أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر
ج / 1 ص -9-
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين
وسلم كثيرا
ذكر ما كانت الكعبة الشريفة عليه فوق الماء قبل أن
يخلق الله السموات والأرض, وما جاء في ذلك:
أخبرني والدي الفقيه الإمام المحدث صدر الدين
بقية المشايخ أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن
عمر القرشي الميانشي رحمة الله عليه، قال:
حدثنا القاضي الإمام أبو المظفر محمد بن علي
بن الحسين الشيباني الطبري، عن جده الشيخ
الإمام الحسين وعن الشيخ أبي الحسن علي بن خلف
الشامي, عن أبي القاسم خلف بن هبة الله
الشامي، عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم
بن فراس, عن أبي الحسن محمد بن نافع الخزاعي,
عن أبي محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع
الخزاعي, عن أبي الوليد محمد عبد الله بن أحمد
بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو
بن الحارث بن أبي شمر الغساني الأزرقي قال:
حدثنا جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي
قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن بشر بن عاصم عن
سعيد بن المسيب قال: قال كعب الأحبار: كانت
الكعبة غُثاء على الماء قبل أن يخلق الله -عز
وجل- السموات والأرض بأربعين سنة, ومنها دُحيت
الأرض.
قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني مهدي بن
أبي المهدي قال: حدثنا أبو أيوب البصري, عن
هشام عن حميد قال: سمعت مجاهدًا يقول: خلق
الله -عز وجل- هذا البيت قبل أن يخلق شيئًا من
الأرضين.
قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي عن سعيد
بن سالم، عن
ج / 1 ص -10-
طلحة بن عمرو, عن عطاء, عن ابن عباس أنه
قال: لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث
الله تعالى ريحًا هَفَّافة فصَفَقَت الماء فأبرزت عن حَشْقة في موضع
البيت كأنها قبة, فدحا الله الأرضين من تحتها فمادت, ثم مادت فأوتدها
الله تعالى بالجبال, فكان أول جبل وضع فيها أبو قُبَيْس؛ فلذلك سميت
مكة أم القرى1.
قال: وحدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر بن إبراهيم الجبيري, عن عثمان
بن عبد الرحمن, عن هشام, عن مجاهد قال: لقد خلق الله -عز وجل- موضع هذا
البيت قبل أن يخلق شيئًا من الأرض بألفي سنة, وان قواعده لفي الأرض
السابعة السفلى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث في الجامع الصغير 1/ 112 ورمز لضعفه.
ذكر بناء الملائكة الكعبة قبل خلق آدم, ومبتدأ
الطواف كيف كان:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني علي بن هارون بن
مسلم العجلي, عن أبيه قال: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري قال:
حدثني محمد بن علي بن الحسين قال: كنت مع أبي علي بن الحسين بمكة
فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه, إذ جاءه رجل شَرْجَع من الرجال
يقول: طويل فوضع يده على ظهر أبي, فالتفت أبي إليه فقال الرجل: السلام
عليك يابن بنت رسول الله, إني أريد أن أسألك فسكت أبي وأنا والرجل
خلفه, حتى فرغ من أسبوعه فدخل الحجر فقام تحت الميزاب فقمت أنا والرجل
خلفه ليصلي ركعتي أسبوعه, ثم استوى قاعدًا فالتفت إلي فقمت فجلست إلى
جنبه فقال: يا محمد, فأين هذا السائل؟ فأومأت إلى الرجل فجاء فجلس بين
يدي أبي فقال له أبي: عم تسأل؟ قال: أسألك عن بدء هذا الطواف
ج / 1 ص -11-
بهذا البيت لم كان وأنى كان؟ وحيث كان وكيف
كان؟ فقال له أبي: نعم من أين أنت؟ قال: من أهل الشام قال: أين مسكنك؟
قال: في بيت المقدس قال: فهل قرأت الكتابين, يعني: التوراة والإنجيل؟
قال الرجل: نعم قال أبي: يا أخا أهل الشام احفظ ولا تروين عني إلا حقا,
أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تبارك وتعالى قال للملائكة:
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}
فقالت الملائكة: أي رب أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها, ويسفك الدماء,
ويتحاسدون, ويتباغضون, ويتباغون؟! أي رب اجعل ذلك الخليفة منا فنحن لا
نفسد فيها، ولا نسفك الدماء، ولا نتباغض، ولا نتحاسد، ولا نتباغى، ونحن
نسبح بحمدك، ونقدس لك، ونطيعك ولا نعصيك فقال الله تعالى:
{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا
تَعْلَمُونَ} قال: فظنت الملائكة أن ما
قالوا رد على ربهم عز وجل, وأنه قد غضب من قولهم فلاذوا بالعرش، ورفعوا
رءوسهم، وأشاروا بالأصابع يتضرعون، ويبكون إشفاقًا لغضبه وطافوا بالعرش
ثلاث ساعات فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم, فوضع الله تعالى تحت
العرش بيتًا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء, وسمي ذلك
البيت الضُّرَاح1.
