود سعد بن عبادة بدرا لم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين، وذكره الواقدي والمدائني وابن الكلبي فيهم. وروينا عن ابن سعد أنه كان يتهيأ للخروج إلى بدر ويأتي دور الأنصار يحضهم على الخزرج فنهش قبل أن يخرج فأقام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن كان سعد لم يشهدها لقد كان عليها حريصا". قال: وروى بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه وأجره وليس ذلك بمجمع عليه ولا ثبت ولم يذكره أحد ممن يروي المغازي في تسمية من شهد بدرا ولكنه قد شهد أحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رجع إلى الأول: قال: فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال:
"سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم"، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه، قال ابن هشام: هو وأبو بكر الصديق

 

ج / 1 ص -329-       قال ابن إسحاق: كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخبرتنا أخبرناك"، فقال الشيخ: ذاك بذاك؟ قال: "نعم"، قال الشيخ: فإنه قد بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن من ماء"، ثم انصرف عنه قال: يقول الشيخ: ما من ماء؟ أمن العراق؟ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج وعريص أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا: نحن لا أى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال: "إذا أصدقاكم ضربتوهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش"، قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالغدوة القصوى والكثيب العقنقل1 فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم القوم؟"، قالا: كثير قال: "ما عدتهم؟"، قالا: ما ندري قال: "كم ينحرون كل يوم"، قالا يوما تسعا ويوما عشرا قال صلى الله عليه وسلم: "القوم ما بين التسعمائة والألف"، ثم قال لهما: "فمن فيهم من أشراف قريش"، قالا: عتبة بن ربيعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العقنقل هو الكثيب العظيم المتداخل الرمل.

 

ج / 1 ص -330-       وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: "هذه مكة قد ألقت عليكم أفلاذ كبدها". قال ابن عقبة وزعموا: إن أول من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل بن هشام جزائر1 ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر ومالوا من قديد إلى مناة من نحو البحر فظلوا فيها فأقاموا فيها يوما فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم مقيس بن عمرو الجمحي تسع جزائر ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعا ونحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحي على ماء بدر تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم. وقال ابن عائذ كان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال. قال ابن إسحاق وكان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم أخذ شنا2 لهما يستسقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك فقال مجدي صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا ثم أقبل أبو سفيان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جمع جزور وهو البعير ذكرا كان أو أنثى.
2 أي: قربة.

 

ج / 1 ص -331-       حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحدا، قال: ما رأيت أحدا أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته ثم شمه فإذا فيه النوى فقال: هذه والله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح1 من دمه قال: فبلغت أبا جهل فقال: وهذا أيضا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا. قال ابن إسحاق ولما رأى أبو سفيان بن حرب أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان2 وتسمع بنا العرب وتحسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها، وقال الأخنس بن شريق وكان حليفا لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بي جبنها3 وارجعوا فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: رشاش.
2 تعزف أي تضرب بالمعازف، والقيان: المغنيات.
3 أي: جبن هذه الملاقاة أو الخرجة التى خرجتم.

 

ج / 1 ص -332-       هذا فرجعوا فلم يشهدها زهري ولا عدوي أيضًا ومضى القوم وكان بين طالب بن أبى طالب -وكان في القوم- وبين بعض قريش محاورة فقالوا: والله لقد علمنا يا بنى هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب إلى مكة مع من رجع ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وبعث الله السماء وكان الوادي دهسا1 فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به. قال ابن إسحاق فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، قال: يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما وراءه من القلب2 ثم تبني عليه حوضا فتملأه ماء فتشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أشرت بالرأي" فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية. وروينا عن ابن سعد في هذا الخبر، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أشار به الحباب. قال ابن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال: يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي لينا رخوا.
2 جمع قليب وهو البئر.

 

ج / 1 ص -333-       فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فكان فيه.
قال ابن إسحاق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاءوا منه إلى الوادي قال:
"اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر: "إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا"، وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة أو أبوه إيماء بن رحضة الغفاري بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال: فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد ما لأحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوهم"، فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني من يوم بدر. قال وحدثني أبي -رحمه الله- إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قال: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ قال: فضرب في بطن الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع إليهم

 

ج / 1 ص -334-       فقال: ما رأيت سيئا ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يَقتل رجلا منكم فإذا أصابوا منكم عدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم، فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك إلى أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر قال: وما ذلك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي قال: قد فعلت أنت علي بذلك إنما هو حليفي فعلى عقله وما أصيب من ماله فائت ابن الحنظلية يعني أبا جهل بن هشام، ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون، قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها، فقلت له: يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال، فقال: انتفخ والله سحره1 حين رأى محمدا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه قد تخوف عليه ثم بعث إلى عامر الحضرمي فقال هذا حليفك يريد أن ترجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينيك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك، فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السحر هو الرئة، يقال للجبان قد انتفخ سحره.

 

ج / 1 ص -335-       أنا أم هو؟ ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له1. وقال ابن عائذ وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غر هؤلاء دينهم منهم أبو البختري بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وذكر غيرهم لما تقالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعينهم فأنزل الله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} الآية حتى نزلوا وتعبئوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم. قال ابن إسحاق وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا شرسا سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن2 قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد زعم أن تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى نصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال له: عبد الله بن رواحة فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة، وقال ابن عقبة وابن عائذ حين ذكرا خروج الأنصار قال: فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد معهم، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبني عمه فناداهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم". رجع إلى ابن إسحاق ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي"، فلما قاموا ودنوا منهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اعتم على رأسه بثوب.
2 أي بقطع.

 

ج / 1 ص -336-       قالوا: من أنتم؟ قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي، قالوا: نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علي الوليد بن عتبة؛ فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدففا1 عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه. قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا: أكفاء كرام إنما نريد قومنا قال: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال: "إن اكتنفكم القوم فانضخوهم عنكم بالنبل2"، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر الصديق. قال: وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفى يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مسند مستنتل3 من الصف، قال ابن هشام فطعن في بطنه بالقدح وقال: "استو يا سواد"، فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: "استقد"، فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟"، قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله له. قال ابن إسحاق ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده بالنصر ويقول فيما يقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أجهزا.
2 أي أرموهم بالنشاب.
3 أي متقدم.

 

ج / 1 ص -337-       "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد"، وأبو بكر يقول: يا رسول الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه، فقال: "أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه" يريد الغبار. وقال ابن سعد في هذا الخبر وجاءت ريح لم يروا مثلها شدة ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروينا من طريق مسلم حدثنا هناد بن السري ثنا ابن المبارك عن عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني"، وفيه فأنزل الله عز وجل عند ذلك: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فأمده الله بالملائكة. قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم1 فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة"، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين الحديث. وروينا من طريق البخاري حدثني إبراهيم بن موسى قال: أنا عبد الوهاب ثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيآتي تفسيره من كلام المؤلف.

 

ج / 1 ص -338-       صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب"، وروينا عن ابن سعد قال: أنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن بدر ثنا أيوب ويزيد بن حازم أنهما سمعا عكرمة يقرؤها: "فثبتوا الذين آمنوا" قال حماد: وزاد أيوب قال: قال عكرمة: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه وتندر يد الرجل لا يدري من ضربه. قال ابن إسحاق وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال: "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة"، فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفى يده تمرات يأكلهن: بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وقال ابن عقبة: أول قتيل من المسلمين يومئذ عمير بن الحمام. وقال ابن سعد: فكان أول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر بن الحضرمي، وكان أول قتيل من الأنصار حارثة بن سراقة ويقال: قتله حبان بن العرقة1 ويقال عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي. قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده، قال: "غمسة يده في القوم حاسرا"، فنزع درعا عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وحدثني محمد بن مسلم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة أنه حدثه أنه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "حبان" بكسر الحاء وتشديد الباء. و"العرقة" بفتح العين المهملة وكسر الراء.

