البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
قدوم عمر بن معد يكرب في أناس من زبيد
قال إبن إسحاق: وقد كان عمرو بن معدي كرب قال لقيس بن مكشوح المرادي
حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس إنك سيد
قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقال
(1) إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيا كما يقول
فإنه لن يخفى علينا، إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه،
فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وصدقه وآمن به، فلما بلغ ذلك قيس بن
مكشوح أوعد عمرا وقال: خالفني وترك امري ورأيي.
فقال عمرو بن معدي كرب في ذلك: أمرتك يوم ذي صن * - عاء أمرا باديا
رشده (2) أمرتك باتقاء الله وال * - معروف تتعده خرجت من المنى مثل ال
* - حمير غره وتده تمناني على فرس * عليه جالسا أسده علي مفاضة كالن *
- نهي أخلص ماءه جدده ترد الرمح منثنى ال * - سنان عوائرا قصده (3) فلو
لاقيتني للقي * - ت ليثا فوقه لبده تلاقى شنبثا شثن ال * - براثن ناشزا
كتده (4) يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده فيأخذه فيرفعه * فيخفضه
فيقتصده فيدمغه فيحطمه * فيخمضه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أح * - رزت أنيابه ويده قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن
معد يكرب في قومه من بني زبيد، وعليهم فروة بن مسيك فلما توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرتد عمرو بن معدي كرب فيمن ارتد وهجا فروة بن
مسيك فقال: وجدنا ملك فروه شر ملك * حمار ساف منخره بثفر (5)
__________
(1) في ابن هشام: يقول.
(2) ذو صنعاء: اسم موضع.
(3) عوائر: متطايرة.
والقصد جمع قصدة وهي ما تكسر من الرمح.
(4) الشنبث: الاسد.
الشثن: الغليظ الاصابع.
(5) ساف: شم.
والثفر: في الحيوان بمنزلة الرحم من الانسان.
(*)
(5/84)
وكنت إذا رأيت
أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر قلت: ثم رجعت إلى الاسلام وحسن
إسلامه وشهد فتوحات كثيرة في أيام الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما
وكان من الشجعان المذكورين والابطال المشهورين والشعراء المجيدين توفي
سنة إحدى وعشرين بعدما شهد فتح نهاوند وقيل بل شهد القادسية وقتل يومئذ
قال أبو عمر بن عبد البر وكان وفوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
سنة تسع وقيل سنة عشر فيما ذكره ابن إسحاق والواقدي.
قلت: وفي كلام الشافعي ما يدل عليه.
فالله أعلم.
قال يونس عن ابن إسحاق: وقد قيل إن عمرو بن معدي كرب لم يأت النبي صلى
الله عليه وسلم وقد قال في ذلك: إنني بالنبي موقنة نف * سي وإن لم أر
النبي عيانا سيد العالمين طرا وأدنا * هم إلى الله حين بان مكانا جاء
بالناموس من لدن الله و * كان الامين فيه المعانا حكمة بعد حكمه وضياء
* فاهتدينا بنورها من عمانا
وركبنا السبيل حين ركب * - ناه جديدا بكرهنا ورضانا وعبدنا الاله حقا
وكنا * للجهالات نعبد الاوثانا وائتلفنا به وكنا عدوا * فرجعنا به معنا
إخوانا فعليه السلام والسلام منا * حيث كنا من البلاد وكانا إن نكن لم
نر النبي فإنا * قد تبعنا سبيله إيمانا قدوم الاشعث بن قيس في وفد كندة
قال ابن اسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الاشعث بن قيس،
في وفد كندة فحدثني الزهري أنه قدم في ثمانين راكبا من كندة، فدخلوا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده قد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم
جبب الحبرة، قد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لهم: ألم تسلموا ؟ قالوا: بلى ! قال فما بال هذا الحرير
في أعناقكم ؟ قال: فشقوه منها فألقوه.
ثم قال له الاشعث بن قيس: يا رسول الله نحن بنوا آكل المرار وأنت ابن
آكل المرار، قال، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ناسبوا
بهذا النسب العباس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث، وكانا تاجرين إذا
شاعا (1) في العرب فسئلا ممن أنتما ؟ قالا: نحن بنو آكل المرار يعني
ينسبان إلى كندة ليعزا في تلك البلاد لان كندة كانوا ملوكا، فاعتقدت
كندة أن قريشا منهم لقول عباس وربيعة نحن بنو آكل المرار وهو الحارث بن
عمرو (2) بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن
__________
(1) وفي رواية البيهقي عنه: إذا سارا.
(2) في ابن هشام: الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية...(*)
(5/85)
معاوية بن كندى
- ويقال ابن كندة - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.
" لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا (1) أمنا ولا ننتفي من أبينا ".
فقال لهم الاشعث بن قيس والله يا معشر كندة لا أسمع رجلا يقولها إلا
ضربته ثمانين.
وقد روي هذا الحديث متصلا من وجه آخر فقال الامام أحمد: حدثنا بهز
وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثني عقيل بن طلحة وقال عفان في
حديثه أنبأنا عقيل بن
طلحة السلمي: عن مسلم بن هيضم، عن الاشعث بن قيس أنه قال: أتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة - قال عفان - لا يروني أفضلهم،
قال قلت يا رسول الله: أنا ابن عم إنكم منا.
