البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في رمضان من سنة تسع تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ارتحل
عن ثقيف سئل أن يدعو عليهم فدعا لهم بالهداية، وقد تقدم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أسلم مالك بن عوف النضري أنعم عليه وأعطاه
وجعله أميرا على من أسلم من قومه، فكان يغزو بلاد ثقيف ويضيق عليهم حتى
ألجأهم إلى الدخول في الاسلام، وتقدم أيضا فيما رواه أبو داود عن صخر
بن العيلة الاحمسي أنه لم يزل بثقيف حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل بهم إلى المدينة النبوية بأذن رسول
الله صلى الله عليه وسلم له في ذلك.
وقال ابن اسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في
رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثقيف، وكان من حديثهم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم.
اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم
وسأله أن يرجع إلى قومه بالاسلام، فقال له رسول الله - كما يتحدث قومه
- " إنهم قاتلوك " وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع للذي كان
منهم، فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم، وكان فيهم
كذلك محببا مطاعا، فخرج يدعو قومه إلى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه
لمنزلته فيهم، فلما أشرف على عيلة
له، وقد دعاهم إلى الاسلام وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه
فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له أوس بن
عوف (2) أخو بني سالم بن مالك، ويزعم الاحلاف أنه قتله رجل منهم من بني
عتاب يقال له وهب بن جابر، فقيل لعروة: ما ترى في دينك (3) ؟ قال كرامة
أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء
الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم،
فادفنوني معهم، فدفنوه معهم فزعموا أن
__________
(1) الخبر في دلائل النبوة ج 5 / 28.
(2) زاد الواقدي: وهو الا ثبت عندنا.
(3) في ابن هشام: ما ترى في دمك.
(*)
(5/35)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال فيه " إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه " ؟
كذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر
الصديق، وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد، والصحيح أن ذلك قبل
حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق والله أعلم (1).
قال ابن اسحاق: ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا
بينهم، رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا
وأسلموا، فائتمروا فيما بينهم وذلك عن رأي عمرو بن أمية أخي بني علاج
فائتمروا بينهم ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم فأرسلوا عبد يا ليل
بن عمرو بن عمير ومعه اثنان من الاحلاف وثلاثة من بني مالك، وهم الحكم
بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب، وعثمان بن
أبي العاص، وأوس بن عوف أخو بني سالم، ونمير بن خرشة بن ربيعة.
وقال موسى بن عقبة: كانوا بضعة عشر (2) رجلا فيهم كنانة بن عبد ياليل -
وهو رئيسهم - وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد.
قال ابن اسحاق: فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة، ألفوا المغيرة بن
شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رآهم
ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب
ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والاسلام، إن شرط لهم رسول الله شروطا
ويكتبوا كتابا
في قومهم، فقال أبو بكر للمغيرة أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله
حتى أكون أنا أحدثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقدومهم، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم،
وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية
الجاهيلة، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت عليهم قبة
في المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول
الله.
فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خالد بن سعيد
قبلهم، وهو الذي كتب لهم كتابهم.
قال: وكان مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم
الطاغية ثلاث سنين، فما برحوا يسألونه سنه سنة ويأبى عليهم حتى سألوه
شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم فأبى عليهم أن يدفعها شيئا
مسمى إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة ليهدماها، وسألوه مع
ذلك أن لا يصلوا وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم فقال " أما كسر أصنامكم
بأيديكم فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه "
فقالوا
__________
(1) الخبر في سيرة هشام ج 4 / 182 وابن سعد ج 1 / 312 ومغازي الواقدي ج
3 / 960 وجميعهم قالوا: كان ذلك بعد رجوعه صلى الله عليه وآله من حصار
الطائف وقدومه المدينة.
ونقل البيهقي رواية عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة في الدلائل ج 5 /
299 - 300.
و 304 وابن عبد البر في الدرر (ص 247).
(2) في الواقدي: كانوا ستة، ويقال بضعة عشر فيهم سفيان بن عبد الله
وهذا ما جزم به ابن سعد، والذي قال في رواية أخرى: خرج مع عبد ياليل
وابناه كنانة وربيعة (والخمسة الذين ذكرهم ابن اسحاق: فساروا في سبعين
رجلا وهؤلاء الستة رؤوسائهم.
(ابن سعد 1 / 313 - مغازي الواقدي 3 / 963).
(*)
(5/36)
سنؤتيكها وإن
كانت دناءة (1).
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عفان، محمد بن مسلمة، عن حميد، عن الحسن،
عن عثمان بن أبي العاص: أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا ولا يستعمل عليهم
غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكم أن لا تحشروا (2) ولا
تجبوا ولا يستعمل عليكم
غيركم، ولا خير في دين لا ركوع فيه " (3) وقال عثمان بن أبي العاص: يا
رسول الله علمني القرآن واجعلني إمام قومي.
وقد رواه أبو داود من حديث أبي داود الطيالسي: عن حماد بن سلمة، عن
حميد به.
وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن الصباح، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم،
حدثني ابراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه، عن وهب سألت جابرا عن شأن ثقيف
إذ بايعت قال: اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة
عليها ولا جهاد، وأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك "
سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " (4).
قال ابن اسحاق: فلما أسلموا وكتب لهم كتابهم (5) أمر عليهم عثمان بن
أبي العاص - وكان
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 184 - 185 (2) الحشر: الانتداب إلى المغازي.
(3) رواه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 218 ورواه أبو داود في كتاب
الخراج باب ما جاء في خبر الطائف الحديث (3026).
(4) أخرجه أبو داود، الحديث (3025) ص (3 / 163).
(5) ذكره أبو عبيد في الاموال عن عروة بن الزبير، قال: هذا كتاب رسول
الله صلى الله عليه وآله لثقيف: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب
رسول الله صلى الله عليه وآله لثقيف، كتب: أن لهم ذمة الله الذي لا إله
إلا هو، وذمة محمد بن عبد الله النبي.
على ما كتب عليهم في هذه الصحيفة: أن واديهم حرام محرم لله كله: عضاه،
وصيده، وظلم فيه، وسرق فيه، أو إساءة.
وثقيف أحق الناس بوج ولا يعبر طائفهم.
ولا يدخله عليه أحد من المسلمين يغلبهم عليه.