ثم قال الله تعالى للملائكة: "طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش" قال:
فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش وصار أهون عليهم وهو البيت المعمور
الذي ذكره الله عز وجل يدخله في كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون
فيه أبدًا.
ثم إن الله -سبحانه وتعالى- بعث ملائكة فقال لهم: "ابنوا لي بيتًا في
الأرض بمثاله وقدره" فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا
بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، فقال الرجل: صدقت يابن
بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هكذا كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ياقوت: الضراح: بيت في السماء حيال الكعبة وهو البيت المعمور،
وقيل: هو الكعبة رفعها الله وقت الطوفان إلى السماء الدنيا, فسميت بذلك
لضرحها عن الأرض أي: بعدها.
ج / 1 ص -12-
ذكر زيارة الملائكة البيت الحرام:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي، قال: حدثنا عبد
الرزاق، قال: حدثنا عمر بن بكار, عن وهب بن منبه، عن ابن عباس, أن
جبريل -عليه السلام- وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه
عصابة حمراء قد علاها الغبار فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"ما هذا الغبار أرى على عصابتك
أيها الروح الأمين؟" قال: إني زرت البيت فازدحمت
الملائكة على الركن, فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها.
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني عثمان بن
يسار قال: بلغني -والله أعلم- أن الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكًا من
الملائكة لبعض أموره في الأرض, استأذنه ذلك الملك في الطواف بالبيت,
فهبط الملك مُهِلّا1.
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه نحو هذا
إلا أنه قال: ويصلي في البيت ركعتين.
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني عباد بن
كثير2، عن ليث بن معاذ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "هذا
البيت خامس خمسة عشر بيتًا، سبعة منها في السماء إلى العرش, وسبعة منها
إلى تخوم الأرض السفلى, وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور, لكل بيت
منها حرم كحرم هذا البيت, لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم
الأرض السفلى, ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه عثمان بن ساج. ولدى صاحب التقريب: "عثمان بن ساج، فيه ضعف".
2 إسناده ضعيف، عباد بن كثير هو: البصري، نزيل مكة، متروك. قال أحمد:
روى أحاديث كذب "التقريب".
ج / 1 ص -13-
يعمره كما يعمر هذا البيت".
حدثني أبو الوليد، قال: وحدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن عثمان, عن وهب
بن منبه، أن ابن عباس أخبره أن جبريل وقف على رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك أيها الروح الأمين؟" قال: إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن, فهذا الغبار الذي
ترى مما تثير بأجنحتها.
