عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي ج / 2 ص -133-
غزوة خيبر:
قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض
المحرم وخرج في بقية منه غازيا إلى خيبر ولم
يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر
وأيام. واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله
الليني فيما قاله ابن هشام. وقال موسى بن
عقبة: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة منصرفه من الحديبية مكث عشرين يوما أو
قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله
وعده إياها وهم بالحديبية. قال ابن إسحاق
فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي عن
أبي الهيثم بن نصر الأسلمي أن أباه حدثه أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة
بن عمرو بن الأكوع وكان اسم ابن الأكوع سنانا:
"انزل
يابن الأكوع فخذ لنا من هناتك" قال:
فنزل يرتجز:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يرحمك ربك فقال عمر بن الخطاب: وجبت والله يا رسول الله لو
أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا، وكان قتله فيما بلغني أن سيفه رجع
عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا1 فمات منه فكان المسلمون قد شكوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جرحه جرحا شديدًا.
ج / 2 ص -134-
فيه
وقالوا: ما قتله إلا سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبره بقول الناس فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
"إنه لشهيد"،
وصلى عليه وصلى عليه المسلمون.
وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن أبي معتب
بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال
لأصحابه وأنا فيهم:
"قفوا"،
ثم قال:
"اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما
أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها
وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها اقدموا بسم الله"، قال: وكان يقولها لكل قرية دخلها.
وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم
يسمع أذانا أغار فنزلنا خيبر ليلا فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا فركب وركبنا معه وركبت خلف أبي طلحة وإن
قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقبلنا عمال خيبر غادين
وقد خرجوا بمساحيهم1 ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجيش قالوا: محمد والخميس2 معه فأدبروا هرابا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "الله
أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". حدثنا هارون عن حميد عن أنس بمثله وروينا عن أبي علي بن الصواف
بالسند المتقدم إليه فثنا الحسين بن علي بن مصعب فثنا هشام بن حسان عن
محمد بن أبي السري فثنا عبد الرزاق قال أنا هشام بن حسان عن محمد بن
سيرين عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: لما أشرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم على خيبر وجد اليهود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد.
2 الخميس: هو الجيش.
ج / 2 ص -135-
وهم في
عملهم معهم مساحيهم، فقالوا: محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صبح المنذرين".
رجع إلى الأول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى
خيبر سلك على عصر فبنى له فيها مسجد ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بجيشه إلى خيبر حتى نزل بواد يقال له: الرجيع فنزل
بينهم وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر وكانوا لهم
مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغني أن غطفان لما سمعت
بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا ثم خرجوا ليظاهروا
يهود عليه حتى إذا ساروا منقلة1 سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا
ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أهليهم
وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر وتدنى رسول
الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالا مالا ويفتحها حصنا حصنا
فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة برحى ألقيت
عليه منه. أخبرنا أبو الفتح بن المجاور الشيباني بقراءتي عليه بالشام
قال: أنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا أبو القاسم
هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري قال: أنا أبو طالب محمد بن علي بن
الفتح قال: أنا أبو الحسين محمد بن أحمد الواعظ فثنا أبو بكر محمد بن
جعفر المطيري فثنا حماد بن الحسن فثنا أبي عن هشيم عن العوام بن حوشب
عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال: إن اليهود قتلوا أخي، فقال:
"لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فيفتح الله
عز وجل عليه فيمكنه الله من قاتل أخيك"،
فبعث إلى علي عليه السلام فعقد له اللواء فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي مرحلة.
ج / 2 ص -136-
يا
رسول الله إني أرمد كما ترى قال: وكان يومئذ أرمد فتفل في عينيه قال
علي عليه السلام: فما رمدت بعد يومئذ قال العوام: فحدثني جبلة بن سحيم
أو حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: فمضى بذلك الوجه فما تنام آخرنا
حتى فتح الله على أولياء الله فأخذ علي عليه السلام قاتل الأنصاري
فدفعه إلى أخيه فقتله. الرجل الأنصاري هو محمد بن مسلمة. وروينا في
المعجم الصغير لأبي القاسم الطبراني فثنا محمد بن الفضل بن جابر السقطي
ببغداد فثنا فضيل بن عبد الوهاب فثنا جعفر بن سليمان عن الخليل بن مرة
عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم خيبر بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا فجبن فجاء محمد بن مسلمة فقال: يا رسول
الله لم أر كاليوم قط قتل محمود بن مسلمة، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون
به منهم فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم
بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فإذا غشوكم فانهضوا
وكبروا"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لأبعثن غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه لا يولي الدبر"، فلما كان من الغد بعث عليا وهو أرمد شديد الرمد فقال: "سر"،
فقال: يا رسول الله ما أبصر موضع قدمي فتفل في عينيه وعقد له اللواء
ودفع إليه الراية فقال: على ما أقاتلهم يا رسول الله؟ قال:
"على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد
حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى". رجع إلى الأول: ثم الغموص حصن بني أبي الحقيق وأصاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم منهم سبايا منهن صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة
بن الربيع بن أبي الحقيق وبنتا1 عم لها فاصطفى رسول الله صلى الله عليه
وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "وبنتي".
