أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر
ج / 2 ص -35-
باب: ذكر زمزم
باب: ما جاء في اخراج جبريل زمزم لأم إسماعيل
عليهما السلام1
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال أخبرني
مسلم بن خالد، عن ابن جريج عن كثير بن كثير،
عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس
أنه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم، وبين
سارة امرأة إبراهيم ما كان أقبل إبراهيم نبي
الله بأم إسماعيل وإسماعيل، وهو صغير ترضعه
حتى قدم بهما مكة ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء
تشرب منه، وتدر على ابنها، وليس معها زاد يقول
سعيد بن جبير: قال ابن عباس: فعمد بهما إلى
دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد يشير لنا بين
البئر وبين الصفة يقول: فوضعهما تحتها، ثم
توجه إبراهيم خارجًا على دابته، واتبعت أم
إسماعيل أثره حتى وافى إبراهيم بكذا.
يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل: إلى من
تتركها وولدها؟ قال: إلى الله عز وجل فقالت:
قد رضيت بالله عز وجل، فرجعت أم إسماعيل تحمل
ابنها حتى قعدت تحت الدوحة، ووضعت ابنها إلى
جنبها، وعلقت شنتها تشرب منها، وترضع ابنها
حتى فني ماء شنتها فانقطع درها فجاع ابنها،
فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط، فخشيت أم
إسماعيل أن يموت فأحزنها ذلك.
يقول ابن عباس: قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه
حتى يموت ولا أرى موته.
يقول ابن عباس: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا
حين رأته مشرفًا تستوضح عليه أي ترى أحدًا
بالوادي، ثم نظرت إلى المروة فقالت: لو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في بئر زمزم: شفاء الغرام 1/ 397 وما
بعدها، الجامع اللطيف ص 223، وما بعدها.
ج / 2 ص -36-
مشيت بين هذين الجبلين تعللت حتى يموت
الصبي ولا أراه.
يقول ابن عباس: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث مرات، أو أربع ولا تجيز
ببطن الوادي في ذلك إلا رملًا.
يقول ابن عباس: ثم رجعت أم إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشع كما تركته،
فأحزنها فعادت إلى الصفا تعلل حتى يموت ولا تراه، فمشت بين الصفا
والمروة كما مشت أول مرة.
يقول ابن عباس: حتى كان مشيها بينهما سبع مرات يقول: قال ابن عباس قال
أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم:
"فلذلك طاف الناس بين الصفا
والمروة"، قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما
تركته ينشع فسمعت صوتًا فراث1 عليها، ولم يكن معها أحد غيرها فقالت: قد
أسمع صوتك فأغثني إن كان عندك خير، فخرج لها جبريل عليه السلام فاتبعته
حتى ضرب برجله مكان البئر، فظهر ماء فوق الأرض حيث فحص جبريل.
يقول ابن عباس: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم:
"فحاضته أم إسماعيل بتراب ترده خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها"، يقول أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم:
"ولو تركته أم إسماعيل كان عينا معينا يجري".
يقول ابن عباس: فجاءت أم إسماعيل بشنتها، فاستقت وشربت فدرت على ابنها.
فبينا هي كذلك إذ مر ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلى،
فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء،
ولا أنيس، يقول ابن عباس: فأرسلوا جريين لهم حتى أتيا أم إسماعيل،
فكلماها ثم رجعا إلى ركبهما فأخبراهم بمكانها، فرجع الركب كلهم حتى
حيوها فردت عليهم وقالوا: لمن هذا الماء؟ قالت أم إسماعيل: هو لي،
قالوا: أتأذنين لنا أن نسكن معك عليه؟ قالت: نعم قال ابن عباس: قال أبو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في أ، ب إلى: "رَأَت" وصوابه من الأصل. ورَاثَ: أبطأ.
ج / 2 ص -37-
القاسم -صلى الله عليه وسلم-
"ألفى ذلك أم إسماعيل وقد أحبت الأنس فنزلوا، وبعثوا إلى أهليهم فقدموا
وسكنوا تحت الدوح، واعترشوا عليها العرش فكانت معهم هي وابنها".
وقال بعض أهل العلم: كانت جرهم تشرب من ماء زمزم، فمكثت بذلك ما شاء
الله أن تمكث، فلما استخفت جرهم بالحرم، وتهاونت بحرمة البيت وأكلوا
مال الكعبة الذي يهدى لها سرًا وعلانية، وارتكبوا مع ذلك أمورًا عظاما،
نضب ماء زمزم وانقطع، فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول
عصرًا بعد عصر حتى غبى مكانه.
وقد كان عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي، قد وعظ جرهما في
ارتكابهم الظلم في الحرم واستخفافهم بأمر البيت، وخوفهم النقم وقال
لهم: إن مكة لا تقر ظالمًا فالله الله قبل أن يأتيكم من يخرجكم منها
خروج ذل وصغار، فتتمنوا أن تتركوا تطوفون بالبيت فلا تقدروا على ذلك.
فلما لم يزدجروا ولم يعوا وعظه عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب،
وأسياف قلعية كانت أيضًا في الكعبة، فحفر لذلك كله بليل في موضع زمزم
ودفنه سرًا منهم حين خافهم عليه، فسلط الله عليهم خزاعة، فأخرجتهم من
الحرم ووليت عليهم الكعبة والحكم بمكة ما شاء الله أن تليه، وموضع زمزم
في ذلك لا يعرف لتقادم الزمان، حتى بوأه الله تعالى لعبد المطلب بن
هاشم لما أراد الله من ذلك فخصه به من بين قريش.
