البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة سبع وثمانين ففيها عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن
إسماعيل عن إمرة المدينة وولى عليها ابن عمه وزوج أخته فاطمة بنت عبد
الملك عمر بن عبد العزيز، فدخلها على ثلاثين بعيرا في ربيع الاول منها،
فنزل
__________
(1) في الطبري 8 / 59 وابن الاثير 4 / 523: وأعلامه.
(*)
(9/85)
دار مروان وجاء
الناس للسلام عليه، وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، فلما صلى الظهر دعا
عشرة من فقهاء المدينة وهم عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان
بن [ أبي ] خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد
الله بن عمر، وأخوه عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة،
وخارجة بن زيد بن ثابت.
فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني إنما
دعوتكم لامر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق، إني لا أريد أن
أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى أو
بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرج على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
فخرجوا من عنده يجزونه خيرا، وافترقوا على ذلك.
وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بأن يوقف هشام بن إسماعيل للناس عند
دار مروان - وكان يسئ الرأي فيه - لانه أساء إلى أهل المدينة في مدة
ولايته عليهم، وكانت نحوا من أربع سنين، ولا سيما إلى سعيد بن المسيب
وعلي بن الحسين.
قال سعيد بن المسيب لابنه ومواليه: لا يعرض منكم أحد لهذا الرجل في،
تركت ذلك لله وللرحم.
وأما كلامه فلا أكلمه أبدا، وأما علي بن الحسين فإنه مر به وهو موقوف
فلم يتعرض له وكان قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض أحد منهم له، فلما
اجتاز به وتجاوزه ناداه هشام (الله يعلم حيث يجعل رسالاته) [ الانعام:
124 ].
وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فقتل منهم خلقا
كثيرا، وفتح حصونا كثيرة وغنم غنائم جمة، ويقال إن الذي غزا بلاد الروم
في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق، وحصن الاخرم، وبحيرة
الفرمسان، وحصن بولس، وقميقم، وقتل من المستعربة نحوا من ألف وسبى
ذراريهم.
وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلاد الترك وصالحه ملكهم نيزك على مال جزيل،
وعلى أن يطلق كل من ببلاده من أسارى المسلمين، وفيها غزا قتيبة بيكند
فاجتمع له من الاتراك عندها بشر كثير وجم غفير، وهي من أعمال بخارى،
فلما نزل بأرضهم استنجدوا عليه بأهل الصغد ومن حولهم من الاتراك،
فأتوهم في جمع عظيم فأخذوا على قتيبة الطرق والمضايق، فتواقف هو وهم
قريبا من شهرين وهو لا يقدر أن يبعث إليهم رسولا ولا يأتيه منهم رسول،
وأبطأ خبره على الحجاج حتى خاف عليه وأشفق على من معه من المسلمين من
كثرة الاعداء من الترك، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد وكتب بذلك
إلى الامصار، وقد كان قتيبة ومن معه من المسلمين يقتتلون مع الترك في
كل يوم، وكان لقتيبة عين من العجم يقال له تنذر (1)، فأعطاه أهل بخارى
مالا جزيلا على أن يأتي قتيبة فيخذله عنهم، فجاء إليه فقال له: أخلني
فأخلاه فلم يبق عنده سوى رجل يقال له ضرار بن حصين، فقال له تنذر: هذا
عامل يقدم عليك سريعا بعزل الحجاج، فلو انصرفت بالناس إلى مرو، فقال
قتيبة لمولاه سياه اضرب عنقه فقتله، ثم قال لضرار: لم يبق أحد سمع هذا
غيري وغيرك
__________
(1) من الطبري، وفي الاصل: تندر، وفي ابن الاعثم: دون نقط.
(*)
(9/86)
وإني أعطي الله
عهدا إن ظهر هذا حتى ينقضي حربنا ألحقتك به، فاملك علينا لسانك، فإن
انتشار هذا في مثل هذا الحال ضعف في أعضاد الناس ونصرة للاعداء، ثم نهض
قتيبة فحرض الناس على الحرب، ووقف على أصحاب الرايات يحرضهم، فاقتتل
الناس قتالا شديدا ثم أنزل الله على المسلمين الصبر فما انتصف النهار
حتى أنزل الله عليهم النصر فهزمت الترك هزيمة عظيمة، واتبعهم المسلمون
يقتلون فيهم ويأسرون ما شاؤوا واعتصم من بقي منهم بالمدينة، فأمر قتيبة
الفعلة بهدمها فسألوه الصلح على مال عظيم فصالحهم، وجعل عليهم رجلا من
أهله وعنده طائفة من الجيش ثم سار راجعا، فلما كان منهم على خمس مراحل
(1) نقضوا العهد وقتلوا الامير وجدعوا أنوف من كان معه، فرجع إليها
وحاصرها شهرا.
