غاية
السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم النَّوْع الثَّالِث
مَا اخْتصَّ بِهِ من الْمُبَاحَات والتخفيفات
توسعة عَلَيْهِ وتنبيها على أَنه مَا خص بِهِ من الْإِبَاحَة لَا تلهيه عَن
طَاعَة الله وَإِن ألهى غَيره
وَهُوَ قِسْمَانِ أَيْضا مُتَعَلق بِغَيْر النِّكَاح ومتعلق بِهِ
وَاعْلَم أَن معظمها لم يَفْعَلهَا مَعَ إباحتها لَهُ وَلَيْسَ المُرَاد
بالمباح هُنَا مَا اسْتَوَى طرفاه بل مَا لَا حرج فِي فعله وَلَا فِي تَركه
فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَاصل وَسَيَأْتِي أَن الإِمَام
قَالَ إِنَّه قربَة فِي حَقه وَكَذَا صفى الْمغنم والاستبداد بالخمس كَمَا
سَيَأْتِي قد يكون رَاجِح الْفِعْل لصرفه فِي أهم الْمصَالح وَقد يكون
رَاجِح التّرْك لفقد هَذَا الْمَعْنى
وَدخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام قد يتَرَجَّح فعله وَقد يتَرَجَّح تَركه -
وَكَذَا الزِّيَادَة على الْأَرْبَع فِي الْقسم الثَّانِي لَا يساوى فِيهِ
- فَإِن أَفعاله وأقواله كلهَا راجحة مثاب عَلَيْهَا فِيمَا نظنه حَتَّى
فِي أكله وشربه لِأَن الْوَاحِد منا ينْدب لَهُ أَن يقْصد وَجه الله بذلك
وَهُوَ بذلك أولى وَالله أعلم
(1/155)
الْقسم الأول
الْمُبَاحَات لَهُ فِي غير النِّكَاح
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى الْوِصَال فِي الصَّوْم أُبِيح لَهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الْقُضَاعِي دون غَيره من الْأَنْبِيَاء
وَاخْتلف فِيهِ فِي حَقنا
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قيل لَهُ إِنَّك تواصل قَالَ (إِنِّي
لست مثلكُمْ إِنِّي أطْعم وأسقى)
// مُتَّفق على صِحَّته //
(1/156)
كَذَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور
أَنه من الْمُبَاحَات وَقَالَ الإِمَام هُوَ قربَة فِي حَقه
قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن
الْأَخْبَار الَّتِي فِيهَا ذكر وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْحجر على بَطْنه كلهَا أباطيل
(1/157)
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحجر لَا الْحجر
والحجز طرف الْإِزَار إِذْ الله عز وَجل كَانَ يطعم نبيه ويسقيه إِذا وَاصل
فَكيف يتْرك جائعا مَعَ عدم الْوِصَال حَتَّى يحْتَاج على شدّ حجر على
بَطْنه
وَمَا يُغني الْحجر عَن الْجُوع
قلت قد ذكر هُوَ فِي صَحِيحه حَدِيث ابْن عَبَّاس خرج أَبُو بكر رَضِي الله
عَنهُ بالهاجرة إِلَى الْمَسْجِد فَسمع بذلك عمر - يَعْنِي فَخرج - فَقَالَ
يَا أَبَا بكر مَا أخرج هَذِه هَذِه السَّاعَة قَالَ مَا أخرجني إِلَّا مَا
أجد من حاق الْجُوع
قَالَ (أَنا وَالله مَا أخرجني غَيره فقوما) ثمَّ ذكر مَا فِي الحَدِيث
(تَنْبِيه) قد اشْتهر عَن كثير من الْعلمَاء الْوِصَال فَلَعَلَّ وصالهم
جَاءَ من غير قصد إِلَيْهِ بل اتّفق ترك تنَاول الْمُفطر لغفلة عَنهُ أَو
الِاشْتِغَال بالاستغراق فِي المعارف وَنحن نشاهد التّرْك عِنْد اشْتِغَال
الْقلب بِمَا يسر أَو يحزن فَكيف بذلك على هَذَا تكون الخصوصية لَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على كل أمته لَا على أحد أفرادها وَالنَّهْي توجه
بِحَسب الْمَجْمُوع لِأَنَّهُ مشرع نبه عَلَيْهِ صَاحب الْمطلب
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اصطفاء مَا يختاره من الْغَنِيمَة قبل قسمتهَا من
جَارِيَة أَو غَيرهَا وَيُسمى الْمُخْتَار الصفي والصفية وَالْجمع الصفايا
وَمن صفاياه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت حييّ اصطفاها وأعتقها
وَتَزَوجهَا كَمَا أخرج
(1/158)
البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أنس رَضِي
الله عَنهُ وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَنَّهَا من الصفي وَأخرجه عَن قَتَادَة أَيْضا
قَالَ أَبُو عمر سهم الصفي مَشْهُور فِي صَحِيح الْآثَار مَعْرُوف
(1/159)
عِنْد أهل الْعلم وَلَا يخْتَلف أهل السّير
فِي أَن صَفِيَّة مِنْهُ
وَأجْمع الْعلمَاء على أَنَّهَا خَاص بِهِ
قلت حكى الْقُرْطُبِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَنه قَالَ هُوَ للأئمة بعده
وَاعْلَم أَن فِي الصَّحِيح أَيْضا أَنَّهَا صَارَت لدحية الْكَلْبِيّ
فاشتراها بسبعة رُؤُوس فَيحْتَاج إِلَى تَأْوِيل مَا قَالَه أهل السّير أَو
إِلَى تَأْوِيلهَا
وَقد يُجَاب أَن الشِّرَاء لَيْسَ على حَقِيقَته
وَذكر الرَّافِعِيّ أَن ذَا الفقار كَانَ من الصفي
(1/160)
وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنفله يَوْم بدر
قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب وَأخرجه الْحَاكِم وَقَالَ إِنَّه صَحِيح
الْإِسْنَاد
قَالَ وَالْأَخْبَار أَنه من خَيْبَر واهية
وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد ضَعِيف
أَن الْحجَّاج بن علاط أهداه لَهُ
والفقار مَفْتُوح الْفَاء قَالَ الْخطابِيّ والعامة تكسرها وأصل الفقار
عِظَام الظّهْر ومفرده فقارة بِالْفَتْح وفقرة
قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته هِيَ خَرَزَات الظّهْر
قَالَ وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت (مَا بَين عجب الذَّنب إِلَى فقاره وَاحِد
وَثَلَاثُونَ دِينَارا)
(فَائِدَة) هَذَا السَّيْف كَانَ للعاص بن مُنَبّه أَولا فَقتل وَأَخذه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَعْطَاهُ لعَلي رَضِي الله عَنهُ وانتقل
فِي أَوْلَاده
وَرَآهُ
(1/161)
الْأَصْمَعِي عِنْد الرشيد مُتَقَلِّدًا
وَبِه ثَمَان عشرَة فقارة
وَحكى الإِمَام قبل كتاب قسم الصَّدقَات وَجْهَيْن فِي أَن الصفي كَانَ
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارِجا من سَهْمه أَو كَانَ محسوبا
عَلَيْهِ من سَهْمه
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الاستبداد بِخمْس من خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة
وبأربعة أَخْمَاس الْفَيْء مُنْفَرد بذلك وَله مَعَ خمس الْغَنِيمَة سهم
كسهام الْغَانِمين
قَالَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه ...