ما جاء في حفر عبد المطلب بن
هاشم زمزم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد
الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر عن الزهري قال: أول ما ذكر من عبد
المطلب
ج / 2 ص -38-
ابن هاشم جد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أن قريشًا خرجت فارة من أصحاب الفيل، وهو غلام شاب فقال: والله
لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره قال: فجلس عند البيت وأجلت عنه
قريش فقال:
لا هم إن المرء يمـ
نع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
وضلالهم غدوا1 محالك
قال: فلم يزل ثابتًا في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه،
فرجعت قريش وقد عظم فيها لصبره وتعظيمه محارم الله عز وجل، فبينما هو
في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه فأدرك وهو الحارث بن عبد المطلب، فأتي عبد
المطلب في المنام فقيل له: احفر زمزم2 خبئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال:
اللهم بين لي، فأتي في المنام مرة أخرى فقيل له: احفر زمزم بين الفرث
والدم عند نقرة الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر، فقام عبد
المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام، ينظر ما سمي له من الآيات،
فنحرت بقرة بالحزورة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها، حتى غلبها الموت
في المسجد في موضع زمزم، فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها،
فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل، فقام عبد المطلب
فحفر هنالك، فجاءته قريش، فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع؟ إنا لم
نكن نزنك بالجهل لم تحفر في مسجدنا؟ فقال عبد المطلب: إني لحافر هذا
البئر ومجاهد من صدني عنها، فطفق هو وابنه الحارث، وليس له ولد يومئذ
غيره فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوهما، وقاتلوهما وتناهى عنه
ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه، وصدقه واجتهاده في دينهم يومئذ،
حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصول: "عدوا" بالعين المهملة، والمثبت لدى ابن هشام في السيرة
1/ 51. وغدوا: غدا، وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك، فحذفت لامه، ولم
يستعمل تاما إلا في الشعر.
2 انظر في ذكر حفر زمزم: سيرة ابن هشام 1/ 142 وما بعدها.
ج / 2 ص -39-
الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولد أن ينحر
أحدهم.
ثم حفر حتى أدرك سيوفًا دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريشا أنه قد
أدرك السيوف قالوا: يا عبد المطلب أجزنا مما وجدت، فقال عبد المطلب:
هذه السيوف لبيت الله الحرام، فحفر حتى انبط الماء في القرار ثم بحرها
حتى لا ينزف، ثم بنى عليها حوضًا فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك
الحوض، فيشرب به الحاج فيكسره ناس من حسدة قريش بالليل، فيصلحه عبد
المطلب حين يصبح.
فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري في المنام فقيل له: قل:
اللهم إني لا أحلها لمغتسل، ولكن هي للشارب حل وبل ثم كفيتهم، فقام عبد
المطلب يعنى حين اختلفت قريش في المسجد، فنادى بالذي أري، ثم انصرف فلم
يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش، إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا
حوضه وسقايته.
ثم تزوح عبد المطلب النساء، فولد له عشرة رهط فقال: اللهم إني كنت نذرت
لك نحر أحدهم، وإني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت، فأقرع بينهم فطارت
القرعة على عبد الله بن عبد المطلب، وكان أحب ولده إليه فقال عبد
المطلب: اللهم أهو أحب اليك أم مائة من الإبل؟ ثم أقرع بينه وبين
المائة من الإبل فكانت القرعة على المائة من الإبل فنحرها عبد المطلب.
حدثني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن محمد بن إسحاق قال: حدثني غير
واحد من أهل العلم أن عبد المطلب أري في منامه أن يحفر زمزم في موضعها،
الذي هي فيه، فحفرها بين إساف ونائلة الوثنين اللذين كانا بمكة، فلما
استقام حفرها وشرب أهل مكة، والحاج منها عفت على الآبار التي كانت بمكة
قبلها لمكانها من البيت والمسجد، وفضلها على ما سواها من المياه؛
ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم في الموضع الذي ضرب فيه جبريل برجله،
فهزمه ونبع الماء منه.
ج / 2 ص -40-
قال ابن إسحاق: وكان سبب حفرها أن عبد
المطلب بن هاشم بينا هو نائم في الحجر، فأمر بحفر زمزم في منامه وهو
دفين بين صنمي قريش إساف ونائلة عند منحر قريش.
قال ابن إسحاق1: فحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد
الله بن زرير الغافقي2 أنه سمع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يحدث
حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال: قال عبد المطلب: إني لنائم
في الحجر إذ أتاني آت فقال: احفر طيبة قال: قلت:
وما طيبة3؟ قال: ثم ذهب عني فرجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال:
احفر برة؟ قال: قلت: وما برة4؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان من الغد رجعت
إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر زمزم، قال: قلت وما زمزم؟ قال:
لا تنزف5 أبدًا ولا تذم6 تسقي الحجيج الأعظم، عند قرية النمل7.
قال: فلما أبان له شأنها ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله
ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فلما بدا
لعبد المطلب الطي كبر، فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا إليه
فقالوا: يا عبد المطلب، إنها بئر إسماعيل وإن لنا فيها حقًا فأشركنا
معك فيها، فقال عبد المطلب: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر خصصت به دونكم
وأُعطيته من بينكم. قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نحاكمك فيها
قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد
هذيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيرة ابن هشام 1/ 142.
2 تحرف في ب إلى: "عبد الله بن يزيد اليافعي" وصوابه من الأصل، أ،
وسيرة ابن هشام".
