البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين ومائتين فيها عاثت قبيلة يقال لها بنو نمير
باليمامة فسادا فكتب الواثق إلى بغا الكبير وهو مقيم بأرض الحجاز
فحاربهم فقتل منهم جماعة وأسر منهم آخرين، وهزم بقيتهم، ثم التقى مع
بني تميم وهو في
__________
(1) الشامي البصري أبو اسحاق الحافظ سمع جعفر بن سليمان الضبعي وعبد
الوهاب الثقفي وطائفة (2) أبو بكر العيشي البصري أحد الاثبات.
(3) قال أبو حاتم لا بأس.
وقال ابن معين: ليس بشئ.
وقال الدار قطني: ثقه.
(4) البصري الاخباري الحافظ صنف كثيرا ومنها " كتاب الشعراء " وكان
صدوقا.
(5) محمد بن منهال البصري الضرير احفظ من بالبصرة وأحد الاثبات
والثقات.
ومحمد بن منهال العطار أخو الحجاج كان صدوقا.
(6) المروزي، أبو علي الخزاز الضرير نزيل بغداد، كان من حفاظ الوقت
وصاحب سنة.
ثقة.
(*)
(10/338)
ألفي فارس وهم
ثلاثة آلاف، فجرت بينهم حروب ثم كان الظفر له عليهم آخرا، وذلك في
النصف من جمادي الآخرة.
ثم عاد بعد ذلك إلى بغداد ومعهم من أعيان رؤوسهم في القيود والاسر
جماعة،
وقد فقد من أعيانهم في الوقائع ما ينيف على ألفي رجل من بني سليم ونمير
ومرة وكلاب وفزارة وثعلبة وطي وتميم وغيرهم.
وفي هذه السنة أصاب الحجيج في رجوعهم عطش شديد حتى بيعت الشربة
بالدنانير الكثيرة، ومات خلق كثير من العطش.
وفيها أمر الواثق بترك جباية أعشار سفن البحر.
وفيها كانت وفاة الخليفة الواثق بن محمد
المعتصم بن هارون الرشيد أبي جعفر هارون الواثق.
كان هلاكه في ذي الحجة من هذه السنة بعلة الاستسقاء، فلم يقدر على حضور
العيد عامئذ، فاستناب في الصلاة بالناس قاضيه أحمد بن أبي دؤاد الايادي
المعتزلي.
توفي لست بقين من ذي الحجة، وذلك أنه قوي به الاستسقاء فأقعد في تنور
قد أحمي له بحيث يمكنه الجلوس فيه ليسكن وجعه، فلان عليه بعض الشئ
اليسير، فلما كان من الغد أمر بأن يحمى أكثر من العادة فأجلس فيه ثم
أخرج فوضع في محفة فحمل فيها وحوله أمراؤه ووزراؤه وقاضيه، فمات وهو
محمول فيها، فما شعروا حتى سقط جبينه على المحفة وهو ميت، فغمض القاضي
عينيه بعد سقوط جبينه، وولي غسله والصلاة عليه ودفنه في قصر الهادي،
عليهما من الله ما يستحقانه.
وكان أبيض اللون مشربا حمرة جميل المنظر خبيث القلب حسن الجسم سئ
الطوية، قاتم العين اليسرى، فيها نكتة بيضاء، وكان مولده سنة ست وتسعين
ومائة بطريق مكة، فمات وهو ابن ست وثلاثين سنة، ومدة خلافته خمس سنين
وتسعة أشهر وخمسة أيام، وقيل سبعة أيام وثنتي عشرة ساعة.
فهكذا أيام أهل الظلم والفساد والبدع قليلة قصيرة.
وقد جمع الواثق أصحاب النجوم في زمانه حين اشتدت علته، وإنما اشتدت بعد
قتله أحمد بن نصر الخزاعي ليلحقه إلى بين يدي الله، فلما جمعهم أمرهم
أن ينظروا في مولده وما تقتضيه صناعة النجوم كم تدوم أيام دولته،
فاجتمع عنده من رؤوسهم جماعة منهم الحسن بن سهل والفضل بن إسحاق
الهاشمي، وإسماعيل بن نوبخت.