ج / 2 ص -137-
صفية
لنفسه وجعلها عند أم سليم حتى اعتدت وأسلمت ثم أعتقها وتزوجها وجعل
عتقها صداقها. واختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من جعل ذلك خصوصا
له عليه السلام كما خص بالموهوبة وبالتسع ومنهم من جعل ذلك سنة لمن شاء
من أمته وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم صفية فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها وقيل كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهبها له ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس وفشت السبايا من
خيبر في المسلمين وأكل المسلمون لحوم الحمر ونهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الناس عن إتيان الحبالى من النساء وأكل الحمار الأهلي وأكل
كل ذي ناب من السباع وبيع المغانم حتى تقسم وأن لا يصيب أحد امرأة من
السبي حتى يستبرئها ولا يركب دابة في فيء المسلمين حتى إذا أعجفها1
ردها فيه ولا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه وأن
يبيع أو يبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين وقال:
ابتاعوا تبر الذهب بالورق وتبر الفضة بالذهب العين. وفيه نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم وعن متعة النساء ورخص في لحوم الخيل
وقسم للفارس سهما وللفرس سهمين، فسره نافع فقال: إذا كان مع الفارس فرس
فله ثلاثة أسهم وإن لم يكن فله سهم. قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال فحدثني عبد الله بن أبي بكر
أنه حدثه بعض أسلم أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالوا: يا رسول الله والله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فلم
يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه فقال:
"اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة وأن ليس بيدي ما أعطيهم
إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا2
منه"، فغدا الناس ففتح الله عليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: أهزلها.
2 الودك هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
ج / 2 ص -138-
حصن
الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه فلما افتتح رسول
الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الأموال ما حاز
انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة. قال ابن هشام:
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أمت أمت. قال
ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة
عن جابر بن عبد الله قال: فخرج مرحب اليهودي من حصنهم قد جمع سلاحه
يرتجز وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
في أبيات وهو يقول من
يبارز فأجابه كعب بن مالك:
قد علمت خيبر أني كعب
مفرج الغما جريء صلب
في أبيات فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "من لهذا؟" فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر
قتل أخي بالأمس قال:
"فقم إليه اللهم أعنه عليه"،
قال: وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يقول
من يبارز فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر فقالت له
أمه صفية بنت عبد المطلب يقتل ابني يا رسول الله قال:
"بل ابنك يقتله إن شاء الله"
فخرج الزبير فالتقيا فقتله الزبير. هذا رواية ابن إسحاق في قتل مرحب
وروينا في الصحيح من حديث سلمة بن الأكوع أن علي بن أبي طالب قتله وبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل
ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث للغد عمر بن الخطاب، فقاتل ورجع ولم
يكن فتح وقد جهد فقال عليه السلام:
"لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس
بفرار"، فدعا
ج / 2 ص -139-
عليًّا
وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال:
"خذ هذه الراية
فامض بها حتى يفتح الله عليك"، فخرج
بها يهرول حتى ركزها في رضم1 من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من
رأس الحصن، فقال: من أنت؟ فقال: علي بن أبي طالب فقال: يقول اليهودي:
غلوتم وما أنزل الله على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله عليه.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله
صلى الله عليه وسلم برايته لما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم
فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن
فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه
من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب
ذلك الباب فما نقلبه. وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في
حصنهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن
يحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز
الأموال كلها الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك
الحصنين، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم
وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف على أنا إذا
شئنا أن نخرجكم أخرجناكم.
وقد اختلف الناس في فتحها كيف كان فروينا من طريق أبي داود قال: حدثنا
داود من معاذ فثنا عبد الوارث وثنا يعقوب بن إبراهيم وزياد بن أيوب أن
إسماعيل بن إبراهيم حدثهم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن
رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرضم الصخور العظام.
ج / 2 ص -140-
صلى
الله عليه وسلم غزا خيبر فأصابها عنوة فجمع السبي. وروينا عن ابن إسحاق
قال: سألت ابن شهاب فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح
خيبر عنوة بعد القتال. وروينا من طريق السجستاني فثنا ابن السرح فثنا
ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: بلغني أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على
الجلاء بعد القتال. قال أبو عمر: هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت
عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب وهم
أهل الحديبية. ولم تختلف العلماء أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل
تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف، فقال الكوفيون: الإمام مخير بين
قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر وبين إيقافها
كما فعل عمر بسواد العراق وقال الشافعي: تقسم الأرض كلها كما قسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار.
وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة
بما فعل عمر في جماعة من الصحابة في إيقافها لمن يأتي بعده من
المسلمين. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: لولا
أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها
سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانا. وهذا يدل
على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن إسحاق وأما من قال: إن
خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط وإنما دخلت عليه الشبهة
بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم فلما لم يكن أهل ذينك
الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح ولعمري إنه
في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا
ج / 2 ص -141-
مقسومة
بين أهلها. وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث
يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم
خيبر نصفين نصفا له ونصفا للمسلمين. قال أبو عمر: وهذا لو صح لكان
معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة
وثلاثين سهما فوقع سهم النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية
عشر سهما ووقع سائر الناس في باقيها وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر.
وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ولو كانت صلحا
لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم فالحق في هذا ما
قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب انتهى ما
ذكره أبو عمر. فأما قوله قسم جميع أرضها فإن الحصنين المفتتحين أخيرا
وهما الوطيح والسلالم لم يجر لهما ذكر في القسمة وسيأتي بيان ذلك عند
ذكر القسمة. وأما تأويله لحديث بشير بن يسار فقد كان ذلك التفسير ممكنا
لو كان في الحديث إجمال يقبل التفسير بذلك ولكنه ليس كذلك وسيأتي في
الكلام على القسمة. وأما قوله كلهم ممن شهد الحديبية ثم شهد خيبر
فالمعروف أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية من حضر الوقعة بخيبر ومن لم
يحضرها وهو جابر بن عبد الله الأنصاري. ذكره ابن إسحاق وذلك لأن الله
أعطاهم ذلك في سفرة الحديبية. وعن الحكم عن أبي ليلى في قوله تعالى:
{وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} قال: خيبر،
{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا}
فارس والروم وأن أهل السفينتين لم يشهدوا الحديبية ولا خيبر وكانوا ممن
قسم له من غنائم خيبر وكذلك الدوسيون وكذلك الأشعريون قدموا ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بخيبر فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن
يشركوهم في الغنيمة ففعلوا. وذهب آخرون إلى أن بعضها فتح صلحا والبعض
عنوة
ج / 2 ص -142-
كما
ذكرناه عن موسى بن عقبة. وكما رويناه عن مالك عن الزهري من طريق أبي
داود قال: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد أخبركم ابن وهب قال:
حدثني مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا والكتيبة
أكثرها عنوة وفيها صلح قلت لمالك: وما الكتيبة قال: أرض خيبر وهي
أربعون ألف عذق1 ورويناه عن سعيد بن المسيب أيضا قال أبو داود: فثنا
محمد بن يحيى بن فارس فثنا عبد الله بن محمد عن جورية عن مالك عن
الزهري أن سعيد بن المسيب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح
بعض خيبر عنوة. وروينا عن أبي داود قال: حدثنا حسين بن علي العجلي فثنا
يحيى يعني ابن آدم فثنا ابن أبي زايدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري وعبد
الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقية من أهل خيبر
تحصنوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم
ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك؛ الحديث.
قلت: وقد يعضد هذا القول ما يأتي في أخبار القسمة. وقد روينا من طريق
أبي داود قال: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء فثنا أبي فثنا حماد
بن سلمة عن عبيد الله بن عمر قال: أحسبه عن نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض وألجأهم إلى
قصرهم فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء
والحلقة2 ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن
فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا3 لحيي بن أخطب فيه حليهم. وفي
الخبر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعية:
"أين مسك حيي بن أخطب"، قال: أذهبته الحروب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العذق بفتح العين هي النخلة.
2 أي الذهب والفضة والسلاح.
3 أي جلدا وضح فيه الحلي.
ج / 2 ص -143-
والنفقات فوجدوا المسك فقتل ابن أبي الحقيق وسبى نساءهم وذراريهم وأراد
أن يجليهم فقالوا: دعنا نعمل في هذه الأرض ولنا الشطر ما بدا لك ولكم
الشطر. وزاد أبو بكر البلاذري في هذا الخبر قال: فدفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم سعية بن عمرو إلى الزبير فمسه بعذاب، فقال: رأيت حييا
يطوف في خربة ههنا فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا المسك. فقتل رسول
الله-صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق فأحدهما زوج صفية بنت حيي بن
أخطب، وسبى نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا. ففي هذا
أنها فتحت صلحا وأن الصلح انتقض فصارت عنوة ثم خمسها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقسمها1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: "بلغ مقابلة لله الحمد".
ج / 2 ص -144-
ذكر القسمة بخيبر:
قال ابن إسحاق: وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر الأنصاري من بني
سلمة وزيد بن ثابت من بني النجار كانا حاسبين قاسمين. قال ابن سعد:
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة
بن عمرو البياضي ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء وكتب في سهم منها لله
وسائر السهمان أغفال وكان أول ما خرج سهم النبي صلى الله عليه وسلم لم
يتخير في الأخماس فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يزيد فباعها فروة
وقسم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم
ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وكانت السهمان على ثمانية عشر سهما
لكل مائة سهم وللخيل أربعمائة سهم وكان الخمس الذي صار لرسول الله صلى
الله عليه وسلم يعطي منه على ما أراه الله من السلاح والكسوة وأعطى منه
أهل بيته ورجالا من بني عبد المطلب ونساء واليتيم والسائل وأطعم من
الكتيبة نساءه وبني عبد المطلب وغيرهم. ثم ذكر قدوم الدوسيين
والأشعريين وأصحاب السفينتين وأخذهم من غنائم خيبر ولم يبين كيف أخذوا.
وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألفا وأربعمائة
والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون. وقال
ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة
فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله ثم قال:
وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلاثة
عشر سهما وقسمت الشق ونطاة على ألف
ج / 2 ص -145-
وثمانمائة سهم وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر ألفا وثمانمائة رجالهم
وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتان لكل فرس سهمان. وهذا أشبه
مما تقدم فإن هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح. وأما
الوطيح والسلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما ينوب للمسلمين ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله
أن بعض خيبر كانت صلحا ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك ويكون
مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية في إعطائهم ليست
استنزالا لهم عن شيء من حقهم وإنما هي المشورة العامة؛
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.
وروى البلاذري فثنا الحسين بن الأسود فثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبي
عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قسمت خيبر على ألف وخمسمائة سهم وثمانين
سهما وكانوا ألفا وخمسمائة وثمانين رجلا الذين شهدوا الحديبية منهم ألف
وخمسمائة وأربعون والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون
رجلا، ليس في هذا الخبر مع ضعفه ذكر للخيل وفيه أن أصحاب السفينتين
كانوا أربعين وقد ذكر ذلك غير أن المشهور الذي ذكره ابن إسحاق أن أصحاب
السفينتين كانوا ستة عشر رجلا وأن قوما منهم قدموا قبل ذلك بنحو سنتين
من الحبشة وليس لهم مدخل في هذا ومجموعهم نحو من ثمانية وثلاثين رجلا.
وإن كان المراد أصحاب السفينتين ومن أخذ معهم من الدوسيين والأشعريين
فقد يحتمل. وأما قول أبي عمر قسم جميع أرضها بين الغانمين فقد حكينا عن
ابن إسحاق ما قسم منها وقد روينا عن أبي داود فثنا هشام بن عمار قال:
فثنا حاتم بن إسماعيل قال: وثنا سليمان بن داود المهري فثنا ابن وهب
قال: أخبرني عبد العزيز بن محمد "ح" وثنا نصر بن علي قال: أنا صفوان بن
عيسى وهذا لفظ حديثه كلهم عن أسامة بن زيد عن الزهري عن مالك بن أوس بن
الحدثان
ج / 2 ص -146-
قال:
كان فيما احتج به عمر رضي الله عنه أنه قال: كانت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك. فأما بنو النضير فكانت
حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل وأما خيبر فجزأها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء جزءين بين المسلمين وجزءا نفقة
لأهله وما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين. وأما حديث بشير
بن يسار فبشير بن يسار تابعي ثقة يروي عن أنس بن مالك وغيره، يروي عنه
هذا الخبر يحيى بن سعيد ويختلف عليه فيه فبعض أصحاب يحيى يقول فيه عن
بشير عن سهل بن أبي حثمة وبعضهم يقول: إنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم وبعضهم يقول: عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم ومنهم من يرسله. وروينا من طريق أبي داود فثنا حسين بن علي الأسود
أن يحيى بن آدم حدثهم عن أبي شهاب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه
سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فذكر الحديث قال:
فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزل
النصف للمسلمين ما ينوبه من الأمور والنوائب. ورواية محمد بن فضيل عن
يحيى عنه عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما جمع كل
سهم مائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من
ذلك وعزل النصف الباقي لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس.
فهذه الرواية والتي قبلها مصرحة بأن النصف للنبي صلى الله عليه وسلم
للمسلمين المقسوم عليهم والنصف الباقي هو المؤخر لنوائب المسلمين وأصرح
منهما رواية سليمان بن بلال عن يحيى عن بشير المرسلة أنه عليه السلام
قسمها ستة وثلاثين سهما فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما يجمع كل
سهم مائة سهم النبي صلى
ج / 2 ص -147-
الله
عليه وسلم معهم له سهم كسهم أحدهم وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثمانية عشر سهما وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين فكان
ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها؛ الحديث. فقد تضمن هذا أن
المدخر للنوائب الذي لم يقسم بين الغانمين هو الوطيح والسلالم الذي لم
يجر لهما في العنوة ذكر صريح والكتيبة هي التي كان بعضها صلحا وبعضها
عنوة وقد يكون غلب حكم الصلح فلذلك لم يقسم فيما قسم. فلم يبق لتأويل
أبي عمر رحمه الله وجه ونص الخبر يعارضه والله أعلم. ودفعها رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأهلها بشطر ما يخرج منها فلم تزل كذلك إلى أثناء
خلافة عمر.