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن بنو النضر بن كنانة لا
نفقوا أمنا ولا ننتفي من أبينا ".
قال وقال الاشعث: فوالله لا أسمع أحد نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا
جلدته الحد (2).
وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، وعن محمد
بن يحيى عن سليمان بن حرب.
وعن هارون بن حيان، عن عبد العزيز بن المغيرة ثلاثتهم عن حماد بن سلمة
به نحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد،
عن الشعبي، حدثنا الاشعث بن قيس.
قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة فقال لي: هل
لك من ولد ؟ قلت غلام ولد لي في مخرجي إليك من ابنة جمد ولوددت أن
مكانه شبع القوم.
قال: لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا، ثم ولئن قلت ذاك
أنهم لمجبنة محزنة إنهم لمجبنة محزنة.
تفرد به أحمد وهو حديث حسن جيد الاسناد (3).
قدوم أعشى بن مازن على النبي صلى الله عليه
وسلم قال عبد الله بن الامام أحمد: حدثني العباس بن عبد العظيم
العنبري، ثنا أبو سلمة عبيد بن عبد الرحمن الحنفي، قال: حدثني الجنيد
بن أمين بن ذروة بن نضلة بن طريف بن نهصل الحرمازي، حدثني أبي أمين عن
أبيه ذروة عن أبيه نضلة: أن رجلا منهم يقال له الاعشى، واسمه عبد الله
الاعور كانت عنده امرأة يقال لها معاذة، خرج في رجب يمير أهله من هجر
فهربت امرأته بعده ناشزا فعادت برجل منهم يقال له مطرف بن نهشل (4) بن
كعب بن قميثع (5) بن ذلف بن أهضم بن عبد الله بن الحرماز فجعلها خلف
ظهره، فلما قدم لم يجدها في بيته وأخبر أنها
__________
(1) لا نقفوا أمنا: لا نتبع في نسبنا أمنا.
وقد كان من جدات النبي صلى الله عليه وآله من هي من كندة، قيل هي دعد
بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث الكندي، وهي أم كلاب بن مرة، وقيل بل هي
جدة كلاب، أم أمه هند (قاله السهيلي).
(2) رواه البيهقي في الدلائل من طريق اسماعيل بن حرب وحجاج ج 5 / 371.
وفي مسند الامام أحمد ج
5 / 211، 212.
(3) مسند الامام أحمد ج 5 / 211، 212.
(4) في المسند: مطرف بن بهصل..وفي الاصابة: مطرف بن بهصلة.
(5) في المسند: قميشع وفي الاصابة: قشع.
(*)
(5/86)
نشزت عليه،
وأنها عاذت بمطرف بن نهشل، فأتاه فقال: يا بن عم، أعندك امرأتي فادفعها
إلي قال: ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك، قال وكان مطرف أعز
منه قال: فخرج الاعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فعاذ به فأنشأ
يقول: يا سيد الناس وديان العرب * إليك أشكو ذربة من الذرب كالذئبة
العنساء (1) في ظل السرب * خرجت أبغيها الطعام في رجب فخلفتني بنزاع
وهرب * أخلفت الوعد ولطت بالذنب وقذفتني بين عصر مؤتشب * وهن شر غالب
لمن غلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " وهن شر غالب لمن غلب
".
فشكى إليه امرأته وما صنعت به وانها عند رجل منهم يقال له مطرف بن
نهشل.
فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم: إلى مطرف انظر امرأة هذا معاذة
فادفعها إليه، فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه، فقال
لها: يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيك فأنا دافعك إليه،
فقالت: خذ لي عليه العهد والميثاق وذمة نبيه، أن لا يعاقبني فيما صنعت
فأخذ لها ذلك عليه ودفعها مطرف إليه فأنشأ يقول: لعمرك ما حبي معاذة
بالذي * يغيره الواشي ولا قدم العهد ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها *
غواة الرجال إذ يناجونها بعدي قدوم صرد بن عبد الله الازدي في نفر من
قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم قال ابن إسحاق وقدم صرد بن عبد الله الازدي
على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من الازد، فأسلم وحسن إسلامه،
وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره أن
يجاهد بمن أسلم، من يليه
من أهل الشرك من قبائل اليمن.
فذهب فحاصر جرش (2) وبها قبائل من اليمن وقد ضوت إليهم خثعم، حين سمعوا
بمسيره إليهم فأقام عليهم قريبا من شهر، فامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم
حتى إذا كان قريبا من جبل: يقال له شكر فظنوا أنه قد ولى عنهم منهزما
فخرجوا في طلبه فعطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا وقد كان أهل جرش بعثوا
منهم رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فبينما هما
عنده بعد العصر إذ قال بأي بلاد الله شكر فقام الجرشيان فقالا: يا رسول
الله ببلادنا جبل يقال له كشر وكذلك تسمية أهل جرش فقال أنه ليس بكشر
ولكنه شكر قالا فما شأنه يا رسول الله فقال إن بدن الله لتنحر عنده
الآن، قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما، ويحكما إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن لينعى إليكما قومكما فقوما إليه
فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه ذلك فقال: "
اللهم أرفع عنهم " فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبر
__________
(1) في المسند: الغبشاء.
