كتاب المغازي للواقدي شَأْنُ مَسِيرِ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ
عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكّةَ
قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ الطّائِفِ فَأَخَذَ عَلَى دَحْنَا1 ثُمّ عَلَى قَرْنِ
الْمَنَازِلِ2 ثُمّ عَلَى نَخْلَةَ حَتّى خَرَجَ إلَى الْجِعِرّانَةِ ،
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ
وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ وَفِي رِجْلَيْهِ
نَعْلَانِ لَهُ غَلِيظَتَانِ إذْ زَحَمَتْ نَاقَتُهُ نَاقَةَ رَسُولِ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقَعُ حَرْفُ نَعْلِهِ
عَلَى سَاقِهِ فَأَوْجَعَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْجَعْتنِي، أَخّرْ رِجْلَك وَقَرَعَ رِجْلَهُ
بِالسّوْطِ". قَالَ: فَأَخَذَنِي مِنْ أَمْرِي مَا تَقَدّمَ وَمَا
تَأَخّرَ وَخَشِيت أَنْ يَنْزِلَ فِيّ الْقُرْآنُ لِعَظِيمِ مَا
صَنَعْت ; فَلَمّا أَصْبَحْنَا بِالْجِعِرّانَةِ خَرَجْت أَرْعَى
الظّهْرَ وَمَا هُوَ يَوْمِي، فَرَقًا أَنْ يَأْتِيَ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطْلُبُنِي، فَلَمّا رَوّحْت الرّكَابَ سَأَلْت فَقَالُوا
طَلَبَك رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجِئْته
وَأَنَا أَتَرَقّبُ فَقَالَ: "إنّك أَوْجَعْتنِي بِرِجْلِك فَقَرَعْتُك
بِالسّوْطِ فَخُذْ هَذِهِ الْغَنَمَ عِوَضًا مِنْ ضَرْبَتِي". قَالَ:
أَبُو رُهْمٍ فَرِضَاهُ عَنّي كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ الدّنْيَا وَمَا
فِيهَا.
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ يَقُولُ
كُنْت مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرَةٍ
وَهُوَ يُحَادِثُنِي. فَجَعَلَتْ نَاقَتِي تَلْصِقُ بِنَاقَتِهِ
وَكَانَتْ نَاقَتِي نَاقَةً شَهْمَةً3 فَجَعَلْت أُرِيدُ أَنْ
أُنَحّيَهَا فَلَا تُطَاوِعُنِي، فَلَصِقَتْ بِنَاقَةِ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُصِيبَتْ رِجْلُهُ فَقَالَ: "أَخْ
أَوْجَعْتنِي" فَرَفَعَ رِجْلَهُ
ـــــــ
1 دحنا: من مخاليف الطائف."معجم البلدان، ج4،ص43".
2 قرن المنازل: جبيل قريب من مكة يحرم منها حاج نجد."معجم
البلدان،ج8،ص163".
3 ناقة شهمة:أي جلدة."الصحاح،ص1963".
(3/939)
مِنْ الْغَرْزِ
كَأَنّهَا جُمّارَةً1 وَدَفَعَ رِجْلِي بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ.
فَمَكَثَ سَاعَةً لَا يَتَحَدّثُ فَوَاَللّهِ مَا نَزَلْت حَتّى
ظَنَنْت أَنْ سَيَنْزِلُ فِيّ عَذَابٌ. قَالَ: فَلَمّا نَزَلْنَا قُلْت
لِأَصْحَابِي: إنّي أَرْعَى لَكُمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَوْمَ
رِعْيَتِي، فَلَمّا أَرَحْت الظّهْرَ عَلَيْهِمْ قُلْت: هَلْ جَاءَ
أَحَدٌ يَبْغِينِي؟ فَقَالُوا: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَاءَ يَبْغِيك. فَقُلْت فِي نَفْسِي: هِيَ وَاَللّهِ هِيَ
قُلْت: مَنْ جَاءَ ؟ قَالُوا: رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ:
فَكَانَ أَكْرَهَ إلَيّ وَذَلِكَ أَنّ الْأَنْصَارَ كَانَتْ فِيهِمْ
عَلَيْنَا غِلْظَةٌ. قَالَ: ثُمّ جَاءَ بَعْدُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يَبْتَغِينِي . قَالَ: فَخَرَجْت خَائِفًا حَتّى وَاجَهْت رَسُولَ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَبْتَسِمُ فِي
وَجْهِي وَقَالَ: "أَوْجَعْتُك بِمِحْجَنِي الْبَارِحَةَ". ثُمّ قَالَ:
"خُذْ هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْغَنَمِ" . قَالَ: فَأَخَذْتهَا
فَوَجَدْتهَا ثَمَانِينَ شَاةً ضَائِنَةً2.
وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ الْجُهَنِيّ يَقُولُ لَمّا أَرَادَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ قَرْنٍ رَاحِلَتَهُ
الْقَصْوَاءَ وَطِئْت لَهُ عَلَى يَدَيْهَا، وَالزّمَامُ فِي يَدِي
مَطْوِيّ، فَرَكِبَ عَلَى الرّحْلِ وَنَاوَلْته الزّمَامَ وَدُرْت مِنْ
خَلْفِهِ فَخَلّفَ3 النّاقَةَ بِالسّوْطِ كُلّ ذَلِكَ يُصِيبُنِي،
فَالْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ:"أَصَابَك السّوْطُ" ؟ قُلْت: نَعَمْ
بِأَبِي وَأُمّي قَالَ: فَلَمّا نَزَلَ الْجِعِرّانَةَ إذَا رِبْضَةٌ4
مِنْ الْغَنَمِ نَاحِيَةً مِنْ الْغَنَائِمِ فَسَأَلَ عَنْهَا صَاحِبَ
الْغَنَمِ فَخَبّرَهُ عَنْهَا بِشَيْءٍ لَا أَحْفَظُهُ ثُمّ صَاحَ
"أَيْنَ أَبُو زُرْعَةَ" ؟ قَالَ: قُلْت: هَا أَنَا ذَا قَالَ: "خُذْ
هَذِهِ الْغَنَمَ بِاَلّذِي أَصَابَك مِنْ السّوْطِ أَمْسِ". قَالَ:
فَعَدَدْتهَا فَوَجَدْتهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَأْسٍ. قَالَ:
فَتَأَثّلْت5 بها مالا.
ـــــــ
1 الجمارة: قلب النخلة وشحمها، شبه ساقه ببياضها."النهاية،ج1،ص175".
2 الضائن من الغنم:ذو الصوف، والأنثى ضائنة."لسان العرب،ج17،ص119".
3 أي ضربه بسوطه على خلفها.
4 الربضة: الجماعة."القاموس المحيط،ج2،ص331".
5 تأثل مالا: اكتسبه واتخذه وثمره."لسان العرب،ج13،ص8".
