شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام

ج / 1 ص -262-    الباب الخامس عشر:
ذكر الملتزم:
الملتزم: هو ما بين الحجر الأسود والباب، على ما رويناه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تاريخ الأزرقي ويقال له: المدعا والمتعوَّذ، على ما رويناه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تاريخ الأزرقي أيضا. وروينا عنه حديثا مرفوعا في استجابة الدعاء فيه1، ورويناه مسندا في "الأربعين المختارة" لابن مسدي، ولفظ الحديث علي ما رويناه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء، وما دعا عبد الله تعالى فيه إلا استجاب له"1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 347.

ذكر المستجار:
هو ما بين الركن اليماني إلى الباب المسدود في دبر الكعبة، هكذا سماه ابن جبير في رحلته1، والمحب الطبري في "القرى" وسبقهما إلى تسميته بالمستجار: الفقيه محمد بن سراقة في كتابه "دلائل القبلة" لأنه قال: وبين الركن اليماني وبين الباب المسدود في ظهر الكعبة أربعة أذرع، ويسمى ذلك الموضع المستجار من الذنوب... انتهى.
ويقال له: المتعوذ، ويقال له: الملتزم، على ما روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما ويقال: ملتزم عجائز قريش، على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما روينا ذلك عنهما في "تاريخ الأزرقي".
وروينا فيه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من قام عند ظهر البيت فدعا استجيب له، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه2.
قال المحب الطبري: ومثل هذا القول من معاوية رضي الله عنه لا يكون إلا عن تلق من لسان النبوة3... انتهى.
وروينا في "مجابي الدعوة" لابن أبي الدنيا: عن الشعبي قال: إن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وأخاه مصعبا، وعبد الملك بن مروان، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم دعوا في هذا الموضع فلم يذهب الشعبي من الدنيا حتى رأي كلا منهم قد أعطي ما سأل، وبشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالجنة، ورتب له، وكان دعا بها.
وكان يقف للدعاء والتعوذ فيه جماعة من كبار السلف منهم: عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد رحمهما الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 65".
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 348. 
3 القرى "ص: 318".

 

ج / 1 ص -263-    ذكر الحطيم:
اختلف في الحطيم وفي سبب تسميته بذلك، فقيل: إنه ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم وحجر إسماعيل، وهو مقتضى ما حكاه الأزرقي عن ابن جريج1.
وفي كتب الحنفية أن الحطيم الموضع الذي فيه الميزاب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الحطيم الجدار.
قال المحب الطبري: يعني جدار حجر الكعبة، قال: وقد قيل: الحطيم هو الشاذروان، سمي بذلك: لأن البيت رفع وترك هو محطوما، فيكون فعيلا بمعنى مفعول، قال: وقد قيل: لأن العرب كانت تطرح فيه ما طافت فيه من الثياب، فيبقى حتى يتحطم من طول الزمان، فيكون فعيلا بمعنى فاعل2... انتهى.
وقيل في سبب تسميته: إنه سمي بالحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان، فقل من دعا هنالك على ظالم إلا هلك، وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت له العقوبة، روينا ذلك عنه في تاريخ الأزرقي3.
ومن فضائل الحطيم: ما ذكره الفاكهي، لأنه قال: وحدثني أحمد بن صالح قال: حدثنا محمد بن عبد الله عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 23. 
2 القرى "ص: 314". 
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 24.

 

ج / 1 ص -264-    قالت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: أي البقاع خير؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قالت: قلت: يا رسول الله كأنك تريد بين الركن والمقام؟ قال صلى الله عليه وسلم "صدقت، إن خير البقاع وأطهرها وأزكاها وأقربها من الله ما بين الركن والمقام، وإن فيها بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة، فمن صلى فيه أربع ركعات نودي من بطنان العرش: أيها العبد غفر لك ما قد سلف منك فاستأنف العمل"1... انتهى.
ومن فضائل الحطيم: أن فيه قبر تسعة وتسعين نبيا، لأن الأزرقي قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: حدثني جدي قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط، يقول عبد الله بن حمزة السلولي يقول: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيا، جاءوا حجاجا فقبضوا هنالك".
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن محمد بن سابط، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت، فمات بها نوح، وصالح، وشعيب، وقبورهم بين زمزم، والحجر"2.
وذكر الأزرقي خبرا يقتضي أن في الحطيم قبر تسعين نبيا، وسمى منهم في هذا الخبر غير من لم يسم في الخبر الذي رواه عن ابن سابط، لأنه قال: وأخبرني جدي، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج فذكر أخبارا، ثم قال: قال عثمان: وأخبرني مقاتل قال: في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر تسعين نبيا، منهم هود، وصالح، وإسماعيل، وقبر آدم، وإبراهيم، وإسحاق، ويوسف عليهم السلام في بيت المقدس3... انتهى.
وذكر الأزرقي خبرا يقتضي أن قبر إسماعيل في الحجر، وسنذكر هذا الخبر وغيره من الأخبار الموافقة له والمخالفة له في أخبار الحجر، وذلك في الباب السابع عشر من هذا الكتاب.
وذكر الأزرقي خبرا يوهم أن في الحطيم قبور عذارى بنات إسماعيل عليه السلام لأن الأزرقي قال فيما رويناه عنه: حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري أنه سمع ابن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول: إن هذا المحدودب قبور عذارى بنات إسماعيل عليه السلام، يعني مما يلي الركن الشامي من المسجد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 1/ 468.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 68، ومثير الغرام "ص: 438".
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 68، وأخبار مكة للفاكهي 1/ 468.