ذكر هبوط آدم إلى الأرض, وبنائه الكعبة، وحجه،
وطوافه بالبيت:
حدثنا أبو الوليد, حدثنا جدي، قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن طلحة بن
عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم
إلى الأرض من الجنة، كان رأسه في السماء، ورجلاه في الأرض وهو مثل
الفلك من رعدته, قال: فطأطأ الله عز وجل منه إلى ستين ذراعا، فقال: يا
رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا أحسهم؟ قال: "خطيئتك يا آدم, ولكن
اذهب فابن لي بيتًا فطف به واذكرني حوله, كنحو ما رأيتَ الملائكة تصنع
حول عرشي" قال: فأقبل آدم عليه السلام يتخطى فطويت له الأرض وقبضت له
المفاوز, فصارت كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان من مخاض ماء, أو
بحر فجعل له خطوة.
ولم تقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة, حتى انتهى إلى مكة
فبنى البيت الحرام, وإن جبريل -عليه السلام- ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن
أس ثابت على الأرض السفلى, فقذفت فيه الملائكة الصخر, ما يطيق الصخرة
منها ثلاثون رجلًا.
ج / 1 ص -14-
وإنه بناه من خمسة أجبل من لبنان، وطور
زَيْتا، وطور سينا, والجودي، وحراء حتى استوى على وجه الأرض.
قال ابن عباس: فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم -عليه
السلام- حتى بعث الله الطوفان قال: وكان غضبًا ورجسًا قال: فحيثما
انتهى الطوفان ذهب ريح آدم -عليه السلام- قال: ولم يقرب الطوفان أرض
السند والهند.
قال: فدَرَس موضع البيت في الطوفان, حتى بعث الله تعالى إبراهيم
وإسماعيل, فرفعا قواعده وأعلامه وبنته قريش بعد ذلك, وهو بحذاء البيت
المعمور, لو سقط ما سقط إلا عليه1.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا مهدي بن أبي المهدي، قال: حدثنا إسماعيل بن
عبد الكريم الصنعاني, عن عبد الصمد بن معقل, عن وهب بن منبه أن الله
تعالى لما تاب على آدم -عليه السلام- أمره أن يسير إلى مكة, فطوى له
الأرض وقبض له المفاوز, فصار كل مفازة يمر بها خطوة, وقبض له ما كان
فيها من مخاض ماء أو بحر, فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض
إلا صار عمرانًا وبركة, حتى انتهى إلى مكة.
وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة, حتى إن
كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه, فعزاه الله تعالى بخيمة من
خيام الجنة, ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة.
وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة, فيها ثلاثة قناديل من ذهب
من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها الركن وهو
يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة, وكان كرسيا لآدم -عليه السلام- يجلس
عليه، فلما صار آدم بمكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة, كانوا يحرسونها
ويذودون عنها ساكن الأرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في إسناده: طلحة بن عمرو الحضرمي. قال فيه صاحب التقريب: "متروك".
ج / 1 ص -15-
وساكنها يومئذ الجن والشياطين, فلا ينبغي
لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة؛ لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت
له، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تنجس، ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل
فيها بالخطايا؛ فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة, وجعلهم فيها كما كانوا
في السماء يسبحون الله الليل, والنهار لا يفترون.
وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفًّا واحدًا مستديرين بالحرم الشريف كله،
الحل من خلفهم والحرم كله من أمامهم فلا يجوزهم جن ولا شيطان, ومن أجل
مقام الملائكة حُرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام
الملائكة, وحرم الله -عز وجل- على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم
-عليه السلام- من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة, فلم تنظر إلى شيء
من ذلك حتى قبضت.
وإن آدم -عليه السلام- كان إذا أراد لقاءها ليلم بها للولد, خرج من
الحرم كله حتى يلقاها, فلم تزل خيمة آدم -عليه السلام- مكانها حتى قبض
الله آدم, ورفعها الله تعالى.
وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتًا بالطين والحجارة, فلم يزل
معمورًا يعمره من بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام فنسفه الغرق وخفي
مكانه.
فلما بعث الله تعالى إبراهيم خليله -عليه السلام- طلب الاساس, فلما وصل
إليه ظلل الله تعالى له مكان البيت بغمامة, فكانت حفاف البيت الأول, ثم
لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع الله
القواعد قامة.
