البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة تسع وتسعين
فيها كانت وفاة سليمان بن عبد الملك أمير
المؤمنين يوم الجمعة لعشر مضين، وقيل بقين من صفر منها، عن خمس
وأربعين سنة، وقيل عن ثلاث وأربعين، وقيل إنه لم يجاوز الاربعين.
وكانت خلافته سنتين وثمانية أشهر، وزعم أبو أحمد الحاكم: أنه توفي يوم
الجمعة لثلاث عشر بقيت من رمضان منها، وأنه استكمل في خلافته ثلاث سنين
وثلاثة أشهر وخمسة أيام، وله من العمر تسع وثلاثون سنة، والصحيح قول
الجمهور وهو الاول، والله أعلم.
__________
(1) في ابن الاثير 5 / 33: الحنفي.
(9/200)
وهو سليمان بن
عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي
الاموي، أبو أيوب.
كان مولده بالمدينة في بني جذيلة، ونشأ بالشام عند أبيه، وروى الحديث
عن أبيه عن جده عن عائشة أم المؤمنين في قصة الافك، رواه ابن عساكر من
طريق ابنه عبد الواحد بن سليمان عنه، وروى عن عبد الرحمن بن هنيدة أنه
صحب عبد الله بن عمر إلى الغابة قال فسكت فقال لي ابن عمر: مالك ؟
فقال: إني كنت أتمنى.
فقال ابن عمر: فما تتمنى يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال لي: لو أن لي أحدا
هذا ذهبا أعلم عدده وأخرج زكاته ما كرهت ذلك، أو قال: ما خشيت أن يضر
بي.
رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي صالح عن الليث عن عبد الرحمن بن خالد
بن مسافر عن الزهري عنه.
قال ابن عساكر: وكانت داره بدمشق موضع ميضأة جيرون الآن في تلك المساحة
جميعها، وبنى دارا كبيرة مما يلي باب الصغير، موضع الدرب المعروف بدرب
محرز، وجعلها دار الامارة، وعمل فيها قبة صفراء تشبيها بالقبة الخضراء،
قال: وكان فصيحا مؤثرا للعدل محبا للغزو وقد أنفذ الجيش لحصار
القسطنطينية حتى صالحوهم على بناء الجامع بها.
وقد روى أبو بكر الصولي: أن عبد الملك جمع بينه، الوليد وسليمان
ومسلمة، بين يديه فاستقرأهم القرآن فأجادوا القراءة، ثم استنشدهم الشعر
فأجادوا، غير أنهم لم يكملوا أو يحكموا شعر الاعشى، فلامهم على ذلك، ثم
قال: لينشدني كل رجل منكم أرق بيت قالته العرب ولا يفحش، هات يا وليد،
فقال الوليد: ما مركب وركوب الخيل يعجبني * كمركب بين دملوج وخلخال
فقال عبد الملك: وهل يكون من الشعر أرق من هذا ؟ هات يا سليمان، فقال:
حبذا رجعها يديها إليها * في يدي درعها تحل الازارا فقال: لم تصب، هات
يا مسلمة، فأنشده قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك إلا لتضربي * بسهميك
في أعشار قلب مقتل فقال: كذب امرؤ القيس ولم يصب، إذا ذرفت عيناها
بالوجد فما بقي إلا اللقاء، وإنما ينبغي
للعاشق أن يغتضي منها الجفاء ويكسوها المودة، ثم قال: أنا مؤجلكم في
هذا البيت ثلاثة أيام فمن أتاني به فله حكمه، أي مهما طلب أعطيته،
فنهضوا من عنده فبينما سليمان في موكب إذا هو بأعرابي يسوق إبله وهو
يقول:
(9/201)
لو ضربوا
بالسيف رأسي في مودتها * لمال يهوي سريعا نحوها رأسي فأمر سليمان
بالاعرابي فاعتقل، ثم جاء إلى أبيه فقال: قد جئتك بما سألت، فقال: هات،
فأنشده البيت فقال: أحسنت، وأنى لك هذا ؟ فأخبره خبر الاعرابي، فقال:
سل حاجتك ولا تنس صاحبك.
