أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

ج / 2 ص -113-        باب: حرمة البيت الحرام
تحريم الحرم وحدوده1 ومن نصب أنصابه وأسماء مكة وصفة الحرم:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، وإبراهيم بن محمد الشافعي، قالا: أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عطاء بن أبي رباح، والحسن بن أبي الحسن وطاوس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم الفتح البيت، فصلى فيه ركعتين ثم خرج، وقد لبط بالناس حول الكعبة فأخذ بعضادتي الباب، فقال:
"الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون وماذا تظنون؟" قالوا: نقول خيرًا ونظن خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت فأسجح.
قال:
"فإني أقول: كما قال أخي يوسف: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]، إلا إن كان ربا كان في الجاهلية أو دم أو مال، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة، وسقاية الحاج، فإني قد أمضيتهما لأهلهما على ما كانتا عليه، إلا إن الله سبحانه وتعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلكم لآدم، وآدم من تراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم، إلا وفي قتيل العصا والسوط، الخطأ شبه العمد، الدية مغلظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها، إلا أن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرام الله سبحانه، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار"، قال: يقصرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده: "لا ينفر صيدها، ولا تعضد عضاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها"، فقال له العباس -رضي الله عنه -وكان شيخًا مجربا: يا رسول الله إلا الإِذْخَر2؛ فإنه لا بد منه للقين ولظهور البيت، فسكت النبي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: الفاكهي 2/ 246.
2 الإذخر: نبت.

 

ج / 2 ص -114-        صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "إلا الإذخر، فإنه حلال"، قال: فلما هبط النبي صلى الله عليه وسلم، بعث مناديًا ينادي ألا لا وصية لوارث، وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأنه لا يحل لامرأة أن تعطي شيئًا من مالها إلا بإذن زوجها.
وحدثني جدي، عن محمد بن إدريس عن الواقدي عن أشياخه، قالوا: لما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكة، يرتاد وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي، وكان جنيدب بن الأدلع قد قتل رجلًا من أسلم في الجاهلية يقال له: أحمر بأسًا، وكان شجاعًا، وكان من خبر قتله إياه، قالوا: خرج غزي من هذيل في الجاهلية، وفيهم جنيدب بن الأدلع، يريدون حي أحمر بأسًا، وكان أحمر بأسًا رجلًا شجاعًا لا يرام، وكان لا ينام في حيه إنما كان ينام خارجًا من حاضره، وكان إذا نام غط غطيطًا منكرًا لا يخفى مكانه، وكان الحاضر إذ أتاهم الفزع، صاحوا يا أحمر بأسًا، فيثور مثل الأسد فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل، قال لهم جنيدب بن الأدلع، إن كان أحمر بأسًا في الحاضر فليس إليهم سبيل، وإن له غطيطًا لا يخفى فدعوني أتسمع له، فتسمع الحس فسمعه فأمه حتى وجده نائمًا فقتله، ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر بأسًا، فلا شيء أحمر بأسًا قد قتل، فقالوا: من الحاضر ثم انصرفوا فتشاغلوا بالإسلام.
فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع مكة يرتاد، وينظر والناس آمنون، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي، فقال جنيدب بن الأدلع: قاتل أحمر بأسًا؟، قال: نعم، فخرج جنيدب يستجيش عليه حيه، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي، فأخبره فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه، والناس حوله وهو يحدثهم عن قتل أحمر بأسًا، وهم يجتمعون عليه، وإذ أقبل خراش بن أمية الكعبي مشتملًا على السيف، فقال: هكذا عن الرجل، فوالله ما ظن الناس إلا أنه يفرج عنه الناس ليتفرقوا عنه، فانفرجوا

 

ج / 2 ص -115-        عنه، فلما انفرج الناس عنه حمل عليه خراش بن أمية بالسيف فطعنه في بطنه، وابن الدلع مستند إلى جدار من جدر مكة، فجعلت حشوته تسايل من بطنه وان عينيه لتبرقان في رأسه وهو يقول، أقد فعلتموها يا معشر خزاعة؟ فوقع الرجل فمات.
فسمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقتله، فقام خطيبًا -وهذه الخطبة الغد من يوم فتح مكة بعد الظهر- فقال، صلى الله عليه وسلم:
"أيها الناس، إن الله سبحانه قد حرم مكة، يوم خلق السموات والأرض، ويوم خلق الشمس والقمر، ووضع هذين الجبلين فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد فيها شجرًا لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب، فإن قال قائل: قد قتل بها رسول الله، فقولوا: إن الله سبحانه وتعالى قد أحلها لرسوله، ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر أن يقع، وقد قتلتم هذا القتيل والله لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بالخيار إن شاءوا قدم قتيلهم، وإن شاءوا فعقله".
فدخل أبو شريح خويلد الكعبي على عمرو بن سعيد بن العاص، وهو يريد قتال ابن الزبير، فحدثه هذا الحديث وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن يبلغ الشاهد الغائب، وكنتُ شاهدًا وكنتَ غائبًا، وقد أديت إليك ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به، فقال له عمرو بن سعيد: انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع من ظالم، ولا خالع طاعة ولا سافك دم، فقال أبو شريح: قد أديت إليك ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر به، فأنت وشأنك.
قال الواقدي: وحدثني عبد الله بن نافع عن أبيه، أنه أخبر ابن عمر بما قال أبو شريح لعمرو بن سعيد، فقال ابن عمر: يرحم الله أبا شريح، قضى الذي عليه، قد علمت إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، تكلم يومئذ في خزاعة حين قتلوا

 

