عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 2 ص -49-
غزوة بني قريظة:
روينا عن أبي بكر الشافعي فثنا عبيد بن عبد
الواحد بن شريك البزار فثنا سعيد بن أبي مريم
قال: أنا العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما رجع
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو
عندي إذ دق الباب فارتاع لذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة وخرج فخرجت في
أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه
وسلم متكيء على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما
دخل قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال:
"ورأيتيه"؟
قلت: نعم قال: "بمن تشبهينه" قلت: بدحية بن خليفة الكلبي قال: "ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة". قال ابن إسحاق: ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن
الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا
السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل النبي صلى
الله عليه وسلم كما حدثني الزهري معتجرا
بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها
قطيفة ديباج فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول
الله قال:
"نعم"،
فقال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما
رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله يأمرك يا
محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم
فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
مؤذنا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا
يصلين العصر إلا ببني قريظة. وروينا عن ابن
عائد قال: أخبرني الوليد عن معاذ بن رفاعة
السلامي عن أبي الزبير عن جابر قال: بينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه مرجعه من
طلب الأحزاب إذ وقف عليه جبريل، فقال: ما أسرع
ما حللتم والله ما نزعنا من لأمتنا1 شيئا منذ
نزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللأمة الدرع وقيل السلاح، ولأمة الحرب
أداته.
ج / 2 ص -50-
العدو
بك قم فشد عليك سلاحك فوالله لأدقنهم كدق البيض على الصفا ثم ولى
فأتبعته بصري فلما رأينا نهضنا. قال: وأخبرني الوليد قال: أخبرني سعيد
بن بشير عن قتادة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا
يا خيل الله اركبي. قال ابن سعد: ثم سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة
آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا، وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي
القعدة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام. قال ابن
إسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى
بني قريظة وابتدرها الناس فسار حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة
قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء
الأخابيث، قال:
"لم أظنك سمعت منهم لي أذى"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا"، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: "يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته"، قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، ومر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال:
"هل مرَّ بكم أحد؟"، قالوا: يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء
عليها رحالة وعليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ذاك جبريل بعث إلي بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم"، ولما أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها وتلاحق
به الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فشغلهم
ما لم يكن لهم منه بد في حربهم وأبوا أن يصلوا لقول النبي صلى الله
عليه وسلم حتى تأتوا بني قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما
عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حدثني بهذا الحديث أبي إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم
الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بني
قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان
عاهده عليه فلما
ج / 2 ص -51-
أيقنوا
بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب
بن أسد لهم: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم
خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا: وما هي قال: نتابع هذا الرجل
ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم
فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا: لا نفارق حكم
التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال: فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل
أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف لم
نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم
نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجد النساء والأبناء،
قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم علي
هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا
فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا: نفسد سبتنا ونحدث
فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك
من المسخ قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما
ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا
لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره
في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام
إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا:
يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه
إنه الذبح، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت
أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا
أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ مما صنعت وعاهدت الله أن لا أطأ بني
قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال:
"أما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من
مكانه حتى يتوب الله عليه". وحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك قالت: قلت: ممَّ
ج / 2 ص -52-
تضحك
أضحك الله سنك قال: "تيب على أبي لبابة"، قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله قال:
"بلى إن شئت"
قال: فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا
أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار الناس إليه ليطلقوه فقال:
لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده
فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه. قال ابن هشام: أقام أبو
لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة
ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم، وقال أبو عمر: روى
ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة
ربوض -والربوض الثقيلة- بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع وكاد
يذهب بصره وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة
فإذا فرغ أعادته إلى الرباط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو جاءني لاستغفرت له". قال
أبو عمر اختلف في الحال الذي أوجب فعل أبي لبابة هذا بنفسه وأحسن ما
قيل في ذلك ما رواه معمر عن الزهري قال: كان أبو لبابة ممن تخلف عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية1 وقال
والله لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى يتوب الله علي أو
أموت فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب
الله عليه وذكر نحوما تقدم في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه
ثم قال أبو لبابة: يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي
أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله قال:
"يجزئك يا أبا لبابة الثلث". وروي عن ابن عباس من وجوه في قوله تعالى:
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا
وَآخَرَ سَيِّئًا}
الآية. أنها نزلت في أبي لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية أو سبعة سواه
تخلفوا عن غزوة تبوك ثم ندموا فتابوا وربطوا أنفسهم بالسواري فكان
عملهم الصالح توبتهم والسيئ تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم. قال أبو عمر: وقد قيل: إن الذنب الذي أتاه أبو لبابة كان
إشارته إلى حلفائه بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ
وإشارته إلى حلفه فنزلت فيه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} الآية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أسطوانة.
