عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 2 ص -68-         غزوة بني لحيان:
هي عند ابن سعد لغرة هلال شهر ربيع الأول سنة ست، وقال ابن إسحاق وخرج يعني النبي صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة إلى بني لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام حتى أتى منازل بني لحيان فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال:
"لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة"، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا فكان جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه: "آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسواء المنظر في الأهل والمال". والحديث عن غزوة بني لحيان عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن كعب بن مالك. وقال ابن سعد: فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم فأتوا الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا.

 

ج / 2 ص -69-         غزوة ذي قرد، ويقال لها غزوة الغابة:
قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح. فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف إلى ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق القوم فجعل يردهم بالنبل ويقول: إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى ثم قال خذها وأنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع قال: فيقول قائلهم أوكيعنا هو أول النهار قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع فصرخ في المدينة: $"الفزع الفزع"، فكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود حليف بني زهرة ثم عباد بن بشر وسعد بن زيد أحد بني كعب بن عبد الأشهل وأسيد بن ظهير يشك فيه وعكاشة بن

 

ج / 2 ص -70-         محصن ومحرز بن نضلة وأبو قتادة وأبو عياش عبيد بن زيد بن صامت أخو بني زريق فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم سعد بن زيد ثم قال: "اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس". وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش: "يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك"، فلحق بالقوم، فقال أبو عياش: قلت: يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: "أعطيته أفرس منك"، وأنا أقول أنا أفرس الناس فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وكان ثامنا. كذا وقع هنا، وبعض الناس يقول: إن معاذ بن ماعص وأخاه عائذا قتلا يوم بئر معونة شهيدين وقد تقدم ذلك، وبعض الناس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أول من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا. فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة وكان يقال لمحرز الأخرم ويقال له: قمير وإن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صبيعا1 جاما فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس فإنه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، قال: نعم فأعطينه إياه فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل لجمامه2 حتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: أحسن القيام عليه.
2 أي: استراحته، يقال: جم الفرس جمامًا إذا ذهب انحناؤه، وكذا إذا ترك الضراب وإذا ترك فلم يركب.

 

ج / 2 ص -71-         أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال: قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار قال وحمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على أريه1 في بني عبد الأشهل فلم يقتل من المسلمين غيره. قال ابن هشام قتل يومئذ من المسلمين مع محرز وقاص بن محرز المدلجي فيما ذكر غير واحد من أهل العلم. قال ابن إسحاق: ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة فاسترجع الناس وقالوا: قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه"، وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الأكوع: يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني: "إنهم الآن ليغبقون2 في غطفان"، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة3 من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت: يا رسول الله إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها قال: فتبسم رسول الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأرى مربط الدابة.
2 الغبوق شرب العشي.
3 في نسخة زيادة: "هي العضباء".

 

ج / 2 ص -72-         صلى الله عليه وسلم قال: "بئس ما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين إنما هي ناقة من إبلي ارجعي إلى أهلك على بركة الله", والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي الزبير المكي عن الحسن البصري، وقال ابن عقبة: كان رئيس القوم يعني المشركين مسعدة الفزاري وهو عنده قتيل أبي قتادة وفيه قوله عليه السلام: "لتعرفوه فتخلوا عن قتيله وسلبه" ثم إن فوارس النبي صلى الله عليه وسلم أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتالا شديدا واستنقذوا السرح وهزم الله تعالى العدو ويقال: قتل أبو قتادة قرفة امرأة مسعدة وأما ابن سعد فقال وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر، قال ابن عقبة وقتل يومئذ من المسلمين الأخرم1 محرز بن نضلة قتله أوبار. كذا قاله وهو عند ابن سعد آثار وعند ابن عائذ آبار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارا وابنه وذكر ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن ابن الأسود عن عروة نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة. وذكر ابن سعد أنها في شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة وأن اللقاح عشرون فأغار عليها عيينة في ليلة الأربعاء في أربعين فارسا فاستاقوها وكان أبو ذر فيها وقتلوا ابن أبي ذر وجاء الصريخ فنادى الفزع الفزع فنودي يا خيل الله اركبي وكان أول ما نودي بها. قلت قد تقدم عن قتادة من طريق ابن عائذ النداء بيا خيل الله اركبي في وقعة بني قريظة وهي قبل هذه عندهم وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعا فوقف وكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء في رمحه وقال: امض حتى تلحقك الخيل وخلف سعد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "الأجدع".