ج / 2 ص -116-        الهذلي بأمر لا أحفظه، إلا أني سمعت المسلمين يقولون: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فأنا أديه"، قال وقال الواقدي: حدثني عمر بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن عبد الملك بن عبيد بن سعيد بن يربوع، عن خرينق ابنة الحصين، عن عمران بن الحصين، قال: قتله خراش بعد ما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القتل، فقال: "لو كنت قاتلًا مؤمنًا بكافر لقتلت خراشًا بالهذلي".
ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، خزاعة يخرجون ديته، فكانت خزاعة أخرجت ديته فقال عمران بن الحصين: فكأني أنظر إلى غنم عفر جاءت بها بنو مدلج في العقل، وكانوا يتعاقلون في الجاهلية، ثم شده الإسلام وكان أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
حدثني جدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، أن رجلين من خزاعة قتلا رجلًا من هذيل بالمزدلفة، فأتوا إلى أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما يستشفعون بهما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال:
"إن الله سبحانه حرم مكة ولم يحرمها الناس، لا تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد كان بعدي، ولا تحل لي إلا ساعة من نهار، فهي حرام بحرام الله سبحانه إلى يوم القيامة، فلا يستن بي أحد فيقول: إن رسول الله قتل بها، وإني لا أعلم أحدًا أعتى على الله عز وجل من ثلاثة: رجل قتل بها، ورجل قتل بذحول الجاهلية قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، وايم الله ليودين هذا القتيل".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا سليمان بن حرب الأزدي، قال حدثنا جرير بن حازم عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: إن هذا الحرم حرم ما حذاءه من السموات السبع والأرضين السبع، وإن هذا البيت رابع أربعة عشر بيتًا، في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت، ولو وقعن وقع بعضهن على بعض، وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهيل، عن يزيد عن سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن الحرم حرم ما بحياله إلى العرش.

 

ج / 2 ص -117-        وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر عن الزهري في قوله عز وجل: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35]، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن الناس لم يحرموا مكة، ولكن الله سبحانه وتعالى حرمها، فهي حرام إلى يوم القيامة، وإن من أعتى الخلق على الله عز وجل، رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله، ورجل أخذ بذحول الجاهلية".
حدثني مهدي بن أبي المهدي، قال حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الله بن وهب، أو ابن موهب عن عمرة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال:
"ستة لعنهم الله تعالى وكل نبي مجاب الدعوة: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله سبحانه، والمتسلط بالجبروت؛ ليذل من أعز الله، أو يعز بذلك من أذل الله سبحانه، والمستحل بحرم الله سبحانه، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي".
وحدثني مهدي بن أبي المهدي، قال حدثنا أبو أيوب البصري، عن هشام عن الحسن، قال: البيت بحذاء البيت المعمور، وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله.
وحدثني جدي عن إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال:
"البيت المعمور في السماء يقال له: الضراح، وهو على منى الكعبة، يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم يروه قط، وإن للسماء السابعة لحرمًا، على منى حرم مكة".
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: وقف النبي -صلى الله عليه وسلم، على الحجون يوم الفتح، فقال:
"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت، وإنها لا تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها من ساعتي هذه من النهار،

 

ج / 2 ص -118-        حرام لا يعضد شجرها، ولا يحتش خلاها، ولا يلتقط ضالتها إلا بإنشاد، فقال رجل: إلا الأذخر يا رسول الله، فإنه لقبورنا وبيوتنا ولقيوننا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر".
حدثني جدي عن مسلم بن خالد، قال سمعت صدقة بن يسار يقول: تفسير اللقطة لا ترفع إلا بإنشاد، قال: أن يسمع منشدها فيرفعها إليه وإلا فلا يمسها.
حدثنا جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس، قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة:
"إن مكة حرام، حرمها الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر، ووضع هذين الأخشبين لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار، لا يختلا خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها ولا ترفع لقطتها، إلا لمن أنشدها فقال العباس، رضي الله عنه: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنه لا غنى لأهل مكة عنه فإنه للقين والبنيان فقال ، صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر".
وحدثنا جدي قال: أخبرنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال:
"إن الله سبحانه حرم مكة ولم يحرمها الناس، ولا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد فيها شجرًا، فإن ارتخص فيها أحد شيئًا، فقال قد أحلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله، فمن قتل بها بعد قتيلًا فإن أهله بين خيرتين؛ فإن أحبوا قَتَلوا وإن أحبوا أخذوا العقل".

 

ج / 2 ص -119-        ذكر الحرم كيف حرم؟:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس قال: أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام، يريه ذلك جبريل عليه السلام، فلما كان يوم فتح مكة بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم، تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها.
وأخبرني جدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه، قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: إنه لما خاف آدم عليه السلام على نفسه من الشيطان، فاستعاذ بالله سبحانه فأرسل الله عز وجل ملائكة حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها.
قال: فحرم الله تعالى الحرم من حيث كانت الملائكة عليهم السلام وقفت. حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم القداح، عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه، إن آدم عليه السلام اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة، حتى أن كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة، قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، والركن يومئذ نجم من نجومه، فكان ضوء ذلك النور ينتهي إلى موضع الحرم، فلما سار آدم إلى مكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة، فكانوا يقفون على مواضع أنصاب الحرم يحرسونه، ويذودون عنه سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن والشياطين، فلا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة؛ لأنه من نظر إلى

 

ج / 2 ص -120-        شيء منها وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله سبحانه يومئذ مستقرًا لملائكته، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله تعالى آدم ثم رفعها إليه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم، عن أبيه قال: سمعت بعض أهل العلم يقولون: قال إبراهيم عليه السلام لإسماعيل: أبغني حجرًا أجعله للناس آية، قال: فذهب إسماعيل ثم رجع ولم يأته بشيء ووجد الركن عنده فلما رآه، قال له: من أين لك هذا؟ قال إبراهيم: جاء به من لم يكلني إلى حجرك، جاء به جبريل عليه السلام، قال: فوضعه إبراهيم عليه السلام في موضعه هذا، فأنار شرقًا وغربًا ويمنًا وشامًا، فحرم الله تعالى الحرم من حيث انتهى نور الركن وإشراقه من كل جانب.
قال: ولما قال إبراهيم ربنا أرنا مناسكنا، نزل إليه جبريل فذهب به فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، وينصب الأعلام، ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يقفه على الحدود، قال: وسمعت أن غنم إسماعيل عليه السلام، كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج منه، فإذا بلغت منتهاه من كل ناحية من نواحيه، رجعت صابة في الحرم.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال: كنت أسمع من أبي يزعم أن إبراهيم أول من نصب أنصاب الحرم.
حدثنا أبو الوليد حدثنا جدي، حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن محمد بن الأسود، أنه أخبره أن

 

