أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر
ذكر ما كان عليه ذرع الكعبة حتى صار إلى ما هو
عليه اليوم من خارج وداخل:
قال أبو الوليد: كان إبراهيم خليل الرحمن بنى
الكعبة البيت الحرام, فجعل طولها في السماء
تسعة أذرع وطولها في الأرض ثلاثين ذراعًا
وعرضها في الأرض اثنين وعشرين ذراعًا. وكان
غير مسقف في عهد إبراهيم ثم بنتها قريش في
الجاهلية والنبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ
غلام فزادت في طولها في السماء تسعة أذرع
أخرى, فكانت في السماء ثمانية عشر ذراعًا
وسقفوها ونقصوا من طولها في الأرض ستة أذرع
وشبرًا, فتركوها في الحجر واستقصرت دون قواعد
إبراهيم وجعلوا ربضًا في بطن الكعبة وبنوا
عليه حين قصرت بهم النفقة وحجروا الحجر على
بقية البيت؛ لأن يطوف الطائف من ورائه, فلم
يزل على ذلك حتى كان زمن عبد الله بن الزبير
فهدم الكعبة وردها إلى قواعد إبراهيم, وزاد في
طولها في السماء تسعة أذرع أخرى على بناء
قريش, فصارت في السماء سبعة وعشرين ذراعًا،
وأوطأ بابها بالأرض, وفتح في ظهرها بابًا آخر
مقابل هذا الباب، وكانت على ذلك حتى قتل ابن
الزبير وظهر الحجاج وأخذ مكة، فكتب إليه عبد
الملك بن مروان يأمره أن يهدم ما كان ابن
الزبير زاد من الحجر في الكعبة, ففعل وردها
إلى قواعد قريش التي استقصرت في بطن البيت,
وكبسها بما فضل من حجارتها, وسد بابها الذي في
ظهرها, ورفع بابها هذا الذي في وجهها, والذي
هي عليه اليوم من الذرع.
ج / 1 ص -229-
باب ذرع البيت من خارج1:
طولها في السماء سبعة وعشرون ذراعًا، وذرع طول
وجه الكعبة من الركن الأسود إلى الركن الشامي خمسة وعشرون ذراعًا، وذرع
دبرها من الركن اليماني إلى الركن الغربي خمسة وعشرون ذراعًا، وذرع
شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرون ذراعًا، وذرع
شقها الذي فيه الحجر من الركن الشامي إلى الركن الغربي أحد وعشرون
ذراعًا، وذرع جميع الكعبة مكسرًا أربعمائة ذراع وثمانية عشر ذراعًا،
وذرع نفذ جدار الكعبة ذراعان، والذراع أربع وعشرون إصبعًا، والكعبة لها
سقفان أحدهما فوق الآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: شفاء الغرام 1/ 176.
ذرع الكعبة من داخلها1:
قال أبو الوليد: ذرع طول الكعبة في السماء من داخلها إلى السقف الأسفل
مما يلي باب الكعبة ثمانية عشر ذراعًا ونصف, وطول الكعبة في السماء
إلى السقف الأعلى عشرون ذراعًا، وفي سقف الكعبة أربع روازن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: شفاء الغرام 1/ 176.
ج / 1 ص -230-
نافذة من السقف الأعلى إلى السقف الأسفل
للضوء، وعلى الروازن رخام كان ابن الزبير أتى به من اليمن من صنعاء
يقال له: البلق، وبين السقفين فرجة، وذرع التحجير الذي فوق ظهر سطح
الكعبة ذراعان ونصف, وذرع عرض جدر التحجير كما يدور ذراع، وفي التحجير
ملبن مربع من ساج في جدرات سطح الكعبة كما يدور، وفيه حلق حديد تشد
فيها ثياب الكعبة.
وكانت أرض سطح الكعبة بالفسيفساء ثم كانت تكف عليهم إذا جاء المطر,
فقلعته الحجبة بعد السنة المائتين وشيدوه بالمرمر المطبوخ والجص، شيد
به تشييدًا، وميزاب الكعبة في وسط الجدر الذي يلي الحجر بين الركن
الشامي والركن الغربي يسكب في بطن الحجر، وذرع طول الميزاب أربعة أذرع،
وسعته ثماني أصابع في ارتفاع مثلها، والميزاب ملبس صفائح ذهب داخله
وخارجه.
وكان الذي جعل عليه الذهب الوليد بن عبد الملك، وذرع مسيل الماء في
الجدر ذراع وسبع عشرة إصبعًا، وذرع داخل الكعبة من وجهها من الركن الذي
فيه الحجر الأسود إلى الركن الشامي وفيه باب الكعبة تسعة عشر ذراعًا
وعشر أصابع، وذرع ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي وهو الشق الذي
يلي الحجر خمسة عشر ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا، وذرع ما بين الركن
الغربي إلى الركن اليماني وهو ظهر الكعبة عشرون ذراعًا وست أصابع،
وذرع ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود ستة عشر ذراعًا وست أصابع.
وفي الكعبة ثلاثة كراسي من ساج طول كل كرسي في السماء ذراع ونصف وعرض
كل كرسي منها ذراع وثماني أصابع في مثلها، والكراسي ملبسة ذهب وفوق
الذهب ديباج وتحت الكراسي رخام أحمر بقدر سعة الكراسي, وطول الرخام في
السماء سبع أصابع وعلى الكراسي أساطين متفرقة ملبسة، الأسطوانة الأولى
التي على باب الكعبة ثلثها ملبس صفائح ذهب وفضة وبقيتها مموهة, وذرع
غلظها ذراعان ونصف وفوق الأساطين كراسي ساج مربعة منقوشة بالذهب
والزخرف, وعلى الكراسي ثلاث جوايز
ج / 1 ص -231-
ساج أطرافها على الجدر الذي فيه باب
الكعبة, وأطرافها الأخرى على الجدر الذي يستقبل باب الكعبة وهو دبرها،
والجوايز منقوشة بالذهب والزخرف وسقف الكعبة منقوش بالذهب والزخرف,
ويدور تحت السقف إفريز منقوش بالذهب والزخرف, وتحت الإفريز طوق من
فسيفساء.
ذرع ما بين الأساطين:
وذرع ما بين الجدر الذي يلي الركن الأسود والركن
اليماني إلى الأسطوانة الأولى أربعة أذرع ونصف, وذرع ما بين الأسطوانة
الأولى إلى الأسطوانة الثانية أربعة أذرع ونصف, وذرع ما بين الأسطوانة
الثانية إلى الأسطوانة الثالثة أربعة أذرع ونصف, وذرع ما بين الأسطوانة
الثالثة إلى الجدر الذي يلي الحجر ذراعان وثماني أصابع, وبين الأساطين
من المعاليق سبعة وعشرون معلاقًا، والمعاليق في ثلثي الأساطين
والمعاليق في عمد حديد وسلاسل المعاليق فضة, وبين الجدر الذي بين الحجر
الأسود والركن اليماني إلى الأسطوانة الأولى أحد عشر معلاقًا, ومن
الأسطوانة الأولى إلى الأسطوانة الثانية ثمانية معاليق فيها تاجان, ومن
الأسطوانة الثانية إلى الأسطوانة الثالثة ثمانية وبقيتها مموهة، ثم
أمرت السيدة أم أمير المؤمنين في سنة عشر وثلاثمائة غلامها لؤلؤا بأن
يلبسها كلها ذهبًا, وهذه المعاليق على ما وصفنا إلى سنة تسع وثلاثين
ومائتين.
ج / 1 ص -232-
صفة الروازن التي للضوء في سقف
الكعبة:
قال أبو الوليد: وفي سقف الكعبة أربع روازن,
منها: روزنة حيال الركن الغربي, والثانية حيال الركن اليماني, والثالثة
حيال الركن الأسود, والرابعة حيال الأسطوانة الوسطى، وهي التي تلي
الجدر بين الركن الأسود والركن اليماني، والروازن مربعة في أعلاها رخام
يماني, يدخل منه الضوء إلى بطن الكعبة.
صفة الجزعة وذرعها:
قال أبو الوليد: وفي الجدر الذي مقابل باب
الكعبة وهو دبرها جزعة سوداء مخططة ببياض وذرع سعتها انتا عشر أصبعًا
في مثلها وهي مدورة, وحولها طوق ذهب عرضه ثلاث أصابع وهي تستقبل من دخل
من باب الكعبة وارتفاعها من بطن الكعبة ستة أذرع ونصف, يقال: إن النبي
-صلى الله عليه وسلم- صلى مقابل موضعها، جعلها حيال حاجبه الأيمن، قال
أبو الوليد: وهذه الجزعة أرسل بها الوليد بن عبد الملك فجعلت هناك.
صفة الدرجة:
وفي الكعبة إذا دخلتها على يمينك درجة يظهر
عليها إلى سطح الكعبة وهي مربعة مع جدري الكعبة في زاوية الركن الشامي
منها داخل في الكعبة
ج / 1 ص -233-
من جدرها الذي فيه بابها ثلاثة أذرع ونصف،
وذرع الجدر الآخر الذي يلي الحجر ثلاثة أذرع ونصف، وذرع باب الدرجة في
السماء ثلاثة أذرع ونصف، وذرع عرضه ذراع ونصف، وبابها ساج فرد أعسر وهو
في حد جدر الكعبة وكان ساجه باديًا ليس عليه ذهب ولا فضة, حتى أمر به
أمير المؤمنين المتوكل على الله فضربت على الباب صفائح من فضة, وجعل له
غلقا من فضة في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائتين، وعلى الباب ملبن ساج
ملبس فضة، وفي الباب حلقة فضة, وعلى الباب قفل من حديد في الملبن الذي
يلي جدار الكعبة وباب الدرجة عن يمين من دخل الكعبة مقابله, وطول
الدرجة في السماء من بطن الكعبة عشرون ذراعًا وعدد أضفارها ثمانية
وأربعون ضفرًا, وفيها ثماني مستراحات وعرض الدرجة ذراع وأربع أصابع,
وفي الدرجة ثماني كواء داخلة في الكعبة منها أربع حيال الباب وأربع
حيال الأسطوانة التي تلي الجدر الذي يلي الحجر, وعلى بابها الذي يلي
سطح الكعبة باب ساج طوله ذراعان ونصف, وعرض ذلك الباب ذراعان.
صفة الإزار1
الرخام الأسفل الذي في بطن الكعبة:
وبطن الكعبة موزرة مدارة من داخلها برخام أبيض وأحمر وأخضر وألواح
ملبسة ذهبًا وفضة وهما إزاران، إزار أسفل فيه ثمانية وثلاثون لوحًا طول
كل لوح ذراعان وثماني أصابع, من ذلك الألواح البيض أحد وعشرون لوحًا,
منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني سبعة ألواح، ومنها
في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود ستة ألواح، ومنها في
الملتزم لوحان, ومنها في الجدر الذي فيه باب الكعبة ثلاثة ألواح، ومنها
في الجدر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إزار الحائط: ما يلصق به بأسفله للتقوية أو الصيانة أو الزينة.
ج / 1 ص -234-
الذي يلي الحجر أربعة ألواح، وعدد الألواح
الخضر تسعة عشر لوحًا, منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن
اليماني أربعة، ومنها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني
أربعة، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والحجر الأسود أربعة,
ومنها في الجدر الذي فيه الباب خمسة، ومنها في الملتزم لوحان، ومنها في
الجدر الذي يلي الحجر أربعة.
صفة الإزار الأعلى:
قال أبو الوليد: وفي الإزار الأعلى الثاني اثنان
وأربعون لوحًا, طول كل لوح أربعة أذرع وأربع أصابع.
الألواح البيض من ذلك عشرون لوحًا, منها في الجدر الذي بين الركن
اليماني والركن الأسود خمسة، ومنها لوح في الملتزم، ومنها في الجدر
الذي فيه الباب خمسة، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر تسعة.
ومن الألواح الحمر تسعة، منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن
اليماني ثلاثة، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود
لوحان، ومنها في الجدر الذي فيه الباب لوحان، ومنها في الجدر الذي يلي
الحجر لوحان.
ومن الألواح الخضر ستة، منها في الجدر الذي بين الركن الغربي والركن
اليماني لوحان، ومنها في الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود
لوحان، ومنها في الجدر الذي يلي الحجر لوحان.
ومن الألواح الملبسة الذهب والفضة التي في الأركان ستة ألواح, طول كل
لوح منها أربعة أذرع وأربع أصابع, وعرض كل لوح منها ذراع وأربع أصابع,
منها لوح في طرف زاوية الجدر الذي يلي الدرجة وهو الشامي, ولوح في
ج / 1 ص -235-
زاوية الركن الغربي, وهو مما يلي الحجر,
وفي طرف الجدر الذي بين الركن الغربي والركن اليماني لوحان, وفي طرف
الجدر الذي بين الركن اليماني والركن الأسود لوح وهو مما يلي الركن
اليماني، وفي الملتزم لوح, وفي الجدر الذي على يمينك إذا دخلت الكعبة
لوح.
