أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

ج / 1 ص -220-        ما يقال عند النظر إلى الكعبة:
حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن إبراهيم عن طريف, عن حميد بن يعقوب, عن ابن المسيب قال: سمعت من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلمة ما بقي أحد ممن سمعها منه غيري, سمعته يقول حين رأى البيت: اللهم أنت السلام ومنك السلام, فحينا ربنا بالسلام.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد, عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام, فحينا ربنا بالسلام.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج قال: حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"ترفع الأيدي في سبعة مواطن: في بدء الصلاة، وإذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة, وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت".
وحدثني جدي، عن مسلم بن خالد, عن ابن جريج قال: حدثت عن مكحول أنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى البيت رفع يديه فقال:
"اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا  وتكريمًا ومهابة, وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبرًّا"، ثم يقول الذي حدثني هذا الحديث وذلك حين دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة: ابن جريج هو  القائل.
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني غالب بن عبد الله, عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا نظر إلى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام, فحينا ربنا بالسلام.

 

ج / 1 ص -221-        ما جاء في أسماء الكعبة, ولم سميت الكعبة؟ ولئلا يبنى بيت يشرف عليها:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح قال: إنما سميت الكعبة؛ لأنها مكعبة على خلقة الكعب قال: وكان الناس يبنون بيوتهم مدورة تعظيمًا للكعبة, فأول من بنى بيتًا مربعًا حميد بن زهير فقالت قريش: ربع حميد بن زهير بيتًا، إما حياة وإما موتًا1.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري, عن إبراهيم بن طهمان, عن إبراهيم بن أبي المهاجر, عن مجاهد, عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: إنما سميت بكة؛ لأنه يجتمع فيها الرجال والنساء.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري, عن أبي عوانة, عن مغيرة, عن إبراهيم قال: بكة موضع البيت، ومكة القرية.
وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم, عن ابن جريج أنه كان يقول: إنما سميت بكة؛ لتباك الناس بأقدامهم قدام الكعبة, ويقال: إنما سميت بكة؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة.
حدثني جدي, عن ابن عيينة, عن ابن شيبة الحجبي, عن شيبة بن عثمان أنه كان يشرف فلا يرى بيتًا مشرفًا على الكعبة إلا أمر بهدمه.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي قال: إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه عتق من الجبابرة، قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب الزهري أنه بلغه إنما سمي البيت العتيق من أجل أن الله -عز وجل-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص31.

 

ج / 1 ص -222-        أعتقه من الجبابرة، قال عثمان: وقال مجاهد والسدي: إنما سمي البيت العتيق الكعبة أعتقها الله من الجبابرة, فلا يتجبرون فيها إذا طافوا, وكان البيت يدعى "قادسًا" ويدعى "ناذرًا" ويدعى "القرية القديمة" ويدعى "البيت العتيق".
قال عثمان: وأخبرني النضر بن عربي, عن مجاهد قال: البيت العتيق أعتقه الله -عز وجل- من كل جبار, فلا يستطيع جبار يدعي أنه له، ولا يقال: بيت فلان ولا ينسب إلا إلى الله عز وجل.
حدثنا جدي, عن داود بن عبد الرحمن, عن ابن جريج, عن مجاهد قال: من أسماء مكة1 هي "مكة" وهي "بكة" وهي "أم رحم" وهي "أم القرى" وهي "صلاح" وهي "كوثى" وهي "الباسة" وأول من تقدم في صلاح فأسمع أهلها, وأول من أذن بمكة حبيب بن عبد الرحمن.
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت، ومكة هي الحرم كله، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي في قول الله عز وجل:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] قال: وهي الكعبة.
قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد قال: سمعته يقول: بكة  البيت وما حواليه مكة, وإنما سميت بكة؛ لأن الناس يبك بعضهم بعضًا في الطواف.
وقال غيره:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} أول مسجد بني للناس المؤمنين الذي ببكة، وبكة ما بين الجبلين تبك الرجال والنساء, لا يضر أحد كيف صلى إن مر أحد بين يديه، ومكة الحرم كله والبيت قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل مكة، والحرم قبلة الناس كلهم مبارك، فيه المغفرة وتضعيف الأجر في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في أسماء مكة: شفاء الغرام 1/ 75.

