أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: علي عمر

ج / 2 ص -154-        باب: بيوت مكة
ذكر منزل النبي صلى الله عليه وسلم، عام الفتح بعد الهجرة وتركه دخول بيوت مكة بعد الهجرة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم: أين تنزل بمكة؟ قال: "وهل ترك لنا عقيل بمكة من ظل؟".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم، بعد ما سكن المدينة كان لا يدخل بيوت مكة، قال: كان إذا طاف بالبيت انطلق إلى أعلى مكة فاضطرب به الأبنية، قال عطاء: في حجته فعل ذلك أيضًا، ونزل أعلى مكة قبل التعريف، وليلة النفر نزل أعلى الوادي.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جد عن محمد بن إدريس عن محمد بن عمر عن معاوية بن عبد الله بن عبيد الله، عن أبيه عن أبي رافع قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح: ألا تنزل منزلك بالشعب؟ قال:
"وهل ترك لنا عقيل منزلًا؟" قال: وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومنازل إخوته من الرجال والنساء بمكة حين هاجروا، ومنزل كل من هاجر من بني هاشم، فقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: فانزل في بعض بيوت مكة في غير منزلك، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقال: "لا أدخل البيوت فلم يزل مضطربًا بالحجون لم يدخل بيتًا، وكان يأتي المسجد من الحجون".
وبه عن محمد بن إدريس عن محمد بن عمر، عن أبي سبرة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، مضطربًا بالحجون في الفتح يأتي لكل صلاة.
وبه عن محمد بن إدريس، عن محمد بن عمر، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى خباء رسول الله -صلى الله عليه وسلم، بالبطحاء فلم أجده، ووجدت فيه فاطمة، فقلت: ماذا لقيت من ابن أمي علي رضي الله عنه؟ أجرت حموين لي من المشركين؟ فتفلت عليهما ليقتلهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"ما كان ذلك له، قد أمنا من أمنت، وأجرنا من أجرت"، ثم أمر فاطمة فسكبت له غسلًا فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات في ثوب واحد ملتحفًا به، وذلك ضحى في يوم فتح

 

ج / 2 ص -155-        مكة، وكان الذي أجارت أم هانئ يوم الفتح عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة كلاهما من بني مخزوم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي، عن عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله: أين منزلك غدًا؟ قال: وذلك في حجته، قال: وهل ترك لنا عقيل منزلًا؟ قال: ونحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب، حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يوارثوهم إلا أبا لهب، فإنه لم يدخل الشعب مع بني هاشم، وتركته قريش لما تعلم من عداوته للنبي -صلى الله عليه وسلم، وكانت بنو هاشم كلها مسلمها، وكافرها يحتمي للنبي -صلى الله عليه وسلم، إلا أبا لهب، قال أسامة: ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك:
"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن الزنجي، عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبد الله بن أبي بكر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"إذا قدمنا مكة إن شاء الله تعالى نزلنا بالخيف الذي تحالفوا علينا فيه"، قال ابن جريج: قلت لعثمان: أي حلف؟ قال: الأحزاب.
وبه عن الزنجي، عن ابن جريج عن عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم، لم ينزل بيوت مكة بعد أن سكن المدينة، قال: كان إذا طاف بالبيت انطلق إلى أعلى مكة فضرب به الأبنية، قال عطاء: وفعل ذلك في حجته أيضًا نزل بأعلى مكة قبل التعريف، وليلة الصدر نزل بأعلى الوادي.

 

ج / 2 ص -156-        من كره كراء بيوت مكة، وما جاء في بيع رباعها ومنع تبويب دورها، وإخراج الرقيق والدواب منها:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا يحيى بن سليم قال: حدثني عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: حدثني عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة قال: كانت الدور، والمساكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم ما تكرى، ولا تباع ولا تدعى إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن، قال يحيى: قلت لعمرو بن سعيد: فإنك تكري، قال: قد أحل الله الميتة للمضطر إليها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: من أكل كراء بيوت مكة، فإنما يأكل في بطنه نارًا.
حدثنا أبو الوليد، حدثني قال جدي حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا عبد الله بن صفوان الوهطي قال: سمعت أبي يقول: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، قال: كان ساكن مكة حيًا من العرب، فكانوا يكرون الظلال، ويبيعون الماء فأبدلها الله تعالى بهم قريشًا، فكانوا يظلون في الظلال، ويسقون الماء.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن حماد بن شعيب الكوفي، عن الأعمش عن مجاهد قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عن بيع رباع مكة وعن أجر بيوتها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، قال ابن جريج: قرأت كتابًا من عمر بن عبد العزيز إلى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو عامله على مكة يأمره أن لا يكرى بمكة شيء، قال ابن جريج: أخبرني

