غاية
السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم النَّوْع الرَّابِع
مَا اخْتصَّ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفَضَائِل والكرامات وَهِي
أَيْضا قِسْمَانِ مُتَعَلق بِالنِّكَاحِ وَغير مُتَعَلق بِهِ
الْقسم الأول
الْمُتَعَلّق بِهِ وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى أَن أَزوَاجه اللَّاتِي توفّي عَنْهُن مُحرمَات على
غَيره أبدا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله
وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا}
قيل نزلت فِي طَلْحَة بن عبيد الله فَإِنَّهُ قَالَ إِن مَاتَ
لأَتَزَوَّجَن عَائِشَة
(1/223)
ولأنهن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ
تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم} أَي مثل أمهاتهم فِي وجوب احترامهن وطاعتهن -
كَمَا سَيَأْتِي - وَتَحْرِيم نِكَاحهنَّ لما فِي إحلالهن لغيره من
النَّقْص لمنصبه
ولأنهن أَزوَاجه فِي الْجنَّة كَمَا رَأَيْته فِي الْخِصَال للخصاف من
أَصْحَابنَا وعيون المعارف للقضاعي ذكره فِيمَا خص بِهِ دون الْأَنْبِيَاء
وَأمته فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخر أزواجها كَمَا قَالَ ابْن
الْقشيرِي
وَلِأَنَّهُ حَيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلِهَذَا حكى الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه لَا يجب عَلَيْهِنَّ عدَّة
والوفاة
وفيمن فَارقهَا فِي الْحَيَاة كالمستعيذة وَالَّتِي وجد بكشحها بَيَاضًا
ثَلَاثَة أوجه
(1/224)
أَحدهَا يحرمن أَيْضا وَهُوَ الْمَنْصُوص
فِي أَحْكَام الْقُرْآن لشمُول الْآيَة السالفة
والبعدية فِي قَوْله تَعَالَى {من بعده} عِنْد هَذَا الْقَائِل لَا تخْتَص
بِمَا بعد الْمَوْت بل بِمَا هُوَ أَعم مِنْهُ فَيكون التَّقْدِير من بعد
نِكَاحه
قَالَ بَعضهم وحرمن لوُجُوب محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن الْعَادة أَن زوج الْمَرْأَة يكره زَوجهَا الأول قَالَ فِي
الرَّوْضَة وَهَذَا أرجح
وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه أشبه بِظَاهِر نَص الشَّافِعِي
وَقيل إِن وَجه التَّفْصِيل - يَعْنِي الثَّلَاثَة - أصح
وَعبارَة الْقُضَاعِي تقضي هَذَا الْوَجْه أَيْضا فَإِنَّهُ أطلق أَن
نِسَاءَهُ حرمن على غَيره وَجعل ذَلِك من خَصَائِصه دون غَيره من
الْأَنْبِيَاء
وَثَانِيها لَا يحرمن لإعراض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا
وَانْقِطَاع الاعتناء بهَا وَلِأَن فِي ذَلِك إِضْرَارًا والبعدية على
هَذَا مَخْصُوصَة بِمَا بعد الْمَوْت
وَثَالِثهَا وَبِه قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد وَذكر الشَّيْخ أَبُو
حَامِد أَنه الصَّحِيح
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير إِنَّه الْأَظْهر وَصَححهُ
الْمَاوَرْدِيّ وَالْغَزالِيّ أَيْضا
وَقَالَ الإِمَام إِنَّه الأعدل
وَجزم بِهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير
يحرم الْمَدْخُول بهَا
فَقَط لما رُوِيَ أَن الْأَشْعَث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمن عمر رضى
الله عَنهُ فهم عمر برجمها
فَأخْبر أَنه لم
(1/225)
يكن مَدْخُولا بهَا فَكف عَنْهُمَا
كَذَا أوردهُ الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْقَاضِي قَالَ هم بجلد الْأَشْعَث
بدل رجمه
وَالْمَاوَرْدِيّ ذكره كَالْأولِ وَذكر أَنه رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج فِي ربيع الأول من سنة عشر - الَّتِي مَاتَ
فِيهَا - قتيلة أُخْت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وَلم يدْخل بهَا فأوصى
فِي مرض مَوته أَن تخير إِن شَاءَت أَن يضْرب عَلَيْهَا الْحجاب وَتحرم على
الْمُؤمنِينَ (وتجري عَلَيْهَا مَا يجْرِي على أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ)
وَإِن شَاءَت أَن تنْكح من شَاءَت فَاخْتَارَتْ النِّكَاح فَتَزَوجهَا
عِكْرِمَة بن أبي جهل بحضرموت فَبلغ أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ
لقد هَمَمْت أَن أحرق عَلَيْهِمَا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَا هِيَ
من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ مَا دخل بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَلَا ضرب عَلَيْهَا حِجَابا فَكف عَنْهُمَا أَبُو بكر رَضِي الله
عَنهُ
(1/226)
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فَصَارَ كالإجماع
فَإِن حرمنا فَفِي أمة يفارقها بِالْمَوْتِ أَو غَيره بعد وَطئهَا وَجْهَان
فِي الرَّافِعِيّ وهما فِي التَّهْذِيب أَحدهمَا لَا يحل كالمنكوحة الَّتِي
فَارقهَا
وَالثَّانِي لَا لِأَن مَارِيَة غير مَعْدُودَة فِي أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن مَاتَ عَنْهَا كمارية أم وَلَده إِبْرَاهِيم
حرم نِكَاحهَا وَإِن لم تصر أما للْمُؤْمِنين كالزوجات لنقصها بِالرّقِّ
وَإِن بَاعهَا فَفِي تَحْرِيمهَا على مشتريها وعَلى سَائِر الْمُسلمين
وَجْهَان كالمطلقة
وَجزم فِي بَاب اسْتِبْرَاء أم الْوَلَد بِالتَّحْرِيمِ وينتظم من ذَلِك
ثلَاثه أوجه
ثمَّ الْأَوْجه السالفة فِي غير المخيرات أما المخيرات فَمن اخْتَارَتْ
مِنْهُنَّ الدُّنْيَا فَفِي حلهَا للأزواج طَرِيقَانِ قَالَ
الْعِرَاقِيُّونَ بطرد الْأَوْجه
وَقطع أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي وَآخَرُونَ بِالْحلِّ لتحصل فَائِدَة
(1/227)
التَّخْيِير
وَهُوَ التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الإِمَام
وَنقل الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَمنعه الْغَزالِيّ
فَإِن قُلْنَا لَا تحل فَفِي وجوب نَفَقَتهَا من خمس الْخمس وَجْهَان
أَحدهَا تجب كَمَا تجب نَفَقَة اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن لتحريمهن
وَثَانِيها لَا لِأَنَّهَا لم تجب فِي حَيَاته فَأولى أَن لَا تجب بعد
مَوته وَلِأَنَّهَا مَقْطُوعَة الْعِصْمَة بِالطَّلَاق
(فَائِدَة) فِي عدد أَزوَاجه وَمن مَاتَ مِنْهُنَّ فِي حَيَاته وَمن فارقهن
وَمن مَاتَ عَنْهُن فِي عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَعَهم
وَقد تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا قيل أَربع عشرَة
وَقيل خمس عشرَة حَكَاهُ ابْن الصّباغ
وَأَنه دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث عشرَة وَقيل سبع عشرَة وَقيل ثَمَانِي عشرَة
حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن وَابْن الصّباغ أَيْضا
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ ثَلَاثًا وَعشْرين سِتّ متن قبله وتسع مَاتَ قبلهن
(1/228)
وثمان فارقهن
واللاتي متن قبله خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا وَهِي أول
نِسَائِهِ تزَوجهَا قبل النُّبُوَّة عِنْد مرجعه من الشَّام وعمره خمس
وَعِشْرُونَ سنة
وَهِي أم أَوْلَاده خلا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة من
كورة انصنا من الديار المصرية كَانَ الْمُقَوْقس أهداها لَهُ وَلم
يتَزَوَّج على خَدِيجَة حَتَّى مَاتَت كَمَا هُوَ مخرج فِي الصَّحِيح
وَكَانَ مَوتهَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَهِي أول من آمن من
النِّسَاء قطعا
(1/229)
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
حَقّهَا خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان وَخير نسائها خَدِيجَة وَقَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا غرت على امْرَأَة مَا غرت عَلَيْهَا من
كَثْرَة ذكر رَسُول الله إِيَّاهَا
قَالَت تزَوجنِي بعْدهَا بِثَلَاث سِنِين وَأمره ربه أَو جِبْرِيل أَن
يبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب
// رَوَاهُ البُخَارِيّ //
وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن عَائِشَة ناظرت فَاطِمَة رَضِي الله
عَنْهُمَا فَقَالَت تزَوجنِي بكرا وَتزَوج أمك ثَيِّبًا فَبلغ ذَلِك رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (قولي لَهَا إِن كَانَ قد أخذك بكرا
فقد أخذت هِيَ رَسُول الله بكرا)
وَلأَجل هَذَا قَالَ فريق من أَصْحَابنَا - كَمَا قَالَ القَاضِي
وَالْمُتوَلِّيّ - إِن خَدِيجَة
(1/230)
أفضل من عَائِشَة
وَقَالَ فريق بل عَائِشَة أفضل لدوام صحبتهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بعد النُّبُوَّة وَطول مدَّتهَا إِلَى مَوته وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (أريتك فِي الْمَنَام ثَلَاث لَيَال جَاءَنِي
بك الْملك فِي سَرقَة من حَرِير فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فأكشف عَن وَجهك
فَإِذا أَنْت هِيَ فَأَقُول (إِن يكن من عِنْد الله يمضه) // أَخْرجَاهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ //
وَجه الدّلَالَة قَوْله (هَذِه امْرَأَتك)
وَالسَّرِقَة وَاحِدَة السرق وَهُوَ الشقق الْبيض من الْحَرِير خَاصَّة