قرأت على غازي بن أبي الفضل أخبركم حنبل بن عبد الله قال: أنا ابن
الحصين قال: أنا ابن المذهب قال: أنا ابن القطيعي قال: أنا عبد الله بن
أحمد فثنا أبي فثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من تمر أو زرع. وقتل من
اليهود ثلاثة وتسعون رجلا واستشهد من المسلمين خمسة عشر رجلا فيما ذكر
ابن سعد وزاد غيره عليه، وسيأتي ذكرهم ومنهم الأسود الراعي وكان من
خبره أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر
ومعه غنم كان فيها أجير الرجل من يهود فقال: يا رسول الله اعرض علي
الإسلام فعرضه عليه فأسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر
أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ويعرضه عليه فلما أسلم قال: يا رسول الله
إني كنت أجيرا لصاحب هذا الغنم وهي أمانة عندي فكيف أصنع بها قال:
"اضرب في وجهها فإنها سترجع إلى ربها"،
أو كما قال فقام الأسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها في وجوهها وقال
ارجعي إلى صاحبك فوالله لا أصحبك وخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى
دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك
ج / 2 ص -148-
الحصن
فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله فأتى به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فوضع خلفه وسجي بشملة1 كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا: يا رسول الله
لم أعرضت عنه؟ قال:
"إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ينفضان التراب عن وجهه ويقولان:
ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك". وروينا من طريق البخاري فثنا المكي بن إبراهيم فثنا يزيد بن أبي
عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟
قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال: الناس أصيب سلمة فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: غطي بكساء.
ج / 2 ص -149-
ذكر من استشهد بخيبر:
من قريش من بني أمية بن عبد شمس من حلفائهم: ربيعة بن أكثم وثقف بن
عمرو ورفاعة بن مسروح ثلاثة، ومن بني أسد بن عبد العزي عبد الله بن
الهبيب وقيل: أهيب بن سحيم بن غبرة من بني سعد بن ليث حليفهم وابن
أختهم رجل. ومن الأنصار ثم من بني سلمة بشر بن البراء وفضيل بن
النعمان. قال: محمد بن سعد كذا وجدناه في غزوة خيبر وطلبناه في نسب بني
سلمة فلم نجده، قال: ولا نحسبه إلا وهما في الكتاب وإنما أراد الطفيل
بن النعمان بن خنساء بن سنان والله أعلم. حكاه أبو عمر ونسب الطفيل هذا
في ترجمته من كتاب الطفيل بن مالك بن النعمان بن خنساء شهد العقبة
وبدرا وأحدا وجرح بها ثلاثة عشر جرحا وعاش حتى شهد الخندق وقتل بالخندق
شهيدا قتله وحشي بن حرب. وذكر موسى بن عقبة في البدريين: الطفيل بن
النعمان بن خنساء والطفيل بن مالك بن خنساء رجلين. ومن بني زريق: مسعود
بن سعد، ومن الأوس من بني عبد الأشهل: محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي
بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم من بني حارثة أدلى عليه مرحب رحى
فأصاب رأسه فهشمت البيضة رأسه وسقطت جلدة جبينه على وجهه فأتى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرد الجلدة فعادت كما كانت وعصبها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بثوبه فمكث ثلاثة أيام ومات رحمه الله. ذكره أبو
عمر، ومن بني عمرو بن عوف أبو ضياح بن ثابت والحارث بن حاطب وعروة
ج / 2 ص -150-
ابن
برة بن سراقة وعند أبي عمر: عروة بن مرة وأوس بن الفائد وعند أبي عمر
بن الفاكه وأنيف بن حنيب وثابت بن واثلة وعند ابن إسحاق: ابن أثلة،
وطلحة ولم نقف على نسبه، وأوس بن قتادة، ومن بني غفار عمارة بن عقبة
رمي بسهم. ومن أسلم: عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع.
والأكوع هو سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن
أسلم بن أفصى. والأسود الراعي واسمه أسلم وقد تقدم خبره، ومن حلفاء بني
زهرة مسعود بن ربيعة القاري.
وقال أبو معشر والواقدي مات سنة ثلاثين وقد زاد على الستين. وعند أبي
عمر فيهم أوس بن عائذ.
ج / 2 ص -151-
أمر وادي القرى:
وكان في
جمادى الآخرة سنة سبع. ذكر أبو بكر البلاذري بأسانيده قال: قالوا: أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من خيبر وادي القرى فدعا أهلها
إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا ففتحها رسول الله صلى الله عليه
وسلم عنوة وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منها أثاثا ومتاعا
فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وترك الأرض والنخل في أيدي يهود
وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر فقيل إن عمر أجلى يهودها وقسمها
بين من قاتل عليها وقيل: إنه لم يجلهم لأنها خارجة من الحجاز وهي اليوم
مضافة إلى عمل المدينة وولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن
سعيد بن العاص وأقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة بن النعمان بن
هوذة العذري رمية صوته من وادي القرى وكان سيد بني عذرة وأول أهل
الحجار قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة بني عذرة وكذلك قال:
أبو عمر أنه افتتحها عنوة وقسمها وأما ابن إسحاق فذكر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حاصر أهلها ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة. وفيها
أصيب غلام للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مدعم أصابه سهم غرب1
فقتله. أخبرنا القاضي الصدر الرئيس نظام الدين أبو عبد الله محمد بن
الحسين بن الحسن بن الخليلي قراءة عليه وأنا أسمع بمصر قال: أنا أبو
محمد المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب بن السبيبى في كتابه إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بفتح الغين وسكون الراء وفتحها أي سهم لا يعرف راميها.