وما شاؤوا أحدثوا في طائفهم من بنيان أو سواه بواديهم، لا يحشرون ولا
يعشرون، ولا يستكرهون بمال ولا نفس، وهم أمة من المسلمين يتولجون من
المسلمين حيثما شاؤوا، وأين تولجوا ولجوا، وما كان لهم من أسير فهو
لهم، هم أحق الناس به حتى يفعلوا به ما شاؤوا، وما كان لهم من دين في
رهن فبلغ أجله فإن لواط مبرأ من الله - وما كان من دين في رهن رواء
عكاظ فإنه يقضي إلى عكاظ برأسه.
وما كان لثقيف من دين في صحفهم اليوم الذي أسلموا عليه في الناس، فإنه
لهم.
وما كان لثقيف من وديعة في الناس، أو مال، أو نفس غنمها مودعها، أو
أضاعها، ألا فإنها مؤداة، وما كان لثقيف من نفس غائبة أو مال، فإن له
من الامن ما لشاهدهم، وما كان لثقيف من حليف أو تاجر، فأسلم فإن له مثل
قضية أمر ثقيف، وإن طعن طاعن على ثقيف أو ظلمهم ظالم، فإنه لا يطاع
فيهم في مال ولا نفس.
وإن الرسول ينصرهم على من ظلمهم، والمؤمنون.
ومن كرهوا أن يلج عليهم من الناس فإنه لا يلج عليهم.
وأن السوق والبيع بأفنية البيوت، وأن لا يؤمر عليهم إلا بعضهم على بعض:
على بني مالك أميرهم، وعلى الاخلاف أميرهم.
وما سقت ثقيف من أعناب قريش فإن شطرها لمن سقاها.
وما كان لهم من دين في رهن لم يلط فإن وجد ؟ أهله قضاء قضوا، وإن لم
يجدوا قضاء فإنه إلى جمادى الاولى من عام قابل، من بلغ أجله يقضه فإنه
قد لاطه.
= (*)
(5/37)
أحدثهم سنا -
لان الصديق قال: يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على
التفقه في الاسلام، وتعلم القرآن.
وذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان بن
أبي العاص في رحالهم فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن فإن وجده، نائما ذهب
إلى أبي بكر الصديق، فلم يزل دأبه حتى فقه في الاسلام (1) وأحبه رسول
الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا.
قال ابن اسحاق: حدثني سعيد بن أبي هند، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير،
عن عثمان بن أبي العاص.
قال: كان من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني
إلى ثقيف قال " يا عثمان تجوز في الصلاة، وأقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم
الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة " وقال الامام أحمد: حدثنا عفان،
حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن
عثمان بن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: "
أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " رواه
أبو داود والترمذي من حديث حماد بن سلمة به ورواه ابن ماجة عن أبي بكر
بن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن محمد بن اسحاق كما تقدم.
وروى أحمد: عن عفان، عن وهب، وعن معاوية بن عمرو عن زائدة كلاهما عن
عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن داود بن أبي عاصم، عن عثمان بن أبي
العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف أن قال " إذا
صليت بقوم فخفف بهم حتى
وقت لي أقرأ باسم ربك الذى خلق، وأشباهها من القرآن " وقال أحمد: حدثنا
محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت سعيد بن المسيب قال:
حدث عثمان بن أبي العاص.
قال: آخر ما عهد إلي رسول الله أن قال: " إذا أممت قوما فخفف بهم
الصلاة " (2) ورواه مسلم عن محمد بن مثنى وبندار كلاهما عن محمد بن
جعفر عن عبد ربه.
وقال أحمد حدثنا: أبو أحمد الزبيري، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن
يعلى الطائفي، عن عبد الله بن الحكم أنه سمع عثمان بن أبي العاص يقول
استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، فكان آخر ما عهد
إلي أن قال " خفف عن الناس الصلاة " تفرد به من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، أخبرنا عمرو بن
__________
= وما كان لهم في الناس من دين فليس عليهم إلا رأسه.
وما كان لهم من أسير باعه ربه فإن له بيعه، وما لم يبع فإن فيه ست
قلائص نصفين.
لبون كرام سمان.
وما كان له بيع اشتراه فإن له بيعه " " كتاب الاموال ص 87.
رقم 507.
ونقله الاحمدي في مكاتيب الرسول عنه ص 2 / 263.
وأوعز إليه البلاذري في فتوح البلدان ص 67 وياقوت في معجم البلدان
(الطائف) والكامل لابن الاثير ج 1 / 246 وطبقات ابن سعد، والعقد الفريد
ج 1 / 135.
(1) زاد البيهقي في رواية ابن عقبة: وكان يكتم ذلك من أصحابه، فأعجب
ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.
دلائل النبوة 5 / 301.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (37) الحديث (187) ورواه البيهقي في
الدلائل ج 5 / 306 من طريق يونس بن حبيب.
(*)
(5/38)
عثمان، حدثني
موسى - هو ابن طلحة - أن عثمان بن أبي العاص حدثه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمره أن يؤم قومه ثم قال: " من أم قوما فليخفف بهم فإن
فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء " ورواه
مسلم من حديث عمرو بن عثمان به.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، سمعت
أشياخا من ثقيف قالوا: حدثنا عثمان بن أبي العاص أنه قال قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأم قومك وإذا أممت قوما فخفف بهم الصلاة
فإنه يقوم فيها الصغير والكبير والضعيف والمريض وذو الحاجة " وقال
أحمد: حدثنا ابراهيم بن إسماعيل، عن الجريري عن أبي العلاء بن الشخير
أن عثمان قال: يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي، قال:
" ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن
يسارك ثلاثا " قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني (1).
ورواه مسلم من حديث سعيد الجريري به.
وروى مالك وأحمد ومسلم وأهل السنن من طرق عن نافع بن جبير بن مطعم عن
عثمان بن أبي العاص أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا
يجده في جسده فقال له " ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله
ثلاثا، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " وفي
بعض الروايات ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي
وغيرهم (2).
وقال أبو عبد الله بن ماجه: حدثنا محمد بن يسار (3)، ثنا محمد بن عبد
الله الانصاري، حدثني عيينة بن عبد الرحمن - وهو ابن جوشن - حدثني أبي،
عن عثمان بن أبي العاص.
قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض
لي شئ في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال " ابن أبي العاص ؟ " قلت نعم ! يا رسول الله !
قال " ما جاء بك ؟ " قلت يا رسول الله عرض لي شئ في صلاتي حتى ما أدري
ما أصلي قال " ذاك الشيطان أدن " فدنوت منه فجلست على صدور قدمي، قال:
فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال " أخرج عدو الله " فعل ذلك ثلاث مرات
ثم قال " الحق بعملك ".