3 قيل لزمزم طيبة؛ لأنها للطيبين والطيبات من ولد إبراهيم.
4 قيل لها برة؛ لأنها فاضات على الأبرار وغاضت عن الفجار.
5 لا تنزف: لا يفرغ ماؤها ولا يلحق قعرها.
6 لا تذم: أي لا توجد قليلة الماء.
7 سيرة ابن هشام 1/ 143.
ج / 2 ص -41-
قال: نعم وكانت بأشراف الشام1.
فركب عبد المطلب، ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش
نفر. قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين
الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة
واستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا في مفازة
نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع
القوم، وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا
إلا تبع لرأيك فأمرنا بما شئت قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه
بما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروه
حتى يكون آخركم رجلًا واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعًا،
قالوا: سمعنا ما أردت، فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون
الموت عطشا، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا
لعجز لا نبتغي لأنفسنا حيلة. فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد
ارتحلوا، فارتحلوا حتى إذا فرغوا، ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما
هم فاعلون، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت
من تحت خفها عين ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب
وشربوا، واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل التي معه من قريش
فقال: هلم إلى الماء فقد سقانا الله عز وجل، فاشربوا واستقوا، فشربوا
واستقوا، فقالت القبائل التي نازعته: قد والله قضى الله عز وجل لك
علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبدًا الذي سقاك هذا
الماء بهذه الفلاة، هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدًا. فرجع
ورجعوا معه، ولم يمضوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبين زمزم2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيرة ابن هشام 1/ 143.
2 سيرة ابن هشام 1/ 144.
ج / 2 ص -42-
قال ابن إسحاق: وسمعت أيضًا من يحدث في أمر
زمزم: عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قيل لعبد المطلب حين أمر
بحفر زمزم: أدع بالماء الرواء غير المكدر، فخرج عبد المطلب حين قيل له
ذلك إلى قريش، فقال: أتعلمون أني قد أمرت أن أحفر زمزم؟ قالوا: فهل بين
لك أين هي؟ قال: لا، قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت إن
يكن حقًا من الله بين لك، وإن يكن من الشيطان لم يرجع إليك1.
فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فأري فقيل: احفر زمزم إن حفرتها لم تذم
وهي تراث أبيك الأعظم، فلما قيل له ذلك: قال: وأين هي؟ قال: قيل له:
عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدًا، قال فغدا عبد المطلب، ومعه ابنه
الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل، ووجد الغراب ينقر
عندها بين الوثنين: إساف ونائلة: فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر
فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالت: والله لا ندعك تحفر بين وثنينا
هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب للحارث: دعني أحفر والله
لأمضين لما أمرت به، فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه، وبين الحفر
وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيرًا حتى بدا له الطي طي البير، فكبر وعرف
أنه قد صدق2.
فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان
دفنت جرهم حين خرجت من مكة، ووجد فيه أسيافًا قلعية وأدراعًا وسلاحًا
فقالت له قريش: إن لنا معك في هذا شركًا وحقًا قال: لا، ولكن هلم إلى
أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح، قالوا: وكيف نصنع؟ قال: اجعل
للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، قالوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين
للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش. ثم قال:
أعطوها من يضرب بها عند هبل3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيرة ابن هشام 1/ 145.
2 سيرة ابن هشام 1/ 145-146.
3 سيرة ابن هشام 1/ 146-147.
ج / 2 ص -43-
وقام عبد المطلب فقال:
لا همّ أنت الملك المحمود
ربي وأنت المبدئ المعيد
من عندك الطارف والتليد
فاخرج لنا الغداة ما تريد
فضرب بالقداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج
الأسودان على الأسياف والدروع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش فضرب عبد
المطلب الأسياف على باب الكعبة، وضرب فوقه أحد الغزالين من الذهب، فكان
ذلك أول ذهب حليته الكعبة وجعل الغزال الآخر في بطن الكعبة في الجب،
الذي كان فيها يجعل فيه ما يهدى إلى الكعبة، وكان هبل صنم قريش في بطن
الكعبة على الجب فلم يزل الغزال في الكعبة، حتى أخذه النفر الذي كان من
أمرهم ما كان، وهو مكتوب أخذه وقصته في غير هذا الموضع، فظهرت زمزم
فكانت سقاية الحاج ففيها يقول مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس:
يمدح عبد المطلب:
فأي مناقب الخيرات
لم تشدد به عضدا
ألم تسق الحجيج وتنحر
المدلابة الرفدا
وزمزم من أرومته
وتملأ عين من حسدا
وكان عبد المطلب قد نذر لله عز وجل عليه، حين أمر بحفر زمزم
لئن حفرها وتم له أمرها وتتام له من الولد عشرة ذكور، ليذبحن أحدهم لله
عز وجل فزاد الله في شرفه وولده فولد له عشرة نفر، الحارث وأمه من بني
سواءة بن عامر أخو هلال بن عامر، وعبد الله، وأبو طالب، والزبير وأمهم
المخزومية، والعباس وضرار وأمهما النمرية، وأبو لهب، وأمه الخزاعية،
والغيداق وأمه الغبشانية خزاعية، وحمزة والمقوم وأمهما الزهرية، فلما
تتام له عشرة من الولد وعظم شرفه وحفر زمزم، وتم له سقيها، أقرع بين
ولده أيهم يذبح، فخرجت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم،
ج / 2 ص -44-
فقام إليه ليذبحه، فقامت له أخواله بنو
مخزوم وعظماء قريش، وأهل الرأي منهم وقالوا: والله لا تذبحه فإنك إن
تفعل تكن سنة علينا في أولادنا وسنة علينا في العرب.