ومحمد بن موسى الخوارزمي المجوسي القطربلي وسند صاحب محمد بن الهيثم،
وعامة من ينظر في النجوم، فنظروا في مولده وما يقتضيه الحال عندهم
فأجمعوا على أنه يعيش في الخلافة دهرا طويلا، وقدروا له خمسين سنة
مستقبلة من يوم نظروا نظر من لم يبصر، فإنه لم يعش بعد قولهم وتقديرهم
إلا عشرة أيام حتى هلك.
ذكره الامام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله.
قال ابن جرير: وذكر الحسين بن الضحاك أنه شهد الواثق بعد أن مات
المعتصم بأيام وقد قعد مجلسا كان أول مجلس قعده، وكان أول ما غنى به في
ذلك المجلس أن غنته شارية جارية إبراهيم بن المهدي: ما درى الحاملون
يوم استقلوا * نعشه للثواء أم للقاء (1)
__________
(1) في الطبري 11 / 25: للفناء.
(*)
(10/339)
فليقل فيك
باكياتك ما شئ * ن صياحا في وقت كل مساء قال: فبكى وبكينا حتى شغلنا
البكاء عن جميع ما كنا فيه.
ثم اندفع بعضهم يغني: ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها
الرجل فازداد بكاؤه وقال: ما سمعت كاليوم قط تعزية بأب وبغى نفس، ثم
ارفض ذلك المجلس.
وروى الخطيب أن دعبل بن علي الشاعر لما تولى الواثق عمد إلى طومار فكتب
فيه أبيات شعر ثم جاء إلى الحاجب فدفعه إليه وقال: اقرأ أمير المؤمنين
السلام وقل: هذه أبيات امتحدك بها دعبل فلما فضها الواثق إذا فيها:
الحمد لله لا صبر ولا جلد * ولا عزاء إذا أهل الهوى (1) رقدوا خليفة
مات لم يحزن له أحد * وآخر قام لم يفرح به أحد فمر هذا ومر الشؤم يتبعه
* وقام هذا فقام الويل والنكد قال: فتطلبه الواثق بكل ما يقدر عليه من
الطلب فلم يقدر عليه حتى مات الواثق.
وروى أيضا أنه لما استخلف الواثق ابن أبي دؤاد على الصلاة في يوم العيد
ورجع إليه بعد أن قضاها قال له: كيف كان عيدكم يا أبا عبد الله ؟ قال:
كنا في نهار لا شمس فيه.
فضحك وقال: يا أبا عبد الله أنا مؤيد بك.
قال الخطيب: وكان ابن أبي دؤاد استولى على الواثق وحمله على التشديد في
المحنة ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن.
قال ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك قبل موته فأخبرني عبد الله بن أبي
الفتح، أنبأ أحمد بن إبراهيم بن الحسن، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة،
حدثني حامد بن العباس عن رجل
عن المهدي: أن الواثق مات وقد تاب من القول بخلق القرآن.
وروي أن الواثق دخل عليه يوما مؤدبه فأكرمه إكراما كثيرا فقيل له في
ذلك فقال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله وأدناني برحمة الله.
وكتب إليه بعض الشعراء: جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى * وقلت لها عفي
عن الطلب النزر فإن أمير المؤمنين بكفه * مدار رحا الارزاق دائمة تجري
فوقع له في رقعته جذبتك نفسك عن امتهانها، ودعتك إلى صونها فخذ ما
طلبته هينا.
وأجزل له العطاء.
ومن شعره قوله: هي المقادير تجري في أعنتها * فاصبر فليس لها صبر على
حال ومن شعر الواثق قوله:
__________
(1) في الاغاني 20 / 146: البلا.
(*)
(10/340)
تنح عن القبيح
ولا ترده * ومن أوليته حسنا فزده ستكفي من عدوك كل كيد * إذا كاد العدو
ولم تكده وقال القاضي يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد من خلفاء بني العباس
إلى آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق: ما مات وفيهم فقير.
