شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -222-
الباب الحادي عشر:
ذكر شيء من فضائل الكعبة:
لا شك أن فضل الكعبة مشهور لوروده في القرآن العظيم في غير ما آية،
ووروده في السنة الشريفة الصحيحة، وإنما أردنا بذكره ههنا للتبرك، فمن
الآيات الواردة في ذلك قول الله تعالى:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ،
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ
آمِنًا} [آل عمران: 96 و97].
واختلف في معنى كونه أول بيت وضع للناس على قولين:
أحدهما: أنه أول بيت وضع للعبادة، وكان قبله بيوت لغيرها، وهذا يروى عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والآخر: أنه أول بيت كان في الأرض.
قال المحب الطبري: وقوله
{مُبَارَكًا} أي كثير الخير لما يحصل لمن حجه، أو اعتمره، أو عكف عنده وطاف حوله
من الثواب، وقوله:
{وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} أي متعبدهم وقبلتهم وقوله:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}
مقام عطف بيان على آيات، وبَيَّنَ الجمع بالواحد لاشتماله على آيات أثر
قدميه في الصخرة، وبقاؤه وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين. واختلف في
أمن الداخل، فقيل: من دخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك،
وقيل: من دخله لقضاء النسك، معظما لحرمته عارفا بحقه، متقربا إلى الله
عز وجل كان آمنا يوم القيامة، كما جاء: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه
بالنهار"1، يعني نهار يوم القيامة، وقيل معناه: أمن من دخله، أي لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر: كشف الخفا ومزيل الإلباس 2587.
ج / 1 ص -223-
يقتص منه، كما هو مذهب أبي حنيفة، ويُلجأ
إلى الخروج منه. وقيل: معناه غير ذلك.
ومن الآيات: قوله تعالى:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ
الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}
[المائدة: 97]
قال المحب الطبري: أي قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم، فلا يزال في
الأرض دين ما حجت، وعندها المعاش والمكاسب، قال: والمراد بتحريم البيت،
سائر الحرم، ونقل عن الضحاك أنه قال: قياما للناس: قياما لدينهم ومعالم
حجهم، قال: ويروى نحوه عن السدي، وقال: قال عكرمة: قياما للناس: مكانا
لهم.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رويناه عن الأزرقي بالسند المتقدم إليه
قال: حدثني جدي، عن الزنجي، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن هذا البيت دعامة الإسلام، ومن
خرج يؤم هذا البيت من حاج، أو معتمر كان مضمونا على الله عز وجل إن
قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة"1.
ومنها: ما ورد في تنزيل الرحمات على الكعبة كما في "المعجم الكبير"
للطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم، ولفظه:
"إن الله ينزل في كل ليلة ويوم عشرين ومائة رحمة، ينزل على هذا البيت
ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين"2، ورواه في "الأوسط" إلا أنه قال:
"تنزل على هذا المسجد مسجد مكة"3،
وفي رواية:
"وأربعون للعاكفين" بدل
"المصلين".
وأخرجه الأزرقي في تاريخه4، بمعنى رواية الطبراني في الكبير.
ووقع لنا عاليا جدا أخبرني به ابن الذهبي بقراءتي عليه، قال: أنبأنا
عيسى المعلم حضورا وإجازة قال: أنبأنا ابن اللتي، قال: أنبأنا أبو
الوقت قال: أخبرتنا لبنى قالت: أنبأنا ابن شريج، قال: حدثنا يحيى بن
محمد بن صاعد، قال: حدثنا عبد الله بن عمران العابدي المخزومي بمكة
قال: حدثنا يوسف بن الفيض قال ابن صاعد: هكذا كان يسميه وإنما هو يوسف
بن السفر أبو الفيض عن الأوزاعي، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير
وهو متروك "مجمع الزوائد 3/ 209" ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده
عن داود بن المحبر، وهو متروك. "المطالب 2/ 325".
2 أخرجه: الطبراني في الكبير "11/ 124، 125" رقم "1248".
3 ذكره الزركشي في إعلام الساجد "ص: 111" وعزاه الطبراني في الأوسط،
وذكره الهندي في كنز العمال 5/ 53، 54، وعزاه للبيهقي في شعب الإيمان،
والخطيب في تاريخ بغداد.
4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 8.