 

ج / 2 ص -73-         ابن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة، قال: وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت القوم بما بقي وهي عشرة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف وأقام به يوما وليلة يتحسب الخبر وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة ويقال سبعمائة وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد. قال ابن سعد والثابت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه السرية ولكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان غداة فوارس المقداد قلت وأوله:

ولسر أولاد اللقيطة أننا                       سلم غداة فوارس المقداد

قال فعاتبه سعد فقال اضطرني الروي إلى المقداد. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم الاثنين وكان قد غاب خمس ليال.
وفى رواية لابن سعد في هذا الخبر عن هاشم بن القاسم عن عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال خرجت أنا ورباح غلام النبي صلى الله عليه وسلم وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنسيه1 مع الإبل فلما أن كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل راعيها وخرج يطردها، وذكر نحو ما تقدم وفيه حتى ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفونها ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التندية أن تورد الإبل والخيل قليلا ترد للمرعى ساعة وتعاد إلى الماء.

 

ج / 2 ص -74-         عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه جلاهم عن ماء ذي قرد ويخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قوله عليه السلام أنهم الآن يقرون بأرض غطفان قال: فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابا فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة"، فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعا، وفى رواية البخاري لهذا الخبر من طريق سلمة، فقلت: يا نبي الله قد حميت القوم الماء وهم عطاش فابعث إليهم الساعة، فقال: "يابن الأكوع ملكت فأسجح"1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل.

 

ج / 2 ص -75-         ذكر فوائد تتعلق بهذه الواقعة:
قرد مفتوح القاف والراء وحكى السهيلي عن أبي علي الضم فيهما. وقوله اليوم يوم الرضع يريد يوم هلاك الرضع والرضع اللئام من قولهم لئيم راضع وهو الذي يرضع الغنم ولا يحلبها فيسمع صوت الحلب وقد قيل فيه غير ذلك. ومحرز بن نضلة المعروف فيه سكون الضاد ورأيت عن الدارقطني فتحها وحكى البغوي عن ابن إسحاق محرز بن عون بن نضلة وبعضهم يقول ابن ناضلة1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".

سرية سعيد بن زيد إلى العرنيين وهي في شوال سنة ست عند ابن سعد:
قال ابن عقبة: وكان قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة وعرينة حي من بجيلة وكانوا مجهودين مضرورين قد كادوا يهلكون فأنزلهم عنده وسألوه أن ينحيهم من المدينة فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له بفيفاء الخبار1 من وراء الحمى فيها مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى يسارا فقتلوه ثم مثلوا به واستاقوا لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأدركوا فوق المنقى فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وأمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد، وتحدث بهذا الحديث كما زعموا أنس بن مالك وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثل بالآية التي في سورة المائدة:
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هذه الآية والتي بعدها. قرئ على أبي محمد عبد الرحيم بن يوسف المزي وأنا أسمع وأخبرك أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج وأقر به قال: أنا الرئيس أبو القاسم بن الحصين قال: أنا أبو علي بن المذهب قال: أنا أبو بكر القطيعي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الخاء المعجمة.

 

ج / 2 ص -76-         قال: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: أنا أبي فثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال أسلم ناس من عرينة فاجتووا1 المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو خرجتم إلى ذود2 لنا فشربتم من ألبانها". قال حميد: وقال قتادة عن أنس: "وأبوالها". فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومسلما وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهربوا محاربين فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم3 وتركهم في الحرة حتى ماتوا. وقال ابن سعد وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركوهم فأحاطوا بهم فأسروهم وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة قال: وكانت اللقاح خمس عشرة غزارا فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها لقحة تدعى الحناء فسأل عنها فقيل: نحروها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها، ويقال: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة.
2 أي: نوق.
3 أي: احمى مسامير الحديد وكحلهم بها.

 

ج / 2 ص -77-         ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر:
قد تقدم أن نفرا من عرينة وروي من عكل أو عرينة على الشك، وروي من عكل وعرينة من غير شك وروي أن نفرا قدموا ولم يذكر من أي قبيلة هم. والكل في الصحيح من حديث أنس فأما عرينة ففي بجيلة وقضاعة فالذي في بجيلة عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر وعبقر أمه بجيلة، قاله الرشاطي قال: ومنهم الرهط الذين أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم. قال والعرن حكة تصيب الفرس والبعير في قوائمهما. وأما عكل ففي الرباب. وعكل امرأة حضنت بني عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة من الرباب حكى ابن الكلبي قال: ولد عوف بن وائل الحارث وجشما وسعدا وعليا وقيسا وأمهم ابنة ذي اللحية من حمير وحضنتهم عكل أمة لهم فغلبت عليهم. قال ابن دريد اشتقاق عكل من عكلت الشيء إذا جمعته وقال: غيره يكون من عكل يعكل إذا قال برأيه مثل حدس ورجل عكلي أي أحمق منهم من الصحابة خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد بن عوف المذكور لم يذكره أبو عمر ولا نسبه ابن فتحون قاله الرشاطي. وقوله فاجتووا المدينة: قال ابن سيده وجوى الأرض جوى واجتواها لم توافقه. وقد وقع في بعض الروايات أنهم شكوا أجوافهم. وأبوال الإبل وألبانها يدخل في شيء من علاج الاستسقاء إبل البادية التي ترعى الشيح والقيصوم. وقول ابن عقبة وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثل فمن الناس من رأى ذلك

 

ج / 2 ص -78-         وزعم أن هذا الخبر منسوخ بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية وبنهيه عليه السلام عن المثلة، وقد روى في ذلك شيء عن بعض السلف ومن الناس من أبى ذلك وقد يترجح هذا لأنه مختلف في سبب نزول هذه الآية فقد ذكر البغوي وغيره لنزولها قصة غير هذه وأيضا فليس فيها أكثر مما تشعره لفظة {إِنَّمَا} من الاقتصار في حد الحرابة1 على ما في الآية، وأما من زاد على الحرابة جنايات أخر كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة وسمل أعين الرعاء وغير ذلك. فقد روينا في خبرهم عن ابن سعد أنهم قطعوا يد الراعي ورجله وغرسوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم والزيادة في عقوبتهم فهذا قصاص ليس بمثلة والمثلة ما كان ابتداء عن غير جزاء، وقد روينا من طريق الترمذي والنسائي جميعا عن الفضل بن سهل عن يحيى بن غيلان وثقهما النسائي عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء ولو أن شخصا جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة فاقتص منهم للمجني عليهم لما كان التسوية التي حصل به من المثلة المنهي عنها. وإذا اختلفت في سبب نزول الآية الأقوال وتطرق إليها الاحتمال فلا نسخ. وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير وجه وروي أيضا من حديث ابن عمر وعائشة وغيرهما. ولولا ما شرطناه من الاختصار لأوردنا طرفا من طرفه ولبسطنا الكلام عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الجناية.

 

ج / 2 ص -79-         غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع:
وهي في شعبان سنة ست عند ابن إسحاق، وفي سند أربع عند موسى بن عقبة وفى شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد، والخندق بعدها عنده في ذي القعدة من السنة. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومحمد بن يحيى بن حبان كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له: المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه. وذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم. وثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم وأسرعوا الخروج وقادوا الخيل وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة وفى الأنصار عشرون. واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وقال ابن هشام استعمل عليها أبا ذر النفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي.

 

ج / 2 ص -80-         رجع إلى خبر ابن سعد: وكان معه فرسان لزاز والظرب وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأنه قد قتل عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء لذلك الحارث ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق عنهم من كان معهم من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع وهو الماء فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيئوا للقتال وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية. وقد روينا من طريق مسلم خلاف ذلك قال: حدثنا يحيى بن يحيى فثنا سليم بن أخضر عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال فكتب إليّ إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسعى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى: أحسبه قال: جورية أو البتة ابنة الحارث. وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش. وقد أشار ابن سعد إلى هذه الرواية وقال: الأول أثبت قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقران مولاه وجمع الذرية ناحية واستعمل على قسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، وكان الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف شاة وكان السبي مائتي بيت وقال: غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة ثمانيا وعشرين ليلة وقدم المدينة لهلال رمضان.
رجع إلى ابن إسحق: قال وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف

 

ج / 2 ص -81-         ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له: هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ فبينما الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ الجهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال: أقد فعلوها أقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول: "سمن كلبك يأكلك" أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكيف يا عمر إذا تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه"، قال: لا ولكن أذن بالرحيل وفي ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمعه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على ابن أبي ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن الحضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه وقال: يا نبي الله والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوما بلغك ما قال صاحبكم؟"

 

ج / 2 ص -82-         قال: أي صاحب يا رسول الله؟ قال: "عبد الله بن أبي" قال: وما قال؟ قال: "زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل"، قال: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال: يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكه، ثم متن1 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذته الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فوق النقيع يقال له: نقعا فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخافوها فإنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار"، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين مات ذلك اليوم ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال: "هذا الذي أوفى الله بأذنه"، وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني فأنا أحمل لك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يقال: متن به أي سار به يومه أجمع.