ولما احتضر جعل يردد هذين البيتين: الموت فيه جمع الخلق مشترك * لا
سوقة منهم يبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم * وليس يغني عن
الاملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط فطويت ثم ألصق خده بالارض وجعل يقول:
يا من لا يزول ملكه أرحم من قد زال ملكه.
وقال بعضهم: لما احتضر الواثق ونحن حوله غشي عليه فقال بعضنا لبعض:
انظروا هل قضى ؟ قال: فدنوت من بينهم إليه لانظر هل هدأ نفسه، فأفاق
فلحظ إلي بعينه فرجعت القهقرى خوفا منه، فتعلقت قائمة سيفي بشئ فكدت أن
أهلك، فما كان عن قريب حتى مات وأغلق عليه الباب الذي هو فيه وبقي فيه
وحده واشتغلوا عن تجهيزه بالبيعة لاخيه جعفر المتوكل، وجلست أنا أحرس
الباب فسمعت حركة من داخل البيت فدخلت فإذا جرذ قد أكل عينه التي لحظ
إلي بها، وما كان حولها من الخدين.
وكانت وفاته بسر من رأى التي كان يسكنها في القصر الهاروني، في يوم
الاربعاء لست بقين من ذي الحجة من هذه السنة - أعني سنة ثنتين وثلاثين
ومائتين - عن ست وثلاثين سنة، وقيل ثنتين وثلاثين سنة.
وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام، وقيل خمس سنين وشهران
وأحد وعشرين يوما، وصلى عليه أخوه جعفر المتوكل على الله.
والله أعلم.
خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم
بويع له بالخلافة بعد أخيه الواثق وقت الزوال من يوم الاربعاء لست بقين
من ذي الحجة.
وكانت الاتراك قد عزموا على تولية محمد بن الواثق فاستصغروه فتركوه
وعدلوا إلى جعفر هذا، وكان عمره إذ ذاك ستا (1) وعشرين سنة، وكان الذي
ألبسه خلعة الخلافة أحمد بن أبي دؤاد القاضي، وكان هو أول من سلم عليه
بالخلافة وبايعه الخاصة والعامة، وكانوا قد اتفقوا على تسميته بالمنتصر
بالله، إلى صبيحة يوم الجمعة فقال ابن أبي دؤاد رأيت أن يلقب بالمتوكل
على الله، فاتفقوا على ذلك، وكتب إلى الآفاق وأمر بإعطاء الشاكرية من
الجند ثمانية شهور، وللمغاربة أربعة شهور ولغيرهم ثلاثة شهور واستبشر
الناس به.
وقد كان المتوكل رأى في منامه في حياة أخيه هارون الواثق كأن شيئا نزل
عليه من
__________
(1) في مروج الذهب 4 / 98: سبعا وعشرين وأشهر.
(*)
(10/341)
السماء مكتوب
فيه جعفر المتوكل على الله، فعبره فقيل له هي الخلافة، فبلغ ذلك أخاه
الواثق فسجنه حينا ثم أرسله.
وفيها حج بالناس أمير الحجيج محمد بن داود.
وفيها توفي الحكم بن موسى (1)،
وعمرو بن محمد (2) الناقد.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين في يوم
الاربعاء سابع صفر منها أمر الخليفة المتوكل على الله بالقبض على محمد
بن عبد الملك بن
الزيات وزير الواثق، وكان المتوكل يبغضه لامور، منها أن أخاه الواثق
غضب على المتوكل في بعض الاوقات وكان ابن الزيات يزيده غضبا عليه، فبقي
ذلك في نفسه، ثم كان الذي استرضى الواثق عليه أحمد بن أبي دؤاد فحظي
بذلك عنده في أيام ملكه، ومنها أن ابن الزيات كان قد أشار بخلافة محمد
بن الواثق بعد أبيه، ولف عليه الناس، وجعفر المتوكل في جنب دار الخلافة
لم يلتفت إليه ولم يتم الامر إلا لجعفر المتوكل على الله، رغم أنف ابن
الزيات.