(3/940)
وَقَالَ:
سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْحَدِرٌ مِنْ الطّائِفِ إلَى
الْجِعِرّانَةِ فَتَحَصّلْت1، وَالنّاسُ يَمْضُونَ أَمَامَهُ
أَرْسَالًا2، فَوَقَعْت فِي مِقْنَبٍ3 مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ،
فَجَعَلُوا يَقْرَعُونِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ إلَيْك إلَيْك مَا
أَنْتَ ؟ وَأَنْكَرُونِي، حَتّى إذَا دَنَوْت وَعَرَفْت أَنّهُ
يَسْمَعُ صَوْتِي أَخَذْت الْكِتَابَ الّذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ،
فَجَعَلْته بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِي. ثُمّ رَفَعْت يَدَيّ
وَنَادَيْت: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ وَهَذَا كِتَابِي فَقَالَ:
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَوْمَ وَفَاءٍ
أَدْنُوهُ" فَأَدْنَيْت مِنْهُ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِ رَسُولِ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا
جُمّارَةٌ فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ سَلّمْت. وَسُقْت إلَيْهِ
الصّدَقَةَ فَمَا ذَكَرْت شَيْئًا أَسْأَلُهُ عَنْهُ إلّا أَنّي قُلْت:
يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت الضّالّةَ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى
حِيَاضِي وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إنْ
أَسْقَيْتهَا ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "نَعَمْ . فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى4 أَجْر
قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ
الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ:
"اعْتَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
مِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ غَنَمٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ هَدِيّةٌ قَدْ أَهْدَيْتهَا لَك،
قَالَ: "وَمِمّنْ أَنْتَ" ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: "إنّي
لَا أَقْبَلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي
مُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ قَدْ سُقْت الصّدَقَةَ إلَى
بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ
ـــــــ
1 تحصل:تجمع وثبت."القاموس المحيط، ج3،ص357".
2 أي أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا،وأحدهم رسل."النهاية،ج2
ص80".
3 المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل."الصحاح،ص206".
4 الحري:فعلى من الحر،والمعنى أن في سقي كل ذي كبد حرى
أجرا."النهاية،ج1،ص215".
(3/941)
لِمَالِي
بِعَيْنِهِ مُصَدّقًا، قَالَ: وَأَقْبَلَ بُرَيْدَةُ فَلَحِقَ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللّهِ
هَذَا مِنْ قَوْمِي، شَرِيفٌ1 يَنْزِلُ بِالصّفَاحِ2 . قَالَ: "فَمَا
أَقْدَمَك إلَى نَخْلَةَ" ؟ قَالَ: هِيَ أَمْرَعُ3 مِنْ الصّفَاحِ
الْيَوْمَ. ثُمّ قَالَ: نَحْنُ عَلَى ظَهْرٍ كَمَا تَرَى، فَالْحَقْنَا
بِالْجِعِرّانَةِ، قَالَ: فَخَرَجَ يَعْدُو عِرَاضَ4 نَاقَةِ رَسُولِ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ يَا رَسُولَ
اللّهِ فَأَسُوقُ الْغَنَمَ مَعِي إلَى الْجِعِرّانَةِ ؟ فَقَالَ:
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تَسُقْهَا،
وَلَكِنْ تَقْدَمُ عَلَيْنَا الْجِعِرّانَةَ فَنُعْطِيك غَنَمًا
أُخْرَى إنْ شَاءَ اللّهُ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ تُدْرِكُنِي
الصّلَاةُ وَأَنَا فِي عَطَنِ5 الْإِبِلِ أَفَأُصَلّي فِيهِ ؟ قَالَ:
"لَا". قَالَ: فَتُدْرِكُنِي وَأَنَا فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ
أَفَأُصَلّي فِيهِ ؟ قَالَ: "نَعَمْ" . قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ
رُبّمَا تَبَاعَدَ مِنّا الْمَاءُ وَمَعَ الرّجُلِ زَوْجَتُهُ
فَيَدْنُو مِنْهَا ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَيَتَيَمّمُ". قَالَ: يَا رَسُولَ
اللّهِ وَتَكُونُ فِينَا الْحَائِضُ قَالَ: "تَتَيَمّمُ". قَالَ:
فَلَحِقَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعِرّانَةِ
فَأَعْطَاهُ مِائَةَ شَاةٍ.
قَالُوا: وَجَعَلَتْ الْأَعْرَابُ فِي طَرِيقِهِ يَسْأَلُونَهُ
وَكَثُرُوا عَلَيْهِ حَتّى اضْطَرّوهُ إلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ
رِدَاءَهُ فَنَزَعَتْهُ عَنْ مِثْلِ شِقّةِ الْقَمَرِ فَوَقَفَ رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ "أَعْطُونِي
رِدَائِي أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ
نَعَمًا لَقَسَمْته بَيْنَكُمْ ثُمّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا
جبانا ولا كذابا!
ـــــــ
1 في الأصل:"شريفا"
2 الصفاح:موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة من
مشاش."معجم البلدان،ج5، ص266".
3 المريع: الخصيب."الصحاح،ص1283".
4 أي يسير حذاءه معارضا له."النهاية،<3،ص83".
5 العطن:مبرك الإبل حول الحوض."القاموس المحيط، ج4،ص248".
(3/942)
ثُمّ لَمّا
كَانَ عِنْدَ الْقَسْمِ قَالَ: "أَدّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ1
وَإِيّاكُمْ وَالْغُلُولَ فَإِنّهُ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ2 يَوْمَ
الْقِيَامَةِ" ثُمّ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ فَقَالَ:
"وَاَللّهِ مَا يَحِلّ لِي مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا
مِثْلُ هَذِهِ الْوَبَرَةِ إلّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ
عَلَيْكُم"
قَالُوا: وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَى الْجِعِرّانَةِ ، وَالسّبْيُ وَالْغَنَائِمُ بِهَا مَحْبُوسَةٌ
وَقَدْ اتّخَذَ السّبْيُ حَظَائِرَ3 يَسْتَظِلّونَ بِهَا مِنْ الشّمْسِ
فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
تِلْكَ الْحَظَائِرِ سَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ
هَذَا سَبْيُ هَوَازِنَ اسْتَظَلّوا مِنْ الشّمْسِ . وَكَانَ السّبْيُ
سِتّةَ آلَافٍ وَكَانَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ
بَعِيرٍ وَكَانَتْ الْغَنَمُ لَا يُدْرَى عَدَدُهَا، قَدْ قَالُوا
أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَأَقَلّ وَأَكْثَرَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بُسْرَ4 بْنَ
سُفْيَانَ الْخُزَاعِيّ يَقْدَمُ مَكّةَ فَيَشْتَرِي لِلسّبْيِ
ثِيَابًا يَكْسُوهَا، ثِيَابَ الْمَعْقِدِ5 فَلَا يَخْرُجُ الْمَرْءُ6
مِنْهُمْ إلّا كَاسِيًا، فَاشْتَرَى بُسْرٌ كُسْوَةً فَكَسَا السّبْيَ
كُلّهُمْ وَاسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالسّبْيِ وَقَدْ كَانَ فَرّقَ مِنْهُ وَأَعْطَى رِجَالًا;
عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ
قَدْ وَطِئَهَا بِالْمِلْكِ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَهَبَهَا لَهُ بِحُنَيْنٍ فَرَدّهَا إلَى
الْجِعِرّانَةِ حَتّى حَاضَتْ فَوَطِئَهَا، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ
أُمَيّةَ أُخْرَى، وَأَعْطَى عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السّلَامُ جَارِيَةً يُقَالُ: لها
ـــــــ
1الخياط هنا: الخيط،والمخيط: الإبرة."شرح أبي ذر، ص412".