ج / 1 ص -224-
عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن لله عز وجل في كل يوم
وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على أهل هذا البيت، فستون للطائفين
وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين"1.
وذكر الشيخ محب الدين الطبري أنه لا تضاد بين الرواية التي فيها أن
الرحمات تنزل على هذا البيت، وبين الرواية التي فيها أنها تنزل على
مسجد مكة، لأنه يجوز أن يريد بمسجد مكة البيت، ويطلق عليه مسجد بدليل
قوله تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} [البقرة: 144]، ويجوز أن يريد مسجد الجماعة وهو الأظهر، ويكون
المراد بالتنزيل على البيت التنزل على أهل المسجد، وكذلك قسمت الرحمات
على أنواع العبادات الكائنة في المسجد. قال: وقوله:
"فستون للطائفين..." إلى آخره، تحتمل في من تأول القسم بين كل
فريقين وجهين:
الأول: قسمة الرحمات بينهم على المسمى بالتسوية لا على العمل بالنظر
إلى قلته وكثرته وضعفه، وما زاد على المسمى فله ثواب من غير هذا الوجه،
ونظير هذا الكلام: أعطي الداخلين بيتي مائة دينار، فدخل واحد مرة وآخر
مرارا، فلا خلاف في تساويهما في القسم.
الوجه الثاني: وهو الأظهر قسمها بينهم على قدر العمل، لأن الحديث ورد
في سياق الحث والتخصيص، وما هذا سبيله لا يستوي فيه الآتي بالأقل
والأكثر، واستدل المحب الطبري على ذلك بأمور معنوية ظاهرة2... انتهى.
ومنها: ما رويناه في "معجم الطبراني الكبير" عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "نَظَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فقال:
لا إله إلا الله ما أطيبك وأطيب ريحك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة
منك، إن الله جعلك حراما، وحرَّم من المؤمن ماله ودمه وعرضه، وأن يظن
به ظنا سيئا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه: ابن عدي في الكامل 7/ 2620، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 472،
والفاكهي في أخبار مكة 1/ 89، 99، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 3/ 116
وابن أبي حاتم في العلل 1/ 287، وابن حبان في المجروحين، وابن الجوزي
في العلل، والزركشي في إعلام الساجد "ص: 111" وعزاه للطبراني في
الأوسط.
2 القرى "ص: 657".
ج / 1 ص -225-
ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود وما
جاء في كونه من الجنة:
روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما، ولولا أن
طُمس نورهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب"1 أخرجه أحمد بن حنبل
في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والترمذي في جامعه، وقال: حديث غريب.
ونقل السهيلي عن الترمذي هذا الحديث إلا أنه قال فيه: "إن الركن الأسود
والركن اليماني ياقوتتان" وذكر بقية الحديث بالمعنى، وما نقله السهيلي
من أن في هذا الحديث والركن اليماني غير معروف، والمعروف فيه: الحجر
الأسود والمقام، ولعل ذلك من السهيلي سَبَقُ قَلم، وقد رأيت ما نقلناه
عنه في غير نسخة من تأليفه، قال بعد ذكره لهذا الحديث: وفي رواية غيره
ولإبراء من استلمهما من الخرس والجذام والبرص... انتهى.
وروينا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
"نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني
آدم" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح2.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الحجر الأسود من الجنة"
أخرجه النسائي3.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لولا ما طبع الله من الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها لاشتفي به من
كل عاهة، ولألفاه كهيئته يوم خلقه الله تعالى، وإنما غيره بالسواد لئلا
ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة، وإنها لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة"4.
قلت: ذكر شيخنا بالإجازة الإمام بدر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن
الصاحب المقرئ في كون الحجر الأسود من ياقوت الجنة دون غيره من جواهرها
حكمة حسنة، لأنه قال فيما أنبأنا به: فإن قلت ما الحكمة في كونه من
ياقوتها ولم يكن من غيره من جواهرها؟ قلت: له سر غريب نبهت عليه في
كتاب "الرموز" في كشف أغطية الكئوس" وأنا ضنين بذلك، ولكن ألوح بشيء
هنا من قشوره، وذلك أن الشمس في الفلك الرابع المتوسط.