فقال: يا أمير المؤمنين إنك عهدت بالامر من بعدك للوليد، وإني أحب أن
أكون ولي العهد من بعده، فأجابه إلى ذلك، وبعثه على الحج في إحدى
وثمانين، وأطلق له مائة ألف درهم، فأعطاها سليمان لذلك الاعرابي الذي
قال ذلك البيت من الشعر، فلما مات أبوه سنة ست وثمانين وصارت الخلافة
إلى أخيه الوليد، كان بين يديه كالوزير والمشير، وكان هو المستحث على
عمارة جامع دمشق، فلما توفي أخوه الوليد يوم السبت للنصف من جمادى
الآخرة سنة ست وتسعين، كان سليمان بالرملة، فلما أقبل تلقاه الامراء
ووجوه الناس، وقيل إنهم ساروا إليه إلى بيت المقدس فبايعوه هناك، وعزم
على الاقامة بالقدس، وأتته الوفود إلى بيت المقدس، فلم يروا وفادة
هناك، وكان يجلس في قبة في صحن المسجد مما يلي الصخرة من جهة الشمال،
وتجلس أكابر الناس على الكراسي، وتقسم فيهم الاموال، ثم عزم على المجئ
إلى دمشق.
فدخلها وكمل عمارة الجامع.
وفي أيامه جددت المقصورة واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز مستشارا
ووزيرا، وقال له: إنا قد ولينا ما ترى وليس لنا علم بتدبيره، فما رأيت
من مصلحة العامة فمر به فليكتب، وكان من ذلك عزل نواب الحجاج وإخراج
أهل السجون منها، وإطلاق الاسرى، وبذل الاعطية بالعراق، ورد الصلاة إلى
ميقاتها الاول، بعد أن كانوا يؤخرونها إلى آخر وقتها، مع أمور حسنة كان
يسمعها من عمر بن عبد العزيز، وأمر بغزو القسطنطينية فبعث إليها من أهل
الشام والجزيرة والموصل في البر نحوا من مائة ألف وعشرين ألف مقاتل،
وبعث من أهل مصر وإفريقية ألف مركب في البحر عليهم
عمر بن هبيرة، وعلى جماعة الناس كلهم أخوه مسلمة، ومعه ابنه داود بن
سليمان بن عبد الملك في جماعة من أهل بيته، وذلك كله عن مشورة موسى بن
نصير: حين قدم عليه من بلاد المغرب، والصحيح أنه قدم في أيام أخيه
الوليد والله أعلم.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن أسماعيل بن إبراهيم الكوفي، عن جابر
بن عون الاسدي.
قال: أول كلام تكلم به سليمان بن عبد الملك حين ولي الخلافة أن قال:
الحمد لله الذي ما شاء صنع وما شاء رفع وما شاء وضع، ومن شاء أعطى ومن
شاء منع.
إن الدنيا دار غرور، ومنزل باطل، وزينة تقلب (1)،، تضحك باكيا وتبكي
ضاحكا، وتخيف آمنا وتؤمن خائفا، تفقر مثريها، وتثري (2) فقيرها، ميالة
لاعبة بأهلها.
يا عباد الله اتخذوا كتاب الله إماما، وارضوا به
__________
(1) في مروج الذهب 3 / 213: وتقلب بأهلها.
(2) في العقد الفريد 2 / 143: وتثري مقترا هيالة غرارة لعابة بأهلها.
(9/202)
حكما، واجعلوه
لكم قائدا (1)، فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده.
اعلموا عباد الله أن هذا القرآن يجلو كيد الشيطان وضغائنه كما يجلو ضوء
الصبح إذا تنفس أدبار الليل إذا عسعس.
وقال يحيى بن معين عن حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال:
سمعت سليمان بن عبد الملك يقول في خطبته: فضل القرآن على سائر الكلام
كفضل الله على خلقه.
وقال حماد بن زيد عن يزيد بن حازم.
قال: كان سليمان بن عبد الملك يخطبنا كل جمعة لا يدع أن يقول في خطبته:
وإنما أهل الدنيا على رحيل، لم تمض لهم نية ولم تطمئن بهم حتى يأتي أمر
الله ووعده وهم على ذلك، كذلك لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجائعها ولا
تبقي من شر أهلها ثم يتلو (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا
يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) [ العشراء: 205 ] وروى الاصمعي
أن نقش خاتم سليمان [ كان ]: آمنت بالله مخلصا، وقال أبو مسهر عن أبي
مسلم سلمة بن العيار الفزاري.
قال: كان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول: افتتح
خلافته بخير وختمها بخير، افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها
باستخلافه عمر بن
عبد العزيز.