2 الشنار: العيب."النهاية، ج2،ص238".
3 الحظائر:جمع الحظيرة،وهي الزرب الذي يصنع للإبل والغنم ليكفها. وكان
السبي في حظائر مثلها."شرحأبي ذر،ص411".
4 في الأصل:"بشر"وما أثبتناه عن كل مراجع السيرة الأخرى.
5 المعقد:ضرب من برود هجر."النهاية،ج3،ص113".
6 في الأصل: "الجز"
(3/943)
رَيْطَةُ
بِنْتُ هِلَالِ بْنِ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ
عَفّانَ جَارِيَةً يُقَالُ: لَهَا: زَيْنَبُ بِنْتُ حَيّانَ بْنِ
عَمْرٍو، فَوَطِئَهَا عُثْمَانُ فَكَرِهَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلِيّ
وَطِئَ. وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ جَارِيَةً فَأَعْطَاهَا
عُمَرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ، فَبَعَثَ بِهَا ابْنُ
عُمَرَ إلَى أَخْوَالِهِ بِمَكّةَ بَنِي جُمَحَ لِيُصْلِحُوا مِنْهَا
حَتّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمّ يَأْتِيَهُمْ. وَكَانَتْ جَارِيَةً
وَضِيئَةً مُعْجِبَةً قَالَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ:1 فَقَدِمْت
مَكّةَ فَطُفْت بِالْبَيْتِ فَخَرَجْت مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَنَا
أُرِيدُ الْجَارِيَةَ أَنْ أُصِيبَهَا، وَأَرَى النّاسَ يَشْتَدّونَ
فَقُلْت: مَا لَكُمْ ؟ قَالُوا: رَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ هَوَازِنَ وَأَبْنَاءَهَا. قَالَ: قُلْت:
تِلْكَ صَاحِبَتُكُمْ فِي بَنِي جُمَحَ فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا
فَذَهَبُوا فَأَخَذُوهَا. وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ
هَوَازِنَ فَلَمْ تُوطَأْ. وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ جَارِيَةً
فَوَطِئَهَا طَلْحَةُ. وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ جَارِيَةً
وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا
عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ
جَارِيَةً وَهَذَا كُلّهُ بِحُنَيْنٍ. فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ أَقَامَ
يَتَرَبّصُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَفْدُهُمْ وَبَدَأَ بِالْأَمْوَالِ
فَقَسَمَهَا، وَأَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَنِمَ
فِضّةً كَثِيرَةً أَرْبَعَةَ آلَافِ أُوقِيّةٍ فَجُمِعَتْ الْغَنَائِمُ
بَيْنَ يَدَيْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ
أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْفِضّةُ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللّهِ أَصْبَحْت أَكْثَرَ قُرَيْشٍ مَالًا فَتَبَسّمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَعْطِنِي مِنْ
هَذَا الْمَالِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: يَا بِلَالُ زِنْ لِأَبِي
سُفْيَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وأعطوه
ـــــــ
1 زيادة يقتضيها السياق.
(3/944)
مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ" . قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ ابْنِي يَزِيدُ أَعْطِهِ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِنُوا يَزِيدَ
أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . قَالَ:
أَبُو سُفْيَانَ ابْنِي مُعَاوِيَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: زِنْ
لَهُ يَا بِلَالُ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ . قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ إنّك الْكَرِيمُ فِدَاك أَبِي
وَأُمّي وَلَقَدْ حَارَبْتُك فَنِعْمَ الْمُحَارَبُ كُنْت، ثُمّ
سَالَمْتُك فَنِعْمَ الْمُسَالَمُ أَنْتَ جَزَاك اللّهُ خَيْرًا
وَأَعْطَى فِي بَنِي أَسَدٍ.
قَالَ: حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَا: حَدّثَنَا "حَكِيمُ
بْنُ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِحُنَيْن مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ
سَأَلْته مِائَةً فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ سَأَلْته مِائَةً
فَأَعْطَانِيهَا، ثُمّ قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَا حَكِيمُ بْنَ حِزَامٍ، "إنّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ
حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ
وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ
كَاَلّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ
السّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" قَالَ: فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ
وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَا أَرْزَأُ1 أَحَدًا بَعْدَك شَيْئًا
فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَدْعُوهُ إلَى
عَطَائِهِ فَيَأْبَى يَأْخُذُهُ فَيَقُولُ عُمَرُ أَيّهَا النّاسُ إنّي
أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنّي أَدْعُوهُ إلَى عَطَائِهِ فَيَأْبَى
أَنْ يَأْخُذَه. قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ قَالَ: أَخَذَ
حَكِيمٌ الْمِائَةَ الْأُولَى ثُمّ تَرَكَ.
وَفِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ النّضَيْرُ وَهُوَ أَخُو النّضْرِ بْنِ
الْحَارِثِ بن كلدة،
ـــــــ
1 في الأصل:"لا أرزأ آخذا". ولا آخذ من أحد."النهاية،ج2،ص78".
(3/945)
مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ. وَفِي بَنِي زُهْرَةَ أُسَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَلِيفٌ
لَهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . وَأَعْطَى الْعَلَاءَ بْنَ جَارِيَةَ
خَمْسِينَ بَعِيرًا، وَأَعْطَى مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ خَمْسِينَ
بَعِيرًا . وَقَدْ رَأَيْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يُنْكِرُ أَنْ
يَكُونَ أَخَذَ مَخْرَمَةُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: مَا سَمِعْت أَحَدًا
مِنْ أَهْلِي يَذْكُرُ أَنّهُ أُعْطِيَ شَيْئًا . وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومٍ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى
سَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ . وَأَعْطَى فِي
بَنِي جُمَحَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ مِائَةَ بَعِيرٍ وَيُقَالُ:
إنّهُ طَافَ مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَفّحُ الْغَنَائِمَ
إذْ مَرّ بِشِعْبٍ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ فِيهِ غَنَمٌ
وَإِبِلٌ وَرِعَاؤُهَا مَمْلُوءٌ . فَأَعْجَبَ صَفْوَانَ وَجَعَلَ
يَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "أَعْجَبَك يَا أَبَا وَهْبٍ هَذَا الشّعْبُ ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: هُوَ لَك وَمَا فِيهِ. فَقَالَ: صَفْوَانُ أَشْهَدُ مَا
طَابَتْ بِهَذَا نَفْسُ أَحَدٍ قَطّ إلّا نَبِيّ، وَأَشْهَدُ أَنّك
رَسُولُ اللّهِ "وَأَعْطَى قَيْسَ بْنَ عَدِيّ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ
وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ وَهْبٍ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ. وَفِي
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ أَعْطَى سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ وَأَعْطَى حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ وَأَعْطَى هِشَامَ بْنَ عُمَرَ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ.