قال فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد (3).
تفرد به ابن ماجه.
قال ابن اسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة
الثقفي عن بعض وفدهم قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا
بالسحور فإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع ؟ فيقول: قد تركت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتسحر لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول ما
نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها.
وروى
__________
(1) أخرجه مسلم في 39 كتاب السلام (25) باب الحديث (68).
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 5 / 307.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام (24) الحديث 67.
وأخرجه أبو داود في الطب.
باب كيف الرقى الحديث (3891).
وأخرجه الترمذي في الطب، وقال: حسن صحيح.
(3) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطب (46) باب الفزع والارق (الحديث: 3548)
وفيه: محمد بن بشار.
(*)
(5/39)
الامام أحمد
وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي،
عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن جده أوس بن حذيفة قال: قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال فنزلت الاحلاف على المغيرة
بن شعبة، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له كل
ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من
طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ثم يقول " لا آسى
وكنا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب
بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا " فلما كانت ليلة أبطأ عنا
الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا لقد أبطأت علينا الليلة ؟ فقال: " إنه
طرئ علي جزئي من القرآن فكرهت أن أجئ حتى أتمه " قال أوس سألت أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجزئون القرآن ؟ فقالوا ثلاث، وخمس،
وسبع، وتسع وإحدى عشر، وثلاث عشرة.
وحزب المفصل وحده لفظ أبو داود.
قال ابن اسحاق: فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين، بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة
في هدم الطاغية، فخرجا مع القوم، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن
يقدم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان وقال: ادخل أنت على قومك،
وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم (1)، فلما دخل المغيرة علاها يضربها
بالمعول، وقام قومه بني معتب دونه، خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة
بن مسعود، قال وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن: * لنبكين دفاع،
أسلمها الرضاع، لم يحسنوا المصاع (2) * قال ابن إسحاق: ويقول أبو
سفيان: والمغيرة يضربها بالفأس وآها لك آها لك، فلما هدمها المغيرة
وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان فقال: إن رسول الله قد أمرنا أن
نقضي عن
عروة بن مسعود وأخيه الاسود بن مسعود والد قارب بن الاسود دينهما من
مال الطاغية يقضي ذلك عنهما.
قلت: كان الاسود قد مات مشركا ولكن أمر رسول الله بذلك تأليفا وإكراما
لولده قارب بن الاسود رضي الله عنه.
وذكر موسى بن عقبة أن وفد ثقيف كانوا بضعة عشر رجلا، فلما قدموا أنزلهم
رسول الله المسجد ليسمعوا القرآن، فسألوه عن الربا والزنا والخمر فحرم
عليهم ذلك كله فسألوه عن الربة ما هو صانع بها ؟ قال " اهدموها " قالوا
هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها، فقال عمر بن
الخطاب: ويحك يا بن عبد ياليل ما أجهلك، إنما الربة حجر
__________
(1) الهدم، وفي نسخ البداية المطبوعة الهرم تحريف، والهدم: ماء وراء
وادي القرى.
(مراصد الاطلاع 2 / 1454).
(2) في ابن هشام: لتبكين.
ودفاع: سموها بذلك لانها - بزعمهم - تدفع عنهم الضرر.
الرضاع: اللئيم المصاع: المضاربة بالسيوف.
(*)
(5/40)
فقالوا: إنا لم
نأتك يا بن الخطاب، ثم قالوا: يا رسول الله تول أنت هدمها، أما نحن
فإنا لن نهدمها أبدا، فقال " سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها " فكاتبوه
على ذلك واستأذنوه أن يسبقوا رسله إليهم، فلما جاؤوا قومهم تلقوهم
فسألوهم ما وراءكم فأظهروا الحزن، وأنهم إنما جاؤوا من عند رجل فظ غليظ
قد ظهر بالسيف بحكم ما يريد وقد دوخ العرب، قد حرم الربا والزنا
والخمر، وأمر بهدم الربة، فنفرت ثقيف وقالوا لا نطيع لهذا أبدا، قال
فتأهبوا للقتال وأعدوا السلاح، فمكثوا على ذلك يومين - أو ثلاثة - ثم
ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا وأنابوا وقالوا: ارجعوا إليه فشارطوه
على ذلك وصالحوه عليه قالوا: فإنا قد فعلنا ذلك ووجدناه أتقى الناس
وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما
قاضيناه، فافهموا القضية واقبلوا عافية الله، قالوا: فلم كتمتمونا هذا
أولا ؟ قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا
مكانهم ومكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد أمر عليهم
خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة بن شعبة، فعمدوا إلى اللات، وقد استكفت
ثقيف رجالها ونساءها والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال ولا يرى عامة
ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ
الكرزين - يعني المعول - وقال لاصحابه: والله لاضحكنكم من ثقيف، فضرب
بالكرزين ثم سقط يركض برجله فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وفرحوا
وقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة، وقالوا لاولئك من شاء منكم
فليقترب، فقام المغيرة فقال: والله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع حجارة
ومدر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم إنه ضرب الباب فكسره.
ثم علا سورها وعلا الرجال معه، فما زالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها
بالارض، وجعل سادنها يقول: ليغضبن الاساس فليخسفن بهم، فلما سمع
المغيرة قال لخالد: دعني أحفر أساسها فحفروه حتى أخرجوا ترابها وجمعوا
ماءها وبناءها، وبهتت عند ذلك ثقيف، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقسم أموالها من يومه وحمدوا الله تعالى على اعتزاز دينه
ونصرة رسوله (1).
قال ابن اسحاق: وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن
عضاه وج (2) وصيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع
ثيابه، وإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا وإن هذا أمر النبي
محمد، وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد،
فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن الحارث - من أهل مكة مخزومي -
حدثني محمد بن عبد الله بن إنسان - وأثنى عليه خيرا - عن أبيه، عن عروة
بن الزبير قال: أقبلنا مع
__________
(1) لفظ موسى بن عقبة وروى الخبر عروة بن الزبير بمعناه، والرواية
اختصرها ابن عبد البر في الدرر (247)، ونقلها البيهقي في الدلائل ج 5 /
303.
(2) عضاه: واحدته عضة، شجر له شوك، ووج أرض الطائف.
وتقدم قريبا نص الكتاب بتمامه، فليراجع.