 

ج / 2 ص -157-        عطاء أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، كان ينهى أن تبوب أبواب دور مكة.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد عن أبيه قال: بلغني أن مجاهدًا كان يقول: الكراء بمكة نار، وقال أبي: سمعت عبد الكريم بن أبي المخارق يقول: لا تباع تربتها، ولا يكرى ظلها يعني مكة وقال: إني قدمت مكة سنة مائة وعليها عبد العزيز بن عبد الله أميرًا فقدم عليه كتاب من عمر بن عبد العزيز، ينهي عن كراء بيوت مكة ويأمره بتسوية منى، قال: فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سرًا ويسكنون، قال وقال أبي: حدثني إسماعيل بن أمية، عن رجل من قريش أنه قال: لقد أدركت الناس، وإن الركبان يقدمون فيبتدرهم من شاء الله من أهل مكة أيهم ينزلهم، ثم نحن اليوم نبتدرهم أينا يكريهم.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي، حدثنا مسلم بن خالد، عن إسماعيل بن أمية أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخرج الرقيق، والدواب من مكة ولم يدع أحدًا يبوب داره بمكة، حتى استأذنته هند بنت سهيل، وقالت: إنما أريد بذلك أحراز متاع الحاج، وظهرهم فأذن لها فعملت بابين على دارها.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن ابن صفوان قال له: كيف وجدتم إمارة الأحلاف فيكم؟ قال: التي قبلها خير منها، قال فقال ابن صفوان: فإن عمر قال كذا لشيء لم يذكره سفيان، قال ابن عباس: أسنة عمر تريد؟ هيهات هيهات، تركت والله سنة عمر شرقًا ومغربًا، قضى عمر أن أسفل الوادي وأعلاه مناخ للحاج، وإن أجياد وقعيقعان للمريحين والذاهب، واتخذتها أنت وصاحبك دورًا وقصورًا.

 

ج / 2 ص -158-        من لم ير بكرائها وبيع رباعها بأسا:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، وإبراهيم بن محمد الشافعي قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة الأزرقي، عن إبراهيم عن علقمة بن نضلة قال: وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذاءين، فضرب برجله فقال: سنام الأرض، إن لها سنامًا يزعم ابن فرقد، يعني عتبة بن فرقد السلمي إني لا أعرف حقي من حقه، له سواد المروة، ولي بياضها، ولي ما بين مقامي هذا إلى تجني، وتجني ثنية قريب من الطائف، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فقال: إن أبا سفيان لقديم الظلم، ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدراته.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن طاوس قال: قيل لصفوان بن أمية وهو بأعلى مكة: إنه لا دين لمن لا يهاجر، فقال: لا أصل إلى منزلي حتى آتي المدينة، فقدم المدينة فنزل على العباس -رضي الله عنه، ثم أتى المسجد فنام ووضع خميصة له تحت رأسه، فأتاه سارق فسرقها، فأخذه فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، فأمر به أن تقطع يده، فقال: يا رسول الله هي له، قال:
"فهل لا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟ فقال: "ما جاء بك؟"، قال: قيل: إنه لا دين لمن لم يهاجر، قال: "ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة، فقروا على سكناتكم فقد انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا".
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ، إن نافع بن عبد الحارث ابتاع من صفوان بن أمية دار السجن، وهي دار أم وايل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر فالمبيع له، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم.

 

ج / 2 ص -159-        حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج أخبرني هشام بن حجير، عن طاوس قال: الله يعلم أني سألته عن مسكن لي، فقال: كل كراه يعني مكة، قال ابن جريج: وكان عمرو بن دينار لا يرى به بأسًا، قال: وكيف يكون به بأس؟ والربع يباع ويؤكل ثمنه، وقد ابتاع عمر -رضي الله عنه- دار السجن بأربعة آلاف درهم، وأعربوا فيها أربعمائة عمرو القائل.
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني أحمد بن ميسرة، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه قال: بلغني أن طاوسًا وعمرو بن دينار كانا لا يريان بكراء بيوت مكة بأسًا، قال عبد العزيز بن أبي رواد: وذكر لعمرو بن دينار قول عبد الكريم بن أبي المخارق: لا تباع تربتها، ولا يكرى ظلها، فقال: جاءوا به يا خراساني على الروى.