وَأَعْطَى فِي الْعَرَبِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ التّمِيمِيّ مِائَةً
مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ مِائَةً
مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ.
وَأَعْطَى الْعَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ أَرْبَعًا مِنْ
الْإِبِلِ فَعَاتَبَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
شِعْرٍ قاله
كَانَتْ1 نِهَابًا تَلَافَيْتهَا
بِكَرّي عَلَى الْقَوْمِ فِي الْأَجْرَعِ2
ـــــــ
1 كانت: يعني الإبل والماشية. والنهاب: جمع نهب، وهو ما ينهب
ويغنم."شرح أبي ذر،ص412".
2 الأجرع: المكان السهل."شرح أبي ذر،ص413".
(3/946)
وَحَثّي
الْجُنُودَ لِكَيْ يُدْلِجُوا ... إذَا هَجَعَ الْقَوْمُ لَمْ أَهْجَعِ
فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ العبيد1 ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ
وَالْأَقْرَعِ
إلّا أَفَائِلَ2 أُعْطِيتهَا ... عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ
وَقَدْ كُنْت فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَإٍ3 ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا
وَلَمْ أُمْنَعِ
وَمَا كَانَ حِصْنٌ4 وَلَا حَابِسٌ ... يَفْوَقَانِ مِرْدَاسَ فِي
الْمَجْمَعِ
وَمَا كُنْت دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْمَ لَا
يُرْفَعِ
فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَبْيَاتَهُ إلَى النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبّاسِ "أَنْتَ الّذِي تَقُولُ أَصْبَحَ
نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ " ؟
فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِأَبِي وَأُمّي يَا
رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ: قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ:
فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ كَمَا قَالَ عَبّاسٌ فَقَالَ: النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ مَا يَضُرّك بَدَأْت
بِالْأَقْرَعِ أَمْ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، مَا أَنْتَ بِشَاعِرٍ وَلَا رَاوِيَةٍ
وَلَا يَنْبَغِي لَك. فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "اقْطَعُوا لِسَانَهُ عَنّي ". فَأَعْطُوهُ مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ وَيُقَالُ: خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَفَزِعَ مِنْهَا
أُنَاسٌ وَقَالُوا: أَمَرَ بِعَبّاسٍ يُمَثّلُ بِهِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ
عَلَيْنَا فِيمَا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ النّاسَ.
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ
عَنْ سَعْدٍ عن
ـــــــ
1العبيد: فرس عباس بن مرداس."شرح أبي ذر،ص413".
2 أفائل"جمع أفيل،وهي الصغار من الإبل."شرح أبي ذر،ص413".
3 ذا تدرإ: أي ذا دفع،من قولك: درأه إذا دفعه." شرح أبي ذر،ص413".
4 في الأصل:"وما كان بدرا"، وما أثبتناه عن ابن إسحاق."السيرة
النبوية،ج4ص137". وعن ابن كثير يروي عن موسى بن عقبة."البداية
والنهاية،ج4،ص360".
(3/947)
إبْرَاهِيمَ
وَيَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَا: كَانَتْ الْعَطَايَا فَارِعَةً1
مِنْ الْغَنَائِمِ. قَالَ: حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ مِنْ الْخُمُسِ. فَأَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ
أَنّهَا مِنْ الْخُمُسِ.
قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطَيْت
عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِائَةً
وَتَرَكْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ الضّمْرِيّ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ سَلّمَ "أَمَا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ2 الْأَرْضِ كُلّهَا
مِثْلَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَلَكِنّي تَأَلّفْتهمَا لِيُسْلِمَا،
وَوَكَلْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إلَى إسْلَامِهِ "
"وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
ثَوْبِ بِلَالٍ فِضّةٌ يَقْبِضُهَا لِلنّاسِ عَلَى مَا أَرَاهُ اللّهُ
فَأَتَاهُ ذُو الْحُوَيْصِرَةِ التّمِيمِيّ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا
رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "وَيْلَك فَمَنْ يَعْدِلْ إذَا لَمْ أَعْدِلْ" ؟ قَالَ:
عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ اِيذَنْ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ:
"دَعْهُ إنّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ
صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا
يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدّينِ كَمَا يَمْرُقُ
السّهْمُ مِنْ الرّمِيّةِ يَنْظُرُ [ الرّامِي ]، فِي قُذَذِهِ3 فَلَا
يَرَى شَيْئًا، ثُمّ يَنْظُرُ فِي نَصْلِهِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمّ
يَنْظُرُ فِي رِصَافِهِ4 فَلَا يَرَى شَيْئًا، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ
وَالدّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَأَيْتهمْ
إنّ فِيهِمْ رَجُلًا
ـــــــ
1 أي مرتفعة صاعدة من أصلها قبل أن تخمس."النهاية، ج3،ص196".
2 طلاع الأرض: أي ما يملأها حتى يطلع عنها ويسيل."النهاية،ج3،ص42".
3 القذذ:ريش السهم."الصحاح،ص568".
4 الرصاف: عقب يلوي على مدخل النصل فيه."النهاية،ج2،ص83".
(3/948)
أَسْوَدَ
إحْدَى يَدَيْهِ [مِثْلُ ثَدْيِ]1 الْمَرْأَةِ أَوْ كَبَضْعَةٍ تدردر2"
فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ أَشْهَدُ لَسَمِعْت عَلِيّا يُحَدّثُ
هَذَا الْحَدِيثَ .
قَالَ: "عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ
الْمُنَافِقِينَ يَوْمَئِذٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُعْطِي تِلْكَ الْعَطَايَا، وَهُوَ يَقُولُ إنّهَا
الْعَطَايَا مَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللّهِ قُلْت : أَمَا وَاَللّهِ
لَأُبَلّغَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
قُلْت . فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرْته، فَتَغَيّرَ لَوْنُهُ حَتّى نَدِمْت عَلَى مَا صَنَعْته،
فَوَدِدْت أَنّي لَمْ أُخْبِرْهُ ثُمّ قَالَ: "يَرْحَمُ اللّهُ أَخِي
مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" وَكَانَ
الْمُتَكَلّمُ بِهَذَا مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ الْعَمْرِيّ "ثُمّ
أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ بِإِحْصَاءِ النّاسِ وَالْغَنَائِمِ ثُمّ فَضّهَا3 عَلَى
النّاسِ فَكَانَتْ سِهَامَهُمْ لِكُلّ رَجُلٍ أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ
أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِنْ كَانَ فَارِسًا أَخَذَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ وَإِنْ كَانَ
مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ.
ـــــــ
1 الزيادة عن مسلم."الصحاح،ج2،744".