وأمر النقابين والفعلة فعلقوا سورها على الخشب وهو يريد أن يضرم النار
فيها، فسقط السور فقتل من الفعلة أربعين نفسا، فسألوه الصلح فأبى، ولم
يزل حتى افتتحها فقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم الاموال، وكان الذي
ألب على المسلمين رجل أعور منهم، فأسر فقال أنا أفتدي نفسي بخمسة آلاف
أثواب صينية قيمتها ألف ألف، فأشار الامراء على قتيبة بقبول ذلك منه،
فقال قتيبة: لا والله لا أروع بك مسلما مرة ثانية، وأمر به فضربت عنقه.
وهذا من الزهد في الدنيا، ثم إن الغنائم سيدخل فيها ما أراد أن يفتدي
به نفسه فإن المسلمين قد غنموا من
بيكند شيئا كثيرا من آنية الذهب والفضة والاصنام من الذهب، وكان من
حملتها صنم سبك فخرج منه مائة ألف وخمسون ألف (2) دينار من الذهب،
ووجدوا في خزائن الملك أموالا كثيرة وسلاحا كثيرا وعددا متنوعة، وأخذوا
من السبي شيئا كثيرا، فكتب قتيبة إلى الحجاج يسأله أن يعطي ذلك للجند
فأذن له فتمول المسلمون وتقووا على قتال الاعداء، وصار لكل واحد منهم
مال مستكثر جدا.
وصارت لهم أسلحة وعدد وخيول كثيرة فقووا بذلك قوة عظيمة ولله الحمد
والمنة.
وقد حج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز نائب المدينة، وقاضيه
بها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعلى العراق والمشرق بكماله
الحجاج، ونائبه على البصرة الجراح بن عبد الله الحكمي وقاضيه بها عبد
الله بن أذينة، وعامله على الحرب بالكوفة زياد بن جرير بن عبد الله
البجلي، وقاضيه بها أبو بكر بن أبي موسى الاشعري، ونائبه على خراسان
وأعمالها قتيبة بن مسلم.
وفيها توفي من الاعيان: عتبة بن عبد
السلمي صحابي جليل، نزل حمص، يروى أن شهد بني قريظة، وعن العرباض أنه
كان يقول هو
__________
(1) في الطبري 8 / 63 وابن الاثير 4 / 528: فراسخ.
(2) في ابن الاعثم 7 / 221: خمسون ومائتا ألف دينار وقال: وأصابوا في
هذه الخزانة (التي وجد فيها الصنم) لؤلؤتين عظيمتين.
(*)
(9/87)
خير مني أسلم
قبلي بسنة.
قال الواقدي وغيره: توفي في هذه السنة، وقال غيره بعد التسعين والله
أعلم.
قال أبو سعيد بن الاعرابي: كان عتبة بن عبد السلمي من أهل الصفة.
وروى بقية عن بجير ابن سعد عن خالد بن معدان، عن عتبة بن عبد السلمي أن
النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد
إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله لحقره يوم القيامة ".
وقال إسماعيل بن عياش عن عقيل بن مدرك، عن لقمان بن عامر، عن عتبة بن
عبد السلمي قال: اشتكيت إلى رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) العرى فكساني خيشتين فلقد رأيتني وأنا أكسي
الصحابة.
المقدام بن معدي كرب صحابي جليل، نزل حمص أيضا، له أحاديث، وروى عنه
غير واحد من التابعين.
قال محمد بن سعد والفلاس وأبو عبيدة: توفي في هذه السنة، وقال غيرهم:
توفي بعد التسعين فالله أعلم.
أبو أمامة الباهلي واسمه صدي بن عجلان، نزل حمص، وهو راوي حديث " تلقين
الميت بعد الدفن " رواه الطبراني في الدعاء، وقد تقدم له ذكر في
الوفيات.