ثم انكشفت الغمامة, فذلك قول الله عز وجل:
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}
[الحج: 26] أي: الغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد, فلم
يزل بحمد الله منذ رفعه الله معمورًا.
قال وهب بن منبه: وقرأت في كتاب من الكتب الأولى ذكر فيه أمر
ج / 1 ص -16-
الكعبة فوجد فيه أن ليس من ملك من الملائكة
بعثه الله تعالى إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت, فينقض من عند العرش
محرمًا ملبيًا حتى يستلم الحجر, ثم يطوف سبعًا بالبيت ويركع في جوفه
ركعتين ثم يصعد.
وحدثني محمد بن يحيى, عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن عبد الله بن
لبيد قال: بلغني أن ابن عباس قال: لما أهبط الله سبحانه آدم -عليه
السلام- إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من
رعدته, ثم أنزل عليه الحجر الأسود -يعني الركن- وهو يتلألأ من شدة
بياضه, فأخذه آدم -عليه السلام- فضمه إليه أنسًا به ثم نزلت عليه
العصا, فقيل له: تخط يا آدم فتخطى فإذا هو بأرض الهند والسند, فمكث
بذلك ما شاء الله ثم استوحش إلى الركن, فقيل له: احجج قال: فحج فلقيته
الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم, لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام1.
وحدثني جدي، قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, قال: أخبرني
محمد بن إسحاق قال: بلغني أن آدم -عليه السلام- لما أهبط إلى الأرض حزن
على ما فاته مما كان يرى ويسمع في الجنة من عبادة الله عز وجل, فبوأ
الله له البيت الحرام وأمره بالسير إليه, فسار إليه لا ينزل منزلًا إلا
فجر الله له ماء معينا, حتى انتهى إلى مكة فأقام بها يعبد الله عند ذلك
البيت ويطوف به, فلم تزل داره حتى قبضه الله بها2.
حدثني جدي، قال: حدثني سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, قال: بلغني أن
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لكعب: يا كعب, أخبرني عن البيت
الحرام قال كعب: أنزله الله تعالى من السماء ياقوتة مجوفة مع آدم -عليه
السلام- فقال له: "يا آدم, إن هذا بيتي أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف
حول عرشي، ويصلى حوله كما يصلى حول عرشي" ونزلت معه الملائكة فرفعوا
قواعده من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في إسناده: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال صاحب التقريب: "متروك".
2 في إسناده: عثمان بن ساج، فيه ضعف.
ج / 1 ص -17-
حجارة، ثم وضع البيت عليه فكان آدم -عليه
السلام- يطوف حوله كما يطاف حول العرش، ويصلي عنده كما يصلى عند العرش,
فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء, وبقيت قواعده1.
حدثني جدي, قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن أبان بن أبي
عياش قال: بلغنا عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه- سأل كعبًا, ثم نسق مثل الحديث الأول.
وحدثني جدي, قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, عن ابن عباس -رضوان الله
عليه- قال: كان آدم -عليه السلام- أول من أسس البيت, وصلى فيه حتى بعث
الله الطوفان2.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني, عن
معمر عن أبان أن البيت أهبط ياقوتة لآدم -عليه السلام- أو درة واحدة.
وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم القداح, عن عثمان بن ساج, عن وهب
بن منبه قال: كان البيت الذي بوأه الله تعالى لآدم عليه السلام يومئذ
ياقوتة من يواقيت الجنة حمراء تلتهب، لها بابان أحدهما شرقي والآخر
غربي, وكان فيه قناديل من نور آنيتها ذهب من تبر الجنة وهو منظوم بنجوم
من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه, وهو يومئذ ياقوتة بيضاء3.