فلهذا أمر بالقبض عليه سريعا فطلبه فركب بعد غدائه وهو يظن أن الخليفة
بعث إليه، فانتهى به الرسول إلى دار إيتاخ أمير الشرطة فاحتيط به وقيد
وبعثوا في الحال إلى داره فأخذ جميع ما فيها من الاموال واللآلئ
والجواهر والحواصل والجواري والاثاث، ووجدوا في مجلسه الخاص به آلات
الشرب، وبعث المتوكل في الحال أيضا إلى حواصله بسامرا وضياعه وما فيها
فاحتاط عليها، وأمر به أن يعذب ومنعوه من الكلام، وجعلوا يساهرونه كلما
أراد الرقاد نخس بالحديد، ثم وضعه بعد ذلك كله في تنور من خشب فيه
مسامير قائمة في أسفله فأقيم عليها ووكل به من يمنعه من القعود
والرقاد، فمكث كذلك أياما حتى مات وهو كذلك.
ويقال إنه أخرج من التنور وفيه رمق فضرب على بطنه ثم على ظهره حتى مات
وهو تحت الضرب، ويقال إنه أحرق ثم دفعت جثته إلى أولاده فدفنوه، فنبشت
عليه الكلاب فأكلت ما بقي من لحمه وجلده.
وكانت وفاته لاحدى عشرة من ربيع الاول منها.
وكان قيمة ما وجد له من الحواصل نحوا من تسعين ألف دينار وقد قدمنا أن
المتوكل سأله عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي فقال: يا أمير المؤمنين
أحرقني الله بالنار إن قتله الواثق إلا كافرا.
قال المتوكل: فأنا أحرقته بالنار.
وفيها في جمادى الاولى منها بعد مهلك ابن الزيات فلج أحمد بن دؤاد
القاضي المعتزلي.
فلم يزل مفلوجا حتى مات بعد أربع سنين وهو كذلك، كما دعا على نفسه حين
سأله المتوكل عن قتل أحمد بن نصر كما تقدم.
ثم غضب المتوكل على جماعة من الدواوين والعمال، وأخذ منهم أموالا جزيلة
جدا.
__________
(1) أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ سمع اسماعيل بن عياش وطبقته مات
في شوال وكان أحد العباد.
(2) أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيهها ومحدثها سمع هشيما وطبقته
توفي ببغداد في ذي الحجة.
(*)
(10/342)
وفيها ولى
المتوكل ابنه محمد المنتصر الحجاز واليمن وعقد له على ذلك كله في رمضان
منها.
وفيها عمد ملك الروم ميخائيل بن توفيل إلى أمه تدورة فأقامها بالشمس
وألزمها الدير وقتل الرجل الذي اتهمها به، وكان ملكها ست سنين.
وفيها حج بالناس محمد بن داود أمير مكة.
وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج
الشامي (1)، وحبان بن موسى العربي (2)، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي
(3)، وسهل بن عثمان العسكري (4)، ومحمد بن سماعة القاضي (5)، ومحمد بن
عائذ الدمشقي صاحب المغازي، ويحيى المقابري، ويحيى بن معين أحد أئمة
الجرح والتعديل، وأستاذ أهل هذه الصناعة في زمانه.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها خرج
محمد بن البعيث بن حلبس عن الطاعة في بلاده أذربيجان، وأظهر أن المتوكل
قد مات والتف عليه جماعة من أهل تلك الرساتيق، ولجأ إلى مدينة مرند
فحصنها، وجاءته البعوث من كل جانب، وأرسل إليه المتوكل جيوشا يتبع
بعضها بعضا، فنصبوا على بلده المجانيق من كل جانب، وحاصروه محاصرة
عظيمة جدا، وقاتلهم مقاتلة هائلة، وصبر هو وأصحابه صبر بليغا، وقدم بغا
الشرابي لمحاصرته، فلم يزل به حتى أسره واستباح أمواله وحريمه وقتل
خلقا من رؤوس أصحابه، وأسر سائرهم وانحسمت مادة ابن البعيث.