 

ج / 1 ص -223-        الطواف والصلاة تعدل مائة صلاة {وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} قبلة لهم.
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن أبان, عن زيد بن أسلم قال: بكة الكعبة والمسجد مبارك للناس، ومكة ذو طوى وهو بطن مكة الذي ذكره الله -عز وجل- في سورة الفتح.
وحدثني جدي, عن ابن أبي يحيى قال: بلغني أن أسماء مكة: "مكة" و"بكة" و"أم رحم" و"أم القرى" و"الباسة" و"البيت العتيق" و"الحاطمة" تحطم من استخف بها و"الباسة" تبسهم بسًّا أي: تخرجهم  إخراجًا إذا غشموا وظلموا.
وحدثني جدي, عن مسلم بن خالد, عن ابن خيثم, عن يوسف بن ماهك قال: كنت جالسًا مع عبد الله بن عمرو بن العاص في ناحية المسجد الحرام, إذ نظر إلى بيت مشرف على أبي قبيس فقال: أبيت ذلك؟ فقلت: نعم فقال: إذا رأيت بيوتها -يعني بذلك مكة- قد علت أخشبيها وفجرت بطونها أنهارًا، فقد أزف الأمر1.
قال أبو الوليد: قال جدي: لما بنى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس داره التي بمكة على الصيارفة حيال المسجد الحرام, أمر قوامه أن لا يرفعوها فيشرفوا بها على الكعبة، وأن يجعلوا أعلاها دون الكعبة فتكون دونها؛ إعظامًا للكعبة أن تشرف عليها2.
قال جدي: فلم تبق بمكة دار لسلطان ولا غيره حول المسجد الحرام تشرف على الكعبة إلا هدمت أو خربت إلا هذه الدار, فإنها على حالها إلى اليوم3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص31.
2 أورد ابن فهد بنصه في حسن القرى ص9 نقلًا عن المصنف.
3 حسن القرى ص9.

 

ج / 1 ص -224-        ما جاء في قول الله عز وجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}:
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن محمد بن السائب الكلبي قال: أما
{مَثَابَةً لِلنَّاسِ} فإن الناس لا يقضون منه وطرًا يثوبون إليه كل عام، وأما أمنًا فإن الله عز وجل جعله أمنًا, من دخله كان آمنًا, ومن أحدث حدثًا في بلد غيره ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله, ولكن أهل مكة لا ينبغي لهم أن يكنوه، ولا يكسوه، ولا يأووه، ولا يبايعوه, ولا يطعموه، ولا يسقوه, فإذا خرج أقيم عليه الحد، ومن أحدث فيه حدثًا أخذ بحدثه.

ما جاء في قول الله سبحانه: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- القلائد حين جاء الإسلام.
قال عثمان: وأخبرني النضر بن عربي, عن عكرمة قال:
{قِيَامًا لِلنَّاسِ} نظامًا لهم {وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} قال: كان ذلك في الجاهلية قيامًا, من أجل من ذلك شيئًا عجلت له العقوبة على إحلاله.
قال عثمان: أخبرني محمد بن السائب الكلبي قال:
{قِيَامًا لِلنَّاسِ} أمنًا للناس {وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} كل هذا كان أمنًا للناس في

 

ج / 1 ص -225-        جاهليتهم ومن بعدما أسلموا.
قال عثمان: قال الضحاك:
{قِيَامًا لِلنَّاسِ} قيامًا لدينهم, ومعالم حجهم.
قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة قال: جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس, وما ذكر من الشهر الحرام والهدي والقلائد حياة لهم في دينهم ومعايشهم, لا يستحلون ذلك وأن يأمنوا في ذلك.
قال عثمان: وقال السدي:
{قِيَامًا لِلنَّاسِ} هو قيام لدينهم وحجهم {وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} قيام للهدي والقلائد لا يستحلون فيه.

ما جاء في تطهير إبراهيم وإسماعيل البيت للطائفين والقائمين والركع السجود, وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن ابن جريج قال: قال عطاء: عن عبيد بن عمير الليثي قال: {طَهِّرَا بَيْتِيَ} من الآفات والريب, قال ابن جريج: الآفات: الشرور والريب، قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي أن الله عهد إلى إبراهيم -عليه السلام- إذ بنى البيت أن طهره من الأوثان, فلا ينصب حوله وثن, وأما الطائفون فمن اعتز به من بلد غيره وأما العاكفون والقائمون فأهل البلد, والركع السجود فأهل الصلاة، قال السدي: {طَهِّرَا بَيْتِيَ} يعني: أمنا بيتي.
قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق أن الله -عز وجل- لما أمر إبراهيم بعمارة البيت الحرام ورفع قواعده وتطهيره للطائفين والعاكفين عنده والركع السجود وهو يومئذ بالبيت المقدس من إيلياء وإسحاق فيما يذكرون يومئذ وصيف خرج إبراهيم حتى قدم مكة, وإسماعيل قد نكح النساء.
وحدثني جدي, عن ابن عيينة, عن سفيان بن سعيد الثوري، عن جابر الجعفي, عن مجاهد وعطاء في قوله تعالى:
{سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] قال: {الْعَاكِفُ فِيهِ} أهل مكة، والبادي: الغرباء سواء هم في حرمته.

 

ج / 1 ص -226-        ما جاء في أول من استصبح حول الكعبة, وفي المسجد الحرام بمكة, وليلة هلال المحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا إسحاق بن نافع يقال له: الجارف -وليس هو الخزاعي الذي حدث عنه أبو الوليد- عن ابن بزيع بن شموءل قال: سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول: بلغنا أن أول من استصبح لأهل الطواف في المسجد الحرام عقبة بن الأزرق بن عمرو, وكانت داره لاصقة بالمسجد الحرام من ناحية وجه الكعبة, والمسجد يومئذ ضيق ليس بين جدر المسجد وبين المقام إلا شيء يسير, فكان يضع على حرف داره، وجدر داره وجدر المسجد واحد، مصباحًا كبيرًا يستصبح فيه فيضيء له وجه الكعبة والمقام وأعلى المسجد، قال: وأول من أجرى للمسجد زيتًا وقناديل, معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليه.
حدثني جدي قال: وحدثني عبد الرحمن بن أبي الحسن بن القاسم بن عقبة بن الأزرق عن أبيه قال: أول من استصبح لأهل الطواف وأهل المسجد الحرام جدي عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني, كان يضع على حرف داره مصباحًا عظيمًا فيضيء لأهل الطواف وأهل1 المسجد, وكانت داره لاصقة بالمسجد والمسجد يومئذ ضيق إنما جدراته جدرات دور الناس قال: فلم يزل يضع ذلك المصباح  على حرف داره, حتى كان خالد بن عبد الله القسري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب, وفي الأصل أ: "أعلى".

 

ج / 1 ص -227-        فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبد الملك بن مروان, فمنعنا أن نضع ذلك المصباح فرفعناه، قال: فدخلت دارنا تلك في المسجد حين وسع، دخل بعضها حين وسع ابن الزبير المسجد, ودخلت بقيتها في توسيع المهدي الأول.
حدثني جدي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: كان عمر بن عبد العزيز يأمر الناس ليلة هلال المحرم يوقدون النار في فجاج مكة, ويضعون المصابيح للمعتمرين مخافة السرق، قال أبو الوليد: فلم يزل مصباح زمزم على عمود طويل مقابل الركن الأسود الذي وضعه خالد بن عبد الله القسري, فلما كان محمد بن سليمان على مكة في خلافة المأمون في سنة ست عشرة ومائتين, وضع عمودًا طويلًا مقابله بحذاء الركن الغربي, فلما ولي مكة محمد بن داود جعل عمودين طويلين أحدهما بحذاء الركن اليماني والآخر بحذاء الركن الشامي, فلما ولي هارون الواثق بالله أمر بعمد من شبه طوال عشرة, فجعلت حول الطواف يستصبح عليها لأهل الطواف, وأمر بثماني ثريات كبار يستصبح فيها وتعلق في المسجد الحرام, في كل وجه اثنتان.
وحدثني جدي قال: أول من استصبح بين الصفا والمروة خالد بن عبد الله القسري في خلافة سليمان بن عبد الملك في الحج وفي رجب، قال أبو الوليد: قال جدي: أول من أثقب النفاطات بين الصفا والمروة في ليالي الحج وبين المأزمين -مأزمي عرفة- أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله الطاهر بن عبد الله بن طاهر, سنة حج في سنة تسع عشرة ومائتين, فجرى ذلك إلى اليوم.
قال الخزاعي: أخبرني أبو عمران موسى بن منويه قال: أخبرني الثقة, أن هذه العمد الصفر كانت في قصر بابك الخرمي بناحية أرمينية, كانت في صحن داره يستصبح فيها, فلما خذله الله وقتل بابك وأتي برأسه إلى سامراء وطيف به

 

ج / 1 ص -228-        في البلدان وكان قد قتل خلقًا عظيمًا من المسلمين وأراح الله منه، هدمت داره وأخذت هذه الأعمدة التي حول البيت الحرام في الصف الأول، ومنها في دار الخلافة أربعة أعمدة وبعث بهذه  الأعمدة المعتصم بالله أمير المؤمنين في سنة مائتين ونيف وثلاثين, فهذا خبر الأعمدة الصفر التي حول الكعبة وهي عشر أساطين, وكانت أربع عشرة أسطوانة فأربع في دار الخلافة بسامراء.