 

ج / 2 ص -83-         رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا". وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: "كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي: اقتله لأرعدت له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته" قال: قال عمر قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري. وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلما وجئت أطلب دية أخي قتل خطأ فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا فقال في شعر يقوله:

شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا              يضرج ثوبيه دماء الأخادع

وكانت هموم النفس من قبل قتله                     تلم فيحميني وطاء المضاجع

حللت به وترى وأدركت ثورتي                           وكنت إلى الأوثان أول راجع

ثأرت به فهما وحملت عقله                             سراة بني النجار أرباب فارع

وقال مقيس بن صبابة أيضا:

جللته ضربة باتت لها وشل                    من ناقع الجوف يعلوه وينصرم

فقلت والموت تغشاه أسرته                   لا تأمنن بني بكر إذا ظلموا

قال ابن هشام: وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق يا منصور أمت أمت. قال ابن إسحاق: وأصيب من بني المصطلق ناس يومئذ وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكا وابنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا فشاء

 

ج / 2 ص -84-         قسمته في المسلمين. وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كان اسمها برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية فأرسل الناس ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق لذلك فكانت مائة بيت وأسلم بنو المصطلق، ثم بعد ذلك بأزيد من عامين بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا فخرجوا للقائه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله ففر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظنه، فهم عليه السلام بقتالهم فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}، الآية والتي بعدها.

 

ج / 2 ص -85-         حديث الإفك:
وفي هذه الغزاة قال أهل الإفك في عائشة ما قالوا فبرأها الله مما قالوا: روينا من طريق البخاري قال: حدثنا يحيى بن بكير فثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا. وكل حدثني طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضه بعضا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. الذي حدثني عروة عن عائشة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين أذن ليلة بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جذع أظفار قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا ولم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة1 من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي القليل.

 

ج / 2 ص -86-         حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج1 فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما يكلمني كلمة ولا أكلمه وما سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق بي يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك. وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم؟" ثم ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف أمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا، قالت: أي هنتاه أولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي نزل من آخر الليل.

 

ج / 2 ص -87-         تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال: "كيف تيكم؟"، فقلت: أتأذن لي أن آتى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت: لأمي يا أمتاه فيما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا. قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ1 لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: "إيه بريرة هل رأيت من شيء يريبك"، قالت: بريرة والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه2 عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين من يعذرني2 من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت عن أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي"، فقام سعد بن معاذ الأنصاري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي لا ينقطع.
2 أي أعيبه.
3 أي من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه.

 

ج / 2 ص -88-         فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يظنان البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: "أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني بريئة

 

ج / 2 ص -89-         لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقوني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فوالله مارام1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء2 حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه، قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: "يا عائشة أما الله فقد برأك"، فقالت أمي: قومي إليه قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله. وأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات كلها فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، قال: "يا زينب ماذا علمت؟ أو رأيت؟"، فقالت: يا رسول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ما برح.
2 البرحاء في الأصل معناها: شدة الحمى وشدة الكرب.

 

ج / 2 ص -90-         الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. قال البخاري: ثنا محمد بن كثير، قال: أنا سليمان عن حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أبي مروان عن أم رومان أم عائشة أنها قالت: لما رميت عائشة خرت مغشيا عليها1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل "بلغ مقابلة لله الحمد".

 

ج / 2 ص -91-         ذكر فوائد تتعلق بخبر بني المصطلق وحديث الإفك:
المصطلق هو جزيمة بن كعب من خزاعة. والمريسيع ماء لهم. وجهجاه بن مسعود وقال أبو عمر جهجاه بن سعد بن حرام هو صاحب حديث:
"المؤمن يأكل في معي واحد" وقيل: إن ذلك قيل في غيره وقال الطبري: المحدثون يزيدون فيه الهاء والصواب جهجا دون هاء وجهجاه هذا هو الذي جاء وعثمان رضي الله عنه يخطب وبيده عصا النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها وكسرها على ركبته اليمنى فدخلت فيها شظية منها فبقى الجرح وأصابته الأكلة وشدت العصا وكانت مضببة ذكره ابن سلمة التجيبي في تاريخه. وسنان بن وبر بإسكان الباء عند بعضهم الأموي وقال أبو عمر سنان بن تيم ويقال ابن وبر وفي كتاب ابن شبة سنان بن أبير. وحكى الأموي عن ابن إسحاق سنان بن عمرو ويقال ابن وبرة. ومتن بالناس قال صاحب العين ساروا سيرا ممانا أي بعيدا. وفى حديث الإفك ذكر صفوان بن المعطل قال السهيلي وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع ولذلك تخلف في هذا الحديث وقد روي أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس ويشهد لذلك حديث أبي داود أن امرأة صفوان اشتكت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أشياء منها أنه لا يصلي الصبح فقال صفوان يا رسول الله إني امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظت فصل". وقتل صفوان شهيدا في خلافة معاوية واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات. وجذع ظفار قال يعقوب مدينة باليمن وقد