قبيصة بن ذؤيب أبو سفيان الخزاعي المدني، ولد عام الفتح وأتي به النبي
(صلى الله عليه وسلم) ليدعو له، روى عن جماعة كثيرة من الصحابة، وأصيبت
عينه يوم الحرة، وكان من فقهاء المدينة، وكانت له منزلة عند عبد الملك،
ويدخل عليه بغير إذن، وكان يقرأ الكتب إذا وردت من البلاد ثم يدخل على
عبد الملك فيخبره بما ورد من البلاد فيها، وكان صاحب سره، وكان له دار
بدمشق بباب البريد، وتوفي بدمشق.
عروة بن المغيرة بن شعبة ولي إمرة الكوفة للحجاج، وكان شريفا لبيبا
مطاعا في الناس، وكان أحول.
توفي بالكوفة (يحيى بن يعمر)، كان قاضي مرو، وهو أول من نقط المصاحف،
وكان من فضلاء الناس وعلمائهم وله أحوال ومعاملات، وله روايات، وكان
أحد الفصحاء، أخذ العربية عن أبي الاسود الدؤلي.
شريح بن الحارث بن قيس القاضي أدرك الجاهلية، واستقضاه عمر على الكوفة
فمكث بها قاضيا خمسا وستين سنة، وكان عالما
(9/88)
عادلا كثير
الخير، حسن الاخلاق، فيه دعابة كثيرة، وكان كوسجا لا شعر بوجهه، وكذلك
كان عبد الله بن الزبير، والاحنف بن قيس، وقيس بن سعد بن عبادة، وقد
اختلف في نسبه وسنه وعام وفاته على أقوال، ورجح ابن خلكان وفاته في هذه
السنة.
قلت: قد تقدمت ترجمة شريح القاضي في سنة ثمان وسبعين بما فيها من
الزيادة الكثيرة غير ما ذكره المؤلف هنا وهناك.
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين
فيها غزا الصائفة مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن
عبد الملك، فافتتحا بمن معهما من المسلمين حصن طوانة في جمادى من هذه
السنة - وكان حصينا منيعا - اقتتل الناس عنده قتالا عظيما ثم حمل
المسلمون على النصارى فهزموهم حتى أدخلوهم الكنيسة، ثم خرجت النصارى
فحملوا على المسلمين فانهزم المسلمون ولم يبق أحد منهم في موقفه إلا
العباس بن الوليد ومعه ابن محيريز الجمحي، فقال العباس لابن محيريز:
أين قراء القرآن الذين يريدون وجه الله عز وجل ؟ فقال: نادهم يأتوك،
فنادى يا أهل القرآن، فتراجع الناس فحملوا على النصارى فكسروهم ولجأوا
إلى الحصن فحاصروهم حتى فتحوه.
وذكر ابن جرير: أنه في شهر ربيع الاول من هذه السنة قدم كتاب الوليد
على عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول
الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن يوسعه من قبلته وسائر نواحيه، حتى يكون
مائتي ذراع في مائتي ذراع، فمن باعك ملكه فاشتره منه وإلا فقومه له
قيمة عدل ثم اهدمه وادفع إليهم أثمان بيوتهم، فإن لك في ذلك سلف صدق
عمر وعثمان.
فجمع عمر بن عبد العزيز وجوه الناس والفقهاء العشرة وأهل المدينة وقرأ
عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد، فشق عليهم ذلك وقالوا: هذه حجر قصيرة
السقوف، وسقوفها من جريد النخل، وحيطانها من اللبن، وعلى أبوابها
المسوح، وتركها على حالها أولى لينظر إليها الحجاج والزوار والمسافرون،
وإلى بيوت النبي (صلى الله عليه وسلم) فينتفعوا بذلك ويعتبروا به،
ويكون ذلك أدعى لهم إلى الزهد في الدنيا، فلا يعمرون فيها إلا بقدر
الحاجة وهو ما يستر ويكن، ويعرفون أن هذا البنيان العالي إنما هو من
أفعال
الفراعنة والاكاسرة، وكل طويل الامل راغب في الدنيا وفي الخلود فيها.
فعند ذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد بما أجمع عليه الفقهاء
العشرة المتقدم ذكرهم، فأرسل إليه يأمره بالخراب وبناء المسجد على ما
ذكر، وأن يعلي سقوفه،.