(انظر الخبر في مسند الامام أحمد ج 2 / 202).
(2) جرش: مخلاف من مخاليف اليمن (معجم البلدان).
(*)
(5/87)
عنهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم حتى قدموا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وحسن إسلامهم وحمى لهم حول قريتهم.
قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال الواقدي وكان ذلك في رمضان سنة تسع.
قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم باسلامهم
مقدمه من تبوك وهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان
قيل (1) ذي رعين ومعافر وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة (2)
الرهاوي باسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى
الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان، قيل ذي رعين ومعافر
وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإنه
قد وقع نبأ (3) رسولكم منقلبنا (4) من أرض الروم، فلقينا بالمدينة فبلغ
ما أرسلتم به، وخبرنا ما قبلكم،
وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم
وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم
خمس الله، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه، وما كتب على المؤمنين
في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب
(5) نصف العشر، وأن في الابل في الاربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من
الابل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الابل شاة، وفي كل عشر من الابل
شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين تبيع، جذع أو جذعة.
وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض
على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد
على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين، له ما لهم
وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو
نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن كان على
يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر
وأنثى، حر أو عبد دينار واف، من قيمة المعافري أو عرضه (6) ثيابا.
فمن أدى ذلك إلى رسول الله فأن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه
عدو لله ولرسوله، أما بعد فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي
يزن أن إذ إتاك رسلي فأوصيكم بهم خيرا: معاذ بن جبل
__________
(1) قيل: لقب، وهو الملك الذي دون الملك الاكبر، والجمع أقيال.
(2) في الواقدي: ابن مرارة.
(3) في الواقدي وابن هشام: وقع بنا.
(4) في الواقدي: مقفلنا.
والقفول الرجوع من السفر.
(5) في الطبري: المغرب بالميم، والغرب: الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد
الثور.
(6) في ابن هشام: أو عوضه.
(*)
(5/88)
وعبد الله بن
زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما
عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ
بن جبل فلا ينقلبن إلا
راضيا، أما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم
أن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت
المشركين، فابشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا فإن
رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاهل
بيته، وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن
مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيرا، وأني قد أرسلت إليكم من
صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم فآمركم بهم خيرا، فإنهم منظور
إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (1) وقد قال الامام أحمد:
حدثنا حسن، حدثنا عمارة عن ثابت عن أنس بن مالك: أن مالك ذي يزن أهدى
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا
وثلاثة وثلاثين ناقة.
ورواه أبو داود: عن عمرو بن عون الواسطي، عن عمارة بن زاذان الصيدلاني،
عن ثابت البناني عن أنس به.
وقد روى الحافظ البيهقي ها هنا (2) - حديث كتاب عمرو بن حزم فقال:
أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، ثنا أحمد بن عبد
الجبار، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي
بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن
يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره
فيه أمره، فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله يا
أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين
بعثه إلى اليمن أمره: بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه
والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق، كما أمره الله، وأن يبشر الناس
بالخير ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين، وأن ينهى
الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر الناس بالذي لهم
والذي عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرم
الظلم
__________
(1) الخبر ونص الكتاب في ابن هشام ج 4 / 235 - 236.
وانظره في الطبري 2 / 381، وفتوح البلدان 82، والسيرة الحلبية 3 / 258،
وأجزاء منه في طبقات ابن سعد 1 / 356، أبو عبيد في الاموال ص 13 - 27،
وأسد الغابة 2 / 146.
في شرح مفردا ؟ ؟ وتعابيره: - همدان بطن من كهلان، وهم بنو همدان بن
مالك بن زيد، سكنوا اليمن في مخلاف همدان وهو ما بين الغائط وتهامة
وسراة شمالي صنعاء.
أسلموا سنة عشر.
- معافر: قبيلة باليمن، وهو معافر بن يعفر بن مالك، بطن من كهلان،
وملوك معافر آل الكرندى من سبأ الاصغر، مخلافهم باليمن سمي باسمهم.
قال في النهاية: أنهم من القحطانية.
(2) دلائل النبوة ج 5 / 413.
(*)
(5/89)
ونهى عنه فقال:
[ تعالى ] * (ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله) *،
وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستأنف
الناس حتى يتفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج، وسننه وفرائضه،
وما أمره الله به والحج الاكبر الحج والحج الاصغر العمرة: وأن ينهى
الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعا فيخالف بين
طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى
السماء، ولا ينقض (1) شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى الناس إن كان
بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا
شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعى إلى العشائر والقبائل فليعطفوا [
فيه ] (2) بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر
الناس باسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين
وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها
وإتمام الركوع والسجود (3) وأن يغلس بالصبح وأن يهجر بالهاجرة حتى تميل
الشمس وصلاة العصر والشمس في الارض مبدرة والمغرب حين يقبل الليل لا
تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، [ وأمره بالسعي
إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها ] (4) وأمره أن يأخذ
من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما
سقى المغل (5) وفيما سقت السماء العشر وما سقى الغرب فنصف العشر، وفي
كل عشر من الابل شاتان، وفي عشرين أربع شياه وفي أربعين من البقر بقرة
وفي كل
ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم
سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين [ في الصدقة
] (6) فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا
من نفسه فدان دين الاسلام فانه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم،
ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يغير عنها وعلى كل حالم ذكر
وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه (7) من الثياب فمن أدى ذلك فإن له
ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا،
صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ".