 

ج / 1 ص -339-       فاستقبل بها قريشا ثم قال: "شاهت الوجوه"، ثم نفخهم بها وأمر أصحابه فقال: "شدوا"، فكانت الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر من أشرافهم. قال ابن عقبة وابن عائذ: فكانت تلك الحصباء عظيما شأنها لم تترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وبادر النفر كل رجل منهم منكبا على وجهه لا يدري أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه. رجع إلى خبر ابن إسحاق: فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم"، قال: أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال، قال: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: "إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنما خرج مستكرها"، وذكر ابن عقبة فيهم: عقيلا ونوفلا قال: فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف، قال: فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص"، فقال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص، "أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف؟"، فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من

 

ج / 1 ص -340-       تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا فلقي أبا البختري المجذر بن ذياد البلوي فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة وهو جنادة بن مليحة قال: وزميلي؟ قال له المجذر: لا ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك، قال: لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعا لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصًا على الحياة، فقتله المجذر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلني فقتلته. قال ابن عقبة ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري بن هشام ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله بل قتله غير شك أبو داود المازني وسلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض ولد أبي البختري. قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما أن عبد الرحمن بن عوف لقيه أمية بن خلف ومعه ابنه علي ومع عبد الرحمن أدراعا استلبها قال: هل لك في؟ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك، قال: قلت: نعم فطرحت الأدراع من يدي، فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في اللبن ثم خرجت أمشي بهما. قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن أمية بن خلف قال له: من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال: قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بصخرة عظيمة فتوضع على صدره ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال: أحد أحد، قال: فلما رآه، قال: رأس الكفر أمية بن

 

ج / 1 ص -341-       خلف لا نجوت إن نجا قال: ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال: قلت: اسمع يابن السوداء، قال: لا نجوت إن نجا، قال: ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة1 قال: فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه، فوقع وصاح أمية بن خلف صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت: انج بنفسك ولا نجا به فوالله ما أغني عنك شيئا، قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري. قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة2 فننتهب مع من ينتهب قال: فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت. قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي منه خرجت الملائكة لا أشك ولا أتمارى، قال: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري، وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جعلونا في حلقة كالسوار وأحاطوا بنا.
2 بفتح الدال وهي الهزيمة.

 

ج / 1 ص -342-       عمائم عمائم حمرا. وروينا هذا الخبر من طريق مالك بن سليمان الهروي عن الهياج عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس بمعناه ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون. وذكر ابن هشام عن بعض أهل العلم أن جبريل عليه السلام كانت عليه يوم بدر عمامة صفراء وكان شعارهم يوم بدر: أحد أحد. قال ابن إسحاق، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى وكان أول ما لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة1 وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه قال: فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة2 النوى حين يضرب بها قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما أذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى: وزاد ابن وهب في روايته، فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت. قال ابن إسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بأبي جهل -وهو عقير- معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: "انظروا إن خفي عليكم في القتلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحرجة بالتحريك شجر ملتف.
2 سيأتي تفسير الغريب.

 

ج / 1 ص -343-       إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش1 على أحدهما جحشا لم يزل أثره به"، قال عبد الله بن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال: وقد كان ضبث بي2 مرة بمكة فأذاني ولكزني ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أعمد من رجل قتلتموه، أخبرني: لمن الدبرة؟ قال: قلت: لله ولرسوله3. قال ابن هشام ويقال: أعار على رجل قتلتموه؟ أخبرني: لمن الدائرة اليوم؟ قال ابن إسحاق وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الذي لا إله غيره"، قال: وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى. أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه قال: أنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي أن أبا القاسم بن الحصين أخبره قال: أنا أبو علي بن المذهب قال: أنا أبو بكر القطيعي قال: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام؟ قال: قلت: نعم وما حاجتك يابن أخي؟ قال: بلغني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: خدش.
2 أي: قبض عليه.
3 في الهامش "بلغ مقابلة لله الحمد".

 

ج / 1 ص -344-       أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال: فغمزني الآخر فقال مثلها، قال: فعجبت لذلك قال: فلم أنشب إن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: "أيكما قتله"، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: "هل مسحتما سيفيكما"، قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: "كلاكما قتله"، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء. رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون فوقع لنا عاليا. وروينا عن ابن عقبة أن عبد الله بن مسعود وجده مقنعا في الحديد وهو منكب لا يتحول فظن أنه قد أثبت فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح وأبصر في عنقه خدرا وفي يديه وكتفيه كهيئة آثار السياط فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "ذاك ضرب الملائكة". وروينا عن ابن عائذ ثنا الوليد قال: حدثني خليد عن قتادة أنه سمعه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل أمة فرعون وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتلة قتله ابنا عفراء وقتلته الملائكة وتدافه ابن مسعود"، يعني أجهز عليه. قال ابن إسحاق: وقاتل عكاشة بن محصن الأسدي يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه حذلا من حطب، فقال: "قاتل بهذا يا عكاشة"، فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده. وقال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد الليثي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا: انكسر

 

ج / 1 ص -345-       سيف سلمة بن أسلم بن الحريس يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال: "اضرب به"، فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها فذهبوا ليحركوه فتزايل فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة. وروينا عن الطبري ثنا موسى بن الحسن الكسائي ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: أنشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن أهل بدر، فقال. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس من ،بدر يقول: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله"، قال عمر فوالذي بعثه بالحق ما اخطئوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال: "يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني وجدت ما وعدني الله حقا"، فقال عمر: يا رسول الله؛ كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا". وروينا عن ابن عائذ أخبرني الوليد بن مسلم أخبرني سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثا، فلما كان يوم بدر أقام ثلاثا وألقى بضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش في طوي من أطواء بدر ثم أمر براحلته فشد عليها رحلها فقلنا: إنه منطلق لحاجة فانطلق حتى وقف على شفى الركي، فجعل يقول: يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان. الحديث. وروينا من طريق مالك بن سليمان الهروي ثنا معمر عن حميد الطويل عن أنس وفي آخره قال قتادة: أحياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم. هذا حمل لهذا الخبر على

 

ج / 1 ص -346-       ظاهره. وقد روينا عن عائشة رضي الله عنها أنها تأولت ذلك وقالت: إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الآن ليعلمون أن الذي أقول لهم هو الحق ثم قرأت: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، الآية. رجع إلى الخبر عن ابن إسحاق: قال: وتغير وجه أبي حذيفة بن عتبة عند طرح أبيه في القليب ففطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "لعلك دخلك في شأن أبيك شيء"، فقال: لا والله لكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام، فلما رأيت ما مات عليه أخذني ذلك، قال: فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير؛ ومات يومئذ فتية من قريش على كفرهم ممن كان فتن على الإسلام، فافتتن بعد إسلامه منهم من بني أسد: الحارث بن زمعة بن الأسود، ومن بني مخزوم: أبو قيس بن الفاكه وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، ومن بني جمح: علي بن أمية بن خلف. ومن بني سهم: العاصي بن منبه بن الحجاج، فنزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر مما جمع الناس، فجمع، فاختلف المسلمون فيه، فقال من جمعه: هو لنا، وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه: لولا نحن ما أصبتموه نحن شغلنا عنكم العدو فهو لنا، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأينا أن نقتل العدو حين منحنا الله أكتافهم ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن له من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فما أنتم بأحق به منا فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله فقسمه في المسلمين عن بواء يقول: عن السواء. وروينا عن ابن عائذ أخبرني الوليد بن مسلم قال: وأخبرني سعيد بن بشير عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما كان يوم بدر قال: "من قتل قتيلا فله سلبه ومن جاء بأسير فله سلبه"، فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال سعد: أي رسول الله أما والله ما كان بنا جبن عن العدو ولا ضن بالحياة أن نصنع

 

