البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
البداية
والنهاية - ابن كثير ج 11
البداية والنهاية
ابن كثير ج 11
(11/)
البداية
والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى
سنة 774 ه.
حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء الحادى عشر دار إحياء
التراث العربي
(11/3)
طبعة جديدة
محققة الطبعة الاولى 1408 ه.
1988 م
(11/4)
بسم الله
الرحمن الرحيم
خلافة المستعين بالله وهو أبو العباس أحمد
بن محمد المعتصم.
بويع له بالخلافة يوم مات المنتصر، بايعه عموم الناس، ثم خرجت عليه
شرذمة من الاتراك يقولون: يا معتز يا منصور (1).
فالتف عليهم خلق، وقام بنصر المستعين جمهور الجيش، فاقتتلوا قتالا
شديدا أياما فقتل منهم خلق من الفريقين، وانتهبت أماكن كثيرة من بغداد،
وجرت فتن منتشرة كثيرة جدا، ثم استقر الامر للمستعين فعزل وولى وقطع
ووصل، وأمر ونهى أياما ومدة غير طويلة.
وفيها مات بغا الكبير في جمادى الآخرة منها، فولى الخليفة مكانه ولده
موسى بن بغا (2).
وقد كانت له همم عالية وآثار سامية، وغزوات في المشارق والمغارب
متوالية وكان له من المتاع والضياع ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار.
وترك عشر حبات حوهر (3) قيمتها
ثلاثة آلاف ألف دينار، وثلاث حبات سلا ذهبا وورق.
وفيها عدا أهل حمص على عاملهم (4) فأخرجوه من بين أظهرهم، فأخذ منهم
المستعين مائة رجل من سراتهم وأمر بهدم سورهم.
وفيها حج بالناس محمد بن سليمان الزينبي.
وفيها توفي من الاعيان أحمد بن صالح
(5).
والحسين بن علي الكرابيسي (6).
وعبد الجبار بن العلاء (7).
وعبد
__________
(1) في ابن الاثير 7 / 117: نفير، يا منصور.
(2) وزاده على أعمال أبيه: ديوان البريد (الطبري - ابن الاثير).
(3) في الطبري 11 / 84: لؤلؤ، في الموضعين.
(4) وهو كيدر بن عبد الله (انظر الطبري - وابن الاثير).
(5) الحافظ المصري سمع ابن عيينة وابن وهب وخلقا وكان ثقة.
(6) الفقيه المتكلم أبو علي، تفقه على الشافعي كان متضلعا في الفقه
والحديث ومعرفة الرجال والاصول.
(*) =
(11/5)
الملك بن شعيب.
وعيسى بن حماد (1).
ومحمد بن حميد الرازي (2).
ومحمد بن زنبور (3).
ومحمد بن العلاء أبو كريب.
ومحمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي (4).
وأبو حاتم السجستاني واسمه سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي أبو
حاتم النحوي اللغوي صاحب المصنفات الكثيرة وكان بارعا في اللغة.
اشتغل فيها على أبي عبيد والاصمعي، وأكثر الرواية عن أبي زيد الانصاري.
وأخذ عنه المبرد وابن دريد وغيرهما.
وكان صالحا كثير الصدقة والتلاوة، كان يتصدق كل يوم بدينار ويقرأ في كل
أسبوع بختمة، وله شعر كثير منه قوله: أبرزوا وجهه الجميل * ولاموا من
افتتن لو أرادوا صيانتي * ستروا وجهه الحسن كانت وفاته في المحرم، وقيل
في رجب من هذه السنة.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتين
في يوم الجمعة للنصف من رجب التقى جمع من المسلمين وخلق من الروم
بالقرب من ملطية، فاقتتلوا قتالا شديدا، قتل من الفريقين خلق كثير،
وقتل أمير المسلمين عمر بن عبيد (5) الله بن الاقطع، وقتل معه ألفا رجل
من المسلمين، وكذلك قتل علي بن يحيى الارمني، وكان أميرا في طائفة من
المسلمين أيضا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد كان هذان الاميران من أكبر أنصار الاسلام.
ووقعت فتنة عظيمة ببغداد في أول يوم من صفر منها، وذلك أن العامة كرهوا
جماعة من الامراء الذين قد تغلبوا على أمر الخلافة وقتلوا المتوكل
واستضعفوا المنتصر والمستعين بعده فنهضوا إلى السجن فأخرجوا من كان
فيه، وجاؤا إلى أحد الجسرين فقطعوه وضربوا الآخر بالنار، وأحرقوا
ونادوا بالنفير
__________
= والكرابيس: الثياب الغلاظ.
(7) أبو بكر المصري ثم المكي العطار.
ثقة وصاحب حديث.
(1) التجيبي مولاهم المصري راوية الليث بن سعد.
(2) أبو عبد الله.
