عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 2 ص -95-         سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر:
قال ابن سعد بعد ذكر غزوة الغابة وهي غزوة ذي قرد: ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر غمر مرزوق مفتوح الغين المعجمة ساكن الميم بعدها راء مهملة. وهو ماء لبني أسد، وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست. قالوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلا قال الواقدي: فيما حكاه عنه الحاكم أبو عبد الله فيهم ثابت بن أقرم وسباع بن وهب فخرج سريعا يغذ1 السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا عليا بلادهم ووجد ديارهم خلويا2 فبعث شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربئة3 لهم فأموه فدلهم على نعم لبني عم له فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم إلى المدينة وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا. وقال ابن عائذ: أميرهم ثابت بن أقرم ومعه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني أمية ابن عبد شمس ولقيط بن أعصم حليف بني عمرو بن عوف ثم من بني معاوية بن مالك من بلي فأصيب فيها ثابت. كذا وجدت عن الحاكم سباع بن وهب ولعله شجاع بن وهب الذي يأتي ذكره بعد ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يسرع.
2 أي: أهلها غائبون.
3 أي: طليعة.

 

ج / 2 ص -96-         سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة بفتح القاف والصاد المهملة:
قال ابن سعد في ربيع الآخر سنة ست قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة وبني عوال وهم بذي القصة وبينها وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا طريق الربذة في عشرة نفر فوردوا عليهم ليلا فأحدق يهم القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضرب كعبه فلا يتحرك وجردوه من الثياب ومر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فساقه ورجع. وذكر الحاكم عن الواقدي نحوه في كتاب الإكليل.

 

ج / 2 ص -97-         سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة:
ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست قالوا: أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين1 والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة. فسارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة وهي ترعى بهيفاء موضع على سبعة أميال من المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال فأصاب رجلا واحدا فأسلم وتركه فأخذ نعما من نعمهم فاستاقه ورثة2 من متاعهم وقدم بذلك المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم. وقال ابن عائذ أنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال ثم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة من طريق العراق. ورأيته مقيدا بالصاد المهملة والمعجمة معا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح التاء وسكون الغين وكسر الميم.
2 بكسر الراء وفتح الثاء المشددة وهو السقط من متاع البيت.

 

ج / 2 ص -98-         سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني سليم بالجموم بفتح الجيم:
ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في غزوة الجموم فأصاب زيد نعما وشاء وأسر جماعة من المشركين وقال ابن سعد: هي في شهر ربيع الآخر سنة ست. قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن تخل عن يسارها وبطن نخل من المدينة على أربعة برد فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها: حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية. فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها فقال بلال بن الحارث المزني في ذلك:

لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت                   حليمة حتى راح ركبهما معا

 

ج / 2 ص -99-         سرية زيد بن حارثة إلى العيص:
قال ابن سعد: ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص وبينها وبين المدينة أربع ليال وبينها وبين ذي المروة ليلة  في جمادى الأولى سنة ست قالوا: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام بعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب معترضا لها. فأخذوها وما فيها، وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسروا ناسا ممن كان في العير منهم أبو العاص بن الربيع وقدم بهم المدينة فاستجار أبو العاص بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته ونادت في الناس حين صلى رسول الله عليه وسلم الفجر: إني قد أجرت أبا العاص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما علمت بشيء من هذا وقد أجرنا من أجرت ورد عليه ما أخذ منه".

 

 

ج / 2 ص -101-       سرية زيد بن حارثة إلى حسمى:
ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست قالوا: أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر وقد أجازه وكساه فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد وعند ابن إسحاق عوض فيهما بدل عارض في ناس من جذام بحسمى فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية، وكان زيد يسير بالليل ويكمن بالنهار ومعه دليل له من بني عذرة فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأغاروا على ما شيتهم ونعمهم ونسائهم فأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة ومن السبي مائة من النساء والصبيان فرحل زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى رسول الله صلى الله عيه وسلم كتابه الذي كان كتب له ولقومه ليالي قدم عليه فأسلم وقال: يا رسول الله لا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حراما. قال:
"فكيف أصنع بالقتلى". قال أبو يزيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أبو يزيد"، فبعث معهم عليا إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم فتوجه علي ولقي رافع بن مكيث الجهني بشير بن حارثة على ناقة من إبل