صفة المسامير التي في بطن الكعبة:
قال أبو الوليد: وفي الألواح من المسامير ستة عشر مسمارًا، منها في
الألواح التي تلي الملتزم ثلاثة، وفي الألواح التي بين الركن اليماني
والركن الأسود وهي التي تلي الركن اليماني ثلاثة، ومنها مسمار في بطن
الكعبة على ثلاثة أذرع ونصف، وفي بقية الألواح مسمار أو مسماران،
والمسامير مفضضة مقبوة منقوشة تدوير كل مسمار سبع أصابع، والمسامير من
بطن الكعبة على أربعة أذرع ونصف وفوق الإزار إزار من رخام منقوش مدار
في جوانب البيت كله وفي نقشه حبل غير منقوش بذهب, وبين هذا الإزار الذي
فيه الحبل إزار صغير كما يدور البيت منقوش عليه بماء الذهب من تحت
الإفريز الذي تحت السقف، والإفريز من فسيفساء منقوش واصل بالسقف.
صفة فرش أرض البيت بالرخام:
قال أبو الوليد: وأرض الكعبة مفروشة برخام أبيض
وأحمر وأخضر، عدد الرخام ست وثلاثون رخامة، منها أربع خضر بين الأساطين
وبين جدري الكعبة, عرض كل رخامة ذراع وأربع أصابع, وعرضهن من عرض كراسي
ج / 1 ص -236-
الأساطين ومن الجدر الذي فيه الباب باب
الكعبة إلى الرخام الأخضر الذي بين الأساطين ست عشرة رخامة, منها ست
بيض وسبع حمر, طولهن سبعة أذرع وخمسة عشر إصبعًا، وبين جدار الدرجة
وبين الرخام الأخضر ثلاث رخامات, منها اثنتان بيضاوان وواحدة حمراء,
طول كل رخامة منها أربعة أذرع ونصف، وست عشرة رخامة: ثمان بيض وثمان
حمر, طول كل رخامة سبعة أذرع وتسع أصابع, وأطرافهن في حد الرخام الأخضر
الذي بين الأساطين والجدرين وأطرافهن في الجدر الذي يستقبل باب الكعبة
منها رخامة بيضاء عرضها ذراعان وإصبعان، ذكر أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- صلى في موضعها، وهي الثالثة من الرخام البيض من حد الركن
اليماني, وطرفها في الأسطوانة الأولى من حيال باب الكعبة، وعند عتبة
باب الكعبة رخامتان خضراء وحمراء مفروشتان.
ذكر ما غير من فرش أرض الكعبة:
قال أبو الوليد: وذلك إلى آخر شهور سنة أربعين
ومائتين, ومحمد المنتصر بالله ولي عهد المسلمين يومئذ يلي أمر مكة
والحجاز وغيرهما، فكتب والي مكة إليه: إني دخلت الكعبة فرأيت الرخام
المفروش به أرضها قد تكسر وصار قطعًا صغارًا, ورأيت ما على جدراتها من
الرخام قد تزايل تهندمه ووهى عن مواضعه وأحضرت من فقهاء أهل مكة
وصلحائهم جماعة وشاورتهم في ذلك, فأجمع ظنهم بأن ما على ظهر الكعبة من
الكسوة قد أثقلها ووهَّنها, ولم يأمنوا أن يكون ذلك قد أضر بجدراتها,
وأنها لو جردت أو خفف عنها بعض ما عليها من الكسوة كان أصلح وأوفق1
لها، فأنهيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ومثله في أ، وإتحاف الورى. وفي ب: "أوثق".
ج / 1 ص -237-
ذلك إلى أمير المؤمنين؛ ليرى رأيه الميمون
فيه, ويأمر في ذلك بما يوفقه الله -عز وجل- ويسدده له, وكان فرش أرض
الكعبة قد تثلم منه شيء كثير شائن1.
وكتب صاحب البريد إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله بمثل ما كتب
به العامل بمكة من ذلك, وواتر2 كتبهما به وتماليا في ذلك3.
وذكر في بعض كتبهما أن أمطار الخريف قد كثرت، وتواترت بمكة ومنى في هذا
العام, فهدمت منازل كثيرة، وأن السيل حمل في مسجد رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وإبراهيم نبي الله -عليه السلام- المعروف بمسجد الخيف، فهدم
سقوفه وعامة جدراته, وذهب بما فيه من الحصباء فأعراه، وهدم من دار
الإمارة بمنى وما فيها من الحجر جدرات وعدة أبيات، وهدم العقبة
المعروفة بجمرة العقبة وبركة الياقوتة وبرك المأزمين, والحياض المتصلة
بها، وبركة العيرة, وأن العمل في ذلك إن لم يتدارك ويبادر بإصلاحه كان
على سيل زيادة, وهو عمل كثير لا يفرغ منه إلا في أشهر كثيرة4.
ورفع جماعة من الحجبة إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رقعة ذكروا
فيها: أن ما كتب به العامل بمكة من ذكر الرخام المتكسر في أرض الكعبة
لم يزل على ما هو عليه، وأن ذلك لكثرة وطء من يدخل الكعبة من الحاجّ
والمعتمرين والمجاورين وأهل مكة, وأنه لا يرزؤها ولا يضرها، وأنه ليس
في جدراتها من الرخام المتزايل، ولا على ظهرها من الكسوة ما يخاف بسببه
وهن ولا غيره، وأن زاويتين من زوايا الكعبة من داخلها ملبس ذهبًا
وزاويتين فضة, وأن ذلك لو كان ذهبًا كله كان أحسن وأزين، وأن قطعة فضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 304, 305.
2 كذا في الأصل، ومثله في إتحاف الورى وفي أ، ب: "وتواترت".
3 إتحاف الورى 2/ 305.
4 إتحاف الورى 2/ 305.
ج / 1 ص -238-
مركبة على بعض جدرات الكعبة شبه المنطقة,
فوق الإزار الثاني من الرخام تحت الإزار الأعلى من الرخام المنقوش
المذهب في زيق في الوسط فيه الجزعة التي تستقبل من توخى مصلى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وتلك القطعة في الزيق مبتدأ منطقة كانت عملت في
خلافة محمد بن الرشيد, عملها سالم بن الجراح أيام عمل الذهب على باب
الكعبة، ثم جاء خلع محمد قبل أن يتم فوقف عن عملها، ولو كان بدل تلك
القطعة منطقة فضة مركبة في أعلى إزار الكعبة في تربيعها كان أبهى
وأحسن، وأن الكرسي المنصوب المقعد فيه مقام إبراهيم -عليه السلام- ملبس
صفائح من رصاص، ولو عمل مكان الرصاص فضة كان أشبه به, وأحسن, وأوفق
له1.
فأمر أمير المؤمنين المتوكل على الله بعمل ذلك أجمع، فوجه رجلًا من
صناعه يقال له: إسحاق بن سلمة الصائغ, شيخا له معرفة بالصناعات ورفق
وتجارب، ووجه معه من الصناع من تخيرهم إسحاق بن سلمة من صناعات شتى من
الصوغ والرخاميين وغيرهم من الصناع نيفًا وثلاثين رجلًا، ومن الرخام
الألواح الثخان ليشق كل لوح منها بمكة لوحين، مائة لوح، ووجه بذهب وفضة
وآلات لشق الرخام ولعمل الذهب والفضة.
ورفع الحجبة أيضًا رقعة إلى أمير المؤمنين يذكرون له أن العامل بمكة إن
تسلط على أمر الكعبة أو كانت له مع إسحاق بن سلمة في ذلك يد لم يؤمن أن
يعمد إلى ما كان صحيحًا أو يتعلل فيه فيخربه أو يهدمه، ويحدث في ذلك
أشياء لا تؤمن عواقبها يطلب بذلك إضرارهم وأنهم لا يأمنون ذلك منه2.
فأمر أمير المؤمنين بكتاب إلى العامل بمكة في جواب ما كان هو وصاحب
البريد كتبا به، أن أمير المؤمنين قد أمر بتوجيه إسحاق بن سلمة الصائغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل أ, ومثله في إتحاف الورى. وفي ب: "وأوثق".
2 إتحاف الورى 2/ 307.
ج / 1 ص -239-
للوقوف على تلك الأعمال، ورد الأمر فيها
إلى إسحاق ليعمل بما فيه الصلاح والإحكام إن شاء الله تعالى، فقدم
إسحاق بن سلمة الصائغ بمن معه من الصناع والذهب والفضة والرخام والآلات
مكة لليلة بقيت من رجب سنة إحدى وأربعين ومائتين, ومعه كتاب منشور
مختوم في أسفله بخاتم أمير المؤمنين إلى العامل بمكة, وغيره من العمال
بمعاونة إسحاق بن سلمة ومكانفته على ما يحتاج إليه من ترويج هذه
الأعمال, وأن لا يجعلوا على أنفسهم في مخالفة ما أمروا به من ذلك
سبيلا1.
فدخل إسحاق بن سلمة الكعبة في شعبان بعد قدومه مكة بأيام، ودخل معه
العامل بمكة, وصاحب البريد, وجماعة من الحجبة, وناس من أهل مكة من
صلحائهم من القرشيين، وجماعة من الصناع الذين قدم بهم معه, وأحضر
منجنيقًا طويلا ألصقة إلى جانب الحدر الذي يقابل من دخل الكعبة, وصعد
عليه إسحاق بن سلمة ومعه خيط وسابورة2، فأرسل الخيط من أعلى المنجنيق
وهو قائم عليه، ثم نزل وفعل ذلك بجدراتها الأربعة فوجدها كأصح ما يكون
من البناء وأحكمه, فسأل الحجبة: هل يجوز التكبير داخل الكعبة؟ فقالوا:
نعم, فكبر وكبر من حضره داخل الكعبة وكبر الناس ممن في الطواف وغيرهم
من خارجها، وخر من في داخل الكعبة جميعًا سجدًا لله وشكرًا، وقام إسحاق
بن سلمة بين بابي الكعبة، فأشرف على الناس وقال: يأيها الناس, احمدوا
الله تعالى على عمارة بيته، فإنا لم نجد فيه من الحدث مما كتب به إلى
أمير المؤمنين شيئًا، بل وجدنا الكعبة وجدراتها وأحكام بنائها وإتقانها
على أتقن ما يكون3.
وابتدأ إسحاق بن سلمة عمل الذهب والفضة والرخام في الدار المعروفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 315.
2 السابورة: المسبار الذي يسبر ويقاس به الغور ونحوه، ولعلها الآلة
التي يضبط بها استقامة الجدران واستواؤها من أعلاها إلى أسلفها.
3 إتحاف الورى 2/ 315.
ج / 1 ص -240-
بخالصة, في دار الخزانة عند الخياطين1.
وصار إلى منى فأمر بعمل ضفيرة تتخذ ليرد سيل الجبل عن المسجد ودار
الإمارة, فاتخذ هناك ضفيرة عريضة مرتفعة السمك وأحكمها بالحجارة
والنورة والرماد, فصار ما ينحدر من السيل يتسرب في أصل الضفيرة من
خارجها, ويخرج إلى الشارع الأعظم بمنى, ولا يدخل المسجد ولا دار
الإمارة منه شيء, وصار ما بين الضفيرة والمسجد -وهو عن يسار الإمام-
رفقًا للمسجد وزيادة في سعته, ثم هدم المسجد وما كان من دار الإمارة
مستهدمًا وأعاد بناءه, ورم ما كان مسترما وأحكم العقبة وجدراتها, وأصلح
الطريق التي سلكها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من منى إلى الشعب,
ومعه العباس بن عبد المطلب الذي يقال له: شعب الأنصار, الذي أخذ فيه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيعة على الأنصار2.
وكانت هذه الطريق قد عفت ودرست, فكانت الجمرة زائلة عن موضعها، أزالها
جهال الناس برميهم الحصا، وغفل عنها حتى أزيحت عن موضعها شيئًا يسيرًا
منها من فوقها, فردها إلى موضعها الذي لم تزل عليه، وبنى من ورائها
جدارًا أعلاه عليها, ومسجدًا متصلًا بذلك الجدار لئلا يصل إليها من
يريد الرمي من أعلاها, وإنما السنة لمن أراد الرمي أن يقف من تحتها من
بطن الوادي, فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه, ويرمي كما فعل رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده، وفرغ من البرك وأحكم
عملها3.
وعمل الفضة على كرسي المقام مكان الرصاص الذي عليه، واتخذ له قبة من
خشب الساج مقبوة الرأس بضباب لها من حديد, ملبسة الداخل بالأدم, وكانت
القبة قبل ذلك مسطحة4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 316.
2 إتحاف الورى 2/ 316.
3 إتحاف الورى 2/ 316, 317.
4 إتحاف الورى 2/ 317.
ج / 1 ص -241-
وكان العامل بمكة قد أمر بكتاب يقرأ لأمير
المؤمنين، فجلس خلف المقام وأقام كاتبه قائمًا على الصندوق يقرأ الكتاب
فأعظم ذلك المسلمون إعظامًا شديدًا وأنكروه أشد النكرة، وخاف الحجبة أن
يعود لمثلها، فرفعوا في ذلك رقعة إلى أمير المؤمنين, فأمره أمير
المؤمنين أن يتخذ كرسيا يقرأ عليه الكتب, وأن ينزه المقام عن ذلك
ويعظم1.