قال الحافظ البيهقي: وقد روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة
ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة والديات وغير ذلك (8).
__________
(1) في ابن هشام: يعقص.
وفي الدلائل: يعقد.
(2) من الدلائل.
(3) في الدلائل: الركوع والخشوع، وفي ابن هشام: الركوع والسجود
والخشوع.
(4) سقطت من الاصل، واستدركت من الدلائل وابن هشام.
(5) كذا في الاصل المغل، وفي الدلائل: العين.
وابن هشام: ما سقت العين.
(6) من الدلائل.
(7) في ابن هشام والدلائل: عوضه.
(8) سنن البيهقي الكبرى 1 / 88، 309 و 8 / 189 و 10 / 128.
والكتاب في الطبري 2 / 388 وفتوح البلدان = (*)
(5/90)
قلت: ومن هذا
الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولا، وأبو داود في
كتاب المراسيل وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن ولله الحمد
والمنة، وسنذكر بعد الوفود بعث النبي صلى الله عليه وسلم الامراء إلى
اليمن لتعليم الناس وأخذ صدقاتهم وأخماسهم معاذ بن جبل وأبو موسى وخالد
بن الوليد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه
قال الامام أحمد (1): حدثنا أبو قطن، حدثني يونس، عن المغيرة بن شبل.
قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثم حللت عيبتي، ثم
لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرماني
الناس بالحدق، فقلت لجليسي يا عبد الله هل ذكرني رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: نعم ! ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في
خطبته وقال يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن، إلا
أن على وجهه مسحة ملك قال جرير: فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني.
قال أبو قطن: فقلت له سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل.
قال نعم ! ثم رواه الامام أحمد عن أبي نعيم، وإسحاق بن يوسف وأخرجه
النسائي من حديث الفضل بن موسى ثلاثتهم عن يونس عن أبي اسحاق السبيعي
عن المغيرة بن شبل - ويقال ابن شبيل - عن عوف البجلي الكوفي عن جرير بن
عبد الله وليس له عنه غيره.
وقد رواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد
عن قيس بن أبي حازم عن جرير بقصته: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل على
وجهه مسحة ملك " الحديث وهذا على شرط الصحيحين.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل، عن قيس عن جرير.
قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا
تبسم في وجهي.
وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن إسماعيل بن خالد، عن قيس بن
أبي حازم عنه.
وفي الصحيحين زيادة وشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا
أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري.
وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا (2) ".
ورواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس عنه وزاد
فيه - يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك، فذكر نحو ما
تقدم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عمرو:
عثمان بن أحمد السماك،
__________
= للبلاذري ص 80 وفي الجمهرة 1 / 62 وصبح الاعشى 10 / 9، وأبو داود
أخرجه في أول كتاب الزكاة وأوعز إليه في الاصابة وقال: أخرجه أبو داود
والنسائي وابن حبان والدارمي، وابن عبد البر في الاستيعاب وابن الاثير
في أسد الغابة 4 / 99.
(1) مسند الامام ج 4 / 360 - 364 وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 5 / 346
ورواه الطبراني برجال ثقات.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (154) الحديث (3020)، وفي كتاب
المغازي (62) باب الحديث (4355).
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (29) باب الحديث (137).
(*)
(5/91)
حدثنا الحسن بن
سلام السواق، حدثنا محمد بن مقاتل الخراساني، حدثنا حصين (1) بن عمر
الاحمسي، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد - أو (2) قيس بن أبي حازم - عن
جرير بن عبد الله.
قال: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فأتيته ] فقال: يا جرير
لاي شئ جئت ؟ قلت: أسلم على يديك يا رسول الله قال: فألقى علي كساء ثم
أقبل على أصحابه فقال " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ثم قال: يا جرير
أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله
واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وتصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة ففعلت ذلك فكان بعد ذلك
لا يراني إلا تبسم في وجهي (3)، هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إسماعيل بن أبي
خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله.
قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء
الزكاة والنصح لكل مسلم.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.
وهو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة عن جرير به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا زائدة، ثنا عاصم، عن سفيان
يعني - أبا وائل - عن جرير.
قال قلت يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط قال: " أبايعك على أن
تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح
المسلم، وتبرأ من الشرك ".
ورواه النسائي من حديث شعبة، عن الاعمش، عن أبي وائل، عن جرير وفي طريق
أخرى عن الاعمش عن منصور عن أبي وائل عن أبي نخيلة عن جرير به فالله
أعلم.