فلم يجد عمر بدا من هدمها، ولما شرعوا في الهدم صاح الاشراف ووجوه
الناس من بني هاشم وغيرهم، وتباكوا مثل يوم مات النبي (صلى الله عليه
وسلم)، وأجاب من له ملك متاخم للمجسد للبيع فاشترى منهم، وشرع في بنائه
وشمر عن إزاره واجتهد في ذلك، وأرسل الوليد إليه فعولا كثيرة، فأدخل
فيه الحجرة النبوية - حجرة عائشة - فدخل القبر في المسجد، وكانت
(9/89)
حده من الشرق
وسائر حجر أمهات المؤمنين كما أمر الوليد، وروينا أنهم لما حفروا
الحائط الشرقي من حجرة عائشة بدت لهم قدم فخشوا أن تكون قدم النبي (صلى
الله عليه وسلم) حتى تحققوا أنها قدم عمر رضي الله عنه، ويحكى أن سعيد
بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد - كأنه خشي أن يتخذ القبر
مسجدا - والله أعلم.
وذكر ابن جرير: أن الوليد كتب إلى ملك الروم يسأله أن يبعث له صناعا
للبناء، فبعث إليه بمائة صانع وفصوص كثيرة من أجل المسجد النبوي،
والمشهور أن هذا إنما كان من أجل مسجد دمشق فالله أعلم.
وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز أن يحفر الفوارة بالمدينة، وأن يجري
ماءها ففعل، وأمره أن يحفر الآبار وأن يسهل الطرق والثنايا، وساق إلى
الفوارة الماء من ظاهر المدينة، والفوارة بنيت في ظاهر المسجد عند بقعة
رآها فأعجبته.
وفيها غزا قتيبة بن مسلم ملك الترك كوربغانون (1) ابن أخت ملك الصين،
ومعه مائتا ألف مقاتل، من أهل الصغد وفرغانة وغيرهم، فاقتتلوا قتالا
شديدا، وكان مع قتيبة نيزك ملك الترك مأسورا (2) فكسرهم قتيبة بن مسلم
وغنم من أموالهم شيئا كثيرا، وقتل منهم خلقا وسبى وأسر.
وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز ومعه جماعات من أشراف قريش، فلما
كان بالتنعيم لقيه طائفة من أهل مكة فأخبروه عن قلة الماء بمكة لقلة
المطر، فقال لاصحابه: ألا نستمطر ؟ فدعا ودعا الناس فما زالوا يدعون
حتى سقوا ودخلوا مكة ومعهم المطر، وجاء سيل عظيم حتى خاف أهل مكة
من شدة المطر، ومطرت عرفة ومزدلفة (3) ومنى، وأخصبت الارض هذه السنة
خصبا عظيما بمكة وما حولها، وذلك ببركة دعاء عمر ومن كان معه من
الصالحين.
وكان النواب على البلدان في هذه السنة هم الذين كانوا قبلها.
وممن توفي فيها من الاعيان: عبد
الله بن بسر بن أبي بسر المازني: صحابي كأبيه، سكن حمص، وروى عنه جماعة
من التابعين، قال الواقدي: توفي في هذه السنة عن أربع وتسعين سنة، زاد
غيره وهو آخر من توفي من الصحابة بالشام، وقد جاء في الحديث أنه يعيش
قرنا، فعاش مائة سنة.
عبد الله بن أبي أوفى [ و ] علقمة بن خالد الحارث الخزاعي ثم الاسلمي،
صحابي جليل،
__________
(1) في ابن الاثير 4 / 533: كورنعابون، وفي ابن الاعثم 7 / 223.
لور معاينون وقد صححه محققه كما في الطبري كوربغانون.
(2) في الطبري 8 / 66 وابن الاثير 4 / 533: وأبلى يومئذ نيزك وهو مع
قتيبة.
وقد تقدم ان نيزك صالح قتيبة.
(3) في الطبري 8 / 66: وجمع.
وفي ابن الاثير 4 / 534: ومطرت عرفة ومكة.
(*)
(9/90)
وهو آخر من بقي
من الصحابة بالكوفة، وكانت وفاته فيما قاله البخاري سنة تسع أو ثمان
وثمانين، وقال الواقدي وغير واحد: سنة ست وثمانين، وقد جاوز المائة،
وقيل قاربها رضي الله عنه.