وقامت بنوه مع قريش في ذلك فقالت له قريش: إن بالحجاز عرافة لها تابع
فسلها ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك
فيه فرج قبلته قال: فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوا المرأة فيها
يقال لها تخيبر، فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره فقالت: ارجعوا
اليوم عني حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا عنها حتى كان الغد ثم غدوا
عليها فقالت: نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل
قال: وكانت كذلك قالت: فارجعوا إلى بلادكم وقربوا عشرًا من الإبل، ثم
اضربوا عليها بالقداح وعلى صاحبكم، فإن خرجت على الإبل فانحروها، وإن
خرجت على صاحبكم، فزيدوا من الإبل عشرًا ثم اضربوا بالقداح عليها وعلى
صاحبكم حتى يرضى ربكم، فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا
صاحبكم.
قال: فرجعوا إلى مكة، فأقرع عبد المطلب على عبد الله وعلى عشر من الإبل
فخرجت القرعة على عبد الله، فقالت قريش المطلب: يا عبد المطلب زد ربك
حتى يرضى فلم يزل يزيد عشرًا عشرًا، وتخرج القرعة على عبد الله، وتقول
قريش: زد ربك حتى يرضى ففعل حتى بلغ مائة من الإبل فخرجت القداح على
الإبل فقالت قريش لعبد المطلب: انحرها فقد رضي ربك وقرعت، فقال: لم
أنصف إذا ربي حتى تخرج القرعة على الإبل ثلاثًا، فأقرع عبد المطلب على
ابنه عبد الله وعلى المائة من الإبل ثلاثًا كل ذلك تخرج القرعة على
الإبل، فلما خرجت ثلاث مرات نحر الإبل في بطون الأودية والشعاب وعلى
رؤوس الجبال لم يصد عنها إنسان، ولا طائر ولا سبع ولم يأكل منها هو ولا
أحد من ولده شيئًا، وتجلبت لها الأعراب من حول
ج / 2 ص -45-
مكة وأغارت السباع على بقايا بقيت منها،
فكان ذلك أول ما كانت الدية مائة من الإبل.
ثم جاء الله بالاسلام فثبتت الدية عليه، قال: ولما انصرف عبد المطلب
ذلك اليوم إلى منزله، مر بوهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهو جالس
في المسجد وهو يومئذ من أشراف أهل مكة، فزوج ابنته آمنة عبد الله بن
عبد المطلب.
ذكر فضل زمزم وما جاء في ذلك1:
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن عبد
الله بن عثمان بن خيثم، عن وهب بن منبه أنه قال في زمزم: والذي نفسي
بيده إنها لفي كتاب الله مضنونة، وإنها لفي كتاب الله تعالى برة وإنها
لفي كتاب الله سبحانه شراب الأبرار، وإنها لفي كتاب الله طعام طعم
وشفاء سقم.
حدثني جدي عن الزنجي عن ابن خيثم قال: قدم علينا وهب بن منبه فاشتكى،
فجئناه نعوده، فإذا عنده من ماء زمزم قال: فقلنا: لو استعذبت فإن هذا
ماء فيه غلظ، قال: ما أريد أن أشربه حتى أخرج منها غيره، والذي نفس وهب
بيده إنها لفي كتاب الله زمزم، لا تنزف ولا تذم، وإنها لفي كتاب الله
برة شراب الأبرار، وإنها لفي كتاب الله مضنونة، وإنها لفي كتاب الله
طعام طعم وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد، فيشرب منها
حتى يتضلع إلا نزعت منه داء وأحدثت له شفاء2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في فضل زمزم: القرى ص 486، شفاء الغرام 1/ 406، الجامع اللطيف ص
229.
2 القرى ص 487.
ج / 2 ص -46-
حدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن،
عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن عبيد بن عمير عن كعب أنه قال لزمزم: إنا
لنجدها مضنونة ضن بها لكم، أول من سقى ماءها إسماعيل عليه السلام طعام
طعم وشفاء سقم.
حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:
ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تريد شفاء شفاك الله، وإن شربته لظمأ
أرواك الله، وإن شربته لجوع أشبعك الله، وهي هزمة جبريل بعقبة وسقيا
الله إسماعيل عليه السلام، قال أبو الوليد: والهزمة الغمرة بالعقب في
الأرض، وقال: زمزم شقت من الهزمة1.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل قال: سمعت
عليًا يقول: خير واديين في الناس وادي مكة وواد بالهند الذي هبط به آدم
عليه السلام، ومنه يؤتى بهذا الطيب الذي يتطيبون به، وشر واديين في
الناس واد بالأحقاف وواد بحضرموت يقال له: برهوت، وخير بئر في الناس
بير زمزم، وشر بئر في الناس بلهوت وإليها تجتمع أرواح الكفار وهي في
برهوت2.
حدثنا جدي، عن سفيان عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي حسين أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم، بعث إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم فبعث
إليه براويتين، وجعل عليهما كرًا غوطيًا.
حدثنا جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: حدثني
ابن أبي حسين أنه قال: كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سهيل بن
عمرو،
"إن جاءك كتابي هذا ليلًا فلا تصبحن، وإن جاءك نهارًا فلا تمسين حتى
تبعث إلي بماء زمزم"، فاستعانت امرأته أثيلة
الخزاعية جدة أيوب بن عبد الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى ص 488.