(*)
(5/41)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم من لية (1) حتى إذا كنا عند السدرة، وقف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في طرف القرن حذوها
فاستقبل محبسا ببصره - يعني واديا - ووقف حتى اتفق الناس كلهم ثم قال "
إن صيدوج وعضاهه حرم محرم لله " وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا،
وقد رواه أبو داود: من حديث محمد بن عبد الله بن انسان الطائفي وقد
ذكره ابن حبان في ثقاته.
وقال ابن معين ليس به بأس.
تكلم فيه بعضهم وقد ضعف أحمد والبخاري وغيرهما هذا الحديث، وصححه
الشافعي وقال بمقتضاه والله أعلم.
موت عبد الله بن أبي، قبحه الله قال
محمد بن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد.
قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في
مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه الموت قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " أما والله إن كنت لانهاك عن حب يهود " فقال: قد أبغضهم أسعد بن
زرارة فمه (2) ؟.
وقال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي في ليال بقين من شوال، ومات في ذي
القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسول الله يعوده فيها، فلما كان
اليوم الذي مات فيه دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود
بنفسه فقال " قد نهيتك عن حب يهود " فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة فما
نفعه ؟ ثم قال: يا رسول الله ليس هذا الحين عتاب هو الموت فاحضر غسلي
وأعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفني فيه وصل علي واستغفر لي، ففعل ذلك به
رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وروى البيهقي: من حديث سالم بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوا
مما ذكره الواقدي فالله أعلم.
وقد قال اسحاق بن راهويه (4): قلت لابي أسامة أحدثكم عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه
فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
عليه فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد
نهاك الله عنه، فقال رسول الله " إن ربي خيرني فقال استغفر لهم أو لا
تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيد على
السبعين " فقال إنه منافق أتصلي عليه ؟ فأنزل الله عز وجل * (ولا تصل
على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله) * [
التوبة: 84 ] فأقر به أبو أسامة وقال
نعم ! وأخرجاه في الصحيحين من حديث أبي أسامة (5)، وفي رواية للبخاري
وغيره قال عمر:
__________
(1) لية: ناحية من نواحي الطائف.
(2) نقل الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 285.
(3) رواه الواقدي في مغازيه (3 / 1057) ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج
5 / 285 و 288.
(4) في رواية البيهقي: اسحاق بن ابراهيم.
(5) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة براءة (12) باب، الحديث
(4670)، ومسلم في كتاب صفات المنافقين (الحديث: 3).
ونقله البيهقي من طريق ابراهيم بن أبي طالب ج 5 / 287.
(*)
(5/42)
فقلت يا رسول
الله تصلي عليه وقد قال في يوم كذا وكذا، وقال في يوم كذا وكذا وكذا !
! فقال " دعني يا عمر فإني بين خيرتين، ولو أعلم أني إن زدت على
السبعين غفر له لزدت " ثم صلى عليه فأنزل الله عز وجل * (ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * الآية.
قال عمر: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله
ورسوله أعلم.
وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: أتى
رسول الله صلى الله عليه سلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته
فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه - أو فخذيه - ونفث عليه من ريقه وألبسه
قميصه.
فالله أعلم (1).
وفي صحيح البخاري بهذا الاسناد مثله وعنده إنه إنما ألبسه قميصه مكافأة
لما كان كسى العباس قميصا حين قدم المدينة فلم يجدوا قميصا يصلح له إلا
قميص عبد الله بن أبي (2).
وقد ذكر البيهقي ها هنا قصة ثعلبة بن حاطب وكيف افتتن بكثرة المال
ومنعه الصدقة (3)، وقد حررنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى * (ومنهم
من عاهد الله لئن أتانا من فضله) * الآية.
[ التوبة: 75 ].
فصل قال ابن إسحاق: وكانت
غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يعدد أيام
الانصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر مواطنهم معه في أيام
غزوه، قال ابن هشام وتروى لابنه عبد الرحمن بن حسان:
ألست خير معد كلها نفرا * و ؟ شرا إن هموا عموا وإن حصلوا قوم هموا
شهدوا بدرا بأجمعهم * مع الرسول فما ألوا وما خذلوا وبايعوه فلم ينكث
به أحد * منهم ولم يك في إيمانه دخل (4) ويوم صبحهم في الشعب من أحد *
ضرب رصين كحر النار مشتعل ويوم ذي قرد يوم استثار بهم * على الجياد فما
خانوا وما نكلوا (5) وذا العشيرة جاسوها بخيلهم * مع الرسول عليها
البيض والاسل ويوم ودان أجلوا أهله رقصا * بالخيل حتى نهانا الحزن
والجبل
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (22) باب الحديث 1270 عن مالك بن
اسماعيل.
ومسلم في كتاب المنافقين (الحديث 2).
ونقله البيهقي في الدلائل من طريق سعدان بن نصر (5 / 286).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (142) باب الحديث (3008).
ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 286.
(3) دلائل النبوة - باب قصة حاطب بن ثعلبة وما ظهر فيها من الآثار ج 5
/ 289 من طريق عطية بن سعد عن ابن عباس.
(4) في ابن هشام: في إيمانهم.
(5) في ابن هشام: فما خاموا بدلا من فما خانوا.
(*)
(5/43)
وليلة طلبوا
فيها عدوهم * لله والله يجزيهم بما عملوا وليلة بحنين جالدوا معه *
فيها يعلهم في الحرب إذ نهلوا وغزوة يوم نجد ثم كان لهم * مع الرسول
بها الاسلاب والنفل وغزوة القاع فرقنا العدو به * كما يفرق دون المشرب
الرسل ويوم بويع كانوا أهل بيعته * على الجلاد فآسوة وما عدلوا وغزوة
الفتح كانوا في سريته * مرابطين فما طاشوا وما عجلوا ويوم خيبر كانوا
في كتيبته * يمشون كلهم مستبسل بطل
بالبيض نرعش الايمان عارية * تعوج بالضرب أحيانا وتعتدل ويوم سار رسول
الله محتسبا * إلى تبوك وهم راياته الاول وساسة الحرب إن حرب بدت لهم *
حتى بدا لهم الاقبال والقفل أولئك القوم أنصار النبي وهم * قومي أصير
إليهم حين أتصل ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم * وقتلهم في سبيل الله إذ
قتلوا ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أميرا على
الحج سنة تسع ونزول سورة براءة قال ابن إسحاق بعد ذكره وفود أهل الطائف
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان كما تقدم بيانه مبسوطا.
قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا
القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين
حجهم، وأهل الشرك على منازلهم من حجهم لم يصدوا بعد عن البيت ومنهم من
له عهد مؤقت إلى أمد، فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه بمن معه من
المسلمين وفصل عن البيت أنزل الله عز وجل هذه الآيات من أول سورة
التوبة * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا
في الارض أربعة أشهر) * إلى قوله * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس
يوم الحج الاكبر إن الله برئ من المشركين ورسوله) * إلى آخر القصة.
ثم شرح ابن إسحاق يتكلم على هذه الآيات وقد بسطنا الكلام عليها في
التفسير ولله الحمد والمنة، والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث عليا رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق ليكون معه ويتولى علي بنفسه
ابلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكونه ابن عمه من عصبته.
قال ابن إسحاق: حدثني حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي
أنه قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث
أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليقيم للناس الحج، قيل له يا رسول الله
صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها إلى بكر فقال " لا يؤدي عني إلا رجل من
أهل بيتي " ثم دعا علي بن أبي طالب فقال " اخرج بهذه القصة من صدر
براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، ألا إنه لا يدخل
الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك: ولا يطوف بالبيت عريان، ومن
(5/44)
كان له عند
رسول الله عهد فهو له إلى مدته " فخرج علي بن أبي طالب على ناقة رسول
الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصديق، فلما رآه
أبو بكر قال: أمير أو مأمور ؟ فقال بل مأمور، ثم مضيا فأقام أبو بكر
للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج، التي
كانوا عليها في الجاهلية، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب
فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجل [
الناس ] (1) أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو
بلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم
يطف بالبيت عريان، ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقد قال البخاري: باب حج أبي بكر رضي الله عنه بالناس سنة تسع: حدثنا
سليمان بن داود أبو الربيع، حدثنا فليح، عن الزهري عن حميد بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة
التي أمره عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن
في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن في البيت عريان.
وقال البخاري في موضع آخر: حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني
عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني
أبو بكر الصديق في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى
أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان.
قال حميد ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي فأمره أن يؤذن ببراءة
قال: أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة أن لا يحج
بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان (3).
وقال البخاري في كتاب الجهاد: حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب، عن
الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر
الصديق فيمن يؤذن يوم النحر بمنى، لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف
بالبيت عريان.
ويوم الحج الاكبر يوم النحر، وإنما قيل الاكبر من أجل قول الناس العمرة
الحج الاصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة
الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك.
ورواه مسلم من طريق الزهري به نحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن
الشعبي، عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه.
قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ما كنتم تنادون ؟ قالوا كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن،
ولا يطوف في البيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد فإن أجله - أو أمده - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الاربعة أشهر
__________
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 190 وبنحو سياقه رواه الواقدي في
المغازي ج 3 / 1077.
(3) أخرجه البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة التوبة (22) باب
فسيحوا في الارض...الحديث (4655).
(*)
(5/45)
فإن الله برئ
من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك.
قال فكنت أنادي حتى صحل صوتي (1).
وهذا إسناد جيد لكن فيه نكارة من جهة قول الراوي إن من كان له عهد
فأجله إلى أربعة أشهر، وقد ذهب إلى هذا ذاهبون ولكن الصحيح أن من كان
له عهد فأجله إلى أمده بالغا ما بلغ ولو زاد على أربعة أشهر ومن ليس له
أمد بالكلية فله تأجيل أربعة أشهر، بقي قسم ثالث وهو من له أمد يتناهى
إلى أقل من أربعة أشهر من يوم التأجيل وهذا يحتمل أن يلتحق بالاول،
فيكون أجله إلى مدته وإن قل، ويحتمل أن يقال إنه يؤجل إلى أربعة أشهر
لانه أولى ممن ليس له عهد بالكلية والله تعالى أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، عن سماك، عن أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث براءة مع أبي بكر فلما بلغ ذا
الحليفة قال " لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي " فبعث بها مع علي
بن أبي طالب.
وقد رواه الترمذي من حديث حماد بن سلمة وقال حسن غريب من حديث أنس.
وقد روى عبد الله بن أحمد: عن لوين، عن محمد بن جابر، عن سماك عن حلس
(2) عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أردف أبا بكر بعلي
فأخذ منه الكتاب بالجحفة رجع أبو بكر فقال: يا رسول الله نزل في شئ ؟
قال " لا ولكن جبريل جاءني فقال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك " وهذا
ضعيف الاسناد ومتنه فيه نكارة والله أعلم.
وقال الامام
أحمد: حدثنا سفيان عن أبي اسحاق عن زيد بن يثيع (3) - رجل من همدان -
قال: سألنا عليا بأي شئ بعثت يوم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
أبي بكر في الحجة ؟ قال بأربع، لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف
بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته ولا يحج
المشركون بعد عامهم هذا (4).
وهكذا رواه الترمذي من حديث سفيان - هو ابن عيينة - عن أبي اسحاق
السبيعي عن زيد بن يثيع عن علي به وقال حسن صحيح.
ثم قال وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق فقال عن زيد بن أثيل، ورواه الثوري
عن أبي إسحاق عن بعض أصحابه عن علي.
قلت: ورواه ابن جرير من حديث معمر، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا أبو زرعة
وهب الله بن رأشد أخبرنا حيوة بن شريح أخبرنا ابن صخر أنه سمع أبا
معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول سمعت أبا الصهباء البكري وهو يقول:
سألت علي بن أبي طالب عن يوم الحج الاكبر فقال إن رسول الله صلى الله
عليه سلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة يقيم للناس الحج، وبعثني معه
بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة، فلما قضى
خطبته التفت إلي فقال: قم يا علي فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه
سلم
__________
(1) صحل صوتي: أي حتى بح.
والخبر في مسند الامام أحمد ج 2 / 299.
(2) كذا بالاصل حلس، والصواب حنش وهو حنش بن المعتمر أو ابن ربيعة بن
المعتمر الكناني الكوفي، يروي عن علي وأبي ذر، وعنه الحكم وسماك بن
حرب...(خلاصة التهذيب / 81).
(3) في المسند: أثيع.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 1 / 79.
(*)
(5/46)
فقمت فقرأت
عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا فأتينا منى فرميت الجمرة ونحرت
البدنة ثم حلقت رأسي وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضورا كلهم خطبة أبي
بكر رضي الله عنه يوم عرفة، فطفت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم.
قال علي فمن ثم أخال حسبتم أنه يوم النحر، ألا وهو يوم عرفة.