وفيها توفي هشام بن إسماعيل ابن
هشام بن الوليد المخزومي المدني، وكان حما عبد الملك بن مروان ونائبه
على المدينة، وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب كما تقدم، ثم قدم دمشق فمات
بها، وهو أول من أحدث دراسة القرآن بجامع دمشق فمات فيها في السبع.
عمير بن حكيم العنسي الشامي، له رواية، ولم يكن أحد في الشام يستطيع أن
يعيب الحجاج علانية إلا هو وابن محيريز أبو الأبيض، قتل في غزوة طوانة
من بلاد الروم في هذه السنة.
ثم دخلت سنة تسع وثمانين فيها غزا مسلمة بن
عبد الملك وابن أخيه العباس بلاد الروم فقتلا خلقا كثيرا وفتحا حصونا
كثيرة، منها حصن سورية وعمورية وهرقلة وقمودية (1).
وغنما شيئا كثيرا وأسرا جما غفيرا.
وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلاد الصغد ونسف وكش، وقد لقيه هنالك خلق من
الاتراك فظفر بهم فقتلهم، وسار إلى بخارى فلقيه دونها خلق كثير من
الترك فقاتلهم يومين وليلتين عند مكان يقال له خرقان (2)، وظفر بهم
فقال في ذلك نهار بن توسعة: وباتت لهم منا بخرقان ليلة * وليلتنا كانت
بخرقان أطولا ثم قصد قتيبة وردان خذاه (3) ملك بخارى فقاتله وردان
قتالا شديدا فلم يظفر به قتيبة، فرجع عنه إلى مرو، فجاءه البريد بكتاب
الحجاج يعنفه على الفرار والنكول عن أعداء الاسلام، وكتب إليه أن يبعث
بصورة هذا البلد - يعني بخارى - فبعث إليه بصورتها فكتب إليه أن ارجع
إليها وتب إلى الله من ذنبك وائتها من مكان كذا وكذا، ورد وردان خذاه،
وإياك والتحويط، ودعني وبنيات الطريق.
وفي هذه السنة ولى الوليد بن عبد الملك إمرة مكة لخالد بن عبد الله
القسري، فحفر بئرا بأمر الوليد عند ثنية طوى وثنية الحجون، فجاءت عذبة
الماء طيبة، وكان يستقي منها الناس.
وروى
__________
(1) في ابن الاثير 4 / 535: قمونية.
(2) في ابن الاثير: خرقانة السفلى.
(3) في ابن الاعثم 7 / 224: معاينون بن راع.
وفي الاخبار الطوال ص 327: صول.
(*)
(9/91)
الواقدي: حدثني عمر بن صالح عن نافع مولى بني مخزوم.
قال: سمعت خالد بن عبد الله القسري يقول على منبر مكة وهو يخطب الناس:
أيها الناس ! أيهما أعظم خليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم ؟ والله
لو لم تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه
ملحا أجاجا، واستسقى الخليفة فسقاه عذبا فراتا - يعني البئر التي
احتفرها بالثنيتين ثنية طوى وثنية الحجون - فكان
ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم.
قال ثم غارت تلك البئر فذهب ماءها فلا يدرى أين هو إلى اليوم، وهذا
الاسناد غريب، وهذا الكلام يتضمن كفرا إن صح عن قائله، وعندي أن خالد
بن عبد الله لا يصح عنه هذا الكلام، وإن صح فهو عدو الله، وقد قيل عن
الحجاج بن يوسف نحو هذا الكلام من أنه جعل الخليفة أفضل من الرسول الذي
أرسله الله، وكل هذه الاقوال تتضمن كفر قائلها.
وفي هذه السنة غزا قتيبة بن مسلم (1) الترك حتى بلغ باب الابواب من
ناحية أذربيجان، وفتح حصونا ومدائن كثيرة هنالك.
وحج بالناس فيها عمر بن عبد العزيز.
قال شيخنا الذهبي: وفي هذه السنة فتحت صقلية وميورقة وقيل ميرقة، وهما
في البحر بين جزيرة صقلية وخدرة من بلاد الاندلس.
وفيها سير موسى بن نصير ولده إلى النقريس ملك الفرنج فافتتح بلادا
كثيرة.
وفيها توفي من الاعيان عبد الله بن
ثعلبة بن صعير أحد التابعين العذري الشاعر، وقد قيل إنه أدرك حياة
النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومسح على رأسه، وكان الزهري يتعلم منه
النسب.
والعمال في هذه السنة هم المذكورون في التي قبلها. |