 

ج / 1 ص -265-    الحرام، قال: وذلك الموضع يسوي مع المسجد. فلا ينشب أن يعود محدودبا منذ كان1... انتهى.
وإنما كان هذا الخبر موهما لما ذكرناه، لأنه يحتمل أن تكون القبور المشار إليها مما يلي الركن الشامي من جهة الحجر الأسود، وأن تكون مما يلي الركن الشامي مما يلي الحِجر بسكون الجيم فعلى الاحتمال الأول تكون القبور المشار إليها في الحطيم وعلى الثاني لا تكون فيه، وذلك على اعتبار بناء الكعبة على أساس إبراهيم من جهة الحجر، وأما على اعتبار بنائها اليوم فقد تكون القبور المشار إليها في الحطيم على كلا الاحتمالين، والله أعلم.
وقد ذكر هذا الخبر الفاكهي في "أخبار مكة" بنحوه، وذكر الخبر الذي رواه الأزرقي عن عبد الله بن ضمرة. وفي خبر الفاكهي: أن ابن ضمرة يرويه عن كعب يعني كعب الأحبار وابن سابط راوي الخبر ليس بصاحبي.
وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أن فيما بين دار الندوة وباب بني سهم يعني باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة قبور قوم صالح الذين آمنوا به ورحلوا معه إلى مكة وأقاموا بها حتى ماتوا. قال: وكذلك فعل هود ومن آمن معه، وشعيب ومن آمن معه، عزا هذا الخبر لوهب بن منبه، وهو في تاريخ الأزرقي2، إلا أن في الخبر الذي ذكره الأزرقي: فتلك قبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة وبين دار بني هاشم، كذا رأيته في نسختين من "تاريخ الأزرقي": ودار بني هاشم وصوابه: وباب بني سهم كما في خبر الفاكهي، لأن به يستقيم الكلام، والله أعلم.
وهذه القبور وإن لم تكن في الحطيم فذكرها في أخباره لمناسبة، وهي كون الموطنين في المطاف، فيجتمع بذكر ذلك في هذه الترجمة شيء من فضل المطاف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 66، وأخبار مكة للفاكهي 2/ 123، ومسند عبد الرزاق 5/ 120، ومثير الغرام ص: 439.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 73، وأخبار مكة للفاكهي 2/ 34، ومثير الغرام ص: 438.

 