حدثنا جدي، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثنا
المغيرة بن زياد, عن عطاء بن أبي رباح قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة
أمر العمال أن يبلغوا في الأرض, فبلغوا صخرًا أمثال الإبل الخلف قال:
فقالوا: إنا قد بلغنا صخرًا معمولًا أمثال الإبل الخلف قال: قال: زيدوا
فاحفروا، فلما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في إسناده: عثمان بن ساج، سبق التعليق عليه.
2 فيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، سبق التعليق عليه.
3 فيه عثمان بن ساج، سبق التعليق عليه.
ج / 1 ص -18-
زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم فقال: ما
لكم؟ قالوا: لسنا نستطيع أن نزيد، رأينا أمرًا عظيمًا فلا نستطيع. فقال
لهم: ابنوا عليه، قال: فسمعت عطاء يقول: يرون أن ذلك الصخر مما بنى آدم
عليه السلام.
وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن الزهري, عن عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة, عن ابن عباس, خر آدم ساجدًا يبكي فهتف به
هاتف فقال: "ما يبكيك يا آدم؟" قال: أبكاني أنه حيل بيني وبين تسبيح
ملائكتك وتقديس قدسك، فقيل له: "يا آدم، قم إلى البيت الحرام" فخرج إلى
مكة فكان حيث يضع قدميه يفجر عيونًا، وعمرانًا، ومدائن وما بين قدميه
الخراب والمعاطش, فبلغني أن آدم -عليه السلام- تذكر الجنة فبكى، فلو
عدل بكاء الخلق ببكاء آدم حين أخرج من الجنة ما عدله, ولو عدل بكاء
الخلق وبكاء آدم عليه السلام ببكاء داود حين أصاب الخطيئة ما عدله.
حدثني جدي قال: أخبرنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن وهب بن منبه
أن آدم عليه السلام اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة حتى إن
كانت الملائكة لتحزن لحزنه، ولتبكي لبكائه قال: فعزاه الله بخيمة من
خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة, وتلك
الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر
الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، فلما صار آدم عليه السلام إلى مكة
وحرس له تلك الخيمة بالملائكة, فكانوا يحرسونه ويذودون عنها سكان
الأرض، وسكانها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء
من الجنة؛ لأنه من نظر إلى شيء منها وجبت له، والأرض يومئذ نقية طاهرة
طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا؛ فلذلك
جعلها الله يومئذ مستقر الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء
يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال: فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى
قبض الله آدم -عليه السلام- ثم رفعها إليه.
ج / 1 ص -19-
حدثني مهدي بن أبي المهدي، عن عبد الله بن
معاذ الصنعاني, عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل
{وَإِذْ
بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ
مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26] قال: وضع الله
تعالى البيت مع آدم -عليه السلام- فأهبط الله تعالى آدم إلى الأرض،
وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت
الملائكة تهابه فقبض إلى ستين ذراعًا فحزن آدم عليه السلام إذ فقد
أصوات الملائكة وتسبيحهم, فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى:
"يا آدم, إني أهبطت معك بيتًا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي" فانطلق
إليه فخرج آدم -عليه السلام- ومد له في خطوه فكان خطوتان أو بين خطوتين
مفازة, فلم يزل على ذلك، فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به، ومن بعده
من الأنبياء.
حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران, عن عمر بن أبي معروف, عن
عبد الله بن أبي زياد أنه قال: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام من
الجنة قال: "يا آدم, ابن لي بيتًا بحذاء بيتي الذي في السماء, تتعبد
فيه أنت وولدك كما تتعبد ملائكتي حول عرشي" فهبطت عليه الملائكة فحفر
حتى بلغ الأرض السابعة, فقذفت الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض,
وهبط آدم عليه السلام بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض, فوضعها
على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق, فرفعها الله
سبحانه1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه عبد العزيز بن عمران، متروك. احترقت كتبه فحدث من حفظه, فاشتد
غلطه "التقريب".