2 تدردر:أي ترجرج تجيء وتذهب، والأصل تتدردر،فحذف إحدى التائين
تخفيفا."النهاية،ج2،ص20"
3 فضها: أي فرقها."الصحاح، ص1098"
(3/949)
ذِكْرُ وَفْدِ
هَوَازِنَ
قَالُوا: فَقَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ. وَكَانَ فِي الْوَفْدِ عَمّ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ قَالَ:
يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ مَنْ
كَانَ يَكْفُلُك مِنْ عَمّاتِك وَخَالَاتِك وَحَوَاضِنِك، وَقَدْ
حَضَنّاك فِي حُجُورِنَا،
(3/949)
وَأَرْضَعْنَاك1 بِثُدِيّنَا، وَلَقَدْ رَأَيْتُك مُرْضَعًا فَمَا
رَأَيْت مُرْضَعًا خَيْرًا مِنْك، وَرَأَيْتُك فَطِيمًا فَمَا رَأَيْت
فَطِيمًا خَيْرًا مِنْك، ثُمّ رَأَيْتُك شَابّا فَمَا رَأَيْت شَابّا
خَيْرًا مِنْك، وَقَدْ تَكَامَلَتْ فِيك خِلَالُ الْخَيْرِ وَنَحْنُ
مَعَ ذَلِكَ أَهْلُك وَعَشِيرَتُك، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنّ اللّهُ
عَلَيْك فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"قَدْ اسْتَأْنَيْت بِكُمْ حَتّى ظَنَنْت أَنّكُمْ لَا تَقْدَمُونَ"
وَقَدْ قُسِمَ السّبْيُ وَجَرَتْ فِيهِمْ السّهْمَانُ. وَقَدِمَ
عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ
وَجَاءُوا بِإِسْلَامِ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فَكَانَ
رَأْسَ الْقَوْمِ وَالْمُتَكَلّمَ أَبُو صُرَدٍ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا أَهْلُك وَعَشِيرَتُك، وَقَدْ
أَصَابَنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْك. يَا رَسُولَ
اللّهِ إنّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ عَمّاتُك وَخَالَاتُك
وَحَوَاضِنُك اللّاتِي كُنّ يَكْفُلْنَك، وَلَوْ أَنّا مَلَحْنَا2
لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ وَلِلنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ثُمّ
نَزَلَا مِنّا بِمِثْلِ الّذِي نَزَلْت بِهِ رَجَوْنَا عَطْفَهُمَا
وَعَائِدَتَهُمَا3، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ وَيُقَالُ: إنّهُ
قَالَ: يَوْمَئِذٍ - أَبُو صُرَدٍ إنّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ
أَخَوَاتُك وَعَمّاتُك وَبَنَاتُ عَمّاتِك وَخَالَاتُك وَبَنَاتُ
خَالَاتِك، وَأَبْعَدُهُنّ قَرِيبٌ مِنْك. يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمّي، إنّهُنّ حَضَنّك فِي حُجُورِهِنّ وَأَرْضَعْنَك
بِثُدِيّهِنّ وَتَوَرّكْنَك عَلَى أَوْرَاكِهِنّ وَأَنْتَ خَيْرُ
المكفولين وقال:
أُمْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنّك الْمَرْءُ
نَرْجُوهُ وَنَدّخِرُ
أُمْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ عَاقَهَا4 قَدَرٌ ... مُمَزّقٌ شَمْلَهَا
فِي دَهْرِهَا غِيَرُ
ـــــــ
1 في الأصل: "رضعناك"
2 في الأصل:"ملجأنا".ولوأنا ملحنا:أي لو كنا أرضعنا
لهما."النهاية،ج4،ص105".
3 العائدة:الفضل."شرح أبي ذر،ص411".
4 في الأصل:"اعتاقها" والمثبت من السهيل."الروض الأنف،ج2،ص306".
(3/950)
أُمْنُنْ عَلَى
نِسْوَةٍ قَدْ كُنْت تَرْضَعُهَا ... إذْ فُوك مَمْلُوءَةٌ مِنْ
مَحْضِهَا الدّرَرُ1
اللّآئِي إذْ كُنْت طِفْلًا كُنْت تَرْضَعُهَا ... وَإِذْ يَزِينُك2
مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
أَلَا تَدَارَكَهَا نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النّاسِ
حَتّى حِينَ يُخْتَبَرُ
لَا تَجْعَلَنّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ3 ... وَاسْتَبْقِ مِنّا
فَإِنّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
إنّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ قَدُمَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا
الْيَوْمِ مُدّخَرُ
فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ أَصْدَقُهُ وَعِنْدِي مَنْ تَرَوْنَ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ
أَمْوَالُكُمْ" ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ خَيّرْتنَا بَيْنَ
أَحْسَابِنَا وَبَيْنَ أَمْوَالِنَا، وَمَا كُنّا نَعْدِلُ
بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا، فَرُدّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا
فَقَالَ: النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَمّا مَا لِي
وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَأَسْأَلُ لَكُمْ النّاسَ
وَإِذَا صَلّيْت الظّهْرَ بِالنّاسِ فَقُولُوا: إنّا لَنَسْتَشْفِعُ
بِرَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ
اللّهِ فَإِنّي سَأَقُولُ لَكُمْ مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ
الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَطْلُبُ لَكُمْ إلَى النّاسِ. فَلَمّا
صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظّهْرَ
بِالنّاسِ قَامُوا فَتَكَلّمُوا بِاَلّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إنّا نَسْتَشْفِعُ
بِرَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ
اللّهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"أَمّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ".
فَقَالَ: الْمُهَاجِرُونَ: فَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ
قَالَتْ الْأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ قَالَ:
الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا وَقَالَ:
عُيَيْنَةُ بن حصن:
ـــــــ
1 أي الدفعات الكثيرة من اللبن."السيرة الحلبية،ج2،ص250".
2 في الأصل:"يريبك"وأثبتنا ما في السهيل."الروض الأنف،ج2،ص306". وانظر
أيضا ابن كثير."البداية والنهاية،ج4،ص353".
3 أي تفرقت كلمتهم،أو ذهب عزهم."القاموس المحيط،ج3،ص404".