ج / 2 ص -121-        إبراهيم أول من نصب أنصاب الحرم، وإن جبريل عليه السلام دله على مواضعها.
قال ابن جريج: وأخبرني أيضًا عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم، أمر يوم الفتح تميم بن أسد جد عبد الرحمن بن عبد المطلب بن تميم فجددها.
حدثنا أبو الوليد وحدثني محمد بن يحيى، عن هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن موسى بن عقبة، أنه قال: عدت قريش على أنصاب الحرم فنزعتها، فاشتد ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد اشتد عليك أن نزعت قريش أنصاب الحرم؟، قال:
"نعم" قال: أما أنهم سيعيدونها، قال: فرأى رجل من هذه القبيلة من قريش، ومن هذه القبيلة حتى رأى ذلك عدة من قبائل قريش قائلًا يقول: حرم كان أعزكم الله به، ومنعكم، فنزعتم أنصابه، الآن تخطفكم العرب، فأصبحوا يتحدثون بذلك في مجالسهم، فأعادوها، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد قد أعادوها، قال: "أفأصابوا يا جبريل؟" قال: ما وضعوا منها نصبًا إلا بيد ملك.
حدثنا أبو الوليد حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي، عن إسحاق بن حازم عن جعفر بن ربيعة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن إبراهيم عليه السلام، نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام، ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث أربعة من قريش كانوا يبتدئون في بواديها فجددوا أنصاب الحرم، منهم مخرمة بن نوفل، وأبو هود سعيد بن يربوع المخزومي، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر بن عبد عوف الزهري.
حدثنا أبو الوليد، حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي، حدثني خالد

 

ج / 2 ص -122-        ابن إلياس عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: لما ولي عثمان بن عفان بعث على الحج عبد الرحمن بن عوف، وأمره أن يجدد أنصاب الحرم، فبعث عبد الرحمن نفرًا من قريش منهم حويطب بن عبد العزى، وعبد الرحمن بن أزهر، وكان سعيد بن يربوع قد ذهب بصره في آخر خلافة عمر، وذهب بصر مخرمة بن نوفل في خلافة عثمان، فكانوا يجددون أنصاب الحرم في كل سنة، فلما ولي معاوية كتب إلى والي مكة فأمره بتجديدها، قال: فلما بعث عمر بن الخطاب النفر الذين بعثهم في تجديد أنصاب الحرم، أمرهم أن ينظروا إلى كل واد يصب في الحرم فنصبوا عليه وأعلموه وجعلوه حرمًا، وإلى كل واد يصب في الحل فجعلوه حلا.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي عن محمد بن إدريس، عن محمد بن عمر عن ابن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة، قال لما حج عبد الملك بن مروان أرسل إلى أكبر شيخ يعلمه من خزاعة، وشيخ من قريش، وشيخ من بني بكر وأمرهم بتجديد الحرم، قال أبو الوليد، وكل واد في الحرم فهو يسيل في الحل، ولا يسيل من الحل في الحرم إلا من موضع واحد عند التنعيم عند بيوت غفار.
ذكر حدود الحرم الشريف:
قال أبو الوليد: من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت غفار على ثلاثة أميال، ومن طريق اليمن، طرف أضاءة لبن في ثنية لبن، على سبعة أميال، ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال، ومن طريق الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلًا، ومن طريق العراق على ثنية خل بالمقطع، على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة في شعب آل عبد الله بن خالد بن أسيد على تسعة أميال.

 

ج / 2 ص -123-        تعظيم الحرم، وتعظيم الذنب فيه والإلحاد فيه:
حدثنا أبو الوليد حدثني جدي، حدثنا سفيان عن مسعر، عن مصعب بن شيبة عن عبد الله بن الزبير قال: إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى، خلعت نعالها تعظيمًا للحرم.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا عمر بن حكام البصري، عن شعبة عن منصور، عن مجاهد في قوله تعالى:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، قال كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان، أحدهما في الحل، والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم، فقيل له في ذلك، فقال: إنا كنا نتحدث أن من الإلحاد في الحرم أن يقول كلا والله، وبلى والله.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي عن سفيان، عن منصور عن إبراهيم قال: كان يعجبهم إذا قدموا مكة، أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن.
حدثنا أبو الوليد، وحدثني جدي عن سفيان بن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس، عن ابن عباس، قال: استأذنني الحسين بن علي في الخروج فقلت: لولا أن يرزأ بي أو بك لتشبثت بيدي في رأسك، فكان الذي رد علي من قول، لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل حرمتها بي يعني الحرم، فكان ذلك الذي سلا نفسي عنه، قال ثم يقول طاوس: والله ما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للمحارم من ابن عباس -رضي الله عنه، ولو شاء أن أبكي لبكيت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد قالا: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: لم تكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم من زمن الغرق.

 

ج / 2 ص -124-        وبه قال حدثني جدي، وإبراهيم بن محمد، عن مسلم بن خالد عن ابن خيثم قال: كان بمكة حي يقال لهم، العماليق فأحدثوا فيها أحداثًا، فنفاهم الله عز وجل منها فجعل يقودهم بالغيث، ويسوقهم بالسنة، يضع الغيث أمامهم فيذهبون ليرجعون، فلا يجدون شيئًا فيتبعون الغيث حتى ألحقهم الله تعالى بمساقط رءوس آبائهم، وكانوا من حمير، ثم بعث الله عليهم الطوفان، قال الزنجي: فقلت لابن خيثم: وما كان الطوفان؟ قال: الموت.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن خيثم، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لما نزل الحجر في غزوة تبوك، قام فخطب الناس، فقال:
"يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله لهم آية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها، ويشربون من لبنها مثل ما كانوا يتروون من مائهم من غبها إلا وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فوعدهم الله ثلاثه أيام فكان موعد من الله تعالى غير مكذوب، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم، إلا رجلًا كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله"، فقالوا: يا رسول الله ومن هو؟ قال: "أبو رغال".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد، عن أيوب بن موسى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال:
"أيها الناس، إن هذا البيت لاقٍ ربه فسائله عنكم، ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره، إلا واذكروا إذ كان ساكنه لا يسفكون فيه دمًا حرامًا، ولا يمشون فيه بالنميمة".
حدثنا أبو الوليد، حدثنا مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم، عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن محمد بن سابط، عن النبي -صلى الله عليه وسلم، يحكي عن ربه تعالى قال: "لا يكون بمكة

 