وَلِأَنَّهَا كَانَت حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل
الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام)
وَسَأَلَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ
(عَائِشَة)
// أخرجه البُخَارِيّ //
وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا أَيْضا فِي أَن عَائِشَة أفضل من فَاطِمَة أم
فَاطِمَة أفضل مِنْهَا وَقد تقدم مناظرتها لَهَا فِيمَا حكيناه عَن
القَاضِي حُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع الثَّالِث
نعم هِيَ لَا توجب التَّفْضِيل
قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب مرج الْبَحْرين ذكر بعض الجهلة أَن عَائِشَة
أفضل من فَاطِمَة وَاسْتدلَّ على ذَلِك أَنَّهَا عِنْد عَليّ فِي الْجنَّة
وَعَائِشَة عِنْد
(1/231)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَهَذَا لَا يُوجب التَّفْضِيل
ثمَّ أَطَالَ فِي الرَّد عَلَيْهِ قَالَ وَسُئِلَ الْعَالم الْكَبِير أَبُو
بكر بن دَاوُد بن عَليّ أعائشة أفضل أم خَدِيجَة فَقَالَ عَائِشَة أقرأها
السَّلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِبْرِيل وَخَدِيجَة أقرأها
جِبْرِيل
(1/232)
السَّلَام من رَبهَا على لِسَان نبيه
فَهِيَ أفضل
فَقيل لَهُ فَمن أفضل أخديجة أم فَاطِمَة فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن فَاطِمَة بضعَة مني) وَلَا أعدل ببضعة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا
قلت وَلَقَد قَالَ لَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين بَكت
بَعْدَمَا سَارهَا ثَانِيًا عِنْد مَوته (أما ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة
نسَاء الْمُؤمنِينَ) أَو (سيدة نسَاء هَذِه الْأمة) فَضَحكت
وَلَيْسَ لَهَا فِي الصَّحِيح سواهُ
وَقَوْلها لما دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أنس أطابت
أَنفسكُم أَن تحثوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التُّرَاب
وَادّعى ابْن دحْيَة فِي تنويره أَنه لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى الأول
قَالَ الْعلمَاء وَفَاطِمَة أفضل من أخواتها لِأَنَّهُنَّ فِي ميزَان
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي ميزانها
أما مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد بن حَارِثَة أَلا
تَنْطَلِق فتجيء بِزَيْنَب - يَعْنِي ابْنَته لما خرجت
(1/233)
من مَكَّة وأدركها هَبَّار بن الْأسود
حَتَّى أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا وَأَعْطَاهُ خَاتمه وَجَاء إِلَى راعي غنم
لَهَا فَأعْطَاهُ الْخَاتم واستكتمه فَأَعْطَاهَا الْخَاتم فعرفته حَتَّى
إِذا كَانَ اللَّيْل خرجت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا ارْكَبِي بَين يَدي
قَالَت لَا لَكِن اركب أَنْت فَركب وَركبت وَرَاءه حَتَّى أَتَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - هِيَ أفضل بَنَاتِي أُصِيبَت فِي
فَجَوَابه - إِن صَحَّ - أَنه يحْتَمل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ وهب
الله لفاطمة من الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالْأَحْوَال السّنيَّة والكمال
مَا لم يشركها فِيهِ أحد من بَنَاته سواهَا
وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن مَجِيء زيد بِزَيْنَب بِأَن زيدا كَانَ فِي حكم
التبني أَخا لِزَيْنَب محرما لَهَا جَائِزا لَهُ السّفر بهَا كَمَا يجوز
للْأَخ لَو كَانَ لَهَا
الثَّانِيَة زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة أم الْمَسَاكِين دخل
بهَا وأقامت عِنْده شهورا ثمَّ مَاتَت وَهِي أُخْت مَيْمُونَة بنت
الْحَارِث من أمهَا وَجزم ابْن الْأَثِير فِي معرفَة الصَّحَابَة بِأَنَّهُ
لم يمت من أَزوَاجه قبله غَيرهَا وَغير خَدِيجَة
(1/234)
الثَّالِثَة سبا بنت الصَّلْت مَاتَت قبل
أَن يصل إِلَيْهَا
الرَّابِعَة أساف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ مَاتَت قبل أَن تصل إِلَيْهِ
الْخَامِسَة خَوْلَة بنت الْهُذيْل مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا وَقيل هِيَ
الَّتِي وهبت نَفسهَا
السَّادِسَة خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة مَاتَت قبل أَن يدْخل بهَا
وَقيل أَيْضا الَّتِي وهبت نَفسهَا
(1/235)
وَأما التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن
فَالْأولى عَائِشَة بنت الصّديق
تزَوجهَا بعد موت خَدِيجَة بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث كَمَا سلف عَن رِوَايَة
البُخَارِيّ
وَالْأولَى فِي البُخَارِيّ أَيْضا بِمَكَّة وَهِي بنت سبع أَو سِتّ
وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح
وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّانِيَة وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ فِي الأولى وَقَالَ ابْن دحْيَة الأول هُوَ
(1/236)
الصَّحِيح والواقدي كَذَّاب
وَقَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي بل الصَّحِيح مَا قَالَه
الْوَاقِدِيّ فأوضحه
وَهِي بنت تسع وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا
وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَانِي عشرَة سنة
وَهِي أول أمْرَأَة تزَوجهَا بعد خَدِيجَة
وَقيل بل تزوج قبلهَا سَوْدَة بنت زَمعَة
وَكَانَت عَائِشَة أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ
(1/237)
الثَّانِيَة سَوْدَة بنت زَمعَة تزَوجهَا
بعد عَائِشَة كَمَا أخْبرت بذلك فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَمَّا عرف أَخُوهَا
عبد بن زَمعَة حثا التُّرَاب على رَأسه ثمَّ سفه نَفسه فِي ذَلِك لما أسلم
الثَّالِثَة حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي عَنْهُمَا تزَوجهَا
بِالْمَدِينَةِ بعد سَوْدَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ كَانَ عُثْمَان خطبهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة
(1/238)
وَالسَّلَام (أَلا أدلك على من هُوَ خير
لَهَا من عُثْمَان وأدل عُثْمَان على من هُوَ خير لَهُ مِنْهَا)
وَتَزَوجهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَزوج بنته أم كُلْثُوم بعثمان
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَقيل لَهُ رَاجعهَا
فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وفيهَا وَفِي عَائِشَة نزل قَوْله تَعَالَى
(إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا)
الرَّابِعَة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان - رَملَة - كَانَت تَحت عبيد
الله بن
(1/239)
جحش مَاتَ عَنْهَا بِأَرْض الْحَبَشَة
وَزوجهَا مِنْهُ عُثْمَان بن عَفَّان
وَقيل خَالِد بن سعيد بن العَاصِي
وَقيل الْوَلِيد وهم أَوْلَاد عَم أَبِيهَا بِإِذْنِهَا
وَقيل النَّجَاشِيّ وَقبل لَهُ وَكيله عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي
وَأَمْهَرهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم
وَقيل تزوج بِالْمَدِينَةِ بعد مجيئها من الْحَبَشَة
وَمَا وَقع فِي مُسلم أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم الْفَتْح أزَوجك أجمل الْعَرَب وَأَحْسبهُ أم حَبِيبَة قَالَ
(نعم) فطعن ابْن حزم فِي شريك رَاوِيه
فَأجَاب غَيره بِأَن المُرَاد تَجْدِيد العقد أَو غير ذَلِك مِمَّا أوضحته
فِي كتاب الْوكَالَة من تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ ونقلته إِلَى شرح
الْعُمْدَة فسارع إِلَيْهَا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَقيل إِن فِي تَزْوِيجهَا نزل قَوْله تَعَالَى {عَسى
الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}
وَلما تنَازع أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حضَانَة ابْنه
إِبْرَاهِيم قَالَ ادفعوه إِلَى أم حَبِيبَة فَإِنَّهَا أقربهن مِنْهُ رحما
(1/240)
الْخَامِسَة مِنْهُنَّ أم سَلمَة هِنْد بنت
أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المخزومية تزَوجهَا بعد وَفَاة أبي سَلمَة عبد
الله بن عبد الْأسد
السَّادِسَة مَيْمُونَة بنت الْحَارِث خَالَة ابْن عَبَّاس
وكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا رَافع فِي قبُول نِكَاحهَا
وَهِي بِمَكَّة
وَهل كَانَ حَلَالا أَو محرما فَفِيهِ خلاف قَدمته
وَدخل بهَا عَام الْفَتْح سنة ثَمَان بسرف وَبِه مَاتَت
وَبَدَأَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرَض فِي بَيتهَا
وَرُوِيَ أَنه تزَوجهَا عمْرَة الْقَضَاء وَكَانَت سنة سبع
قَالَ عَطاء وَكَانَ لَا يقسم لَهَا فَلَعَلَّهُ كَانَ يرضاها
وَهُوَ مَا حَكَاهُ
(1/241)
الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره
الْمَعْرُوف أَن الَّتِي لَا يقسم لَهَا سَوْدَة
قَالَ عَطاء وَكَانَت آخِرهنَّ موتا مَاتَت بِالْمَدِينَةِ
السَّابِعَة صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب من سبي بني النَّضِير من ولد
هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام اصطفاها عَلَيْهِ السَّلَام وأعتقها
وَتَزَوجهَا فِي سنة سبع
وَهِي الَّتِي أَهْدَت إِلَيْهَا زَيْنَب بنت سَلام الْيَهُودِيَّة الشَّاة
المسمومة فَأكل مِنْهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسميت صَفِيَّة لاصطفائها
من الْمغنم وَقيل بل كَانَ اسْمهَا من قبل
الثَّامِنَة جوَيْرِية بنت الْحَارِث من بني المصطلق من خُزَاعَة
سبيت
(1/242)
فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع
وَقد تقدم فِي رِوَايَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جعل عتقهَا
صَدَاقهَا
وَفِي أبي دَاوُد أَنَّهَا جَاءَت تستعينه فِي كتَابَتهَا قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أؤدي عَنْك كتابتك وأتزوجك) قَالَت قد فعلت
فَلَمَّا تسامع النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا
أرْسلُوا بِمَا فِي أَيْديهم من السَّبي فأعتقوهم وَقَالُوا أَصْهَار
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكَانَت أبرك امْرَأَة على قَومهَا عتق بِسَبَبِهَا أَكثر من مائَة أهل
بَيت من بني المصطلق
التَّاسِعَة زَيْنَب بنت جحش وَكَانَ اسْم أَبِيهَا مرّة فَسَماهُ
(1/243)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جحشا
وَقَالَ (لَو كَانَ مُسلما سميناه اسْما من أسمائنا)
وَكَانَت ابْنة عمته لِأَن أمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب
وَبَدَأَ ابْن الْأَثِير فِي جَامعه بعائشة ثمَّ بحفصة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ
بِزَيْنَب ثمَّ بِأم حَبِيبَة ثمَّ بصفية ثمَّ بجويرية ثمَّ بسودة ثمَّ
بميمونة وَهَذَا التَّرْتِيب بِحَسب فضلهن كَمَا ادَّعَاهُ صَاحب الْمطلب
لَا بِحَسب التَّقْدِيم فِي النِّكَاح
قَالَ فَإِن أول من تزوج بعد خَدِيجَة على الْمَشْهُور عَائِشَة ثمَّ
سَوْدَة ثمَّ حَفْصَة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ أم حَبِيبَة ثمَّ زَيْنَب بنت
جحش ثمَّ مَيْمُونَة ثمَّ جوَيْرِية ثمَّ صَفِيَّة كَذَا قَالَ
وَقَالَ أَعنِي ابْن الْأَثِير - فِي معرفَة الصَّحَابَة أول نِسَائِهِ
خَدِيجَة ثمَّ بعْدهَا سَوْدَة وَقيل عَائِشَة وَتزَوج حَفْصَة سنة ثَلَاث
وَزَيْنَب بنت جحش سنة خمس
وَقيل غير ذَلِك
وَأم حَبِيبَة سنة سِتّ وَبنى بهَا سنة سبع
وَجُوَيْرِية سنة سِتّ وَقيل خمس
ومَيْمُونَة سنة سبع وَصفِيَّة سنة تسع
وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة سنة ثَلَاث
وَأم سَلمَة سنة أَربع
وَأما الثمان اللَّاتِي فارقهن فِي حَيَاته
أ - فأسماء بنت النُّعْمَان الكندية المستعيذة على أحد الْأَقْوَال
(1/244)
ب - وليلى بنت الخطيم الأوسية أَتَت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غافل فَضربت ظَهره
فَقَالَ (من هَذَا أكله الْأسد)
فَقَالَت أَنا ليلى جِئْت أعرض عَلَيْك نَفسِي فَقَالَ (قد قبلت)
ثمَّ علمت كَثْرَة ضرائرها فاستقالته فأقالها
فَدخلت حَائِطا بِالْمَدِينَةِ فَأكلهَا الذِّئْب
ج - وَعمرَة بنت يزِيد الْكلابِيَّة دخل بهَا ثمَّ رَآهَا تتطلع فَطلقهَا
د - الْعَالِيَة بنت ظبْيَان دخل بهَا وَمَكَثت عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ
طَلقهَا
هـ - وَفَاطِمَة بنت الضَّحَّاك اخْتَارَتْ فِرَاقه عِنْد التَّخْيِير
ففارقها بعد الدُّخُول
ووَقتيلَة بنت قيس أُخْت الْأَشْعَث بن قيس تزَوجهَا فِي مَرضه
فَاخْتَارَتْ فِرَاقه وَلم يدْخل بهَا
ز - ومليكة بنت كَعْب الليثية كَانَت مَذْكُورَة بالجمال فَقيل إِن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا دست إِلَيْهَا أَلا تستحين تزوجي قَاتل أَبِيك
يَوْم الْفَتْح فاستعيذي مِنْهُ فَإِنَّهُ يعيذك فَفعلت فَطلقهَا
(1/245)
ح - وَامْرَأَة من غفار رأى بكشحها وضحا
فَقَالَ (ضمي إِلَيْك ثِيَابك والحقي بأهلك)
فَهَؤُلَاءِ ثَمَان دخل مِنْهُنَّ بِثَلَاث
تذنيب
أخرج فِي الصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدُور على نِسَائِهِ
فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة قيل
لأنس وَكَانَ
(1/246)
يطيقه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة
ثَلَاثِينَ
وَهُوَ صَرِيح فِي الْجمع بَين إِحْدَى عشرَة فِي وَقت وَاحِد
التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن وَاثْنَتَانِ غَيْرهنَّ
وَلَا يجوز أَحدهمَا زَيْنَب بنت خُزَيْمَة لِأَنَّهُ لَا يجمع بَينهَا
وَبَين أُخْتهَا مَيْمُونَة
نعم يجوز ان يَكُونَا من الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة اللَّاتِي دخل بِهن
إِمَّا أَسمَاء أَو فَاطِمَة أَو عمْرَة
(فَائِدَة) تسرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمارية الْقبْطِيَّة
أم وَلَده إِبْرَاهِيم وَرَيْحَانَة بنت عَمْرو وَهِي من بني قُرَيْظَة
ثمَّ أعْتقهَا فلحقت بِأَهْلِهَا
وَقيل إِنَّه تزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا
وَقيل مَاتَ عَنْهَا وَهِي زوجه
وَفِي الشَّامِل لِابْنِ الصّباغ أَنه اتخذ من الْإِمَاء ثَلَاثًا
(1/247)
وَقد قدمت عَن الْمَاوَرْدِيّ أَن
رَيْحَانَة أسلمت ذكرته فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قبل النَّوْع
الثَّالِث
وَقد آن لنا أَن نعود إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول
المسالة الثَّانِيَة من هَذَا النَّوْع فأزواجه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {وأزواجه أمهاتهم}
وَقَرَأَ مُجَاهِد وَهُوَ أَب لَهُم وَقيل إِنَّهَا قِرَاءَة أبي بن كَعْب
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أمهاتهم فِي معنى دون معنى
وَذَلِكَ أَنه لَا يحل نِكَاحهنَّ بِحَال وَلَا يحرم بَنَات لَو كن لَهُ
لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام زوج بَنَاته وَهن أَخَوَات
الْمُؤمنِينَ
وَذكر نَحوه فِي الْأُم
وَجعل الْقُضَاعِي ذَلِك لَهُ دون غَيره من الْأَنْبِيَاء وَقد خُولِفَ فِي
ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي
فأزواجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ سَوَاء من مَاتَ
تَحْتَهُ وَمن مَاتَ عَنْهَا وَهِي تَحْتَهُ
وَذَلِكَ فِي تَحْرِيم نِكَاحهنَّ وَوُجُوب احترامهن وطاعتهن
وَفِي تعدِي ذَلِك إِلَى جَوَاز النّظر وَجْهَان فِي الْحَاوِي
وَالْمَشْهُور الْمَنْع وَبِه جزم الرَّافِعِيّ
وَلَا يثبت لَهُنَّ حكم الأمومة فِي جَوَاز الْخلْوَة والمسافرة وَلَا فِي
النَّفَقَة وَالْمِيرَاث
وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى غَيْرهنَّ فَلَا يُقَال بناتهن أَخَوَات
الْمُؤمنِينَ بِدَلِيل أَنه لَا يحرم على الْمُؤمنِينَ التَّزَوُّج ببناتهن
وأخواتهن
وَلَا على
(1/248)
إخوانهن التَّزْوِيج بالمؤمنات
وَقد زوج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنَاته من الْمُؤمنِينَ عَليّ
وَعُثْمَان ونكح الزبير أُخْت عَائِشَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف حمْنَة
أُخْت زَيْنَب
وَكَذَا لَا يُقَال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات الْمُؤمنِينَ بل يقْتَصر
على مَا ورد من ثُبُوت حكم الأمومة لَهُنَّ فِي بعض الْأَحْكَام
وَحكى الرَّافِعِيّ وَجها أَن اسْم الْأُخوة يُطلق على بناتهن وَاسم
الخؤولة ينْطَلق على إخوتهن وأخواتهن لثُبُوت اسْم الأمومة لَهُنَّ وَإِن
لم توجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح كَمَا أَن المسلمات كُلهنَّ أَخَوَات
الْمُسلمين فِي الْإِسْلَام وَلَا يُوجب ذَلِك تَحْرِيم النِّكَاح
قَالَ وَهَذَا ظَاهر لفظ الْمُخْتَصر يُشِير إِلَى قَوْله زوج بَنَاته وَهن
أَخَوَات الْمُؤمنِينَ لَكِن أَكثر الْأَصْحَاب - كَمَا قَالَ
الْمَاوَرْدِيّ - غلطوا فِيهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَقد
تزوج بَنَاته وَهن غير أَخَوَات الْمُؤمنِينَ
وَقيل إِن الْكَاتِب حذف لَفْظَة غير
وَقيل مَا قَالَه صَحِيح
وَتَقْدِيره قد زوج بَنَاته أَي يزوجهن وَهن أَخَوَات الْمُؤمنِينَ
وَالْقَاضِي حُسَيْن حكى الْخلاف فِي جَوَاز تَسْمِيَة مُعَاوِيَة خَال
الْمُؤمنِينَ مَعَ جزمه بتخطئة الْمُزنِيّ
(1/249)
(فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكن أُمَّهَات
الْمُؤمنِينَ من الرِّجَال دون النِّسَاء
رُوِيَ ذَلِك عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا يَا أُمَّاهُ فَقَالَت لست
لَك بِأم إِنَّمَا أَنا أم رجالكم وَهَذَا جَار على الصَّحِيح عِنْد
أَصْحَابنَا أَصْحَابنَا وَغَيرهم من أهل الْأُصُول أَن النِّسَاء لَا
يدخلن فِي خطاب الرِّجَال
وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره خلافًا فِي كونهن أُمَّهَات
الْمُؤْمِنَات وَهُوَ خَارج على مَذْهَب من أدْخلهُنَّ فِي الْخطاب
تَعْظِيمًا لحقهن
وَوجه مُقَابِله أَن فَائِدَة أمومتهن فِي حق الرِّجَال مفقودة فِي حق
النِّسَاء
قَالَ أَصْحَابنَا فالأمومة ثَلَاث وأحكامها مُخْتَلفَة.