ورواه أيضا عن محمد بن قدامة، عن جرير، عن مغيرة عن أبي وائل والشعبي
عن جرير به ورواه عن جرير عبد الله بن عميرة رواه أحمد منفردا به وابنه
عبيد الله بن جرير أحمد أيضا منفردا به وأبو جميلة وصوابه نخيلة ورواه
أحمد والنسائي ورواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي وائل
عن رجل عن جرير فذكره، والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلي.
والله أعلم.
وقد ذكرنا
بعث النبي صلى الله عليه وسلم له حين أسلم
إلى ذي الخلصة بيت كان يعبده خثعم وبجيلة وكان يقال له الكعبة
اليمانية يضاهون به الكعبة التي بمكة ويقولون للتي ببكة الكعبة الشامية
ولبيتهم الكعبة اليمانية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا
تريحني من ذي الخلصة فحينئذ شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا
يثبت على الخيل فضرب بيده الكريمة في صدره حتى أثرت فيه وقال: " اللهم
ثبته واجعله هاديا مهديا ".
فلم يسقط بعد ذلك عن فرس ونفر إلى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من
قومه من أحمس فخرب ذلك البيت وحرقه حتى تركه مثل الجمل الاجرب، وبعث
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيرا يقال له: أبو أرطاة فبشره بذلك
فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات
والحديث مبسوط في الصحيحين وغيرهما كما قدمناه بعد الفتح استطرادا بعد
ذكر تخريب بيت العزى على يدي خالد بن
__________
(1) في الدلائل: حسين.
(2) في الدلائل: عن قيس.
(3) دلائل البيهقي ج 5 / 347، ورواه الطبراني وابن سعد عن جرير.
(*)
(5/92)
الوليد رضي
الله عنه.
والظاهر أن اسلام جرير رضي الله عنه كان متأخرا عن الفتح (1) بمقدار
جيد.
فإن الامام أحمد قال: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا زياد بن عبد الله بن
علاثة بن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن جرير بن عبد الله
البجلي.
قال: إنما أسلمت بعدما أنزلت المائدة وأنا رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يمسح بعدما أسلمت.
تفرد به أحمد وهو إسناد جيد اللهم إلا أن يكون منقطعا بين مجاهد وبينه،
وثبت في الصحيحين أن أصحاب عبد الله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في
مسح الخف لان إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة، وسيأتي في حجة
الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له استنصت الناس يا جرير
وإنما أمره بذلك لانه كان صبيا وكان ذا شكل عظيم كانت نعله طولها ذراع،
وكان من أحسن الناس وجها وكان مع هذا من أغض الناس طرفا.
ولهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال أطرق بصرك.
وفادة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي ابن (2) هنيد أحد
ملوك اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر بن عبد البر:
كان أحد أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم، ويقال إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بشر أصحابه قبل قدومه به وقال يأتيكم بقية أبناء الملوك
فلما دخل رحب به، وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه وقال: "
اللهم بارك في وائل وولده وولده ولده " واستعمله على الاقيال من حضرموت
وكتب معه ثلاث كتب، منها كتاب إلى المهاجر بن أبي أمية.
وكتاب إلى الاقيال والعباهلة وأقطعه أرضا وأرسل معه معاوية بن أبي
سفيان.
فخرج معه راجلا فشكى إليه حر الرمضاء فقال: انتعل ظل الناقة فقال: وما
يغني عني ذلك لو جعلتني ردفا.
فقال له وائل: اسكت فلست من أرداف الملوك ثم عاش وائل بن حجر حتى وفد
على معاوية وهو أمير المؤمنين فعرفه معاوية فرحب به وقربه وأدناه
وأذكره الحديث وعرض عليه جائزة سنية فأبى أن يأخذها، وقال أعطها من هو
أحوج إليها مني (3).
وأورد الحافظ البيهقي بعض هذا وأشار إلى أن البخاري
__________
(1) جابر بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضر بن ثعلبة البجلي الصحابي
يكنى أبا عمرو، وقيل يكنى: أبا عبد الله.
اختلف في وقت إسلامه، انظر الروايات المختلفة في ذلك: الاصابة ج 1 /
232 والاستيعاب لابن عبد البر على هامش الاصابة 1 / 232 وأسد الغابة ج
1 / 279.
(2) في الاستيعاب وأسد الغابة، أبو هنيدة.
(3) الخبر في الاستيعاب على هامش الاصابة 3 / 642 وانظر ترجمته في أسد
الغابة 5 / 80 والاصابة 3 / 628.
ودلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 349، وانظر التاريخ الكبير للبخاري (4 /
175 - 176) ورواه الطبراني، والبزار وأبو نعيم بنحوه.
وابن سعد في الطبقات 1 / 349 في وفد حضرموت.
أما الكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر: - من
المعجم الصغير للطبراني ص 243، ومعجم البلدان مادة (يبعث) فيه: (*)
(5/93)
في التاريخ روى
في ذلك شيئا.