وعمل إسحاق الذهب على زاويتي الكعبة من داخلها مكان ما كان هنالك من
الفضة ملبسًا، وكسر الذهب الذي كان على الزاويتين الباقيتين وأعاد
عمله، فصار ذلك أجمع على مثال واحد منقوشة مؤلفة ناتئة، وعمل منطقة من
فضة وركبها فوق إزار الكعبة في تربيعها كلها، منقوشة مؤلفة جليلة ناتئة
يكون عرض المنطقة ثلثي ذراع, وعمل طوقًا من ذهب منقوش متصلًا بهذه
المنطقة فركبه حول الجزعة التي تقابل من دخل من باب الكعبة فوق الطوق
الذهب القديم الذي كان مركبًا حولها من عمل الوليد بن عبد الملك, وكره
أن يقلع ذلك الطوق الأول لسبب تكسر خفي في الجزعة, فتركه على حاله لئلا
يحدث في الجزعة حادث، وقلع الرخام المتزايل من جدرات الكعبة -وكان
يسيرًا رخامتين أو ثلاثًا- وأعاد نصبه كلها بجص صنعاني كان كتب فيه إلى
عامل صنعاء، فحمل إليه منه جص مطبوخ صحيح غير مدقوق اثنا عشر حملًا،
فدقه ونخله وخلطه بماء زمزم ونصب به هذا الرخام، وفي أعلى هذه المنطقة
الفضة رخام منقوش محفور فألبس ذلك الرخام ذهبًا رقيقًا من الذهب الذي
يتخذ للسقوف, فصار كأنه سبيكة مضروبة عليه إلى موضع الفسيفساء الذي تحت
سقف الكعبة, وغسل الفسيفساء بماء الورد وحماض الأترج2، ونقض ما كان من
الأصباغ المزخرفة على السقف وعلى الإزار الذي دون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 317.
2 كذا لدى ابن فهد في إتحاف الورى وهو ينقل عن المصنف. وفي الأصول:
"الأترنج" والأترج: شجر يعلو ناعم الأغصان والورق الثمر، وثمره
كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، ذكي الرائحة.
ج / 1 ص -242-
السقف فوق الفسيفساء, ثم ألبسها ثيابا
قباطيا أخرجها إليه الحجبة مما عندهم في خزانة الكعبة, وألبس تلك
الثياب ذهبًا رقيقًا وزخرفه بالأصباغ1.
وكانت عتبة باب الكعبة السفلى قطعتين من خشب الساج قد رثتا ونخرتا من
طول الزمان عليهما, فأخرجهما وصير مكانهما قطعة من خشب الساج وألبسها
صفائح فضة من الفضة التي كانت في الزاويتين التي صير مكانهما ذهبًا,
ولم يقلع في ذلك بابا الكعبة, وحرفا فأزيلا شيئًا يسيرًا وهما قائمان
منصوبان, وكان في الجدر الذي في ظهر الباب يمنة من دخل الكعبة رزة
وكلاب من صفر يشد به الباب إذا فتح بذلك الكلاب لئلا يتحرك عن موضعه,
فقلع ذلك الصفر وصير مكانه فضة, وألبس ما حول باب الدرجة فضة مضروبة2.
وكان الرخام الذي قدم به معه إسحاق رخاما يسمى المسير, غير مشاكل لما
كان على جدرات الكعبة من الرخام, فشقه وسواه, وقلع ما كان على جدرات
المسجد الحرام في ظهر الصناديق التي يكون فيها طيب الكعبة وكسوتها من
الرخام, وقلع الرخام الذي كان على جدر المسجد الذي بين باب الصفا وبين
باب السمانين, واسم ذلك الرخام البذنجنا, ونصب الرخام المسير الذي جاء
به مكانه على جدرات المسجد3.
وأنزل المعاليق المعلقة بين الأساطين ونفضها من الغبار وغسلها وجلاها,
وألبس عمدها الحديد المعترضة بين الأساطين ذهبًا من الذهب الرقيق,
وأعاد تعليقها في مواضعها على التأليف4.
وفرغ من ذلك أجمع ومن جميع الأعمال التي بمنى، يوم النصف من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 318, 319.
2 إتحاف الورى 2/ 319.
3 إتحاف الورى 2/ 319, 320.
4 إتحاف الورى 2/ 320.
ج / 1 ص -243-
شعبان سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وأحضر
الحجبة في ذلك اليوم أجزاء القرآن، وهم جماعة فتفرقوها بينهم وإسحاق بن
سلمة معهم حتى ختموا القرآن، وأحضروا ماء ورد ومسكًا وعودًا وسكا
مسحوقًا، فطيبوا به جدرات الكعبة وأرضها وأجافوا بابها عليهم عند
فراغهم من الختمة، فدعوا ودعا من حضر الطواف وضجوا بالتضرع والبكاء إلى
الله -عز وجل- ودعوا لأمير المؤمنين ولولاة عهود المسلمين ولأنفسهم
ولجميع المسلمين، فكان يومهم ذلك يومًا شريفًا حسنًا.
قال أبو الوليد: وأخبرني إسحاق بن سلمة الصائغ أن مبلغ ما كان في
الأربع الزوايا من الذهب والطوق الذي حول الجزعة، نحو من ثمانية آلاف
مثقال، وأن ما في منطقة الفضة وما كان على عتبة الباب السفلى من
الصفائح وعلى كرسي المقام من الفضة، نحو من سبعين ألف درهم، وما ركب من
الذهب الرقيق على جدرات الكعبة وسقفها، نحو من مائتي حق يكون في كل حق
خمسة مثاقيل.
وخلط إسحاق بن سلمة ما بقي قبله مع هذا الجص الصنعاني, وما قلع من أرض
الكعبة من الرخام المتكسر مما لا يصلح إعادته في شيء من العمل وثلاثة
حقاق من هذا الذهب الرقيق وجراب فيه تراب مما قشر من جدرات الكعبة
ومسامير فضة صغار قبل الحجبة، لما عسى أن يحتاجوا إليه لها، وانصرف بعد
فراغه من الحج في آخر سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
صفة باب الكعبة:
وذرع طول باب الكعبة في السماء ستة أذرع وعشرة
أصابع، وعرض ما بين جداريه ثلاثة أذرع وثماني عشرة إصبعًا، والجداران
وعتبة الباب العليا
ج / 1 ص -244-
ونجاف الباب ملبس صفائح ذهب منقوش، وفي
جدار عضادتي الباب أربع عشرة حلقة من حديد مموهة بالفضة متفرقة, في كل
جدار سبع حلق يشد بها جوف الباب من أستار الكعبة، وفي عتبة باب الكعبة
ثمانية عشر مسمارًا، منها أربعة على الباب، وأربعة عشر في وجه العتبة،
والمسامير حديد ملبسة ذهبًا مقبوة منقوشة تدوير حول كل مسمار سبع
أصابع، وملبن باب الكعبة الذي يطأ عليه من دخلها داخل في الجدر عشر
أصابع، والملبن ساج ملبس صفائح ذهب، وعرض وجه الملبن عشر أصابع، وعرض
وجهه الآخر أربع أصابع, وفي الملبن من المسامير ستة وأربعون مسمارًا،
منها سبعة في أعلى الملبن وهي تلي العتبة، وفي الجانب الأيمن تسعة عشر
مسمارًا، وفي الجانب الأيسر عشرون مسمارًا، والمسامير مقبوة ملبسة
ذهبًا منقوشة، تدوير حول كل مسمار منها سبع أصابع، وذرع طول باب الكعبة
في السماء ستة أذرع وعشر أصابع, وهما مصراعان عرض كل مصراع ذراع وثماني
عشرة أصبعًا, وعود الباب ساج وغلظه ثلاث أصابع فإذا غلقا فعرضهما ثلاثة
أذرع ونصف، وفي كل مصراع ست عوارض، والعوارض من ساسم, وظهر الباب من
داخل ملبس صفائح فضة.
وفي المصراع الأيمن من داخل غلق رومي, وأم الغلق ملبسة فضة وطول الغلق
أربع عشرة إصبعًا.
وفي المصراع الأيسر حلقة فضة يكون فيها غلق الباب إذا غلق.
وفي الباب الأيسر سكرة ووجه الباب ملبس صفائح ذهب منقوشة وصفائح ساذج
ما بين المسامير التي في العوارض صفائح مربعة منقوشة, في كل مصراع خمس
صفائح, وتدوير حول الصفائح الساذج صفائح منقوشة.
وفي الباب الأيسر أنف الباب ملبسًا ذهبًا منقوشًا, طرفاه مربعان، وعلى
الأنف كتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 149]. محمد رسول الله.
ج / 1 ص -245-
وعدد المسامير مائتا مسمار, منها مائة
كبار, منها في العوارض اثنان وسبعون مسمارًا, في كل عارضة ستة مسامير،
وفي كل مصارع عشرة مسامير، وبين كل عارضتين مسماران في طرفي الباب,
ومنها حول خرتة الباب التي يدخل فيها الرومي اثنا عشر مسمارًا صغارًا،
ومنها في المصراع الأيمن مسماران من فضة ساذج, مموهان تدوير حول كل
مسمار ست أصابع, وبينهما حاجز يفتح فيه الغلق الرومي الداخل وما بين
المسامير تسع أصابع والمسامير مقبوة ملبسة ذهبًا وهي منقوشة تدوير كل
مسمار سبع أصابع, والمسامير الصغار التي في المصراع الأيسر خمسون
مسمارًا وهي مضروبة حول الصفائح المربعة المنقوشة التي بين العوارض،
حول كل صفيحة عشرة مسامير والمسامير ملبسة ذهبًا مقبوة منقوشة وهي على
صفائح ساذج, عرض الصفائح إصبعان كما يدور حول الصفيحة المنقوشة, ورجلا
البابين حديد, ملبسان ذهبًا وفي المصراعين سلوقيتان فضة مموهتان, وفي
السلوقيتين لبنتان من ذهب مربعتان, وفوق اللبنتين لبنتان صغيرتان, وفي
طرف السلوقيتين حلقتا ذهب سعة كل حلقة ثماني أصابع, وهما حلقتا قفل
الباب وهما على ذراعين وستة عشر إصبعًا من الباب.
باب صفة الشاذروان, وذرع الكعبة:
ذرع الكعبة من خارجها في السماء من البلاط
المفروش حولها تسعة وعشرون ذراعًا وست عشرة إصبعًا, وطولها من
الشاذروان سبعة وعشرون ذراعًا, وعدد حجارة الشاذروان التي حول الكعبة
ثمانية وستون حجرًا في ثلاثة وجوه من ذلك, من حد الركن الغربي إلى
الركن اليماني خمسة وعشرون حجرًا، منها حجر طوله ثلاثة أذرع ونصف وهو
عتبة الباب الذي سد في ظهر الكعبة وبينه وبين الركن اليماني أربعة
أذرع, وفي الركن اليماني
ج / 1 ص -246-
حجر مدور، وبين الركن اليماني والركن
الأسود تسعة عشر حجرًا, ومن حد الشاذروان إلى الركن الذي فيه الحجر
الأسود ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعًا ليس فيه شاذروان, ومن حد الركن
الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ثلاثة وعشرون حجرًا, ومن حد
الشاذروان الذي يلي الملتزم إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود ذراعان
ليس فيهما شاذروان وهو الملتزم, وطول الشاذروان في السماء ستة عشر
إصبعًا وعرضه ذراع وطول درجة الكعبة التي يصعد عليها الناس إلى بطن
الكعبة من خارج ثمانية أذرع ونصف وعرضها ثلاثة أذرع ونصف, وفيها من
الدرج ثلاث عشرة درجة وهي من خشب الساج.
ذكر الحجر:
حدثنا أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي, حدثنا
أبو الوليد قال: حدثنا جدي, حدثنا سعيد بن سالم وعبد الرزاق بن همام
قالا: حدثنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن
عطاء بن خباب, قال أبو الوليد: وحدثني محمد بن يحيى, حدثنا هشام بن
سليمان المخزومي, عن ابن جريج, عن عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن
عطاء بن خباب أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك بن
مروان في خلافته فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب -يعني ابن الزبير-
سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمع منها, قال الحارث: أنا سمعته منها
قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر أعدت
فيه ما تركوا منه" فأراها قريبًا من سبعة أذرع,
وزاد الوليد بن عطاء بن خباب في الحديث:
"وجعلت لها بابين موضوعين بالأرض شرقيا وغربيا, وهل تدرين لم كان
ج / 1 ص -247-
قومك رفعوا بابها؟" قالت: قلت: لا قال:
"تعززا لئلا يدخلها أحد
إلا من أرادوا, فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا
كاد يدخلها دفعوه فسقط" قال عبد الملك: أنت سمعتها
تقول هذا؟ قال: قلت: نعم قال: فنكت بعصاه ساعة ثم قال: لوددت أني تركته
وما تحمل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن هشام
بن عروة, عن عروة عن عائشة قالت: ما أبالي صليت في الحجر أو في الكعبة.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي, حدثنا الدراوردي, عن
علقمة بن أبي علقمة, عن أبيه, عن عائشة أنها قالت: كنت أحب أن أدخل
البيت فأصلي فيه, فأخذ رسول الله -صلى الله عليه سلم- بيدي فأدخلني
الحجر فقال لي: "صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت, فإنما هو قطعة من البيت, ولكن
قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت"1.