2 الجامع اللطيف ص 229.
ج / 2 ص -47-
فادلجناهما وجواريهما فلم يصبحا حتى قرنا
مزادتين، وفرغتا منهما فجعلهما في كرين غوطيين ثم ملأهما وبعث بهما على
بعير.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد، حدثنا عبد الملك بن الحارث
بن أبي ربيعة المخزومي، عن عكرمة بن خالد قال: بينما أنا ليلة في جوف
الليل عند زمزم جالس، إذ نفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم
لشيء قط، فلما فرغوا صلوا قريبًا مني فالتفت بعضهم فقال لأصحابه:
اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار، قال: فقاموا ودخلوا زمزم فقلت: والله
لو دخلت على القوم فسألتهم، فقمت فدخلت، فإذا ليس فيها من البشر أحد1.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن رجل يقال له رباح مولى
لآل الأخنس أنه قال: أعتقني أهلي فدخلت من البادية إلى مكة فأصابني بها
جوع شديد، حتى كنت أكوم الحصا ثم أضع كبدي عليه، قال: فقمت ذات ليلة
إلى زمزم فنزعت فشربت لبنًا كأنه لبن غنم مستوحمة أنفاسًا.
حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن عمر بن عبد الله
القيسي، عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم، عن عبد الله بن غنمة عن
العباس بن عبد المطلب قال: تنافس الناس في زمزم في الجاهلية، حتى إن
كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون منها، فتكون صبوحًا لهم وقد كنا
نعدها عونًا على العيال.
حدثني محمد بن يحيى، عن سليم بن مسلم عن سفيان الثوري، عن العلاء بن
أبي العباس عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن عباس يقول: كانت تسمى في
الجاهلية شباعة -يعني زمزم- ويزعم أنها نعم العون على العيال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص 229.
ج / 2 ص -48-
وحدثني محمد بن يحيى عن الواقدي، عن عبد
الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال:
"ماء زمزم لما شرب له".
وعن الواقدي عن عبد الحميد بن عمران عن خالد بن كيسان عن ابن عباس أنه
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"التضلع من ماء زمزم براءة من
النفاق".
وحدثني جدي عن سعيد عن عثمان قال: حدثنا أبو سعيد، عن رجل من الأنصار
عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"علامة ما بيننا وبين المنافقين أن يدلوا دلوًا من ماء زمزم فيتضلعوا
منها، وما استطاع منافق قط يتضلع منها".
وعن الواقدي عن الثوري، عن مغيرة بن زياد، عن عطاء أن كعب الأحبار حمل
منها ثنتي عشرة راوية إلى الشام.
وعن الواقدي، عن ثور بن يزيد عن مكحول، عن كعب الأحبار أنه كان يحمل
معه من ماء زمزم يتزوده إلى الشام، وعن الواقدي عن ابن أبي ذؤيب عن
القاسم بن عباس، عن باباه مولى العباس بن عبد المطلب قال: جاء كعب
الأحبار بإداوة1 من ماء إلى زمزم، ونحن ننزع عليها فنحيناه عنها، فقال
العباس -رضي الله عنه: دعوه يفرغها فيها واستقى منهما إداوة وقال:
إنهما ليتعارفان يعني إيليا وزمزم.
حدثني جدي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا عنبسة بن سعيد الرازي،
عن إبراهيم بن عبد الله الخاطبي، عن عطاء عن ابن عباس قال: صلوا في
مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قيل لابن عباس: ما مصلى
الأخيار؟ قال تحت الميزاب، قيل وما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال:
سمعت أنه يقال: خير ماء في الأرض ماء زمزم وشر ماء في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإداوة: إناء صغير يحمل فيه الماء.
ج / 2 ص -49-
الأرض ماء برهوت، شعب من شعاب حضرموت، وخير
بقاع الأرض المساجد، وشر بقاع الأرض الأسواق.
حدثني جدي، عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن جريج قال:
حدثني عبد الله بن أبي بريدة، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أن زبيد
بن الصلت أخبره أن كعبًا قال: لزمزم برة مضنونة ضن بها لكم، أول من
أخرجت له إسماعيل، ونجدها طعام طعم وشفاء سقم.
قال ابن جريج: وأخبرني يزيد بن أبي زياد، عن شيخ من أهل الشام قال:
سمعت كعبًا يقول: إني لأجد في كتاب الله تعالى المنزل أن زمزم طعام
طعم، وشفاء سقم، حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج
قال: أخبرني الكلبي عن عون بن حميد بن مل، عن عبد الله بن الصامت بن
أخي أبي ذر أنه قال: قال لي عمي أبو ذر: يا بن أخي في حديث حدث به، عن
مقدم أبي ذر مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكان في حديثهما
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال:
"متى كنت ههنا؟" قال: قلت: أربع عشرة بين يوم وليلة وما لي
طعام، ولا شراب إلا ماء زمزم فما أجد على كبدي سخفة وجع، ولقد تكسرت
عكن بطني فقال:
"إنها طعام طعم"1.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج أخبرني عبد العزيز بن أبي
رواد قال: أخبرني رباح عن الأسود قال: كنت مع أهلي بالبادية، فاتبعت
بمكة فأعتقت فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئًا آكله، قال: فمكثت أشرب من
ماء زمزم، فانطلقت حتى أتيت زمزم فبركت على ركبتي، مخافة أن أستقي وأنا
قائم فيرفعني الدلو من الجهد، فجعلت أنزع قليلًا قليلًا حتى أخرجت
الدلو فشربت، فإذا أنا بصريف اللبن بين ثناياي فقلت: لعلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص 229.