الْآيَة
وَعَن عَمْرو بن عَنْبَسَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (لَا يحل لي من غنائمكم مثل هَذَا إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود
فِيكُم)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَهُوَ على شَرط البُخَارِيّ
(1/162)
وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ أَنه كَانَ لَهُ
أَولا جَمِيع الْفَيْء كَمَا كَانَ لَهُ جَمِيع الْغَنِيمَة وَلم يزل
الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن أنزل الله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على
رَسُوله} الْآيَة
وَفِي الْغَنِيمَة وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء ... الْآيَة
ووراء ذَلِك (وَجه) يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الفوراني إِن الْخمس من الْخمس
يصرف بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَليفَة الزَّمَان
قَالَ الإِمَام وَلم يَصح عِنْدِي نسبته إِلَى أحد من الْأَصْحَاب وعَلى
هَذَا الْوَجْه - إِن صَحَّ - لَا خُصُوصِيَّة
وأفاده صَاحب الْمُغنِي من الْحَنَابِلَة أَن لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام خمس الْخمس وَإِن لم يحضر
(1/163)
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة دُخُول مَكَّة
بِغَيْر إِحْرَام
نَقله صَاحب التَّلْخِيص وَغَيره
وَفِي جَوَازه لغيره من غير عذر خلاف
وَدَلِيل مَا ذَكرْنَاهُ مَا أخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ
(أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ
عِمَامَة سَوْدَاء من غير إِحْرَام) وَعبر الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف
بِالْحرم بدل مَكَّة وَهُوَ المُرَاد هُنَا وَذكر أَن ذَلِك مِمَّا خص بِهِ
دون من قبله من الْأَنْبِيَاء
وَذكر ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة فِي أَوَائِل الْحَج وَغَيره أَن من
دخل مَكَّة مُقَاتِلًا لباغ أَو قَاطع طَرِيق أَو خَائفًا من ظَالِم لَا
يلْزمه الْإِحْرَام
وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دخل مَكَّة عَام
الْفَتْح وعَلى رَأسه المغفر وَلَو كَانَ محرما لم يلْبسهُ وَقد كَانَ
خَائفًا من غدر الْكفَّار وَعدم قبولهم الصُّلْح الْوَاقِع بَينه وَبَين
أبي سُفْيَان
(1/164)
وَقد علمت أَن الِاسْتِدْلَال بذلك لَيْسَ
بجيد لأجل هَذِه الخصوصية الْوَاقِعَة فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قَوْله وَلَو كَانَ محرما لم يلْبسهُ وَقد كَانَ خَائفًا من غدرهم
كَلَام لَا يلتئم
فَإِن الْمحرم الْخَائِف يُبَاح لَهُ اللّبْس قطعا وَحَدِيث جَابر الَّذِي
سقناه صَرِيح فِي الدّلَالَة
ثمَّ تَعْلِيله ترك الْإِحْرَام واللبس بالخوف كَيفَ يلتئم مَعَ قَوْله
تَعَالَى {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} الْآيَة
وَفِي الحَدِيث لما نزلت هَذِه الْآيَة ترك الحرس
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة الْقَتْل فِي الْحرم
فَإِنَّهُ قتل ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة كَذَا
رَأَيْت فِي التَّلْخِيص لِابْنِ الْقَاص وَتَبعهُ الْقُضَاعِي وَقَالَ
إِنَّه خص بِهِ من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء
وَفِي الخصوصية نظر
لِأَن ابْن خطل صَاحب جرم وَالْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم
وَلَا فَارًّا
(1/165)
بخربة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح
وَقد قيل إِن ابْن خطل كَانَ قد بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي وَجه مَعَ رجل من الْأَنْصَار أَمر عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض
الطَّرِيق وثب على أميره الْأنْصَارِيّ فَقتله
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَن مَاله لَا يُورث عَنهُ قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة)
// مُتَّفق على صِحَّته من حَدِيث جمَاعَة //
ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه صَدَقَة للْحَدِيث الْمَذْكُور وَبِه
قطع أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح
الصَّغِير إِنَّه الْمَشْهُور وعَلى هَذَا هَل يكون وَقفا على ورثته فِيهِ
وَجْهَان حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاس أَيْضا فَإِن جَعَلْنَاهُ وَقفا
فَهَل هُوَ الْوَاقِف فِيهِ وَجْهَان لقَوْله فِي الحَدِيث (مَا
تَرَكْنَاهُ صَدَقَة) وأصحهما عِنْد الإِمَام أَنه بَاقٍ على ملكه ينْفق
مِنْهُ على أَهله كَمَا كَانَ عَلَيْهِ
(1/166)
الصَّلَاة وَالسَّلَام يُنْفِقهُ فِي
حَيَاته
وَوَجهه الإِمَام بِأَن الْأَنْبِيَاء أَحيَاء
قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ ينْفق مِنْهُ على أَهله
وخدمه ويصرفه فِيمَا كَانَ يصرفهُ فِيهِ فِي حَيَاته
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وكل هَذَا ضَعِيف وَالصَّوَاب الْجَزْم
بِأَنَّهُ زَالَ ملكه عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن مَا
تَركه فَهُوَ صَدَقَة على الْمُسلمين لَا يخْتَص بِهِ الْوَرَثَة وَكَيف
يَصح غير ذَلِك مَعَ الحَدِيث الصَّحِيح فَإِنَّهُ نَص على زَوَال الْملك
ثمَّ اعْلَم أَن الرَّافِعِيّ ذكر فِي الْبَاب الأول من قسم الْفَيْء
وَالْغنيمَة أَن خمس الْفَيْء كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
ينْفق مِنْهُ على نَفسه وَأَهله
(1/167)
وَفِي مَصَالِحه وَلم يكن يملكهُ وَلم
ينْتَقل مِنْهُ إِلَى غَيره إِرْثا وَهَذَا حكم مِنْهُ بِأَن جِهَة
الْإِنْفَاق غير مَمْلُوكَة خلاف مَا ذكره هُنَا
وَمن غَرِيب مَا ذكره صَاحب الْبَيَان فِي آخر إحْيَاء الْموَات عَن
الشَّيْخ أبي حَامِد
أَن بَعضهم قَالَ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا كَانَ يملك
شَيْئا وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْملك وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ مَا
يَأْكُلهُ وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وَغلط الشَّيْخ أَبُو حَامِد لقَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على
رَسُوله} الْآيَة وَقد أعتق صَفِيَّة واستولد مَارِيَة
ثمَّ هَهُنَا أُمُور
أَحدهَا عد الْغَزالِيّ وَالْإِمَام هَذِه الْخصْلَة من جملَة التخفيفات
قَالَ الرَّافِعِيّ كَأَن الْمَعْنى فِيهِ أَن جعلهَا صَدَقَة تورث
زِيَادَة الْقرْبَة وَرفع الدَّرَجَات وَالْأَكْثَرُونَ عدوها من الكرامات
هوالرابع من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتوجه مَا ذكره الإِمَام
وَالْغَزالِيّ بِأَنَّهُ
(1/168)
يجوز أَن يكون لَهُ التَّصَدُّق يجميع
مَاله بعد مَوته بِخِلَاف أمته كَمَا أبداه بَعضهم بحثا
ثَانِيهَا هَذَا لَيْسَ خَاصّا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين
سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
فَفِي السّنَن الْكُبْرَى للنسائي من حَدِيث الزبير وَغَيره (إِنَّا معشر
الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَة)
نعم يمتاز بِهِ من بَين أمته
وَأما الْقُضَاعِي فَلَمَّا ذكر خَصَائِصه من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء
قَالَ وَمِنْهَا أَن مَاله كَانَ بعد مَوته قَائِما على نَفَقَته وَملكه
ثَالِثهَا مَا الْحِكْمَة فِي كَون الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام لَا يورثون
فِيهِ أوجه أَحدهَا لِئَلَّا يتَمَنَّى قريبهم مَوْتهمْ فَيهْلك بذلك
ثَانِيهَا لِئَلَّا ينفر النَّاس عَنْهُم ويظنوا فيهم الرَّغْبَة فِي
الدُّنْيَا وَجَمعهَا لوراثهم بهم
ثَالِثهَا لِئَلَّا يفتن بعض الَّذين أَسْلمُوا وتابعوهم بظنهم فيهم
الرَّغْبَة وَالْجمع لوراثهم
رَابِعهَا مَا الْجَواب عَن قَوْله تَعَالَى فَهَب لي من لَدُنْك وليا
يَرِثنِي
(1/169)
وَيَرِث من آل يَعْقُوب) الْآيَة
وَقَوله تَعَالَى {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} الْآيَة
قلت المُرَاد الوراثة فِي النُّبُوَّة وَالْعلم وَالدّين لَا فِي المَال
وَفِي هَذَا رد على مَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
أَنه قَالَ عدم الْإِرْث مِنْهُم يخْتَص بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاسْتدلَّ بِالْآيَةِ الأولى وَزعم أَن المُرَاد وراثة المَال