ج / 1 ص -347-       ما صنع إخواننا ولكن رأيناك قد أفردت فكرهنا أن تكون بمضيعة قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوزعوا تلك الغنائم بينهم، المشهور أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" إنما كان يوم حنين، وأما قوله ذلك يوم بدر وأحد فأكثر ما يوجد من رواية من لا يحتج به. وقد روى أرباب المغازي والسير أن سعد بن أبي وقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص وأخذ سيفه فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه حتى نزلت سورة الأنفال وأن الزبير بن العوام بارز يومئذ رجلا فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه، وأن ابن مسعود نفله رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سلب أبي جهل. وأما ابن الكلبي فمضعف عندهم وروايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد تضعيف. رجع إلى خبر ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى السافلة قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل عليه السلام قافلا إلى المدينة ومعه الأسارى من المشركين وفيهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث واحتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه النفل الذي أصيب من المشركين وجعل عليه عبد الله بن كعب من بني مازن بن النجار ثم أقبل عليه السلام حتى إذا خرج من مضيق الصفراء، فقسم النفل بين المسلمين على السواء، وبالصفراء أمر عليا فقتل النضر بن الحارث ثم بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط، فقال: حين قتله من للصبية يا محمد؟ قال: "النار"، والذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح وقيل علي والذي أسره عبد الله بن سلمة ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم. قال ابن إسحاق وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه وقال: استوصوا بهم خيرا قال: فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم

 

ج / 1 ص -348-       أخو مصعب لأبيه وأمه في الأسارى فقال: مر بي أخي مصعب ورجل من الأنصار يأسرني فقال له: شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ثم فدي بأربعة آلاف درهم وهي أعلى الفداء. وذكر قاسم بن ثابت في دلائله أن قريشا لما توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأبعد صوت ولا يرى شخصه:

إزار الحنيفيون بدرا وقيعة                     سينقض منها ركن كسرى وقيصرا

أبادت رجالا من قريش وأبرزت                خرائد يضربن الترائب حسرا

فيا ويح من أمسى عدو محمد              لقد جار عن قصد الهوى وتحيرا

فقال قائلهم من الحنفيون فقالوا: هو محمد وأصحابه يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف، ثم لم يلبث النفر أن جاءهم الخبر.
رجع إلى الأول: وكان أول من قدم بمصابهم الحيسمان1 بن عبد الله الخزاعي وكان يسمى ابن عبد عمرو وأسلم بعد ذلك فقال: قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم وأمية وفلان فقال صفوان بن أمية وهو جالس في الحجر: والله إن يعقل هذا فسلوه عني، فسألوه فقال: هو ذاك جالسا في الحجر، وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الحاء وسكون الباء وضم السين.

 

ج / 1 ص -349-       ذكر الخبر عن مهلك أبي لهب:
قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وأسلمت أنا وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه وكان ذا مال فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر وكنت رجلا ضعيفا أعمل الأقداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحي وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث فقال أبو لهب: هلم إليّ فعندك الخبر، فقال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء، قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت: ذلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال وثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة فلغت1 في رأسه شجة منكرة وقالت: استضعفته إن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته. قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه أنهم لم يحفروا له ولكن أسندوه إلى حائط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: شدخت.

 

ج / 1 ص -350-       وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه. وذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقي بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه. ويروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء. قال ابن عقبة أقام النوح شهرا. قال ابن إسحاق: وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة بن الأسود وعقيل بن الأسود والحارث بن زمعة وكان يحب أن يبكي علي بنيه قال: فبينا هو كذلك إذ سمع صوت نائحة من الليل، فقال لغلام له وقد ذهب بصره: انظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق قال: فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال: فذلك حين يقول الأسود:

أتبكي أن يضل لها بعير                          وتمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر ولكن                       على بدر تقاصرت الجدود

وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال يعين المطلب وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه"، قال: قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أساراكم لا يأرب1 عليكم محمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لا يتشدد.

 

ج / 1 ص -351-       وأصحابه قال المطلب: صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل، فقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم وانطلق، فبعث قريش في فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان الذي أسره مالك بن التخشم وكان سهيل أعلم بشفته السفلى1. قال ابن إسحاق وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا". قال ابن إسحاق وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث أنه "عسى أن يقوم مقاما لا تذمه"، فلما قاولهم مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا: هات الذي لنا قال: اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه، ففعلوا وكان عمرو بن أبي سفيان أسيرا في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لأبي سفيان: افد عمرا ابنك فقال: أيجمع على دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدا لهم، قال فبينا هو كذلك إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف معتمرا فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو، ثم قال أبو سفيان:

أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه                  تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا

فإن بني عمرو بن عوف أذلة                لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا

وفي رواية بني عمرو لئام أذلة ففدي به وكان فيهم أبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب بعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها عليه حين بنى عليها قال: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: مشقوق الشفة السفلى.

 

ج / 1 ص -352-       لها رقة شديدة وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها فافعلوا"، قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. وروينا من طريق أبي داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها بنحوه، وفى آخره فكان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال: "كونا ببطن ياجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها"، وممن من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء أيضا المطلب بن حنطب وصيفي بن أبي رفاعة وأبو عزة الجمحي وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان لمن في العيش والله خير بعدهم، قال له عمير: صدقت أما والله لولا دين عليّ ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم، قال عمير: فاكتم عني شأني وشأنك قال: أفعل قال: ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر

 

ج / 1 ص -353-       وهذا الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب وقد جاء متوشحا سيفه قال: "فأدخله عليّ" قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه1 بها وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث، فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: "أرسله يا عمر ادن يا عمير ادن يا عمير" فدنا ثم قال: أنعموا صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة"، قال: أما والله إن كنت بها يا محمد لحديث عهد قال: "فما جاء بك يا عمير" قال: جئت لهذا الأسير الذي فيكم فأحسنوا فيه، قال: "فما بال السيف في عنقك"، قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال: "اصدقني ما الذي جئت له"، قال: ما جئت إلا لذلك قال: "بلى قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال لي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك"، قال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله والحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم تشهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره"، ففعلوا ذلك، ثم قال: يا رسول اللهم إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا أذيتهم في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم قال: فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة قال: وكان صفوان حين خرج عمير يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا وأن لا ينفعه بنفع أبدا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جعلها في عنقه وجره بها.

 

ج / 1 ص -354-       ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار:
بدر بن قريش بن يخلد بن النضر حفر هذه البئر فنسبت إليه. والتحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك، وبالجيم أن تفحص عنها بغيرك. واللطيمة العير تحمل الطيب والبز. وضيعة الرجل حرفته وصناعته. والمقنب زهاء ثلاثمائة من الخيل. وقوله لاط له بأربعة آلاف درهم أي أربى له، ومنه الحديث: "وما كان من دين لا رهن فيه فهو لياط"، وأصل هذه اللفظة من اللصوق. وتغور ما وراءه من القلب قيد بالعين المهملة وبالغين المعجمة وتشديد الواو، والسهيلي يقول: بضم العين المهملة وسكون الواو، وقال وجاء على لغة من يقول قول القول وبوع المتاع. وحقبت الحرب اشتدت. ومستنتل أمام الصف: متقدم. والعريش ما يستظل به. وأطن قدمه أسرع قطعها فطارت أي طنت. والمسكة السوار من الذبل وهو جلد السلحفاة. وأخلف الرجل سيفه مده لحاجته. أقدم حيزوم بضم الدال أقدم الخيل وحيزوم فرس جبريل وقيل في تقييدها غير ذلك. مرضخة النوى بالحاء المهملة وبالمعجمة وقيل الرضح بالمهملة كسر اليابس وبالمعجمة كسر الرطب. وضبث الشيء قبض

 

ج / 1 ص -355-       عليه بيده وضبثه ضربه. وجهيم بن الصلت أسلم عام حنين ووقع في الرواية ابن أبي الصلت. ومعوذ بن عفراء بكسر الواو وكان الوقشي يأبى إلا الفتح. والمجذر عبد الله بن ذياد، قال أبو عمر ويقال ذياد والكسر أكثر. وأبو أسيد مالك بن ربيعة؛ قال عياض: قال فيه عبد الرزاق ووكيع بضم الهمزة وقال ابن مهدي بفتحها، قال أحمد بن حنبل والصواب الأول. وأبو داود المازني اسمه عمرو وقيل عمير بن عامر وكان الجياني يقول أبو داود. وذكر عياض أن ابن مسعود إنما وضع رجله على عنق أبي جهل لتصدق رؤياه، قال ابن قتيبة ذكر أن أبا جهل قال لابن مسعود: لأقتلنك فقال والله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك ورأيتني أضرب كتفيك بنعلي ولئن صدقت رؤياي لأطأن على رقبتك ولأذبحنك ذبح الشاة. الحدجة الحنظلة الشديدة، فلما انقضى أمر بدر أنزل الله فيه سورة الأنفال بأسرها.