ج / 2 ص -125-        سافك دم، ولا آكل ربا، ولا نمام، ودحيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، قال: فلما أراد أن يجعل في الأرض خليفة، قالت الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟" يعني مكة فقال الشعبي: النميمة عدلت بالدم والربا، فلم يزل يحدثني فيها حتى عرفت أنها شر الأعمال، وقال محمد بن سابط: كان النبي من الأنبياء -صلى الله عليه وسلم، إذا هلكت أمته لحق بمكة فتعبد فيها النبي ومن معه، حتى يموت فمات بها نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي، حدثنا يحيى بن سليم، عن أبي خيثم قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط يقول: سمعت عبد الله بن ضمرة السلولي يقول: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم إلى الحجر، قبر تسعة وتسعين نبيًا جاءوا حجاجًا فقبروا هنالك، فتلك قبورهم غور الكعبة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا أحمد بن ميسرة المكي، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، كان يقول: لخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة أصيبها بركبة1.
وبه قال أحمد بن ميسرة، عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن أبيه عن عمر بن الخطاب كان يقول لقريش: يا معشر قريش الحقوا بالأرياف؛ فهو أعظم لأخطاركم، وأقل لأوزاركم.
وبه قال: حدثني أحمد بن ميسرة عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه، قال أخبرت أن سعيد بن المسيب رأى رجلًا من أهل المدينة بمكة فقال: ارجع إلى المدينة، فقال الرجل: إنما جئت أطلب العلم، فقال سعيد بن المسيب: أما إذا أبيت، فإنا كنا نسمع أن ساكن مكة لا يموت حتى يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مفازة على يومين من مكة.

 

ج / 2 ص -126-        عنده بمنزله، الحل لما يستحل من حرمتها.
وبه عن عبد المجيد بن عبد العزيز، عن أبيه قال: أخبرت أن عمر بن عبد العزيز قدم مكة، وهو إذ ذاك أمير فطلب إليه أهل مكة أن يقيم بين أظهرهم بعض المقام وينظر في حوائجهم، فأبى عليهم، فاستشفعوا إليه بعبد الله بن عمرو بن عثمان، قال فقال له: اتق الله فإنها رعيتك وإن لهم عليك حقًا، وهم يحبون أن تنظر في حوائجهم فذلك أيسر عليهم من أن ينتابوك بالمدينة، قال: فأبى عليه، قال: فلما أبى قال له عبد الله بن عمرو: أما إذا أبيت فأخبرني لم تأبى؟ فقال له عمر: مخافة الحدث بها، وقال عبد العزيز: وأخبرت إن عمر بن عبد العزيز وافقه شهر رمضان بمكة، فخرج فصام بالطائف.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم قال: سمعت ابن خيثم يحدث عن عثمان أنه سمع بن عمر يقول: احتكار الطعام بمكة للبيع إلحاد.
وبه حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: بيع الطعام بمكة إلحاد، قال عثمان: يعني أن يشترى ههنا ويبيع ههنا، ولا يعني الجالب. وبه حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خيثم عن عبيد الله بن عياض، عن يعلى بن منبه، أنه سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، يقول: يا أهل مكة، لا تحتكروا الطعام بمكة، فإن احتكار الطعام بمكة للبيع إلحاد، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، قال قال مجاهد: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم يعمل عملًا سيئًا، وقال غيره: المسجد الحرام والمشركون صدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عن المسجد وعن سبيل الله يوم الحديبية.

 

ج / 2 ص -127-        حدثنا أبو الوليد، حدثنا جدي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج في قوله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الحج: 25] استحلالًا متعمدًا، قال وقال ابن جريج أيضًا، قال ابن عباس: والشرك.
حدثنا أبو الوليد قال: أخبرني جدي عن سعيد عن عثمان، أخبرني المثنى بن الصباح، عن عطاء بن أبي رباح، حدثني إسماعيل بن جليحة قال: كان عبد الله ابن عمر إذا طاف بين الصفا، والمروة دخل على خالة له، فقال أين ابنك؟ فقالت: بأبي أنت وأمي، يخرج إلى هذا السوق فيشتري من السمراء ويبيعها، قال: فمريه لا يقربن من ذلك شيئًا فإنه إلحاد.
قال عثمان قال مجاهد: العاكف فيه الساكن فيه، والبادي الجالب.
قال عثمان: وأخبرني محمد بن السائب الكلبي قال: العاكف أهل مكة، وأما البادي فمن أتاه من غير أهل البلد.
قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة قال قال إسماعيل: سمعت مرة الهمداني يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ليس أحد من خلق الله تعالى يهم بسيئة فيها، فيؤخذ بها ولا تكتب عليه حتى يعملها غير شيء واحد، قال: ففزعنا لذلك، فقلنا: ما هو يا أبا عبد الرحمن؟ فقال عبد الله: من هم أو حدث نفسه بأن يلحد بالبيت، أذاقه الله عز وجل من عذاب أليم، ثم قرأ:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
قال عثمان: وأخبرني يحيى بن أبي أنيسة، قال قال السدي: الإلحاد الاستحلال، فإن قوله عز وجل ومن يرد فيه بإلحاد -يعني الظلم فيه- فيقول: من يستحله ظالمًا فيتعدى فيه، فيحل فيه ما حرم الله تعالى.
قال عثمان: وأخبرني المثنى بن الصباح قال: بلغني أن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير، كانا جالسين فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إني لا أجد في كتاب الله عز وجل رجلًا يسمى عبد الله عليه

 

ج / 2 ص -128-        نصف عذاب هذه الأمة، فقال عبد الله بن الزبير: لئن كنت وجدت هذا في كتاب الله تعالى إنك لأنت هو، قال: وإنما أراد عبد الله بن عمرو بهذا، أي فلا يستحل القتال في الحرم.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان بن منصور السهامي، حدثنا محمد بن زياد عن ابن قرة، عن عثمان بن الأسود بسنده أما عن مجاهد وإما عن غير ذلك، قال: من أخرج مسلمًا من ظله في حرم الله تعالى من غير ضرورة، أخرجه الله تعالى من ظل عرشه يوم القيامة.
حدثنا أبو الوليد، حدثني جدي عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوي عن جابر الجعفي عن مجاهد وعطاء، في قوله تعالى:
{سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]، قال: العاكف أهل مكة والبادي الغرباء سواء هم في حرمته، حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: حدثني إسماعيل بن أمية أن عمر بن الخطاب قال: لأن أخطئ سبعين خطيئة بركبة، أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة.
قال ابن جريج قال مجاهد: حذر عمر قريشًا الحرم قال: وكان بها ثلاثة أحياء من العرب فهلكوا، لأن أخطئ اثنتي عشرة خطيئة بركبة، أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة إلى ركنها.
قال ابن جريج: بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة، والحسنة على نحو ذلك.
وقال ابن جريج: حدثني إبراهيم حديثًا رفعه إلى فاطمة السهمية، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: الإلحاد في الحرم ظلم الخادم فما فوق ذلك.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا إبراهيم حدثنا محمد بن