ج / 1 ص -266-    ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب:
روينا عن الحسن البصري في "رسالته" المشهورة أنه قال: ويقال يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر موضعا: أولها: عند الملتزم الدعاء فيه يستجاب، وتحت الميزاب يستجاب، وعند الركن اليماني يستجاب، وعلى الصفا يستجاب، وعلى المروة يستجاب، وبين الصفا والمروة يستجاب، وبين الركن والمقام يستجاب، وفي جوف الكعبة يستجاب، وبمنى يستجاب، وبجَمْع يستجاب، وبعرفات يستجاب، وعند الجمرات الثلاث يستجاب. هكذا وجدت في نسختي من هذه "الرسالة"، وهي تقتضي أن المواضع المشار إليها أربعة عشر موضعا، والظاهر أنه سقط منها موضع يحتمل أن يكون خلف المقام، ويحتمل أن يكون في الطواف، لأنه روي عن الحسن البصري عد هذين الموضعين في المواضع التي يستجاب فيها الدعاء بمكة، وليس في الرواية التي ذكر فيها هذين الموضعين ذكر الركن اليماني، وفيها لفظتان مخالفتان للرواية التي ذكرناها في اللفظ.
أحدهما: "وعند زمزم" والله أعلم عوض قوله: "بين الركن والمقام".
واللفظة الأخرى: "وفي المزدلفة" عوض قوله: "وبجمع".
وهذه الرواية ذكرها المحب الطبري في "القرى" وقال فيه: وروي عن الحسن البصري أن الحجر الأسود يستجاب عنده الدعاء. فتصير المواضع ستة عشر، وقال: وسيأتي في فضل التعوذ عند ظهر الكعبة موضع سابع عشر1... انتهى.
قلت: الموضع الذي أشار إليه المحب هو المستجار الذي تقدم ذكره.
وقال المحب: والظاهر من عموم هذا اللفظ تعميم الإجابة في هذه الأماكن، سواء كان متلبسا بنسك أو لم يكن، وهو كذلك إن شاء الله تعالى، وتخصيص بعض دون بعض خلاف الظاهر، وإذا ثبتت الخصوصية لذات المكان عمت جميع الأحوال، والله أعلم.
قلت: فيما ذكره الحسن البصري من استجابة الدعاء عند جمرة العقبة نظر، لأن الإنسان مطلوب بأن لا يقف عندها للدعاء في زمن الرمي، فكيف يستجاب للإنسان فيما نهي عن فعله؟ إلا أن يكون مراده بقوله: إن الدعاء يستجاب عندها، أي قربها، ويدعو الداع وهو مارّ فيه والله أعلم.
وذكر شيخنا القاضي مجد الدين الشيرازي أحسن الله إليه في كتابه "الوصل والمنى في فضل منى" مواضع أخر بمكة وحرمها يستجاب فيها الدعاء، لأنه نقل عن النقاش المفسر أنه قال في "منسكه"، ويستجاب الدعاء في ثبير، عني ثيبر الذي يلحقه مغارة الفتح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد فيه قبل النبوة، وأيام ظهور الدعوة، ولهذا جاورت به عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أيام إقامتها بمكة، قال: وفي مسجد الكبش، زاد غيره: وفي مسجد الخيف، زاد آخر: وفي مسجد النحر ببطن منى، زاد ابن الجوزي: وفي مسجد البيعة2 وهو من منى، وغار المرسلات، ومغارة الفتح، لأنها من ثبير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى "ص: 317".
2 مثير الغرام "ص: 344_ 345"، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 26.

 

ج / 1 ص -267-    يعني الموضع الذي يقال له صخرة عائشة بمنى قال: وقال النقاش: يستجاب الدعاء إذا دخل من باب بني شيبة، وفي دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ليلة الجمعة، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين عند الزوال، وفي دار الخيزران عند المجتبى بين العشائين، وتحت السدرة بعرفة وقت الزوال، وفي مسجد الشجرة يوم الأربعاء، وفي المتكأ غداة الأحد، وفي جبل ثور عند الظهر، وفي حراء وثبير مطلقا، قيل: وفي مسجد النحر... انتهى.
قلت: وقع فيما ذكره شيخنا القاضي مجد الدين أن مسجد البيعة من منى وهو غير مُسَلَّم، لأنه من وراء العقبة التي هي حد منى بمقدار غلوة أو أكثر، ولعل من قال إن مسجد البيعة من منى يوهم أنه المسجد الذي عند جمرة العقبة وليس كذلك، لأن المعروف في مسجد البيعة أنه المسجد الذي من وراء العقبة الذي يكون على يسار الذاهب إلى منى، وبينه وبين منى المقدار الذي ذكرناه، وفي جداره القبلي حجران مكتوب فيهما أنه مسجد البيعة، والله أعلم.
ولم يبين شيخنا القاضي مجد الدين موضع السدرة بعرفة، ولا مسجد الشجرة، ولا المتكأ، وما عرفت أنا ذلك تحقيقا، وأظن أن المتكأ المشار إليه هو الموضع الذي ذكره الأزرقي، لأنه قال فيما رويناه عند السند المتقدم في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة وما فيها من آثار النبي صلى الله عليه وسلم وما صح من ذلك: ومسجد بأجياد1 وهو موضع فيه يقال له المتكأ، سمعت جدي أحمد بن محمد، ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكأ، وهل صح عندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ فيه، فرأيتهما ينكران ذلك ويقولان: لم نسمع به من ثبت، قال لي جدي: سمعت الزنجي مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم القداح، وغيرهما من أهل العلم أن أمر المتكأ، ليس بالقوي عندهم، بل يضعفونه، غير أنهم يثبتون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأجياد الصغير، لا يثبت ذلك الموضع ولا يقف عليه. قال: ولم أسمع أحدا من أهل مكة يثبت أمر المتكأ2... انتهى.
وبأجياد الصغير موضع يقال له الآن المتكأ، وهو دكة مرتفعة متسعة منورة ملاصقة لدار تنسب للشيخ يحيى بن علي بن بجير الحجبي شيخ الحجبة كان، ويعرف هذا البيت الآن بسعد الدويدار فتى الشريف أحمد بن عجلان صاحب مكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أجياد: هي الموضع الذي كانت به الخيل التي سخرها الله لإسماعيل عليه السلام، ويقال: ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الخيل الجياد، منه مع السميدع "انظر: معجم البلدان 1/ 105، أخبار مكة للأزرقي 1/ 82".
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 202.