 

ج / 1 ص -357-       تسمية من شهد بدرا من المسلمين:
من بني هاشم بن عبد مناف:
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومن مواليهم زيد بن حارثة وأنسة وأبو كبشة. ومن حلفائهم أبو مرثد حليف حمزة وابنه مرثد ثمانية. ومن بني المطلب بن عبد مناف عبيدة بن الحارث بن المطلب وأخواه الطفيل والحصين ومسطح بن أثاثة أربعة. ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان خلفه عليه السلام على ابنته رقية وضرب له بسهمه وأجره فهو معدود فيهم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولاه وصبيح مولى أبى العاص بن أمية وقيل: رجع لمرض أصابه ثم شهد ما بعد بدر. ومن حلفائهم عبد الله بن جحش وعكاشة بن محصن وأخوه أبو سنان وابنه سنان بن أبي سنان وشجاع وعقبة ابنا وهب ويزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان وربيعة بن أسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة وربيعة ابن أكتم. ومن حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان ثقف بن عمرو وأخواه مالك ومدلج ويقال مدلاج وأبو مخشي سويد بن مخشي الطائي حليف لهم سبعة عشر. ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان وخباب مولاه رجلان. ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي مولى الزبير وسعد مولى حاطب ثلاثة. ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير وسويبط رجلان. ومن بني زهرة عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأخوه عمير. ومن حلفائهم المقداد بن عمرو وعبد الله

 

ج / 1 ص -358-       ابن مسعود ومسعود بن ربيعة وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة وخباب بن الأرت بن حندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن عبد مناة بن تميم لحقه سباء في الجاهلية فاشترته امرأة من خزاعة وأعتقته وكانت من حلفاء بني زهرة ثمانية. ومن بني تيم بن مرة: أبو بكر الصديق ومولياه بلال وعامر بن فهيرة وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله "3" وكان بالشام فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره خمسة. ومن بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد "3" وشماس بن عثمان "3" والأرقم بن أبي الأرقم "3" وعمار بن ياسر مولاهم "3" ومعتب بن عوف السلولي حليف لهم "3" خمسة. ومن بني عدي بن كعب عمر بن الخطاب "3" وأخوه زيد ومهجع مولاه وعمرو بن سراقة "هب" وأخوه عبد الله "هب" وواقد بن عبد الله "هب" وخولي ومالك ابنا أبي خولي "هب" وعامر بن ربيعة "3" وعامر "3" وخالد "3" وإياس "3" وعاقل "3" بنو البكير وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل "3" قدم من الشام بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه، فضرب له بسهمه وأجره أربعة عشر ومن بني جمح بن عمرو عثمان بن مظعون "3" وأخواه قدامة وعبد الله وابنه السائب بن عثمان ومعمر بن الحارث "3" خمسة. ومن بني سهم خنيس بن حذافة "3" رجل واحد. ومن بني عامر بن لؤى أبو سبرة بن أبى رهم "ها" وعبد الله بن مخرمة "ها"وعبد الله بن سهيل بن عمرو "ها" وعمرو أو عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وسعد بن خولة حليف لهم "ها" خمسة. ومن بني الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح "3" وعمرو بن الحارث "ها" وسهيل بن وهب "ها" وأخوه صفوان ابنا بيضاء وعمرو بن أبي سرح "ها" خمسة وذكر أبو عمر فيهم: وهب بن أبي سرح أخا عمرو المذكور وحكاه عن موسى بن عقبة ولم نره في مغازيه ويشبه أن يكون وهما. وقد ذكر ابن هشام عن غير ابن إسحاق في بني عامر بن لؤي وهب بن

 

ج / 1 ص -359-       سعد بن أبي سرح وهو ابن الحارث بن حبيب -ويقال حبيب بتشديد الياء- بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر فيمن شهد بدرا وهو عند ابن عقبة، وذكر ابن عقبة فيهم عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر "ها" وبعضهم يقول هلال بن مالك بن ضبة وذكره فيهم أيضا خليفة بن خياط والواقدي وحكاه أبو عمر عن ابن إسحاق من رواية إبراهيم بن سعد عنه وحاطب بن عمرو العامري "3" ذكره ابن هشام وحكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة ولم نجده في مغازيه. وممن ذكره أبو عمر فيهم خريم بن فاتك الأسدي وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خريمة وأخوه سبرة. قال أبو عمر: وقد قيل أن خريما هذا وابنه أيمن بن خريم أسلما جميعا يوم فتح مكة والأول أصح. وقد صحح البخاري وغيره أن خريما وأخاه سبرة شهدا بدرا وهو الصحيح إن شاء الله وطليب بن عمير "ها" قاله الزبير والواقدي وروى عن ابن إسحاق من غير طريق البكائي. وممن ذكر فيهم كثير بن عمرو السلمي حليف بني أسد ذكره ابن السراج في روايته عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي عن أبيه عن زياد عن ابن إسحاق وذكر أخويه مالك بن عمرو وثقف بن عمرو وقد تقدم ذكرهما. قال أبو عمر لم أر كثيرا في غير هذه الرواية ولعله أن يكون ثقف له لقبا واسمه كثير ويزيد بن الأخنس السلمي "3" وابنه معن بن يزيد وأبوه الأخنس ولا يعرف فيمن شهد بدرا ثلاثة أب وجد وابن إلا هؤلاء وأكثر أهل العلم بالسير لا يصحح شهودهم بدرا فهؤلاء أربعة وتسعون. وقد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال ضربت يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم وشهدها من الأنصار ثم من الأوس ثم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وأخوه عمرو والحارث بن أوس بن معاذ والحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس وأخوه شريك وابنه

 

ج / 1 ص -360-       عبد الله ويزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس وابنه عامر وأخوه زياد بن السكن عند ابن الكلبي وحده وابنه عمارة بن زياد وسعد بن ريد "عج" وسلمه بن سلامة بن وقش "عج" وعباد بن بشر بن وقش وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعوراء وإياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم أخي عبد الأشهل من ساكني راتج1 وأخوه الحارث بن أوس عند ابن عقبة. ومن الناس من يقول في عتيك عبيد وأبو الهيثم بن التيهان "عب" وأخوه عبيد ويقال عتيك والحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لهم ومحمد بن مسلمة بن خلف بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث من بني حارثة وسلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث وعببد الله بن سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ثلاثة وعشرون ومن بني ظفر وهو كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد ونضر بن الحارث بن عبيد بن رزاح بن كعب ومعتب بن عبيد عمه. ومن حلفائهم عبد الله بن طارق البلوي خمسة. ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج مسعود بن عبد سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة وأبو عبس عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم ومن حلفائهم من بلى أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم ابن كاهل بن ذهل بن هني أخي فران ابني بلى أخي بهراء ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة ثلاثة. ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ثم من بني ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "راتج" أطم من آطام اليهود في المدينة وتسمى الناحية به.