قَالُوا وَلَو أَرَادَ وراثة النُّبُوَّة لم يقل {وَإِنِّي خفت الموَالِي
من ورائي} إِذْ لَا يخَاف الموَالِي على النُّبُوَّة ثمَّ اسْتدلَّ
بِالْآيَةِ الْأُخْرَى
وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جَمِيع الْعلمَاء أَن جَمِيع الْأَنْبِيَاء
لَا يورثون ويؤول ذَلِك بِمَا سبق
خَامِسهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صَدَقَة) هُوَ مَرْفُوع خلافًا
للإمامية حَيْثُ نصبوه قَالُوا وَيُورث - بمثناة تَحت - أَي مَا
تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَلَا يُورث
(1/170)
(تَنْبِيه) هَل يَرث لم أر فِيهِ نقلا
لَكِن فِي كتاب مُشكل الحَدِيث فِي أواخره قَالُوا حَدِيث ينْقضه الْقُرْآن
قَالُوا رويتم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّا معاشر
الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَمن الدَّلِيل أَيْضا على
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُورث أَنه كَانَ لَا يَرث
بعد أَن أوحى الله إِلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَت وراثته أَبَوَيْهِ قبل
الْوَحْي
قلت وَآيَة الْمَوَارِيث لم تشهد للسياق قبلهَا وَبعدهَا وَالْخطاب فِيهَا
للموروث وَالْوَارِث
وَفِي عُيُون الْمسَائِل من لَا وَارِث بِمَالِه فِي قَوْله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام (أَنا وَارِث من لَا وَارِث لَهُ أَعقل عَنهُ
وَأَرِثهُ)
أَنه خبر مَتْرُوك الظَّاهِر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا
يَرث وَلَا يعقل بِالْإِجْمَاع
قلت إِن مَعْنَاهُ أَنه لَا يَأْخُذ المَال أَخذ الْوَارِث إِذا خلا المَال
عَن الِاسْتِحْقَاق وَالْمُوصى لَهُ مُسْتَحقّ المَال إِذا إِذا خلا
(1/171)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة كَانَ لَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ وَفِي غَيره خلاف
وَاسْتدلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيّ بِقصَّة هِنْد فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ) وَهَذَا بِنَاء
على أَنه قَضَاء لَا فتيا وَفِي ذَلِك اضْطِرَاب أوضحته فِي شرح الْعُمْدَة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم
لنَفسِهِ ولولده على الْأَصَح
(1/172)
لِأَنَّهُ مَعْصُوم
وَفِي غَيره وَجه فِي حكمه لوَلَده حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَحكى مَعَه
وَجها آخر أَنه يجوز بِالْإِقْرَارِ دون الْبَيِّنَة للتُّهمَةِ فِي تسامحه
بتعديلها وَجعل الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية والآتية بعْدهَا مِمَّا خص بهما
من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء
(فرع) كَانَ لَا يكره فِي حَقه الْفَتْوَى وَالْحكم فِي حَال الْغَضَب
لِأَنَّهُ لَا يخَاف عَلَيْهِ مَا يخَاف علينا ذكره النَّوَوِيّ فِي شَرحه
لمُسلم فِي كتاب اللّقطَة
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة كَانَ يقبل شَهَادَة من يشْهد لَهُ كَمَا قبل
شَهَادَة خُزَيْمَة لنَفسِهِ وقصته فِي أبي دَاوُد وَالْحَاكِم وصححهما
وَخَالف ابْن حزم
(1/173)
فأعلها
وَادّعى صَاحب الْمطلب أَنَّهَا فِي الصَّحِيح مَشْهُورَة وَمُقْتَضى
إِطْلَاق الْحَاوِي الصَّغِير أَن من خَصَائِصه أَيْضا قبُول شَهَادَة من
يشْهد لوَلَده أَيْضا وَبِه صرح الْبَارِزِيّ فِي تَوْضِيحه الْكَبِير
(فرع) لَهُ أَيْضا أَن يشْهد لنَفسِهِ ولولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(فرع) لَو قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لفُلَان على فلَان كَذَا هَل للسامع
أَن يشْهد لفُلَان على كَذَا فِيهِ وَجْهَان عَن رَوْضَة الْحُكَّام
للْقَاضِي شُرَيْح
(1/174)
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة كَانَ لَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحمي لنَفسِهِ وَلم يَقع ذَلِك مِنْهُ وَلَو وَقع
لَكَانَ ذَلِك أَيْضا لمصْلحَة الْمُسلمين لِأَن مَا كَانَ مصلحَة لَهُ
فَهُوَ مصلحَة لَهُم
وَلَيْسَ للأئمة بعده وَلَا لغَيرهم أَن يحموا لأَنْفُسِهِمْ كَمَا هُوَ
مُقَرر فِي مَوْضِعه من كتب الْفِقْه وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة
فِيمَا خص بِهِ دون من قبله من الْأَنْبِيَاء
(فرع) مَا حماه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُسلمين لَا ينْقض بِحَال
لِأَنَّهُ نَص وَقيل إِن بقيت الْحَاجة الَّتِي حمى لَهَا لم ينْقض وَإِن
زَالَت فَوَجْهَانِ وَالأَصَح الْمَنْع أَيْضا لِأَنَّهُ تَغْيِير
الْمَقْطُوع بِصِحَّتِهِ بِاجْتِهَاد
أما الإِمَام بعده فَلهُ نقض حماه للْحَاجة على الْأَصَح
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن
يَأْخُذ الطَّعَام وَالشرَاب من مالكهما الْمُحْتَاج إِلَيْهِمَا إِذا
احْتَاجَ إِلَيْهِمَا وَإِن كَانَ مالكهما مُحْتَاجا وَعَلِيهِ الْبَذْل
ويفدي مهجته بمهجته عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام
قَالَ تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم}
وَمثله مَا ذكره الفوراني وَإِبْرَاهِيم الْمَرْوذِيّ وَغَيرهمَا أَنه لَو
قَصده ظَالِم وَجب على من حَضَره أَن يبْذل نَفسه دونه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَي كَمَا وَقَاه
(1/175)
طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ
بِنَفسِهِ يَوْم أحد
وعد الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية مِمَّا خص بهَا دون غَيره من الْأَنْبِيَاء
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة أَنه يجب على أمته أَن يحبوه أَعلَى
دَرَجَات الْمحبَّة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام قَالَ (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله
وَمَاله ووالده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ)
وَأَسْبَاب الْمحبَّة الإجلال والإعظام والكمال فِي الصِّفَات
(1/176)
المعنوية وَالْحسن والإشفاق وَهِي كلهَا
مَوْجُودَة فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوَجَبت لَهُ
الْمحبَّة الْكَامِلَة
(فرع) قَالَ القَاضِي حُسَيْن يجب على الْمَرْء أَن يكون جزعه وحزنه وقلقه
على فِرَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّنْيَا أَكثر من حزنه
على فِرَاق أَبَوَيْهِ كَمَا يجب عَلَيْهِ أَن يكون عِنْده أحب إِلَيْهِ من
نَفسه وَأَهله وَمَاله
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة كَانَ لَا ينْتَقض وضوءه بِالنَّوْمِ
بِخِلَاف غَيره لِأَن كَانَت تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه كَمَا ورد فِي
الصَّحِيح
وَفِيه إِشَارَة
(1/177)
على أَن نوم الْعين الْمُجَرَّدَة لَا
ينْقض الْوضُوء وَفِيه (وَجه غَرِيب أَنه ينْقض كأمته)
(فَائِدَة) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية وَهِي نوم عَيْنَيْهِ دون قلبه
مِمَّا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء قبله
وَوهم فِيهِ فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أنس فِي قصَّة الْإِسْرَاء
(وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تنام أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم)
(فَائِدَة) ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء فِي أَوَائِل الْبَاب
الثَّالِث فِي الْكَلَام على شقّ الْبَطن أَن فِي رِوَايَة إِن جِبْرِيل
قَالَ قلب وَكِيع - أَي شَدِيد - فِيهِ عينان تبصران وأذنان سميعتان
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة فِي انْتِقَاض وضوئِهِ باللمس وَجْهَان
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَالْمذهب الْجَزْم بانتقاضه
قلت لَكِن فِي النَّسَائِيّ الْكَبِير من حَدِيث الْقَاسِم عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/178)
ليُصَلِّي وَإِنِّي لمعترضة بَين يَدَيْهِ
إعتراض الْجِنَازَة حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يُوتر مسني بِرجلِهِ
وَإِسْنَاده صَحِيح جليل وَظَاهره يُؤَيّد عدم النَّقْض
وَفِي مُسْند الْبَزَّار من حَدِيث عبد الْكَرِيم الْجَزرِي الْجَزرِي عَن
عَطاء عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل بعض
نِسَائِهِ ثمَّ يخرج إِلَى
(1/179)
الصَّلَاة وَلَا يتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ لَا
نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من رِوَايَة