أ - أمومة الْولادَة وَيثبت فِيهَا جَمِيع أَحْكَام الأمومة
ب - وأمومة أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يثبت إِلَّا
تَحْرِيم النِّكَاح
ج - وأمومة الرَّضَاع متوسطة بَينهمَا
(فرع) قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا
الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا
(1/250)
وَقَالَ الواحدي قَالَ بعض أَصْحَابنَا لَا
يجوز أَن يُقَال هُوَ أَب المؤمين لقَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد
أَبَا أحد من رجالكم}
قَالَ وَنَصّ الشَّافِعِي أَن يُقَال هُوَ أَب الْمُؤمنِينَ فِي الْحُرْمَة
وَمعنى الْآيَة لَيْسَ أحد من رجالكم ولد صلبه
قَالَ صَاحب الْمطلب وَفِيه نظر لِأَن ذَلِك مَعْلُوم ببداهة الْعُقُول
وَالشَّرْع لَا يرد بِمثلِهِ
إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ التَّنْبِيه على أَن تَحْرِيم نِكَاح زَوْجَة
الابْن يخْتَص بِابْن الصلب
وَلَا يتَعَدَّى إِلَى ابْن التبني فَإِن سَبَب نزُول الْآيَة زواجه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِزَيْنَب زَوْجَة زيد فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ
يكون غَرضا مَقْصُودا
وَعَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق أَنه لَا يُقَال أَبونَا وأنما يُقَال هُوَ
كأبينا لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّمَا أَنا لكم
كالوالد)
وَنقل صَاحب الْمُحكم عَن الزّجاج فِي معنى قَوْله تَعَالَى قَالَ يَا قوم
هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم الْآيَة كنى بنسائه عَن نِسَائِهِم وَنسَاء
أمة كل نَبِي بِمَنْزِلَة نِسَائِهِ وأزواجه بِمَنْزِلَة أمهاتهم وَحكى
جمَاعَة من الْمُفَسّرين فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه أَرَادَ
بَنَاته حَقِيقَة لِأَن الْجمع يَقع على الْإِثْنَيْنِ وَالثَّانِي أَنه
أَرَادَ نسَاء أمته لِأَنَّهُ ولي أمته وَالله أعلم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة تَفْضِيل زَوْجَاته على سَائِر النِّسَاء
هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ وَسبق الْخلاف فِي تَفْضِيل فَاطِمَة على خَدِيجَة
وَالْخلاف شهير فِي مَرْيَم هَل هِيَ نبية أَو لَا
(1/251)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ روى عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن فِي النِّسَاء أَربع نبيات حَوَّاء
وآسية وَأم مُوسَى وَمَرْيَم)
ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح أَن مَرْيَم كَانَت نبية لِأَن الله تَعَالَى أوحى
إِلَيْهَا بِوَاسِطَة الْملك كَمَا أوحى إِلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهل فضلهن - يَعْنِي زَوْجَاته - على نسَاء زمانهن
أَو على النِّسَاء كُلهنَّ فِيهِ قَولَانِ
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث فضل عَائِشَة على النِّسَاء
كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام فضل عَائِشَة على النِّسَاء زَائِد
كزيادة فضل الثَّرِيد على غَيره من الْأَطْعِمَة
وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيح لتفضيلها على مَرْيَم وآسية لاحْتِمَال أَن
المُرَاد بفضلها بفضلها على نسَاء الْأمة
(فرع) وَجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا
قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة
مبينَة} الْآيَتَيْنِ
قَالَ الشَّافِعِي قَالَ الله تَعَالَى {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من
النِّسَاء إِن اتقيتن} الْآيَة
فأبانهن بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسَاء الْعَالمين
أَي
(1/252)
جَعلهنَّ مباينات لأجل صُحْبَة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنسَاء سَائِر الْعَالمين فِي الثَّوَاب عِنْد
الاتقاء وَفعل الْخَيْر وَكَذَا فِي جَزَاء الجريمة لَو اتّفقت مِنْهُنَّ
وَالْعِيَاذ بِاللَّه والفاحشة المبينة الزِّنَا قَالَه السّديّ
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا النُّشُوز وَسُوء الْخلق
والقنوت الطَّاعَة وَالْأَجْر مرَّتَيْنِ فِي الْآخِرَة
وَقيل أَحدهمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخر فِي الْآخِرَة
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مضاعفة الْعَذَاب فَقيل عَذَاب فِي الدُّنْيَا
وَعَذَاب فِي الْآخِرَة
وغيرهن إِذا عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا لم يُعَاقب فِي الْآخِرَة لِأَن
الْحُدُود كَفَّارَات
(1/253)
وَقَالَ مقَاتل حدان فِي الدُّنْيَا
قَالَ وَلَا يُضَاعف عَلَيْهِنَّ فِي السّرقَة لَو قدرت
قَالَ سعيد بن جُبَير وَكَذَا عَذَاب من قذفهن يُضَاعف فِي الدُّنْيَا
فيجلد مائَة وَسِتِّينَ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلم أر للشَّافِعِيّ نصا فِي ذَلِك من الْقَوْلَيْنِ
غير أَن الأشبة بِكَلَامِهِ أَنَّهُمَا حدان فِي الدُّنْيَا
وَإِنَّمَا ضوعف الْحَد بفضلهن كَمَا أَن حد الْحر ضعف حد العَبْد لكماله
وفضله
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص قَالَ الله تَعَالَى {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك}
وَعمل غَيره إِنَّمَا يحبط بِالْمَوْتِ على الْكفْر
قَالَ وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ {لقد كدت تركن إِلَيْهِم} الْآيَة
(فرع) لَا يحل لأحد أَن يسألهن إِلَّا من وَرَاء حجاب
قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا} الْآيَة
وَأما غَيْرهنَّ فَيجوز أَن
(1/254)
يسألهن مشافهة
جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة والرافعي نَقله عَن التَّهْذِيب
لِلْبَغوِيِّ وَأقرهُ
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض الْمَالِكِي خصصن بِفَرْض الْحجاب عَلَيْهِنَّ
بِلَا خلاف فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يجوز لَهُنَّ كشف ذَلِك
لشهادة وَلَا غَيرهَا وَلَا إِظْهَار شخوصهن وَإِن كن مستترات إِلَّا
لضَرُورَة خروجهن للبراز
قَالَ وَكن إِذا قعدن للنَّاس جلسن من وَرَاء الْحجاب وَإِذا خرجن حجبن
وسترن أشخاصهن كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث حَفْصَة يَوْم وَفَاة عمر
وَلما توفيت زَيْنَب جعلُوا لَهَا قبَّة فَوق نعشها يستر شخصها وَأقرهُ على
ذَلِك النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم
ذكره فِي بَاب إِبَاحَة الْخُرُوج للنِّسَاء لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان
(فَائِدَة) ذكر الْبَغَوِيّ عَن الْخطابِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه
قَالَ كَانَ نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي معنى المعتدات
وللمعتدة السُّكْنَى فَجعل لَهُنَّ سكن الْبيُوت مَا عشن وَلَا يملكن
رقابها
(1/255)
الْقسم الثَّانِي
كراماته فِي غير النِّكَاح
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى أَنه خَاتم النَّبِيين وَلَا يُعَارضهُ مَا ورد من
نزُول عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام آخر الزَّمَان فَإِنَّهُ لَا
يَأْتِي بشريعة ناسخة بل مقررا لَهَا عَاملا بهَا
(1/256)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن أمته خير
الْأُمَم معصومة لَا تَجْتَمِع على ضلال ابدا
(1/257)
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة أَن إجماعها
حجَّة على الصَّحِيح وَإِجْمَاع غَيرهَا من الْأُمَم لَيْسَ بِحجَّة عِنْد
الْأَكْثَرين خلافًا للأستاذ أبي إِسْحَاق وَآخَرين
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ التَّوَقُّف فِي ذَلِك
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة أَن شَرِيعَته مُؤَبّدَة وناسخة لجَمِيع
الشَّرَائِع
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة أَن كِتَابَة معجز بِخِلَاف سَائِر كتب
الْأَنْبِيَاء مَحْفُوظ عَن التحريف والتبديل وأقيم بعده حجَّة على النَّاس
ومعجزات سَائِر الْأَنْبِيَاء انقرضت بانقراضهم
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ نصرت
بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر) كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح
وروينا من حَدِيث السَّائِب ابْن أُخْت نمر (فضلت على الْأَنْبِيَاء
بِخمْس)
فَذكر مِنْهَا (نصرت بِالرُّعْبِ شهرا أَمَامِي وشهرا خَلْفي)
(1/258)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة أَن رسَالَته
عَامَّة إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ
وكل نَبِي بعث إِلَى قومه خَاصَّة
وَأما نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَصَارَت رسَالَته عَامَّة بعد الطوفان
لانحصار البَاقِينَ فِيمَن كَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة
وَأما قبله فَاخْتَلَفُوا فِي عمومها فَقيل كَانَت عَامَّة لعُمُوم
الْعقَاب بالطوفان لمُخَالفَته وَقيل كَانَت خَاصَّة لِقَوْمِهِ
(تَنْبِيه) عبر الرَّافِعِيّ بقوله وَبعث إِلَى النَّاس كَافَّة
وَتبع فِي ذَلِك الْقُرْآن والْحَدِيث
وَهُوَ معنى قولي أَولا إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ فَإِن النَّاس قد يكون من
الْجِنّ وَمن الْإِنْس
وأصلة أنَاس مخفف نبه عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي
(1/259)
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة جعلت لَهُ ولأمته
الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة أحلّت لَهُ ولأمته الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد
قبله بل كَانُوا يجمعونها ثمَّ تَأتي نَار من السَّمَاء فتأكلها كَمَا
جَاءَ مُبينًا فِي الصَّحِيح من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث
النَّبِي الَّذِي غزا وَحبس الله تَعَالَى لَهُ الشَّمْس
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي يحْتَمل أَن يُرَاد بحلها لَهُ أَن
(1/260)
يتَصَرَّف فِيهَا كَيفَ يَشَاء ويقسمها
كَمَا أَرَادَ
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال
لله وَالرَّسُول} الْآيَة
وَيحْتَمل أَن يُرَاد لم يحل شَيْء مِنْهَا لغيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأمته
وَفِي بعض الْأَحَادِيث (أحل لنا الْخمس)
أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه
قلت قد يُجَاب عَن هَذَا بِأَن الْخمس خص مِنْهَا لشرفه
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة جعلت أمته شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة على
الْأُمَم بتبليغ الرُّسُل إِلَيْهِم رسالاتهم
قَالَ الله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا
شُهَدَاء على النَّاس} الْآيَة
ومستندهم فِي الشَّهَادَة وَإِن لم يرَوا ذَلِك إِخْبَار الله تَعَالَى
لَهُم بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} {كذبت عَاد}
كَذبك ثَمُود {فكذبوا رُسُلِي} وَنَحْوهَا من الْآيَات
(1/261)
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة أَصْحَابه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْأمة فَكل مِنْهُم أفضل من كل من
بعده وَإِن رقي فِي الْعلم وَالْعَمَل
وَخَالف ابْن عبد الْبر وَقَالَ قد يَأْتِي بعدهمْ من هُوَ أفضل من بَعضهم
وأفضلهم عِنْد أهل السّنة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة على ترتيبهم فِي
الْخلَافَة ثمَّ بَقِيَّة الْعشْرَة وَفضل بَعضهم عليا على عُثْمَان
وَفضل بَعضهم من مَاتَ فِي حَيَاته على من بَقِي بعده
(1/262)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشرَة جعلت
صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة
المسالة الثَّالِثَة عشرَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاعات
أ - أولَاهُنَّ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى فِي الْفَصْل بَين أهل الْموقف حِين
يفزعون إِلَيْهِ بعد الْأَنْبِيَاء كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث
الشَّفَاعَة
ب - وَالثَّانيَِة فِي جمَاعَة يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
ج - وَالثَّالِثَة فِي نَاس استحقوا دُخُول النَّار
(1/263)
د - وَالرَّابِعَة فِي نَاس دخلُوا النَّار
فَيخْرجُونَ
هـ - وَالْخَامِسَة فِي رفع دَرَجَات نَاس فِي الْجنَّة
وَالْأولَى مُخْتَصَّة بِهِ وَكَذَا الثَّانِيَة
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَيجوز أَن تكون الثَّالِثَة
وَالْخَامِسَة أَيْضا أَي وَالرَّابِعَة يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره من
الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء والأولياء
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض إِن شَفَاعَته لإِخْرَاج من فِي قلبه مِثْقَال
حَبَّة من إِيمَان مُخْتَصَّة بِهِ إِذا لم يَأْتِ شَفَاعَة لغيره إِلَّا
قبل هَذِه
(1/264)
و - وأهمل النَّوَوِيّ شَفَاعَة سادسة
وَهِي تَخْفيف الْعَذَاب على من اسْتحق الخلود فِيهَا كَمَا فِي حق أبي
طَالب فِي إِخْرَاجه من غَمَرَات النَّار إِلَى ضحضاحها
ز - وَالسَّابِعَة وَهِي الشَّفَاعَة لمن مَاتَ بِالْمَدِينَةِ لما روى
التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ (من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فليمت بهَا فَإِنِّي أشفع
لمن مَاتَ بهَا)
نبه - على هَذِه وَالَّتِي قبلهَا - القَاضِي عِيَاض فِي الأكمال
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَفعه (لَا يثبت أحد على
لأوائها وجهدها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة)
فَهَذِهِ شَفَاعَة أُخْرَى خَاصَّة بِأَهْل الْمَدِينَة
وَكَذَلِكَ الشَّهَادَة زَائِدَة على شَهَادَته للْأمة
وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي شُهَدَاء أحد (أَنا شَهِيد
على هَؤُلَاءِ)
(1/265)
وَفِي العروة الوثقى للقزويني أَن من
شفاعاته شَفَاعَته لجَماعَة من صلحاء الْمُؤمنِينَ فيتجاوز عَنْهُم فِي
تقصيرهم فِي الطَّاعَات
وَأطلق الرَّافِعِيّ أَن من خَصَائِصه شَفَاعَته فِي أهل الْكَبَائِر
وَفِي ذَلِك نظر فَإِن المختصة بِهِ لَيست فِي مُطلق أهل الْكَبَائِر
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة أَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع أَي أول من
تجاب شَفَاعَته فقد يشفع اثْنَان وَيُجَاب الثَّانِي قبل الأول
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم
الْقِيَامَة
وَحَدِيث (فَإِذا مُوسَى باطش بِجَانِب الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَكَانَ
مِمَّن صعق فأفاق قبلي أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله) يحْتَمل كَمَا قَالَ
القَاضِي عِيَاض أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه قبل أَن يعلم
أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض على الْإِطْلَاق
قَالَ وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه من الزمرة الَّذين أول من تَنْشَق
عَنْهُم الأَرْض فَيكون مُوسَى من تِلْكَ الزمرة
وهم - وَالله أعلم - زمرة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
(1/266)
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة أَنه أول
من يقرع بَاب الْجنَّة
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة أَنه سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة كَذَا
عبر بِهِ الرَّافِعِيّ وَهُوَ لفظ رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري (أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة)
عزاها إِلَيْهِمَا الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ أَيْضا بِاللَّفْظِ
الْمَذْكُور بِزِيَادَة (وَلَا فَخر)
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِلَفْظ (أَلا وَإِنِّي سيد ولد آدم
يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر)
وَهُوَ سيد ولد آدم مُطلقًا كَمَا عبر بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة
وَالسَّيِّد الَّذِي يفوق قومه وَإِنَّمَا خص يَوْم الْقِيَامَة بذلك
لظُهُور ذَلِك الْيَوْم لكل أحد من غير مُنَازعَة كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى {لمن الْملك الْيَوْم} وَإِنَّمَا أخبر عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام بذلك لأمرين
أَحدهمَا امتثالا لقَوْله تَعَالَى وَأما بنعمت رَبك فَحدث
(1/267)
وَالثَّانِي بِأَنَّهُ من الْبَيَان
الَّذِي عَلَيْهِ تبليغه على أمته ليعرفوه ويعملوا بِمُقْتَضَاهُ
وَيلْزم من ذَلِك تفضيله على جَمِيع الْخلق لِأَن مَذْهَب أهل السّنة أَن
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من الْمَلَائِكَة
وَأما حَدِيث (لَا تفضلوا بَين الْأَنْبِيَاء)
فَجَوَابه من أوجه ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج والتنبيه وَاقْتصر
الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة على أَنه مَحْمُول على مجادلة أهل
الْكتاب فِي تَفْضِيل نَبينَا على أَنْبِيَائهمْ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى
الإزراء
وَنَقله على الْحَلِيمِيّ
ثمَّ نقل عَن الْخطابِيّ أَيْضا أَن النَّهْي عَن ذَلِك خوف الإزراء
قَالَ الْخطابِيّ وَالْجمع بَين حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
(أَنا سيد ولد آدم) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس (مَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول
أَنا) وَفِي رِوَايَة (إِنِّي خير من يُونُس بن مَتى) ظَاهر
لِأَن الأول إِخْبَار عَمَّا أكْرمه الله تَعَالَى بِهِ من التَّفْضِيل
والسؤدد وَالثَّانِي مؤول بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن المُرَاد بِالْعَبدِ من سواهُ دون نَفسه
(1/268)
ثَانِيهمَا - وَهُوَ أولاهما - أَنه قَالَه
إِظْهَارًا للتواضع
وَيَقُول لَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول أَنا خير مِنْهُ لِأَن الْفَضِيلَة
الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله لَا من قبل نَفسِي فَلَيْسَ لي أَن أفتخر
بهَا
وَإِنَّمَا خص يُونُس بِالذكر فِيمَا نرى - وَالله أعلم - لما قد قصّ الله
علينا من شَأْنه
وَمَا كَانَ من قلَّة صبره على أَذَى قومه وَخرج مغاضبا فَلم يصبر كَمَا
صَبر أولو الْعَزْم من الرُّسُل
وَقَالَ الْخطابِيّ فِي مَوضِع آخر وَجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذِه
السِّيَادَة فِي الْقِيَامَة إِذا قدم فِي الشَّفَاعَة على جَمِيع
الْأَنْبِيَاء
وَإِنَّمَا منع أَن يفضل على غَيره مِنْهُم فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ
مفضلا فِي الدَّاريْنِ من قبل الله
وَمعنى (لَا فَخر) أَي لَا أَقُول هَذَا القَوْل على سَبِيل الْفَخر