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي, عن سفيان, عن هشام بن حجير قال: قال ابن
عباس: الحجر من البيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي, عن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن
سلمة المخزومي قال: حدثني المبارك بن حسان الأنماطي قال: رأيت عمر بن
عبد العزيز في الحجر فسمعته يقول: شكا إسماعيل -عليه السلام- إلى ربه
-عز وجل- حر مكة, فأوحى الله تعالى إليه:
"إني أفتح لك بابًا من الجنة في الحجر, يجري عليك
منه الروح إلى يوم القيامة" وفي ذلك الموضع توفي،
قال خالد: فيرون أن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي
فيه قبره.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن خالد بن عبد الرحمن قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص130.
ج / 1 ص -248-
حدثني الحارث بن أبي بكر الزهري, عن صفوان
بن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطًا
من حجارة خضر, فسأل قريشًا عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علمًا قال:
فأرسل إلى عبد الله بن صفوان فسأله فقال: هذا قبر إسماعيل -عليه
السلام- فلا تحركه قال: فتركه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى قال: أخبرنا هشام بن سليمان
المخزومي, عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه قال: دخل بين عائشة وبين
أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر كلام, فحلف أن لا يكلمها فأرادته على أن
يأتيها فأبى, فقيل لها: إن له ساعة من الليل يطوفها فرصدته بباب الحجر
حتى إذا مر بها أخذت بثوبه فجذبته, فأدخلته الحجر ثم قالت له: فلان
عبدي حر وفلان والذي أنا في بيته وجعلت تعتذر إليه وتحلف له.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى, حدثنا هشام بن سليمان
المخزومي, عن أم كلثوم بنة أبي عوف أن عائشة سألت أن يفتح لها باب
الكعبة ليلًا فأبى عليها شيبة بن عثمان, فقالت لأختها أم كلثوم بنة أبي
بكر: انطلقي بنا حتى ندخل الكعبة, فدخلت الحجر.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي, عن مسلم بن
خالد الزنجي, عن ابن أبي نجيح قال: وجد في الحجر حجر مدفون مكتوب فيه:
مبارك لأهلها في الماء واللبن, لا تزول حتى تزول أخشباها، وقال ابن
إسحاق: كان قبر إسماعيل -عليه السلام- وقبر أمه هاجر في الحجر.
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني محمد بن يحيى, عن أبيه أن أمير المؤمنين
المنصور أبا جعفر حج وزياد بن عبيد الله الحارثي يومئذ أمير مكة, فطاف
أبو جعفر ثم دعا زيادًا فقال: إني رأيت الحجر حجارته بادية فلا أصبحن
حتى يستر جدار الحجر بالرخام, فدعا زياد بالعمال فعملوه على السرج قبل
أن يصبح, وكان قبل ذلك مبنيًّا بحجارة بادية ليس عليها رخام, ثم كان
المهدي بعد قد جدد رخامه.
ج / 1 ص -249-
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني محمد بن
يحيى, عن أبيه قال: ثم رأيت جعفر بن سليمان بن علي وهو أمير مكة
والمدينة في سنة إحدى وستين ومائة بلط بطن الحجر بالرخام, وذلك عام زاد
المهدي في المسجد الحرام زيادته الأولى وشرع أبواب المسجد على المسعى,
قال أبو محمد الخزاعي: أنا أدركت هذا الرخام الذي عمله وكان رخامًا
أبيض وأخضر وأحمر مزورا بثوابير صغار, ومداخلا بعضه في بعض أحسن من هذا
العمل, ثم تكسر فجدده أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى وهو
أمير مكة في سنة إحدى وأربعين ومائتين, ثم جدد بعد ذلك في سنة ثلاث
وثمانين ومائتين.
الجلوس في الحجر, وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج قال:
كنا جلوسًا مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس
وفضله وعلي بن عبد الله بن عباس في الطواف وخلفه ابنه محمد بن علي
فعجبنا من تمام قامتهما وحسن وجوههما, فقال عطاء: وأين حسنهما من حسن
عبد الله بن عباس؟ ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة، وأنا في المسجد
الحرام طالعًا من جبل أبي قبيس إلا ذكرت وجه ابن عباس, ولقد رأيتنا
جلوسًا معه في الحجر إذ أتاه شيخ قديم بدوي من هذيل يهدج على عصاه
فسأله عن مسألة فأجابه, فقال الشيخ لبعض من في المجلس: من هذا الفتى؟
فقالوا: هذا عبد الله بن العباس بن عبد المطلب, فقال الشيخ: سبحان الذي
مسخ حسن عبد المطلب إلى ما أرى، فقال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: سمعت
أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسن الناس وجهًا, ما رآه
قط شيء إلا أحبه, وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره ولا
ج / 1 ص -250-
يجلس معه عليه أحد, وكان الندي من قريش حرب
بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش, فجاء رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وهو غلام يدرج ليجلس على المفرش فجذبوه فبكى, فقال عبد
المطلب, وذلك بعدما حجب بصره: ما لابني يبكي؟ قالوا له: إنه أراد أن
يجلس على المفرش فمنعوه, فقال عبد المطلب: دعوا ابني, فإنه يحس بشرف
أرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط، قال: وتوفي عبد المطلب
والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن ثماني سنين, وكان خلف جنازته يبكي حتى
دفن بالحجون.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج, عن
ابن أبي مليكة أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "لو كان عندي سعة قدمت في البيت من الحجر أذرعًا, وفتحت له بابًا آخر
يخرج الناس منه".
حدثنا أبو الوليد, حدثنا سعيد بن منصور, حدثنا خالد بن عبد الله, عن
عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير أن عائشة سألت النبي -صلى الله عليه
وسلم- أن يفتح لها الباب ليلًا, فجاء عثمان بن طلحة بالمفتاح إلى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, إنها لم تفتح بليل قط
قال:
"فلا تفتحها" ثم قال لعائشة:
"إن قومك لما بنوا البيت قصرت بهم النفقة, فتركوا بعض البيت في الحجر,
فادخلي الحجر فصلي فيه".
حدثنا أبو الوليد, حدثنا سعيد بن منصور, حدثنا عتاب, عن خصيف, عن مجاهد
قال: جاءت عائشة فدخلت البيت في ستاره ومعها نسوة, فأغلقت الحجبة البيت
دون النساء فجعلن ينادين: يا أم المؤمنين قال مجاهد: فسمعت عائشة تقول:
عليكن بالحجر, فإنه من البيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن ابن عيينة, عن إبراهيم بن ميسرة
قال: تذاكروا المهدي عند طاوس وهو جالس في الحجر فقلت: يا أبا عبد
الرحمن, أهو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لا، إنه لم يستكمل العدل
ج / 1 ص -251-
وإن ذلك إذا كان زيد المحسن في إحسانه, وحط
عن المسيء من إساءته, ولوددت أني أدركته وعلامته كذا وكذا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي: حدثنا ابن عيينة, حدثنا الوليد بن
كثير, عن ابن ثدرس, عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قالت:
لما نزلت
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] جاءت أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب ولها ولولة
وفي يدها فهر, فدخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في
الحجر ومعه أبو بكر -رضي الله عنه- فأقبلت وهي تلملم الفهر في يدها
وتقول: مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، قالت: فقال أبو بكر
-رضي الله عنه: يا رسول الله هذه أم جميل وأنا أخشى عليك منها, وهي
امرأة, فلو قمت، فقال:
"إنها لن تراني" وقرأ قرآنًا اعتصم به، ثم
قرأ:
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] قلت: فجاءت حتى وقفت على أبي بكر -رضي الله عنه- وهو
مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم تره فقالت: يا أبا بكر فأين
صاحبك؟ قال: الساعة كان ههنا قالت: إنه ذكر لي أنه هجاني, وايم الله
إني لشاعرة وإن زوجي لشاعر, ولقد علمت قريش أني بنت سيدها، قال سفيان:
قال الوليد في حديثه: فدخلت الطواف فعثرت في مرطها فقالت: نفس مذمم،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:
"ألا ترى يا أبا بكر ما يدفع الله تعالى به عني من شتم قريش, يسمونني
مذممًا وأنا محمد" فقالت لها أم حكيم بنة عبد
المطلب: مهلًا يا أم جميل، إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم,
وكلتانا من بني العم، ثم قريش بعد أعلم.
قال أبو الوليد: فلم يزل رخام الحجر الذي عمله المهدي بعد عمل أبي جعفر
أمير المؤمنين على حاله, وكان سيله يخرج من تحت الأحجار التي على بابها
الغربي حتى رث في خلافة المتوكل على الله جعفر أمير المؤمنين فقلع في
سنة إحدى وأربعين ومائتين, وألبس رخامًا حسنًا قلع من جوانب المسجد
الحرام من الشق الذي يلي باب العجلة إلى باب دار عمرو بن
ج / 1 ص -252-
العاص، ومما يلي أبواب بني مخزوم والباب
الذي مقابل دار عبد الله بن جدعان.
وكان عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن محمد الهاشمي أمر أن يقلع له
لوح من رخام الحجر يسجد عليه فقلع له في الموسم, فأرسل أحمد بن طريف
مولى العباس بن محمد الهاشمي برخامتين خضراوين من مصر هدية للحجر مكان
ذلك اللوح, وهي الرخامة الخضراء على سطح جدار الحجر مقابل الميزاب على
هيئة الزورق, والرخامة الأخرى هي الرخامة الخضراء التي تحت الميزاب تلي
جدر الكعبة, فجعلتا في هذين الموضعين, وهما من أحسن رخام في المسجد
خضرة.
قال أبو محمد الخزاعي: ثم حولت التي كانت على ظهر الحجر, فجعلت تحت
الميزاب مقابل الميزاب أمام الرخامتين اللتين على هيئة المحراب, في سنة
ثلاث وثمانين ومائتين.
ما جاء في الدعاء, والصلاة عند مثعب الكعبة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سعيد بن
سالم, عن عثمان بن ساج, عن عطاء بن أبي رباح قال: من قام تحت مثعب
الكعبة فدعا استجيب له, وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه1.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا عيسى بن يونس السبيعي, حدثنا
عنبسة بن سعيد الرازي, عن إبراهيم بن عبد الله الخاطبي, عن عطاء عن ابن
عباس قال: صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 349.
ج / 1 ص -253-
الأبرار. قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار؟
قال: تحت الميزاب، قيل: وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا محمد بن سليم, حدثنا الزنجي مسلم بن خالد, عن
ابن جريج, عن عطاء أنه قال: من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا استجيب له,
وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن أبي عمر, قال: حدثنا بشر بن
السري, عن حماد بن سلمة قال: حدثتني أم شيبة قالت: سمعت أم عمرو امرأة
الزبير تقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: أعزم بالله على
امرأة صلت في الحجر.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا محمد بن أبي عمر المكي, حدثنا بشر بن السري,
عن حماد بن سلمة, عن عطاء بن السائب قال: رأيت سعيد بن جبير يطوف, فإذا
دخل الحجر وضع نعليه على جدر الحجر. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي,
عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أن النبي
-صلى الله عليه وسلم- كان إذا حاذى ميزاب الكعبة وهو في الطواف يقول:
"اللهم إني أسألك الراحة عند الموت, والعفو
عند الحساب".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مسافع بن عبد الرحمن الحجبي, حدثنا بشر بن
السري, عن أيمن بن نابل1، قال: رقدت في الحجر فركضني سعيد بن جبير
وقال: مثلك يرقد في هذا المكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بنون وموحدة قيده ابن حجر في التقريب ص56, وتحرف في الأصول إلى:
"نايل" بالياء المثناة.
ج / 1 ص -254-
صفة الحجر وذرعه1:
قال أبو الوليد: الحجر مدور وهو ما بين الركن
الشامي والركن الغربي, وأرضه مفروشة برخام, وهو مستوٍ بالشاذروان الذي
تحت إزار الكعبة, وعرضه من جدر الكعبة من تحت الميزاب إلى جدر الحجر
سبعة عشر ذراعًا وثمان أصابع، وذرع ما بين بابي الحجر عشرون ذراعًا
وعرضه اثنان وعشرون ذراعًا، وذرع "الجدار"2 من داخله في السماء ذراع
وأربع عشرة إصبعًا، وذرعه مما يلي الباب الذي يلي المقام ذراع وعشر
أصابع, وذرع جدر الحجر الغربي في السماء ذراع وعشرون إصبعًا, وذرع طول
جدر الحجر من خارج مما يلي الركن الشامي ذراع وستة عشر إصبعًا, وطوله
من وسطه في السماء ذراعان وثلاث أصابع, الرخام من ذلك ذراع وأربع عشرة
إصبعًا, وعرض الجدار ذراعان إلا إصبعين, والجدر ملبس رخامًا وفي أعلاه
في وسط الجدار رخامة خضراء طولها ذراعان إلا إصبعين, وعرضها ذراع وثلاث
أصابع. قال أبو محمد الخزاعي: وقد حولت هذه الرخامة, فجعلت تحت الميزاب
مما يلي الكعبة.