ج / 2 ص -152-
من
مدينة السلام ومولده سنة سبع عشرة وخمسمائة وتوفي سنة ستمائة قال: أنا
أبو القاسم بن الحصين إملاء من لفظه سنة ثلاث وعشرين قال: أنا القاضي
أبو القاسم التنوخي قال: أنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق المتوثي فثنا
البغوي فثنا مصعب بن عبد الله قال: حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن
أبي الغيث مولى بن مطيع عن أبي هريرة أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع
والأموال قال: فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وقد
أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أسود يقال له: بدعم يحط رحل
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عابر فقتله، فقال الناس:
هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا
والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها
المقاسم لتشتعل عليه نارا"، فلما
سمعوا بذلك جاء رجل بشراك1 أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شراك من نار"، أو: "شراكان
من نار".
قال البلاذري: حدثني علي بن محمد بن عبد الله مولى قريش عن العباس بن
عامر عن عمه قال: أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية، فقال: إن
أمير المؤمنين معاوية كان ابتاع من رجل يهودي أرضا بوادي القرى وأحيا
إليها أرضا وليست لك بذلك المال عناية فقد ضاع وقلت: غلته فأقطعنيه
فإنه لا حظر له، فقال يزيد: إنا لا نبخل بكثير ولا نخدع عن صغير، فقال:
يا أمير المؤمنين غلته، كذا قال هو لك فلما ولى قال يزيد: هذا الذي
يقال إنه يلي بعدنا فإن يكن ذلك حقا فقد صانعناه وإن يكن باطلا فقد
وصلناه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أحد سيور النعل.
ج / 2 ص -153-
خبر تيماء:
قال أبو بكر البلاذري: قالوا: قال: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول
الله صلى الله عليه وسلم أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقاموا
ببلادهم وأرضهم في أيديهم وولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد بن
أبي سفيان وكان إسلامه يوم فتحها. وروي عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن
الخطاب أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر.
سرية عمر بن الخطاب إلى تربة:
قال ابن سعد
عطفا على وقعة خيبر: ثم سرية عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان سنة سبع
من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة وهي
بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء وبحران فخرج وخرج معه
دليل من بني هلال فكان يسير الليل ويكمن النهار فأتى الخبر هوازن
فهربوا وجاء عمر بن الخطاب محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا إلى
المدينة. تربة بضم التاء وفتح الراء على وزن عرنة ذكره الحازمي وقال:
بقرب مكة على مسافة يومين منها. وذكره ابن سيدة في المثال له وقال:
أسماء مواضع. وذكر ابن سيدة تربة وليس عند الحازمي تربة ساكنة الراء
موضع من بلاد بني عامر بن مالك.
ج / 2 ص -154-
سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد:
ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد بناحية ضرية في شعبان سنة
سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ روينا عن ابن سعد قال: أنا
هاشم بن القاسم فثنا عكرمة يعني ابن عمار فثنا إياس بن سلمة بن الأكوع
عن أبيه قال: غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم علنيا
فسبى ناسا من المشركين فقتلناهم فكان شعارنا: أمت أمت؛ قال: فقلت بيدي
سبعة أهل أبيات من المشركين. وقال: أنا هاشم بن القاسم فثنا عكرمة بن
عمار فثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبا بكر إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا
فشنينا الغارة فوردنا الماء فقتل أبو بكر من قتل ونحن معه قال سلمة:
فرأيت عنقا1 من الناس فمنهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل
فأدركتهم فرميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم قاموا فإذا
امرأة من فزارة فيهم عليها قشع2 من أدم معها ابنتها من أحسن العرب فجئت
أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت
المدينة ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا حتى لقيني رسول الله صلى الله
عليه وسلم في السوق فقال:
"يا سلمة
هب لي المرأة"، فقلت: يا
نبي الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت حتى كان من الغد
لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق ولم أكشف لها ثوبا فقال:
"يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك"،
قال: فقلت: هي لك يا رسول الله، قال: فبعث بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: جماعة.
2 أي: جلد يابس.
ج / 2 ص -155-
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى
فدك في شعبان سنة سبع:
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا
إلى بني مرة بفدك فخرج فلقي رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل في بواديهم
فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه
الدهم1 منهم عند الليل فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب
بشير. وقاتل بشير حتى ارتث2 وضرب كعبه وقيل: قد مات ورجعوا بنعمهم
وشائهم وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم قدم من بعده بشير بن سعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: العدد الكثير.