لو لم يكن وسط الأشياء أحسنها
ما اختارت الشمس من
أفلاكها الوسطى
وهي الممتدة لما فوقها وما تحتها من الأفلاك والمعدة في
الفلك الرابع من الأنفس، وهي الممتدة لما فوقها وتحتها ويقصرها على
النار، ولهذا قال: رسول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه: ابن حبان "3710"، الحاكم "1679".
2 أخرجه الترمذي "877"، وأحمد "1/ 307، 329، والبيهقي في الشعب "4034".
3 أخرجه النسائي 5/ 226، وابن خزيمة 4/ 220، والحديث إسناده حسن.
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 323، القرى "ص: 293".
ج / 1 ص -226-
الله صلى الله عليه وسلم:
"المعدة بيت الداء"1،
وما خلق الله فيها عينا نباعة تحض معينة على الهضم والتبريد.
ومكة في الفلك المتوسط من الدنيا، وهي محل النار، وهي الممتدة للدنيا،
قال الله تعالى:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}
[المائدة: 97] أي قواما لدينهم ودنياهم، وجعل الحجر من ياقوت الجنة
الذي لا يبالي بالنار ويحصل منه التبريد المعنوي والحسي.
وطالما أصلي الياقوت جمر غضا
ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت
ثم سر آخر وهو: أنه نقطة الدائرة الياقوتية، وهذه نكتة من
كشف أغطية الكونين، من أراد كشفهما فليصغ أسمعه من ذلك من الميراث
النبوي ما لا يسمعه من غيري في هذا الزمان، والله الموفق... انتهى!!
ذكر ما قيل من الحكمة في
اسوداد الحجر الأسود بعد بياضه:
قال السهيلي بعد أن ذكر شيئا مما يتعلق بالحجر الأسود، وأشار هنا
إلى الحكمة في أنه سودته خطايا بني آدم دون غيره من حجارة الكعبة
وأستارها، وذلك أن العهد الذي فيه بمعنى الفطرة التي فطر الناس عليها
من توحيد الله، فكل مولود يولد على الفطرة، وعلى ذلك فلولا أن أبويه
يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى ليسود قلبه بالشرك لما حاد من العهد،
فقد صار قلب ابن آدم محلا لذلك العهد والميثاق، وصار الحجر محلا لما
كتب فيه من ذلك العهد والميثاق قياسا، فاسود من الخطايا قلب ابن آدم
بعد ما حاد عما كان ولد عليه من ذلك العهد، واسود الحجر بعد ابيضاضه،
وكانت الخطايا سببا في ذلك، حكمة من الله سبحانه... انتهى.
وقال المحب الطبري: وقد اعترض بعض الملاحدة، فقال: كيف يسود الحجر
خطايا أهل الشرك ولا يبيضه توحيد أهل الأيمان؟ فالجواب عنه من ثلاثة
أوجه:
الأول: ما تضمنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم آنفا: أن الله
عز وجل إنما طمس نوره ليستر زينته عن الظلمة، وكأنه لما تغيرت صفته
التي كانت كالزينة له بالسواد كان ذلك السواد له كالحجاب المانع من
الرؤية وإن رؤي جرمه، إذا يجوز أن يطلق عليه أنه غير مرئي، كما يطلق
على المرأة المستترة بثوب أنها غير مرئية.
الثاني: أجاب به ابن حبيب، فقال: لو شاء الله لكان ذلك، وكما علمت أيها
المعترض من أن الله تعالى أجرى العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ
والبياض ينصبغ ولا يصبغ.
والثالث: وهو منقاس: أن يقال إن بقاءه أسود والله أعلم إنما كان
للاعتبار ليعلم أن الخطايا إذا أثرت في الحجر فتأثيرها بالقلوب
أعظم2... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا يصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحا، وينسب
للحارث بن كلدة.
2 القرى "ص: 295": وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة "ص: 289".
ج / 1 ص -227-
ذكر ما رؤي من البياض في الحجر
الأسود بعد اسوداده:
ذكر ابن جبير في خبر رحلته: أن في الحجر الأسود
نقطة بيضاء صغيرة مشرقة1 ولم يذكر سواها، وكانت رحلته في سنة تسع
وسبعين وخمسمائة.
