البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
وقال البيهقي:
باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن عبد الله أخبرنا الحسن
بن سفيان حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عمرو بن أبي يحيى بن سعيد القرشي عن
جده سعيد عن أبي هريرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بعث الله نبيا إلا راعي
غنم " فقال له أصحابه وأنت يارسول الله ؟ قال: " وأنا رعيتها لاهل مكة
بالقراريط " (4) رواه البخاري (5) عن أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن
يحيى به.
ثم روى البيهقي من طريق الربيع بن بدر - وهو ضعيف (6) - عن أبي الزبير
عن
__________
(1) مارية بنت شمعون (والمارية البقرة الفتية بتخفيف الياء وبالتشديد
الملساء.
وسبب اهدائها إلى النبي أنه صلى الله عليه وسلم
أرسل إلى المقوقس واسمه جريج بن ميناء فقارب المقوقس الاسلام وارسل
هدية إلى النبي بغلته دلدل ومارية وقدحا من قوارير (الروض الانف).
(2) أنصنا: بالفتح ثم السكون وكسر الصاد مدينة من نواحي الصعيد على
شرقي النيل ويقال انها كانت مدينة السحرة ينسب إليها كثير من أهل
العلم.
(3) قيل كان سنه صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين سنة وقيل ثلاثين وقيل
سبعا وثلاثين وقيل ستا وعشرين.
وكان عمر خديجة إذ ذاك أربعين سنة وقيل خمسا وأربعين.
وكانت خديجة قد تزوجت قبله رجلين: عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم ثم أبو هالة التميمي وهو من بني أسيد بن عمرو واسمه هند بن زرارة
بن النباش.
(4) دلائل النبوة ج 2 / 65.
(5) في 37 كتاب الاجارة (2) باب رعي الغنم فتح الباري (4 / 441).
وأخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات وابن سعد في الطبقات.
(6) الربيع بن بدر ضعفه ابن معين.
وقال ابن حبان يقلب الاسانيد وقال الدارقطني والازدي: متروك.
وقال النسائي ويعقوب بن سفيان متروك.
تهذيب التهذيب (3 / 239).
[ * ]
(2/360)
جابر.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آجرت نفسي من خديجة سفرتين
بقلوص " وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن
أبي عمار عن ابن عباس: أن أبا خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو - أظنه - قال سكران (1).
ثم قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن
جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني إبراهيم بن المنذر حدثني عمر بن
أبي بكر المؤملي (2) حدثني عبد الله بن أبي عبيد (3) بن محمد بن عمار
بن ياسر عن أبيه عن مقسم بن أبي القاسم (4) مولى عبد الله بن الحارث بن
نوفل أن عبد الله بن الحارث حدثه أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث
به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وما يكثرون فيه
يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها، إني كنت له تربا، وكنت له إلفا
وخدنا.
وإني خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم.
حتى إذا كنا بالحزورة (5) أجزنا على أخت خديجة، وهي جالسة على أدم
تبيعها، فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
فقالت: أما بصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة ؟ قال عمار: فرجعت إليه
فأخبرته فقال: " بلى لعمري " فذكرت لها قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت اغدوا علينا إذا أصبحنا، فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا
بقرة، والبسوا أبا خديجة حلة، وصفرت لحيته، وكلمت أخاها فكلم أباه وقد
سقي خمرا فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانة وسألته أن يزوجه
فزوجه خديجة وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه ونام أبو هاشم استيقظ
صاحيا.
فقال: ما هذه الحلة وما هذه الصفرة وهذا الطعام ؟ فقالت له ابنته التي
كانت قد كلمت عمارا هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة
أهداها لك، فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح
حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤوه
فكلموه.
فقال أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة ؟ فبرز له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما نظر إليه، قال إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن
فعلت فقد زوجته.
وقد ذكر الزهري في سيره أن أباها زوجها منه وهو سكران وذكر نحو ما تقدم
حكاه السهيلي.
قال المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه وهذا
هو الذي رجحه السهيلي (6) وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت: وكان خويلد
مات قبل الفجار، وهو
__________
(1) وأخرجه الامام أحمد في مسنده مطولا بإسناد ضعيف.
والهيثمي في مجمع الزوائد عنه وعن الطبراني وقال رجال أحمد والطبراني
رجال الصحيح.
(2) في الدلائل ج 2 / 71 ; الموصلي.
(3) في الدلائل وتقريب التهذب: أبي عبيدة.
(4) في الدلائل، مقسم: أبي القاسم مولى عبد الله، وهو الصواب.
ويقال له مولى ابن عباس للزومه، صدوق.
مات سنة 101 ه.
(تقريب التهذيب).
(5) الحزورة: كانت الحزورة سوق مكة، ودخلت في المسجد لما زيد، وباب
الحزورة معروف من أبواب المسجد الحرام، والعامة تقول: باب عزورة.
(6) وعند الواقدي قال: الثبت عندنا المحفوظ من أهل العلم أن أباها
خويلد بن أسد مات قبل الفجار وان عمها = [ * ]
(2/361)
الذي نازع تبعا
حين أراد أخذ الحجر الاسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد وقام معه
جماعة من قريش ثم رأى تبع في منامه ما روعه، فنزع عن ذلك وترك الحجر
الاسود مكانه.
وذكر ابن إسحاق: في آخر السيرة أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله أعلم.