ج / 2 ص -50-
ناعس، فضربت بالماء على وجهي وانطلقت وأنا
أجد قوة اللبن وشبعه1.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني عبد العزيز بن
أبي رواد ان راعيًا كان يرعى، وكان من العباد، فكان إذا ظمئ وجد فيها
لبنًا، وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء2.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني مقاتل عن
الضحاك بن مزاحم، قال: بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق،
وإن ماءها يذهب بالصداع، وإن الاطلاع فيها يجلو البصر، وأنه سيأتي
عليها زمان يكون أعذب من النيل والفرات.
قال: أبو محمد الخزاعي: وقد رأينا ذلك في سنة إحدى وثمانين ومائتين،
وذلك أنه أصاب مكة أمطار كثيرة، فسال واديها بأسيال عظام في سنة تسع
وسبعين وسنة ثمانين ومائتين، فكثر ماء زمزم وارتفع حتى كان قارب رأسها،
فلم يكن بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها، وما رأيتها قط
كذلك، ولا سمعت من يذكر أنه رآها كذلك، وعذبت جدًا حتى كان ماؤها أعذب
من مياه مكة التي يشربها أهلها، وكنت أنا وكثير من أهل مكة نختار الشرب
منها لعذوبته، وأنا رأيناه أعذب من مياه العيون، ولم أسمع أحدًا من
المشايخ يذكر أنه رآها بهذه العذوبة، ثم غلظت بعد ذلك في سنة ثلاث
وثمانين وما بعدها، وكان الماء في الكثرة على حاله، وكنا نقدر أنها لو
كانت في بطن وادي مكة لسال ماؤها على وجه الأرض؛ لأن المسجد أرفع من
الوادي، وزمزم أرفع من المسجد، وكانت فجاج مكة وشعابها في هاتين
السنتين، وبيوتها التي في هذه المواضع تنفجر ماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجامع اللطيف ص 229.
2 الجامع اللطيف ص 230.
ج / 2 ص -51-
قال عثمان: وأخبرني خصيف، قبال:
{أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}
قال: أول مسجد وضع للناس.
وقال مجاهد:
{أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}، مثل قوله:
{خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
قال عثمان: وأخبرني محمد بن أباب، عن زيد بن أسلم، أنه قرأ:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}، حتى بلغ:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}،
قال: الآيات البينات هي:
{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ
دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، وقال:
{يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ} [الحج: 27].
قال عثمان: وأخبرني محمد بن إسحاق أن قول الله عز وجل:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} أي: مسجد:
{مُبَارَكًا وَهُدىً
لِلْعَالَمِينَ}. وقال:
{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92].
قال عثمان وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة في قوله الله عز وجل:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
مُبَارَكًا} قال: كان موضع الكعبة قد سماه الله عز وجل
بيتًا، قبل أن تكون الكعبة في الأرض، وقد بنى قبله بيت ولكن الله سماه
بيتًا وجعله الله:
{مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ}، قبلة لهم.
ما جاء في مسألة إبراهيم
الأمن والرزق لأهل مكة شرفها الله تعالى، والكتب التي وجد فيها تعظيم
الحرم:
حدثنا أبو الوليد، قال: وأخبرني جدي، قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن
عثمان بن ساج، قال: أخبرني موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن كعب
القرظي، قال: دعا إبراهيم للمؤمنين، وترك الكفار لم يدع لهم بشيء فقال
الله تعالى:
{وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى
عَذَابِ النَّارِ} [البقرة: 126].
ج / 2 ص -52-
فعلت -أي ربما نزعت.
حدثنا ابن جريج أيضًا عن عطاء قال: رأيت عقيل بن أبي طالب شيخًا كبيرًا
يفتل الغرب، وكانت عليها غروب ودلاء، فرأيت رجالًا منهم بعد ما معهم
مولى، في الأرض يلقون أرديتهم فينزعون في القمص، حتى إن أسافل قمصهم
لمبتلة بالماء، فينزعون قبل الحج وأيام منى وبعده.