ج / 2 ص -53-
قال
ابن إسحاق ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد وهم نفر من
هدل ليسوا من بني قريظة ولا النظير نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم
أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي للقرظي فمر بحرس رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال:
"من هذا"، قال: أنا عمرو بن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في
غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أغدر بمحمد أبدا فقال:
محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني عثرات الكرام ثم خلى سبيله
فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين وجه من الأرض إلى يومه هذا فذكر لرسول
الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال: ذلك رجل نجاه الله بوفائه. وبعض
الناس يزعم أنه كان أوثق برمة1 فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة ولا يدري أين ذهب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة فالله أعلم أي ذلك
كان فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت
الأوس فقالوا: يا رسول الله لهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي
إخواننا بالأمس ما قد علمت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
بني قريظة قد حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه
فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له فلما كلمته الأوس قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم"، قالوا: بلى، قال:
"فذلك إلى سعد بن معاذ"،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة
من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على
خدمة من كانت بها ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق:
"اجعلوه في
خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب"، فلما
حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على
حمار وقد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى
رسول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي بحبل.
ج / 2 ص -54-
الله
صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: يا أبا عمر وأحسن في مواليك فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إنما والاك ذلك لتحسن فيهم1 فلما أكثروا قال:
لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من
قومه إلى دار بني عبد الأشهل فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل
إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قوموا إلى سيدكم". فأما المهاجرون من قريش فيقولون: إنما أراد رسول الله صلى الله
عليه وسلم الأنصار، وأما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم المسلمين فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمر إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد: عليكم بذلك
عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت، قالوا: نعم، قال: وعلى من
ههنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"نعم"، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى
الذراري والنساء. قال ابن سعد: قال حميد: وقال بعضهم: وتكون الديار
للمهاجرين دون الأنصار قال: فقالت الأنصار: إخواننا كنا معهم، فقال:
إني أحببت أن يستغنوا عنكم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن
سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لسعد:
"لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرفعة". قال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي طالب
صلح وهم محاصرو بني قريظة بكتيبة الإيمان وتقدم هو والزبير بن العوام
قال: والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أفتحن حصنهم، فقالوا: يا محمد ننزل
على حكم سعد. قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار. ثم خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها
خنادق ثم بعث إليهم فضرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "إليهم" بدل "فيهم".
ج / 2 ص -55-
أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم إليها أرسالا وفيهم عدو الله حيي بن
أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر يقول: كانوا
ما بين الثمانمائة والتسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب ما تراه يصنع بنا، قال:
في كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب منكم لا
يرجع هو والله القتل. فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأتى بحيي بن أخطب عدو الله مجموعة يداه إلى عنقه بحبل
فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي
في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس
إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس
فضربت عنقه. وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن
عائشة قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت: والله إنها لعندي
تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها
في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت: أنا والله قالت: قلت لها:
ويلك ما لك قالت: أقتل قلت: ولم؟ قالت: لحدث أحدثته قالت: فانطلق بها
فضربت عنقها فكانت عائشة تقول: فوالله ما أنسى عجبا منها طيب نفسها
وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل. قال ابن هشام هي التي طرحت الرحا على
خلاد بن سويد فقتلته، وقال ابن سعد أمر بهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا وجعلوا ناحية وأخرج النساء والذرية فكانوا
ناحية واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمع أمتعتهم وما وجد في حصونهم
من الحلقة والأثاث والثياب فوجد فيها ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع
وألفي رمح وخمسمائة ترس وحجفة1 وخمرا وجرار سكر فأهريق ذلك كله ولم
يخمس، ووجدوا أجمال نواضح وماشية كثيرة2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحجفة الترس.