فصل قال ابن إسحاق: وقد كانت خديجة
بنت خويلد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي - وكان ابن
عمها، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها
من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه - فقال ورقة: لئن
كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الامة، قد عرفت أنه كائن لهذه
الامة نبي ينتظر هذا زمانه - أو كما قال - فجعل ورقة يستبطئ الامر
ويقول حتى متى ؟ وقال في ذلك: لججت وكنت في الذكرى لجوجا * لهم طالما
ما بعث النشيجا (1) ووصف من خديجة بعد وصف * فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي * حديثك أن أرى منه خروجا (2) بما خبرتنا من
قول قس * من الرهبان أكره أن يعوجا (3) بأن محمدا سيسود قوما * ويخصم
من يكون له حجيجا (4) ويظهر في البلاد ضياء نور * يقوم به البرية أن
تموجا فيلقى من يحاربه خسارا * ويلقى من يسالمه فلوجا (5) فيا ليتني
إذا ما كان ذاكم * شهدت وكنت أولهم ولوجا (6)
__________
= عمرو بن أسد زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وافقه الكلبي عن
ابن عباس.
وابن سعد بسنده عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
(الطبقات - عيون الاثر).
(1) اللجاج: التمادي في الامر.
والنشيج: بكاء الصبي الذي يضرب فلا يخرج بكاؤه ويردده في صدره قال ابن
الاعرابي: النشيج من الفم والنخير من الانف.
وفي التهذيب: غص البكاء في حلقه عند الفزعة فهو إذ ذاك نشيج.
(2) المكتين: قال السهيلي في روضه: ثنى مكة وهي واحدة لان لها بطاحا
وظواهر.
وهذا كثير عند العرب في أشعارهم.
(3) قس: هو قس بن ساعدة الايادي خطيب العرب.
(4) في سيرة ابن هشام: فينا بدل قوما.
وفي بلوغ الارب للآلوسي: يوما.
(5) فلوجا: الفلوج الظهور على الخصم والعدو.
(6) قوله " فياليتي " بحذف نون الوقاية ; وحذفها مع ليت نادر.
قال ابن مالك في الالفية: وليتني فشا وليتي ندرا * ومع لعل أعكس...[ *
]
(2/362)
ولوجا في الذي
كرهت قريش * ولو عجت بمكتها عجيجا (1) أرجي بالذي كرهوا جميعا * إلى ذي
العرش إن سفلوا عروجا وهل أمر السفالة غير كفر * بمن يختار من سمك
البروجا فإن يبقوا وأبق يكن أمور * يضج الكافرون لها ضجيجا وإن أهلك
فكل فتى سيلقى * من الاقدار متلفة خروجا (2) وقال ورقة أيضا فيما رواه
يونس بن بكير عن ابن إسحاق عنه: أتبكر أم أنت العشية رائح * وفي الصدر
من إضمارك الحزن قادح ؟ (3) لفرقة قوم لا أحب فراقهم * كأنك عنهم بعد
يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد * يخبرها عنه إذا غاب ناصح أتاك
الذي وجهت يا خير حرة * بغور وبالنجدين حيث الصحاصح (4) إلى سوق بصرى
في الركاب التي غدت * وهن من الاحمال تعص دوالج (5) فيخبرنا عن كل خير
بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله احمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الاباطح وظني به أن
سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى
له * بهاء ومنشور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي وغالب * شبابهم
والاشيبون الجحاجح (6) فإن أبق حتى يدرك الناس دهره * فإني به مستبشر
الود فارح وإلا فإني يا خديجة فاعلمي * عن ارضك في الارض العريضة سائح
وزاد الاموي: فمتبع دين الذي أسس البنا * وكان له فضل على الناس راجح
وأسس بنيانا بمكة ثابتا * تلالا فيه بالظلام المصابح
__________
(1) في بلوغ الارب للالوسي: ولوجا في الذي كرهت قريشا..(2) المتلفة:
المهلكة.
خروجا في سيرة ابن هشام حروجا: وهي الكثيرة التصرف.
(3) في بلوغ الارب: وفي الصبر بدل وفي الصدر.
(4) في بلوغ الارب: فتاك بدل أتاك.
والصحاصح: جمع صحصح وهو ما استوى من الارض وجرد أي لا شجر فيها ولا
قرار ماء.
(5) قعص: وأقعصه إذا قتله قتلا سريعا.
دوالح: من دلح البعير إذا مر بحمله مثقلا ; أي تثاقل في مشيه من ثقل
الحمل كما قال الازهري.
(6) في بلوغ الارب: لؤي بن غالب.
والجحاجح جمع جحجح وهو السيد السمح والكريم.
[ * ]
(2/363)
مثابا لافناء القبائل كلها * تخب إليه اليعملات الطلائح حراجيج أمثال
القداح من السرى * يعلق في أرساغهن السرايح ومن شعره فيما أورده أبو
القاسم السهيلي في روضه (1): لقد نصحت لاقوام وقلت لهم * أنا النذير
فلا يغرركم أحد
لا تعبدن إلها غير خالقكم * فان دعوكم فقولوا بيننا حداد (2) سبحان ذي
العرش سبحانا يدوم له * وقبلنا سبح الجودي والجمد (3) مسخر كل ما تحت
السماء له * لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد لا شئ مما نرى تبقى بشاشته *
يبقى الاله ويودي المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه * والخلد قد
حاولت عاد فما خلدوا ولا سليمان إذ تجرى الرياح به * والجن والانس فيما
بينها مرد (4) أين الملوك التي كانت لعزتها * من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب * لابد من ورده يوما كما وردوا ثم قال هكذا
نسبه أبو الفرج إلى ورقة، قال وفيه أبيات تنسب إلى أمية بن أبي الصلت.
قلت: وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان
يستشهد في بعض لاحيان بشئ من هذه الابيات والله أعلم. |