قد أجمع علماء الناس والتواريخ أنه حج بالناس في سنة سبع وتسعين وهو
خليفة، قال الهيثم ابن عدي قال الشعبي: حج سليمان بن عبد الملك فلما
رأى الناس بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق الذي لا
يحصى عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره، فقال: يا أمير المؤمنين
هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غدا خصماؤك عند الله، فبكى سليمان بكاء شديدا
ثم قال: بالله أستعين.
وقال ابن أبي الدنيا: ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا جرير، عن عطاء بن
السائب.
قال: كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد الملك فأصابهم
السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك، وجعل عمر بن عبد
العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما يضحكك يا عمر ؟ أما ترى ما نحن فيه ؟
فقال له: يا أمير المؤمنين هذه آثار رحمته فيها شدائد ما نرى، فكيف
بآثار سخطه وغضبه ؟ ومن كلامه الحسن رحمه الله قوله: الصمت منام العقل
والنطق يقظته، ولا يتم هذا إلا بهذا.
ودخل عليه رجل فكلمه فأعجبه منطقه ثم فتشه فلم يحمد عقله، فقال: فضل
منطق الرجل على عقله خدعة، وفضل عقله على منطقه هجنة، وخير ذلك ما أشبه
بعضه بعضا وقال: العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه، وقال
أيضا: إن من تكلم فأحسن قادر على أن يسكت فيحسن، وليس كل من سكت فأحسن
قادرا على أن يتكلم فيحسن.
ومن شعره يتسلى عن صديق له مات فقال:
__________
(1) في مروج الذهب: واجعلوا لكم هاديا ودليلا.
(*)
(9/203)
وهون وجدي في
شراحيل أنني * متى شئت لاقيت امرءا مات صاحبه ومن شعره أيضا: ومن شيمي
ألا أفارق صاحبي * وإن ملني إلا سألت له رشدا وإن دام لي بالود دمت ولم
أكن * كآخر لا يرعى ذماما ولا عهدا
وسمع سليمان ليلة صوت غناء في معسكره فلم يزل يفحص حتى أتى بهم، فقال
سليمان: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليهدر فتضبع له
الناقة، وإن التيس لينب فتستخذى له العنز وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له
المرأة، ثم أمر بهم فقال: اخصوهم، فيقال إن عمر بن عبد العزيز قال: يا
أمير المؤمنين إنها مثلة، ولكن انفهم، فنفاهم.
وفي رواية أنه خصى أحدهم، ثم سأل عن أصل الغناء فقيل إنه بالمدينة،
فكتب إلى عامله بها وهو أبو بكر بن محمد بن حزم يأمره أن يخصي من عنده
من المغنين المخنثين.
وقال الشافعي: دخل أعرابي على سليمان فدعاه إلى أكل الفالوذج وقال له:
إن أكلها يزيد في الدماغ فقال: لو كان هذا صحيحا لكان ينبغي أن يكون
رأس أمير المؤمنين مثل [ رأس ] البغل.
وذكروا أن سليمان كان نهما في الاكل، وقد نقلوا عنه أشياء في ذلك
غريبة، فمن ذلك أنه اصطبح في بعض الايام بأربعين دجاجة مشوية، وأربع
وثمانين كلوة بشحمها، وثمانين جردقة، ثم أكل مع الناس على العادة في
السماط العام.
ودخل ذات يوم بستانا له وكان قد أمر قيمه أن يجني ثماره، فدخله ومعه
أصحابه فأكل القوم حتى ملوا، واستمر هو يأكل أكلا ذريعا من تلك
الفواكه، ثم استدعى بشاة مشوية فأكلها ثم أقبل على أكل الفاكهة، ثم أتي
بدجاجتين فأكلهما، ثم عاد إلى الفاكهة فآكل منها، ثم أتي بقعب يقعد فيه
الرجل مملوءا سويقا وسمنا وسكرا فأكله ثم عاد إلى دار الخلافة، وأتي
بالسماط فما فقدوا من أكله شيئا (1)، وقد روي أنه عرضت له حمى عقب هذا
الاكل أدته إلى الموت، وقد قيل إن سبب مرضه كان من أكل أربعمائة بيضة
وسلتين تينا فالله أعلم.