عَائِشَة وَلَا نعلمهُ يرْوى عَنْهَا إِلَّا من حَدِيث حبيب عَن عُرْوَة
وَمن حَدِيث عبد الْكَرِيم عَن عَطاء
قَالَ عبد الْحق وَلَا أعلم لهَذَا الحَدِيث عِلّة توجب تَركه وَلَا أعلم
فِيهِ أَكثر من قَول يحيى بن معِين حَدِيث عبد الْكَرِيم عَن عَطاء حَدِيث
فردي لِأَنَّهُ غير مَحْفُوظ
وانفراد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضر فإمَّا أَن يكون قبل أَن تنزل
الْآيَة أَو يكون أَن الْمُلَامسَة الْجِمَاع كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس
رَضِي الله
(1/180)
عَنْهُمَا
وَاحْتج الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِحَدِيث لمس عَائِشَة أَخْمص
قَدَمَيْهِ على أَن طهر الملموس لَا ينْتَقض وَهَذَا يُؤذن بِانْتِفَاء
الخصوصية وَإِلَّا لما حسن الِاحْتِجَاج بِهِ
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة كَانَ يجوز لَهُ أَن يدْخل الْمَسْجِد جنبا
قَالَه صَاحب التَّلْخِيص وَفِيه حَدِيث فِي التِّرْمِذِيّ حسنه مَعَ
الغرابة من طَرِيق أبي سعيد (يَا عَليّ لَا يحل لأحد أَن يجنب فِي هَذَا
الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيْرك)
قلت وَفِي حسنه نظر فَفِيهِ سَالم بن أبي حَفْصَة وعطية الْعَوْفِيّ وهما
ضعيفان جدا شيعيان متهمان
وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث
(1/181)
سعد بن أبي وَقاص وَالطَّبَرَانِيّ فِي
أكبر معاجمه من حَدِيث أم سَلمَة
قلت وَمُقْتَضى الحَدِيث اشْتِرَاك عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَعَه فِي ذَلِك
وَلم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء
وَذكر التِّرْمِذِيّ عقب إِيرَاده الحَدِيث عَن ضرار بن صرد أَن معنى
الحَدِيث لَا يحل لأحد يَسْتَطْرِقهُ جنبا غَيْرِي وَغَيْرك
وَهَذَا التَّفْسِير فِيهِ نظر لِأَن هَذَا الحكم لَا يخْتَص بِهِ بل أمته
كَذَلِك وَأما الْقفال فَإِنَّهُ لَا يسلم ذَلِك لصَاحب التَّلْخِيص بل
قَالَ لَا أَظُنهُ صَحِيحا
(1/182)
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ هَذَا
الَّذِي قَالَه صَاحب التَّلْخِيص هوس لَا نَدْرِي من أَيْن قَالَه وَلَا
إِلَى أَي أصل أسْندهُ فَالْوَجْه القَوْل بتخطئته
قلت إِسْنَاده إِلَى رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وتحسينه لَهُ وَذَلِكَ هُوَ
غَايَة الْفَقِيه فَلَا وَجه لتخطئته وَقد قوى النووى مقَالَته
وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية فِيمَا خص بهَا من بَين سَائِر
الْأَنْبِيَاء وَعبر باللبث دون الدُّخُول فَقَالَ وَمِنْهَا أَنه أُبِيح
لَهُ اللّّبْث فِي الْمَسْجِد فِي حَال جنابته
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة قَالَ ابْن الْقَاص كَانَ يجوز لَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يلعن شَيْئا من غير سَبَب يَقْتَضِيهِ لِأَن لعنته
رَحْمَة
واستبعده الْأَئِمَّة لَكِن فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
(اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخذت عنْدك عهدا لن تخلفنيه فَإِنَّمَا أَنا بشر
فَأَي الْمُؤمنِينَ آذيته أَو شتمته أَو لعنته فاجعلها لَهُ زَكَاة
وَصَلَاة وقربة تقربه بهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة) وَفِي رِوَايَة
لَهما (إِنَّمَا أَنا بشر أغضب كَمَا يغْضب الْبشر فأيما
(1/183)
رجل من الْمُسلمين سببته أَو لعنته أَو
جلدته فاجعلها لَهُ صَلَاة وَزَكَاة وقربة تقربه بهَا إِلَيْك يَوْم
الْقِيَامَة وَاجعَل ذَلِك كَفَّارَة لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)
قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا قريب من جعل الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا
قَالَ الْعلمَاء وَذَلِكَ فِي حق الْمُسلمين كَمَا نطق بِهِ الْخَبَر
فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا على الْكفَّار
وَالْمُنَافِقِينَ وَلم يكن لَهُم رَحْمَة فَإِن قيل إِن كَانَ
(1/184)
يسْتَحق الدُّعَاء فَكيف يَجْعَل رَحْمَة
لَهُم وَإِن كَانَ لَا يسْتَحقّهُ فَكيف يَدْعُو عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام من لَا يسْتَحق الدُّعَاء فَالْجَوَاب من أوجه
أَحدهَا أَنه يجوز أَن يكون مُسْتَحقّا للدُّعَاء عَلَيْهِ شرعا
وَلَكِن رأفته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وشفقته تَقْتَضِي أَن
يَدْعُو لَهُ لارتكاب مَا نهى عَنهُ
والعاصي أولى وأحق أَن يدعى لَهُ وَقد يكون الدُّعَاء عَلَيْهِ سَببا
لزِيَادَة عصيانه
وَثَانِيها يجوز أَن لَا يكون مُسْتَحقّا للدُّعَاء فِي الْبَاطِن وَهُوَ
مُسْتَحقّ لَهُ فِي الظَّاهِر وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
إِنَّمَا يحكم بِالظَّاهِرِ
وَثَالِثهَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا صدر مِنْهُ على صِيغَة
الدُّعَاء واللعن والسب وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ حَقِيقَته كَمَا جرت بِهِ
عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهَا
كَقَوْلِه تربت يَمِينك وعقري حلقي
فخشي عَلَيْهِ الصَّلَاة
(1/185)
وَالسَّلَام أَن يُصَادف شَيْء من ذَلِك
إِجَابَة فَسَأَلَ الله أَن يَجْعَل ذَلِك رَحْمَة وَكَفَّارَة
فَإِن قيل معنى الحَدِيث السالف (إِنَّمَا أَنا بشر أغضب كَمَا يغْضب
الْبشر) وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن السب واللعن للغضب قلت قَالَ
(1/186)
الْمَاوَرْدِيّ يحْتَمل أَنه عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرَادَ أَن دعاءه وسبه وَجلده كَانَ مِمَّا خير
فِيهِ بَين أَمريْن أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي زَجره بِأَمْر آخر يحملهُ
الْغَضَب لله تَعَالَى على أحد الْأَمريْنِ الْمُخَير فيهمَا وَهُوَ السب
واللعن وَالْجَلد فَلَيْسَ ذَلِك خَارِجا عَن حكم الشَّرْع
وَمعنى اجْعَلْهَا صَلَاة أَي رَحْمَة كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى
وعد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء قبله
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة قَالَ ابْن الْقَاص وَكَانَ يجوز لَهُ
الْقَتْل بعد الْأمان قَالَ الرَّافِعِيّ وخطؤوه فِيهِ وَقَالُوا من يحرم
عَلَيْهِ خَائِنَة الْأَعْين كَيفَ يجوز لَهُ قتل من أَمنه قلت لَا جرم
حذفهَا من الرَّوْضَة وقصة ابْن خطل لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (من دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَكَانَ أراق
دَمه فَقيل لَهُ ابْن خطل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ
(اقْتُلُوهُ)
(1/187)
الْقسم الثَّانِي
التخفيفات الْمُتَعَلّقَة بِالنِّكَاحِ
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى أُبِيح لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجمع بَين
أَكثر من أَربع نسْوَة وَهُوَ إِجْمَاع وَقد مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن تسع زَوْجَات كَمَا سَيَأْتِي
وَلِأَنَّهُ لما كَانَ الْحر - لفضله على العَبْد - يستبيح من النسْوَة
أَكثر مِمَّا يستبيحه العَبْد وَجب أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لفضله على جَمِيع الْأمة يستبيح من النِّسَاء أَكثر مِمَّا تستبيحه
الْأمة
قيل فِي قَوْله تَعَالَى {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من
فَضله} الْآيَة
إِن المُرَاد بِالنَّاسِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهُمْ
حسدوه فِي نِكَاح تسع نسْوَة وَقَالُوا هلا شغلته النُّبُوَّة عَن
النِّسَاء فأكذبهم الله تَعَالَى وَقَالَ كَانَ لِسُلَيْمَان الْملك
الْعَظِيم وَلم يشْغلهُ عَن النُّبُوَّة وَكَانَ لَهُ ألف حرَّة ومملوكة
(1/188)
وَكَانَ لداود عَلَيْهِ السَّلَام تسع
وَتسْعُونَ زَوْجَة حَكَاهُ الإِمَام أَبُو نصر عبد الرَّحِيم الْقشيرِي
فِي تَفْسِيره الْمُسَمّى بالتيسير فِي التَّفْسِير
وَحكى الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَنه أحل لنبينا عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام تسعا وَتِسْعين امْرَأَة
قيل خص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لِأَنَّهُ حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا
الطّيب وَالنِّسَاء وَجعلت قُرَّة عينه فِي الصَّلَاة كَمَا رَوَاهُ
النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس وَصَححهُ الْحَاكِم على شَرط مُسلم وَوَقع فِي
مطلب ابْن الرّفْعَة أَنه فِي الصَّحِيح وَالظَّاهِر وهمه
وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث مقَال أوضحته فِي تَخْرِيج
(1/189)
أَحَادِيث الرَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلف أهل الْعلم فِي تحبيب النِّسَاء إِلَيْهِ
على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه زِيَادَة فِي الِابْتِلَاء والتكليف حَتَّى لَا يلهو بِمَا
حبب إِلَيْهِ من النِّسَاء عَمَّا كلف بِهِ من أَدَاء الرسَالَة وَلَا يعجز
عَن تحمل أثقال النُّبُوَّة فَيكون تِلْكَ أَكثر لمشاقه وَأعظم لأجره
وَالثَّانِي ليَكُون مَعَ من يشاهدها من نِسَائِهِ فيزول عَنهُ مَا يرميه
الْمُشْركُونَ من أَنه سَاحر أَو شَاعِر فَيكون تحبيبه لَهُنَّ على هَذَا
القَوْل للطف بِهِ
وَيحْتَمل قولا ثَالِثا وَهُوَ الْحَث لأمته عَلَيْهِ لما فِيهِ من
النَّسْل الَّذِي تحصل بِهِ المباهاة يَوْم الْقِيَامَة
(1/190)
ورابعا هُوَ أَن قبائل الْعَرَب تتشرف بِهِ
وَقد قيل إِنَّه لَهُ بِكُل قَبيلَة مِنْهَا اتِّصَالًا بمصاهرة وَغَيرهَا
سوى تيم وتغلب
وخامسا هُوَ كَثْرَة العشائر من جِهَة نِسَائِهِ رجَالًا وَنسَاء فيكونون
عونا على أعدائه
إِذا تقرر ذَلِك فَهَل يجوز لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزِّيَادَة على
التسع فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أَحدهمَا لَا لِأَن الأَصْل استواؤه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأمته فِي الْأَحْكَام لَكِن ثَبت لَهُ
جَوَاز الزِّيَادَة إِلَى تسع فَيقْتَصر عَلَيْهِ
وأصحهما - وَبِه قطع الْمَاوَرْدِيّ - الْجَوَاز لِأَنَّهُ مَأْمُون الْجور
ولظاهر قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك اللَّاتِي آتيت
أُجُورهنَّ} الْآيَة
وَقد قيل إِنَّه كَانَ عِنْده حِين التَّخْيِير عشر نسْوَة الْعَاشِرَة بنت
الضَّحَّاك الَّتِي اخْتَارَتْ الدُّنْيَا
وروى الْحَافِظ ضِيَاء الدّين فِي الْأَحَادِيث المختارة من حَدِيث أنس
تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس عشرَة امْرَأَة وَدخل مِنْهُنَّ
بِإِحْدَى عشرَة وَمَات عَن تسع فَيكون قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا
النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} ناسخة
وَفِي رِعَايَة الْحَنَابِلَة إِلَى أَن نزل {لَا يحل لَك النِّسَاء من
بعد} فَتكون ناسخة
(تَنْبِيه) ذكر الْقُضَاعِي فِي كِتَابه (عُيُون المعارف) هَذِه الخصيصة
وَهِي أَنه أُبِيح لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَكثر من أَربع
نسْوَة فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء من قبله وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ
وَقد أسلفت لَك مَا يُخَالِفهُ
(1/191)
(فَائِدَتَانِ)
الأولى قَالَ مُجَاهِد أعطي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة
أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من رجال أهل الْجنَّة
وَسَيَأْتِي عَن أنس أَنه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ
الثَّانِيَة النِّكَاح فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عبَادَة
بِلَا شكّ وَمن جملَة فَوَائده فِي حَقه فَائِدَتَانِ عظيمتان
الأولى نقل الشَّرِيعَة الَّتِي لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال الثَّانِيَة
نقل محاسنه الْبَاطِنَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكمل الظَّاهِر
وَالْبَاطِن
وَتزَوج من الْقَبَائِل أم حَبِيبَة وأبوها ذَلِك الْوَقْت عدوه
وَصفِيَّة وَقد قتل أَبَاهَا وَغَيرهمَا فَلَو لم يطلعن من بَاطِن
أَحْوَاله على أَنه أكمل الْخلق لكَانَتْ الطباع البشرية تَقْتَضِي ميلهن
إِلَى آبائهن وقرابتهن
وَكَانَ فِي كَثْرَة النِّسَاء عِنْده بَيَان لمعجزاته وكماله بَاطِنا
كَمَا عرفه الرِّجَال مِنْهُ ظَاهرا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(فرع) فِي انحصار طَلَاقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّلَاث
طَرِيقَانِ أَحدهمَا فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِي عدد زَوْجَاته لَكِن صحّح
الْبَغَوِيّ الْحصْر فِيهَا
(1/192)
كَغَيْرِهِ
وَصحح فِي أصل الرَّوْضَة
والرافعي ذكر الطَّرِيقَة الأولى ثمَّ قَالَ وروى صَاحب التَّتِمَّة
الانحصار وَلم يزدْ على ذَلِك فِي شرحيه
وَالثَّانيَِة الْقطع بانحصاره فِيهِ بِخِلَاف عدد الزَّوْجَات لِأَن
الْمَأْخُوذ عَلَيْهِ من أَسبَاب التَّحْرِيم أغْلظ كَذَا علله
الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ جازم بِعَدَمِ انحصار النسْوَة وحاك لوَجْهَيْنِ فِي
انحصار طَلَاقه وَمِنْه خرجت هَذِه الطَّرِيقَة
قَالَ وعَلى الْحصْر إِذا طلق وَاحِدَة ثَلَاثًا هَل تحل لَهُ من غير أَن
تنْكح غَيره فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لما خص من تَحْرِيم نِسَائِهِ على
غَيره
وَالثَّانِي لَا يحل لَهُ أبدا لما عَلَيْهِ من التَّغْلِيظ فِي أَسبَاب
التَّحْرِيم
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَغَيْرِهِ وأصحهما نعم وَهُوَ مَا قطع بِهِ الإِمَام
وَالْغَزالِيّ لقَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا
للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك من دون
الْمُؤمنِينَ}
وعَلى هَذَا لَا يجب الْمهْر بِالْعقدِ وَلَا بِالدُّخُولِ كَمَا هُوَ
مُقْتَضى الْهِبَة
وَهل يشْتَرط لفظ النِّكَاح من جِهَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يَكْفِي
لفظ الاتهاب فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشْتَرط كَمَا فِي حق الْمَرْأَة
وأصحهما فِي أصل الرَّوْضَة والرافعي قَالَ إِنَّه أرجح وَعند الشَّيْخ أبي
حَامِد يشْتَرط لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {أَن يستنكحها} الْآيَة فَاعْتبر
فِي جَانِبه النِّكَاح
(1/193)
قَالَ الْأَصْحَاب وَينْعَقد نِكَاحه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنى الْهِبَة حَتَّى لَا يجوز مهر
ابْتِدَاء وَلَا انْتِهَاء وَفِي وَجه غَرِيب أَنه يجب الْمهْر الَّذِي خص
بِهِ لانعقاد نِكَاحه بِلَفْظ الْهِبَة دون مَعْنَاهَا
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ مرّة بِسُقُوط الْمهْر
وَقَالَ مرّة اخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَن لم يسم لَهَا مهْرا فِي العقد هَل
يلْزمه لَهَا مهر الْمثل على وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع أَن الْمَقْصُود
مِنْهُ التَّوَصُّل إِلَى ثَوَاب الله تَعَالَى
قَالَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل كَانَت عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام امْرَأَة موهوبة أم لَا من أجل اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي فتح
إِن وَكسرهَا من قَوْله {إِن وهبت نَفسهَا} فعلى الثَّانِي يكون شرطا
مُسْتَقْبلا وعَلى الأول يكون خَبرا عَن مَاض
وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي من هِيَ فَقيل أم شريك قَالَه
(1/194)
عُرْوَة وَأخرجه النَّسَائِيّ عَنْهَا
وَقيل مَيْمُونَة بنت الْحَارِث قَالَه ابْن عَبَّاس وَقَالَ الشّعبِيّ
هِيَ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْأَنْصَارِيَّة أم الْمَسَاكِين
قلت اسْم أم شريك غزيَّة بنت جَابر بن حَكِيم وَقيل بنت ذروان بن عَوْف
وَقيل غزيلة وَقيل ليلى بنت الخطيم
وَقيل فَاطِمَة بنت شُرَيْح
وَقيل خَوْلَة بنت حَكِيم قالته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَت كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللائي وهبْنَ
(1/195)
أَنْفسهنَّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أما تَسْتَحي الْمَرْأَة تهب
نَفسهَا للرجل فَلَمَّا نزلت ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من
تشَاء قلت يَا رَسُول الله مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك وَهَذَا
يدل على أَن معنى قَوْله تَعَالَى ترجئ أَي تُؤخر من تشَاء من الواهبات
{وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} أَي بِقبُول هبتها وَقيل خِلَافه
وَعبارَة الْقُضَاعِي ابي عبد الله مُحَمَّد بن سَلام فِي كِتَابه عُيُون