2 أي: جرح وقتل من المعركة وهو ضعيف.
ج / 2 ص -156-
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة:
قال: ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في شهر رمضان سنة
سبع قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله إلى بني
عوال -بضم العين- وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة وهي وراء بطن نخل إلى
النقرة قليلا بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية برد بعثه في مائة
وثلاثين رجلا ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجموا
عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم فقتلوا من أشراف لهم واستاقوا نعما
وشاء فحدروه إلى المدينة ولم يأسروا أحدا. وفى هذه السرية قتل أسامة بن
زيد الرجل الذي قال: لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب"، فقال أسامة: لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا الله. وبوب البخاري
لهذه السرية باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى
الحرقات من جهينة قال: حدثني عمرو بن محمد فثنا هشيم قال: أنا حصين
فثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: بعثنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى الحرقة بطن من جهينة فصبحنا القوم فهزمنا هم ولحقت أنا
ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف
الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه
وسلم فقال:
"يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله"؛ قلت: إنما كان متعوذا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت
قبل ذلك اليوم1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر بعد لأسامة ثلاث مرات
وقال له:
"أعتق رقبة".
ذكره البغوي.
ج / 2 ص -157-
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار:
قال: ثم
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار في شوال سنة سبع قالوا: بلغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم
عيينة بن حصن الفزاري ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد الأنصاري فعقد له
لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل فسارو الليل وكنز النهار حتى أتوا إلى يمن
وجبار وهي نحو الجناب والجناب معارض سلاح وخيبر ووادي القرى فنزلوا
بسلاح ثم دنوا من القوم فأصابوا لهم نعما كثيرا وتفرق الرعاء فحذروا
الجمع فتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى
محالهم فيجدها وليس فيها أحد فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسرهما
وقدم بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما فأرسلهما. ويمن
بفتح الياء آخر الحروف وقيل بضمها وقيل بالهمزة مفتوحة ساكنة الميم.
وجبار بفتح الجيم وباء معجمة ثانية الحروف مخففة وبعدها ألف وراء.
والجناب بكسر الجيم من أرض غطفان وذكره أيضا الحازمي وقال: من بلاد
فزارة. وعارضت فلانا في السير أي سرت حياله. وسلاح بكسر السين المهملة
والحاء المهملة موضع قريب من خيبر.
ج / 2 ص -158-
عمرة القضاء ويقال لها: عمرة القصاص:
وكان من خبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة من
السنة السابعة قاصدا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية.
فلما اتصل ذلك بقريش خرج أكابر منهم عن مكة عدواة لله ولرسوله صلى الله
عليه وسلم ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأتم الله له عمرته وقعد بعض
المشركين بفعيفعان1 ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت فأمرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالرمل ليروا المشركين أن بهم قوة، وكان
المشركون قالوا في المهاجرين: قد وهنتهم حمى يثرب، وتزوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث الهلالية قيل: تزوجها
قبل أن يحرم بعمرته وقيل: بعد أن حل من عمرته وقيل: تزوجها وهو محرم
فلما تمت الثلاثة الأيام التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى
ومعه سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشركين بأن
يخرج عن مكة ولم يمهلوه حتى يبني على ميمونة فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم وبنى بها بسرف وذكر ابن سعد أن المعتمرين بها كانوا ألفين هم
أهل الحديبية ومن انضاف إليهم إلا من مات منهم أو استشهد بخيبر.
واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رهم الغفاري
وقيل: غيره وساق ستين بدنة وجعل عليها ناجية بن جندب ومائة فرس قدم
عليها محمد بن مسلمة أمامه. وجعل على السلاح أوس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جبل مشهور بمكة.
ج / 2 ص -159-
عمرتهم
رضي الله عنهم. أخبرنا أحمد بن يوسف الساوي بقراءة والدي عليه رحمهما
الله تعالى سنة ست وسبعين وستمائة قال: أنا أبو روح المطهر بن أبي بكر
البيهقي سماعا عليه سنة خمس وستمائة قال: أنا الإمام أبو بكر محمد بن
علق الطوسي قال: أنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي قال:
أنا القاضي أبو بكر الحيري قال: أنا أبو علي الميداني قال: أنا محمد بن
يحيى الذهلي فثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة
آخذ بغرز النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله
وكان إسلام عمرو بن
العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة قبيل عمرة القضاء وقيل: بعدها.
ج / 2 ص -160-
سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم:
قال ابن سعد: ثم سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي الحجة سنة
سبع قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي العوجاء السلمي في
خمسين رجلا إلى بني سليم فخرج إليهم وتقدمه عين لهم كان معهم فحذرهم
فجمعوا فأتاهم ابن أبي العوجاء وهم معدون له فدعاهم إلى الإسلام فقالوا
لا حاجة لنا إلى ما تدعوننا إليه فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد
تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية فقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل
عامتهم وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان.