وقال الفقيه سليمان بن خليل العسقلاني في "منسكه" بعد ذكر الشيء يتعلق
بالحجر الأسود: قلت أنا: ولقد أدركت في الحجر الأسود ثلاث مواضع2 بيض
في الناحية التي تلي باب الكعبة المعظمة، إحداها: وهي أكبرهن، في قدر
حبة الذرة الكبيرة.
والأخرى: إلى جنبها، وهي أصغر منها.
والثالثة: إلى جنب الثانية، وهي أصغر من الثانية فإنها في قدر حبة
الدخن.
ثم إني أتلمح تلك النقطة، فإذا هي كل وقت في نقص... انتهى.
ونقل القاضي عز الدين بن جماعة في "منسكه" كلام ابن خليل هذا، وذكر أنه
رأى الحجر الأسود في سنة ثمان وسبعمائة وفيه نقطة بيضاء ظاهرة، وأنه لم
يرها في سنة ست وثلاثين إلا بعد جهد3... انتهى.
وكنت ذاكرت بهذا الأمر من نحو خمس عشرة سنة بعض مشايخنا فذكر لي أن في
الحجر الأسود نقطة بيضاء خفية جدا... انتهى.
ولم يذكر لي موضعها من الحجر، ولعلها النقطة الموجودة فيه الآن، فإن في
جانبه مما يلي باب الكعبة من أعلاه نقطة بيضاء قدر حبة سمسمة على ما
أخبرني به ثلاثة نفر يعتمد عليهم من أصحابنا الفقهاء المكيين في يوم
الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، إلا أن بعضهم
لم يخبرني بذلك إلا في يوم السبت ثاني تاريخه، وأخبرني الثلاثة أنهم
رأوا ذلك في يوم الجمعة المذكور، وشكرت لهم، فالله يثيبهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 67".
2 هكذا وردت بالأصل، والصواب "ثلاثة مواضع".
3 هداية السالك 1/ 59.
ج / 1 ص -228-
ما جاء في شهادة الحجر الأسود
يوم القيامة لمن استلمه بحق:
روينا في مسند الدارمي عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ليبعثن الله الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد
لمن استلمه بحق"1. وفي رواية
"على من استلمه بحق"2. أخرجه الترمذي وابن حبان وقال:
"له لسان وشفتان".
وروينا ما يدل لذلك من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي
صلى الله عليه وسلم وروينا ذلك من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه
موقوفا عليه.
ما جاء في تقبيل النبي صلى
الله عليه وسلم للحجر الأسود واستلامه له:
وروينا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن استلام
الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، أخرجه
البخاري3 ومسلم4.
ما جاء في السجود عليه:
وروينا في تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر من حديث عمر بن
الخطاب وجابر بن عبد الله وغيرهما ما جاء في السجود - عليه.
وروينا في الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم سجد على الحجر5.
وروينا في سنن البيهقي عنه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه، ثم
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا6.
وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما في "مسند الإمام الشافعي" أنه قبل
الركن وسجد عليه ثلاث مرات7.
وروينا ذلك أيضا عن طاوس في تاريخ الأزرقي والبيهقي وغيرهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارمي "1839"، أحمد 1/ 247، والبيهقي في السنن 5/ 75،
والأزرقي في أخبار مكة 1/ 23.
2 أخرجه الترمذي "961" وأحمد 1/ 26،وابن حبان "37" وابن ماجه "2944"
وأبو يعلى "2711".
3 أخرجه البخاري 3/ 379.
4 أخرجه مسلم "الحج: 1267.
5 أخرجه: الترمذي "862" وأحمد 1/ 257، 309، والنسائي "3918، 3119".
6 أخرجه البيهقي في سننه "5/ 74"، وابن حبان "3821".
7 مسند الإمام الشافعي "ص: 126".
ج / 1 ص -229-
ولم ير الإمام مالك السجود على الحجر وقال:
هو بدعة، وخالفه الجمهور في ذلك، والله أعلم.
ما جاء في الإكثار من
استلامه:
روينا في "تاريخ الأزرقي" بالسند المتقدم إليه: قال حدثني جدي قال:
حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني زهير بن محمد، عن
منصور بن عبد الرحمن الحجبي، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه،
بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه، إن الله تعالى لا
يترك شيئا من الجنة في الأرض إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة"1.
ما جاء في مفاوضة الحجر
الأسود:
روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"من فاوض الحجر الأسود فإنما يفاوض يد الرحمن" أخرجه ابن ماجه.