وقد قال الامام أحمد حدثنا حجاج أنبأنا شعبة عن سماك بن
حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه
أرضا قال وأرسل معي معاوية أن أعطيها إياه - أو قال أعلمها إياه - قال
فقال معاوية أردفني خلفك فقلت لا تكون من أرداف الملوك قال فقال أعطني
نعلك فقلت انتعل ظل الناقة قال فلما استخلف معاوية أتيته فاقعدني معه
على السرير فذكرني الحديث - قال سماك - فقال وددت أني كنت حملته بين
يدي.
وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث شعبة وقال الترمذي صحيح.
وفادة لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال عبد الله بن الامام أحمد: كتب إلي ابراهيم بن حمزة بن
محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري: كتبت إليك بهذا الحديث وقد
عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث
__________
= * بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية لابناء معشر أبناء ضمعاج،
أقول شنوءة.
بما كان لهم فيها من ملك وموامر وعمران، وبحر وملحح ومحجر، وما كان لهم
من مال أترثوه بايعت، ومالهم فيها من مال بحضرموت: أعلاها وأسفلها، مني
الذمة والجوار، الله لهم جوار، والمؤمنون على ذلك أنصار.
- الصواب: أقوال شبوة.
وتروى الاقيال جمع قيل، ملك بلغة حمير.
- قوله موامر: الصواب مرامر، وهو الاراضي العامرة، وفي النهاية ومعجم
البلدان: مزاهر.
- من البيان والتبيين للجاحظ ج 2 / 21، والعقد الفريد باب الوفود،
ونهاية الارب للقلقشندي ص 220 ومعجم الطبراني الصغير ص 243 والطبقات
الكبرى لابن سعد 1 / 287 وأسد الغابة 3 / 38.
* بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى الاقيال العباهلة من أهل حضرموت، بإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، على التيعة السائمة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السيوب
الخمس، لا خلاط، ولا وراط، ولا شناق، ولا شغار، ولا جلب، ولا جنب،
وعليهم العون.
لسرايا المسلمين، على كل عشرة ما تحمل العراب فمن أجبى فقد أربى وكل
مسكر حرام.
شرح مفرداته: - التيعة: اسم لادنى ما يجب فيه الزكاة من الحيوان.
- التيمة: الشاة الزائدة على الاربعين حتى تبلغ الفريضة الاخرى.
- السيوب: الركاز، قال الزمخشري: يريد به المال المدفون في الجاهلية،
أو المعدن - خلاط: خلط الرجل ابله بإبل غيره - وراط: اخفاء الغنم عن
المصدق، والشناق: هو ما بين الخمس إلى التسع.
والشغار: نكاح معروف في الجاهلية.
- من طبقات ابن سعد ج 1 / 287 و 349.
* هذا كتاب من محمد النبي لوائل بن حجر قيل حضرموت وذلك انك أسلمت
وجعلت لك ما في يديك من الارضين والحصون وانه يؤخذ منك من كل عشرة واحد
ينظر في ذلك ذو عدل وجعلت لك أن لا تظلم فيها ما قام الدين والنبي
والمؤمنون عليه أنصار.
(*)
(5/94)
بذلك عني.
قال حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، حدثني عبد الرحمن بن عياش
السمعي الانصاري القبائي، من بني عمرو بن عوف، عن دلهم بن الاسود بن
عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط بن
عامر قال دلهم: وحدثنيه أبي الاسود، عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج
وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن
عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم المدينة انسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا.
فقال: " أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا
لاسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه " فقالوا أعلم لنا ما يقول رسول
الله ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضلال
ألا إني مسؤول هل بلغت ألا فاسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا أجلسوا (قال)
فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول
الله ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي
لسقطه.
فقال: " ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله "
وأشار بيده قلت وما هي ؟ قال علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا
تعلمونه.
وعلم [ المني حين يكون في الرحم قد
علمه ولا تعلمون وعلم ] ما في غد وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم
الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين (1) فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب
".
قال لقيط: قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا - وعلم يو الساعة.
قلنا (2): يا رسول الله علمنا مما لا يعلم الناس ومما تعلم، فإنا من
قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد، من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي
توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم،
ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شئ
إلا مات، والملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك عز وجل يطوف بالارض وقد خلت
عليه البلاد، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع
على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه تخلقه من عند
رأسه، فيستوي جالسا فيقول ربك عز وجل مهيم ؟ لما كان فيه - يقول: يا رب
أمس اليوم، فلعهده بالحياة يتحسبه حديثا بأهله.
قلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تفرقنا الرياح والبلى والسباع.
فقال: انبئك بمثل ذلك في آلاء الله في الارض أشرفت عليها وهي مدرة
بالية فقلت لا تحي أبدا.
ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك [ إلا ] أياما حتى أشرفت عليها
وهي شرية (3) واحدة فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن
يجمع نبات الارض فتخرجون من الاصواء (4) ومن مصارعكم فنتظرون إليه
وينظر إليكم.
قال: قلت: يا رسول الله
__________
(1) الازل: الشدة، والمسنتين: من أصابتهم السنة - أي القحط.
(2) في المسند: قلت: يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم.