وذكر الفضل بن أبي المهلب أنه لبس في يوم جمعة حلة صفراء ثم نزعها ولبس
بدلها حلة خضراء واعتم بعمامة خضراء وجلس على فراش أخضر وقد بسط ما
حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا
الخليفة الشاب، وقيل إنه كان ينظر في المرآة من فرقه إلى قدمه ويقول:
أنا الملك الشاب، وفي رواية أنه كان ينظر فيها ويقول: كان محمد نبيا،
وكان أبو بكر صديقا وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حييا، وكان على شجاعا،
وكان معاوية حليما، وكان يزيد
__________
(1) اتفقت الروايات على انه كان شرها نكاحا، وكان صاحب أكل كثير يجوز
المقدار، انظر العقد الفريد 2 / 277
مروج الذهب 3 / 214 ابن خلكان 2 / 422 وقد بالغت الروايات في مقادير
الطعام والشواء والحلوى التي كان يتناولها في اليوم بشكل لا يقبله منطق
أو يقر به عاقل.
(*)
(9/204)
صبورا، وكان
عبد الملك سائسا، وكان الوليد جبارا، وأنا الملك الشاب.
قالوا: فما حال عليه بعد ذلك شهر، وفي رواية جمعة، حتى مات.
قالوا: ولما حم شرع يتوضأ فدعا بجارية فصبت عليه ماء الوضوء ثم أنشدته:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للانسان (1) أنت خلو من
العيوب ومما * يكره الناس غير أنك فان (2) قالوا: صاح بها وقال: عزتني
في نفسي، ثم أمر خاله الوليد بن العباس القعقاع العنسي (3) أن يصب عليه
وقال: قرب وضوءك يا وليد فإنما * دنياك هذي بلغة ومتاع فاعمل لنفسك في
حياتك صالحا * فالدهر فيه فرقة وجماع ويروى أن الجارية لما جاءته
بالطست جعلت تضطرب من الحمى، فقال: أين فلانة ؟ فقالت: محمومة، قال:
ففلانة ؟ قالت: محمومة، وكان بمرج دابق من أرض قنسرين، فأمر خاله فوضأه
ثم خرج يصلي بالناس فأخذته بحة في الخطبة، ثم نزل وقد أصابته الحمى
فمات في الجمعة المقبلة، ويقال: إنه أصابه ذات الجنب فمات بها رحمه
الله.
وكان قد أقسم أنه لا يبرح بمرج دابق حتى يرجع إليه الخبر بفتح
القسطنطينية، أو يموت قبل ذلك، فمات قبل ذلك رحمه الله وأكرم مثواه،
قالوا: وجعل يلهج في مرضه ويقول: إن بني صغار * أفلح من كان له كبار
فيقول له عمر بن عبد العزيز: قد أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين، ثم
يقول: إن بني صبية صيفيون * قد أفلح من كان له ربعيون ويروى أن هذا آخر
ما تكلم به، والصحيح أن آخر ما تكلم به أن قال: أسألك منقلبا كريما،
ثم قضى.
وروى ابن جرير عن رجاء بن حيوة - وكان وزير صدق لبني أمية - قال:
استشارني
__________
(1) بعده في مروج الذهب 3 / 216.
أنت من لا يريبنا منك شي * علم الله غير أنك فان (2) البيت في ابن
خلكان 2 / 421 ومروج الذهب.
ليس فيما بدا لنا منك عيب * عابه الناس غير أنك فان وفي مورج الذهب: يا
سليمان غير أنك فان.
وفي الطبري 8 / 127 وفي ابن الاثر 5 / 37.
ليس فيما علمته فيك عيب * كان في الناس غير أنك فان (3) في نسخة:
العبسي وهو أصوب، فأخواله بنو عبس.
(*)
(9/205)
سليمان بن عبد
الملك وهو مريض أن يولي له ابنا صغيرا لم يبلغ الحلم، فقلت: إن مما
يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح، ثم شاورني في
ولاية ابنه داود، فقلت: إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو
ميت، فقال: من ترى ؟ فقلت: رأيك يا أمير المؤمنين، قال: فكيف ترى في
عمر بن عبد العزيز ؟ فقلت: أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما يحب الخير
وأهله، ولكن أتخوف عليه إخوتك أن لا يرضوا بذلك، فقال: هو والله على
ذلك وأشار رجال (1) أن يجعل يزيد بن عبد الملك ولي العهد من بعد عمر بن
عبد العزيز ليرضى بذلك بنو مروان، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا
كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز، إني قد
وليته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له
وأطيعوا، وأتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم.
وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: اجمع
أهل بيتي فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوما، فمن أبى منهم
ضرب عنقه.
فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم: هذا
الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا من وليت فيه، فبايعوا
لذلك رجلا رجلا، قال رجاء: فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال:
أنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان كتب لي ذلك حتى أستعفيه
الآن قبل أن يأتي حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة، فقلت:
والله لا أخبرك حرفا واحدا.
قال: ولقيه هشام بن عبد الملك فقال: يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة
قديمة، فأخبرني هذا الامر إن كان إلى علمت، وإن كان لغيري فما مثلي قصر
به عن هذا.
فقلت: والله لا أخبرك حرفا واحدا مما أسره إلي أمير المؤمنين، قال
رجاء: دخلت على سليمان فإذا هو يموت، فجعلت إذا أخذته السكرة من سكرات
الموت أحرفه إلى القبلة، فإذا أفاق يقول: لم يأن لذلك بعد يا رجاء،
فلما كانت الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئا، أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فحرفته إلى القبلة فمات
رحمه الله.
قال: فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت الباب عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد
فجمع الناس في مسجد دابق (2)، فقلت: بايعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا:
قد بايعنا، فقلت: بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت: قوموا إلى صاحبكم فقد
مات، وقرأت الكتاب عليهم، فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت
وجوه بني مروان، فلما قرأت وإن هشام (3) بن عبد الملك بعده، تراجعوا
بعض الشئ.
ونادى هشام لا نبايعه أبدا، فقلت: أضرب عنقك والله، قم فبايع، ونهض
الناس إلى عمر بن عبد العزيز وهو في مؤخر المسجد، فلما تحقق
__________
(1) كذا بالاصل، وفي نسخة وأشار سليمان بن رجاء.
وما نراه: وأشار رجاء وهو ما يقتضيه سياق رواية ابن الطبري.
وانظر العقد الفريد 3 / 276 ومروج الذهب.
(2) في الامامة والسياسة: بمسجد دمشق 2 / 115 والمشهور أنه مات بمرج
دابق.
(3) كذا بالاصل، والصواب يزيد ولعله سهو من الناسخ.
وانظر في كتاب سليمان حاشية رقم 1 ص 199 (*)
(9/206)
ذلك قال: إنا
لله وإنا إليه راجعون، ولم تحمله رجلاه حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه على
المنبر، فسكت حينا، فقال رجاء بن حيوة: ألا تقوموا إلى أمير المؤمنين
فتبايعوه، فنهض القوم فبايعوه، ثم أبى هشام فصعد المنبر ليبايع وهو
يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر: نعم ! إنا لله وإنا إليه
راجعون الذي صرت أنا وأنت نتنازع هذا الامر.
ثم قام فخطب الناس خطبة بليغة وبايعوه، فكان مما قال في خطبته: أيها
الناس، إني لست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الامصار والمدن
إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال (1)، ثم
نزل، فأخذوا في جهاز سليمان، قال الاوزاعي: فلم يفرغوا منه حتى دخل وقت
المغرب، فصلى عمر بالناس صلاة المغرب، ثم صلى على سليمان ودفن بعد
المغرب، فلما انصرف عمر أتي بمراكب الخلافة [ فأبي أن يركبها ] وركب
دابته وانصرف مع الناس حتى أتوا دمشق، فمالوا به نحو دار الخلافة فقال:
لا أنزل إلا في منزلي (2) حتى تفرغ دار أبي أيوب، فاستحسنوا ذلك منه،
ثم استدعى بالكاتب فجعل يملي عليه نسخة الكتاب الذي يبايع عليه الامصار
(3)، قال رجاء: فما رأيت أفصح منه.
قال محمد بن إسحاق: وكانت وفاة سليمان بن عبد الملك بدابق من أرض
قنسرين يوم الجمعة لعشر ليال خلت من صفر ستة تسع وتسعين، على رأس سنتين
وتسعة أشهر وعشرين يوما من متوفى الوليد، وكذا قال الجمهور في تاريخ
وفاته، ومنهم من يقول: لعشر بقين من صفر، وقالوا: كانت ولايته سنتين
وثمانية أشهر، زاد بعضهم إلا خمسة أيام والله أعلم.