 

ج / 2 ص -129-        سوقة، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: حج الحواريون، فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيمًا للحرم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا إبراهيم بن محمد عن أبان بن أبي عياش، عن عبد الرحمن بن سابط أنه سمع عبد الله بن عمر، وهو جالس في الحجر، يطعن بمخصرته في البيت وهو يقول: انظروا ما أنتم قائلون غدًا إذا سئل هذا عنكم وسئلتم عنه، واذكروا إذ عامره لا يتجر فيه بالربا، ولا يسفك فيه الدماء، ولا يمشى فيه بالنميمة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن فاطمة السهمية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: الإلحاد في الحرم، شتم الخادم فما فوق ذلك ظلمًا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم، رجلًا من الأنصار ورجلًا من مزينة، وابن خطل في بعض حاجته، فقال للمزني وابن خطل:
"أطيعا الأنصاري حتى ترجعا"، فلما كانوا ببعض الطريق أمر الأنصاري المزني ببعض العمل وقال لابن خطل: اذبح هذه الشاة، فلم يرجع الأنصاري حتى فرغ المزني مما أمره به، وإذا الشاة كما هي، قال الأنصاري لابن خطل: ما منعك من ذبح هذه الشاة؟ قال ابن خطل: أنت أحق بها مني، ثم إنهما تباطآ فقتله ابن خطل، ثم أراد المزني فقال: ويلك ما شأنك؟ وجه حيث شئت فأنا أتبعك.

 

ج / 2 ص -130-        ما جاء في القاتل يدخل الحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا دخل القاتل الحرم، لم يجالس ولم يبايع ولم يؤو، ويأتيه الذي يطلبه فيقول: يا فلان اتق الله في دم فلان واخرج من المحارم، فإذا خرج أقيم عليه الحد.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال قلت لعطاء: ما قوله تعالى:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قال: يأمن فيه كل شيء دخله، قال: وإن كان صاحب دم إلا أن يكون قتل في الحرم، فيقتل فيه، فإن قتل في غيره ثم دخله أمن حتى يخرج منه، ثم تلا عند ذلك: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191].
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج عن عطاء قال: أنكر ابن عباس قتل ابن الزبير سعدًا مولى عقبة، وأصحابه قال: تركه في الحل، حتى إذا دخل الحرم أخرجه منه فقتله، فقال رجل من القوم: قاتلوه، قال: أولم يؤمنوا إذا دخلوا الحرم؟ قلت لعطاء: أرأيت لو وجدت فيه قاتل أبي أو أخي؟ قال: إذا تدعه واعزم على الناس أن لا يؤوه، ولا يجالسوه ولا يبايعوه حتى يخرج، فلعمري ليوشكن أن يخرج منه، فقال له سليمان بن موسى: فعبدي أبق فدخله قال: فخذه إنك لا تأخذه لتقتله.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم، حدثنا عمران أبو العوام، عن حماد عن إبراهيم قال: إذا قتل رجل في الحرم أدخل الحرم فقتل، وإذا قتل خارجًا من الحرم، ثم دخل الحرم أخرج من الحرم فقتل.

 

ج / 2 ص -131-        حدثنا أبو الوليد، حدثنا مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عمر بن سهل، عن يزيد عن سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إن الحرم لا يمنعه حد الله، إذا أصاب حدًا في غير الحرم، فلجأ في الحرم لم يمنعه ذلك من أن يقام عليه، ورأى قتادة مثل ما قال الحسن.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي، حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني، عن معمر عن قتادة، ومجاهد في قوله عز وجل:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [أل عمران: 97]، قال كان ذلك في الجاهلية، فأما اليوم فلو سرق أحد قطع، ولو قتل قتل، ولو قدر على المشركين فيه قتلوا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرنا ابن طاوس في قوله تبارك وتعالى:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [أل عمران: 97] قال: يأمن فيه من فر إليه، وإن أحدث كل حدث قتل أو سرق أو زنا، أو صنع ما صنع، إذا كان هو يفر إليه أمن فيه، فلا يمس ما كان فيه، ولكن يمنع الناس أن يؤوه أو يبايعوه أو يجالسوه، فإن كانوا هم أدخلوه فيه، فلا بأس أن يخرجوه إن شاءوا، قال: وإن أحدث في الحرم أخذ في الحرم.
قال ابن جريج قلت لابن طاوس: فإن عطاء أخبرني عن ابن عباس، أنه أنكر ما أتى إلى سعد وهم أدخلوه الحرم، قال: وأبو عبد الرحمن قد أنكر ما أتى إليه يعني طاوسًا أن سعدًا لم يقتل إنما قاتلهم، قال لي ابن طاوس: قال طاوس: فمن فر إليه أمن، ولكن يمنع الناس أن يؤوه أو يبايعوه أو يجالسوه، قال فإن كانوا أدخلوه فيه أخرجوه منه إن شاءوا، قال: فإن أدخلوه ثم انفلت منهم فدخله أخرجوه، قال: انما أنكر طاوس ما أتى إلى سعد أنه لم يقتل أحدًا.
قال ابن جريج: وأخبرني بن أبي حسين عن عكرمة بن خالد، قال قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.