وفي جمادى الاولى منها خرج المتوكل إلى المدائن.
وفيها حج إيتاخ أحد الامراء الكبار وهو والي مكة، ودعي له على المنابر،
وقد كان ايتاخ هذا غلاما خزريا طباخا، وكان لرجل يقال له سلام الابرش،
فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة، فرفع منزلته وحظي عنده،
وكذلك الواثق من بعده، ضم إليه أعمالا كثيرة، وكذلك عامله المتوكل وذلك
لفروسيته ورجلته وشهامته، ولما كان في هذه السنة شرب ليلة مع المتوكل
فعربد عليه المتوكل فهم إيتاخ بقتله.
فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له: أنت أبي وأنت ربيتني، ثم
دس إليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج فاستأذن فأذن له، وأمره على كل
بلدة يحل بها، وخرج القواد في
__________
(1) المحدث بالبصرة روى عن الحمادين وخرج له النسائي.
(2) وهو حبان بن موسى بن سوار السلمي أبو محمد المروزي، وقيل أبو أحمزة
السكري روى عن ابن المبارك وكان ثقة
مشهورا.
(3) أبو أيوب التميمي ابن بنت شرحبيل، الشامي الحافظ محدث دمشق مات في
صفر وله 80 سنة.
(4) وهو سهل بن عثمان بن فارس الكندي، أبو مسعود العسكري نزيل الري أحد
الحفاظ.
قال في تقريب التهذيب مات سنة 235.
(5) أبو عبد الله القاضي الفقيه مات وقد جاوز المئة تفقه على أبي يوسف
وروى عن الليث بن سعد وله مصنفات.
(*)
(10/343)
خدمته إلى طريق
الحج حين خرج، ووكل المتوكل الحجابة لوصيف الخادم عوضا عن ايتاخ.
وحج بالناس فيها محمد بن داود أمير مكة وهو أمير الحجيج من سنين
متقدمة.
وفيها توفي أبو خيثمة زهير بن حرب.
وسليمان بن داود الشاركوني أحد الحفاظ.
وعبد الله بن محمد النفيلي.
وأبو ربيع الزهراني (1).
وعلي بن عبد الله بن جعفر المديني شيخ البخاري في صناعة الحديث.
ومحمد بن عبد الله بن نمير (2).
ومحمد بن أبي بكر المقدمي.
والمعافا الرسيعني.
ويحيى بن يحيى الليثي راوي الموطأ عن مالك.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين في جمادى
الآخرة منها كان هلاك إيتاخ في السجن، وذلك أنه رجع من الحج فتلقته
هدايا الخليفة، فلما اقترب يريد دخول سامرا التي فيها المتوكل بعث إليه
إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد عن أمر الخليفة يستدعيه إليها ليتلقاه
وجوه الناس وبني هاشم، فدخلها في أبهة عظيمة، فقبض عليه إسحاق بن
إبراهيم وعلى ابنيه مظفر ومنصور وكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد
النصراني فأسلم تحت العقوبة، وكان هلاك إيتاخ بالعطش، وذلك أنه أكل
أكلا كثيرا بعد جوع شديد ثم استسقى الماء فلم يسق حتى مات ليلة
الاربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة منها.
ومكث ولداه في السجن مدة خلافة المتوكل، فلما ولي المنتصر ولد المتوكل
أخرجهما.
وفي شوال منها قدم بغا سامرا ومعه محمد بن البعيث وأخواه صقر وخالد،
ونائبه العلاء ومعهم من رؤوس أصحابه نحو من مائة وثمانين إنسانا
فأدخلوا على الجمال ليراهم الناس، فلما أوقف ابن البعيث بين يدي
المتوكل أمر بضرب عنقه،
فأحضر السيف والنطع فجاء السيافون فوقفوا حوله، فقال له المتوكل: ويلك
ما دعاك إلى ما فعلت ؟ فقال: الشقوة يا أمير المؤمنين، وأنت الحبل
الممدود بين الله وبين خلقه، وإن لي فيك لظنين أسبقهما إلى قلبي
أولاهما بك، وهو العفو.