ج / 2 ص -161-
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد:
قال ابن
سعد: ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد في صفر
سنة ثمان قال: أنا عبد الله بن عمرو أبو معمر فثنا عبد الوارث بن سعيد
فثنا محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن مسلم بن عبد الله الجهني عن
جندب بن مكيث الجهني قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن
عبد الله الليثي ثم أحد بني كلاب بن عوف في سرية كنت فيهم وأمرهم أن
يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد وهم من بني ليث. قال: فخرجنا حتى
إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه فقال: إنما
جئت أريد الإسلام وإنما خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا:
إن كنت مسلما لم يضرك رباطنا يوما وليلة وإن كنت على غير ذلك نستوثق
منك. قال: فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا منا أسود فقلنا: إن نازعك
فاحتز رأسه فسرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس فكمنا في ناحية
الوادي. وبعثني أصحابي ربيئة لهم فخرجت حتى آتي تلا مشرفا على الحاضر
يطلعني عليهم حتى إذا اسندت1 فيه علوت على رأسه ثم اضطجعت عليه. قال
فإني لأنظر إذ خرج منهم من خباء له فقال لامرأته: إني لأنظر على هذا
الجبل سوادا ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون
الكلاب جرت منها شيئا قال: فنظرت فقالت: والله ما أفقد من أوعيتي شيئا
قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: صعدت.
ج / 2 ص -162-
فناوليني قوسي ونبلي فناولته قوسه وسهمين معها فأرسل سهما فوالله ما
أخطأ بين عيني، قال فانتزعته فوضعته وثبت مكاني ثم أرسل آخر فوضعه في
منكبي فانتزعته فوضعته وثبت مكاني قال: فقال لامرأته والله لو كانت
ربيئة لقد تحركت بعد والله لقد خالطها سهمان لا أبا لك فإذا أصبحت
فانظريهما لا تمضغهما الكلاب. قال ثم دخل وراحت الماشية من إبلهم
وأغنامهم فلما احتلبوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا
النعم قال: فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به فخرجنا به
نحدرها مررنا بابن البرصاء فاحتملناه واحتملنا صاحبنا فأدركنا القوم
حتى نظروا إلينا ما بيننا وبينهم إلا الوادي ونحن موجهون في ناحية
الوادي إذ جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبيه ماء والله ما رأينا
يومئذ سحابا ولا مطرا فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم
وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندناها في المسيل، وقال الواقدي: في المشلل
-بدل المسيل- نحدرها وفتناهم فوتا لا يقدون فيه على طلبنا قال: وكانوا
بضعة عشر رجلا.
ج / 2 ص -163-
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك:
ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك
في صفر سنة ثمان قال: أنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن الحارث بن
الفضيل عن أبيه قال: هيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن
العوام. وقال له: "سر حتي تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن ظفرك الله بهم فلا تبق
فيهم". وهيأ
معه مائتي رجل وعقد له لواء فقدم غالب من الكديد من سرية قد ظفره الله
عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: "اجلس"، وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل وخرج أسامة بن زيد فيها حتى
انتهى إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد وخرج معه علبة بن زيد فيها فأصابوا
منهم نعما وقتلوا منهم قتلى، قال: أنا محمد بن عمر، قال: حدثني أفلح بن
سعيد عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، قال: خرج مع غالب في هذه
السرية عقبة بن عمرو أبو مسعود وكعب بن عجرة وأسامة بن زيد وعلبة بن
زيد الحارثي. أنا محمد بن عمر قال: حدثني شبل بن العلاء بن عبد الرحمن
عن إبراهيم بن حويصة عن أبيه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة فأغرنا عليهم من الصبح وقد
أوعز إلينا أميرنا أن لا تفترق وواخى بيننا فقال: لا تعصوني فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من أطاع
أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني"،
وإنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم، قال: فآخى بيني وبين أبي سعيد
الخدري قال: فأصبنا القوم.
ج / 2 ص -164-
سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسيئ:
ثم سرية
عامر بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسيئ في شهر ربيع الأول سنة ثمان
قال: أنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي
سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم قال: بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلا إلى جمع من
هوازن بالسيئ ناحية ركبة من وراء المعدن وهي من المدينة على خمس ليال
وأمره أن يغير عليهم فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى صبحهم وهم غارون
فأصابوا نعما كثيرا وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة واقتسموا
الغنيمة وكان سهمانهم خمسة عشر بعيرا وعدلوا البعير بعشر من الغنم
وغابت السرية خمس عشرة ليلة.
سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح وهي من
وراء وادي القرى:
ثم سرية كعب
بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاع وهي من وراء وادي القرى. ثم سرية سعد بن
عمير في شهر ربيع الأول سنة ثمان قال: أنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد
بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن
عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام
فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم
ورشقوهم بالنبل. فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى فلما برد
عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر
فشق ذلك عليه وهم بالبعثة إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر
فتركهم. |