2 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 2 ص -56-
قال
ابن إسحاق: وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر ابن شهاب الزهري أتى
الزبير1 بن باطا القرظي، وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد منّ
على ثابت بن قيس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان منّ عليه
يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال:
يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال: وهل يجهل مثلي مثلك قال: إني قد أردت
أن أجزيك بيدك عندي قال: إن الكريم يجزي الكريم ثم أتى ثابت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة وقد
أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هو لك"
فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك قال:
شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال: فأتى ثابت رسول الله
صلى الله عيله وسلم فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي امرأته وولده؟
قال:
"هم لك"، قال: فأتاه فقال: قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك
وولدك فهم لك قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى
ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ماله؟ قال: "هو لك"،
فأتاه ثابت فقال: قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك
قال: أي ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذارى الحي
كعب بن أسد؟ قال: قتل قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟
قال: قتل قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن
سمؤال؟ قال: قتل قال: فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني
عمرو بن قريظة؟ قال: ذهبوا قتلوا قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك
إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير أفما أنا
بصابر لله قبلة دلو ناضح2 حتى ألقى الأحبة فقدمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الزاي المشددة و"الزبير" بضم الزاي إلا هذا.
2 سيأتي تفسير الغريب.
ج / 2 ص -57-
ثابت
فضرب عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الأحبة قال يلقاهم والله
في نار جهنم خالدا مخلدا. وذكر أبو عبيد هذا الخبر وفيه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"لك أهله وماله إن أسلم". قال ابن إسحاق حدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن عطية
القرظي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني
قريظة كل من أنبت وكنت غلاما فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي وسألت أم
المنذر سلمى بنت قيس أخت سليط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى
خالاته رفاعة بن سمؤال القرظي وكان قد بلغ قالت: فإنه زعم أنه سيصلي
ويأكل لحم الجمل فوهبه لها. ثم خمست غنائمهم وقسمت للفارس ثلاثة أسهم
سهم له وسهمان لفرسه وللراجل سهم وهو أول فيء، وقعت فيه السهمان وخمس
وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من بني قريظة إلى نجد
فابتاع لهم بهم خيلا وسلاحا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
اصطفى لنفسه منهم ريحانه عمرو بن خنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة
فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وسيأتي ذكرها في
موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وأنزل الله عز وجل في أمر
الخندق وبني قريظة من القرآن القصة في سورة الأحزاب:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا} والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة. وكانت الجنود التي أرسل الله
عليهم مع الريح الملائكة إذ جاءوكم من فوقكم بنو قريظة ومن أسفل منكم
قريش وغطفان إلى قوله:
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا
لَمْ تَطَأُوهَا -يعني خيبر- وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرًا} فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر لسعد بن معاذ جرحه فمات منه وأتى
جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا1 بعمامة من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الاعتجار بالعمامة هو أن يلفها على رأسه وبرد طرفها على وجهه ولا
يعمل منها شيئًا تحت ذقنه.
ج / 2 ص -58-
إستبرق
فقال: يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش1؟ قال:
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ
فوجده قد مات. ولما حمل على نعشه وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"إن له حملة غيركم"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر ابن عائذ:
"لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا"، وقال ابن
سعد مرت عليه عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها فما رقأ حتى مات وبعث
صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة من سندس
فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبون من حسن الجبة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن" يعني من هذا.