(3/951)
أَمّا أَنَا
وَفَزَارَةُ فَلَا وَقَالَ: عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ: أَمّا
أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا قَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ : مَا كَانَ
لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ فَقَالَ: الْعَبّاسُ وَهّنْتُمُونِي1
ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: إنّ كُلّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ جَاءُوا
مُسْلِمِينَ. وَقَدْ كُنْت اسْتَأْنَيْت بِهِمْ فَخَيّرْتهمْ بَيْنَ
النّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ . فَلَمْ يَعْدِلُوا
بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنّ شَيْءٌ
فَطَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ يَرُدّهُ فَلْيُرْسِلْ - وَمَنْ أَبَى
مِنْكُمْ وَتَمَسّكَ بِحَقّهِ فَلْيَرُدّ عَلَيْهِمْ. وَلْيَكُنْ
فَرْضًا عَلَيْنَا سِتّ فَرَائِضَ مِنْ أَوّلِ مَا يَفِيءُ اللّهُ بِهِ
عَلَيْنَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ رَضِينَا وَسَلّمْنَا قَالَ:
فَمُرُوا عُرَفَاءَكُمْ أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إلَيْنَا حَتّى
نَعْلَمَ فَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَطُوفُ عَلَى الْأَنْصَارِ
يَسْأَلُهُمْ هَلْ سَلّمُوا وَرَضُوا ؟ فَخَبّرُوهُ أَنّهُمْ سَلّمُوا
وَرَضُوا. وَلَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ وَاحِدٌ "وَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى الْمُهَاجِرِينَ يَسْأَلُهُمْ
عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَبُو
رُهْمٍ الْغِفَارِيّ يَطُوفُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ . ثُمّ
جَمَعُوا الْعُرَفَاءَ وَاجْتَمَعَ الْأُمَنَاءُ الّذِينَ أَرْسَلَهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتّفَقُوا عَلَى
قَوْلٍ وَاحِدٍ تَسْلِيمِهِمْ وَرِضَاهُمْ وَدَفَعَ مَا كَانَ فِي
أَيْدِيهِمْ مِنْ السّبْيِ. فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ الّتِي عِنْدَ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدْ خُيّرَتْ تُقِيمُ أَوْ تَرْجِعُ
إلَى قَوْمِهَا، فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَرُدّتْ إلَيْهِمْ. وَاَلّتِي
عِنْدَ عَلِيّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ
وَابْنِ عُمَرَ رَجَعْنَ إلَى قَوْمِهِنّ. وَأَمّا الّتِي عِنْدَ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ فَاخْتَارَتْ سَعْدًا وَلَهَا مِنْهُ
وَلَدٌ.
وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ خَيّرُوهُ فِي السّبْيِ فَأَخَذَ رَأْسًا
مِنْهُمْ نَظَرَ إلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ فَقَالَ: هَذِهِ أُمّ الْحَيّ
لَعَلّهُمْ أَنْ يُغْلُوا بِفِدَائِهَا، فإنه عسى أن
ـــــــ
1 في الأصل:"وهبتموني" ووهنتموني: أي أضعفتموني."الصحاح،ص2216".
(3/952)
يَكُونَ لَهَا
فِي الْحَيّ نَسَبٌ فَجَاءَ ابْنُهَا إلَى عُيَيْنَةَ فَقَالَ: هَلْ
لَك فِي مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ؟ قَالَ: لَا. فَرَجَعَ عَنْهُ
وَتَرَكَهُ سَاعَةً فَجَعَلَتْ الْعَجُوزُ تَقُولُ لِابْنِهَا: مَا
أَرَبُك1 فِي نَقْدِ مِائَةِ نَاقَةٍ ؟ اُتْرُكْهُ فَمَا أَسْرَعَ مَا
يَتْرُكُنِي بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَلَمّا سَمِعَهَا عُيَيْنَةُ قَالَ: مَا
رَأَيْت كَالْيَوْمِ خُدْعَةً وَاَللّهِ مَا أَنَا مِنْ هَذِهِ إلّا
فِي غُرُورٍ وَلَا جَرَمَ وَاَللّهِ لَأُبَاعِدَنّ أَثَرَك مِنّي
قَالَ: ثُمّ مَرّ بِهِ ابْنُهَا فَقَالَ: هَلْ لَك فِي الْعَجُوزِ
فِيمَا دَعَوْتنِي إلَيْهِ ؟ قَالَ: ابْنُهَا : لَا أَزِيدُك عَلَى
خَمْسِينَ. قَالَ: عُيَيْنَةُ لَا أَفْعَلُ. قَالَ: فَلَبِثَ سَاعَةً
فَمَرّ بِهِ مَرّةً أُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ. قَالَ: عُيَيْنَةُ
هَلْ لَك فِي الْعَجُوزِ فِي الّذِي بَذَلْت لِي ؟ قَالَ: الْفَتَى:
لَا أَزِيدُك عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَرِيضَةً2 هَذَا الّذِي
أَقْوَى عَلَيْهِ . قَالَ: عُيَيْنَةُ وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ بَعْدَ
مِائَةِ فَرِيضَةٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَمّا تَخَوّفَ عُيَيْنَةُ
أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ وَيَرْتَحِلُوا جَاءَهُ عُيَيْنَةُ فَقَالَ:
هَلْ لَك إلَى مَا دَعَوْتنِي إلَيْهِ ؟ قَالَ: الْفَتَى: هَلْ لَك
إلَى عَشْرِ فَرَائِضَ أُعْطِيكهَا ؟ قَالَ: عُيَيْنَةُ وَاَللّهِ لَا
أَفْعَلُ فَلَمّا رَحَلَ النّاسُ نَادَاهُ عُيَيْنَةُ هَلْ لَك إلَى
مَا دَعَوْتنِي إلَيْهِ إنْ شِئْت ؟ قَالَ: الْفَتَى: أَرْسِلْهَا
وَأَحْمِلُك . قَالَ: لَا وَاَللّهِ مَا لِي بِحَمْلِك حَاجَةٌ .
قَالَ: وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَائِمًا لَهَا،
وَيَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا . قَالَ: الْفَتَى: أَنْتَ
صَنَعْت هَذَا بِنَفْسِك، عَمَدْت إلَى عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ وَاَللّهِ
مَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ وَلَا فُوهَا3
بِبَارِدٍ وَلَا صَاحِبُهَا بِوَاجِدٍ4 فَأَخَذْتهَا مِنْ بَيْنِ مَنْ
تَرَى. فَقَالَ: عُيَيْنَةُ خُذْهَا لَا بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهَا،
وَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا قَالَ: يقول الفتى:
ـــــــ
1 في الأصل:"ما اريك". والأرب: الحاجة. "الصحاح،ص97".
2 الفريضة: البعير المأخوذ في الزكاة، سمي فريضة لأنه فرض واجب على رب
المال،ثم اتسع حتى سمي البعير فريضة في غير الزكاة."النهاية،ج3 ،ص194
3 في الأصل: "ولا فوقها"،والتصحيح من ابن إسحاق."السيرة
النبوية،ج4‘ص133".
4 أي لا يحزن زوجها عليها لأنها عجوز كبيرة."شرح أبي ذر،ص411".
(3/953)
يَا عُيَيْنَةُ
إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَسَا
السّبْيَ فَأَخْطَأَهَا مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْكُسْوَةِ فَمَا أَنْتَ
كَاسِيهَا ثَوْبًا ؟ قَالَ: لَا وَاَللّهِ مَا ذَلِكَ لَهَا عِنْدِي
قَالَ: لَا تَفْعَلْ فَمَا فَارَقَهُ حَتّى أَخَذَ مِنْهُ شَمْلَ
ثَوْبٍ ثُمّ وَلّى الْفَتَى وَهُوَ يَقُولُ إنّك لَغَيْرُ بَصِيرٍ
بِالْفُرَصِ وَشَكَا عُيَيْنَةُ إلَى الْأَقْرَعِ مَا لَقِيَ فَقَالَ:
الْأَقْرَعُ إنّك وَاَللّهِ مَا أَخَذْتهَا بِكْرًا غَرِيرَةً1 وَلَا
نَصَفًا2 وَثِيرَةً3 وَلَا عَجُوزًا أَصِيلَةً عَمَدْت إلَى أَحْوَجِ
شَيْخٍ فِي هَوَازِنَ فَسَبَيْت امْرَأَتَهُ. قَالَ: عُيَيْنَةُ هُوَ
ذَاكَ.