الَّذِي يدْخلهُ الْكبر
وَأما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - لما قَالَ لَهُ ذَلِك الرجل
يَا خير الْبَريَّة (ذَاك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام)
// رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أنس //
فَفِيهِ جوابان
أَحدهمَا أَنه قَالَه تواضعا واحتراما لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
لخلته وأبوته
وَذكره الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة
وَثَانِيهمَا أَنه قَالَه قبل أَن يعلم أَنه سيد ولد آدم
(1/269)
وَجَوَاب ثَالِث ذكره ابْن الْعَرَبِيّ أَن
قَوْله ذَاك إِبْرَاهِيم يَعْنِي بعده
وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسْتَوْفى فِي أَسمَاء الْمُصْطَفى
قَالَ وَالصَّحِيح الْجَواب الثَّانِي
فَإِن قلت هَذَا خبر لَا يدْخلهُ خلف وَلَا نسخ
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن المُرَاد خير الْبَريَّة
الْمَوْجُودين فِي عصره
وَأطلق الْعبارَة الموهمة للْعُمُوم لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّوَاضُع
ثَانِيهمَا أَنه إِن كَانَ خَبرا فالنسخ يدْخلهُ لِأَن التَّفْضِيل يمنحه
الله لمن يَشَاء
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة أَنه أَكثر أَكثر الْأَنْبِيَاء أتباعا
المسالة التَّاسِعَة عشرَة صُفُوف أمته كَصُفُوف الْمَلَائِكَة
(1/270)
الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ كَانَ لَا ينَام
قلبه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَمَا أخرجه
البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء
المسالة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ يرى من وَرَاء ظَهره كَمَا ينظر أَمَامه
قَالَ فِي الشَّامِل وَمعنى ذَلِك الْحس والتحفظ
وَمن الْغَرِيب الْمُسْتَفَاد مَا ذكره الزَّاهدِيّ مُخْتَار بن مَحْمُود
الْحَنَفِيّ شَارِح الْقَدُورِيّ ومصنف الْقنية فِي رسَالَته الناصرية أَنه
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
(1/271)
كَانَ بَين كَتفيهِ عينان مثل سم الْخياط
وَكَانَ يبصر بهما وَلَا يحجبهما الثِّيَاب
وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَنه قيل ظهر على يَد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ألف معْجزَة وَقيل ثَلَاثَة آلَاف
وَذكر فِي هَذِه الرسَالَة أَيْضا أَن من معجزاته إنبات النَّخْلَة فِي
سَنَام الْبَعِير وَإِدْرَاك ثَمَرهَا فِي الْحَال ثمَّ تنَاولهَا
الْحَاضِرُونَ فَمن علم الله مِنْهُ أَنه يُؤمن كَانَت الثَّمَرَة حلوة فِي
فَمه وَمن علم أَنه لَا يُؤمن عَاد حجرا فِي فَمه
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ تطوعه بِالصَّلَاةِ قَاعِدا كتطوعه
قَائِما وَإِن لم يكن عذر
وتطوع غَيره على النّصْف
قَالَه صَاحب التَّلْخِيص وَالْبَغوِيّ والرافعي وَأنْكرهُ الْقفال وَقَالَ
لَا يعرف هَذَا بل هُوَ كَغَيْرِهِ
وَهُوَ غَرِيب فَهُوَ ذُهُول عَمَّا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عبد الله
بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُصَلِّي جَالِسا فَقلت حدثت يَا رَسُول الله أَنَّك قلت (صَلَاة الرجل
قَاعِدا على نصف الصَّلَاة) وَأَنت تصلي قَاعِدا قَالَ (أجل وَلَكِنِّي لست
كَأحد مِنْكُم)
لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة الْمُخْتَار الأول
وَقَالَ فِي شرح مُسلم فِي بَاب صَلَاة اللَّيْل إِنَّه الصَّوَاب الَّذِي
قَالَه أَصْحَابنَا
وَذكر هَذِه الخصيصة الْقُضَاعِي فِيمَا خص بِهِ الْأَنْبِيَاء قبله
(1/272)
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ
يخاطبه الْمُصَلِّي بقوله سَلام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَلَا يُخَاطب
سَائِر النَّاس
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز لأحد رفع صَوته فَوق
صَوته قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا
أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة
وَلَا أَن يُنَادِيه من وَرَاء الحجرات
قَالَ الله تَعَالَى إِن الَّذِي يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات ...
الْآيَة
فَإِن قيل قد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده نسْوَة من
قُرَيْش يكلمنه عالية أصواتهن فَالْجَوَاب يحْتَمل أَن يكون ذَلِك قبل
النَّهْي
وَيحْتَمل أَن يكون علو الصَّوْت كَانَ بالهيئة الاجتماعية لَا بانفراد كل
وَاحِدَة مِنْهُنَّ
ذكره القَاضِي عِيَاض
قَالَ الْقُرْطُبِيّ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل}
الْآيَة
(1/273)
أَي لَا تخاطبوه يَا أَحْمد يَا مُحَمَّد
وَلَكِن يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله توقيرا لَهُ
وَقيل لَا تَجْهَرُوا أَي عَلَيْهِ كجهر بَعْضكُم بَعْضًا الْكَاف كَاف
التَّشْبِيه أَي لَا تَجْهَرُوا لَهُ جَهرا مثل جهر بَعْضكُم لبَعض وَفِي
هَذَا دَلِيل على أَنهم لم ينهوا عَن الْجَهْر مُطلقًا حَتَّى لَا يسوغ
لَهُم أَن يكلموه إِلَّا بالهمس والمخافتة
وَإِنَّمَا نهوا عَن جهر مَخْصُوص مُقَيّد بِصفة
قَالَ وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت عِنْد قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكره بَعضهم رفع الصَّوْت فِي مجَالِس الْعلمَاء تَشْرِيفًا لَهُم إِذْ هم
وَرَثَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ لَا يجوز أَن يُنَادِيه باسمه
فَيَقُول يَا مُحَمَّد يَا أَحْمد
وَلَكِن يَقُول يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله لما تقدم من حَدِيث أنس أَن
رجلا من أهل الْبَادِيَة جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُول الله أَتَانَا رَسُولك
فَزعم لنا أَنَّك تزْعم أَن الله أرسلك ... الحَدِيث لَعَلَّه كَانَ قبل
النَّهْي أَو لم يبلغهُ النَّهْي
وروى يَعْقُوب بن أبي اسحاق بن أبي إِسْرَائِيل عَن ابْن حميد
(1/274)
قَالَ نَاظر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو
جَعْفَر الْمَنْصُور - ثَانِي خلفاء بني الْعَبَّاس - الإِمَام مَالِكًا
فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ بَين يَدي الْخَلِيفَة فِي ذَلِك الْيَوْم خَمْسمِائَة سيف
فَقَالَ لَهُ مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ترفع صَوْتك فِي هَذَا
الْمَسْجِد فَإِن الله عز وَجل أدب قوما فَقَالَ {لَا تَرفعُوا
أَصْوَاتكُم} الْآيَة
ومدح قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم} الْآيَة
وذم قوما فَقَالَ {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} الْآيَة
وَإِن حُرْمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيتا كحرمته حَيا
قَالَ فاستكان لَهَا الْخَلِيفَة أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَالَ يَا
أَبَا عبد الله أستقبل الْقبْلَة وأدعو أم أستقبل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وَلم تصرف وَجهك عَنهُ وَهُوَ وسيلتك ووسيلة أَبِيك
آدم عَلَيْهِ السَّلَام بل استقبله واستشفع بِهِ
قَالَ تَعَالَى وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤك ... الْآيَة
(1/275)
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ
شعره طَاهِر وَإِن نجسنا شعر غَيره من النَّاس
وَكَذَلِكَ بَوْله وَدَمه وَسَائِر فضلاته على أحد الْوَجْهَيْنِ
لِأَصْحَابِنَا
(1/276)
وَيَنْبَغِي اخْتِيَاره وَقد صَححهُ
القَاضِي حُسَيْن من أَصْحَابنَا وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه كَذَا
عبارَة النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة
وَعبارَة الرَّافِعِيّ وَكَانَ يستشفى ويتبرك ببوله وَدَمه
قَالَ السُّهيْلي وَفِي شرب بَوْله وَدَمه من الْفِقْه أَنَّهُمَا يخالفان
بَوْل غَيره وَدَمه فِي التَّحْرِيم وَلم يُنكر - وَالله أعلم - ذَلِك
للْحَدِيث الَّذِي بَيناهُ فِي نزُول الْملكَيْنِ عَلَيْهِ حِين غسلا
جَوْفه بالثلج فِي طشت الذَّهَب الذَّهَب فَصَارَ بذلك من المطهرين
(1/277)
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ نقل عَن أبي
جَعْفَر التِّرْمِذِيّ الطَّهَارَة فِي الْكل وَهُوَ خلاف مَا فِي
الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ فِي حاويه فِي بَاب الْأَوَانِي وَكَانَ أَبُو
جَعْفَر من أَصْحَابنَا يزْعم أَن شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَحده طَاهِر وَأَن شعر غَيره من النَّاس نجس
لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين حلق شعره بمنى قسمه بَين
أَصْحَابه وَلَو كَانَ نجسا لمنعهم مِنْهُ
قيل لَهُ فقد حجمه أَبُو طيبَة وَشرب دَمه بِحَضْرَتِهِ أفتقول أَن دَمه
طَاهِر فَركب الْبَاب وَقَالَ أَقُول بِطَهَارَتِهِ
قيل لَهُ فقد رُوِيَ أَن امْرَأَة شربت بَوْله فَقَالَ لَهَا (إِذا لَا
ييجع بَطْنك) أفتقول بِطَهَارَتِهِ قَالَ لَا لِأَن الْبَوْل مُنْقَلب من
الطَّعَام وَالشرَاب وَلَيْسَ كَذَلِك الدَّم وَالشعر لِأَنَّهُمَا من أصل
الْخلقَة
وَحَاصِل ذَلِك أَنا لَا نقُول بِطَهَارَة الْبَوْل وَالْغَائِط والقيء على
خلاف مَا ذكره الرَّافِعِيّ
نعم الْخلاف ثَابت عَن غير أبي جَعْفَر حَكَاهُ الْقفال فِي شرح
التَّلْخِيص فِي الخصائص وتلقاه مِنْهُ جمَاعَة
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ من زنا بِحَضْرَتِهِ أَو استهان