ثم اندفع يقول بديهة: أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي * إمام الهدى
والصفح بالمرء أجمل وهل أنا إلا جبلة من خطيئة * وعفوك من نور النبوة
يجبل فإنك خير السابقين إلى العلى * ولا شك أن خير الفعالين تفعل فقال
المتوكل: إن معه لادبا.
ثم عفا عنه.
ويقال بل شفع فيه المعتز بن المتوكل فشفعه، ويقال بل أودع في السجن في
قيوده فلم يزل فيه حتى هرب بعد ذلك، وقد قال حين هرب:
__________
(1) وهو سليمان بن داود العتكي، البصري نزيل بغداد ثقة لم يتكلم فيه
أحد بحجة.
(2) أبو عبد الرحمن الهمذاني الكوفي أحد الائمة جمع العلم والسنة
والزهد.
(*)
(10/344)
كم قد قضيت
أمورا كان أهملها * غيري وقد أخذ الافلاس بالكظم لا تعذليني فيما ليس
ينفعني * إليك عني جرى المقدور (1) بالقلم سأتلف المال في عسر وفي يسر
* إن الجواد يعطي على العدم وفيها أمر المتوكل أهل الذمة أن يتميزوا عن
المسلمين في لباسهم وعمائمهم وثيابهم، وأن يتطيلسوا بالمصبوغ بالقلى
وأن يكون على عمائمهم رقاع مخالفة للون ثيابهم من خلفهم ومن بين
أيديهم، وأن يلزموا بالزنانير الخاصرة لثيابهم كزنانير الفلاحين اليوم،
وأن يحملوا في رقابهم كرات من خشب كثيرة، وأن لا يركبوا خيلا، ولتكن
ركبهم من خشب، إلى غير ذلك من الامور المذلة لهم المهينة لنفوسهم، وأن
لا يستعملوا في شئ من الدواوين التي يكون لهم فيها حكم على مسلم، وأمر
بتخريب كنائسهم المحدثة، وبتضييق منازلهم المتسعة، فيؤخذ منها العشر،
وأن يعمل مما كان متسعا من منازلهم مسجد، وأمر بتسوية قبورهم بالارض،
وكتب بذلك إلى سائر الاقاليم والآفاق، وإلى كل بلد ورستاق.
وفيها خرج رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري، وهو ممن كان يتردد
إلى خشبة بابك وهو مصلوب فيقعد قريبا منه، وذلك بقرب دار الخلافة بسر
من رأى، فادعى أنه نبي، وأنه ذو القرنين وقد اتبعه على هذه الضلالة
ووافقه على هذه الجهالة جماعة قليلون، وهم تسعة (2) وعشرون رجلا، وقد
نظم لهم كلاما في مصحف له قبحه الله، زعم أن جبريل جاءه به من الله،
فأخذ فرفع أمره إلى المتوكل فأمر فضرب بين يديه بالسياط، فاعترف بما
نسب إليه وما هو معول عليه، وأظهر التوبة من ذلك والرجوع عنه، فأمر
الخليفة كل واحد من أتباعه التسعة والعشرين أن يصفعه فصفعوه عشر صفعات
فعليه وعليهم لعنة رب الارض والسموات.
ثم اتفق موته في يوم الاربعاء لثلاث خلون من ذي الحجة من هذه السنة.
وفي يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة أخذ المتوكل على الله العهد من
بعده لاولاده الثلاثة وهم: محمد المنتصر، ثم أبو عبد الله المعتز،
واسمه محمد، وقيل الزبير، ثم لابراهيم وسماه المؤيد بالله (3)، ولم يل
الخلافة هذا.
وأعطى كل واحد منهم طائفة من البلاد يكون نائبا عليها ويستنيب فيها
ويضرب له السكة بها، وقد عين ابن جرير ما لكل واحد منهم من البلدان
والاقاليم، وعقد لكل واحد منهم لواءين لواء أسود للعهد، ولواء للعمالة،
وكتب بينهم كتابا بالرضى منهم ومبايعته لاكثر الامراء على ذلك وكان
يوما مشهودا.