قال ابن جريج: وأخبرني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن دواد
بن علي بن عبد الله بن عباس، إن رجلًا نادى ابن عباس والناس حوله فقال:
سنة تتبعون بهذا النبيذ أم هو أهون عليكم من العسل واللبن؟ فقال ابن
عباس: جاء النبي صلى الله عليه وسلم عباسًا فقال:
"اسقونا"
فقال: إن هذا شراب قد مغث ومرث أفلا نسقيك لبنًا وعسلًا؟ فقال:
"اسقونا مما تسقون منه الناس"،
قال: فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه من المهاجرين
والأنصار بعساس النبيذ، فلما شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- عجل قبل
أن يروى فرفع رأسه، فقال:
"أحسنتم هكذا اصنعوا"،
فقال ابن عباس: فرضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم، بذلك أحب إلينا
من أن تسيل شعابنا علينا لبنًا وعسلًا، قال ابن جريج: قال عطاء: فلا
يخطئني إذا أفضت أن أشرب من ماء زمزم، قال: وقد كنت فيما مضى أنزع مع
الناس الدلو، التي أشرب منها اتباع السنة فأما مذ كبرت فلا أنزع، ينزع
لي فأشرب، وإن لم يكن لي ظمأ اتباع صنيع محمد -صلى الله عليه وسلم،
قال: فأما النبيذ فمرة أشرب منه ومرة لا أشرب منه.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن طاوس، عن أبيه أن النبي -صلى الله
عليه وسلم، أفاض في نسائه ليلًا، وطاف على راحلته يستلم الركن بمحجنه
ويقبل طرف المحجن، ثم أتى زمزم فقال:
"انزعوا فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت"، فقال العباس -رضي الله عنه: إن يفعل فربما
فعلت فداك أبي وأمي، ثم أمر بدلو فنزع له منها فشرب فمضمض، ثم مج في
الدلو وأمر به فأهريق في زمزم، ثم أتى السقاية فقال:
"اسقوني من النبيذ"، فقال عباس: يا رسول الله إن هذا
ج / 2 ص -53-
شراب قد مغث وثفل وخاضته الأيدي، ووقع فيه
الذباب وفي البيت شراب هو أصفى منه، قال:
"منه فاسقني"، يقول ذلك ثلاث مرات، وأعاد النبي -صلى الله
عليه وسلم- قوله ثلاث مرات كل ذلك يقول:
"منه فاسقني"، فسقاه منه فشرب، قال ابن طاوس: فكان أبي يقول:
هو من تمام الحج.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة عن عاصم الأحول عن الشعبي، عن ابن عباس
قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- نزع له دلو من ماء زمزم فشرب
قائمًا.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة، عن مسعر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر
عن أبيه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بدلو من ماء زمزم، فاستنثر
خارجًا من الدلو ومضمض ثم مج فيه، قال مسعر: مسكًا أو أطيب من المسك.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن عثمان قال: أخبرني حنظلة بن أبي سفيان
الجمحي أنه سمع طاوسًا يقول: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم، السقاية
فقال:
"اسقوني"، فقال عباس: إنهم قد مرثوه
وأفسدوه أفأسقيك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"اسقوني منه"، فسقوه منه ثم نزعوا له دلوًا فغسلوا له وجهه
وتمضمض فيه فقال: "أعيدوه فيها" ثم قال:
"إنكم على عمل صالح لولا ان يتخذ
سنة لأخذت بالرشاء والدلو".
حدثني جدي عن عبد المجيد، عن عثمان بن الأسود عن مجاهد، عن ابن عباس
قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صفة زمزم، فأمر بدلو
فنزعت له من البئر فوضعها على شفة البئر، ثم وضع يده من تحت عراقي
الدلو ثم قال:
"بسم الله" ثم كرع فيها فأطال، ثم أطال فرفع رأسه فقال:
"الحمد لله"، ثم عاد فقال:
"بسم الله"، ثم كرع فيها فأطال وهو دون
الأول، ثم رفع رأسه فقال:
"الحمد لله"، ثم كرع فيها فقال:
"بسم الله" فأطال وهو دون الثاني، ثم رفع رأسه فقال:
"الحمد لله"، ثم قال -صلى الله عليه وسلم:
"علامة ما بيننا وبين المنافقين لم يشربوا منها قط
حتى يتضلعوا".
ج / 2 ص -54-
ما جاء في تحريم العباس بن عبد
المطلب، زمزم للمغتسل فيها وغير ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا
سفيان عمن سمع عاصم بن بهدلة يحدث عن زر بن حبيش قال: رأيت عباس بن عبد
المطلب في المسجد الحرام، وهو يطوف حول زمزم يقول: لا أحلها لمغتسل وهي
لمتوضئ وشارب حل وبل، قال سفيان: يعني لمغتسل فيها، وذلك أنه وجد رجلًا
من بني مخزوم، وقد نزع ثيابه، وقام يغتسل من حوضها عريانا.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس
يقول: هي حل وبل، يعني زمزم، فسئل سفيان ما حل وبل؟ قال: حل محلل.
حدثني جدي عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس
أنه بلغه أن رجلًا من بني مخزوم اغتسل من زمزم فوجد من ذلك وجدًا
شديدًا فقال: لا أحلها لمغتسل يعني في المسجد، وهي لشارب ومتوضئ حل وبل
يقول: حل محلل.
إذن النبي لأهل السقاية من
أهل بيته في البيتوتة بمكة ليالي منى:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي،
عن ابن جريج، حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن العباس
استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل
سقايته فأذن له،
ج / 2 ص -55-
قال ابن جريج: وأخبرني عطاء أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- رخص لأهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى من أجل شغلهم
فيها، قلت: أترى لآل جبير رخصة؟ قال: لا، إنما ذلك لمن أرخص له النبي
-صلى الله عليه وسلم-، قلت: أي أهل بيته رأيته يبيت بمكة، قال: لم أر
أحدًا منهم يبيت بمكة إلا ابن عباس فكان يبيت بمكة ليالي منى. يظل ختى
إذا كان الرمي انطلق فرمى، ثم دخل مكة فبات بها، وظل حتى مثلها أيام
منى كلها.
ما ذكر من غور الماء قبل يوم
القيامة إلا زمزم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن
عثمان بن ساج قال: أخبرني مقاتل، عن الضحاك بن مزاحم أن الله عز وجل
يرفع المياه العذبة قبل يوم القيامة، وتغور المياه غير زمزم وتلقي
الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة، ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة،
فيقول: من يقبل هذا مني؟ فيقول: لو أتيتني به أمس قبلته.