 

ج / 2 ص -132-        قال ابن جريج: أخبرني ابن الزبير قال قال ابن عمر: لو وجدت فيه قاتل عمر ما ندهته.
قال ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد قال قال عمر: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه، قال ابن جريج: وبلغني أن الرجل كان يلقى قاتل أخيه، أو أبيه في الكعبة، أو في الحرم أو في الشهر الحرام، فلا يعرض له أو محرمًا أو مقلدًا هديا قد بعث به فلا يعرض له، وهم يغير بعضهم على بعض فيقتلون، ويأخذون الأموال في غير ذلك، فجعل الله ذلك قيامًا لهم لولا ذلك لم يكن لهم بقية.
ما يؤكل من الصيد في الحرم، وما دخل فيه حيا مأسورًا:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد، عن عبد الله بن كثير الرازي عن مجاهد، أنه أكل لحم الطير الذي يدخل به الحرم حيًا في مرضه الذي مات فيه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني مسلم بن خالد الزنجي قال: سمعت عمرو بن دينار، وذكر عنده الصيد يدخل به الحرم حيًّا، قال: لا بأس بأكله، ويقول: لو أهدي إلي ظبي فلبث عندي في البيت أيامًا، ثم انفلت من بيتي فلبث في الحرم أربعة أيام، ثم وجدته في اليوم الخامس، فعرفت أنه ظبيي الذي كان عندي، لأخذته فأكلته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد، قال: سمعت صدقة بن يسار يقول: سألت عطاء بن أبي رباح، عن الصيد يدخل به الحرم حيًا فأرخص لي في أكله، ثم عدت إليه، بعد فنهاني عنه، فلقيت سعيد بن جبير فسألته عنه فأخبرته بقول عطاء بن أبي رباح: فقال لي: كله ولا تجد في

 

ج / 2 ص -133-        نفسك منه شيئًا.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسًا بما دخل به الحرم من الصيد مأسورًا، وقال غيره: إن عطاء كرهه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان، عن ابن جريج عن عطاء قال كنا نسأله عن الحمام الشامي، فيقول: انظروا فإن كان له في الوحش أصل فهو صيد، وإن لا، فإنما هو بمنزلة الدجاج، فنظروا فإذا ليس له في الوحش أصل، قال أبو الوليد: دخلت على يوسف بن محمد بن إبراهيم بمكة، أعوده في مرضه الذي مات فيه، وفي منزله جنبة فيها حمامات مقرقرة بيض.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن ابن الماء أصيد بر أو صيد بحر وعن أشباهه؟ قال: حيث يكون أكثره صيدًا، قال ابن جريج: وسأل إنسان عطاء، وأنا حاضر عن حيتان بركة القسري، وهي بركة عظيمة في الحرم بأصل ثبير فقال: نعم والله لوددت أن عندنا منها، وسألته عن صيد الأنهار، وقلات المياه أليس من صيد البحر؟ قال: بلى وتلا هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، ومن كل يأكلون لحمًا طريًا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يصلح أخذ الجراد في الحرم، قلت له أو قيل له: إن قومك يأخذونه وهم مخبتون في المسجد الحرام، يعني قريشًا، قال: إن قومي لا يعلمون.

 

ج / 2 ص -134-        كفارة قتل الصيد في الحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس، أن غلامًا من قريش قتل حمامة من حمام الحرم، قال ابن عباس: فيه شاة، وبه قال سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: في حمام مكة شاة.
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، قال قال عطاء: في حمام مكة شاة، قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقضي في شيء مما ذكرت؟ قال: لا، غير أن عثمان بن عبيد الله بن حميد حاءه، فقال: إن ابنًا لي قتل حمامة، قال: ابتع شاة فتصدق بها، قلت لعطاء: من حمام مكة قتل ابن عثمان؟ قال: نعم، حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: من قتل حمامة من حمام مكة فعليه شاة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد قال: أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، بحمامة، فأطيرت فوقعت على المروة فأخذتها حية، فجعل فيها عمر شاة، قال: وأمر عثمان -رضي الله عنه- بحمامة فأطيرت من واقف، فوقعت على واقف فأخذتها حية فدعا نافع بن الحارث الخزاعي، فحكما فيها عنزًا عفراء.
قال ابن جريج: أخبرني بعض أصحابنا قال: قال إنسان لطاوس: كم في الحمامة؟ قال: مد ذرة، قال مجاهد: يا أبا عبد الرحمن كان ابن عباس يقول: شاة، قال: فشاة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد عن ابن

 

ج / 2 ص -135-        جريج، قال: قال عطاء في إنسان أخذ حمامة يخلص ما في رجليها فماتت، قال: ما أرى عليه شيئًا، قال وقال عطاء: في الفرخ الصغير الذي لم يطر جفرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كم في بيضة من بيض حمام مكة؟ قال: نصف درهم بين البيضتين درهم ويحكم في ذلك قال: فأما ذلك فالذي أرى، فقال إنسان لعطاء: بيضة حمام مكة وجدتها على فراشي، قال: فأمطها عن فراشك قلت: فكانت في سهوة، أو في مكان من البيت كهيئة ذلك معتزل من البيت قال: فلا تمطها، قال: وقال عطاء: في بيضة كسرت فيها فرخ قال: درهم، قال رجل لعطاء: اجعل بيضة دجاجة تحت حمام مكة؟، قال: لا أخشى أن يضر ذلك بيضها.
ما ذكر في قطع شجر الحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء، أنه قال: في الدوحة من شجر الحرم إذا قطعت من أصلها بقرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، أبصر رجلًا يعضد على بعير له في الحرم، فقال له: يا عبد الله إن هذا حرم الله لا ينبغي لك أن تصنع فيه هذا، فقال الرجل: إني لم أعلم يا أمير المؤمنين، فسكت عمر عنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: حدثني مزاحم، عن أشياخ له إن عبد الله بن عامر كان يقطع الدوحة من داره بالشعب من السمر والسلم، ويغرم عن كل دوحة بقرة.

 

ج / 2 ص -136-        قال ابن جريج: وسمعت إسماعيل بن أمية يقول: أخبرني خالد بن مضرس أن رجلًا من الحاج قطع شجرة من منزله بمنى قال: فانطلقت به إلى عمر بن العزيز فأخبرته خبره، فقال: صدق كانت ضيقت علينا منزلنا، ومناخنا فتغيظ عليه عمر ثم قال ما رأيته إلا ديته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن إسماعيل بن أمية مثله إلا أنه قال: فتغيظ عليه عمر ثم أمره أن يفديها، وقال ابن أبي يحيى: من قرب غصنًا لبعيره أو لشاته فكسره حين قربه فقد ضمنه.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن إبراهيم بن محمد، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي، عن محمد بن عباد بن جعفر عن النبي -صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
"لا يقطع الأخضران بعرنة، ومر"؛ يعني الأراك والسدر.
الأكل من ثمر شجر الحرم وما ينزع منه:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن عطاء أنه كان يقول: لا بأس أن يؤكل من ثمر الحرم، قال مسلم: يعني النبق والعشرق والجعة.
وبه حدثنا مسلم بن خالد قال: سمعت ابن أبي نجيح يحدث عن عطاء أنه كان يرخص في السنا1 أن يؤخذ من ورقه، ولا ينزع من أصله في الحرم فيستمشى به. حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا عبد الله بن يحيى السهمي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السنا: نبات شجيري من الفصيلة القرنية، زهره مصفر، تستعمل أوراقه وثماره مسهلات يتداوى بها، وأجوده الحجازي ويعرف بالسنا المكي، وتحرف في الأصل، "أ" إلى: "النساء".