(3) الشرية: شجر الحنظل، والشرية بفتح الراء: الطريقة.
(4) الاصواء: القبور (*)
(5/95)
وكيف ونحن ملء
الارض، وهو عز وجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه فقال: أنبئك بمثل
ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة
واحدة لا تضارون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه
من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما.
قلت: يا رسول الله فما يفعل [ بنا ] ربنا إذا لقيناه ؟ قال تعرضون عليه
بادية له
صحائفكم ولا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من
الماء فينضح قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة فأما
المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة (1) البيضاء وأما الكافر فتخطمه بمثل
الحمم الاسود ألا ثم ينصرف نبيكم، وينصرف على أثره الصالحون فتسلكون
جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول حس فيقول ربك عز وجل أوانه (2)
فتطلعون على حوض الرسول على أطماء والله ناهلة عليها ما رأيتها قط،
فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف
والبول والاذى وتحبس الشمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا قال قلت: يا
رسول الله فيم نبصر ؟ قال مثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في
يوم أشرقته الارض وواجهته الجبال.
قال قلت: يا رسول فيم نجزي من سيآتنا وحسناتنا.
قال: الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو.
قال قلت: يا رسول الله أما الجنة وأما النار.
قال: لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن [ بابان ] (3) إلا يسير
الراكب بينهما سبعين عاما [ وان للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان إلا
يسير الراكب بينهما سبعين عاما ] قلت: يا رسول الله فعلام نطلع من
الجنة قال: على أنهار من عسل مصفى وأنها من كأس، ما بها من صداع ولا
ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك، ما
تعلمون وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة قلت: يا رسول الله ولنا فيها
أزواج أو منهن مصلحات قال: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في
الدنيا، ويلذونكم غير أن لا توالد.
قال لقيط: قلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه [ فلم يجبه النبي صلى
الله عليه وسلم ] قلت: يا رسول الله علام أبايعك فبسط [ النبي ] يده
وقال على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك، وأن لا تشرك بالله
إلها غيره.
قال قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه وسلم
يده وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه.
قال قلت: تحل منها حيث شئنا ولا يجني منها امرؤ إلا على نفسه، فبسط يده
وقال: وذلك لك تحل حيث شئت ولا تجئ عليك إلا نفسك قال فانصرفنا عنه.
ثم قال: إن هذين من [ لعمر إلهك ] أتقى الناس [ في ] الاولى والآخرة
فقال: له كعب بن الخدارية أحد بني كلاب منهم: يا رسول الله بنو المنتفق
أهل ذلك منهم ؟ قال: فانصرفنا
وأقبلت عليه - وذكر تمام الحديث إلى أن قال - فقلت: يا رسول الله هل
لاحد ممن مضى خير في
__________
(1) الريطة: الثوب اللين الرقيق.
(2) الاوان: الحين والزمان.
(3) من مسند أحمد، وفي الاصل: باب.
(*)
(5/96)
جاهليته قال:
فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار، قال: فلكأنه
وقع حر بين جلدتي وجهي ولحمي مما قال.
لاني على رؤس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم إذا الاخرى
أجمل فقلت يا رسول الله: وأهلك ؟ قال: وأهلي لعمر الله، ما أتيت [ عليه
] (1) من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشرك بما
يسوءك تجر على وجهك، وبطنك في النار.
قال قلت: يا رسول الله ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا
إياه وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون.
قال: ذلك بأن الله يبعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه
كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين.
هذا حديث غريب جدا وألفاظه في بعضها نكارة وقد أخرجه الحافظ البيهقي في
كتاب البعث والنشور، وعبد الحق الاشبيلي في العاقبة والقرطبي في كتاب
التذكرة في أحوال الآخرة وسيأتي في كتاب البعث والنشور إن شاء الله
تعالى.
وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو
أحمد (2) الاسد اباذي بها أنبأنا أبو بكر [ أحمد بن جعفر بن حمدان ] بن
مالك القطيعي [ حدثنا: أبو علي: بشر بن موسى ] حدثنا أبو عبد الرحمن
المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، حدثني زياد بن نعيم الحضرمي،
سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدث.
قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام، فأخبرت
أنه قد بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله أردد الجيش وأنا لك
باسلام قومي وطاعتهم.
فقال لي: اذهب فردهم، فقلت: يا رسول الله ! إن راحلتي قد كلت، فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردهم.
قال
الصدائي: وكتبت إليهم كتابا فقدم وفدهم باسلامهم، فقال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يا أخا صداء ! إنك لمطاع في قومك، فقلت بل هو الله
هداهم للاسلام فقال: " أفلا أومرك عليهم " قلت: بلى يا رسول الله، فكتب
لي كتابا أمرني.
فقلت.
يا رسول الله مر لي بشئ من صدقاتهم، قال: نعم ! فكتب لي كتابا آخر.
قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره.
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون
عاملهم، ويقولون: أخذنا بشئ كان بيننا وبين قومه في الجاهلية.