وقد تقصينا الكلام على هذا المقام في التفسير وذكرنا أسانيد الاحاديث
والآثار
في ذلك مبسوطا بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
قال الواقدي (1) وقد كان خرج مع أبي بكر من المدينة ثلثمائة من الصحابة
منهم عبد الرحمن بن عوف، وخرج أبو بكر معه بخمس بدنات، وبعث معه رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة ثم أردفه بعلي فلحقه بالعرج (2)
فنادى ببراءة امام الموسم.
فصل كان في هذه السنة - أعني في سنة تسع -
من الامور الحادثة غزوة تبوك في رجب كما تقدم بيانه.
قال الواقدي وفي رجب منها مات النجاشي صاحب الحبشة ونعاه رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الناس.
وفي شعبان منها - أي من هذه السنة - توفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بن عبد المطلب، وقيل
غسلها نسوة من الانصار فيهن أم عطية.
قلت: وهذا ثابت في الصحيحين، وثبت في الحديث أيضا أنه عليه السلام لما
صلى عليها وأراد دفنها قال: " لا يدخله أحد قارف الليلة أهله " فامتنع
زوجها عثمان لذلك ودفنها أبو طلحة الانصاري رضي الله عنه ويحتمل أنه
أراد بهذا الكلام من كان يتولى ذلك ممن يتبرع بالحفر والدفن من الصحابة
كأبي عبيدة وأبي طلحة ومن شابههم فقال " لا يدخل قبرها إلا من لم يقارف
أهله من هؤلاء " إذ يبعد أن عثمان كان عنده غير أم كلثوم بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم، هذا بعيد والله أعلم وفيها صالح ملك أيلة وأهل
جرباء وأذرح وصاحب دومة الجندل كما تقدم إيضاح ذلك كله في مواضعه.
وفيها هدم مسجد الضرار الذي بناه جماعة المنافقين صورة مسجد وهو دار
حرب في الباطن فأمر به عليه السلام فحرق.
وفي رمضان منها قدم وفد ثقيف فصالحوا عن قومهم ورجعوا إليهم بالامان
وكسرت اللات كما تقدم.
وفيها توفي عبد الله بن أبي بن سلول رأس
المنافقين لعنه الله في أواخرها، وقبله بأشهر (3) توفي معاوية
بن معاوية الليثي - أو المزني - وهو الذي صلى عليه رسول
__________
(1) مغازي الواقدي 3 / 1077.
(2) العرج: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف، وقيل واد به (المراصد).
(3) قوله بأشهر، وفي نسخة بشهر، والمعروف أن ابن أبي مات في ذي القعدة،
ومعاوية بن معاوية مات بالمدينة
ورسول الله صلى الله عليه وآله بتبوك - وكانت تبوك في رجب - وهذا يجعل
قول من قال " شهر " بعيدا.
(*)
(5/47)
الله صلى الله
عليه وسلم وهو نازل بتبوك إن صح الخبر في ذلك.
وفيها حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس عن إذن رسول الله صلى الله عليه
وسلم له في ذلك.
وفيها كان قدوم عامة وفود أحياء العرب ولذلك تسمى سنة تسع سنة الوفود،
وها نحن نعقد لذلك كتابا برأسه اقتداء بالبخاري وغيره.
(5/48)
كتاب الوفود
(1) الواردين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن إسحاق: لما
افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف
وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه، قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة
أن ذلك في سنة تسع، وأنها كنت تسمى سنة الوفود، قال ابن إسحاق: وإنما
كانت العرب تربص بأسلامها أمر هذا الحي من قريش، لان قريشا كانوا إمام
الناس وهاديتهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد إسماعيل بن ابراهيم وقادة
العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى
الله عليه وسلم وخلافه، فلما افتتحت مكة ودانت به قريش ودوخها الاسلام،
عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
عداوته فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل * (أفواجا) * يضربون إليه من
كل وجه، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم * (إذا جاء نصر الله
والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره
إنه كان توابا) * أي فاحمد الله على ما ظهر من دينك، واستغفره إنه كان
توابا، وقد قدمنا حديث عمرو بن مسلمة قال: كانت العرب تلوم باسلامهم
الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما
كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم باسلامهم وبدر - أي قومي - باسلامهم،
فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا، قال صلوا صلاة كذا في حين
كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم
أكثركم قرآنا، وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري.
قلت: وقد ذكر محمد بن إسحاق ثم الواقدي والبخاري ثم البيهقي بعدهم من
الوفود ما هو متقدم تاريخ قدومهم على سنة تسع بل وعلى فتح مكة.
وقد قال الله تعالى * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح قاتل أولئك
أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) * [
الحديد: 10 ] وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح " لا هجرة ولكن
جهاد ونية " فيجب التمييز
__________
(1) انظر في تلك الوفود: (ابن سعد 1 / 291) تاريخ الطبري، ابن حزم
(259) سيرة ابن هشام (4 / 206).
السيرة الشامية (6 / 386) ودلائل البيهقي (5 / 309).
(*)
(5/49)
بين السابق من
هؤلاء الوافدين على زمن الفتح ممن يعد وفوده هجرة، وبين اللاحق لهم بعد
الفتح ممن وعد الله خيرا وحسنى، ولكن ليس في ذلك كالسابق له في الزمان
والفضيلة والله أعلم.
على أن هؤلاء الائمة الذين اعتنوا بايراد الوفود قد تركوا فيما أوردوه
أشياء لم يذكروها ونحن نورد بحمد الله ومنه ما ذكروه وننبه على ما
ينبغي التنبيه عليه من ذلك، ونذكر ما وقع لنا مما أهملوه إن شاء الله
وبه الثقة وعليه التكلان.
وقد قال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه،
عن جده، قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر
أربعمائة من مزينة وذاك في رجب سنة خمس فجعل لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم الهجرة في دارهم وقال: " أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى
أموالكم " فرجعوا إلى بلادهم، ثم ذكر الواقدي عن هشام بن الكلبي
باسناده: أن أول من قدم من مزينة خزاعي بن عبد نهم ومعه عشرة من قومه
فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسلام قومه، فلما رجع إليهم لم
يجدهم كما ظن فيهم فتأخروا عنه.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت أن يعرض بخزاعي من غير
أن يهجوه، فذكر أبياتا (1) فلما بلغت خزاعيا شكى ذلك إلى قومه فجمعوا
له وأسلموا معه وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوم
الفتح دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة - وكانوا يومئذ
ألفا - إلى خزاعي هذا، قال وهو أخو عبد الله ذو البجادين.