واستشهد يوم بني قريظة خلاد بن سويد الحارثي الذي طرحت المرأة عليه
الرحا، وقد تقدم خبر قتلها وزاد ابن عائذ ومنذر بن محمد أخو بني جحجبا.
ومات أبو سنان بن محصن الأسدي ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني
قريظة فدفن في مقبرة بني قريظة، ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم". فكان كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال القاضي أبو بكر بن العربي في تفسيره: "معنى اهتزاز العرش لموت
سعد أن تعتقد أن اهتزازه إنما هو استبشار الملائكة الحافين به كما نقول
اهتز البلد اليوم لموت فلان العالم".
ج / 2 ص -59-
ذكر فوائد تتعلق بما سبق من ذكر الخندق وبني قريظة:
أول من حفر الخنادق في الحروب منوشهر بن إيرج وأول من كمن الكمائن بخت
نصر ذكر ذلك عن الطبري. والنسبة إلى بني النضير نضري بفتحتين كثقفي.
وعيينة بن حصن لَقبٌ لُقبَ لقائد الأحزاب واسمه حذيفة لقب بذلك لشتر في
عينيه. وذكر حيي بن أخطب وما قال لكعب وأنه لم يزل يقتل في الذروة
والغارب. قال السهيلي: هذا مثل وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ
القراد1 من ذروته وغارب سنامه فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك وأنشد
للحطيئة:
لعمرك ما قراد بني كليب
إذا نزع القراد بمستطاع
يريد أنهم لا يخدعون ولا
يستذلون. واللحن العدل بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا
صاحبه، كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف، وقال
الجاحظ في قول مالك بن أسماء:
منطق صائب وتلحن أحيا
نا وخير الكلام ما كان لحنا
يريد أن اللحن الذي هو
الخطأ قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة السن. وخطئ الجاحظ في هذا
التأويل، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لامرأته هند بنت أسماء بن
خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 دويبة معروفة تلصق في جلد البعير.
ج / 2 ص -60-
فاحتجت
بقول أخيها مالك بن أسماء:
وخير الحديث ما كان لحنا
وقال لها
الحجاج: لم يرد أخوك هذا إنما أراد الذي هو التورية والألغاز فسكتت
فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث قال: لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب
البيان ما قلت في ذلك ما قلت فقيل: أفلا تغيره فقال: وكيف وقد سار بها
البغال الشهب وأنجد في البلاد وغار. انتهى ما حكاه السهيلي، وتأويل
الجاحظ أولى لما فيه من مقابلة الصواب بالخطأ ولعل الشاعر لو أراد
المعنى الآخر لقال منطق ظاهر ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من
الخفاء، وكما قال الجاحظ في تأويل وتلحن أحيانا قال ابن قتيبة. وحبان
بن العرقة هو حبان بن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي
والعرقة أمه وهي قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم تكنى أم فاطمة سميت
العرقة لطيب ريحها. كذا ذكر السهيلي، وابن الكلبي يقول: هي أم عبد مناف
جد أبيه وهو عنده حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف وموسى بن عقبة
يقول فيه: جبار بن قيس بالجيم والراء أحد بني العرقة. وحديث اهتزاز
العرش لموت سعد بن معاذ حديث صحيح. قال السهيلي: والعجب من رواية من
روى عن مالك أنه كره أن يقال اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ولم ير
التحدث بذلك مع صحة نقله وكثرة الرواة له، ولا أدري ما وجه ذلك ولعلها
غير صحيحة عنه فقد خرجه البخاري. قلت: هذا يقتضي أن يكون إنكار مالك
محمولا عنده على أمر عنده يرجع إلى الإسناد وليس كذلك بل قد اختلف
العلماء في هذا الخبر فمنهم من يحمله على ظاهره ومنهم من يجنح فيه إلى
التأويل. وما كانت هذه سبيله من الأخبار المشكلة فمن الناس من يكره
روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعي فلعل الكراهة المروية عن مالك من هذا
الوجه والله أعلم. وأسيد بن سعية بفتح الهمزة وكسر السين كذا هو عند
أكثر الرواة، ونقل عن بعضهم أسيد بضم الهمزة وفتح السين. وجهشت إلى
الشيء وأجهشت أسرعت متباكيا، ويعني
ج / 2 ص -61-