 

ج / 1 ص -361-       قيس بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليك بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وأبو مليك بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وعمير بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة أربعة. ومن بني أمية بن زيد بن مالك: مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية ورفاعة بن عبد المنذر بن زنبر وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية وعويمر بن ساعدة "عب" ورافع بن عنجدة وهي أمه وأبوه عبد الحارث حليف لهم من بلى وعبيد بن أبي عبيد وثعلبة بن حاطب وزعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب بن عمر بن عبيد بن أمية بن زيد خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أبا لبابة على المدينة فضرب لهما سهمين مع أصحاب بدر تسعة نفر. ومن بني عبيد بن زيد بن مالك أنيس وخداش ابنا قتادة بن ربيعة بن مطروف بن الحارث بن زيد بن عبيد واسم مطروف خالد. ومن حلفائهم من بلى معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة وأخوه عاصم ضرب له بسهمه في بدر وثابت بن أقرم -ويقال أقرن- بن ثعلبة بن عدي بن العجلان وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان وزيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي المذكور. وربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان ثمانيه نفر. ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: جبر بن عتيك بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية وعمه الحارث بن قيس. ومن حلفائهم مالك بن نميلة بن مزينة ونميلة أمه وهو مالك بن ثابت والنعمان بن عصر بن عبيد بن رائلة بن جارية بن ضبيعة بن حرام بن جعيل بن عمرو بن جشم بن وذم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن دهل بن هني بن بلى. وعصر بفتحتين عند ابن الكلبي ومكسور العين ساكن الصاد عند ابن إسحاق والواقدي وأبى معشر وابن عقبة قاله الدمياطي

 

ج / 1 ص -362-       أربعة. ومن بني حنش بن عوف بن عمرو بن عوف سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش رجل. ومن بني كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة. ومن حلفائهم أبو عقيل عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة بن ببحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن أنيف بن جشم بن عائذ الله بن تميم بن عوف بن مناة بن ناج بن تيم بن أراش بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلى رجلان. ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك وهو امرؤ القيس بن ثعلبة وأخوه خوات بن جبير قيل: خرج إلى بدر فكسر بالروحاء فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره وعمهما الحارث بن النعمان وأبو ضياح النعمان بن ثابت بن النعمان بن أمية والنعمان والحارث ابنا أبي خزمة بن النعمان بن أمية بن البرك وأبو حبة -بالباء- بن ثابت أخو أبي ضياح عند بن القداح وأبو حنة -بالنون- بن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة وسالم بن عمير بن ثابت بن كلفة وعاصم بن قيس بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة عشرة. ومن بني غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس سعد بن خيثمة والمنذر ومالك ابنا قدامة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط والحارث بن عرفجة بن الحارث بن مالك ذكره ابن عقبة والواقدي وغيرهما وتميم مولى بني غنم بن السلم خمسة. فجملة من ذكرنا من الأوس أربعة وسبعون1.
وشهدها من الأنصار ثم من الخزرج ثم من بني مغالة: وهم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو شيخ أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي وأخوه أوس وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي المذكور ثلاثة. ومن بني حديلة وهي بنت مالك بن زيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".

 

ج / 1 ص -363-       مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج وهي أم معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وأبي بن كعب "عج" وأبو حبيب بن زيد بن الحباب بن أنس بن زيد بن عبيد بن زيد بن معاوية قاله بن الكلبي ثلاثة. ومن بني غنم بن مالك بن النجار أبو أيوب خالد بن زيد "عج" وعمارة بن حزم "عج" وثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عشيرة وقال ابن هشام: عشيرة بن عبد بن عوف بن غنم وسراقة بن كعب بن عمرو بن عبد العزى بن عزية بن عمر بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار ومنهم من أسقط بعد كعب عمرا أربعة. ومن بني ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار سليم بن قيس بن فهد واسمه خالد بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم وحارثة بن النعمان بن يفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم وسهيل وأخوه سهل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم ومسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم وأخوه أبو خزيمة بن أوس ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة بن غنم كذا عند الواقدي سواد وعند ابن عمارة الأسود سبعة. ومن بني سواد ابن غنم بن مالك بن النجار كذا عند ابن الكلبي، وابن سعد يقول: سواد بن مالك بن غنم بن مالك معاذ "عب" ومعوذ وعوف "عا" بنو الحارث بن رفاعة وأمهم عفراء بنت عبيد وهم ثلاثة عند أبي معشر والواقدي وابن القداح وكان ابن إسحاق يزيد فيهم رابعا يسميه رفاعة شهد عنده بدرا وأنكره الواقدي والنعمان بن عمرو "عج" والنعيمان بن عمرو وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد وعبد الله بن قيس بن خلدة بن الحارث بن سواد وعمرو بن قيس بن زيد بن سواد مذكور في البدريين عند أبي معشر وابن القداح والواقدي وقيس ابنه عندهم أيضا ولم يذكرهما في البدريين ابن عقبة ولا ابن إسحاق، وثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد عشرة.

 

ج / 1 ص -364-       ومن بني مبذول وهو عامر بن مالك بن النجار: ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك خرج إلى بدر فكسر بالروحاء فرده عليه السلام وضرب له بسهمه وأجره وسهل بن عتيك "عج" وعامر بن سعد بن عمرو بن ثقف واسمه كعب بن مالك بن مبذول ذكره ابن عمارة قال ابن سعد: ولم يذكره غيره. ومن حلفائهم عدي بن أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة بن ربيعة بن زهرة بن بديل بن سعد بن عدي بن نصر بن كاهل بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة حليف بني عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ووديعة بن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عمرو بن غنم بن الرابعة بن رشدان بن قيس بن جهينة حليف بني سواد بن غنم بن مالك بن النجار وأبو معشر يسميه رفاعة بن عمرو وعصيمة حليف لهم من أشجع لم يذكره ابن عقبة وذكره غيره كذا قال ابن سعد، والذي قال في السيرة أن عصيمة من بني أسد بن خزيمة وأنه حليف بني مازن بن النجار وكذا ذكره ابن سعد في بني مازن سبعة. ومن بني عدي بن النجار ثم من بني عدي بن مالك بن عدي بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي وهو أول قتيل بعد مهجع وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي ومحرر بن مالك بن عامر بن عدي وسليط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي وأبو سليط عسيرة بن أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك بن عدي وذكر الكلبي أن أباه خارجة شهد بدرا وفيه نظر وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي وأبو صرمة قيس بن أبي قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي قال أبو عمر ولم يختلف في شهوده بدرا ولم يذكره فيهم ابن عقبة ولا ابن إسحاق ولا ابن سعد وهذا عجيب من أبي عمر -رحمه الله- ثمانية. ومن بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو الأعور الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام

 

ج / 1 ص -365-       وحرام وسليم ابنا ملحان بن خالد بن زيد بن حرام أمهما مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. ومن حلفاء بني عدي بن النجار سواد بن غزية بن وهب من بلي وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "استقدمني"، وهو الذي أسر خالدا والعاصي والحارث أخوة أبي جهل بن هشام أربعة. ومن بني عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن عبد الله بن كعب بن عمرو واحد. ومن بني خنساء بن مبذول المذكور أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء اثنان. ومن بني ثعلبة بن مازن بن النجار قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة وأبو حبس المازني تميم بن عبد عمرو بن قيس بن محرث بن الحارث بن ثعلبة. قال أبو عمر شهد بدرا وقال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي وهذا غير ثابت وكذا هو عند ابن سعد معدود في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها اثنان. ومن بني دينار بن النجار سليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار والنعمان والضحاك ابنا عبد عمرو وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل وسعيد بن سهل بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل، وابن إسحاق وأبو معشر يقولان في سهل سهيل وبجير بن أبي بجير حليف لهم من بلي أو جهينة ستة. ومن بني الحارث بن الخزرج ثم من بني مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأصغر بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر قال ابن سعد ليس له عقب وليس كذلك وسعد بن الربيع "ق" وخارجة بن زيد "عج" وخلاد بن سويد "عج" وبشير بن سعد "عج" وسماك بن سعد أخوه ستة. ومن بني حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة واحد. ومن بني عدي بن كعب بن الخزرج خبيب بن يساف ويقال

 