فقال رسول الله: أو فعل ذلك ؟ قالوا: نعم ! فالتفت رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: لا خير في الامارة لرجل مؤمن،
قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله
أعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الناس عن ظهر غنى
فصداع في الرأس وداء في البطن ".
فقال السائل: أعطني من الصدقة، فقال رسول الله إن [ الله ] لم يرض في
الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن
كنت من تلك
__________
(1) ما وقع بين معكوفتين في الحديث من مسند الامام أحمد ج 4 / 13، 14
(2) الاسد أبادي واسمه الحسين بن علوش بن محمد بن نصر.
(*)
(5/97)
الاجزاء
أعطيتك.
قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني غني وإني سألته من الصدقة، قال: ثم
إن رسول الله اعتشى (1) من أول الليل فلزمته، وكنت قريبا، فكان أصحابه
ينقطعون عنه، ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة
الصبح، أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر ناحية
المشرق إلى الفجر، ويقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف
إلي وهو متلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء ؟ قلت: لا إلا شئ
قليل لا يكفيك، فقال: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت فوضع كفه في
الماء قال: فرأيت بين أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لولا أني استحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا " ناد
في أصحابي من له حاجة في الماء، فناديث فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا ثم
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال
له رسول الله: إن أخا
صداء أذن ومن أذن فهو يقيم ".
قال الصدائي: فأقمت، فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت
يا رسول الله أعفني من هذين.
فقال: ما بدا لك ؟ فقلت سمعتك يا رسول الله تقول: لا خير في الامارة
لرجل مؤمن، وأنا أو من بالله وبرسوله وسمعتك تقول للسائل: من سأل الناس
عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وسألتك وأنا غني.
فقال: هو ذاك فإن شئت فاقبل وإن شئت فدع فقلت أدع فقال لي رسول الله:
فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه
فأمره عليهم، ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا
ماؤها، واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه
حولنا، فقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا
ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق ! فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن،
ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فالقوا واحدة واحدة
واذكروا الله.
قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها
- يعني البئر (2).
وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه.
وقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث بعد عمرة
الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلي بلاد صداء فيوطئها،
فبعثوا رجلا منهم فقال جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم، ثم قدم
وفدهم خمسة عشر رجلا، ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل، ثم روى
الواقدي: عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم عن
زياد بن الحارث الصدائي قصته في الاذان.
__________
(1) اعتشى: أي سار وقت العشاء.
(2) خبر قدوم زياد رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 355 ورواه البغوي
وابن عساكر وحسنه، ونقله الصالحي في السيرة الشامية 6 / 532.
وعن الواقدي روى ابن سعد في الطبقات ج 1 / 326 - 327.
أجزاء منه.
(*)
(5/98)
وفادة الحارث
بن حسان البكري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد:
حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو المنذر: سلام بن سليمان النحوي،
حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن الحارث البكري.
قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها.
فقالت: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي إليه ؟
قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء
تخفق وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما
شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها.
قال: فجلست منزله أو قال رحله، فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت فسلمت،
فقال: هل كان بينكم وبين تميم شئ ؟ قلت: نعم ! وكانت الدائرة عليهم
ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي
بالباب، فأذن لها فدخلت.
فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل
الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله أين يضطر مضرك
قال قلت: إن مثلي ما قال الاول معزى حملت حتفها حملت هذه ولا أشعر أنها
كانت لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد.
قالت: هي وما وافد عاد ؟ وهي أعلم بالحديث منه ولكن تستطعمه.
قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر،
فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال الجرادتان، فلما مضى
الشهر خرج إلى جبال مهرة (1) فقال: اللهم انك تعلم لم أجئ إلى مريض
فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه.
فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي
منها: خذها رمادا رمددا، لا تبقي من عاد أحدا.
قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا
حتى هلكوا قال - أبو وائل وصدق - وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا
وافدا لهم قالوا: لا يكن كوافد عاد.
وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي المنذر سلام بن سليمان به،
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن
أبي النجود، عن الحارث البكري، ولم يذكر أبا وائل وهكذا رواه الامام
أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث والصواب عن عاصم عن أبي
وائل عن الحارث كما تقدم (2).
وفادة عبد الرحمن بن أبي عقيل (3) مع قومه
قال أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف
السوسي، أنبأنا أبو
__________
(1) في رواية أبي وائل: جبال تهامة.
(2) مسند الامام أحمد ج 3 / 481 و 482.
(3) اخنلفوا في نسبه، قال الكلبي: هو عبد الرحمن بن أبي عقيل بن مسعود
بن معتب بن مالك كعب بن عمرو بن = (*)
(5/99)
جعفر: محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، أنبأنا علي بن الجعد (1) عبد
العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو خالد يزيد الاسدي، ثنا
عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن
أبي عقيل.
قال: انطلقت في وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا
بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فلما دخلنا
وخرجنا فما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه.
قال: فقال قائل منا: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان ؟
قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " فلعل صاحبك عند الله
أفضل من ملك سليمان، إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة،
فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه
فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لامتي يوم
القيامة " (2). |