وَتَمَسّكَتْ بَنُو تَمِيمٍ مَعَ الْأَقْرَعِ بِالسّبْيِ فَجَعَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِدَاءَ سِتّ
فَرَائِضَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ4 وَثَلَاثَ جِذَاعٍ5. وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ يَقُولُ قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ "لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ
الْعَرَبِ وَلَاءٌ أَوْ رِقّ لَثَبَتَ الْيَوْمَ وَلَكِنْ إنّمَا هُوَ
إسَارٌ وَفِدْيَةٌ "وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيّ عَلَى
مَقَاسِمِ الْمَغْنَمِ. وَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوَفْدِ "مَا فَعَلَ مَالِكٌ6" ؟ قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللّهِ هَرَبَ فَلَحِقَ بِحِصْنِ الطّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ.
قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَخْبِرُوهُ
أَنّهُ إنْ كَانَ يَأْتِي مُسْلِمًا رَدَدْت عَلَيْهِ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ وَأَعْطَيْته مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ "وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر
ـــــــ
1 الغريرة: المتوسطة من النساء في السن."شرح أبي ذر،ص412"
2 النصف: المرأة بين الحدثة والمسنة."الصحاح،ص1432".
3 وثيرة:أي كثيرة اللحم."الصحاح،ص844".
4 الحقاق:جمع الحق، والحق من الإبل الداخلة في السنة الرابعة."القاموس
المحيط،ج3، ص221".
5 الجذاع:جمع الجذع، وهو من الإبل ما دخل في السنة
الخامسة."النهاية،ج1،ص150".
6 أي مالك بن عوف.
(3/954)
بِحَبْسِ
أَهْلِ مَالِكٍ بِمَكّةَ عِنْدَ عَمّتِهِمْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بِنْتِ
أَبِي أُمَيّةَ. فَقَالَ: الْوَفْدُ يَا رَسُولَ اللّهِ أُولَئِكَ
سَادَتُنَا وَأَحِبّتُنَا إلَيْنَا. فَقَالَ: رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّمَا أُرِيدُ بِهِمْ الْخَيْر"فَوَقَفَ
مَالَ مَالِكٍ فَلَمْ يُجْرِ فِيهِ السّهْمَ فَلَمّا بَلَغَ مَالِكَ
بْنَ عَوْفٍ الْخَبَرُ، وَمَا صَنَعَ فِي قَوْمِهِ وَمَا وَعَدَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنّ أَهْلَهُ
وَمَالَهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ خَافَ مَالِكٌ ثَقِيفًا عَلَى نَفْسِهِ
أَنْ يَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَهُ مَا قَالَ: فَيَحْبِسُونَهُ أَمَرَ
بِرَاحِلَتِهِ فَقُدّمَتْ حَتّى وُضِعَتْ بِدَحْنَا1، وَأَمَرَ
بِفَرَسٍ لَهُ فَأُتِيَ بِهِ لَيْلًا، فَخَرَجَ مِنْ الْحِصْنِ
فَجَلَسَ عَلَى فَرَسِهِ لَيْلًا فَرَكَضَهُ حَتّى أَتَى دَحْنَا،
فَرَكِبَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَحِقَ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُدْرِكُهُ قَدْ رَكِبَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ ،
فَرَدّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. وَيُقَالُ: لَحِقَهُ
بِمَكّةَ، وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ تِلْكَ
الْقَبَائِلِ حَوْلَ الطّائِفِ مِنْ هَوَازِنَ وَفَهْمٍ فَكَانَ قَدْ
ضَوَى إلَيْهِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً فَكَانَ
يُقَاتِلُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى الشّرْكِ وَيُغِيرُ بِهِمْ عَلَى
ثَقِيفٍ، يُقَاتِلُهُمْ بِهِمْ وَلَا يَخْرُجُ لِثَقِيفٍ سَرْحٌ إلّا
أَغَارَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَجَعَ حِينَ رَجَعَ وَقَدْ سَرّحَ النّاسُ
مَوَاشِيَهُمْ وَأَمِنُوا فِيمَا يَرَوْنَ حَيْثُ انْصَرَفَ عَنْهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا
يَقْدِرُ عَلَى سَرْحٍ إلّا أَخَذَهُ وَلَا عَلَى رَجُلٍ إلّا قَتَلَهُ
فَكَانَ قَدْ بَعَثَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْخُمُسِ مِمّا يُغِيرُ بِهِ مَرّةً مِائَةَ بَعِيرٍ وَمَرّةً
أَلْفَ شَاةٍ وَلَقَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحٍ لِأَهْلِ الطّائِفِ
فَاسْتَاقَ لَهُمْ أَلْفَ شَاةٍ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ: فِي
ذَلِكَ أَبُو مِحْجَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عمير الثقفي:
تَهَابُ الْأَعْدَاءُ جَانِبَنَا ... ثُمّ تَغْزُونَا بَنُو سَلِمَهْ
ـــــــ
1 دحنا: من مخاليف الطائف."معجم البلدان،ج4ص43"
(3/955)
وَأَتَانَا
مَالِكٌ بِهِمُ ... نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْحُرُمَهْ
وَأَتَوْنَا فِي مَنَازِلِنَا ... وَلَقَدْ كَانُوا أُولِي نَقِمَهْ
فَقَالَ: مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ:
مَا إنْ رَأَيْت وَلَا سَمِعْت بِمِثْلِهِ ... فِي النّاسِ كُلّهِمُ
بِمِثْلِ مُحَمّدِ
أَوْفَى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ1 إذَا اجْتُدِي ... وَمَتَى تَشَاءُ
يُخْبِرْك عَمّا فِي غَدِ2
وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عَرّدَتْ3 أَنْيَابَهَا ... بِالْمَشْرَفِيّ4
وَضَرْبِ كُلّ مُهَنّدِ5
فَكَأَنّهُ لَيْثٌ عَلَى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ الْهَبَاءَةِ6
خَادِرٌ7 فِي مَرْصَدِ
قَالُوا: لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي
الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ
فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى كَثُرَتْ الْقَالَةُ8 حَتّى قَالَ: قَائِلُهُمْ
لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ
أَمّا حِينَ الْقِتَالِ فَنَحْنُ أَصْحَابُهُ وَأَمّا حِينَ الْقَسْمِ
فَقَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ وَوَدِدْنَا أَنّا نَعْلَمُ مِمّنْ كَانَ
هَذَا إنْ كَانَ هَذَا مِنْ الله
ـــــــ
1الجزيل: العطاء الكثير. واجتدى: أي طلب منه الجدوى،وهو العطية."شرح
أبي ذر،ص412".
2 في الأصل:"عما يكون في غد" ولا يستقيم الوزن بها، وما أثبتناه عن ابن
إسحاق."السيرة النبوية،ج4،ص134".