ج / 1 ص -366-       إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم وعن حبيب بن عبد الرحمن أن جده خبيبا هذا ضرب يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولامه ورده فانطلق واحد. ومن بني زيد مناة. وبعضهم يسقط مناة بن الحارث بن الخزرج عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان "عج" وأخوه حريث وسفيان بن نسر ويقال: بشر بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد مناة ثلاثة. ومن بني عوف بن الحارث بن الخزرج ثم من بني جدارة بن عوف تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة وابن عمه زيد بن المزين بن قيس بن عدي وعبد الله بن عمير بن حارثة بن ثعلبة بن خلاس بن أمية بن جدارة لم يذكره ابن عمارة في البدريين وذكره غيره وعبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة كذا نسبه ابن إسحق وابن سعد يقول عبد الله بن عرفطة حليف لهم وعقبة بن عمرو أبو مسعود البدري "عج" عده البخاري في البدريين، والمشهور أنه لم يشهد بدرا وإنما هو منسوب إلى الماء خمسة. ومن بني الأبجر خدرة بن عوف عبد الله بن الربيع "عج" واحد. ومن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج سعد بن عبادة "ق" وقع في صحيح مسلم ولم يصح شهوده بدرا وعبد ربه بن حق بن أوس بن عامر بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف اثنان. ومن بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة المنذر بن عمرو "ق" وأبو دجانة سماك بن خرشة أبو لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة وابن الكلبي يقول: سماك بن أوس بن خرشة اثنان. ومن بني عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن وبعضهم يقول اليدي بن عامر وقيل عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو وقيل البدن وهو عامر أو عمرو بن عوف وابن عمه مالك بن مسعود بن البدن وسعد بن سعد بن مالك بن خالد بن تعلبة بن حارثة بن عمر تجهز لبدر، فمات فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. ومن حلفائهم بسبس بن عمرو بن ثعلبة

 

ج / 1 ص -367-       ابن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة وأخواه زياد وضمرة وبعضهم يقول في ضمرة: ابن أخي زياد، وعند ابن سعد زياد بن كعب بن عمرو بن عدي بن عامر بن رفاعة بن كليب بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة وعبد الله بن عامر البلوي وكعب بن جماز، وبعضهم يقول: حماز وعند الزمخشري حماز بن مالك بن ثعلبة بن خرشة، وبعضهم يسقط من نسبه مالكا ثمانية. ومن بني الحبلي أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الحبلي وريد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزي بن عدي بن مالك بن سالم ورفاعة بن عمرو "عج" وابنه مالك "عج" ذكره الأموي فيمن شهد العقبة وبدرا ومعبد بن عبادة بن قشعر -ويقال: قشير- ابن الفدم بن سالم بن مالك بن سالم. ومن حلفائهم عقبة بن وهب "عج" وعامر بن سلمة بن عامر وعاصم بن العكير من مزينة ثمانية. ومن بني غنم بن عوف بن الخزرج وهو قوقل عبادة بن الصامت "عب" والنعمان الأعرج بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم والنعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم ومالك بن الدخشم "عج" والحارث بن خزمة بن عدي بن أبي غنم حليف لبني عبد الأشهل من الأوس ونوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم وعتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان وابن أخيه عصمة بن الحصين بن وبرة عند بن القداح والواقدي وهبيل أخوه ذكره إبراهيم بن المنذر قال حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه فيمن شهد بدرا، حكاه أبو عمر وفيه نظر، وثابت بن هزال بن عمرو بن قريوش بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم والربيع وودفة ابنا إياس بن عمرو بن غنم بن أمية. ومن حلفائهم المجذر بن ذياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة بن مالك بن غصينة بن عمرو بن بثيرة بن مشنوء

 

ج / 1 ص -368-       ابن القشر بن تيم بن عوذ مناة بن ناج بن تيم بن أراشة بن عامر بن عميلة بن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة؛ وعند ابن إسحاق مشنو بن قشر بن تيم بن أراش بن عامر بإسقاط ما زاد على ذلك البلوي وعبدة بن الحسحاس عند الواقدي مهملة الحاء والسين ومعجمتهما عند ابن إسحاق وقيل: عبادة. وبحاث بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة بالباء الموحدة وآخرها ثاء مثلثة عند ابن الكلبي وعند ابن إسحاق بالنون وآخرها باء موحدة، وأخوه عبد الله بن ثعلبة وعتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية من بني بهراء أخي بلي ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة وابن هشام وابن القداح يقولان من بني بهر. الأبهراء قال أبو عمر: وقد اختلف في شهوده بدرا وعمرو بن إياس بن زيد بن جشم من أهل اليمن من غسان تسعة عشر. ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة: عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن عمرو بن حرام أبو جابر وقد ذكر فيهم ابنه جابر قال الواقدي: غلط من عده في البدريين من أهل العراق لم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق ولا أبو معشر وعمرو بن الجموح "عج" وإخوته معوذ وخلاد ومعاذ وخراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام وأخوه معاذ بن الصمة، وقال محمد بن عمر ليس بثبت ولا مجمع عليه، وعمير بن حرام بن عمرو بن الجموح شهد بدرا عند الواقدي وابن عمارة، ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق ولا أبو معشر، وعمير بن الحمام بن الجموح والحباب بن المنذر بن الجموح وعقبة بن عامر بن نابي "عا" وعمير بن عامر أخوه شهد بدرا وغيرها عند ابن الكلبي، وقال الدمياطي ولم أر من تابع ابن الكلبي على ذكره في الصحابة، وثابت بن ثعلبة وهو ابن الجذع وعمرو "عج" وقيل: عمير بن الحارث. ومن مواليهم تميم مولى خراش بن الصمة وحبيب بن الأسود سبعة عشر ومن بني سنان بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عمرو بن طلق بن زيد بن أمية

 

ج / 1 ص -369-       ابن سنان، ولم يذكره ابن عقبة واحد. ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة البراء بن معرور "ق" وابنه بشر وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء بن سنان وسنان بن صيفي "عج" والطفيل بن مالك "عج" والطفيل بن النعمان بن خنساء "عج" قال ابن سعد: ولا أحسبه إلا وهلا وجبار بن صخر "عج" ويزيد بن خذام1 ومسعود بن زيد "عج" عشرة. ومن بني خناس بن سنان بن عبيد يزيد بن المنذر "عج" وأخوه معقل "عج" وعبد الله بن النعمان بن بلذمة2 بن خناس وأبو قتادة بن ربعي بن بلذمة بن خناس مختلف في شهوده بدرا. أربعة. ومن بني النعمان بن سنان بن عبيد عبد الله بن عبد مناف بن النعمان وخليد وخلاد ولبدة بنو قيس بن النعمان وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان. خمسة. ومن بني ثعلبة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الضحاك بن حارثة "عج" وسواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة. اثنان. ومن بني ربيعة بن عبيد: معبد بن قيس بن صيفي بن صخر بن حرام بن ربيعة وأخوه عبد الله وحمزة بن الحمير من حلفائهم وابن إسحاق يسميه خارجة، وأخوه عبد الله والنعمان بن سنان مولى لهم. خمسة. ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة "عا" وابن عمه سليم بن عمرو بن حديدة وأبو اليسر كعب بن عمرو "عج" وصيفي بن سواد "عج" وثعلبة بن عنمة "عج" وعبس بن عامر بن سنان "عج" وسهل بن قيس بن أبي بن كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد. ومن حلفائهم معاذ بن جبل "عج". ثمانية. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس "عب" وسعد بن عثمان بن خلدة وأخوه عقبة وابن عمهما قيس بن محصن بن خلدة بن مخلد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالخاء المعجمة والذال المعجمة، وقيل "حرام" بالمهملة والراء.
2 بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الذال المعجمة، وقيل: بالمهملة.