 

ج / 2 ص -137-        قال: سمعت عطاء بن أبي رباح، يسأل عن الحبلة توجد في الحرم قال: يتنمصها تنمصًا.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يرخص في العشرق والضغابيس، والحنساء أن تنزع من الحرم، قال يحيى: وكان إسماعيل بن أمية يكره ذلك إلا ما أنبت ماءك، ويقول: إنما هذا رأي من عطاء.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: سئل عطاء أنبسط بساطًا على نبت الحرم ينزل عليه؟ قال نعم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: كره عطاء وعمرو بن دينار نزع ما نبت على ماءك من شجر الحرم، ثم رجع عطاء فيما نبت مع القضب والخضر في الحرم فقيل له: إذا لا يستطيع الناس خضرهم، فقال: حل لك ما نبت على ماءك وإن لم تكن أنبته، وأكره أن أقرب لبعيري غصنا أو لشاتي.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن سفيان عن ابن جريج، عن عطاء أنه أرخص في الأراك في الحرم للسواك، قال سفيان: وحدثت عن عمرو بن دينار أنه كان يقول في السنا في الحرم: خذ من ورقه، ولا تنزعه من أصله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: ولا بأس بنزع البهش1 في الحرم والعشرق2 والضغابيس3 والسواك من البشامة في الحرم ولا يراه أذى، ويقول: لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الهبش: الدوم الرطب.
2 كذا في أ، ب وفي الأصل: "العتر" والعشرق: نبت من الأغلاس، حبه نافع للبواسير وتوليد اللبن، ويسود الشعر، والعتر: نبت يتداوى به. وفي الحديث: "لاب بأس للمحرم أن يتداوى بالسنا والعتر".
3 الضغبوس: "القثاءة، جمعها ضغابيس".

 

ج / 2 ص -138-        يختلا خلاها إلا للماشية، قال وقال عمرو بن دينار أيضًا: ويورق السنا للمشى توريقًا، ولعمري لئن كان من أصله أبلغ لينزعن كما تنزع الضغابيس، وأما للتجارة فلا.
ما جاء في تعظيم الصيد في الحرم:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان قال: رأيت صدقة ابن يسار جعل لحمام مكة حوضًا مصهرجًا ويصب لهن فيه الماء، وبه حدثنا سفيان عن هشام بن حجير، قال: دخلنا على الحسن بن أبي الحسن مع عمرو بن دينار في دار عمر بن عبد العزيز، فرأيته يأخذ الحنطة بيده فينثرها للحمام، يعني حمام مكة، قال هشام: ولو أطعمه مسكينا لكان أفضل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن محمد بن إدريس عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن نافع عن أبيه قال: كان ابن عمر يغشاه الحمام على رحله وطعامه وثيابه ما يطرده، وكان ابن عباس يرخص أن يكشكش، حدثنا أبو الوليد، كتب إلى عبد الله بن أبي غسان رجل من رواة العلم من ساكني صنعاء، وحمل الكتاب رجل ممن أثق به، وأملاه بمحضره يقول في كتابه: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس، عن عبد العزيز بن أبي رواد إن قومًا انتهوا إلى ذي طوى ونزلوا بها، فإذا ظبي قد دنا منهم فأخذ رجل منهم بقائمة من قوائمه فقال له أصحابه: ويحك أرسله، قال: فجعل يضحك ويأبى أن يرسله فبعر الظبي، وبال ثم أرسله، فناموا في القائلة فانتبه بعضهم فإذا بحية منطوية على بطن الرجل الذي أخذ الظبي، فقال له أصحابه: ويحك لا تتحرك، وانظر ما على بطنك فلم تنزل الحية عنه حتى كان منه من الحدث مثل ما كان من الظبي.

 

ج / 2 ص -139-        حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس، عن أبيه بهذا الحديث كله.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سليم بن مسلم، عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: دخل قوم مكة تجارًا من الشام في الجاهلية بعد قصي بن كلاب، فنزلوا بذي طوى تحت سمرات يستظلون بها، فاختبزوا ملة لهم ولم يكن معهم أدم، فقام رجل منهم إلى قوسه فوضع عليها سهمًا، ثم رمى به ظبية من ظباء الحرم، وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها، وطبخوا لحمها ليأتدموا به، فبينما قدرهم على النار تغلي بلحمه، وبعضهم يشتوي إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة، فأحرقت القوم جميعًا، ولم تحرق ثيابهم ولا أمتعتهم ولا السمرات اللاتي كانوا تحتها، فلما كان من شأن الغلام التيمي ما كان من هتكه أستار الكعبة، قال في ذلك عبد شمس بن عبد مناف شعرًا: وهو يذكرهم الظبي، وما أصاب أصحابه ويخوف قريشًا النقم.
وكان من حديث الغلام التيمي، أنه أقبل ذات يوم حتى دخل المسجد وقريش في أنديتهم، فضرب بيده إلى ناحية من أستار الكعبة، فهتك بعضها ثم خرج يسعى، وقريش تنظر إليه ولم يقم إليه أحد، فوثب إليه عبد شمس يسعى في أثره حتى أدركه، فأخذه ثم نادى بأعلى صوته: يا آل قصي، يا آل عبد مناف فهطع1 إليه الناس فقال: هل رأيتم ما صنع هذا الغلام؟ قالوا: نعم، قال فأقسم برب الكعبة لتعظمن حرمتها، ولتكفن سفهاءكم عن انتهاك حرمتها، أو لينزلن بكم ما نزل بمن كان قبلكم، فقال له أخوه هاشم بن عبد مناف: ليس لك بضربه حاجة، ولكن انظر فإن كان قد بلغ فاقطع يده، فنظروا إليه فإذا هو لم يبلغ فأمر به، فضرب ضربًا شديدًا فقال في ذلك عبد شمس بن عبد مناف:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هَطَعَ: أقبل مسرعًا.