المعارف (أَن مِمَّا خص بِهِ لَهُ إِبَاحَة الْمَوْهُوب لَهُ خَاصَّة
وَهُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا بِلَفْظ الْهِبَة وَإِبَاحَة النِّكَاح بِغَيْر
مهر وَلَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ إِلَّا بِالدُّخُولِ)
وَلَيْسَ ذَلِك بجيد مِنْهُ وَذكر هَذِه الخصوصية فِي قسم مَا خص بِهِ دون
الْأَنْبِيَاء من قبله
وَدون أمته تَشْرِيفًا لَهُ وتعظيما لشأنه
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا رغب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
نِكَاح امْرَأَة فَإِن كَانَت خلية فعلَيْهَا الْإِجَابَة على الصَّحِيح
وَتحرم على غَيره خطبتها وَإِن كَانَت ذَات زوج وَجب على زَوجهَا طَلاقهَا
لينكحها على الصَّحِيح لقَوْله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا
لله وَالرَّسُول ... الْآيَة
كَذَا اسْتدلَّ بهَا الْمَاوَرْدِيّ
وَاسْتدلَّ الْغَزالِيّ فِي وسيطه لوُجُوب التَّطْلِيق بِقصَّة زيد رَضِي
الله عَنهُ وَهِي مَشْهُورَة
وَقد أوضحتها بطرقها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ فسارع إِلَيْهِ
(1/196)
ثمَّ قَالَ - أَعنِي الْغَزالِيّ - لَعَلَّ
السِّرّ من جَانب الزَّوْج امتحان إيمَانه بتكليفه النُّزُول عَن أَهله
فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى
أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله وَمَاله وَولده ووالده وَالنَّاس أجميعين)
وَقد تقدم
وَقَالَ أَيْضا (لَا يكمل إِيمَان أحدكُم حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب
إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا)
رَوَاهُ مُسلم
ويحققه قَوْله تَعَالَى {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم}
وَمن جَانِبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتلاؤه بالبلية البشرية وَمنعه من
خَائِنَة الْأَعْين وَمن الْإِضْمَار الَّذِي يُخَالف الْإِظْهَار وَلَا
شَيْء أدعى - إِلَى غض الْبَصَر وَحفظه من لمحاته الاتفاقية - من هَذَا
التَّكْلِيف
قَالَ وَهُوَ مَا يُورِدهُ الْفُقَهَاء فِي صنف التَّخْفِيف وَعِنْدِي أَن
ذَلِك فِي غَايَة التَّشْدِيد إِذْ لَو كلف بذلك آحَاد النَّاس لما فتحُوا
أَعينهم فِي الشوارع والطرقات خوفًا من ذَلِك
وَلذَلِك قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لَو كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يخفي شَيْئا لأخفى هَذِه الْآيَة
(1/197)
وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وَقَالَ لم
يُوَافق فِي مُخَالفَة الْأَصْحَاب فِي ذَلِك
قَالَ وَحَاصِل مَا ذكره أَنه لم يكتف فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام بِالنَّهْي وَالتَّحْرِيم زاجرا عَن مسارقة النّظر وحاملا لَهُ
على غض الْبَصَر من نسَاء غَيره حَتَّى شدد عَلَيْهِ بتكليف لَو كلف بِهِ
غَيره لما فتحُوا أَعينهم فِي الطرقات
وَهَذَا غير لَائِق بِمَنْزِلَتِهِ الرفيعة
وَزعم أَن هَذَا الحكم فِي غَايَة التَّشْدِيد
الله تَعَالَى يَقُول فِي ذَلِك {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض
الله لَهُ} الْآيَة
وَأما قَول عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَذَلِك لأمر آخر وَهُوَ
إِظْهَار مَا دَار بَينه وَبَين مَوْلَاهُ وعتابه عَلَيْهِ
(1/198)
فَأُجِيب عَنهُ بِأَن الْغَزالِيّ لم يقل
إِن النَّهْي فِي حَقه لَيْسَ كَافِيا فِي الِانْتِهَاء وَإِنَّمَا جعل
ذَلِك كفا وحافظا عَن وُقُوع النّظر الاتفاقي الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ
نهي فَإِذا علم أَنه إِذا وَقع ذَلِك وَوَقعت مِنْهُ الْمَرْأَة موقعا وَجب
على زَوجهَا مفارقتها
احْتَاجَ إِلَى زِيَادَة التحفظ فِي ذَلِك
وَالَّذِي كلف أخف مَا فِي النَّفس مَعَ إبداء الله لَهُ فَإِن كثيرا من
الْمُبَاحَات الشَّرْعِيَّة يستحيي الْإِنْسَان من فعلهَا وَيمْتَنع
مِنْهَا وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج} الْآيَة فِيهِ
رفع الْإِثْم لَا نفي الْحيَاء من الشَّيْء
فَإِن قلت مَا الْجَواب عَن حَدِيث عَائِشَة الْمُتَّفق على صِحَّته (أَن
رجلا اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ
(بئس أَخُو الْعَشِيرَة) أَو (بئس ابْن الْعَشِيرَة) فَلَمَّا جلس تطلق
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه وانبسط فَلَمَّا انْطلق قَالَت
لَهُ عَائِشَة يَا رَسُول الله حِين رَأَيْت الرجل فَقلت كَذَا وَكَذَا
ثمَّ تطلقت فِي وَجهه وانبسطت لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَا عَائِشَة مَتى عهدتيني فحاشا إِن شَرّ النَّاس عِنْد الله منزلَة
يَوْم الْقِيَامَة من تَركه النَّاس اتقاء شَره) وَفِي لفظ اسْتَأْذن رجل
فَقَالَ (ائذنوا لَهُ بئس أَخُو الْعَشِيرَة) فَلَمَّا دخل ألان لَهُ فِي
الْكَلَام
ثمَّ ذكره نَحوه
(1/199)
فَالْجَوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال الَّذِي
منع مِنْهُ أَن يظْهر - بِلَفْظ لمن يخاطبه - شَيْئا يُرِيد خِلَافه
ولين الْكَلَام لم يرد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا
حَقِيقَته لأجل شَره وَمَا قَالَه فِي غيبته تَنْبِيها على صفته ليحذر
مِنْهُ أَو يُعَامل بِمثل مَا عَامله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَذَا أَمْثَاله وَهُوَ من قبيل الدّفع بِالَّتِي هِيَ أحسن
وَبِهَذَا يَقع الْجَواب أَيْضا عَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
لأبي بَصِير مسعر حَرْب لَو وجد أعوانا
(تَنْبِيه) مَا قَدمته أَولا أَنه يحرم على غير خطبتها هُوَ مَبْنِيّ على
أَنه يجب عَلَيْهَا الْإِجَابَة
أما إِذا قُلْنَا لَا فَلَا يظْهر ذَلِك لما فِيهِ من الْإِضْرَار بهَا
(1/200)
المسالة الرَّابِعَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه
بِلَا ولي وَلَا شُهُود وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا نِكَاح إِلَّا
بولِي وشاهدي عدل)
وأصحهما نعم
لِأَن اعْتِبَار الْوَلِيّ الْمُحَافظَة على الْكَفَاءَة وَلَا شكّ فِيهِ
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوق الْأَكفاء وَاعْتِبَار الشُّهُود لأمن
الْجُحُود وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة
(1/201)
وَالسَّلَام لَا يجْحَد وَإِن جحدت هِيَ لم
يرجع إِلَى قَوْلهَا على خلاف قَوْله بل قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شرح
الْمُهَذّب تكون كَافِرَة بتكذيبه
(1/202)
وَيدل على الِانْعِقَاد أَيْضا أَن
الصَّحَابَة كلهم أشكل عَلَيْهِم هَل تزوج صَفِيَّة وأحالوا ذَلِك على
حجبها
وقصة زَيْنَب فِي تَزْوِيجه بهَا وَهَذَا الْخلاف فِي غير زَيْنَب
أما زَيْنَب فمنصوص عَلَيْهَا وَقد نبه عَلَيْهِ أَيْضا النَّوَوِيّ فِي
شَرحه لمُسلم فِي بَاب زواج زَيْنَب بنت جحش
وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله
(1/203)
(تَنْبِيه) قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد
الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة مَبْنِيّ على أَن الْمُتَكَلّم هَل يدْخل فِي
عُمُوم خطابه أم لَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ (لَا
نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وشاهدي عدل)
وَفِيمَا ذكره نظر لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُنَا إِنَّمَا هُوَ نفي
مَاهِيَّة النِّكَاح عِنْد انْتِفَاء ذَلِك فتنتفي تِلْكَ الْمَاهِيّة
أَيْضا فِي حَقه عملا بِهَذَا الحَدِيث
وَلم يَأْتِ لفظ عَام للأشخاص حَتَّى نقُول هَل دخل فيهم أم لَا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة فِي انْعِقَاد نِكَاحه فِي حَال الْإِحْرَام
وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لما روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس أَنه عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم
وَهَذَا مَا نسبه الْمَاوَرْدِيّ إِلَى أبي الطّيب ابْن سَلمَة
وَقَالَ الرَّافِعِيّ إِن كَلَام النقلَة بترجيحه أشبه
وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي أصل الرَّوْضَة
(1/204)
وَثَانِيهمَا لَا كَغَيْرِهِ
وكما لَا يحل لَهُ الْوَطْء فِي الْإِحْرَام
وَهُوَ مَا نَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن سَائِر الْأَصْحَاب وَنِكَاح
مَيْمُونَة فِي أَكثر الرِّوَايَات جرى وَهُوَ حَلَال كَذَا قَالَه
الرَّافِعِيّ وَغَيره
قَالَ القَاضِي عِيَاض وَغَيره وَلم يرو أَنه تزَوجهَا محرما إِلَّا ابْن
عَبَّاس وَحده
قلت فِي صَحِيح ابْن حبَان عَن عَائِشَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام تزوج بعض نِسَائِهِ وَهُوَ محرم
وروت
(1/205)
مَيْمُونَة وَأَبُو رَافع وَغَيرهمَا أَنه
تزَوجهَا حَلَالا وهم أعرف بالقصة من ابْن عَبَّاس لتعلقهم بهَا
وَلِأَنَّهُم أضبط من ابْن عَبَّاس وأكبر
قَالَ ابْن الْمسيب وَوهم ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك كَذَا رَوَاهُ عَنهُ
أَبُو دَاوُد وَابْن عدي
قلت وَيُؤَيِّدهُ أَن الدَّارَقُطْنِيّ روى من حَدِيث ابْن عَبَّاس
تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال
رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مخلد عَن أَبِيه عَن سَلام أبي
الْمُنْذر وَعَن مطر الْوراق عَن عِكْرِمَة عَنهُ
ثمَّ قَالَ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عُثْمَان عَن أَبِيه عَن سَلام وَهُوَ
غَرِيب عَن مطر
وَرَوَاهُ أَبُو الْأسود عَن عِكْرِمَة أَيْضا
قلت وترجح رِوَايَة أبي رَافع أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ بَالغا إِذْ ذَاك
بِخِلَاف ابْن عَبَّاس وَبِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
تزَوجهَا فِي عمْرَة الْقَضَاء كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره وَلم يكن
ابْن عَبَّاس مَعَه
وتؤول رِوَايَة ابْن عَبَّاس الْمَشْهُورَة بِأَن المُرَاد تزَوجهَا فِي
الشَّهْر الْحَرَام أَو فِي الْبَلَد الْحَرَام
كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... )
لِأَنَّهُ قتل فِي أَيَّام التَّشْرِيق من الشَّهْر الْحَرَام
(1/206)
(تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة
مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء من قبله عَلَيْهِم السَّلَام
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي وجوب الْقسم عَلَيْهِ فِي زَوْجَاته وَجْهَان
أَحدهمَا وَبِه قطع الْإِصْطَخْرِي
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَطَائِفَة وَصَححهُ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة
وَعَلِيهِ اقْتصر فِي الْوَجِيز لَا يجب وَإِنَّمَا كَانَ يتَطَوَّع بِهِ
لِأَن فِي وُجُوبه عَلَيْهِ شغلا عَن لَوَازِم الرسَالَة وَلقَوْله
تَعَالَى ترجئ من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء أَي تبعد من
تشَاء فَلَا تقسم لَهَا وتقرب من تشَاء فتقسم لَهَا
وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ عَن أَكثر الْعلمَاء أَن الْآيَة نزلت مبيحة ترك
ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يطوف على نِسَائِهِ فِي
السَّاعَة الْوَاحِدَة كَمَا أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس وَذَلِكَ
يُنَافِي وُجُوبه عَلَيْهِ
وأصحهما عِنْد الشَّيْخ أبي حَامِد والعراقيين وتابعهم الْبَغَوِيّ وَهُوَ
ظَاهر نَصه فِي الْأُم أَنه يجب لِأَنَّهُ كَانَ يُطَاف بِهِ فِي مَرضه على
نِسَائِهِ حَتَّى
(1/207)
حللنه كَمَا ذكره الشَّافِعِي فِي
الْمُخْتَصر بلاغا
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْهِبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت لما ثقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاشْتَدَّ
وَجَعه وَاسْتَأْذَنَ أَزوَاجه فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ
وَصَحَّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ
هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك)
كَمَا أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَع وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَلما هم بِطَلَاق سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة فَجعل لَهَا يَوْمَيْنِ
(1/208)
وَأما الْآيَة فَهِيَ مَحْمُولَة على
إِبَاحَة التبدل بِهن بعد التَّحْرِيم
وَقَالَ ابْن الْقشيرِي فِي تَفْسِيره إِنَّه كَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ
بِهَذِهِ الْآيَة
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْآيَة تأويلين
أَحدهمَا مَعْنَاهُ تعزل من شِئْت من أَزوَاجك فَلَا تأتيها وَتَأْتِي من
شِئْت مِنْهُنَّ
وَهُوَ قَول قَتَادَة وَمُجاهد وَنَقله البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتلفُوا هَل أرجأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة من نِسَائِهِ أحدا أم لَا فَالَّذِي
عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الثَّانِي وانه مَاتَ عَن تسع وَكَانَ يقسم لثمان
مِنْهُنَّ لِأَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة
وَرُوِيَ أَنه بلغ نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد أَن
يخلي سبيلهن فأتينه فَقُلْنَ لَا تخل سبيلنا وَأَنت فِي حل مِمَّا بَيْننَا
وَبَيْنك فأرجأ مِنْهُنَّ نسْوَة وآوى نسْوَة وَكَانَت مِمَّن أرجأ
مَيْمُونَة وَجُوَيْرِية وَأم حَبِيبَة وَصفِيَّة وَسَوْدَة وَكَانَ
(1/209)
يقسم بَينهُنَّ من نَفسه وَمَاله
وَكَانَ مِمَّن آوى عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة وَزَيْنَب فَكَانَ
قسْمَة من نَفسه وَمَاله فِيهِنَّ سَوَاء
قَالَ ابْن الْقشيرِي وَقيل كَانَ أَرَادَ أَن يُفَارِقهُنَّ فَقُلْنَ
اقْسمْ لنا من نَفسك مَا شِئْت وَدعنَا على حَالنَا
قلت وطوافه على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة يُجيب - الْقَائِل
بِالْوُجُوب - عَنهُ بِأَن ذَلِك كَانَ برضاهن
وَاعْلَم أَن مَأْخَذ الْخلاف فِي هَذِه الْمسَائِل وَأَخَوَاتهَا أَن
الزَّوْجَات فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كالسراري فِي حق
غَيره أَو كالزوجات
وَفِيه وَجْهَان إِن جعلناهن كالسراري لم يشْتَرط الْوَلِيّ وَلَا
الشُّهُود وانعقد نِكَاحه فِي الْإِحْرَام وبلفظ الْهِبَة وَلم يحصر عدد
منكوحاته وَلَا طَلَاقه وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقسم
وَإِن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم
وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي أَن الله تَعَالَى خص نبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بأَشْيَاء فِي النِّكَاح مِنْهَا أَنه أعطَاهُ سَاعَة لَا
يكون لأزواجه فِيهَا حق
يدْخل فِيهَا على
(1/210)
جَمِيع أَزوَاجه فيفعل مَا يُرِيد بِهن
ثمَّ يدْخل عِنْد الَّتِي يكون الدّور لَهَا
وَفِي كتاب مُسلم أَن تِلْكَ السَّاعَة كَانَت بعد الْعَصْر فَلَو اشْتغل
عَنْهَا لكَانَتْ بعد الْمغرب أَو غَيره
فالذلك قَالَ أنس (كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَدُور على
نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي وجوب نَفَقَة زَوْجَاته عَلَيْهِ
الْوَجْهَانِ السابقان فِي الْمهْر وَالأَصَح الْوُجُوب كَمَا ذكره
النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
تَزْوِيج الْمَرْأَة مِمَّن شَاءَ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وتزويجها من نَفسه
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة وتولي الطَّرفَيْنِ بِغَيْر إِذْنهَا وَإِذن
وَليهَا
إِذْ جعله الله أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم
قَالَ الحناطي وَيحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لَا يجوز إِلَّا بِإِذْنِهَا قلت
وَيُؤَيِّدهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(1/211)
اسْتَأْذن جوَيْرِية وَطلب رِضَاهَا بنكاحه
وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ فعل ذَلِك تطييبا لقلبها كَقَوْلِه (وَالْبكْر
تستأمر)
وَوَقع فِي الْمطلب للشَّيْخ نجم الدّين بن الرّفْعَة أَن الرَّافِعِيّ حكى
عَن الحناطي أَنه قَالَ يحْتَمل أَن يُقَال كَانَ لايجوز لَهُ إِلَّا
بِإِذن وَليهَا قَالَ وَلم أر لذَلِك ذكرا فِي الرَّوْضَة بل ذكر الْخلاف
الْمَذْكُور فِي توليه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الطَّرفَيْنِ
هَذَا سَهْو مِنْهُ فَمَا ذكره عَن الحناطي لم يحكه الرَّافِعِيّ
وَإِنَّمَا الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيّ مَا قَدمته وَلم يحك فِي
