البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
وفد بني فزارة
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة
السعدي.
قال: لما رجع رسول الله من تبوك وكان سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة
بضعة عشر رجلا، فيهم،
خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن، وهو أصغرهم، على ركاب عجاف،
فجاؤو مقرين بالاسلام، وسألهم رسول الله عن بلادهم.
فقال أحدهم: يا رسول الله أسننت بلادنا، وهلكت مواشينا وأجدب جناتنا
(1)، وغرث عيالنا، فادع الله لنا، فصعد رسول الله المنبر ودعا فقال: "
اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا
غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار، اللهم
اسقنا سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا
الغيث وانصرنا على الاعداء ".
قال فمطرت فما رأوا السماء سبتا (2) فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال:
" اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام والظراب وبطون الادوية ومنابت
الشجر، فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب " (3).
وفد بني مرة قال الواقدي: إنهم
قدموا سنة تسع، عند مرجعه من تبوك، وكانوا ثلاثة عشر رجلا منهم الحارث
بن عوف، فأجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة، وأعطى الحارث بن عوف
ثنتي عشرة
__________
(1) في ابن سعد جنابنا، والجناب: الناحية.
وأسننت: أي أصابتها السنة أي أجدبت ؟ ؟ وغرث: أي جاع.
(2) في ابن سعد: ستا.
(3) خبر قدوم وفود بني أسد وبني عبس وبني فزارة ذكره ابن سعد في
الطبقات عن الواقدي في ج 1 / 292 و 295 و 296.
(*)
(5/103)
أوقية، وذكروا
أن بلادهم مجدبة فدعا لهم.
فقال: " اللهم اسقهم الغيث " فلما رجعوا إلى بلادهم، وجدوها قد مطرت
ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفد بني ثعلبة قال الواقدي: حدثني
موسى بن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني ثعلبة عن أبيه.
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان،
قدمنا عليه أربعة نفر، فقلنا: نحن رسل من خلفنا من قومنا، وهم يقرون
بالاسلام، فأمر لنا بضيافة، وأقمنا أياما ثم جئناه لنودعه فقال
لبلال: أجزهم كما تجيز للوفد، فجاء ببقر (1) من فضة، فأعطى كل رجل منا
خمس أواق، وقال: ليس عندنا دراهم، وانصرفنا إلى بلادنا.
وفد بني محارب قال الواقدي: حدثني
محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي.
قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر فيهم: سواء بن
الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وكان بلال
يأتيهم بغداء وعشاء، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد
في تلك المواسم أفظ ولا أغلظ على رسول الله منهم، وكان في الوفد رجل
منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد الله الذي أبقاني
حتى صدقت بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه القلوب بيد الله عز وجل "
ومسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز
الوفد، وانصرفوا إلى بلادهم (2).
وفد بني كلاب ذكر الواقدي: أنهم
قدموا سنة تسع وهم ثلاثة عشر رجلا، منهم: لبيد بن ربيعة الشاعر، وجبار
بن سلمى، وكان بينه وبين كعب بن مالك خلة، فرحب به وأكرمه وأهدى إليه،
وجاؤوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه بسلام
الاسلام، وذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله
وسنة رسوله التي أمره الله بها ودعاهم إلى الله فاستجابوا له وأخذ
صدقاتهم من أغنيائهم فصرفها على فقرائهم.
وفد بني رؤاس بن (3) كلاب ثم ذكر
الواقدي: أن رجلا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن
__________
(1) في ابن سعد عن الواقدي: بنقر.
وبقر: قدر كبيرة واسعة، من التبقر أي التوسع أو سماها بذلك لانها تسع
بقرة بتمامها (عن النهاية).
(2) في ابن سعد 1 / 299 عن الواقدي: إلى أهلهم.
(3) من طبقات ابن سعد وفي الاصل: من.
(*)
(5/104)
كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الله فقالوا: حتى نصيب من بني عقيل
مثل ما أصابوا منا، فذكر مقتلة كانت بينهم وأن عمرو بن مالك هذا قتل
رجلا من بني عقيل قال: فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبلغه ما صنعت فقال لئن أتاني لاضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت
سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض فأتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن
يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز وجل
ليرتضى فيرضى فأرض عني رضي الله عنك.
قال: " قد رضيت ".
وفد بني عقيل بن كعب ذكر الواقدي:
أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعهم العقيق - عقيق
بني عقيل - وهي أرض فيها نخيل وعيون وكتب بذلك كتابا: " بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا ومطرفا وأنسا (1)،
أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وطاعوا، ولم يعطهم
حقا لمسلم ".
فكان الكتاب في يد مطرف.
قال: وقدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل وهو أبو
رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه، وقد قدمنا قدومه
وقصته وحديثه بطوله ولله الحمد والمنة. |