وقال البخاري رحمه الله: باب وفد بني تميم: حدثنا أبو نعيم، حدثنا
سفيان عن أبي صخرة، عن صفوان بن محرز المازني، عن عمران بن حصين، قال:
أتى نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، " اقبلوا
البشرى يا بني تميم " قالوا: يا رسول الله قد بشرتنا فأعطنا، فرئي ذلك
في وجهه ثم جاء نفر من اليمن فقال: " اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو
تميم " قالوا: قبلنا يا رسول الله.
ثم قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف، أن ابن
جريج أخبره عن ابن أبي مليكة، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم: أنه قدم
ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمر
القعقاع بن معبد بن زرارة، فقال عمر: بل أمر الاقرع بن حابس، فقال أبو
بكر ما أردت إلا خلافي فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت
أصواتهما، فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله
ورسوله) * حتى انقضت.
ورواه البخاري أيضا من غير وجه عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخرى قد ذكرنا
ذلك في التفسير عند قوله تعالى * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) *
الآية.
وقال محمد بن إسحاق: ولما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود
العرب قدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي في أشراف بني
تميم منهم: الاقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر التميمي - أحد بني سعد -
وعمرو بن الاهتم، والحتحات (2) بن يزيد، ونعيم بن يزيد،
__________
(1) ذكرها ابن سعد في الطبقات 1 / 292 ومنها: ألا أبلغ خزاعيا رسولا *
بأن الذم يغسله الوفاء (2) في نسخة الحجاب، وفي سيرة ابن هشام الحبحاب،
وقال ابن هشام: الحتات وهو الذي آخي رسول الله = (*)
(5/50)
وقيس بن
الحارث، وقيس بن عاصم أخو بني سعد في وفد عظيم من بنى تميم.
قال ابن إسحاق: ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وقد كان
الاقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة
وحنين والطائف، فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم، ولما دخلوا، المسجد
نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته أن أخرج إلينا يا
محمد، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم، فخرج إليهم
فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا.
قال: " قد أذنت لخطيبكم فليقل " فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد الله
الذي له علينا الفضل والمن وهو
أهله، الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف،
وجعلنا أعزة أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة.
فمن مثلنا في الناس، ألسنا برؤس الناس وأولي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد
ما عددنا، وإنا لو نشاء لاكثرنا الكلام ولكن نخشى (1) من الاكثار فيما
أعطانا، وإنا نعرف [ بذلك ] (2).
أقول هذا لان تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخي بني
الحارث بن الخزرج: " قم، فأجب الرجل في خطبته " فقام ثابت فقال: الحمد
الله الذي السموات والارض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم
يك شئ قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خيرته
رسولا أكرمه نسبا وأصدقه حديثا وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابا وائتمنه
على خلقه فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الايمان به
فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس احسابا،
وأحسن وجوها، وخير الناس فعالا.
ثم كان أول الخلق إجابة، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن
آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا وكان
قتله علينا يسيرا، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين
والمؤمنات، والسلام عليكم.
فقام الزبرقان بن بدر فقال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك
وفينا تنصب البيع (3) وكم قسرنا من الاحياء كلهم * عند النهاب وفضل
العز يتبع ونحن يطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع
(4) بما ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم نصطنع فننحر
الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شعبوا (5)
__________
= صلى الله عليه وآله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.
واختاره أيضا السهيلي.
(1) في ابن هشام: ولكنا نحيا.
(2) من ابن هشام.
(3) البيع: جمع بيعة، وهي موضع الصلاة.
(4) القزع: السحاب الرقيق.
(5) الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السنام.
(*)
(5/51)
فما ترانا إلى
حي نفاخرهم * إلا استفادوا وكانوا الرأس تقتطع فمن يفاخرنا في ذاك
نعرفه * فيرجع القوم والاخبار تستمع إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد * إنا
كذلك عند الفخر ترتفع قال ابن إسحاق: وكان حسان بن ثابت غائبا فبعث
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقام شاعر القوم فقال ما قال أعرضت في قوله وقلت على نحو ما
قال، فلما فرغ الزبرقان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن
ثابت: " قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال ".
فقال حسان: إن الذوائب من فهر وأخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع يرضى
بها كل من كانت سريرته * تقوى الاله وكل الخير يصطنع (1) قوم إذا
حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم
غير محدثة * إن الخلائق - فأعلم - شرها البدع إن كان في الناس سباقون
بعدهم * فكل سبق لادنى سبقهم تبع لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم * عند
الدفاع ولا يوهون ما رقعوا إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا
أهل مجد بالندى منعوا (2) أعفه ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطعمون ولا
يرديهم طمع لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع إذا
نصبنا لحي لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع (3) نسموا إذا الحرب
نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع كأنهم في
الوغى والموت مكتنع * أسد بحلية في أرساعها فدع خذ منهم ما أتوا عفوا
إذا غضبوا * ولا يكن همك الامر الذي منع ؟ وا فإن في حربهم - فاترك
عداوتهم - * شرا يخاض عليه السم والسلع أكرم بقوم رسول الله شيعتهم *
إذا تفاوتت الاهواء والشيع أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره * فيما أحب لسان
حائك صنع فإنهم أفضل الاحياء كلهم * إن جد في الناس جد القول أو شمعوا
(4) وقال ابن هشام: وأخبرني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم: أن
الزبرقان لما قدم على
__________
(1) رواية العجز في الديوان: تقوى الاله وبالامر الذي شرعوا.
(2) في ابن هشام: متعوا.
(3) الذرع: ولد البقرة الوحشية.
(4) شمعوا، وتروى سمعوا، قال السهيلي: ضحكوا، ومنها جارية شموع: أي
كثيرة الطرب.
(*)
(5/52)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم في وفد بني تميم قام فقال: أتيناك كيما يعلم الناس
فضلنا * إذا اختلفوا (1) عند احتضار المواسم بأنا فروع الناس في كل
موطن * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا *
ونضرب رأس الاصيد المتفاقم وإن لنا المرباع في كل غارة * تغير بنجد أو
بأرض الاعاجم قال فقام حسان فأجابه فقال: هل المجد إلا السؤدد العود
والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم نصرنا وآوينا النبي محمدا * على
أنف راض من معد وراغم بحي حريد أصله وثراؤه * بجابية الجولان وسط
الاعاجم
نصرناه لما حل بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم جعلنا بنينا دونه
وبناتنا * وطبنا له نفسا بفئ المغانم ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا *
على دينه بالمرهفات الصوارم ونحن ولدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي
الخير من آل هاشم (2) بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند
ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول من بين ظئر وخادم فان
كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله
ندا وأسلموا * ولا تلبسوا زيا كزي الاعاجم قال ابن إسحاق.
فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله، قال الاقرع بن حابس: وأبي، إن هذا
لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولاصواتهم
أعلا من أصواتنا.
قال: فلما فرغ القوم أسلموا، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأحسن جوائزهم، وكان عمرو بن الاهتم قد خلفه القوم في رحالهم، وكان
أصغرهم سنا، فقال قيس بن عاصم - وكان يبغض عمرو بن الاهتم - يا رسول
الله، إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث وأزرى به، فأعطاه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم، قال عمرو بن الاهتم حين
بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه: ظللت مفترش الهلباء تشتمني * عند الرسول
فلم تصدق ولم تصب سدناكم سؤددا رهوا وسؤددكم * باد نواجذه مقع على
الذنب
__________
(1) في ابن هشام: احتفلوا.
(2) في البيت إشارة أن أم عبد المطلب جد النبي كانت جارية من الانصار،
وهي سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية.
(*)
(5/53)
وقد روى الحافظ
البيهقي: من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا
حماد بن يزيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي.
قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر، وقيس بن
عاصم، وعمرو بن الاهتم.
فقال لعمرو بن الاهتم: " أخبرني عن الزبرقان، فأما هذا فلست أسألك عنه
" وأراه كان عرف قيسا، قال فقال: مطاع في أذنيه شديد العارضة، مانع لما
وراء ظهره.
فقال الزبرقان: قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال، قال فقال
عمرو: والله ما علمتك إلا زبر المروءة، ضيق العطن، أحمق الاب، لئيم
الخال، ثم قال: يا رسول الله قد صدقت فيهما جميعا أرضاني فقلت بأحسن ما
أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوء ما أعلم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن البيان سحرا " وهذا مرسل
من هذا الوجه.
قال البيهقي وقد روي من وجه آخر موصولا: أنبأنا أبو جعفر كامل بن أحمد
المستملي، ثنا محمد بن محمد بن محمد (1) بن أحمد بن عثمان البغدادي،
ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن (2) العلاف ببغداد، حدثنا علي بن حرب
الطائي، أنبأنا أبو سعد (3) بن الهيثم بن محفوظ عن أبي المقوم يحيى بن
يزيد الانصاري عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
قال: جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم، والزبرقان بن
بدر، وعمرو بن الاهتم التميميون، ففخر الزبرقان، فقال: يا رسول الله
أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم،
وهذا يعلم ذلك - يعني عمرو بن الاهتم - قال عمرو بن الاهتم: إنه لشديد
العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أذنيه.
فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه
أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو بن الاهتم: أنا أحسدك فوالله إنك للئيم
الخال، حديث المال، أحمق الوالد، مضيع في العشيرة، والله يا رسول الله
لقد صدقت فيما قلت أولا، وما كذبت فيما قلت آخرا.
ولكني رجل إذا رأيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت،
ولقد صدقت في الاولى والاخرى جميعا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من البيان سحرا " (4) وهذا
اسناد غريب جدا.
وقد ذكر الواقدي سبب قدومهم وهو أنه كانوا قد جهزوا السلاح على خزاعة
فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن بدر في خمسين ليس
فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة
وثلاثين صبيا فقدم رؤساهم بسبب أسرائهم ويقال قدم منهم
تسعين - أو ثمانين - رجلا في ذلك منهم عطارد والزبرقان، وقيس بن عاصم،
وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، والاقرع بن حابس، ورباح بن الحارث وعمرو
بن الاهتم، فدخلوا المسجد وقد
__________
(1) في الدلائل: محمد بن محمد بن أحمد...(2) في الدلائل: الحسين.
(3) في الدلائل: أبو سعد الهيثم.
(4) الخبر في دلائل النبوة مرسلا وموصولا ج 5 / 315 - 316 ورواه المزي
في تحفة الاشراف وقال: الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم سوى خمسة
أحاديث.
(*)
(5/54)
أذن بلال
الظهر، والناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم فعجل
هؤلاء فنادوه من وراء الحجرات، فنزل فيهم ما نزل، ثم ذكر الواقدي
خطيبهم وشاعرهم وأنه عليه الصلاة والسلام أجازهم على كل رجل اثني عشر
أوقية ونشا إلا عمرو بن الاهتم فإنما أعطي خمس أواق لحداثة سنه والله
أعلم (1).
قال ابن إسحاق: ونزل فيهم من القرآن قوله تعالى * (إن الذين ينادونك من
وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان
خيرا لهم والله غفور رحيم) * [ الحجرات: 4 ] قال ابن جرير: حدثنا أبو
عمار الحسين بن حريث المروزي، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد
عن أبي إسحاق عن البراء في قوله * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات)
*.
قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن حمدي
زين، وذمي شين.
فقال: " ذاك الله عز وجل " وهذا إسناد جيد متصل.
وقد روي عن الحسن البصري وقتادة مرسلا عنهما، وقد وقع تسمية هذا الرجل
فقال الامام أحمد: حدثنا عفاف، ثنا وهب، ثنا موسى بن عقبة، عن أبي سلمة
عن عبد الرحمن عن الاقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا محمد يا محمد، وفي رواية يا رسول الله فلم يجبه.
فقال: يا رسول الله إن حمدي لزين، وإن ذمي لشين.
فقال: " ذاك الله عز وجل ".
حديث في فضل بني تميم قال البخاري: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن
عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة.
قال: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقولها فيهم: " هم أشد أمتي على الدجال " وكانت فيهم سبية عند
عائشة فقال: " أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل " وجاءت صدقاتهم فقال: "
هذه صدقات قوم - أو قومي - " (2) وهكذا رواه مسلم عن زهير بن حرب به.
وهذا حديث يرد على قتادة ما ذكره صاحب الحماسة وغيره من شعر من ذمهم
حيث يقول: تميم بطرق اللوم أهدى من القطا * ولو سلكت طرق الرشاد لضلت
ولو أن برغوثا على ظهر قملة * رأته تميم من بعيد لولت
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سعد ج 1 / 293 - 294، قال وفيهم أنزل الله
تعالى: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) *.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (68) باب الحديث 4366.
(*)
(5/55)
|