 

ج / 2 ص -102-       القوم فردها علي على القوم. ولقي زيدا بالفحلتين وهي بين المدينة وذي المروة فأبلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرد إلى الناس كل ما كان أخذ لهم.
وذكر غير ابن سعد أمر هذه السرية أطول من هذا. وحسمى على مثل فعلى مكسور الأول قيده أبو علي موضع من أرض جذام، وذكروا أن الماء في الطوفان أقام به بعد نضوبه ثمانين سنة. وعند ابن إسحاق أبو زيد بن عمرو. وعنده رفاعة ابن زيد الجذامي وهو الصحيح. وعوض قيده بعض الناس عوص. وقال النمري ليس عوض إلا في حمير أو عوض بن إرم بن سام بن نوح وفى غيرهما عوص.

 

ج / 2 ص -103-       سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى:
ثم سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست:
قال ابن عائذ: وأخبرني الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال ثم غزوة زيد بن حارثة إلى وادي القرى فأصيب يومئذ من المسلمين ورد بن مرداس وارتث زيد بن حارثة من بين وسط القتلى. وقال غيره فلما قدم زيد آلى أن لا يمس رأسه غسل جنابة حتى يغزو بني فزارة. فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى. وعن ابن إسحاق من طريق يونس بن بكير قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى وادي القرى فلقي به بني فزارة وأصيب بها ناس من أصحابه وانفلت زيد من بين القتلى فأصيب فيها أحد بني سعد بن هزيم أصابه أحد بني بكر فلما قدم زيد بن حارثة نذر أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو فزارة فلما استبل جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش إلى بني فزارة فلقيهم بوادي القرى وأصاب فيهم. وقتل قيس ابن المسحر بن النعمان مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر وأسر أم قرفة وهي فاطمة بنت زمعة بن بدر وكانت عند حذيفة بن بدر عجوزا كبيرة وبنت لها وعبد الله بن مسعدة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة فقتلها قتلا عنيفا وربط برجليها

 

ج / 2 ص -104-       حبلين ثم ربطا إلى بعيرين شتى حتى شقاها. ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبعبد الله بن مسعدة فكانت بنت أم قرفة لسلمة بن الأكوع كان هو الذي أصابها، وكانت في بيت شرف من قومها. كانت العرب تقول لو كنت أعز من أم قرفة فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبها له فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب فولدت له عبد الرحمن بن حزن. هكذا ذكر محمد بن إسحاق ومحمد بن سعد أن أمير هذه السرية زيد بن حارثة. وقد روينا في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى بني فزارة وسيأتي لهذا الخبر مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

 

ج / 2 ص -105-       سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل:
قال ابن سعد: ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست قالوا: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فأقعده بين يديه وعممه بيده. وقال:
"اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا". وبعثه إلى كلب بدومة الجندل فقال: "إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم"، فسار عبد الرحمن بن عوف حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا وكان رأسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية وتزوج عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن. وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح لدومة الجندل في سرية.

 

ج / 2 ص -106-       سرية زيد بن حارثة إلى مدين:
وذكر ابن إسحاق سرية لزيد بن حارثة إلى مدين قال: فأصاب سبيا من أهل مينا وهي السواحل وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم يعني بين الأمهات والأولاد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال:
"ما لهم؟"، فقيل: يا رسول الله فرق بينهم فقال: "لا تبيعوهم إلا جميعا". وكان مع زيد بن حارثة في هذه السرية ضميرة مولى علي بن أبي طالب وأخ له.

 

ج / 2 ص -107-       سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك:
قال ابن سعد عطفا على سرية عبد الرحمن بن عوف ثم سرية على بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فبعث إليهم عليا في مائة رجل فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج  وهو ماء بين خيبر وفدك وبين فدك والمدينة ست ليال فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم وأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم فعزل على صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحا1 تدعى الحقدة، ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه. وذكر الحاكم بسنده في هذا الخبر من طريق الواقدي وقال: فأصاب عينا وأقر لهم أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح اللام وهي الناقة الحلوب.