 

ج / 1 ص -370-       ابن عامر بن زريق والحارث بن قيس "عج" وجبير بن إياس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ومسعود بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق وعباد بن قيس "عج" ورافع بن مالك "عج" وابناه رفاعة وخلاد وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق والعجلان بن النعمان بن عامر بن العجلان وأسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة بن عامر بن زريق والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة ومعاذ وعائذ ابنا ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر، ومن حلفائهم من بني مالك أخي الحارث رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك وأخوه هلال بن المعلي ولم يذكره ابن إسحاق، قال ابن الكلبي: وشهد رافع وراشد وهلال وأبو قيس بنو المعلى بدرا ولم يذكر ابن إسحاق منهم سوى رافع. اثنان وعشرون ومن بني بياضة بن عامر بن زريق زياد بن لبيد "عج" وخليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة وفروة بن عمرو "عج" وغنام بن أوس بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة ذكره ابن الكلبي وخالد بن قيس "عج" ورحيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة وعطية بن نوير بن عامر بن عطية بن عامر بن بياضة قاله ابن الكلبي. سبعة.
فجملة من ذكرنا من الخزرج مائة وخمسة وتسعون، ومن الأوس أربعة وسبعون، ومن المهاجرين أربعة وتسعون فذلك ثلاثمائة وثلاثة وستون. وهذا العدد أكثر من عدد أهل بدر وإنما جاء ذلك من جهة الخلاف في بعض من ذكرنا، وقد تقدم نظير ذلك في أهل العقبة والله أعلم. وكان معهم من الخيل فرس مرثد بن أبي مرثد الغنوي السبل وفرس المقداد بعرجة ويقال: سبحة وقيل وفرس الزبير اليعسوب وقال ابن عقبة: ويقال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم

 

ج / 1 ص -371-       فرسان على أحدهما مصعب بن عمير وعلى الأخرى سعد بن خيثمة ومرة الزبير بن العوام ومرة المقداد بن الأسود.
واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر من المسلمين عبيدة بن الحارث وعمير بن أبي وقاج / 1 ص -وكانت سنه ستة عشر أو سبعة عشر عاما- وعمير بن الحمام من بني سلمة من الأنصار وسعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف من الأوس وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف ببني زهرة ومبشر بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف وعاقل بن البكير الليثي ومهجع مولى عمر حليفا بني عدي وصفوان بن بيضاء الفهري ويزيد بن الحارث من بني الحارث بن الخزرج ورافع بن المعلى -وقد تقدم الخلاف في أخيه هلال- وحارثة بن سراقة من بني النجار وعوف ومعوذ ابنا عفراء أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار: ستة من الخزرج واثنان من الأوس.
وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون. وروينا من طريق البخاري قال حدثني عمر بن خالد ثنا زهير ثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر أصاب من المشركين أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا1.
فمن مشاهير القتلى: من بني عبد شمس: حنظلة بن أبي سفيان قتله زيد بن حارثة وعبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير وأخوه العاصي بن سعيد قتله علي وقيل: غيره وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة قتلهم حمزة وعبيدة وعلي كما تقدم وعقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت صبرا وقيل: بل علي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك والحارث بن عامر بن نوفل قتله علي وطعيمة بن عدي قتله حمزة وقيل: بل قتل صبرا والأول أشهر وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".

 

ج / 1 ص -372-       وابنه الحارث بن زمعة وأخوه عقيل بن الأسود وأبو البختري بن العاصي بن هشام وقد تقدم الخلاف في قاتله من هو ونوفل بن خويلد بن أسد قتله علي وقيل: الزبير والنضر بن الحارث قتل صبرا بالصفراء وعمير بن عثمان عم طلحة بن عبيد الله بن عثمان وأبو جهل بن هشام وأخوه العاصي بن هشام قتله عمر ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد وقيس بن الفاكه بن المغيرة والسائب بن أبي السائب المخزومي وقد قيل لم يقتل يومئذ وأسلم بعد ذلك ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي والعاصي والحارث ابنا منبه بن الحجاج وأمية بن خلف الجمحي وابنه علي.
وأسر يومئذ: مالك بن عبيد الله أخو طلحة فمات أسيرا وحذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة ثم قتل وقيل: أخوه هشام بن أبي حذيفة، وأسر من بني مخزوم ومن حلفائهم يومئذ أربعة وعشرون رجلا. ومن بني عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا منهم عمرو بن أبي سفيان والحارث بن أبي وحرة بن أبي عمرو بن أمية وأبو العاصي بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب. وأسر من بني هاشم العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. ومن بني المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد والنعمان بن عمرو، ومن بني نوفل عدي بن الخيار. ومن بني عبد الدار أبو عزيز بن عمير. ومن سائر قريش السائب بن أبي حبيش والحارث بن عامر بن عثمان بن أسد وخالد بن هشام أخو أبي جهل وصيفي بن أبي رفاعة وأخوه أبو المنذر بن أبي رفاعة والمطلب بن حنطب وخالد بن الأعلم وهو القائل:

ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا                ولكن على أقدامنا تقطر الدما

وهو أول من فر يوم بدر فأدرك وأسر وعثمان بن عبد شمس بن جابر المازني

 

ج / 1 ص -373-       حليف لهم وهو ابن عمة عتبة بن غزوان وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأبو عطاء عبد الله بن أبي السائب بن عابد المخزومي وأبو وداعة بن صبيرة السهمي -وهو أول أسير فدي منهم- وعبد الله بن أبي بن خلف الجمحي وأخوه عمرو وأبو عزة الجمحي وسهيل بن عمرو العامري وعبد بن زمعة1 بن قيس العامري وعبيد الله بن حميد بن زهير الأسدي. هؤلاء المشاهير من الأسرى والقتلى، نقلت ذلك عن أبي عمر ولولا خشية الإطالة لأتيت عليهم، وكان الفداء من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف درهم. وروينا عن ابن سعد قال: أنا الفضل بن دكين قال: ثنا إسرائيل عن جابر بن عامر قال: أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيرا وكان يفادي بهم على قدر أموالهم وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه. وروينا عنه قال: أنا محمد بن عبد الله الأنصاري فثنا هشام بن حسان فثنا محمد بن سيرين عن عبيدة أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر، فقال إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد2 قابل منكم سبعون قال: فنادى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم فقال: "إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم ويستشهد قابل منكم بعدتهم"، فقالوا: بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابل منا الجنة سبعون ففادوهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "عبد الله بن زمعة" وهو خطأ.
2 في نسخة "واستشهد" وفى أخرى "وليستشهد".

 

ج / 1 ص -374-       ذكر من أسلم من أسرى بدر بعد ذلك:
العباس بن عبد المطلب. عقيل بن أبي طالب. نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. أبو العاص بن الربيع. أبو عزيز بن عمير العبدري. السائب بن أبي حبيش. خالد بن هشام المخزومي. عبد الله بن أبي السائب. المطلب بن حنظب. أبو وداعة السهمي. عبد الله بن أبي خلف الجمحي. وهب بن عمير الجمحي. سهيل بن عمرو العامري. عبد بن زمعة أخو سودة. قيس بن السائب المخزومي. نسطاس مولى أمية بن خلف. ويذكر أن العباس كان جسيما أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وكان دميما فقيل للعباس: لو أخذته بكفك، فقال: ما هو إلا أن لقيته فظهر في عيني كالخندمة، والخندمة جبل من جبال مكة.

فضل من شهد بدرا:
روينا من طريق البخاري حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: أنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم، قال: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة.

 

ج / 1 ص -375-       ما قيل من الشعر في بدر:
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه:

ألم تر أمرا كان من عجب الدهر                وللحين أسباب مبينة الأمر

وما ذاك إلا أن قوما أفادهم                      فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر

عشية راحوا نحو بدر جميعهم                 فكانوا رهونا للركية1 من بدر

وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها                  فساروا إلينا فالتقينا على قدر

فلما التقينا لم تكن مثنوية                     لنا غير طعن بالمثقفة السمر

وضرب ببيض يجتلي الهام حدها              مشهرة الألوان بينة الأثر

ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا                    وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر

وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم           فشقت جيوب النائحات على عمرو

جيوب نساء من لؤي بن غالب                كرام تفرعن الذوائب من فهر

أولئك قوم قتلوا في صلابهم                    وخلوا لواء غير محتضر النصر

لواء ضلال قاد إبليس أهله                      فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر

وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا                  برئت إليكم ما بي اليوم من صبر

فإني أرى ما لا ترون وإنني                     أخاف عقاب الله والله ذو قسر2

فقدمهم للحين حتى تورطوا                   وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر

فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا                   ثلاث مئين كالمسدمة الزهر

وفينا جنود الله حين يمدنا                      بهم في مقام ثم مستوضح الذكر

فشد بهم جبريل تحت لوائنا                   لدى مازق فيه مناياهم تجري


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الركية: البئر.
2 في نسخة "ذو قهر".