قال أبو الوليد: وذرع باب الحجر الذي يلي المشرق مما يلي المقام خمسة
أذرع وثلاث أصابع, وفي عتبة هذا الباب حجران ارتفاعهما من بطن الحجر
أربع أصابع, وذرع باب الحجر الذي يلي المغرب سبعة أذرع, وفي عتبة بابه
أربعة أحجار, وارتفاعها من بطن الحجر أربع أصابع, ومخرج سيل ماء الحجر
من وسطه من تحت الحجارة في ثقب بين حجرين.
قال أبو محمد الخزاعي: قد كان على ما ذكره أبو الوليد, ثم كان رخامه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: شفاء الغرام 1/ 347 وهو ينقل عن المصنف.
2 الإضافة من شفاء الغرام.
ج / 1 ص -255-
قد تكسر من وطء الناس, فعمل في خلافة
المتوكل على الله وأمير مكة يومئذ أبو العباس عبد الله بن محمد بن
داود, فرفعت أرض الحجر شيئًا حتى كان ماؤه يخرج من فوق الأحجار التي في
عتبة الباب الغربي, فكان كذلك حتى عمر في خلافة أمير المؤمنين المعتضد
بالله, فأشرف العمال في رفع أرضه حتى صارت أرفع من حجارة عتبتي
البابين, حتى احتاجوا إلى أن يكسروا طرفي العمل المشرف على بابي الحجر,
ولو كانوا جعلوه مستويًا مع العتبتين كما كان, كان أصوب.
قال أبو الوليد: وذرع تدوير الحجر من داخله ثمانية وثلاثون ذراعًا,
وذرع تدوير الحجر من خارج أربعون ذراعًا وست أصابع, وذرع ما بين حدات
الحجر من الشق الشرقي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود تسعة وعشرون
ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا، وذرع ما بين حدات الحجر من شق المغرب إلى
حد الركن اليماني اثنان وثلاثون ذراعًا, وذرع طواف واحد حول الكعبة
مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعًا وثنتا عشرة إصبعًا، وذرع طواف سبع حول
الكعبة ثمانمائة وستة وستون ذراعًا وعشرون إصبعًا.
ما جاء في فضل الركن الأسود:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا داود بن
عبد الرحمن العطار قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يحدث عن عبد الله بن
عمرو بن العاص قال: الركن, والمقام من الجنة.
وبه قال: حدثني جدي, عن مسلم بن خالد, عن ابن جريج, عن عطاء عن ابن
عباس -رضي الله عنه- أنه قال: ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود
والمقام, فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة, ولولا ما مسهما من أهل
ج / 1 ص -256-
الشرك, ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز
وجل.
وبه قال: حدثني جدي, عن مسلم بن خالد, وسفيان بن عيينة, عن ابن جريج,
عن عطاء, عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال في الركن: لولا ما مسه
من أنجاس الجاهلية وأرجاسهم, ما مسه ذو عاهة إلا برأ. قال عبد الله بن
عمرو بن العاص: نزل الركن, وإنه لأشد بياضًا من الفضة، قال: حدثني جدي,
عن سفيان, عن ابن جريج مثله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن
ساج, عن وهب بن منبه أن عبد الله بن عباس أخبره أن النبي -صلى الله
عليه وسلم- قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلم الركن:
"لولا ما طبع على هذا
الحجر يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها, إذًا لاستشفي به من كل
عاهة, وإذًا لألفي اليوم كهيئته يوم أنزله الله عز وجل وليعيدنه إلى ما
خلقه أول مرة, وإنه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة, ولكن الله -سبحانه
وتعالى- غيره بمعصية العاصين، وستر زينته عن الظلمة والأَثَمة؛ لأنه لا
ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء كان بدؤه من الجنة".
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
عن ابن جريج, عن عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار أنهما قالا:
لولا ما تمسح به من الأرجاس في الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي, وما
من الجنة شيء في الأرض إلا هو.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا إبراهيم بن محمد, عن عبد الله
بن عثمان بن خيثم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- قال:
"إن الله -عز وجل- يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما ولسان ينطق
به, يشهد لمن استلمه بحق".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي قال:
سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: الركن حجر من حجارة الجنة, ولولا
ج / 1 ص -257-
ما مسه من الأنجاس لكان كما نزل به.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثني عبد
الله بن مسلم بن هرمز, عن محمد بن عباد بن جعفر, عن ابن عباس قال:
الركن يمين الله في الأرض, يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا محمد بن أبي عمر, حدثنا عبد العزيز بن عبد
الصمد الأعمى, عن أبيه, عن أبي هارون العبدي, عن أبي سعيد الخدري قال:
خرجنا مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى مكة, فلما دخلنا الطواف قام
عند الحجر وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع, ولولا أني
رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك, ثم قبله ومضى في
الطواف فقال له علي -عليه السلام: بلى يا أمير المؤمنين, هو يضر وينفع
قال: وبم ذلك؟ قال: بكتاب الله تعالى قال: وأين ذلك من كتاب الله
تعالى؟ قال: قال الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ
مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} الآية [الأعراف: 172] قال: فلما خلق الله عز وجل آدم مسح ظهره,
فأخرج ذريته من صلبه فقررهم أنه الرب وهم العبيد, ثم كتب ميثاقهم في
رق, وكان هذا الحجر له عينان ولسان فقال له:
"افتح فاك" قال: فألقمه ذلك الرق وجعله في هذا الموضع وقال:
"تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة" قال: فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن سلمة, عن عبد
الله بن عثمان بن خيثم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: ليبعثن الله
-عز وجل- هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به,
يشهد لمن استلمه بالحق.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي, حدثنا يحيى بن سليم
ج / 1 ص -258-
المكي قال: سمعت ابن جريج يقول: سمعت محمد
بن عباد بن جعفر يقول: سمعت ابن عباس يقول: إن هذا الركن الأسود يمين
الله -عز وجل- في الأرض يصافح بها عباده, مصافحة الرجل أخاه.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, عن عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت
القاسم بن أبي بزة يقول: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة,
وأنزل الركن بين دار السائب بن أبي وداعة وبين دار مروان ودار ابن أبي
محذورة.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي, حدثنا الحكم بن أبان قال: حدثني أبي, عن
عكرمة قال: إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض, فمن لم يدرك بيعة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي, حدثنا مروان بن
معاوية الفزاري, حدثنا العلاء, عن عمرو بن مرة, عن يوسف بن ماهك قال:
قال عبد الله بن عمرو: إن جبريل -عليه السلام- نزل بالحجر من الجنة
وإنه وضعه حيث رأيتم, وإنكم لم تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم,
فتمسكوا به ما استطعتم, فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا مهدي بن أبي المهدي, حدثنا يزيد بن أبي حكيم
وابن عمارة وابن بكار, عن الحكم قال: سمعت عكرمة يقول: الركن ياقوتة من
يواقيت الجنة, وإلى الجنة مصيره، قال: قال ابن عباس: لولا ما مسه من
أيدي الجاهليين لأبرأ الأكمه والأبرص.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى, حدثنا هشام بن سليمان, عن
ابن جريج, عن منصور بن عبد الرحمن, عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
أنزل الركن والمقام مع آدم -عليه السلام- ليلة نزل بين الركن والمقام,
فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما إليه, وأنس بهما.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن
ج / 1 ص -259-
عبد الملك بن جريج, عن أبيه أنه قال: كان
سلمان الفارسي قاعدًا بين الركن وزمزم والناس يزدحمون على الركن فقال
لجلسائه: هل تدرون ما هو؟ قالوا: هذا الحجر قال: قد أرى ولكنه من حجارة
الجنة, أما والذي نفس سلمان الفارسي بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان
ولسان وشفتان, يشهد لمن استلمه بالحق.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى, عن أبيه, عن محمد بن عبد
الملك بن جريج, عن أبيه, عن مجاهد أنه قال: يأتي يوم القيامة الركن
والمقام كل واحد منهما مثل أبي قبيس, يشهدان لمن وافاهما بالموافاة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
عن أبي إسماعيل, عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي حسين, عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- قال: إن الركن يمين الله عز وجل في الأرض يصافح بها
خلقه, والذي نفس ابن عباس بيده, ما من امرئ مسلم يسأل الله عز وجل
شيئًا عنده إلا أعطاه إياه، قال عثمان: وحدثت أن الله -تبارك وتعالى-
لما أخذ ميثاق العباد جعله في الركن الأسود, فيبعثه الله -عز وجل-
بالوفاء بعهده.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وابن أبي عمر بن عامر قالا: حدثنا عبد
الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي, عن أبيه, عن عبد الأعلى,
عن عبد الله بن عامر بن كريز أنه قدم مع جدته أم عبد الله بن عامر
معتمرة, فدخلت عليها صفية بنت شيبة فأكرمتها وأجازتها فقالت صفية: ما
أدري ما أكرم به هذه المرأة أما دنياها فعظيمة, فنظرت حصاة مما كان نقر
من الركن الأسود حين أصابه الحريق فجعلتها لها في حق ثم قالت لها:
انظري هذه الحصاة فإنها حصاة من الركن الأسود, فاغسليها للمرضى فإني
أرجو أن يجعل الله سبحانه لهم فيها الشفاء، فخرجت في أصحابها فلما خرجت
من الحرم ونزلت في بعض المنازل صرع أصحابها فلم يبق منهم أحد إلا أخذته
الحمى, فقامت فصلت ودعت ربها عز وجل, ثم التفتت إليهم فقالت:
ج / 1 ص -260-
ويحكم, انظروا في رحالكم ماذا خرجتم به من
الحرم؟ فما الذي أصابكم إلا بذنب، قالوا: ما نعلم أنا خرجنا من الحرم
بشيء قال: قالت لهم: أنا صاحبة الذنب, انظروا أمثلكم حياة وحركة قال:
فقالوا: لا نعلم منا أحدًا أمثل من عبد الأعلى قالت: فشدوا له راحلة
ففعلوا قال: ثم دعته فقالت: خذ هذا الحق الذي فيه هذه الحصاة فاذهب به
إلى أختي صفية بنت شيبة فقل لها: إن الله سبحانه وضع في حرمه وأمنه
أمرًا لم يكن لأحد أن يخرجه من حيث وضعه الله تعالى, فخرجنا بهذه
الحصاة فأصابتنا فيها بلية عظيمة فصرع أصحابنا كلهم, فإياك أن تخرجيها
من حرم الله عز وجل، قال عبد الأعلى: فما هو إلا أن دخلت الحرم, فجعلنا
ننبعث رجلًا رجلًا.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي, حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن
أبي الزبير, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس عن أبي بن كعب, عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- قال:
"الحجر الأسود نزل به ملك من السماء".
وبه حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, حدثني ليث بن سعد, عن مغيرة بن
خالد المخزومي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الحجر
والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثني إبراهيم بن محمد, حدثني عبد الله
بن عثمان, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: الركن والمقام من جوهر
الجنة.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي, حدثني إبراهيم بن محمد, حدثني عبد الله
بن أبي لبيد, عن ابن عباس قال: أنزل الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ
تلألؤًا من شدة بياضه, فأخذه آدم -عليه السلام- فضمه إليه أنسًا به.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال:
أخبرني يحيى بن أبي أنيسة, عن عطاء, عن عبد الله بن عباس قال: سمعته
يقول:
"الحجر الأسود من حجارة الجنة, ليس في الدنيا من الجنة
ج / 1 ص -261-
غيره، ولولا ما مسه من دنس الجاهلية وجهلها,
ما مسه ذو عاهة إلا برأ".
وبه عن عثمان بن ساج قال: أخبرني يحيى بن أبي أنيسة, عن ليث, عن مجاهد,
عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا
تشعر, والجنب وهو لا يشعر, ما مسه أجذم ولا أبرص إلا برأ.
وبه عن سعيد بن سالم القداح, عن عثمان بن ساج, قال: أخبرني المثنى بن
الصباح, عن مسافع الحجبي, عن عبد الله بن عمرو قال: أشهد بالله أن
الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة, لولا أن الله تعالى أطفأ
نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض.
وبه عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, أخبرني معمر البصري, عن حميد
الأعرج, عن مجاهد قال: الركن من الجنة, ولو لم يكن من الجنة لفني.
حدثنا أبو الوليد, أخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني يحيى بن أبي أنيسة, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده قال: قال
عبد الله بن عمرو بن العاص: كان الحجر الأسود أبيض كاللبن, وكان طوله
كعظم الذراع, وما اسوداده إلا من المشركين كانوا يمسحونه, ولولا ذلك ما
مسه ذو عاهة إلا برأ.
قال عثمان: وأخبرني ابن نبيه الحجبي, عن أمه أنها حدثته أن أباها حدثها
أنه رأى الحجر قبل الحريق, وهو أبيض يتلألأ يتراءى الإنسان فيه وجهه.
قال عثمان: وأخبرني زهير أنه بلغه أن الحجر من رضراض ياقوت الجنة, وكان
أبيض يتلألأ فسوده أرجاس المشركين, وسيعود إلى ما كان عليه قال: وهو
يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم، له عينان ولسان وشفتان, يشهد لمن
استلمه بحق, ويشهد على من استلمه بغير حق.
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان
ج / 1 ص -262-
ابن ساج، عن عطاء, عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- قال: نزل آدم -عليه السلام- من الجنة معه الحجر الأسود متأبطه,
وهو ياقوتة من يواقيت الجنة, ولولا أن الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن
ينظر إليه, ونزل بالباسنة ونخلة العجوة. قال أبو محمد الخزاعي:
الباسنة: آلات الصناع.
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
عن أبان بن أبي عياش أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل كعبًا عن
الحجر فقال: مروة من مرو الجنة.
باب ما جاء في تقبيل الركن الأسود, والسجود
عليه:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سفيان بن
عيينة, عن ابن جريج, عن محمد بن عباد بن جعفر قال: رأيت ابن عباس -رضي
الله عنهما- جاء يوم التروية وعليه حلة مرجلا رأسه, فقبل الركن الأسود
وسجد عليه, ثم قبله وسجد عليه ثلاثًا.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي, حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن هشام بن
عروة, عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال وهو يطوف بالبيت:
ما أنت إلا حجر, ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك
ما قبلتك, يريد: الركن.
حدثنا أبو الوليد, حدثني مهدي بن أبي المهدي, حدثنا سفيان بن عاصم, عن
ابن سرجس قال: رأيت الأصيلع -يعني عمر بن الخطاب- يقبل الحجر ويقول:
إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع, ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك, يريد: الركن.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا مهدي بن أبي المهدي، حدثنا إبراهيم بن الحكم
ج / 1 ص -263-
ابن أبان, حدثني أبي, حدثني عكرمة قال: كان
عمر بن الخطاب إذا بلغ موضع الركن قال: أشهد أنك حجر لا تضر ولا تنفع
وإن ربي الله الذي لا إله إلا هو, ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يمسحك ويقبلك, ما قبلتك ولا مسحتك.
وبه حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان, عن أبيه قال: ردف عكرمة مولى ابن
عباس دين, فخرج إلى اليمن يسأل فيه حتى بلغ عدن فقال له أبي: كم دينك؟
قال: كذا وكذا قال: فأقم وعلي دينك ومثله, فأقام عنده سنة فسمعت منه ما
أريد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان قال:
أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: رأيت طاوسًا أتى الركن فقبله
ثلاثًا ثم سجد عليه, وقال: قال عمر: إنك لحجر, ولولا أني رأيت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك.
باب ما جاء في فضل استلام الركن الأسود,
واليماني:
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثنا داود بن عبد
الرحمن العطار, حدثني معمر, عن عطاء بن السائب أن عبيد بن عمير، قال
لابن عمر: إني أراك تزاحم على هذين الركنين فقال: إني سمعت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يقول:
"إن استلامهما يحط الخطايا حطًّا".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثني داود بن عبد الرحمن, عن ابن
جريج أن رجلًا يقال له: حميد بن نافع قال لابن عمر: رأيتك تصنع أشياء
لا يصنعها غيرك، فقال ابن عمر: إنك لا تزال طاعنًا في شيء, ما هو؟ قال:
رأيتك تصفر لحيتك, وتلبس النعال السبنية, ولا تهل في الحج والعمرة
ج / 1 ص -264-
حتى تنبعث بك ناقتك, ولا تستلم إلا هذين
الركنين الشرقيين قال: أما ما ذكرت من تصفير لحيتي فإني رأيت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يصفر لحيته، وأما ما ذكرت من النعال السبنية فإني
رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يلبس غيرها حتى مات، وأما ما
ذكرت من استلام الركنين الشرقيين فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لم يستلم غيرهما حتى مات، وأما إهلالي حين تنبعث ناقتي فإن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- لم يكن يهل حتى تنبعث به راحلته.
حدثنا أبو الوليد, حدثني أحمد بن ميسرة المكي, حدثنا عبد المجيد بن عبد
العزيز بن أبي رواد, عن أبيه قال: سمعت غير واحد من أهل المدينة يذكرون
أن رجلًا سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن, نراك تفعل خصالًا
أربعًا لا يفعلها الناس؛ نراك لا تستلم من الأركان إلا الحجر والركن
اليماني، ونراك لا تلبس من النعال إلا السبنية، ونراك تصفر شعرك ويصبغ
الناس بالحناء, ونراك لا تحرم حتى تنبعث بك راحلتك وتوجه, فقال عبد
الله: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك.
حدثنا أبو الوليد, حدثني أحمد بن ميسرة, عن عبد المجيد بن أبي رواد, عن
أبيه قال: وقد سمعت نافعًا يذكر هذه الخصال عن عبد الله بن عمر -رضي
الله عنه.
الزحام على استلام الركن الأسود, والركن
اليماني:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة, عن
عبد المجيد بن عبد العزيز, عن أبيه, حدثني نافع عن ابن عمر, عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يدع الركن الأسود, والركن اليماني أن
يستلمهما في كل طواف أتى عليهما، قال: وكان لا يستلم الآخرين. قال:
وأخبرني نافع أن ابن عمر كان لا
ج / 1 ص -265-
يدعهما في كل طوف طاف بهما حتى يستلمهما,
لقد زاحم على الركن مرة في شدة الزحام حتى رعف, فخرج فغسل عنه ثم رجع,
فعاد يزاحم فلم يصل إليه حتى رعف الثانية, فخرج فغسل عنه ثم رجع فما
تركه حتى استلمه.
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني ابن ميسرة, عن عبد المجيد, عن أبيه, عن
نافع قال: لقد رأيت ابن عمر زاحم مرة على الركن اليماني حتى انبهر,
فتنحى فجلس في ناحية الطواف حتى استراح ثم عاد, فلم يدعه حتى استلمه.
قال أحمد بن ميسرة: قال: أخبرنا عبد المجيد قال أبي: ليس هذا بواجب على
الناس, ولكنه كان يحب أن يصنع كما صنع النبي -صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: إن
عبد الله بن عمر كان لا يترك استلام الركنين في زحام ولا غيره, حتى
رأيته زاحمنا عنه يوم النحر وأصابه دم, فقال: قد أخطأنا هذه المرة.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثنا ابن عيينة, عن إبراهيم بن أبي حرة
قال: كنت أزاحم أنا وسالم بن عبد الله بن عمر على الركن حتى نستلمه.
قال سفيان: وقال غير إبراهيم بن أبي حرة: كان سالم بن عبد الله لو زاحم
الإبل لزحمها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سفيان بن عيينة, عن طلحة بن يحيى
قال: سألت القاسم بن محمد عن استلام الركن فقال: استلمه وزاحم عليه
يابن أخي؛ فقد رأيت ابن عمر يزاحم عليه حتى يدمى.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن هشام
بن عروة, عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن
عوف:
"كيف فعلت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود؟" قال: كل ذلك أستلم وأترك قال: "أصبت, وإن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه, يكره أن يضرب
عنه الناس.
ج / 1 ص -266-
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا
ابن عيينة, عن أبي يعقوب العبدي قال: سمعت رجلًا من خزاعة كان أميرًا
على مكة منصرف الحاج عن مكة يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال لعمر بن الخطاب:
"يا عمر, إنك رجل قوي وإنك تؤذي الضعيف, فإذا رأيت خلوة فاستلمه وإلا
فكبر وامض".
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثنا سفيان بن عيينة, عن هشام بن عروة,
عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الرحمن بن عوف:
"كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الحجر؟"
وكان قد استأذنه في العمرة فقال: كلا قد فعلت, استلمت وتركت, فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم:
"أصبت".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثني داود بن عبد الرحمن, عن هشام
بن عروة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يستلم إذا وجد فجوة, فإذا
اشتد الزحام كبر كلما حاذاه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن ابن جريج,
أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: إذا وجدت على الركن زحامًا فلا
تؤذ, ولا تؤذى.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني حنظلة بن أبي سفيان الجمحي قال: كان طاوس قل ما استلم الركنين
إذا رأى عليهما زحامًا قال: وقال ابن عباس: لا تؤذ مسلمًا, ولا يؤذيك,
إن رأيت منه خلوة فقبله أو استلمه وإلا فامض.
ج / 1 ص -267-
الختم بالاستلام, والاستلام في كل
وتر:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثني داود بن
عبد الرحمن, عن هشام بن عروة كان يختم طوافه باستلام الأركان كلها,
وكان لا يدع الركن اليماني إلا أن يغلب عليه.
حدثني جدي, حدثنا ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح قال: طفنا مع طاوس حتى
إذا حاذى بالركن قال: استلموا بنا هذا لنا خامس, قال ابن أبي نجيح:
فظننت أنه يستحب أن يستلمه في الوتر.
استلام الركنين الغربيين اللذين يليان الحجر:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن
سالم, عن عثمان بن ساج, أخبرني موسى بن عقبة, عن أبي النضر أن عبد الله
بن عمر لم يكن يدع الركنين اللذين يليان الحجر إلا أنه كان يرى أن
البيت لم يتمم في ذلك الوجه.
وبه عن عثمان بن ساج, أخبرني عثمان بن الأسود, عن مجاهد أنه قال:
الركنان اللذان يليان الحجر لا يستلمان.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة, عن عبد المجيد, عن أبيه,
حدثني نافع, عن ابن عمر أنه طاف معه مرة, فلما حاذى الركن الغربي ذهب
ليستلم وهو ناسٍ, فلما مد يده قبضها ولم يستلم, ثم أقبل علي فقال: إني
نسيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم، عن ابن
ج / 1 ص -268-
جريج, أخبرني سليمان بن عتيق, عن عبد الله
بن باباه, عن بعض آل يعلى بن أمية, عن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- فاستلمنا الركن الأسود، قال يعلى: فكنت مما يلي
باب البيت, فلما حاذينا الركن الشامي مددت يدي لأستلم فقال: ما شأنك؟
فقلت: ألا تستلم؟ فقال: ألم تطف مع النبي -صلى الله عليه وسلم؟ قال:
قلت: بلى قال: أفرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ قال: قلت: لا،
قال: أفليس لك في رسول الله أسوة حسنة؟ قال: قلت: بلى قال: فابعد عنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد, عن عثمان, عن موسى بن عقبة,
أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر, أنه لم يزل يرى أباه عبد الله بن عمر
في حج ولا عمرة إذا طاف بالبيت يدع مس الركن الأسود واليماني, وأنه لم
يره يمس الركنين الآخرين.
ترك استلام الأركان:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثني يحيى بن
سليم, حدثنا إسماعيل بن كثير قال: حدثني مجاهد قال: كنا مع عبد الله بن
عمر في الطواف فنظر إلى رجل يطوف كالبدوي, طويل مضطرب حجرة من الناس
فقال: أي شيء تصنع ههنا؟ قال: أطوف فقال: مثل الجمل تخبط, ولا تستلم
ولا تكبر ولا تذكر الله تعالى ثم قال له: ما اسمك؟ قال: حنين, قال:
فكان ابن عمر إذا رأى الرجل لا يستلم الركن قال: أحنيني هو؟
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال:
أخبرني ابن جريج أن عبد الله بن عمر رأى رجلًا يطوف بالبيت لا يستلم
فقال: يا هذا, ما تصنع ههنا؟ قال: أطوف قال: ما طفت.
ج / 1 ص -269-
وبه عن عثمان بن ساج قال: وأخبرني ابن أبي
أنيسة, عن عطاء بن أبي رباح قال: طفت مع جابر بن عبد الله, ومع عبد
الله بن عمرو بن العاص, ومع ابن عباس, ومع أبي سعيد الخدري, فما رأيت
منهم إنسانًا استلمه حتى فرغ.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا ابن عيينة قال: رأيت عبد الله
بن طاوس وطفت معه, فلما حاذى الركن رفع يده وكبر.
استلام النساء الركن:
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, عن الزنجي, عن ابن
جريج قال: أخبرني عطاء قال: قالت امرأة وهي تطوف مع عائشة: انطلقي
فاستلمي يا أم المؤمنين, فجذبتها وقالت: انطلقي عنا, وأبت أن تستلم.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا محمد بن أبي عمر, حدثنا حكام بن سلم الرازي,
حدثنا المثنى بن الصباح قال: كنا نطوف مع عطاء بن أبي رباح فرأى امرأة
تريد أن تستلم الركن, فصاح بها وزجرها: غطي يديك, لا حق للنساء في
استلام الركن. قال أبو محمد: حدثنا يحيى بن المقرئ, حدثنا حكام بن سلم
بإسناده مثله.
تقبيل الركن اليماني, ووضع الخد عليه:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وعبد الله بن
مسلمة القعنبي قالا: حدثنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي, حدثنا
عبد الله بن مسلم بن هرمز, عن مجاهد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يستلم الركن اليماني, ويضع خده عليه.
ج / 1 ص -270-
استلام الركن اليماني, وفضله:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم القداح, عن عثمان
بن ساج قال: أخبرني عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يمر بالركن اليماني
إلا وعنده ملك يقول: يا محمد, استلم.
وبه عن عثمان, أخبرني ياسين, عن عبد الله بن حميد, عن إبراهيم النخعي,
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما مررت بالركن اليماني إلا وجدت جبريل عليه قائمًا".