ج / 1 ص -20-
ما جاء في حج آدم -عليه السلام-
ودعائه لذريته:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي, عن سعيد بن
سالم عن عثمان بن ساج قال: حُدثت أن آدم عليه السلام خرج حتى قدم مكة
فبنى البيت، فلما فرغ من بنائه قال: أي رب, إن لكل أجير أجرًا وإن لي
أجرًا، قال: "نعم، فاسألني" قال: أي رب, تردني من حيث أخرجتني، قال:
"نعم ذلك لك" قال: أي رب, ومن خرج إلى هذا البيت من ذريتي يقر على نفسه
بمثل الذي قررت به من ذنوبي أن تغفر له قال: "نعم ذلك لك"1.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا محمد بن يحيى, عن إبراهيم بن محمد بن أبي
يحيى عن أبي المليح أنه قال: كان أبو هريرة يقول: حج آدم -عليه السلام-
فقضى المناسك فلما حج قال: يا رب إن لكل عامل أجرًا قال الله تعالى:
"أما أنت يا آدم فقد غفرت لك, وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء
بذنبه غفرت له".
فحج آدم -عليه السلام- فاستقبلته الملائكة بالرحمة فقالت: بر حجك يا
آدم, قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فما كنتم تقولون حوله؟
قالوا: كنا نقول: سبحان الله، والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله
أكبر قال: فكان آدم عليه السلام إذا طاف بالبيت يقول هؤلاء الكلمات,
وكان طواف آدم عليه السلام سبعة أسابيع بالليل, وخمسة أسابيع بالنهار.
قال نافع: كان ابن عمر -رحمه الله- يفعل ذلك.
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني هشام بن سليمان المخزومي, عن عبد الله
بن أبي سليمان مولى بني مخزوم أنه قال: طاف آدم عليه السلام سبعًا
بالبيت حين نزل، ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين، ثم أتى الملتزم فقال:
اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي, وتعلم ما في نفسي وما
عندي فاغفر لي ذنوبي, وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، اللهم إني أسألك
إيمانًا يباشر قلبي ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت
لي, والرضا بما قضيت علي.
قال: فأوحى الله تعالى إليه: "يا آدم, قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك،
ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه وهمومه, وكففت عليه ضيعته،
ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغناء بين عينيه، وتجرت له من وراء تجارة
كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها". قال: فمذ طاف آدم
-عليه السلام- كانت سنة الطواف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيه عثمان بن ساج، سبق التعليق عليه.
ج / 1 ص -21-
"سنة الطواف":
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج، قال: حدثني موسى
بن عبيد, عن محمد بن المنكدر قال: كان أول شيء عمله آدم -عليه السلام-
حين أهبط من السماء, طاف بالبيت فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا
آدم, طفنا بهذا البيت قبلك بألفي سنة.
حدثني جدي, عن سفيان بن عيينة, عن الحرام بن أبي لبيد المدني قال: حج
آدم -عليه السلام- فلقيته الملائكة فقالوا: يا آدم بر حجك, قد حججنا
قبلك بألفي عام.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, قال: أخبرني سعيد أن آدم
عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيًا، وأن الملائكة لقيته
بالمأزمين فقالوا: بر حجك يا آدم, أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام.
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن طلحة بن عمرو الحضرمي, عن عطاء بن أبي
رباح عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: حج آدم عليه السلام وطاف بالبيت
سبعًا, فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم, أما إنا قد
حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام, قال: فما كنتم تقولون في الطواف؟
قالوا: كنا نقول: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله
أكبر, قال آدم -عليه السلام: فزيدوا فيها: ولا حول ولا قوة إلا بالله
قال: فزادت الملائكة فيها ذلك.
ج / 1 ص -22-
قال: ثم حج إبراهيم -عليه السلام- بعد
بنيانه البيت, فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم
إبراهيم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فأعلمناه ذلك فقال
آدم -عليه السلام: زيدوا فيها: ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال
إبراهيم: زيدوا فيها: العلي العظيم قال: ففعلت الملائكة ذلك. |