وقول الحاكم أبي أحمد: إنه توفي يوم الجمعة لثلاث عشر بقين من رمضان
سنة تسع وتسعين، حكاه ابن عساكر، وهو غريب جدا، وقد خالفه الجمهور في
كل ما قاله، وعندهم أنه جاوز الاربعين فقيل بثلاث وقيل بخمس والله
أعلم.
قالوا: وكان طويلا جميلا أبيض نحيفا، حسن الوجه، مقرون الحاجبين، وكان
فصيحا بليغا، يحسن العربية ويرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله،
واتباع القرآن والسنة، وإظهار الشرائع الاسلامية رحمه الله، وقد كان
رحمه الله إلى على نفسه حين خرج من دمشق إلى مرج دابق - ودابق قريبة من
بلاد حلب - لما جهز الجيوش إلى مدينة الروم العظمى المسماة
بالقسطنطينية، أن لا يرجع
__________
(1) قال في مروج الذهب 3 / 226: وخطب في بعض مقاماته فقال:...وذكر هذه
الخطبة.
وذكر لعمر بن عبد العزيز خطبة أخرى قال: ولما أفضى الامر إليه كان أول
خطبة خطب الناس بها أن قال: ج 3 / 225 - 226 وذكر صاحب العقد كلاما
مختلفا انظر 3 / 143.
وانظر صفوة الصفوة 2 / 114.
(2) في هامش المطبوعة: كان منزله في موضع مدرسة السميساطية الآن مما
يلي باب مسجد بني أمية الشمالي.
أما قصر الخلافة الذي يسمى (الدار الخضراء) فكان وراء الجدار القبلي من
مسجد بني أمية.
ويسمى موضعه الآن
(المصبغة الخضراء).
(3) انظر نسخة الكتاب - وهي نسخة واحدة إلى عماله - في ابن الاثير 5 /
66.
(*)
(9/207)
إلى دمشق حتى
تفتح أو يموت، فمات هنالك كما ذكرنا، فحصل له بهذه النية أجر الرباط في
سبيل الله، فهو إن شاء الله ممن يجري له ثوابه إلى يوم القيامة رحمه
الله.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة شراحيل بن عبيدة بن قيس العقيلي ما
مضمونه: إن مسلمة بن عبد الملك لما ضيق بمحاصرته على أهل القسطنطينية،
وتتبع المسالك واستحوذ على ما هنالك من الممالك، كتب إليون ملك الروم
إلى ملك الرجان يستنصره على مسلمة، ويقول له: ليس لهم همة إلا في
الدعوة إلى دينهم، الاقرب منهم فالاقرب، وإنهم متى فرغوا مني خلصوا
إليك، فمهما كنت صانعا حينئذ فاصنعه الآن، فعند ذلك شرع لنعه الله في
المكر والخديعة، فكتب إلى مسلمة يقول له: إن إليون كتب إلي يستنصرني
عليك، وأنا معك فمرني لما شئت.
فكتب إليه مسلمة: إني لا أريد منك رجالا ولا عددا، ولكن أرسل إلينا
بالميرة فقد قل ما عندنا من الازواد.
فكتب إليه: إني قد أرسلت إليك بسوق عظيمة إلى مكان كذا وكذا، فأرسل من
يتسلمها ويشتري منها.
فأذن مسلمة لمن شاء من الجيش أن يذهب إلى هناك فيشتري له ما يحتاج
إليه، فذهب خلق كثير فوجدوا هنالك سوقا هائلة، فيها من أنواع البضائع
والامتعة والاطعمة، فأقبلوا يشترون، واشتغلوا بذلك، ولا يشعرون بما
أرصد لهم الخبيث من الكمائن بين تلك الجبال التي هنالك، فخرجوا عليهم
بغتة واحدة فقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين وأسروا آخرين، وما رجع إلى
مسلمة إلا القليل منهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فكتب مسلمة بذلك
إلى أخيه سليمان يخبره بما وقع من ذلك، فأرسل جيشا كثيفا صحبة شراحيل
بن عبيدة هذا، وأمرهم أن يعبروا خليج القسطنطينية أولا فيقاتلوا ملك
البرجان، ثم يعودوا إلى مسلمة، فذهبوا إلى بلاد البرجان وقطعوا إليهم
تلك الخلجان، فاقتتلوا معهم قتالا شديدا، فهزمهم المسلمون باذن الله،
وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسبوا وأسروا خلقا كثيرا، وخلصوا أسرى
المسلمين، ثم تحيزوا إلى مسلمة فكانوا عنده حتى استقدم الجميع عمر بن
عبد العزيز
خوفا عليهم من غائلة الروم وبلادهم، ومن ضيق العيش، وقد كان لهم قبل
ذلك مدة طويلة أثابهم الله.
خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
قد تقدم أنه بويع له بالخلافة يوم الجمعة لعشر مضين، وقد قيل بقين من
صفر من هذه السنة - أعني سنة تسع وتسعين - يوم مات سليمان بن عبد
الملك، عن عهد منه إليه من غير علم من عمر كما قدمنا، وقد ظهرت عليه
مخايل الورع والدين والتقشف والصيانة والنزاهة، من أول حركة بدت منه،
حيث أعرض عن ركوب مراكب الخلافة، وهي الخيون الحسان الجياد المعدة لها،
والاجتزاء بمركوبه الذي كان يركبه، وسكنى منزله رغبة عن منزل الخلافة،
ويقال إنه خطب الناس فقال في خطبته: أيها الناس، إن لي نفسا تواقة لا
تعطى شيئا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه، وإني لما أعطيت الخلافة تاقت
نفسي إلى ما هو أعلى منها وهي الجنة، فأعينوني عليها يرحمكم الله.
وستأتي ترجمته عند وفاته
(9/208)
إن شاء الله،
وكان مما بادر إليه عمر في هذه السنة أن بعث (1) إلى مسلمة بن عبد
الملك ومن معه من المسلمين وهم بأرض الروم محاصرو القسطنطينية، وقد
اشتد عليهم الحال وضاق عليهم المجال، لانهم عسكر كثير، فكتب إليهم
يأمرهم بالرجوع إلى الشام إلى منازلهم.
وبعث إليهم بطعام كثير وخيول كثيرة عتاق، يقال خمسمائة فرس، ففرح الناس
بذلك.
وفيها أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين، فوجه
إليهم عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الاتراك، ولم يفلت منهم
إلا اليسير، وبعث منهم أسارى (2) إلى عمر وهو بخناصرة.
وقد كان المؤذنون يذكرونه بعد أذانهم باقتراب الوقت وضيقه لئلا يؤخرها
كما كان يؤخرها من قبله، لكثرة الاشتغال، وكان ذلك عن أمره لهم بذلك
والله أعلم.
فروى ابن عساكر في ترجمة جرير بن عثمان الرحبي الحمصي قال: رأيت مؤذني
عمر بن عبد العزيز يسلمون عليه في الصلاة: السلام عليك أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة قد قاربت.
وفي هذه السنة عزل عمر يزيد بن المهلب عن إمرة العراق وبعث عدي بن
أرطاة الفزاري على إمرة البصرة، فاستقضى عليها الحسن البصري، ثم
استعفاه فأعفاه، واستقضى مكانه إياس بن معاوية الذكي المشهور، وبعث على
إمرة الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وضم
إليه أبا الزناد كاتبا بين يديه، واستقضى عليها عامرا الشعبي.
قال الواقدي: فلم يزل قاضيا عليها مدة خلافة عمر بن عبد العزيز، وجعل
على إمرة خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي، وكان نائب مكة عبد العزيز
بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى إمرة المدينة أبو بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، وهو الذي حج بالناس في هذه السنة، وعزل عن إمرة مصر عبد
الملك بن أبي وداعة وولى عليها أيوب بن شرحبيل، وجعل الفتيا إلى جعفر
بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب وعبيد الله بن أبي جعفر، فهؤلاء الذين
كانوا يفتون الناس، واستعمل على إفريقية وبلاد المغرب إسماعيل بن عبد
الله المخزومي، وكان حسن السيرة، وأسلم في ولايته على بلاد المغرب خلق
كثير من البرير والله سبحانه وتعالى أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان: الحسن
بن محمد بن الحنفية تابعي جليل، يقال إنه أول من تكلم في الارجاء، وقد
تقدم أن أبا عبيد قال: توفي في سنة خمس وتسعين.
وذكر خليفة أنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، وذكر شيخنا الذهبي في
الاعلام أنه توفي هذا العام، والله أعلم.
__________
(1) انظر كتاب عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة في فتوح ابن الاعثم 7 /
308.
(2) في الطبري 8 / 130 وابن الاثير 5 / 43: خمسين أسيرا.