 

ج / 1 ص -376-       فاد الرجل فيدا وفودا مات وأفاده الله. والجفر البئر غير المطوية. والمسدمة من قولهم فحل سدم إذا كان هائجا. والمازق موضع الحرب. ومن الناس من ينكرها لحمزة. فأجابه الحارث بن هشام المخزومي:

ألا يا لقوم للصبابة والهجر                           وللحزن مني والحزازة في الصدر

وللدمع من عيني جودا كأنه                        فريد هوى من سلك ناظمه يجري

على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى               رهين مقام للركية من بدر

فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة                    ومن ذي ندام كان من خلق غمر

فإن يك قوم صادفوا منك دولة                       ولا بد للأيام من دول الدهر

فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى           تريهم هوانا منك ذا سبل وعر

في أبيات.
ومما يعزى لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في أبيات:

ألم تر أن الله أبلى رسوله                  بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل

بما أنزل الكفار دار مذلة                     فلاقوا هوانًا من أسار ومن قتل

فأجابه الحارث بن هشام:

عجبت لأقوام تغنى سفيههم            بأمر سفاه ذي اعتراض وذي بطل

تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا              كرام المساعي من غلام ومن كهل

مصاليت بيض من ذؤابة غالب            مطاعين في الهيجا مطاعيم في المحل

أصيبوا كراما لم يبيعوا عشيرة            بقوم سواهم نازحي الدار والأهل

كما أصبحت غسان فيكم بطانة         لكم بدلا منا فيا لك من فعل

 

ج / 1 ص -377-                         عقوقا وإثما بينا وقطيعة           يرى جوركم فيها ذو الرأي والعقل

فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم               وخير المنايا ما يكون من القتل

فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم               لكم كائن خبلا مقيما على خبل

في أبيات ذكرها.
وقال ضرار بن الخطاب الفهري:

عجبت لفخر الأوس والحين دائر              عليهم غدا والدهر فيه بصائر

وفخر بني النجار إن كان معشر               ببدر أصيبوا كلهم ثم صائر

فإن تك قتلى غودرت من رجالنا             ببدر فإنا بعدهم سنغادر

وتردي بنا الجرد العناجيج وسطكم           بني الأوس حتى يشفى النفس ثائر

ووسط بني النجار سوف يكرها               لنا بالقنا والدارعين زوافر

فنترك صرعى تعصب الطير نحوهم          وليس لهم إلا الأماني ناصر

وتبكيهم من أهل يثرب نسوة                 لهن بهاليل عن النوم ساهر

وذلك أنا لا تزال سيوفنا                         بهن دم مما يحاربن مائر

فإن تظفروا في يوم بدر فإنما                 بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر

وبالنفر الأخيار هم أولياؤه                      يحامون في اللأواء1 والموت حاضر

يعد أبو بكر وحمزة فيهم                        ويدعى على وسط من أنت ذاكر

أولئك لا من نتجت من ديارها                 بنو الأوس والنجار حين تفاخروا

ولكن أبوهم من لؤي بن غالب               إذا عدت الأنساب كعب وعامر

هم الطاعنون الخيل في كل معرك          غداة الهياج الأطيبون الأكابر

العناجيج جياد الخيل واحدها عنجوج. ومائر متردد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللأواء. الشدة.

ج / 1 ص -378-       ومما قاله حسان بن ثابت الأنصاي:

بلوت فؤادك في المقام خريدة               تشفي الضجيع ببارد بسام

كالمسك تخلطه بماء سحابة                أو عاتق كدم الذبيح مدام

أما النهار فلا أفتر ذكرها                        والليل توزعني بها أحلامي

أقسمت أنساها وأترك ذكرها                 حتى تغيب في الضريح عظامي

بل من لعاذلة تلوم سفاهة                  ولقد عصيت على الهوى لوامي

إن كنت كاذبة الذي حدثتني                 فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم                   ونجا برأس طمرة1 ولجام

في أبيات يعير الحارث بن هشام بالفرار، وكان الحارث يقول:

الله يعلم ما تركت قتالهم                      حتى رموا فرسي بأشقر مزبد

وعلمت أني إن أقاتل واحدا                    أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

فصددت عنهم والأحبة فيهم                  طمعا لهم بلقاء يوم مفسد2

وكان الأصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار وكان خلف الأحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات بن أبي وهب المخزومي:

لعمرك ما وليت ظهري محمدا                 وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل

ولكنني قلبت أمري فلم أجد                  لسيفي مساغا إن ضربت ولا نبل

وقفت فلما خفت ضيعة موقفي              رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الطاء المهملة والميم وتشديد الراء مفتوحة. الفرس المستفز للوثب والعود، وقال أبو عبيدة: هو المشمر الخلق.
2 في نسخة "أسود".

 

ج / 1 ص -379-       وإن تقاربا لفظا ومعنى فليس ببعيد من أن يكون الثاني أجود من الأول لأنه أكثر انتفاء من الجبن ومن خوف القتل، وإنما علل فراره بعدم إفادة وقوفه فقط وذلك في الأول جزء علة والجزء الآخر قوله اقتل، وقوله رموا فرسي بأشقر مزبد يعني الدم ويحتمل أن يكون ذلك مقيدا بكون مشهده لا يضر عدوه ومع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى وأصرح لفظا.
ومما قاله حسان:

لقد علمت قريش يوم بدر                       غداة الأسر والقتل الشديد

بأنا حين نستجر العوالي                        حماة الحرب يوم أبي الوليد

قتلنا ابني ربيعة يوم ساروا                     إلينا في مضاعفة الحديد

وقر بها حكيم يوم جالت                         بنو النجار تخطر كالأسود

وولت عند ذاك جموع فهر                        وأسلمها الحويرث من بعيد

وقالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث:

يا راكبا إن الأثيل مظنة                          من صبح خامسة وأنت موفق

أبلغ بها ميتا بأن تحية                           ما إن تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة                     حادت بواكفها وأخرى تخنق

هلى يسمعن النضر إن ناديته                 أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمد يا خير ضنء كريمة1                    في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما                     من الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فدية فلننفقن                     بأعز ما يغلو به ما ينفق


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ابن كريمة.

 

ج / 1 ص -380-                            فالنضر أقرب من أسرت قرابة  وأحقهم إن كان عتق يعتق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه                  لله أرحام هناك تشقق

صبرا يقاد إلى المنية مثغبا                      رسف المقيد وهو عان موثق

فيقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه". وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب رمضان أوائل شوال.

 

ج / 1 ص -381-       فصل عن الإمام أبي عمر بن عبد البر يتصل بما سبق:
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله- فلما أوقع الله بالمشركين يوم بدر واستأصل وجوههم قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فلنقتلهم بمن قتل منا ببدر. قال: أخبرنا عبد الله بن محمد فثنا محمد بن بكر فثنا أبو داود فثنا ابن السرج فثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: بلغني أن مخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب. قلت وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام والثاني في تزويجه عليه السلام أم حبيبة وقيل: في شهر ربيع الأول منها وقيل: في سنة ست حكاه أبو عمر عن الواقدي. وأما عمرو بن أمية فشهد بدرا وأحدا مع المشركين وأسلم بعد ذلك وكان أول مشهد شهده بئر معونة فأسرته بنو عامر يومئذ فقال له عامر بن الطفيل إنه كان على أمي نسمة فاذهب فأنت حر عنها وجز ناصيته وبعثه أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة، وسيأتي ذكر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك في وضعه من هذا الكتاب إن شاء الله، وهذا الفصل ذكره أبو عمر في هذا الموضع من كتابه في المغازي وفيه نظر1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".