قال المحب الطبري: وقوله: فاوض أي لامس وخالط، من مفاوضة الشريكين
وتفويض كل منهما إلى صاحبه2... انتهى.
ما جاء في أن الحجر الأسود
يمين الله يصافح بها عباده واستجابة الدعاء عنده:
روينا في تاريخ الأزرقي بالسند المتقدم إليه قال: حدثني جدي، عن
سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن أبي إسماعيل، عن عبد الملك بن عبد
الله بن أبي حسين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الركن يمين الله عز
وجل- يصافح بها خلقه، والذي نفس ابن عباس بيده ما من امريء مسلم يسأل
الله تعالى عنده شيئا إلا أعطاه إياه3... انتهى.
وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبي 4 عبد القاسم بن سلام
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الحجر الأسود يمين الله في
الأرض".
ورواه أبو طاهر المخلص في "فوائده" في الجزء الثاني من التاسع وزاد:
"فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح الحجر الأسود
بيده فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 342، 343.
2 سنن ابن ماجه "2/ 985" القرى "ص: 279، 280"، وابن عدي في الكامل 2/
690 والحديث إسناده ضعيف.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 326.
4 هكذا بالأصل، والصواب: "لأنه أبا عبيد".
ج / 1 ص -230-
قال المحب الطبري: ومعنى الحديث والله أعلم
أن كل ملك إذا قُدِمَ عليه قُبِلَت يمينه، ولما كان الحاج والمعتمر أول
ما يقدمان يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك ويده، ولله المثل
الأعلى، وكذلك من صافحه كان له عند الله عهد، كما أن الملوك تعطي العهد
بالمصافحة، والله أعلم1.
أنشدني العلامة بدر الدين أحمد بن محمد بن الصاحب المصري إجازة لنفسه
قوله:
للحجر الأسود كم لاثم
وساجد مرغ فيه الجباه
تزدحم الأفواه في ورده
كأنه ينبوغ ماء الحياة
وقوله فيما أنبأنا به:
في الحجر الأسود كم أودعت
أسرار أنس من علوم الغيوب
تزدحم الأفواه في لثمه
كأنه يلفظ قوت القلوب
وقوله فيما أنبأنا به:
للحجر الأسود سر خفي
وقد بدا للعين منه شهود
قد ضمت قلوب الورى
كأنه قلب سواد الوجود
وقوله فيما أنبأنا به:
أقول وقد زوحمت عن لثم أسود
من البيت إن تحجب فما السر يحجب
فإنك مني بالمحل الذي به
محل سواد العين، أو أنت أقرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى "ص: 280" عزاء المحب الطبري لأبي عبد القاسم بن سلام، وأبي
طاهر المخلص في فوائده وابن الجوزي في مثير الغرام الساكن.
ذكر فضل الركن اليماني وما جاء في تقبيله ووضع
الخد عليه
روينا في "سنن الدارقطني" عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده
عليه1.
وروينا في تاريخ البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سنن الدارقطني 2/ 290 والبيهقي في سننه 5/ 76، والحاكم في المستدرك
"1675" وصححه ووافقه الذهبي، وعبد الله بن هرمز: قال عنه أبو زرعة
الرازي: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال الدارقطني: ليس بالقوي
"جامع الجرح والتعديل: 2325".
2 أخبار مكة للفاكهي 1/ 122، وأحمد في المسند 1/ 54.
ج / 1 ص -231-
وروينا في تاريخ الأزرقي عن مجاهد قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركن ويضع خده عليه1.
قلت: تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم الركن اليماني ووضع خده عليه، لا
يثبت، وأما استلامه له فثابت.
ما جاء في استلام النبي
للركن اليماني:
روينا في مسند أحمد بن حنبل وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني
والحجر الأسود في كل طوافه، وكان هو يفعله، أخرجه أبو داود2 والنسائي.
وقال المحب الطبري بعد إخراجه لهذا الحديث: وفيه دلالة على استحباب
التقبيل والاستلام في كل طواف، واستحبه بعضهم في كل وتر، وروي ذلك عن
الشافعي وطاوس3... انتهى.
وقوله: وفيه دلالة على استحباب التقبيل، يعني في الحجر الأسود لا في
الركن اليماني والاستلام فيها، والله أعلم.
ما جاء في المزاحمة على
استلام الركن اليمان والحجر الأسود وأن مسحهما كفارة للخطايا:
وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزاحم على الركنين، فقيل
له في ذلك، فقال: إن أفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:
"إن مسحهما كفارة للخطايا"
أخرجه الترمذي4.
وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحط الخطايا حطا" أخرجه أحمد بن حنبل وابن حبان في صحيحه5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 338.
2 أخرجه أبو داود "1874"، النسائي "5/ 231".
3 القرى "ص: 281".
4 أخرجه الترمذي 4/ 181، "كتاب الحج: باب ما جاء في استلام الركنين"،
وعبد الرزاق في مصنفه 5/ 29، والأزرقي في أخبار مكة 1/ 331، والطبراني
في الكبير 12/ 390.
5 مسند أحمد بن حنبل 3/ 89، 95، ابن حبان في موارد الظمآن "ص: 247"
وابن خزيمة 4/ 227، وأخبار مكة للفاكهي 1/ 127.
ج / 1 ص -232-
ما جاء في عدم استحباب ذلك
للنساء بحضره الرجال:
روينا عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت لامرأة: "لا تزاحمي على الحجر، إن رأيت خلوة فاستلمي، وإن رأيت
زحاما فكبرى وهللي إذا حاذيتِ، ولا تؤذي أحدًا" أخرجه سعيد بن منصور.
وروينا عن عائشة بنت سعد أنها قالت: كان أبي يقول: إذا وجدتن فرجة من
الناس فاستلمن وإلا فكبرن وامضين. أخرجه الإمام الشافعي.
وفي البخاري: عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها ما يقتضي ترك استلام
الحجر للنساء، وهو محمول على ما إذا حضر الرجال كما هو مقتضى الخبر
الذي رواه سعيد بن منصور في "سننه" والله أعلم.
ما جاء في إكثار النبي صلى
الله عليه وسلم من استلامه واستغفار الملائكة لمن استلمه:
روينا في تاريخ الأزرقي عن عطاء قال: قيل: يا رسول الله: تكثر من
استلام الركن اليماني؟ قال صلى الله عليه وسلم:
"ما أتيت عليه قط إلا وجبريل عليه الصلاة والسلام قائم عنده يستغفر لمن
استلمه"1.
ما جاء في تأمين الملائكة
على الدعاء عنده واستجابة الدعاء عنده:
روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"وُكِّلَ به سبعون ملكا
-يعني: الركن اليماني- فمن قال: اللهم إن أسألك العفو والعافية في الدين
والدنيا والآخرة اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار، قالوا: آمين" أخرجه ابن ماجه وغيره2.
وروينا في تاريخ الأزرقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: على الركن
اليماني ملكان يؤمنان على دعاء من مر بهما، وإن على الحجر الأسود من
الملائكة ما لا يحصى3.
وروينا فيه عن مجاهد قال: من وضع يده على الركن اليماني ثم دعا استجيب
له4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 338.
2 سنن ابن ماجه "2958" بلفظ "سبعون ملكا" والديلمي في الفردوس "7332"،
وابن عدي في الكامل 4/ 275، والفاكهي في أخبار مكة 1/ 183.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 338.
4 سنن ابن ماجة "2957".
ج / 1 ص -233-
وسيأتي في خبر المستجار وهو عند الركن
اليماني شيء من هذا المعنى.
ما جاء في أن الركن اليماني
باب من أبواب الجنة:
روينا في تاريخ الأزرقي عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: يا
بنيّ أَدْنِنِي من الركن اليماني، فإنه كان يقال: إنه باب من أبواب
الجنة1.
وروينا نحوه عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وذكر السهيلي شيئا من سبب تسمية الركن اليماني بالركن اليماني، لأنه
قال: وأما الركن اليماني فسمي باليماني فيما ذكر القتبي، لأن رجلا من
اليمن بناه اسمه أبي بن سالم وأنشد:
لنا الركن اليماني2 من البيت الحرام
وراثة بقية ما أبقى أُبَيّ بن سالم3
... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 338، وسنن ابن ماجه "2887".
2 "اليماني" ليست في الروض الأنف 1/ 224.
3 الروض الأنف 1/ 224. |