 

ج / 2 ص -92-         وقع جذع طعاري وهو أيضا صحيح. وأم رومان زينب بنت عامر بن عويمر ابن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم كذا قال مصعب، وغيره يخالفه وقد وقع في الصحيح رواية مسروق عنها بصيغة العنعنة وغيرها ولم يدركها، وملخص ما أجاب به أبو بكر الخطيب أن مسروقا يمكن أن يكون قال: سئلت أم رومان فأثبت الكاتب صورة الهمزة ألفا فتصحفت على من بعده بسألت ثم نقلت إلى صيغة الأخبار بالمعنى في طريق وبقيت على صورتها في آخر ومخرجها التصحيف المذكور. ومسطح لقب واسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف. ذكر الأموي عن أبيه عن ابن إسحاق قال: قال أبو بكر لمسطح:

يا عوف ويحك هلا قلت عارفة                من الكلام ولم تتبع به طمعا

وأدركتك حميا معشر أنف                      ولم تسكن قاطعا يا عوف منقطعا

فأنزل الله وحيا في براءتها                     وبين عوف وبين الله ما صنعا

فإن أعش أجز عوفا عن مقالته              شر الجزاء إذا ألفيته تبعا

قال أبو عمر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذين رموا عائشة بالإفك حين نزل القرآن ببراءتها فجلدوا الحد ثمانين فيما ذكر أهل السير والعلم والخبر. ووقع في هذا الحديث فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه ووقع عند ابن إسحاق في هذا الخبر بدل سعد بن معاذ أسيد بن حضير فمن الناس من يرى أن ذكر سعد في هذا الخبر وهم لأن سعدا مات عند انقضاء أمر بني قريظة ويرى أن الصواب ما ذكره ابن إسحاق من ذكر أسيد بن حضير. ولو اتفق أهل المغازي على أن وقعة الخندق وبني قريظة متقدمة على غزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما لمن رآه كذلك ولكن هم مختلفون في ترتيب هذه المغازي كما سبق في هذه وغيرها. ورأيت

 

ج / 2 ص -93-         عن الحاكم أبي عبد الله أن سبب هذا الخلاف إنما هو لاختلاف في التاريخ هل هو لمقدم النبي صلى الله عليه وسلم في ربع الأول كما هو عند قوم أو للعام الذي قدم فيه كما هو عند آخرين وذلك لا يتم لأمرين أحدهما أن تلك المدة التي وقع الاختلاف فيها إنما هي نحو ثلاثة أشهر وهي من أول العام إلى ربيع الأول وزمن الخلاف أوسع من ذلك فهذه الغزوة عند ابن عقبة في سنة أربع. وعند غيره في شعبان سنة ست. الثاني أنها مختلفة الترتيب عندهم في تقديم بعضها على بعض فهذه عند ابن سعد وجماعة قبل الخندق وعند ابن إسحاق وآخرين بعدها وذلك غير الأول وأما ابن سعد فإنه يؤرخ هذه الوقائع بالأشهر لا بالسنين.
وفي هذه الغزوة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل أخبرنا أبو عبد الله بن عبد المؤمن بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي عليه وأنا أسمع بمرج دمشق قال: له أخبركم المؤيد بن الأخوة إجازة من أصبهان فأقر به قال: أنا زاهر بن طاهر الشحامي قال: أنا أبو سعد الكنجروذي قال: أنا أبو طاهر محمد بن الفضل قال: أنا جدي أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فثنا علي هو ابن حجر فثنا إسماعيل هو ابن جعفر فثنا ربيعة هو ابن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ عن ابن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقالك يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لانسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون". قال ابن سعد: وفيها سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه فنزلت آية التيمم. فقال أسيد بن الحضير

 

ج / 2 ص -94-         ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق أخبركم الخضر بن كامل قراءة عليه وأنتم تسمعون قال: أنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي سماعا "ح" قال الشيباني: وأنا أبو اليمن الكندي إجازة إن لم يكن سماعا قال أنا ابن البيضاوي قالا: أنا أبو محمد بن هزارمرو قال: أنا المخلص فثنا البغوي فثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. قال البغوي: هذا معنى لفظ الحديث. وروى الطبري في معجمه من حديث محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان قال أهل الإفك ما قالوا فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس وطلع الفجر فلقيت من أبي بكر ما شاء الله وقال لي: يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء وليس مع الناس ماء فأنزل الله الرخصة بالتيمم، فقال أبو بكر والله يا بنية إنك لما علمت مباركة. فهذه الرواية تقتضي أن الواقعتين كانتا في غزوتين والله أعلم.