 

ج / 2 ص -108-       سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى:
ذكر ابن سعد أنها في شهر رمضان سنة ست. قال: قالوا: خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم؛ ثم استبل1 زيد. وذكر ابن سعد نحو ما سبق عن ابن إسحاق من طريق ابن بكير في خبر أم قرفة السابق وقال في آخره وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله وساءله فأخبره بما ظفره الله به. كذا ثبت عن ابن سعد لزيد سريتان بوادي القرى إحداهما في رجب والثانية في رمضان. وإنما قالوا: أعز من أم قرفة لأنها كانت يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم لها ذو محرم. والواقدي يذكر أنها قتلت يوم بزاخة وإنما المقتول يوم بزاخة بنوها التسعة. وذكر الدولابى أن زيدا إنما قتلها كذلك لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدا بابنتها أسيرا كان في قريش من المسلمين وهو مخالف لما حكيناه عن ابن إسحاق من أنها صارت لحزن بن أبي وهب. وقيس بن المسحر بتقديم السين عند الطبري، وبتقديم الحاء عند غيره وفتح السين، ومن الناس من يكسرها. وورد بن عمرو بن خداش. وفى الأصل عمرو بن مرداس وكأنه تصحيف وهو أحد بني سعد بن هذيم وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة حضنه عبد اسمه هذيم فغلب عليه. قاله ابن الكلبي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: صح من مرضه.

 

ج / 2 ص -109-       سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رزام:
وغير ابن سعد يقول: اليسير بن رزام اليهودي بخيبر في شوال سنة ست قالوا: لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن رزام فسار في غطفان وغيرهم فجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر في شهر رمضان سرا فسأل عن خبره وغرته فأخبر بذلك. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا فبعث عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا على أسير فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له، قال: نعم ولي منكم مثل ذلك. فقالوا نعم، فقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين حتى إذا كنا بقرقرة تبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس الجهني وكان في السرية وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت: غدرا أي عدو الله. فعل ذلك مرتين فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير فضربته بالسيف فأندرت1 عامة فخذه وساقه وسقط عن بعيره وبيده مخرش2 من شوحط فضربني فشجني مأمومة3 وملنا على أصحابه فقتلناهم كما هم غير رجل واحد أعجزنا شدا. ولم يصب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: رميت.
2 أي: عصا معوجة الرأس.
3 أي: شجة بلغت أم الرأس.

 

ج / 2 ص -110-       من المسلمين أحد ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه الحديث فقال: "قد نجاكم الله من القوم الظالمين". وقال ابن عائذ أخبرنا الوليد عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن أنيس، وقال: غير الوليد بعث عبد الله بن رواحة، وفيما ذكره ابن عائذ وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شجته فلم تقح ولم تؤذه حتى مات. وقال ابن إسحاق أن ابن رواحة غزا خيبر مرتين إحداهما التي أصاب فيها ابن رزام.

 

ج / 2 ص -111-       سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن حريش إلى أبي سفيان بن حرب:
وعند ابن إسحاق جبار بن صخر بدل سلمة بن حريش:
قال ابن سعد: ثم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريش إلى أبي سفيان بن حرب بمكة وذلك أن أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش ألا أحد يغتر محمدا فإنه يمشي في الأسواق فأتاه رجل من الأعراب فقال: قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشده بطشا وأسرعه شدا فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر فأسوره1 ثم آخذه في غبر وأسبق القوم عدوا فإني هاد بالطريق خريت2. قال: أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: اطو أمرك فخرج ليلا فسار على راحلته خمسا وصبح ظهر الحرة صبح سادسة. ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد بني عبد الأشهل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن هذا ليريد غدرا"، فذهب ليحني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره فإذا بالخنجر فأسقط في يديه وقال: دمي دمي. فأخذ أسيد بلبته فذعته3 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصدقني ما أنت؟"، قال: وأنا آمن؟ قال: "نعم"، فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان فخلى عنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: أرتفع إليه وآخذه.
2 أي: ماهر.
3 أي: ضغط على رقبته.

 

ج / 2 ص -112-       رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال إن أصبتما منه غرة فاقتلاه فدخلا مكة ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه فأخبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية وقالوا لم يأت عمرو لخير فحشد له أهل مكة وتجمعوا وهرب عمرو وسلمة فلقى عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله وقتل آخر من بني الديل سمعه يتغنى ويقول:

ولست بمسلم ما دمت حيا                    ولست أدين دين المسلمينا

ولقي رسولين لقريش بعثهما يتجسسان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم المدينة فجعل عمرو يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.