الرَّوْضَة الْخلاف فِي تَوْلِيَة الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا حكايته
فِي إِذْنهَا وَإِذن وَليهَا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ فَتنبه لَهَا
(1/212)
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَن
الْمَرْأَة تحل لَهُ بتزويج الله عز وَجل قَالَ الله تَعَالَى {فَلَمَّا
قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} الْآيَة
أَي أَحللنَا لَك نِكَاحهَا وَكَانَت تفتخر على صواحباتها بذلك
وَتقول زوجكن أهلوكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات
// رَوَاهُ البُخَارِيّ // من قَول أنس رَضِي الله عَنهُ وَمنع ذَلِك بعض
أَصْحَابنَا وَقَالَ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنشأ عقدا على
زَيْنَب وَمعنى الْآيَة أبحنا لَك نِكَاحهَا
(فَائِدَة) لم يذكر الله أحدا من الصَّحَابَة فِي الْقُرْآن باسمه غير زيد
بن حَارِثَة
(تَنْبِيه) عد الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة مِمَّا خص بهَا دون الْأَنْبِيَاء
عَلَيْهِم السَّلَام من قبله
(1/213)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة كَانَ يحل
لَهُ نِكَاح الْمُعْتَدَّة من غَيره على وَجه حَكَاهُ الْبَغَوِيّ والرافعي
وَهُوَ غلط لم يذكرهُ الْجُمْهُور وغلطوا من ذكره
وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْقطع بِالْمَنْعِ
قَالَ ابْن الصّلاح قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْخُلَاصَة وَهُوَ غلط مُنكر
وددت محوه مِنْهُ
وَتَبعهُ فِيهِ صَاحب مُخْتَصر الجوينى ومنشئوه فِي تَصْحِيف كَلَام أَتَى
بِهِ الْمُزنِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة هَل كَانَ يحل لَهُ الْجمع بَين الْمَرْأَة
وعمتها أَو خَالَتهَا وَجْهَان فِي الرَّافِعِيّ عَن ابْن الْقطَّان
بِنَاء على أَن الْمُخَاطب هَل يدْخل فِي الْخطاب لِأَنَّهُ قَالَ (لَا
تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا) فَالْمَعْنى لَا
ينْكح أحد
(1/214)
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة لم يكن يحل
لَهُ الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ لِأَن خطاب الله تَعَالَى يدْخل فِيهِ نبيه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِيه وَجه حَكَاهُ الحناطي وَهُوَ بَاطِل قطعا فقد ثَبت فِي الصَّحِيح
عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل
لَك فِي أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان فَقَالَ (أفعل مَاذَا) قلت تنكحها
قَالَ أَو تحبين ذَلِك قلت لست لَك بمخلية وَأحب من شركني فِي خير أُخْتِي
قَالَ (فَإِنَّهَا لَا تحل لي)
(1/215)
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة لم يكن يحل
لَهُ الْجمع بَين الْأُم وبنتها وَفِيه وَجه بعيد حَكَاهُ الحناطي
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أعتق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة
وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من
حَدِيث أنس نعم هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا وَذَلِكَ يدل على تَجْدِيد
العقد بِصَدَاق غير الْعتْق
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رُوِيَ من حَدِيث ضَعِيف أَنه أمهرها فَذكره وَفِي
(1/216)
رِوَايَة من حَدِيث ابْن عمر أَن جوَيْرِية
وَقع لَهَا مثل ذَلِك
وَلَكِن أعلها ابْن حزم بِيَعْقُوب بن حميد بن كاسب وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ
لَا كَمَا جزم بتضعيفه
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي معنى أعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا على
أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه أعْتقهَا بِشَرْط أَن ينْكِحهَا فلزمها الْوَفَاء بِخِلَاف
غَيره
وَهَذَا يَقْتَضِي إنْشَاء عقد بعد ذَلِك
ثَانِيهَا أَنه جعل نفس الْعتْق صَدَاقهَا وَجَاز لَهُ ذَلِك بِخِلَاف
غَيره
وَهَذَا مَا أوردهُ الْمَاوَرْدِيّ
وَثَالِثهَا أَنه أعْتقهَا بِلَا عوض وَتَزَوجهَا بِلَا مهر لَا فِي
الْحَال وَلَا فِيمَا بعد
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أصح
وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الصّلاح فَإِنَّهُ قَالَ فِي مشكله إِنَّه أصح
وَأقرب إِلَى الحَدِيث
وَحكي عَن أبي
(1/217)
إِسْحَاق وَقطع بِهِ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ
أعْتقهَا مُطلقًا
قَالَ ابْن الصّلاح فَيكون معنى قَوْله وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا أَنه لم
يَجْعَل لَهَا شَيْئا غير الْعتْق فَحل مَحل الصَدَاق وَإِن لم يكن صَدَاقا
وَهُوَ من قبيل قَوْلهم الْجُوع زَاد من لَا زَاد لَهُ
رَابِعهَا أَنه أعْتقهَا على شَرط أَن يَتَزَوَّجهَا فَوَجَبَ لَهُ
عَلَيْهَا قيمتهَا فَتَزَوجهَا بِهِ وَهِي مَجْهُولَة وَلَيْسَ لغيره أَن
يتَزَوَّج بِصَدَاق مَجْهُول حَكَاهُ الْغَزالِيّ فِي وسيطه
نعم لنا وَجه فِي صِحَة إصداق قيمَة الْأمة الْمُعتقَة المجهولة إِذا
أعْتقهَا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا
وَهُوَ يرد قَول الْغَزالِيّ فِي وسيطه فِيهِ خاصية بالِاتِّفَاقِ إِلَّا
أَن يكون الْقَائِل بِالصِّحَّةِ فِي حق غَيره غير الْقَائِل بِالصِّحَّةِ
هُنَا
قَالَ ابْن حزم مَا وَقع فِي الحَدِيث سنة جَائِزَة صَحِيحَة لكل من
أَرَادَ أَن يفعل مثل ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا قَالَ
التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ لما أخرج الحَدِيث الْمُتَقَدّم قَالَ حسن صَحِيح
وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل
(1/218)
الْعلم من الصَّحَابَة وَغَيرهم قَالَ
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق
وَكره بعض أهل الْعلم أَن يَجْعَل عتقهَا صَدَاقهَا حَتَّى يَجْعَل لَهَا
مهْرا سوى الْعتْق قَالَ وَالْقَوْل الأول أصح
وَقَالَ ابْن حبَان - من أَصْحَابنَا - فِي صَحِيحه
فعل فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تقم الدّلَالَة على أَنه خص
بِاسْتِعْمَالِهِ دون أمته مُبَاح لَهُم اسْتِعْمَال ذَلِك الْفِعْل لعدم
وجود تَخْصِيصه فِيهِ ثمَّ سَاق حَدِيث أنس السالف
(خَاتِمَة) ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدْخل
على أم حرَام بنت ملْحَان فتطعمه وتفلي رَأسه وينام عِنْدهَا
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فِي بَاب فضل الْغَزْو فِي الْبَحْر
اتّفق الْعلمَاء على أَنَّهَا كَانَت محرما لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك
فَقَالَ ابْن عبد الْبر وَغَيره كَانَت إِحْدَى خالاته من
(1/219)
الرضَاعَة وَقَالَ آخَرُونَ بل كَانَت
خَالَته لِأَبِيهِ أَو لجده لِأَن عبد الْمطلب كَانَت أمه من بني بني
النجار هَذَا كَلَامه
وَمَا ذكره من الِاتِّفَاق على أَنَّهَا
(1/220)
كَانَت محرما لَهُ فِيهِ نظر وَمن أحَاط
علما بِنسَب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنسب أم حرَام علم أَنه لَا
محرمية بَينهمَا
وَقد بَين ذَلِك الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي فِي جُزْء مُفْرد وَقَالَ
خَاص بِأم حرَام وَأُخْتهَا أم سليم
وَقد ذكرت ذَلِك عَنهُ فِي كتابي الْمُسَمّى (الْعدة فِي معرفَة رجال
الْعُمْدَة) وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْصُوم - فَيُقَال
كَانَ من خَصَائِصه الْخلْوَة بالأجنبية وَقد ادَّعَاهُ بعض شُيُوخنَا
(1/221)
(تَنْبِيه) صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تزوج عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لست سِنِين أَو سبع فَذهب ابْن
شبْرمَة فِيمَا حَكَاهُ ابْن حزم إِلَى أَن ذَلِك خَاص بِالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه لَا يجوز للْأَب إنكاح ابْنَته حَتَّى تبلغ
وَهُوَ غَرِيب لَا نعلمهُ عَن غَيره وَقد خَالف الْجُمْهُور فَإِنَّهُم
قَالُوا إِن ذَلِك يجوز لكل وَاحِد وَإنَّهُ لَيْسَ من الخصائص
بل نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ
وَقد خطب عمر أم كُلْثُوم إِلَى عَليّ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ
إِنَّهَا تصغر عَن ذَلِك ثمَّ زوجه وَقَالَ الشَّافِعِي زوج ابْن الزبير
ابْنَته صَفِيَّة وَزوج غير وَاحِد من الصَّحَابَة ابْنَته صَغِيرَة
(1/222)
|