وفيها في شهر ذي الحجة منها تغير ماء دجلة إلى الصفرة ثلاثة أيام ثم
__________
(1) في الطبري 11 / 35 وابن الاثير 7 / 48: المقدار.
(2) في الطبري 11 / 38 وابن الاثير 7 / 50: سبعة.
(3) في مروج الذهب 4 / 100: المستعين بالله.
(*)
(10/345)
صار في لون ماء
الدردي (1) ففزع الناس لذلك.
وفيها أتى المتوكل بيحيى بن عمر بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب من بعض النواحي، وكان قد اجتمع إليه قوم من الشيعة فأمر بضربه
فضرب ثماني عشرة مقرعة ثم حبس في المطبق.
وحج بالناس محمد بن داود.
قال ابن جرير: وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم صاحب الجسر - يعني نائب
بغداد - يوم الثلاثاء
لسبع بقين من ذي الحجة وجعل ابنه محمد مكانه، وخلع عليه خمس خلع وقلده
سيفا.
قلت: وقد كان نائبا في العراق من زمن المأمون، وهو من الدعاة تبعا
لسادته وكبرائه إلى القول بخلق القرآن الذي قال الله تعالى فيهم (ربنا
إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل) [ الاحزاب: 67 ] الآية.
وهو الذي كان يمتحن الناس ويرسلهم إلى المأمون.
وفيها توفي: إسحاق بن [ إبراهيم بن
] (2) ماهان الموصلي النديم الاديب ابن الاديب النادر الشكل في وقته،
المجموع من كل فن يعرفه أبناء عصره، في الفقه والحديث والجدل والكلام
واللغة والشعر، ولكن اشتهر بالغناء لانه لم يكن له في الدنيا نظير فيه.
قال المعتصم: إن إسحاق إذا غنى يخيل لي أنه قد زيد في ملكي.
وقال المأمون: لولا اشتهاره بالغناء لوليته القضاء لما أعلمه من عفته
ونزاهته وأمانته.
وله شعر حسن وديوان كبير، وكانت عنده كتب كثيرة من كل فن.
توفي في هذه السنة وقيل في التي قبلها، وقيل في التي بعدها.
وقد ترجمه ابن عساكر ترجمة حافلة وذكر عنه أشياء حسنة وأشعارا رائقة
وحكايات مدهشة يطول استقصاؤها.
فمن غريب ذلك أنه غنى يوما يحيى بن خالد بن برمك فوقع له بألف ألف ووقع
له ابنه جعفر بمثلها، وابنه الفضل بمثلها، في حكايات طويلة.
وفيها توفي سريج (3) بن يونس.
وشيبان بن فروخ (4، وعبيد الله بن عمر القواريري (5).
وأبو بكر بن أبي شيبة أحد الاعلام وائمة الاسلام وصاحب المصنف الذي لم
يصنف أحد مثله قط لا قبله ولا بعده.
__________
(1) في الطبري 11 / 42 وابن الاثير 7 / 53: المدود.
(2) من وفيات الاعيان، وانظر ترجمته في الاغاني 17 / 62 تاريخ بغداد 6
/ 338 أنباه الرواة 1 / 215 معجم الادباء 6 / 5 نور القبس (316) ونزهة
الالباء ص 116 وتهذيب ابن عساكر 2 / 414.
(3) من تقريب التهذيب، وفي الاصل شريح.
وهو سريج بن يونس بن ابراهيم البغدادي، أبو الحارث مروزي الاصل.
أحد الائمة وصاحب حديث سمع اسماعيل بن جعفر وطبقته.
ثقة.
(4) الايلي وهو من كبار الشيوخ وثقاتهم.
قال عبدان: كان عنده (50) ألف حديث.
(5) البصري الحافظ أبو سعيد روى عن حماد بن زيد وطبقته فأكثر.
ثقة.
مات في ذي الحجة ببغداد.
(*)
(10/346)
|