ما كان عليه حوض زمزم في عهد
ابن عباس ومجلسه:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن
جريج قال: قال لي عطاء: وإنما كانت سقايتهم التي يسقون بها، قال: كان
لزمزم حوضان في الزمان الأول، فحوض بينها وبين الركن يشرب منه الماء،
وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء من باب وضوئهم الآن يعني
باب الصفا، قال: فيصب النازع الماء وهو قائم على البئر في
ج / 2 ص -56-
هذا وفي هذا من قربها من البئر، قال
الخزاعي: وفي ذلك يقول الشاعر:
كأني لم أقطن بمكة ساعة
ولم يلهني فيها ربيب منعم
ولم أجلس الحوضين شرقي زمزم
وهيهات أني منك لا أين زمزم1
قال: ولم يكن عليها شباك حينئذ قال: وأراد معاوية بن أبي
سفيان أن يسقى في دار الندوة فأرسل إليه ابن عباس -رضي الله عنه، أن
ليس ذلك لك فقال: صدق فسقي حينئذ بالمحصب ثم رجع فسقي بمنى، قال مسلم
بن خالد: كان موضع السقاية التي للنبيذ بين الركن، وزمزم مما يلي ناحية
الصفا فنحاها ابن الزبير إلى موضعها الذي هي فيه اليوم. وقال غير واحد
من أهل العلم من أهل مكة: كان موضع مجلس ابن عباس في زاوية زمزم، التي
تلي الصفا والوادي، وهو على يسار من دخل زمزم، وكان أول من عمل على
مجلسه القبة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، وعلى مكة يومئذ خالد
بن عبد الله القسري عاملًا لسليمان بن عبد الملك، ثم عملها أمير
المؤمنين أبو جعفر في خلافته، وعمل على زمزم شباكًا ثم عمله المهدي،
وعمل شباكي زمزم أيضًا، فعمل في مجلس ابن عباس كنيسة ساج على رف في
الركن على يسارك، أخبرني جدي قال: أول من عمل القبة التي على الصحفة،
التي بين زمزم وبين بيت الشراب، المهدي في خلافته عملها لهم أبو بحر
المجوسي النجار، كان جاء به عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس إلى مكة
من العراق، فعمل له سقوفًا في داره التي عند المروة وباب داره، سنة
إحدى وستين ومائة، قال أبو محمد الخزاعي: سمعت شيخًا قديمًا من أهل مكة
يذكر أن المهدي، ومن كان أشار عليه بعملها إنما تحروا بها موضع الدوحة
التي أنزل إبراهيم ابنه إسماعيل، وأمه هاجر تحتها فبنيت هذه القبة في
موضع الدوحة، والله عز وجل أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 74.
ج / 2 ص -57-
باب ذكر غور زمزم وما جاء في
ذلك1:
قال أبو الوليد: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها ستين ذراعًا، وفي
قعرها ثلاث عيون، عين حذاء الركن الأسود، وعين حذاء أبي قبيس والصفا،
وعين حذاء المروة. ثم كان قد قل ماؤها جدًا، حتى كانت تجم في سنة ثلاث
وعشرين وأربع وعشرين ومائتين، قال: فضرب فيها تسعة أذرع سحا في الأرض
في تقوير جوانبها، ثم جاء الله بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين
ومائتين فكثر ماؤها.
وقد كان سالم بن الجراح قد ضرب فيها في خلافة الرشيد هارون، أمير
المؤمنين أذرعًا، وكان قد ضرب فيها في خلافة المهدي أيضًا، وكان عمر بن
ماهان -وهو على البريد والصوافي، في خلافة الأمين محمد بن الرشيد قد
ضرب فيها، وكان مائها قد قل حتى كان رجل يقال له: محمد بن مشير2 من أهل
الطائف يعمل فيها، فقال: أنا صليت في قعرها، فغورها من رأسها إلى الجبل
أربعون ذراعًا، ذلك كله بنيان وما بقي فهو جبل منقور، وهو تسعة وعشرون
ذراعًا، وذرع حنك3 زمزم في السماء ذراعان وشبر، وذرع تدوير فم زمزم أحد
عشر ذراعًا، وسعة فم زمزم ثلاثة أذرع وثلثا ذراع، وعلى البئر ملبن ساج
مربع فيه اثنتا عشرة كرة يستقى عليها4.
وأول من عمل الرخام على زمزم وعلى الشباك، وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر
أمير المؤمنين في خلافته، ثم عملها المهدي في خلافته، ثم غيره عمر بن
فرج الرخجي في خلافة أبي إسحاق، المعتصم بالله أمير المؤمنين سنة عشرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: أخبار مكة للفاكهي 2/ 74، وشفاء الغرام 1/ 399.
2 لدى الفاكهي: "محمد بن بشير".
3 كذا في أخبار مكة للفاكهي ومثله في شفا الغرام، وحنك زمزم: أي
ارتفاعه.
4 أخبار مكة للفاكهي 2/ 75.
ج / 2 ص -58-
ومائتين، وكانت مكشوفة قبل ذلك إلا قبة
صغيرة على موضع البئر، وفي ركنها الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة على
موضع مجلس ابن عباس -رضي الله عنه، غيرها عمر بن فرج، فسقف زمزم كلها
بالساج المذهب من داخلها، وجعل عليها من ظهرها الفسيفساء، وأشرع لها
جناحًا صغيرًا كما يدور تربيعها، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها
قناديل يستصبح فيها في الموسم، وجعل على القبة التي بين زمزم، وبين بيت
الشراب الفسيفساء، وكانت قبل ذلك تزوق في كل موسم عمل ذلك كله في سنة
عشرين ومائتين1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخبر بنصه لدى الفاكهي 2/ 75-76. |