بِهِ كفر جزم بِهِ الرَّافِعِيّ
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي الزِّنَا نظر
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ يجب على الْمُصَلِّي إِذا دَعَاهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجِيبه لقصة أبي سعيد بن الْمُعَلَّى فِي
صَحِيح البُخَارِيّ وأتى فِي التِّرْمِذِيّ
(1/278)
وَلَا تبطل صلَاته
وَفِيهِمَا وَجه بعيد
وأبداهما الرَّوْيَانِيّ فِي إِجَابَة الْوَالِد فِي الصَّلَاة
وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ من دون سَائِر
الْأَنْبِيَاء
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ أَوْلَاد بَنَاته ينسبون إِلَيْهِ
وَأَوْلَاد بَنَات غَيره لَا ينسبون إِلَيْهِ فِي الكفاءه وَغَيرهَا
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم
الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي)
رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عمر
وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
وَمن حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِزِيَادَة (وصهرتي)
ثمَّ قَالَ صَحِيح
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِإِسْنَاد
لَا أعلم بِهِ بَأْسا
وَقد وَقع لنا من حَدِيث عمر بطرِيق آخر غير مَا سلف
فلنذكره
(1/279)
بِالْإِسْنَادِ على عَادَة الْحفاظ
الثِّقَات أَنبأَنَا بِهِ الذَّهَبِيّ أَنا أَحْمد بن سَلام إجَازَة عَن
مَسْعُود بن أبي مَنْصُور أَنا أَبُو عَليّ الْمُقْرِئ أَنا أَبُو نعيم
أَنا أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ أَنا عباد بن زِيَاد أَنا يُونُس بن أبي
يَعْفُور عَن أَبِيه سَمِعت ابْن عمر قَالَ سَمِعت عمر يَقُول
(1/280)
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول (كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي
ونسبي)
وَيدل لما ذَكرْنَاهُ أَيْضا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ بيد
الْحُسَيْن حِين أَرَادَ الْحُضُور للمباهلة لما نزل قَوْله تَعَالَى {قل
تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} وَقَوله لِلْحسنِ (إِن ابْني هَذَا سيد)
وَقَوله حِين بَال عَلَيْهِ وَهُوَ صَغِير (لَا تزرموا ابْني)
وَهَذِه الخصيصة الَّتِي ذكرتها قَالَهَا صَاحب التَّلْخِيص
وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ فِي معنى الحَدِيث السالف
فَقيل مَعْنَاهُ أَن أمته ينسبون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وأمم سَائِر
الْأَنْبِيَاء لَا ينسبون
وَقيل لَا ينْتَفع يَوْمئِذٍ بِسَائِر الْأَنْسَاب وَينْتَفع بِالنِّسْبَةِ
إِلَيْهِ وَذكر الْقُضَاعِي هَذِه الخصيصة فِيمَا خص بِهِ دون غَيره من
الْأَنْبِيَاء
الْمَسْأَلَة الثَّلَاثُونَ صَحَّ عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ (تسموا باسمي وَلَا تكنوا يكنيتي)
كَمَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جمَاعَة من الصَّحَابَة
مِنْهُم جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيرهمَا
(1/281)
قَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسَ لأحد أَن يكتني
بِأبي الْقَاسِم سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أم لَا
قَالَ الرَّافِعِيّ وَمِنْهُم من حمله على كَرَاهِيَة الْجمع بَين الِاسْم
والكنية وَجوز الْإِفْرَاد
قَالَ وَيُشبه أَن يكون هَذَا أظهر لِأَن النَّاس مَا زَالُوا يكتنون بِهِ
فِي سَائِر الْأَعْصَار من غير إِنْكَار
قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا التَّأْوِيل وَالِاسْتِدْلَال
ضَعِيف
وَالْأَقْرَب مَذْهَب مَالك وَهُوَ جَوَاز التكني بِأبي الْقَاسِم مُطلقًا
لمن اسْمه مُحَمَّد وَلغيره
وَالنَّهْي مُخْتَصّ بحياته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن سَبَب النَّهْي
أَن الْيَهُود تكنوا بِهِ وَكَانُوا ينادون يَا أَبَا الْقَاسِم فَإِذا
الْتفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا لم نعنك
إِظْهَارًا للإيذاء
وَقد زَالَ ذَلِك الْمَعْنى
(1/282)
وَهَذَا نَقله الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء
عَن الْعلمَاء
وَقَول النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كَمَا سلف مَا ذكره الرَّافِعِيّ أَنه
ضَعِيف
وَكَذَا قَوْله فِي الْأَذْكَار أَن فِيهِ مُخَالفَة لأصل الحَدِيث فِيهِ
نظر بل فِيهِ مُوَافقَة لحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر رَفعه (من تسمى
باسمى فَلَا يتكنى بكنيتي وَمن تكنى بكنيتي فَلَا يتسمى بإسمي) قَالَ
التِّرْمِذِيّ // حسن غَرِيب //
(1/283)
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان
بعد أَن أخرجه هَذَا إِسْنَاد صَحِيح
وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان وَابْن السكن وَهُوَ مَذْهَب أبي حَاتِم بن
حبَان من جلة أَصْحَابنَا كَمَا أوضحه فِي صَحِيحه
وشذ آخَرُونَ فمنعوا التَّسْمِيَة باسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جملَة كَيفَ مَا يكنى حَكَاهُ الشَّيْخ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ قَالَ
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن النَّهْي فِي ذَلِك مَنْسُوخ
قلت وَفِي آخر كتاب الصَّبْر - يَعْنِي الْحَافِظ بِخَطِّهِ - مَا نَصه ظئر
مُحَمَّد بن طَلْحَة روى عَنْهَا عِيسَى بن طَلْحَة قَالَت لما ولد
مُحَمَّد بن طَلْحَة أَتَيْنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ (ماسميتموه) فَقُلْنَا مُحَمَّدًا فَقَالَ (هَذَا اسْمِي وكنيته
أَبُو الْقَاسِم)
فَإِن صَحَّ فَيحمل أَن هَذَا كَانَ قبل النّسخ
وَاعْلَم أَن جمَاعَة تسموا بِهَذَا الِاسْم وكنوا بِهَذِهِ بِهَذِهِ
الكنية
وَبَعْضهمْ أدْرك زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم
أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي جَامع التِّرْمِذِيّ من
حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن ولد لي من بعْدك ولد أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا
وأكنيه بكنيتك قَالَ (نعم)
(1/284)
قَالَ وَكَانَت رخصَة لي
قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث صَحِيح //
قلت ويروى أَنه قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ (سيولد لَك بعدِي غُلَام وَقد
نحلته اسْمِي وكنيتي وَلَا يحل لأحد من أمتِي بعده
وَمِنْهُم أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَمُحَمّد بن
طَلْحَة بن عبيد الله وَمُحَمّد بن سعد بن أبي
(1/285)
وَقاص وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَمُحَمّد بن حَاطِب بن أبي بلتعة
وَمُحَمّد بن الْأَشْعَث بن قيس وَكلهمْ كَانُوا يكتنون بِهَذِهِ الكنية
(تَنْبِيه) لما حكى فِي الرَّوْضَة من زَوَائِد الْمَذْهَب
الثَّالِث فِي التكني بِأبي الْقَاسِم قَالَ وَالثَّالِث يجوز لمن اسْمه
مُحَمَّد دون غَيره كَذَا هُوَ فِي بعض النّسخ
وَهُوَ سَهْو مِنْهُ فِي التَّعْبِير
وَالصَّوَاب أَنه يجوز لمن لَيْسَ اسْمه مُحَمَّدًا دون غَيره فَتنبه لَهُ
وَالله أعلم
(فَائِدَة غَرِيبَة) حكى ابْن الصّلاح فِي فَوَائده عَن كتاب الْأَعْدَاد
لِابْنِ سراقَة الْفَقِيه نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَربع
كنى أبي عِيسَى وَأبي الحكم وَأبي مَالك وَأبي الْقَاسِم لمن تسمى
مُحَمَّدًا
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ كَانَت الْهَدِيَّة لَهُ حَلَالا
بِخِلَاف غَيره من الْحُكَّام وولاة الْأَمر من رعاياهم ذكره النَّوَوِيّ
فِي الرَّوْضَة
وَذكر
(1/286)
الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف أَن من
خَصَائِصه أَنه لايقبل هَدِيَّة مُشْرك وَلَا يَسْتَعِين بِهِ وَفِيمَا
ذكره نظر
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ أعطي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جَوَامِع الْكَلم
وأوتي الْآيَات الْأَرْبَع من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش
لم يُعْطهنَّ أحد قبله وَلَا بعده
(1/287)
قَالَ الْهَرَوِيّ نعني بجوامع الْكَلم
الْقُرْآن جمع الله فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة مِنْهُ الْمعَانِي
الْكَثِيرَة
وَكَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بالجوامع قَلِيل اللَّفْظ كثير
الْمعَانِي
وَقَالَ ابْن شهَاب بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم أَن الله تَعَالَى يجمع
لَهُ الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب قبله فِي الْأَمر
الْوَاحِد والأمرين وَنَحْو ذَلِك
ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة فِي إِثْر حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (بعثت بجوامع الْكَلم)
الحَدِيث وَعَزاهُ إِلَى البُخَارِيّ وَمُسلم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ عرض عَلَيْهِ الْخلق كلهم من آدم
إِلَى من بعده كَمَا علم آدم أَسمَاء كل شَيْء
ذكره الْعِرَاقِيّ فِي شرح الْمُهَذّب
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ فَاتَتْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة
السَّلَام - رَكْعَتَانِ بعد الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر ثمَّ داوم
عَلَيْهِمَا بعده وَالأَصَح أَن هَذِه
(1/288)
المداومة خَاصَّة بِهِ
ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة لَكِن ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن
دَقِيق الْعِيد حَدِيثا عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه كَانَ يُصَلِّيهمَا
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق يحيى بن بكير عَن
اللَّيْث عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَنهُ
فَإِن صَحَّ خدش فِي ذَلِك لما ذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أم
سَلمَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا - وَقد سَأَلته عَن فعله
لهاتين الرَّكْعَتَيْنِ - (كنت أصليهما قبل الْعَصْر فصليتهما الْآن)
قَالَت يَا رَسُول الله أنصليهما إِذا فاتتنا قَالَ (لَا)
قَالَ فِيهِ الْبَيَان بِأَن من فَاتَتْهُ رَكعَتَا الظّهْر إِلَى أَن صلى
(1/289)
الْعَصْر لَيْسَ عَلَيْهِ إعادتهما
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لَهُ خَاصَّة دون أمته اه
وَيَنْبَغِي أَن تحمل الْإِعَادَة فِي كَلَامه على الدَّوَام وَإِلَّا
فَظَاهر كَلَامه لَيْسَ بجيد
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ لَا يجوز الْجُنُون على
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِخِلَاف الْإِغْمَاء كَمَا
أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَعَن القَاضِي حُسَيْن أَنه حكى فِي كتاب الصَّوْم عَن الدَّارمِيّ أَن
الْإِغْمَاء إِنَّمَا يجوز عَلَيْهِم سَاعَة أَو ساعتين فَأَما الشَّهْر
والشهران فَلَا كالجنون
وَالْأَشْهر امْتنَاع الِاحْتِلَام عَلَيْهِم كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة
قلت وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَفعه (مَا احْتَلَمَ
نَبِي قطّ إِنَّمَا الِاحْتِلَام من الشَّيْطَان)
وَضَعفه ابْن دحْيَة فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالْآيَاتِ الْبَينَات
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ من رَآهُ فِي الْمَنَام فقد
رَآهُ حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صورته كَمَا صَحَّ فِي
الحَدِيث
قَالَ القَاضِي أَبُو
(1/290)
بكر مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة
لَيست بأضغاث
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ رَآهُ حَقِيقَة
قَالَ القَاضِي عِيَاض وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا إِذا رَآهُ على
صفته الْمَعْرُوفَة لَهُ فِي حَيَاته
فَإِن رَآهُ على خلَافهَا كَانَت رُؤْيا تَأْوِيل لَا رُؤْيا حَقِيقَة
قَالَ بعض الْعلمَاء خص عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن رُؤْيَته فِي
الْمَنَام صَحِيحَة وَمنع الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر فِي خلقته لِئَلَّا
يكذب على لِسَانه فِي النّوم كَمَا منع أَن يتَصَوَّر فِي صورته فِي
الْيَقَظَة إِكْرَاما لَهُ
إِذا تقرر ذَلِك فَمَا سَمعه الرَّائِي فِي الْمَنَام مِمَّا تتَعَلَّق
بِهِ الْأَحْكَام لَا يعْمل بِهِ لعدم ضبط الرَّائِي لَا للشَّكّ فِي
الرُّؤْيَا
فَإِن الْخَبَر لَا يقبل إِلَّا من ضَابِط مُكَلّف والنائم بِخِلَافِهِ
هَذَا مَا ذكره القَاضِي حُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَة صِيَام
رَمَضَان وَآخَرُونَ من الْأَصْحَاب وَجزم بِهِ فِي الرَّوْضَة من زوائده
فِي أَوَائِل النِّكَاح فِي الْكَلَام على الخصائص
(1/291)
وَنقل القَاضِي عِيَاض الاجماع عَلَيْهِ
وَنقل النَّوَوِيّ أَيْضا فِي شرح مُسلم - فِي بَاب بَيَان أَن الْإِسْنَاد
من الدّين - عَن أَصْحَابنَا وَغَيرهم أَنهم نقلوا الِاتِّفَاق على أَنه
لَا يُغير بِسَبَب مَا يرَاهُ النَّائِم مَا تقرر فِي الشَّرْع
ثمَّ قَالَ وَهَذَا فِي مَنَام يتَعَلَّق بِإِثْبَات حكم على خلاف مَا يحكم
بِهِ لولاه
وَأما إِذا رَآهُ وَأمره بِفعل مَا هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ أَو ينهاه عَن
مَنْهِيّ عَنهُ أَو يرشده إِلَى فعل مصلحَة فَلَا خلاف فِي اسْتِحْبَاب
الْعَمَل على وَفقه
لِأَن ذَلِك لَيْسَ حكما بِمُجَرَّد الْمَنَام بل بِمَا تقرر من أصل ذَلِك
الشَّيْء
نعم عَن فتاوي الحناطي - من جلة أَصْحَابنَا - أَن إنْسَانا رأى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه على الصّفة المنقولة عَنهُ فَسَأَلَهُ
عَن الحكم فأفتاه بِخِلَاف مذْهبه وَلَيْسَ مُخَالفا لنَصّ وَلَا أجماع
فَقَالَ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُؤْخَذ بقوله لِأَنَّهُ مقدم على الْقيَاس
وَثَانِيهمَا لَا لِأَن الْقيَاس دَلِيل والأحلام لَا تعويل عَلَيْهَا
فَلَا يتْرك من أجلهَا الدَّلِيل
وَعَن كتاب الجدل للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرائيني حِكَايَة وَجْهَيْن فِي
أَن الرجل لَو رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأمره
بِأَمْر هَل يجب عَلَيْهِ امتثاله إِذا
(1/292)
اسْتَيْقَظَ كَذَا هُوَ فِي مَجْمُوع عَتيق
مَنْسُوب لِابْنِ الصّلاح عَنهُ
وَفِيه أَيْضا حِكَايَة وَجْهَيْن فِي وجوب التَّمَسُّك من حَيْثُ هُوَ فِي
الْحَالة الْمَذْكُورَة
وَعَن رَوْضَة الْحُكَّام للْقَاضِي شُرَيْح من أَصْحَابنَا لَو كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفُلَان على فلَان كَذَا هَل
للسامع أَن يشْهد لفُلَان على فلَان كَذَا وَجْهَان
وَقد سلفا
(فَائِدَة) روى الطَّبَرَانِيّ - أَظُنهُ فِي أَوسط معاجمه - من حَدِيث أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من رَآنِي فِي
الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَلَا
بِالْكَعْبَةِ)
ثمَّ قَالَ لَا تحفظ هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث
(تَنْبِيه) جعل الْقُضَاعِي هَذِه الخصوصية مِمَّا خص بهَا دون غَيره من
الْأَنْبِيَاء
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الأَرْض لَا تَأْكُل لُحُوم
الْأَنْبِيَاء للْحَدِيث الصَّحِيح فِي ذَلِك
(1/293)
ذكره فِي الرَّوْضَة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عمدا من الْكَبَائِر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الحَدِيث الصَّحِيح (إِن كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد)
نعم لَا يكفر فَاعله على الصَّحِيح وَهُوَ قَول الْجُمْهُور
وَقَالَ
(1/294)
الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هُوَ كفر فَإِن
تَابَ قبلت تَوْبَته إِذا حسنت حَالَته
قَالَ جمَاعَة مِنْهُم الصَّيْرَفِي من أَصْحَابنَا لَا تقبل رِوَايَته
بعْدهَا بِخِلَاف الْفسق وَبِخِلَاف الشَّهَادَة وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي
تَفْسِيره قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَيجوز على غَيره من الْأَنْبِيَاء
لِأَنَّهُ خَاتم النَّبِيين فَلَيْسَ بعده من يسْتَدرك خطأه بخلافهم
فَلذَلِك عصمه الله تَعَالَى مِنْهُ
وَقَالَ الإِمَام الْحق أَنه لَا يخطأ اجْتِهَاده
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب أَنه يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ
بِشَرْط أَن لَا يقر عَلَيْهِ
وَنَقله الْآمِدِيّ عَن أَكثر أَصْحَابنَا والحنابلة وَأَصْحَاب الحَدِيث
وَاحْتج الْآمِدِيّ بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَفا الله عَنْك لم
أَذِنت لَهُم} الْآيَة
وَقَوله تَعَالَى {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} الْآيَة
فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ قد أَشَارَ بِقَتْلِهِم فَلم يقتلهُمْ
(1/295)
والْحَدِيث (إِنَّمَا أحكم بِالظَّاهِرِ)
وَالله أعلم
الْمَسْأَلَة الْأَرْبَعُونَ يبلغهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلام النَّاس
عَلَيْهِ بعد مَوته
(1/296)
وَيشْهد لجَمِيع النَّبِيين بِالْأَدَاءِ
يَوْم الْقِيَامَة قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْأَرْبَعُونَ جعل ابْن سبع من خَصَائِصه أَنه
كَانَ نورا
وَكَانَ إِذا مَشى فِي الشَّمْس أَو الْقَمَر لَا يظْهر لَهُ ظلّ
وَيشْهد لَهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَأَلَ الله تَعَالَى
أَن يَجْعَل فِي جَمِيع أعقابه وجهاته نورا وَختم ذَلِك بقوله (واجعلني
نورا)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعُونَ قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن
عبد السَّلَام جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه علم بعض
النَّاس الدُّعَاء
فَقَالَ (قل اللَّهُمَّ إِنِّي أقسم عَلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي
الرَّحْمَة)
فَإِن صَحَّ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَخْصُوصًا بِهِ فَإِنَّهُ سيد ولد آدم
وَأَن لَا يقسم على الله بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة
والأولياء فَإِنَّهُم لَيْسُوا فِي دَرَجَته
قلت الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن
(1/297)
حنيف بِلَفْظ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك
وأتوجه إِلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة) الحَدِيث
ثمَّ قَالَ // حسن صَحِيح غَرِيب //
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة ورويناه فِي كتاب
الدَّعْوَات بِإِسْنَاد صَحِيح
وَرَوَاهُ من طَرِيق لَيْسَ فِيهَا (أقسم) بل (أَسأَلك)
(1/299)
|