3 عرضت: أي عوجت"شرح أبي زر،ص412".
4 المشرفي: السيف. قال أبو عبيدة:نسبت السيوف المشرفية إلى مشارف، وهي
قرى من أرض العرب تدنو من الريف، يقال سيف مشرفي ولا يقال مشارفي،لأن
الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن."الصحاح،ص1380".
5 المهند: السيف المطبوع من حديد الهند."الصحاح ص554".
6 في الأصل: "المياة"، وما أثبتناه عن ابن إسحاق."السيرة النبوية
ج4،ص134". والهباءة: الغبرة."شرح أبي ذر،ص412".
7 الخادر:الداخل في خدره،والخدر هنا غابة الأسد."شرح أبي ذر،ص412".
8 القالة:كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يحكى للبعض عن
البعض."النهاية،ج3،ص284".
(3/956)
صَبَرْنَا،
وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْتَبْنَاهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا
شَدِيدًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا يَقُولُ فِيّ
قَوْمُك ؟ قَالَ: وَمَا يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ:
يَقُولُونَ أَمّا حِينَ الْقِتَالِ فَنَحْنُ أَصْحَابُهُ وَأَمّا حِينَ
الْقَسْمِ فَقَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ وَوَدِدْنَا أَنّا نَعْلَمُ مِنْ
أَيْنَ هَذَا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللّهِ صَبَرْنَا، وَإِنْ كَانَ
مِنْ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَعْتَبْنَاهُ. "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ"؟ فَقَالَ:
سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا كَأَحَدِهِمْ وَإِنّا
لَنُحِبّ أَنْ نَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ قَالَ: رَسُولُ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَاجْمَعْ مَنْ كَانَ هَاهُنَا
مِنْ الْأَنْصَارِ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ". فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ
فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ فَلَمّا
اجْتَمَعُوا لَهُ جَاءَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللّهِ قَدْ اجْتَمَعَ لَك هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ.
فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ،
مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ1 وَجَدْتُمُوهَا فِي
أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا فَهَدَاكُمْ اللّهُ وَعَالَةً2
فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟
قَالُوا: بَلَى، اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ قَالَ: "أَلَا
تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ" ؟ قَالُوا: وَمَاذَا نُجِيبُك
يَا رَسُولَ اللّهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ:
"أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ أَتَيْتنَا
مُكَذّبًا فصدقناك، ومخذولا3 فنصرناك،
ـــــــ
1 الجدة والموجدة: الغضب."الصحاح،ص544".
2 العالة: الفقراء."شرح أبي ذر،ص414".
3 المخذول: المتروك."شرح أبي ذر،ص414".
(3/957)
وَطَرِيدًا
فَآوَيْنَاك، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك1 وَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا
مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهِ
قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ أَفَلَا
تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ
وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟
وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت
امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ
الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْت شِعْبَ الْأَنْصَارِ. أَكْتُبُ لَكُمْ
بِالْبَحْرَيْنِ كِتَابًا مِنْ بَعْدِي تَكُونُ2 لَكُمْ خَاصّةً دُونَ
النّاسِ" فَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مِنْ
الْأَنْصَارِ. قَالُوا: وَمَا حَاجَتُنَا بِالدّنْيَا بَعْدَك يَا
رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ: "إمّا لَا فَسَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً
فَاصْبِرُوا حَتّى تَلْقَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ مَوْعِدَكُمْ
الْحَوْضُ. وَهُوَ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَعُمَانَ ، وَآنِيَتُهُ
أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النّجُومِ. اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ
وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ! قَالَ:
فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا: رَضِينَا يَا
رَسُولَ اللّهِ حَظّا وَقَسْمًا. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرّقُوا.
وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ
ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا
أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ
لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ لَيْلًا ; فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي
تحت3 الوادي
ـــــــ
1 آسيناك: أي أعطيناك حتى جعلناك كأحدنا."شرح أبي ذر،ص415".
2 في الأصل:"يكون".
3 في الأصل:"إلى بحير الوادي". والمثبت من القسطلاني يروي عن
الواقدي."شرح على المواهب اللدنية،ج3،ص48".
(3/958)
بِالْعُدْوَةِ
الْقُصْوَى، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ - فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ
الْأَدْنَى، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَاِتّخَذَ ذَلِكَ
الْحَائِطَ عِنْدَهُ - وَلَمْ يَجُزْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَادِيَ إلّا مُحْرِمًا، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبّي
حَتّى اسْتَلَمَ الرّكْنَ . وَيُقَالُ: لَمّا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ
قَطَعَ التّلْبِيَةَ فَلَمّا أَتَى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عَلَى بَابِ
بَنِي شَيْبَةَ، وَدَخَلَ وَطَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ1 يَرْمُلُ2 مِنْ
الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، ثُمّ خَرَجَ فَطَافَ بَيْنَ الصّفَا
وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَتّى إذَا انْتَهَى إلَى الْمَرْوَةِ
فِي الطّوَافِ السّابِعِ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ ،
حَلَقَهُ أَبُو هِنْدٍ عَبْدُ بَنِي بَيَاضَةَ وَيُقَالُ: حَلَقَهُ
خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ، وَلَمْ يَسُقْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا هَدْيًا . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ مِنْ
لَيْلَتِهِ فَكَانَ كَبَائِتٍ بِهَا، فَلَمّا رَجَعَ إلَى
الْجِعِرّانَةِ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَسَلَكَ فِي وَادِي
الْجِعِرّانَةِ ، وَسَلَكَ مَعَهُ حَتّى خَرَجَ عَلَى سَرِفَ ، ثُمّ
أَخَذَ الطّرِيقَ حَتّى انْتَهَى إلَى مَرّ الظّهْرَانِ.
وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَتّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكّةَ ، وَخَلّفَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يُعَلّمَانِ النّاسَ الْقُرْآنَ
وَالْفِقْهَ فِي الدّينِ . وَقَالَ: لَهُ "أَتَدْرِي عَلَى مَنْ
أَسْتَعْمِلُك" ؟ قَالَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ:
"اسْتَعْمَلْتُك عَلَى أَهْلِ اللّهِ بَلّغْ عَنّي أَرْبَعًا: لَا
يَصْلُحُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا بَيْعٌ مَا
لَمْ يُضْمَنْ وَلَا تَأْكُلْ رِبْحَ مَا لَيْسَ عِنْدَك" أَقَامَ
لِلنّاسِ الْحَجّ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ تِلْكَ السّنَةَ - وَهِيَ
سَنَةُ ثَمَانٍ - بِغَيْرِ تَأْمِيرٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَجّ وَلَكِنّهُ أمير مكة ، وحج
ـــــــ
1 أشواط: جمع شوط، والمراد به المرة الواحدة من الطواف حول البيت وهو
في الأصل مسافة من الأرض يعدوها الفرس"النهاية،ج2 ص240".
2 رمل:أي أسرع في المشي."النهاية،ج2،ص104".
(3/959)
نَاسٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى مُدّتِهِمْ وَيُقَالُ: إنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى
الْحَجّ . وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ.
(3/960)
|