وبه قال: وأخبرني ياسين, عن عبد الله بن الزبير, عن أبيه أنه قال: يا
بني, أدنني من الركن اليماني؛ فإنه كان يقال: إنه باب من أبواب الجنة.
وبه عن عثمان قال: وأخبرني جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي, وقد
مررنا قريبًا من الركن اليماني ونحن نطوف دونه فقلت: ما أبرد هذا
المكان فقال: قد بلغني أنه باب من أبواب الجنة.
وبه عن عثمان قال: وبلغني عن عطاء قال: قيل: يا رسول الله, رأيناك تكثر
استلام الركن اليماني، قال: فقال -إن كان قاله: "ما أتيت عليه قط إلا
وجبريل قائم عنده, يستغفر لمن استلمه".
وبه عن عثمان, وأخبرني زهير بن محمد, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
الحسين, عن مجاهد قال: من وضع يده على الركن اليماني ثم دعا, استجيب له
قال: قلت له: قم بنا يا أبا الحجاج فلنفعل ذلك, ففعلنا ذلك.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, أخبرنا سعيد عن عثمان بن ساج, حدثنا
عثمان بن الأسود, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين, عن مجاهد
قال: ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو, إلا استجيب له،
قال: وبلغني أن بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا
يفارقونه, هم هنالك منذ خلق الله سبحانه البيت.
ج / 1 ص -271-
باب ما يقال عند استلام الركن
الأسود:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج قال:
قلت لعطاء: هل بلغك من قول يستحبّ عنده استلام الركن؟ قال: لا، وكأنه
يأمر بالتكبير.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد, عن ابن جريج, عن نافع, عن
ابن عمر أنه كان إذا استلم الركن قال: باسم الله, والله أكبر.
حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم قال: أخبرني موسى
بن عبيدة, عن سعيد بن إبراهيم, عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان
يقول إذا كبر لاستلام الحجر: باسم الله, والله أكبر على ما هدانا الله،
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آمنت بالله, وكفرت بالطاغوت وباللات
والعزى وما يدعى من دون الله، إن وليي الله الذي نزل الكتاب, وهو يتولى
الصالحين. قال عثمان: بلغني أنه يستحب أن يقال عند استلام الركن: باسم
الله, والله أكبر, اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بما جاء به محمد رسول
الله -صلى الله عليه وسلم.
ج / 1 ص -272-
باب ما يقال من الكلام بين الركن
الأسود واليماني:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن ابن جريج,
أخبرني يحيى بن عبيد أن عبد الله بن السائب أخبره أن أباه أخبره أنه
سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما بين الركن اليماني والركن
الأسود:
"ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار".
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, أخبرنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني ياسين, حدثني إبراهيم, عن الحجاج بن الفرافصة, عن علي بن أبي
طالب أنه كان إذا مر بالركن اليماني قال: باسم الله والله أكبر والسلام
على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورحمة الله وبركاته, اللهم إني
أعوذ بك من الكفر والفقر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار.
وبه عن عثمان قال: وأخبرني ياسين قال: أخبرني أبو بكر بن محمد, عن سعيد
بن المسيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا مر بالركن اليماني
قال:
"اللهم إني أعوذ بك من الكفر والذل والفقر ومواقف الخزي في الدنيا
والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار"، فقال رجل: يا رسول الله, أرأيت إن كنت عجلا قال:
"وإن كنت أسرع من برق الخلب".
قال أبو محمد الخزاعي: الخلب: السحاب الذي ليس فيه مطر.
قال: وأخبرت أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يقول بين الركنين: اللهم
قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه, واحفظني في كل غائبة لي بخير, إنك على
كل شيء قدير.
قال عثمان: وبلغني أن رجلًا كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول بين الركن الأسود والركن اليماني ثلاث مرات: "اللهم أنت
الله وأنت الرحمن, لا
ج / 1 ص -273-
إله غيرك وأنت الرب لا رب غيرك, وأنت
القائم الدائم الذي لا تغفل, وأنت الذي خلقت ما يرى وما لا يرى, وأنت
علمت كل شيء بغير تعليم, فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- من صنيعه
فقال -إن كان قاله والله أعلم: "بشروه بالجنة, وأخبروه أنه في قومه مثل صاحب
ياسين في قومه".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثني عيسى بن يونس, حدثنا عبد الله
بن مسلم بن هرمز, عن مجاهد أنه كان يقول: ملك موكل بالركن اليماني منذ
خلق الله السموات والأرض يقول: آمين فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة, وقنا عذاب النار.
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج, عن
عمر بن قتادة, عن سالم بن عبد الله, عن أبيه قال: على الركن اليماني
ملكان موكلان يؤمنان على دعاء من يمر بهما, وإن على الأسود ما لا يحصى.
ما يقال عند استلام الركن, ومن أي جانب يستلم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا ابن
عيينة, عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: يقال عند استلام الركن: اللهم
إجابة دعوة نبيك, واتباع رضوانك, وعلى سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سفيان بن عبد الكريم, عن مجاهد
قال: لا بأس أن يستلم الحجر من قبل الباب.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
وأخبرني خصيف بن عبد الرحمن أن مجاهدًا قال له: لا تستلم الحجر من قبل
الباب, ولكن استقبله استقبالًا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن مسلم بن خالد, عن ابن جريج قال:
أخبرت أن طاوسًا استقبله حين ابتدأ الطواف.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني المثنى بن الصباح أن عطاء كان يستلم الحجر من أين شاء.
ج / 1 ص -274-
ما جاء في رفع الركن الأسود:
حدثنا أبو الوليد، قال: أخبرني جدي, حدثنا سعيد
بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني زهير بن محمد, عن منصور بن عبد
الرحمن الحجبي, عن أمه, عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم: "أكثروا استلام هذا الحجر؛ فإنكم توشكون أن تفقدوه
بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذا أصبحوا وقد فقدوه, إن الله عز وجل
لا يترك شيئًا من الجنة في الأرض إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة".
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, عن سعيد بن عثمان, أخبرني إبراهيم
الصائغ, عن رجل, عن عمرو بن ميمون الأودي, عن يوسف بن ماهك قال: إن
الله تعالى جعل الركن عيد أهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيدًا لبني
إسرائيل, وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم, وإن جبريل وضعه في
مكانه, وإنه يأتيه فيأخذه من مكانه. قال عثمان: وحدثت عن مجاهد أنه
قال: كيف بكم إذا أسري بالقرآن ورفع من صدوركم ونسخ من قلوبكم ورفع
الركن؟ قال عثمان: وبلغني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أول ما يرفع: الركن, والقرآن, ورؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- في
المنام".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, أخبرنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن
ساج, عن مقاتل, عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن
الله تعالى يرفع القرآن من صدور الرجال, والحجر الأسود قبل يوم
القيامة.
ج / 1 ص -275-
ما جاء في تقبيل الأيدي إذا استلم
الركن:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, حدثنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج,
عن عطاء قال: رأيت عبد الله بن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري وجابر
بن عبد الله إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم, قال ابن جريج: قلت له:
وابن عباس؟ قال: وابن عباس حسبت كثيرًا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي قال:
رأيت عطاء بن أبي رباح وعكرمة بن خالد وابن أبي مليكة يطوفون بعد العصر
ويصلون، ورأيتهم يستلمون الركن الأسود واليماني ويقبلون أيديهم ويمسحون
بها وجوههم, وربما استلموا ولا يمسحون بها أفواههم ولا وجوههم.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, حدثنا عيسى بن يونس بن أبي إسحاق,
عن عبد الله بن أبي زياد قال: رأيت عطاء ومجاهدًا وسعيد بن جبير إذا
استلموا الركن, قبلوا أيديهم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن الزنجي, عن ابن جريج قال: قال
عمرو بن دينار: جفا من استلم الركن ولم يقبل يده، قال ابن جريج: وأخبرت
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طاف على راحلته يستلم الركن
بمحجنه, ثم يقبل طرف المحجن.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, حدثنا سفيان أنه سمع حميد بن حيان
قال: رأيت سالم بن عبد الله إذا استلم يضع يده على خده أو جبهته، قال
سفيان: ورأيت أيوب بن موسى إذا استلم الركن, يضع يده على جبهته أو على
خده.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، عن سفيان, عن عبد الكريم, عن مجاهد
قال: لا بأس أن تستلم الحجر من قبل الباب.
ج / 1 ص -276-
أول من استلم الركن الأسود قبل
الصلاة, وبعدها من الأئمة:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي، حدثنا عبد
الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: أول من استلم الركن
الأسود من الأئمة قبل الصلاة وبعدها ابن الزبير, فاستحسنت ذلك الولاة
بعده فاتبعته.
ذكر ما يدور بالحجر الأسود من الفضة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: كان ابن
الزبير أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق, ثم كانت
الفضة قد رقت وتزعزعت وتقلقلت حول الحجر الأسود حتى خافوا على الركن أن
ينقص, فلما اعتمر أمير المؤمنين هارون الرشيد وجاور في سنة تسع وثمانين
ومائة أمر بالحجارة التي بينها الحجر الأسود، فثقبت بالماس من فوقها
وتحتها ثم أفرغ فيها الفضة, وكان الذي عمل ذلك ابن الطحان مولى ابن
المشمعل, وهي الفضة التي هي عليه اليوم.
ج / 1 ص -277-
ذكر ذرع ما يدور بالحجر الأسود من
الفضة:
ذراع وأربع أصابع، وذرع ما بين الحجر إلى الأرض ذراعان وثلثا ذراع،
وذرع ما بين الركن والمقام ثمانية وعشرون ذراعًا، وحول الحجر الأسود
طوق من فضة مفرغ وهو يلي الجدر, ودخول الفضة التي حول الحجر الأسود
ودخول الحجر الأسود في الجدر عن وجه حد الجدر إصبعان ونصف.
ما جاء في الملتزم, والقيام في ظهر الكعبة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا مسلم بن
خالد, عن أبي الزبير المكي, عن ابن عباس قال: الملتزم والمدعى والمتعوذ
ما بين الحجر والباب، قال أبو الزبير: فدعوت هنالك بدعاء بحذاء
الملتزم, فاستجيب لي.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, أخبرنا ابن عيينة, عن حميد, عن
مجاهد قال: رأيت ابن عباس, وهو يستعيذ ما بين الركن والباب.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي, حدثنا يحيى بن سليم, حدثنا عثمان بن
الأسود, عن مجاهد قال: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم, ولا يقوم عبد
ثم يدعو الله -عز وجل- بشيء إلا استجاب له.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني جدي, حدثنا سفيان, عن عبد الكريم, عن
مجاهد قال: الصق خديك بالكعبة, ولا تضع جبهتك.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي, حدثنا عيسى بن
يونس, عن المثنى بن الصباح, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه قال: طفت مع عبد
الله بن عمرو, فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: أعوذ بالله
ج / 1 ص -278-
من النار, ثم مضى حتى استلم الحجر, فقام
بين الركن والباب ثم وضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه بسطًا, وقال: هكذا
رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل.
حدثنا أبو الوليد, حدثني جدي, عن مسلم بن خالد الزنجي, عن عثمان بن
يسار, عن المغيرة بن حكيم, عن سعد بن خيثمة أنه رأى أناسًا يتعلقون
بالبيت فقال: والله لو رأيتنا وما نفعل هذا والله ما يرضى بعضهم حتى
إنه ليستدبرها باسته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى, حدثنا عبد العزيز بن عمران,
عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير, عن عطاء قال: مر ابن الزبير بعبد
الله بن عباس بين الباب والركن الأسود فقال: ليس ههنا الملتزم، الملتزم
دبر البيت، قال ابن عباس: هناك ملتزم عجائز قريش.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
أخبرني المثنى بن الصباح عن عطاء قال: طاف عبد الملك بن مروان, والحارث
بن عبد الله بن أبي ربيعة أسبوعًا حتى إذا كانا في دبر الكعبة تعوذ عبد
الملك, فقال الحارث: أتدري من أحدث هذا؟ أحدثه عجائز قومك.
قال عثمان: وبلغني عن مجاهد قال: قال معاوية بن أبي سفيان: من قام عند
ظهر البيت فدعا, استجيب له, وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
حدثنا أبو الوليد, حدثنا سفيان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب
قال: رأيت القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز يقفان في ظهر الكعبة
بحيال الباب, فيتعوذان ويدعوان.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج,
حدثني زهير بن أبي بكر المديني, عن عطاء, عن ابن عباس قال: من التزم
الكعبة ثم دعا استجيب له، فقيل له: وإن كانت استلامة
ج / 1 ص -279-
واحدة؟ قال: وإن كانت أوشك من برق الخلب.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني محمد بن يحيى, حدثنا هشام بن سليمان
المخزومي, عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم أنه قال: طاف آدم
سبعًا بالبيت حين نزل, ثم صلى وجاه باب الكعبة ركعتين, ثم أتى الملتزم
فقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي, وتعلم ما في نفسي
وما عندي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، اللهم إني أسألك
إيمانًا يباشر قلبي, ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما
كتبت لي, والرضا بما قضيت علي, فأوحى الله تعالى إليه:
"يا آدم, قد دعوتني بدعوات واستجبت لك, ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا
كشفت همومه وغمومه, وكففت عليه ضيعته, ونزعت الفقر من قلبه, وجعلت
الغنى بين عينيه, وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر, وأتته الدنيا وهي
راغمة وإن كان لا يريدها" قال: فمنذ طاف آدم كانت سنة الطواف.