بالأرفعة السموات، قال ابن دريد: كذا جاء في هذا الحديث:
"سبعة أرفعة" على لفظ
التذكير على معنى السقف قال الفسوي: ومثل تسميتهم إياها بالجرباء1
تسميتهم إياها بالرفيع، قال ابن الأعرابي سموها بالرفيع لأنها مرفوعة
بالنجوم. قال أبو علي والأجرب خلاف الأملس. والمرأة المقتولة من بني
قريظة اسمها بنانة امرأة الحكم القرظي قال السهيلي وفى قتلها دليل لمن
قال تقتل المرتدة من النساء أخذا بعموم قوله عليه السلام:
"من بدل دينه فاضربوا عنقه" وفيه مع العموم قوة أخرى وهي تعليق الحكم بالردة والتبديل ولا حجة
مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن لا تقتل المرتدة لنهيه عليه السلام
عن قتل النساء والولدان؛ قلت: هما عامان تعارضا وكل من الفريقين يخص
أحد الحديثين بالآخر فالعراقيون يخصون حديث من بدل دينه فاقتلوه بحديث
النهي عن قتل النساء والصبيان، وغيرهم يخالفهم وتخصيص المخالف أولى
لوجه ليس هذا موضع ذكره. وأما استدلاله بهذا الحديث على قتل المرتدة
ولم تكن هذه مرتدة قط فعجيب بل هي قاتلة قتلت خلاد بن سويد ومقاتلة
بتعاطيها ذلك ونافضة للعهد فالعراقي موافق لغيره في قتل هذه وفي
انفرادها بالقتل عن نساء بني قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من
قتل خلاد فليس هذا من حكم المرتدة في ورد ولا صدر. وقول الزبير: وهو
بفتح الزاي وكسر الباء ألست صابرا قبلة دلو ناضح هو عند ابن إسحاق
بالفاء والثاء المثلثة الحروف، وقال ابن هشام: إنما هو بالقاف والباء
الموحدة وقابل الدلو الذي يأخذها من المستقي. وذكر أبو عبيد الحديث في
الأموال إفراغة دلو2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي السماء.
2 في حاشية الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 2 ص -63-
سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء:
روينا عن ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن
عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أخا بني عبد
الأشهل بعثه إلى القرطاء من هوازن. وروينا عن ابن سعد قال: ثم سرية
محمد بن مسلمة إلى القرطاء خرج لعشر ليال خلون من المحرم على رأس تسع
وخمسين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ثلاثين
راكبا إلى القرطاء وهم بطن من بني أبي بكر بن كلاب وكانوا ينزلون
البكرات بناحية ضرية، وبين المدينة وضرية سبع ليال وأمره أن يشن عليهم
الغارة فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل نفرا منهم وهرب سائرهم
واستاق نعما نوشاء ولم يعرض للظعن وانحدروا إلى المدينة فخمس رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما جاء به وفض على أصحابه ما بقي فعدلوا الجزور
بعشرة من الغنم وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة،
وغاب تسع عشرة ليلة وقدم لليلة بقيت من المحرم. وذكر أبو عبد الله
الحاكم أنها في المحرم سنة ست وأن ثمامة بن أثال الحنفي أخذ فيها وذكر
حديث إسلامه. وروينا من طريق مسلم رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد فثنا
ليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة
بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا
ثمامة" قال: عندي يا محمد خير إن تقتل
ج / 2 ص -64-
تقتل
ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت
الحديث. وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أطلقوا
ثمامة"، فانطلق إلى نخل قريب بن المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان
على الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله
ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله
إلي. الحديث. والقرطاء قرط وقريط وقريط بنو عبد بن عبيد وهو أبو بكر بن
كلاب من قيس غيلان ذكره الرشاطي قال وذكر الطبري: قال: قال أبو
اليقظان: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عمرة وهي من القرطاء من بني
أبي بكر بن كلاب وممن ينسب هذه النسبة محمد بن القسم بن شعبان القرظي
الفقيه له مصنف في الفقه على مذهب مالك رحمه الله وهو مصري وقد ذكره
الأمير.