(*)
(9/209)
عبد الله بن
محيريز بن جنادة بن عبيد القرشي الجمحي المكي، نزيل بيت المقدس، تابعي
جليل، روى عن زوج أم أبي محذورة المؤذن، وعبادة بن الصامت، وأبي سعيد،
ومعاوية، وغيرهم، وعنه خالد بن معدان، ومكحول، وحسان بن عطية، والزهري،
وآخرون.
وقد وثقه غير واحد، وأثنى عليه جماعة من
الائمة، حتى قال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعبادهم ابن
عمر، فإنا نفخر عليهم بعابدنا عبد الله بن محيريز.
وقال بعض ولده: كان يختم القرآن كل جمعة، وكان يفرش له الفراش فلا ينام
عليه، قالوا: وكان صموتا معتزلا للفتن، وكان لا يترك الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، ولا يذكر شيئا من خصاله المحمودة، ورأى على بعض
الامراء حلة من حرير فأنكر عليه، فقال: إنما البسها من أجل هؤلاء -
وأشار إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين - فقال له ابن محيريز: لا
تعدل بخوفك من الله خوف أحد من المخلوقين.
وقال الاوزاعي: من كان مقتديا فليقتد بمثله، فإن الله لا يضل أمة فيها
مثله.
قال بعضهم: توفي أيام الوليد، وقال خليفة بن خياط: توفي أيام عمر بن
عبد العزيز، وذكر الذهبي في الاعلام أنه توفي في هذا العام، والله
سبحانه أعلم.
دخل ابن محيريز مرة حانوت بزاز ليشتري منه ثوبا فرفع في السوم، فقال له
جاره: ويحك هذا ابن محيريز ضع له، فأخذ ابن محيريز بيد غلامه وقال:
اذهب بنا، إنما جئت لنشتري بأموالنا لا بأدياننا، فذهب وتركه.
محمود بن لبيد بن عقبة أبو نعيم الانصاري الاشهلي ولد في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أحاديث لكن حكمها حكم الارسال.
وقال البخاري: له صحبة.
وقال ابن عبد البر: هو أحسن من محمود بن الربيع.
قيل إنه توفي سنة ست وقيل سبع وتسعين، وذكر الذهبي في الاعلام أنه توفي
في هذا العام والله أعلم باليقين.
نافع بن جبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل القرشي النوفلي المدني، روى عن
أبيه وعثمان وعلي والعباس وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وروى عنه جماعة من
التابعين وغيرهم، وكان ثقة عابدا يحج ماشيا ومركوبه يقاد معه، قال غير
واحد: توفي سنة تسع وتسعين بالمدينة.
كريب بن مسلم مولى ابن عباس، روى عن جماعة من الصحابة وغيرهم، وكان
عنده حمل كتب، وكان من
الثقات المشهورين بالخير والديانة.
(9/210)
محمد بن جبير بن مطعم كان من علماء قريش وأشرافها، وله روايات كثيرة،
وكان يعقل مجة مجها النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وعمره أربع سنين،
توفي وعمره ثلاث وتسعون سنة بالمدينة.
مسلم بن يسار أبو عبد الله البصري، الفقيه الزاهد، له روايات كثيرة،
كان لا يفضل عليه أحد في زمانه، وكان عابدا ورعا زاهدا كثير الصلاة
كثير الخشوع، وقيل إنه وقع في داره حريق فأطفاؤه وهو في الصلاة لم يشعر
به.
وله مناقب كثيرة رحمه الله.
قلت: وانهدمت مرة ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها، وإنه لفي
المسجد في صلاته فما التفت.
وقال ابنه: رأيته ساجدا وهو يقول: متى ألقاك وأنت عني راض، ثم يذهب في
الدعاء، ثم يقول: متى ألقاك وأنت عني راض، وكان إذا كان في غير صلاة
كأنه في الصلاة، وقد تقدمت ترجمته.
حنش بن عمرو الصنعاني كان والي إفريقية وبلاد المغرب، وبافريقية توفي
غازيا، وله روايات كثيرة عن جماعة من الصحابة.
خارجة بن زيد ابن الضحاك الانصاري المدني الفقيه، كان يفتي بالمدينة،
وكان من فقهائها المعدوين، كان عالما بالفرائض وتقسيم المواريث، وهو
أحد الفقهاء السبعة الذين مدار الفتوى على قولهم. |