 

ج / 2 ص -140-                       يا رجالات1 قريش بلد    من يرد فيه ملدات الظلم

يقرع السن وشيكا نادما                    حين لا ينفع عذر من ظلم

طهروا الأثواب لا تلتحقوا                     دون بر اللّه عذرًا ينتقم

ثم قوموا عصبا من دونه                     بوفاء الآل في الشهر الأصم

قبلها ألحد فيه ملحد                         قتلًا قاد بن عاد بن أرم

هل سمعتم بقبيل عرب                     عطبوا أو بقبيل من عجم

هلكوا في ظبية يتبعها                       شادن أحوى له طرف أحم

فرماه بصهار ريشه                            وشوى من لحمه ثم يشم

فرماه بشهاب ثاقب                           مثل ما أوقد في الريح الضرم

مقام سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، بمكة:
حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي حدثنا ابن عيينة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عجوز منهم قالت: رأيت ابن عباس -رضي الله عنه، يختلف إلى صرمة بن قيس الأنصاري يروي هذه الأبيات2:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة               يذكر لو لاقى صديقا مواتيًا

ويعرض في أهل المواسم نفسه               فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلما أتانا واطمأنت به النوى                      وأصبح مسرورًا بطيبة راضيا

وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم                  بعيد ولا يخشى من الناس باغيا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، وفي أ، ب: "رحالات" بالحاء المهملة. يقال: هو من رجالات القوم: من أشرافهم.
2 سيرة ابن هشام 2/ 512.

ج / 2 ص -141-                               نعادي الذي عادى من الناس كلهم    جميعًا وإن كان الحبيب المصافيا

بذلنا له الأموال من جل مالنا                      وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

ونعلم أن اللّه لا شيء غيره                       وأن كتاب اللّه أصبح هاديا

ما يقتل من دواب الحرم وما رخص فيه:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان بن عيينة، عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: أصبنا حيات بالرمل ونحن محرمون فقتلناهن، فقدمنا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فسألناه فقال: هي عدو فاقتلوهن حيث وجدتموهن.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن، وهو محرم وفي الحرم، الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور، والعقرب".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سئل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، عن الحية يقتلها المحرم، فقال: هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي، حدثنا سفيان عن ابن جريج قال: كنا نسأل عطاء عن الثعلب فيقول: أسبع هو؟ فنقول: أنه يفرس الدجاج، فيقول: أسبع هو؟ ولم يبين لنا فيه شيئًا.
أخبرنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا سفيان، عن مسعر عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، أنه سأل عمر بن الخطاب

 

ج / 2 ص -142-        رضي الله عنه، عن الحية وغيرها يقتلها وهو محرم فقال نعم حتى سأله عن الزنبور يقتله المحرم فقال: نعم وهي الدبرة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم عن ابن جريج بكل ما قلت في هذا الباب ابن جريج قال قلت لعطاء: ما تعدون أنه حل للمحرم أن يقتله وعمن تروون؟ قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أخال، قال: اعددهن، فعددهن على نحو ما تعدون وجعل الحية معهن، قال ابن جريج قلت لنافع: ماذا سمعت من ابن عمر يحل للمحرم قتله من الدواب؟ قال فقال نافع: قال لي عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:
"من الدواب خمس لا جناح على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور"، قال لي ابن جريج قال لي عطاء: في هؤلاء اللاتي أحللن للمحرم وليتبعهن الحرام فليقتلهن وإن لم يعرض له، وقال عمرو بن دينار: مثل ذلك قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة، أخبره أنه رأى ابن عمر يرمي غرابًا بالنبل وهو حرام.
حدثنا ابن جريج، حدثنا أبو الزبير أن مجاهدًا أخبره أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال أبو الوليد: أظنه عن أبيه، قال بينما نحن في مسجد الخيف ليلة عرفة التي قبل يوم عرفة إذ سمعنا حس الحية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فدخلت في شق حجر فأتى بسعفة، فأضرم فيها نارًا فأدخلنا عودًا ففلعنا عنها بعض الحجر فلم نجدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"دعوها فقد وقاها الله شركم، ووقاكم شرها".
حدثنا ابن جريج قال قال عطاء: كل عدو لك لم يذكر لك قتله فاقتله، وأنت حرم.
حدثنا ابن جريج قال قلت لعطاء: العقاب فإنها زعموا تحمل حمل الضأن قال: اقتل، قلت: الصقر والحميميق، فإنهما يأخذان حمام المسلمين، قال: فاقتل واقتل البعوض، والذباب، واقتل الذئب فإنه عدو، قال عطاء:

 

ج / 2 ص -143-        واقتل الوزغ فإنه كان يؤمر بقتله، واقتل الجان ذا الطفيتين فإنه يؤمر بقتله، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن ابن المسيب أخبره أن أم شريك استأمرت النبي -صلى الله عليه وسلم، في قتل الوزغان فأمرها بقتلها، وأم شريك احدى نساء بني عامر بن لؤي.
حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية، أن نافعًا مولى ابن عمر حدثه أن عائشة أخبرته أن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال:
"اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام النار"، قال: فكانت عائشة، رضي الله عنها تقتلهن.
من كره أن يدخل شيئًا من حجارة الحل في الحرم، أو يخرج شيئًا من حجارة الحرم إلى الحل أو يخلط بعضه ببعض:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي، حدثني عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه قال: سمعت غير واحد من الفقهاء يذكرون أنه يكره أن يخرج أحد من الحرم من ترابه، أو حجارته بشيء إلى الحل، قال: ويكره أن يدخل من تراب الحل، أو حجارته إلى الحرم بشيء، أو يخلط بعضه ببعض.
حدثنا أبو الوليد قال: وحدثني أحمد بن ميسرة، عن عبد المجيد عن أبيه قال: أخبرني بعض من كنا نأخذ عنه أن ابن الزبير يقدم يومًا إلى المقام ليصلي وراءه، فإذا حصى بيض أتي بها وطرحت هنالك، فقال: ما هذه البطحاء؟ قال فقيل له: إنه حصى أتي بها من مكان كذا، وكذا خارج من الحرم، قال فقال: القطوه وارجعوا به إلى المكان الذي جئتم به منه، وأخرجوه من الحرم، وقال: لا تخلطوا الحل بالحرم.
حدثنا أبو الوليد، حدثنا أحمد بن ميسرة، عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن أبيه قال: وأدركتهم أنا بمكة وإنما يؤتى ببطحاء المسجد من الحرم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، عن ابن عيينة قال: سمعت رزين مولى ابن عباس يقول: كتب إلي علي بن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه، أن ابعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه.