شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -247-
الباب الثالث عشر:
في الآيات المتعلقة بالكعبة:
للكعبة المعظمة آيات بينات، منها: بقاء بنائها
الموجود الآن، وهو لا يقتضي أن يبقى هذه المدة على ما بلغني عن بعض
مهندسي عصرنا، قال: وإنما بقاؤها آية من آيات الله تعالى... انتهى.
ولعمري إنه لصادق، فإن من المعلوم ضرورة أن الريح والمطر إذا تواليا
أياما على بناء تخرب، ومن المعلوم ضرورة أن الكعبة المعظمة ما زالت
الرياح العاصفة، والأمطار الكثيرة المهولة، تتوالى عليها منذ بنيت وإلى
تاريخه، وذلك سبعمائة سنة وخمسون سنة، ولم يحدث فيها بحمد الله تغير
أدى إلى خللها، وغاية ما يحدث فيها انكسار فلقة من الركن اليماني،
وتحرك البيت مرارا، لأن الشيخ شهاب الدين أبا شامة المقدسي قال في "ذيل
الروضتين" له في أخبار سنة اثنين وخمسمائة: وفيها وقع من الركن اليماني
قطعة، وتحرك البيت مرارا، وهذا شيء لم يعهد1... انتهى.
وقال ابن الأثير في أخبار سنة خمس عشر وخمسمائة: فيها تضعضع الركن
اليماني من البيت الحرام زاده الله شرفا من زلزلة وانهدم بعضه2.
وذكر مثل ذلك المؤيد صاحب حماه في أخبار سنة خمس عشرة وخمسمائة3.
وذكر صاحب "مرآة الزمان": أنه في سنة سبع عشرة وأربعمائة تشعث البيت
الحرام4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شذرات الذهب 4/ 308، والنجوم الزاهرة 6/ 139، وإتحاف الورى 2/ 562،
والذيل على الروضتين "ص: 8" وفي الأخيرين: "وتجرد البيت مرارا".
2 الكامل لابن الأثير 10/ 226، والبداية والنهاية 12/ 188، وإتحاف
الورى 2/ 498.
3 المختصر في أخبار البشر 2/ 235.
4 إتحاف الورى 2/ 454.
ج / 1 ص -248-
وقال أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك
والممالك": وحدث جماعة: أن في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة انكسرت من
الركن اليماني فلقة قدر أصبع، وغفل الناس عن شدها فصارت عند قوم من أهل
مكة من الحسنيين، فوقع بمكة وباء عظيم عام، وموت، وكان لا يلبث المريض
فوق ثلاثة أيام، وهلك من أهل الدار الذي اتهم أن الفلقة فيها ثمانية
عشر إنسانا، فرأي بعض الصالحين المجاورين من أهل خراسان في نومه أن
يتفقد ما ذهب من الكعبة ويرد فيرفع الله عنهم الوباء، فردت إلى موضعها
فارتفع الوباء1.
هذا ما علمته من التوهن الذي أصاب الكعبة، ولا تزال إن شاء الله باقية
إلى أن ينفذ فيها أمر الله من تخريب الحبشي لها في آخر الزمان كما سبق
بيانه في "الباب الثامن".
ومن الآيات المتعلقة بالكعبة المعظمة على ما قال الحافظ: أنه لا يرى
البيت الحرام أحد ممن لم يكن يره إلا ضحك أو بكى.
ومنها: أن الفرقة من الطير من الحمام وغيره ليقبل حتى إذا كادت تبلغ
الكعبة انفرقت فرقتين فلم يعْلُ ظهرها شيءٌ منها. ذكر ذلك الجاحظ،
وقال: قالوا.
وذكر ذلك أبو عبيد البكري جزما، لأنه قال: ومن عجائب مكة: أن الحمام
وجميع الطير تمر في طيرانها، فإذا قارب أن تحاذي الكعبة أخذت يمينا
وشمالا.
ومنها: على ما قال الجاحظ: أنه لا يسقط على ظهر الكعبة من الحمام الذي
قد أمن إلا وهو عليل أو مريض... انتهى.
وذكر ابن الحاج معنى هذا، لأنه قال لما ذكر الآيات المتعلقة بالبيت:
ومنها: أن الطائر لا يعلو البيت صحيحا، ويعلوه مريضا للشفاء.
وذكر ذلك أبو عبيد البكري، لأنه قال: ومن عجائب مكة أن الحمام وجميع
الطير لا يعلوها البتة ولا ينزل على جدرها إلا أن يكون مريضا، فيفعل
ذلك مستشفيا، والطير ينزل على سائر جدر المسجد، وقبة زمزم وغيرها.
وذكر بعضهم أن الطير إذا نزل على الكعبة إما يشفى أو يموت لحينه، وذكر
هذه الآية المحب الطبري قال: ولولا ذلك لكانت ستارته يعني البيت الحرام
مملوءة من قذرهن كنجوها، مما يتعذر الجلوس عليه.
ومنها: على ما ذكر ابن الحاج عن بعض المفسرين: أن الغيث إذا كان ناحية
الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان ناحية الشامي كان الخصب
بالشام، وإذا عم البيت كان الخصب بجميع البلدان. وذكر ذلك أيضا المحب
الطبري بمعناه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 4/ 460، ودرر الفراقد "ص: 54".
ج / 1 ص -249-
وذكر ذلك الجاحظ، إلا أنه خالف في بعض ذلك
لأنه قال: وإذا أصاب في أول السنة المطر باب الكعبة من شق العراق كان
الخصب تلك السنة بالعراق، وإذا أصاب شق الشام كان الخصب في تلك السنة
في الشام، وإذا عم جوانب البيت عم الخصب الجميع.
ومنها: أن مفتاح الكعبة إذا وضع في فم الصغير الذي ثقل لسانه عن الكلام
يتكلم سريعا ذكر ذلك الفاكهي في "أخبار مكة"، لأنه قال: وكان من سنة
المكيين وهم على ذلك إلى اليوم إذا ثقل لسان الصبي المولود وأبطأ كلامه
عن وقته جاءوا به إلى حجبة الكعبة، فسألوهم أن يدخلوا مفتاح الكعبة في
فمه، فيأخذونه1 الحجبة فيدخلونه خزانة الكعبة، ثم يغطون وجهه، ثم يدخل
مفتاح الكعبة في فمه، فيتكلم وينطلق لسانه، ويتكلم سريعا بإذن الله
تعالى وذلك مجرب بمكة إلى يومنا هذا... انتهى. وأهل مكة يفعلون ذلك إلى
الآن.
ومنها: أنها تفتح بحضرة خلق كثير إلى الغاية ويدخلها الجميع متزاحمين،
ويصلون فيها أجمع، وتسعهم بقدرة الله تعالى، وما علمت أن أحدا مات من
الزحام إلا خمسة وثلاثين نفرا ماتوا دفعة واحدة سنة إحدى وثمانين
وخمسمائة على ما ذكره أبو شامة في "الروضتين"2 نقلا عن ابن القادسي، عن
الحجاج في هذه السنة، وذكر ذلك أيضا ابن البزوري في "ذيل المنتظم"
وعزاه للحجاج.
ومنها على ما قيل: إنها منذ خلقها الله تعالى لم تخل من طائف من الإنس
أو الجن أو الملائكة، ذكر ذلك المحب الطبري وابن جماعة. وسبقهما إلى
مثل ذلك السهيلي، وأفاد في ذلك خبرا غريبا، لأنه قال لما ذكر بناء ابن
الزبير للكعبة، وفي الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد، فطاف الناس
بتلك الأستار، فلم تخل قط من طائف، حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير
اشتدت الحرب، واشتغل الناس، فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف
بها3... انتهى.
ومنها: ما قال ابن الحاج: وذكر ابن أبي خيثمة قال: حدثنا موسى بن
إسماعيل قال: حدثنا ثابت بن يزيد قال: حدثنا هلال بن حبان، عن عمرو بن
ميمون قال: رأيت دخان البيت لا يشد يمينا ولا شمالا، ولا قدام ولا خلف،
يصعد في السماء... انتهى.
ولعل المراد بالدخان: دخان ما يجمر به الكعبة، والله أعلم.
ومنها: وقع هيبتها في القلوب.
ومنها: حفظها من الجبابرة وتذللهم لها، والانتقام ممن أرادها بسوء، كما
جرى لتبع، والهذليين، وأصحاب الفيل، وغيرهم ممن أساء الأدب فيها.
ونشير هنا لشيء من ذلك على سبيل الاختصار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، وهي لغة أكلوني البراغيث.
2 ينقل الفاسي هنا عن القسم المفقود من كتاب الروضتين، وهذا الخبر
موجود في "العقد الثمين" 1/ 189، ودرر الفرائد "ص: 265"، وإتحاف الورى
2/ 554.
3 الروض الأنف 1/ 221.
ج / 1 ص -250-
ذكر خبر تبع والهذليين:
لما أقبل تبع وهو معان أسعد الحميري ملك اليمن
من الشرق وجعل المدينة النبوية على طريقه لقضاء وطر له بها، ثم توجه
منها إلى مكة، لأنها طريقه لبلده، فلما كان بين أَمَج1 وعُسْفان2 لقيه
نفر من هذيل من بني لحيان، فحسنوا له تخريب الكعبة، وأن يبني عنده بيتا
يصرف إليه الحج، فعزم على ذلك، فدقت بهم دوابهم، وغشيتهم ظلمة شديدة
وريح، فدعى أحبارا كانوا معه من أهل الكتاب فسألهم، فقالوا: هل هممت
لهذا البيت بسوء؟ فأخبرهم بما قال له الهذليون، وما أراد أن يفعل،
فقالوا له: ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك من معك، هذا بيت الله لم
يرده أحد بسوء إلا هلك، قال: فما الحيلة؟ قالوا: تنوي له خيرا أن
تعظمه، وتكسوه وتنحر عنده، وتحسن إلى أهله، ففعل، فانجلت عنهم الظلمة،
وسكنت عنهم الريح، وانطلقت بهم دوابهم وركابهم، فأمر تبع بالهذليين
فضربت أعناقهم وصلبهم، وسار حتى قدم مكة فأقام بها أياما ينحر كل يوم
مائة بدنة، وكسا البيت.
هذا ملخص بالمعنى مختصر من كتاب الأزرقي.
وذكر الفاكهي أخبارا من خبر تبع، منها: أنه قال: حدثني حسن بن حسين
الأزدي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، عن هشام بن الكلبي قال:
أخبرني جرير بن يزيد البجلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: لما أقبل
تبع يريد هدم البيت وصرف وجوه العرب إلى اليمن، فبات صحيحا، فأقبل وقد
سالت عيناه على خديه، فبعث إلى الأحبار والسحرة والكهان والمنجمين
فقال: ما لي؟ فوالله لقد بت ليلتي وما أجد شيئا، ثم صرت إلى ما ترون!
فقالوا: لعلك حدثت نفسك لهذا البيت بسوء؟ فقال: نعم. قالوا: فحدث نفسك
أن تصنع به وبأهله خيرا، ففعل، وقد رجعت عيناه فارتد بصيرا، وكسى البيت
الخصف3... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أمج: بفتح الهمزة والميم، بلد من أعراض المدينة، وقيل: واد يأخذ من
حرة بني سليم ويفرغ في البحر "معجم البلدان 1/ 250".
2 عسفان: بضم أوله وسكون ثانيه. من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة "معجم
البلدان 4/ 121".
3 أخبار مكة للفاكهي 5م 160، 161.
ج / 1 ص -251-
وقال السهيلي: وروى نقلة الأخبار: أن تبعا
لما عمد إلى البيت يريد تخريبه رمي بداء تمحص منه رأسه قيحا وصديدا يثج
ثجا، وأنتن حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد رمح، وقيل: بل أرسلت
عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه وجلده، وأصابتهم ظلمة شديدة، حتى دفت
خيلهم، فسمى ذلك المكان الدف1، فدعا بالجزاة2 والأطباء فسألهم عن ذلك3،
فهالهم ما رأوا منه، ولم يجد له عندهم فرجا، فعند ذلك قال له الحبران:
لعلك هممت بشيء في أمر هذا البيت؟ فقال: نعم، أردت هدمه، فقالا له: تب
إلى الله مما نويت، فإنه بيت الله تعالى، وحرمه، وأمراه بتعظيم حرمته،
ففعل ذلك فبرئ من دائه، وصح من وجعه.
قال السهيلي: وأخلق بهذا الخبر أن يكون صحيحا فإن الله سبحانه عز وجل
يقول:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ} [الحج: 25] أي: ومن هم فيه بظلم، ثم قال:
وقال العتبي: كانت قصة تبع قبل الإسلام بسبعمائة عام4... انتهى.
وهذا الذي ذكره العتبي لعله أن يكون موافقا لما ذكره ابن إسحاق في
"السيرة"، لأنه قال: فكان تبع فيما يزعمون أول من كسا البيت، وأوصى به
ولاته من جرهم... انتهى.
ووجه موافقة ذلك لما ذكره العتبي: أن من ولاية جرهم إلى الإسلام
المقدار الذي ذكره العتبي أو نحوه، فإن خزاعة ولوا البيت بعد جرهم
خمسمائة سنة، وقيل دون ذلك على ما في خبرهم، وولاية قريش لأمر مكة قبل
الإسلام ما يقصر عن مائة سنة، وربما كانت أزيد من ذلك، وأي ذلك كان فهو
المقدار الذي ذكره العتبي أو غيره، ويعكر على ما في "السيرة" لابن
إسحاق من أن قصة تبع مع الهذليين كانت في زمن جرهم على ما نقله الأزرقي
عن إسحاق؛ لأنه قال في خبر تبع: حدثني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان
بن ساج: قال أخبرنا ابن إسحاق قال: سار تبع الأول إلى الكعبة وأراد
هدمها وتخريبها، وخزاعة يومئذ تلي البيت وأمر مكة، فقامت خزاعة دونه
فقاتلت عنه أشد القتال حتى رجع، ثم تبع آخر فكذلك، ثم قال: فأما تبع
الثالث الذي أراد هدم البيت فإنما كان في أول زمان قريش، قال: وكان سبب
خروجه وسيره أن قوما من هذيل من بني لحيان جاءوه فقالوا: إن بمكة بيتا
تعظمه العرب جميعا. فذكر القصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدف: موضع في جمدان من نواحي المدينة عسفان.
2 الحزاة: جمع حاز، وهو الذي يزجر الطير ويستدل بأصواتها ومرورها
وأسمائها.
3 كذا في الأصل، وفي الروض الأنف 1/ 39: "دائه".
4 الروض الأنف 1/ 39، 40.
ج / 1 ص -252-
ونقل عن ابن جريج، وابن إسحاق عن تبع
الثالث ما يوافق ذلك، لأنه قال في باب ولاية قصي بن كلاب البيت الحرام
وأمر مكة بعد خزاعة بعد أن روى بسنده السابق عن ابن جريج وابن إسحاق:
وأما تبع الثالث الذي نحر له، وكساه، وجعل له غلقا، وأقام عنده أياما
ينحر كل يوم بُدنة، إلى أن قال: إنما كان في عهد قريش1... انتهى.
فبان بهذا الاختلاف كلام ابن إسحاق في زمن قدوم تبع إلى مكة، هل هو في
زمن جرهم، أو في أول زمن قريش.
وذكر السهيلي فوائد تتعلق بهذا الخبر يحسن ذكرها هاهنا، منها: أن اسم
أحد الحبرين المشار إليهما في خبر تبع: "سحيت" والآخر "منبه"، وعزا ذلك
لقاسم بن ثابت، قال: في رواية يونس عن ابن إسحاق قال: واسم الحبر الذي
كلم الملك "بليامن".
ومنها: أنه قال: ومعنى تبع في لغة اليمن الملك: المتبوع. وقال
المسعودي: لا يقال لملك تبع حتى يملك اليمن، والشحر، وحضرموت. وأول
التابعة الحارث الرائش... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة 1/ 132.
ذكر خبر أصحاب الفيل:
ذكر هذا الخبر جماعة من العلماء مطولا ومختصرا،
كما ذكرته في أصل هذا الكتاب، واقتصرت هنا من ذلك على ما ذكرته عن
الإمام أبي القاسم الزمخشري لحسن اختصاره مع ما فيه من الفوائد، ونص
كلامه:
روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى
كنيسة بصنعاء، وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من
كنانة فقعد فيها ليلا، فأغضبه ذلك، وقيل: أججت رفقة من العرب نارا،
فحملتها الريح فأحرقتها، فحلف ليهدمن الكعبة، فخرج من الحبشة ومعه فيل
اسمه محمود، وكان فيلا عظيما، واثنا عشر فيلا غيره، وقيل: ثمانية،
وقيل: كان معه ألف فيل، وقيل: كان وحده، فلما بلغ المغمس1خرج إليه عبد
المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى، وعبأ جيشه، فقدم الفيل،
فكانوا إذا وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى
غيره من الجهات هرول، فأرسل الله إليه طيرا سوداء، وقيل: خضراء، وقيل:
بيضاء، مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه، أكبر من العدسة
وأصغر من الحمصة، ثم قال: فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره،
وعلى كل حجر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المغمس: بفتح الميم الأولى وضمها، واد قريب من مكة من ناحية الشرق
"الروض الأنف 1/ 68".
ج / 1 ص -253-
اسم من يقع عليه ففروا فهلكوا في كل طريق
وسهل، وأما أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه، وما مات حتى انصدع صدره عن
قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه، حتى بلغ النجاشي، فقص
عليه القصة، فلما أتمها وقع الحجر عليه فخر ميتا بين يديه، وذكر أن أهل
مكة احتووا على أموال الحبشة، وأن عبد المطلب جمع من جواهرهم وذهبهم ما
كان سبب يساره1... انتهى باختصار.
وقال السهيلي: وكانت قصة الفيل في أول المحرم سنة اثنتين وثمانين
وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين2.
وقال أبو عمر بن عبد البر: وأما الخوارزمي محمد بن موسى فقال: كان قدوم
الفيل مكة وأصحابه لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم. قال: وقد قال ذلك
غير الخوارزمي، وزاد: يوم الأحد، قال: وكان أول المحرم تلك السنة يوم
الجمعة.
ونقل الحافظ الدمياطي عن أبي جعفر محمد بن علي: أن قدوم الفيل كان في
النصف من المحرم... انتهى.
فيتحصل من هذا أن في تاريخ قدوم الفيل من شهر المحرم ثلاثة أقوال: هل
هو أوله، أو نصفه، أو لثلاث عشرة ليلة بقيت منه؟ والله أعلم بالصواب.
هلاك من أراد الكعبة بسوء3:
وجاء في هلاك من أراد الكعبة بسوء أخبار أُخر:
منها: ما رويناه عن أم المؤمنين أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال:
"ليخسفن بقوم يؤمون البيت ببيداء من الأرض"4.
ومن الأخبار الواردة في الانتقام ممن أساء الأدب في الكعبة أو حولها:
ما رويناه في "السيرة" لابن إسحاق وغير ذلك عن عائشة رضي الله عنهما
أنها قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم
أحدثا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين5، والله أعلم.
ومن ذلك: ما رويناه في المعجم الكبير للطبراني عن حويطب بن عبد العزى
قال: كنا جلوسا بفناء الكعبة في الجاهلية فأتت امرأة تعوذ بها من
زوجها، فمد يده إليها فيبست، فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشل6...
انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 68- 71.
2 الروض الأنف 1/ 71.
3 ما بين القوسين عنوان من وضع المحقق.
4 أخرج نحوه الأزرقي 2/ 23، وانظر مثير الغرام "ص: 291".
5 سيرة ابن هشام 3/ 291.
6 المعجم لكبير للطبراني 1/ 231، وعبد الرزاق "8866" لكن قال إن العائذ
أَمَةٌ، وأن الذي جذبه سيدتها، والأزرقي 2/ 25.
ج / 1 ص -254-
ومن ذلك: ما رويناه في تاريخ الأزرقي في
خبر ذكره عن ابن جريج فيه شيء من خبر الحمس وغيرهم، لأن فيه قال: وجاءت
امرأة أيضا تطوف عريانة، وكان لها جمال، فرآها رجل فأعجبته، فدخل
الطواف فطاف إلى جنبها لأن يسمها، فأدنى عضده من عضدها، فخرجا من
المسجد من ناحية بنى سهم هاربين على وجوههما، فزعين لما أصابهما من
العقوبة، فلقيهما شيخ من قريش خارجا من المسجد فسألهما عن شأنهما،
فأخبراه بقصتهما، فأفتاهما أن يعودا إلى المكان الذي أصابهما فيه ما
أصابهما ليدعوان الله تعالى ويحلفان أن لا يعودا فرجعا إلى مكانهما
فدعوا الله سبحانه وتعالى وأخلصا النية في أن لا يعودا، فافترقت
أعضادهما، فذهب كل واحد منهما في ناحية1... انتهى.
وذكر المحب الطبري هذا الخبر مختصرا وعزاه لابن الجوزي، وعزاه ابن
الجوزي لغير ابن جريج، فنذكر ذلك كما هو مذكور في "القرى" ولفظه فيه:
وعن مسعر، عن علقمة بن مرثد قال: بينما رجل يطوف بالبيت إذ برق له ساعد
امرأة، فوضع ساعده على ساعدها متلذذا به، فلصقت ساعداهما، فأتى بعض
الشيوخ فقال: ارجع إلى المكان الذي فعلت فيه فعاهد رب البيت ألا تعود،
ففعل فخلي عنه2... انتهى.
وذكر السهيلي هذا الخبر مختصرا، وفيه ما يفهم منه غير ما سبق، فاقتضى
ذلك ما قاله، لأنه قال بعد أن ذكر شيئا من خبر الحمس والحلة وطواف
الحلة بالبيت عراة، ومما ذكر من تعريهم في الطواف، أن رجلا وامرأة طافا
كذلك، فانضم الرجل إلى امرأة تلذذا واستمتاعا، فلصق عضده بعضدها ففزعا
عند ذلك، وخرجا من المسجد وهما ملتصقان، فلم يقدر أحد على فك عضده من
عضدها حتى قال لهما قائل: توبا مما كان في ضميركما، وأخلصا لله التوبة.
ففعلا، فانحل أحدهما عن الآخر3... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 177.
2 القرى "ص: 272"، ومثير الغرام "ص: 291" وأخرجه عبد الرزاق "8867".
3 الروض الأنف 1/ 232. |