حدثنا أبو الوليد, حدثني أحمد بن نصر العرني, عن عثمان بن اليمان, عن
حفص بن سليمان, عن علقمة بن مرثد, عن سليمان بن بريدة, عن أبيه قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"طاف آدم بالبيت سبعًا حين نزل..." ثم نسق مثل هذا الحديث.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن ابن عيينة, عن حميد بن قيس, عن
مجاهد قال: جئت ابن عباس وهو يتعوذ بين الباب والركن الأسود فقلت له:
كيف تقرأ هذه الآية قالوا: "ساحران تظاهرا"؟ قال لي عكرمة مولاه:
{سِحْرَانِ تَظَاهَرَا}.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن عبد المجيد, عن ابن جريج والمثنى
بن الصباح, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه أنه قال: طاف محمد بن عبد الله بن
عمرو مع أبيه عبد الله بن عمرو بن العاص, فلما كان في السابع أخذ بيده
إلى دبر الكعبة فجبذه, وقال أحدهما: أعوذ بالله من النار، وقال
ج / 1 ص -280-
الآخر: أعوذ بالله من الشيطان, ثم مضى حتى
أتى الركن فاستلمه, ثم قام بين الركن والباب فألصق وجهه وصدره بالبيت
وقال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن يحيى بن سليم, عن محمد بن السائب
بن بركة, عن أمه أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- أرسلت إلى أصحاب المصابيح فأطفئوها ثم طافت في ستر وحجاب, قالت:
وطفت معها فطافت ثلاثة أسبع, كلما طافت سبعًا وقفت بين الباب والحجر
تدعو.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي, عن يحيى بن سليم, عن عثمان بن الأسود, عن
مجاهد قال: كان يقال: ما بين الباب والحجر يدعى الملتزم, ولا يقوم عبد
عنده فيدعو إلا رجوت أن يستجاب له، قال أبو الوليد: ذرع الملتزم وهو ما
بين باب الكعبة وحد الركن الأسود أربعة أذرع.
ما جاء في الصلاة في وجه الكعبة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, أخبرنا مسلم
بن خالد, عن عبد الرحمن بن الحارث, عن حكيم بن حكيم, عن نافع بن جبير
بن مطعم عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"أمني جبريل عند باب الكعبة مرتين".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن ابن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن
عطاء أن موسى بن عبد الله بن جميل سلم على ابن عباس وهو يصلي في وجه
الكعبة, فأخذ بيده.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح،
ج / 1 ص -281-
قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص: البيت
كله قبلة, وقبلته وجهه, فإن أخطأك وجهه فقبلة النبي -صلى الله عليه
وسلم، وقبلة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بين الميزاب إلى الركن
الشامي الذي يلي المقام.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن سفيان, عن عمرو قال: رأيت ابن
الزبير إذا صلى العصر تقدم إلى وجه الكعبة, فصلى ركعتين.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن ابن
جريج, عن محمد بن عباد عن جعفر, عن ابن السائب أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- صلى يوم الفتح في وجه الكعبة حذو الطرقة البيضاء, ثم رفع يديه
فقال:
"هذه القبلة" قال أبو الوليد: قال جدي: كان داود بن عبد
الرحمن يشير لنا إلى الموضع الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-
من وجه الكعبة قبل أن يطلى على الشاذروان الذي تحت إزار الكعبة الجص
والمرمر عند الحجر السابع أو التاسع، قال جدي: الذي يشك في باب الحجر
الشرقي، قال أبو الوليد: قال جدي: إن رأيت المرمر والجص قد قرف عن
الشاذروان فعد سبعة أحجار من باب الحجر الشرقي, فإن كان السابع حجرا
طويلا من أطول السبعة فيه حفر شبه النقر فهو الموضع وإلا فهو التاسع،
قال داود: وكان ابن جريج يشير لنا إلى هذا الموضع ويقول: هذا الموضع
الذي صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الموضع الذي جعل فيه
المقام حين ذهب به سيل أم نهشل إلى أن قدم عمر بن الخطاب -رضي الله
عنه- فرده إلى موضعه الذي كان فيه في الجاهلية, وفي عهد النبي -صلى
الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه- وبعض خلافة عمر -رضي الله
عنه- إلى أن ذهب به السيل.
إلى هنا انتهى الجزء الأول من كتاب "أخبار مكة" ويليه -إن شاء الله-
الجزء الثاني، وأوله: باب ما جاء في فضل الطواف.
ج / 1 ص -283-
فهرس موضوعات الجزء الأول:
الموضوع الصفحة
مقدمة
التحقيق
3
ذكر ما كانت الكعبة الشريفة عليه فوق الماء قبل أن يخلق الله السموات
والأرض, وما جاء في ذلك 9
ذكر بناء الملائكة الكعبة قبل خلق آدم, ومبتدأ الطواف كيف
كان 10
ذكر زيارة الملائكة البيت الحرام شرفها
الله
12
ذكر هبوط آدم إلى الأرض, وبنائه الكعبة, وحجه وطوافه
بالبيت 13
ما جاء في حج آدم -عليه السلام- ودعائه
لذريته
19
سنة
الطواف
21
ذكر وحشة آدم في الأرض حين نزلها, وفضل البيت الحرام
والحرم 22
ما جاء في البيت
المعمور 25
ما جاء في رفع البيت المعمور زمن الغرق, وما جاء
فيه
26
ذكر بناء ولد آدم البيت الحرام بعد موت آدم عليه
السلام
27
ما جاء في طواف سفينة نوح -عليه السلام- زمن الغرق بالبيت
الحرام 28
أمر الكعبة بين نوح, وإبراهيم عليهما
السلام
28
ما ذكر من تخير إبراهيم -عليه السلام- موضع البيت الحرام من
الأرض 29
باب ما جاء في إسكان إبراهيم ابنه إسماعيل, وأمه هاجر في بدء أمره عند
البيت الحرام كيف كان 30
ما ذكر من نزول جرهم مع أم إسماعيل في
الحرم
33
ما ذكر من بناء إبراهيم -عليه السلام-
الكعبة
35
ذكر حج إبراهيم -عليه السلام- وأذانه بالحج وحج الأنبياء بعده, وطوافه
وطواف الأنبياء بعده 43
قوله عز وجل: {إن أول بيت وضع للناس} وما جاء في
ذلك 50
ج / 1 ص -284-
ما جاء في مسألة إبراهيم الأمن والرزق لأهل
مكة -شرفها الله تعالى- والكتب التي وجد فيها تعظيم
الحرم
51
ذكر ولاية بني إسماعيل بن إبراهيم الكعبة بعده, وأمر
جرهم 55
ما ذكر من ولاية خزاعة الكعبة بعد جرهم, وأمر
مكة
63
باب ما جاء في ولاية قصي بن كلاب البيت الحرام, وأمر مكة بعد خزاعة,
وما ذكر من ذلك 74
ما جاء في انتشار ولد إسماعيل وعبادتهم الحجارة, وتغيير الحنيفية دين
إبراهيم عليه السلام 86
باب ما جاء في أول من نصب الأصنام في الكعبة, والاستقسام
بالأزلام 87
باب ما جاء في أول من نصب الأصنام, وما كان من
كسرها
88
باب ما جاء في الأصنام التي كانت على الصفا والمروة, ومن نصبها, وما
جاء في ذلك 93
ما جاء في مناة, وأول من
نصبها
94
باب ما جاء في اللات والعزى, وما جاء في بدوهما كيف
كان 95
ما جاء في ذات
أنواط
98
ما جاء في كسر
الأصنام
99
مسير تبع إلى مكة شرفها الله
تعالى
100
ذكر مبتدأ حديث
الفيل
102
ذكر الفيل حين ساقته
الحبشة
104
ما جاء في شواهد الشعر في
ذلك
121
ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في
الجاهلية
123
باب ما جاء في فتح الكعبة، ومتى كانوا يفتحونها؟ ودخولهم إياها، وأول
من خلع النعل والخف عند
دخولها
137
حج أهل الجاهلية وإنساء الشهور ومواسمهم, وما جاء في
ذلك 142
إكرام أهل الجاهلية
الحاج
155
إطعام أهل الجاهلية حاج
البيت
155
ما جاء في حريق الكعبة, وما أصابها من الرمي من أبي قبيس
بالمنجنيق 156
ج / 1 ص -285-
باب ما جاء في بناء ابن الزبير الكعبة، وما
زاد فيها من الأذرع التي كانت في الحجر من الكعبة, وما نقص منها
الحجاج
159
ما جاء في مقلع الكعبة من أين قلع
176
في معاليق الكعبة وقرني الكبش, ومن علق تلك
المعاليق 177
نسخة ما في اللوح الذي في جوف الكعبة, الذي كان مع
السرير 180
نسخة الكتابين اللذين كتبا في بطن الكعبة اللذين شهد عليهما, ونسخة
الشرط الذي كتبه محمد ابن أمير المؤمنين في بطن
الكعبة
184
نسخة الشرط الذي كتبه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين في بطن
الكعبة 189
نسخة ما كان حفر على صحيفة
التاج
191
ذكر الجب الذي كان في الجاهلية في الكعبة, ومال الكعبة الذي يهدى لها,
وما جاء في ذلك 193
ذكر من كسا الكعبة في
الجاهلية
197
ذكر كسوة الكعبة في الإسلام, وطيبها, وخدمها, وأول من فعل
ذلك 199
ما جاء في تجريد الكعبة, وأول من
جردها
203
ما جاء في دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- المفتاح إلى عثمان بن
طلحة 208
الصلاة في الكعبة, وأين صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
منها؟ 211
ما جاء في رقي بلال الكعبة, وأذانه عليها يوم
الفتح
216
باب ما جاء في الحبشي الذي يهدم الكعبة, وما جاء فيمن أرادها بسوء وغير
ذلك 218
ما يقال عند النظر إلى
الكعبة
220
ما جاء في أسماء الكعبة ولم سميت الكعبة؟ ولئلا يبنى بيت يشرف
عليها 221
ما جاء في قول الله عز وجل:
{وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمنًا}
224
ما جاء في قول الله سبحانه:
{جعل الله الكعبة البيت
الحرام قيامًا للناس}
224
ما جاء في تطهير إبراهيم وإسماعيل البيت للطائفين والقائمين والركع
السجود, وما جاء في ذلك 225
ما جاء في أول من استصبح حول الكعبة, وفي المسجد الحرام بمكة وليلة
هلال المحرم 226
ج / 1 ص -286-
ذكر ما كان عليه ذرع الكعبة حتى صار إلى ما
هو عليه اليوم من خارج وداخل 228
باب ذرع البيت من
خارج
229
ذرع الكعبة من
داخلها
229
ذرع ما بين
الأساطين 231
صفة الروازن التي للضوء في سقف
الكعبة
232
صفة الجزعة
وذرعها
232
صفة
الدرجة
232
صفة الإزار الرخام الأسفل, الذي في بطن
الكعبة 233
صفة الإزار
الأعلى
234
صفة المسامير التي في بطن
الكعبة
235
صفة فرش أرض البيت
بالرخام
235
ذكر ما غير من فرش أرض
الكعبة 236
صفة باب
الكعبة
243
باب صفة الشاذروان, وذرع
الكعبة
245
ذكر
الحجر
246
الجلوس في الحجر, وما جاء في
ذلك
249
ما جاء في الدعاء, والصلاة عند مثعب
الكعبة
252
صفة الحجر,
وذرعه
254
ما جاء في فضل الركن
الأسود
255
باب ما جاء في تقبيل الركن الأسود, والسجود
عليه 262
باب ما جاء في فضل استلام الركن الأسود,
واليماني 263
الزحام على استلام الركن الأسود, والركن
اليماني 264
الختم بالاستلام, والاستلام في كل
وتر
267
استلام الركنين الغربيين اللذين يليان
الحجر
267
ترك استلام
الأركان 268
استلام النساء
الركن
269
ج / 1 ص -287-
تقبيل الركن اليماني, ووضع الخد
عليه
269
استلام الركن اليماني وفضله
270
باب ما يقال عند استلام الركن
الأسود
271
باب ما يقال من الكلام بين الركن الأسود واليماني
272
ما يقال عند استلام الركن, ومن أي جانب
يستلم؟
273
ما جاء في رفع الركن
الأسود
274
ما جاء في تقبيل الأيدي إذا استلم
الركن
275
أول من استلم الركن الأسود قبل الصلاة, وبعدها من
الأئمة 276
ذكر ما يدور بالحجر الأسود من
الفضة
276
ذكر ذرع ما يدور بالحجر الأسود من
الفضة
277
ما جاء في الملتزم, والقيام في ظهر
الكعبة
277
ما جاء في الصلاة في وجه
الكعبة
280
فهرس موضوعات الجزء
الأول
283 |