البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه روى الحافظ البيهقي: من طريق أبي جناب الكلبي، عن جامع بن شداد المحاربي، حدثني رجل من قومي يقال له طارق بن عبد الله قال: إني لقائم بسوق ذي المجاز، إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل يتبعه يرميه بالحجارة " وهو يقول " يا أيها الناس إنه كذاب " فقلت من هذا ؟ فقالوا هذا غلام من بني هاشم، يزعم أنه رسول الله قال قلت: من هذا الذي يفعل به هذا.
قالوا: هذا عمه عبد العزى، قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلما دنونا من حيطانها ونخلها، قلت: لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه، إذا رجل في طمرين، فسلم علينا وقال: من أين
أقبل القوم ؟ قلنا: من الربذة، قال: وأين تريدون ؟ قلنا، نريد هذه المدينة.
قال: ما حاجتكم منها ؟ قلنا: نمتار من تمرها، قال: ومعنا ظعينة لنا ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعوني جملكم هذا ؟ قلنا: نعم ! بكذا وكذا صاعا من تمر.
قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئا، وأخذ بخطام الجمل وانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن يعرف ولا أخذنا له ثمنا قال: تقول المرأة التي معنا والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر أنا ضامنة لثمن جملكم، إذ أقبل الرجل فقال: [ أنا ] رسول الله إليكم، هذا تمركم فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا، فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا فاستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: " تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك.
إذ
__________
= سعد بن عوف بن ثقيف، واجمعوا على انه من ثقيف وان له صحبة.
قال في الاستيعاب: له صحبة صحيحة.
(1) في الدلائل: علي بن عبد العزيز.
(2) الخبر في الدلائل للبيهقي ج 5 / 358.
ورواه ابن منده والطبراني والبزار برجال ثقات.
(*)

(5/100)


أقبل رجل من بني يربوع أو قال: رجل من الانصار فقال: يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية.
فقال: " إن أبا لا يجني على ولد ثلاث مرات " (1).
وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه.
ورواه الحافظ البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع عن (2) طارق بطوله كما تقدم.
وقال فيه فقالت الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.
قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان
قال ابن إسحاق: وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي، ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا باسلامه وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام، فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذه فحبسوه عندهم.
فقال في محبسه ذلك: طرقت سليمى موهنا أصحابي * والروم بين الباب والقروان (3) صد الخيال وساءه ما قد رأى * وهممت أن أغفى وقد أبكاني لا تكحلن العين بعدي إثمدا * سلمى ولا تدين للاتيان ولقد علمت أبا كبيشة أنني * وسط الاعزة لا يحصن لساني فلئن هلكت لتفقدن أخاكم * ولئن بقيت ليعرفن مكاني ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان قال: فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم يقال له عفرى بفلسطين.
قال: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل على ناقة (4) لم يضرب الفحل أمها * مشذبة (5) أطرافها بالمناجل قال: وزعم الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال: بلغ سراة المسلمين بأنني * سلم لربي أعظمي ومقامى قال ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء، رحمة الله ورضي عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه.
__________
(1) الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 380 - 381.
(2) من الدلائل، وفي الاصل ونسخ البداية المطبوعة " بن " تحريف.
(3) القروان: جمع قرو: وهو حوض من خشب تسقى فيه الدواب وتلغ فيه الدواب.
(4) في دلائل البيهقي: على بكرة.
(5) في نسخ البداية المطبوعة: يشد به.
والمشذبة: التي أزيلت أغصانها.
(*)

(5/101)


قدوم تميم الداري على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان من آمن به أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزي بنيسابور، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن القاضي، أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبير، أنبأنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقي إنسانا يجر شعره، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا الجساسة (1) قالوا: فأخبرنا، قال: لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة، فدخلناها فإذا رجل مقيد، فقال: من أنتم ؟ قلنا ناس من العرب، قال: ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم ؟ قلنا: قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه.
قال: ذلك خير لهم، قال: أفلا تخبروني عن عين زغر (2) ما فعلت ؟ فأخبرناه عنها، فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار، ثم قال: ما فعل نخل بيسان هل أطعم بعد، فأخبرناه أنه قد أطعم، فوثب مثلها ثم قال: أما لو قد أذن لي في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة.
قالت: فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس، فقال: هذه طيبة وذاك الدجال (3) وقد روى هذا الحديث الامام أحمد ومسلم وأهل السنن، من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن فاطمة بنت قيس وقد أورد له الامام أحمد شاهدا من رواية أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب الفتن.
وذكر الواقدي وفد الدارين من لخم وكانوا عشرة.
وفد بني أسد وهكذا ذكر الواقدي: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنة تسع وفد بني أسد وكانوا عشرة، منهم ضرار بن الازور، ووابصة بن معبد، وطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن إسلامه، ونفادة بن عبد الله بن خلف (4).
فقال له رئيسهم: حضرمي بن عامر يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم، في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا.
فنزل فيهم
* (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للاسلام إن كنتم صادقين) * [ الحجرات: 17 ].
وكان فيهم قبيلة يقال لهم بنو الرتية (5) فغير اسمهم فقال أنتم بنو
__________
(1) سميت بالجساسة لتجسسها الاخبار للدجال، وعن عمرو بن العاص أنها دابة الارض المذكورة في القرآن.
(2) عين زغر: بضم أوله وفتح ثانيه.
قرية بمشارف الشام.
(3) أخرج الحديث البيهقي في الدلائل ج 5 / 416 - 417.
ورواه مسلم في كتاب الفتن (24) باب، الحديث (121) والحديث (119) مطولا.
(4) في طبقات ابن سعد: نقادة بالقاف، وله ترجمة في الاصابة، وذكره بالقاف وبالفاء.
(5) في ابن سعد عن الواقدي: بني الزنية.
(*)

(5/102)


الرشدة، وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفادة بن عبد الله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب وللحلب من غير أن يكون لها ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له، فجاء بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلبها فشرب منها وسقاه سؤره ثم قال: " اللهم بارك فيها وفيمن منحها " فقال: يا رسول الله وفيمن جاء بها فقال " وفيمن جاء بها ".
وفد بني عبس ذكر الواقدي: أنهم كانوا تسعة نفر وسماهم الواقدي فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا عاشركم " وأمر طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم يا عشرة، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن خالد بن سنان العبسي الذي قدمنا ترجمته في أيام الجاهلية، فذكروا أنه لا عقب له، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش قدمت من الشام وهذا يقتضي تقدم وفادتهم على الفتح والله أعلم.