 

ج / 1 ص -268-    وأخبرني بعض فقهاء مكة أنه رأى الشريف عجلان بن رميثة صاحب مكة ينكر على جماعة رآهم يلعبون في الموضع المشار إليه، وأمر باحترام هذا الموضع، وعلل ذلك بأن هذا الموضع ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني بعض الحجبة عن بعض أقاربه أن النبي صلى الله عليه وسلم رؤي بهذا الموضع، وهو على يسار الذاهب إلى رباط ربيع قريبا منه.
وفي كون المتكأ المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر، لأن الأزرقي ذكر ما يقتضي أن المتكأ في الشعب الذي فيه بئر عكرمة بأجياد الصغير، وإذا كان كذلك فليس المتكأ هذه الدكة، والله أعلم.
وذكر الفاكهي المتكأ الذي بأجياد كما يوافق ما ذكره الأزرقي، وذكر فيه شيئا لم يذكره الأزرقي، لأنه قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: ذكر المواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة: ومنه الموضع الذي بأجياد الصغير، وهو الذي يقال له المتكأ1.
وبعض الناس يقول: أول ما نزل القرآن في ذلك الموضع، نزل فيه:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وهي أول سورة نزلت من القرآن... انتهى، وهذا غريب جدا2. ولذلك أوردناه، والله أعلم بصحته.
وبقرب باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة موضع يقال له المتكأ ملاصق لبيت المرشدي قرب المدرسة الأرسوفية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وفي طريق التنعيم المعتادة موضع يقال له المتكأ، وهذان الموضعان كلاهما غير المراد، ولعلهما سميا بذلك للراحة بالاتكاء عندهما من تعب السير إلى العمرة والله أعلم.
وأما مسجد الشجرة المشار إليها فهو بالحديبية والشجرة المنسوب إليها هذا المسجد هي الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان كما في القرآن العظيم، وكانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس، ثم غيبت لقطعها، لأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أمر بقطعها حين بلغه أن الناس يأتون إليها ويصلون عندها ويعظمونها، ورأى أن هذا الفعل حدث، وهذا يروى عن ابن جريج في كتاب الفاكهي.
وذكر الفاكهي شيئا من خبر هذا المسجد، لأنه قال لما ذكر مسجد الحديبية، وهذا المسجد عن يمين طريق جدة، وهو المسجد الذي يزعم الناس أنه الموضع الذي كان فيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 202، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 9، القرى "3: 665"، ومثير الغرام "ص: 345".
2 أخبار مكة للفاكهي 4/ 10، والصحيح أن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه في غار حراء، والمتكأ لا زال معروفا في شعب أجياد الصغير على ما قال البلادي في معجم معالم الحجاز 8/ 18.

 

ج / 1 ص -269-    رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو مسجد الكرز، وثَمَّ مسجدٌ آخر تصلي الناس فيه بناه يقطين بن موسى في الشق الأيسر1... انتهى.
وهذان المسجدان والحديبية لا يعرفون اليوم، والله أعلم بذلك.
ورأيت في جزء مترجم بالثاني من "فضائل مكة" للجندي من رواية أبي القاسم عبد الله بن علي بن عبد الله الطوسي المعروف بكركان: عن أبي منصور طاهر بن العباس بن منصور المروزي، عن المغيرة بن عمرو بن الوليد العدني، عن الجندي .... وفي آخره: سمعت أبا منصور طاهر بن العباس بن منصور يحكي عن أبي سهيل النيسابوري أن المواضع التي يزجى فيها استجابة الدعاء في المسجد الحرام خمسة عشر موضعا، وعد منها أربعة عشر: باب بني شيبة، وباب إبراهيم، وباب النبي صلى الله عليه وسلم، وباب الصفا، وزمزم، والمقام، والركن الأسود، والملتزم، ومجاور المنبر حيث يقف المحمدون، وعند الركن العراقي، وتحت الميزاب، والركن الشامي، وما بين الركن الشامي واليماني وهو المستجار وعند الركن اليماني.
وقال غيره: إن المواضع التي يرجى فيها استجابة الدعاء في المسجد الحرام ثلاثون موضعا، ولم يعدها، ولم يذكر مواضعها... انتهى.
وباب النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه هو الباب المعروف الآن بباب الجنائز، سماه بذلك الأزرقي في "تاريخه" لأنه لما ذكر صفته القديمة قال: وهو باب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج منه ويدخل فيه من منزله الذي في زقاق العطارين، يقال له: مسجد خديجة بنت خويلد رحمة الله تعالى ورضوانه عليها2... انتهى.
وباب إبراهيم هو باب الزيارة الذي بالجانب الغربي من المسجد الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 4/ 34.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 78، 87.