ج / 2 ص -65-
سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق:
واستأذن نفر
من الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله ذبا عن الله وعن رسوله
صلى الله عليه وسلم وتشبها بالأوس فيما فعلوه من قتل ابن الأشرف فأذن
لهم وكذلك كانوا رضي الله عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى الله وإلى
رسوله. وكان ابن أبي الحقيق بخيبر، فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة
خمسة نفر: عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو
قتادة بن ربعي وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم وأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليهم ابن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة،
فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدخلوا
بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله قال: وكان في علية له إليها عجلة
قال: فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته،
فقالت: من أنتم؟ فقالوا: ناس من العرب نلتمس الميرة، قالت: ذاكم صاحبكم
فادخلوا عليه فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة تخوفا أن يكون دونه
محولة تحول بيننا وبينه قال وصاحت المرأة فنوهت بنا قال: وابتدرناه وهو
على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه
قبطية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه
ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا
منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس
بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني أي حسبي حسبي قال: وخرجنا
وكان عبد الله
ج / 2 ص -66-
ابن
عتيك رجلا سيئ البصر فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا1 شديدا، ويقال رجله
فيما قال ابن هشام وغيره قال: وحملناه حتى نأتي منهرا من عيونهم2 فندخل
فيه، قال: فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبون حتى إذا يئسوا
رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه يقضي بينهم. قال: فقلنا: كيف لنا بأن نعلم
بأن عدو الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم فانطلق
حتى دخل في الناس قال فوجدتها ورجال يهود حولها وفى يدها المصباح تنظر
في وجهه وتحدثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت، قلت:
أنى ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت تنظر في وجهه ثم قال: فاض والله
يهود فما سمعت كلمة ألذ إلى نفسي منها قال: ثم جاءنا فأخبرنا الخبر
فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرنا
بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه قال: فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"هاتوا أسيافكم"، فجئناه
بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس:
"هذا قتله أرى فيه أثر الطعام".
قال ابن سعد: هي في شهر رمضان سنة ست قال: وقالوا: كان أبو رافع قد
أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن عقبة فيمن قتل أبا رافع أسعد
بن حرام ولم يذكره غيره. والعجلة درجة من نحل قاله القتبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أصابها وهن.
2 المنهر خرق في الحصن نافذ يدخل فيه الماء.
ج / 2 ص -67-
إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضي الله عنهما:
روينا عن ابن إسحاق قال: وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب
ابن أبي أوس الثقفي عن حبيب بن أبي أوس قال: حدثني عمرو بن العاص من
فيه قال: ولما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا
يرون رأيي ويسمعون مني فقلت لهم: تعلمون والله إني أرى أمر محمد يعلو
الأمور علوا منكرا وإني قد رأيت أمرا فما ترون فيه قالوا: وماذا رأيت؟
قلت: رأيت أن نكون عند النجاشي فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي
فإنا إن "..." ما تأخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع
فإن الإسلام يجب ما كان قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها قال فبايعته
ثم انصرفت. قال ابن إسحق: وحدثني من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبي
طلحة كان معهما. قال أبو القاسم السهيلي: وذكر الزبير حديث عمرو هذا
وقال: وقدم معهما عثمان بن طلحة صحبهما في تلك الطريق قال عمرو: كنت
أسن منهما فأردت أن أكيدهما فقدمتهما قبلي للمبايعة فبايعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أن يغفر لهما ما تقدم من ذنبهما وأضمرت في نفسي
أن أذكر ما تقدم من ذنبي وما تأخر فلما بايعت قلت: على أن يغفر لي ما
تقدم من ذنبي وأنسيت أن أقول ما تأخر. قوله قد استقام الميسم أي ظهرت
العلامة، ومن رواه المنسم بالنون أراد الطريق. |