قال ابن شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري فيه نظر وقال النسائي: ليس
ثقة وقال أبو زرعة: يكذب (هذا ما قاله في المغني).
(3) من تقريب التهذيب، وفي الاصل: زينور بن أبي الازهر أبو صالح المكي
واسم زنبور جعفر، صدوق.
(4) الكوفي القاضي.
قال العجلي: لا بأس به.
قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
وقال غيره.
صدوق.
(5) من الطبري وابن الاثير، وفي الاصل عبد الله (*).
(11/6)
فاجتمع خلق
كثير وجم غفير، ونهبوا أماكن متعددة، وذلك بالجانب الشرقي من بغداد.
ثم جمع أهل اليسار أموالا كثيرة من أهل بغداد لتصرف إلى من ينهض إلى
ثغور المسلمين لقتال العدو عوضا عن من قتل من المسلمين هناك، فأقبل
الناس من نواحي الجبال وأهواز وفارس وغيرها لغزو الروم، وذلك أن
الخليفة والجيش لم ينهضوا إلى بلاد الروم وقتال أعداء الاسلام، وقد ضعف
جانب الخلافة واشتغلوا بالقيان والملاهي، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك
وفعلوا ما ذكرنا.
ولتسع بقين من ربيع الاول
نهض عامة أهل سامرا إلى السجن فأخرجوا من فيه أيضا كما فعل أهل بغداد
وجاءهم قوم من الجيش يقال لهم الزرافة فهزمتهم العامة، فعند ذلك ركب
وصيف وبغا الصغير وعامة الاتراك فقتلوا من العامة خلقا كثيرا، وجرت فتن
طويلة ثم سكنت.
وفي منتصف ربيع الآخر وقعت فتنة بين الاتراك وذلك أن المستعين قد فوض
أمر الخلافة والتصرف في أموال بيت المال إلى ثلاثة وهم أتامش التركي،
وكان أخص من عند الخليفة وهو بمنزلة الوزير، وفي حجره العباس بن
المستعين يربيه ويعلمه الفروسية.
وشاهك الخادم، وأم الخليفة (1).
وكان لا يمنعها شيئا تريده، وكان لها كاتب يقال له سلمة بن سعيد
النصراني.
فأقبل أتامش فأسرف في أخذ الاموال حتى لم يبق بيت المال شيئا، فغضب
الاتراك من ذلك وغاروا منه فاجتمعوا وركبوا عليه وأحاطوا بقصر الخلافة
وهو عند المستعين، ولم يمكنه منعه منهم ولا دفعهم عنه، فأخذوه صاغرا
فقتلوه وانتبهو أمواله وحواصله ودوره، واستوزر الخليفة بعده أبا صالح
عبد الله بن محمد بن يزداد، وولى بغا الصغير فلسطين، وولى وصيفا
الاهواز، وجرى خبط كثير وشر كثير، ووهن الخليفة وضعف.
وتحركت المغاربة بسامرا في يوم الخميس لثلاث خلون من جمادى الآخرة،
فكانوا يجتمعون فيركبون ثم يتفرقون.
وفي يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الاولى، وهو اليوم السادس عشر من
تموز، مطر أهل سامرا مطرا عظيما برعد شديد، وبرق متصل وغيم منعقد مطبق
والمطر مستهل كثير من أول النهار إلى اصفرار الشمس، وفي ذي الحجة أصاب
أهل الري زلزلة شديدة جدا، وتبعتها رجفة هائلة تهدمت منها الدور ومات
منها خلق كثير، وخرج بقية أهلها إلى الصحراء.
وفيها حج بالناس عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الامام وهو والي
مكة.
وفيها توفي من الاعيان أيوب بن محمد
الوزان.
والحسن بن الصباح البزار صاحب كتاب السنن ورجاء بن مرجا الحافظ.
وعبد بن حميد صاحب التفسير الحافل.
وعمرو بن علي الفلاس.
وعلي بن الجهم ابن بدر بن مسعود بن أسد (2) القرشي السامي من ولد سامة
بن لؤي الخراساني ثم البغدادي،
__________
(1) وهي أم ولد صقلبية يقال لها مخارق.
(2) في الاغاني 10 / 203 ووفيات الاعيان 3 / 355: أسيد (*).
(11/7)
أحد الشعراء
المشهورين وأهل الديانة المعتبرين.
وله ديوان شعر فيه أشعار حسنة، وكان فيه تحامل على علي بن أبي طالب رضي
الله عنه، وكان له خصوصية بالمتوكل ثم غضب عليه فنفاه إلى خراسان وأمر
نائبه بها أن يضربه مجردا ففعل به ذلك، ومن مستجاد شعره: بلاء ليس
يعدله بلاء * عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم يصنه * ويرتع
منك في عرض مصون (1) قال ذلك في مروان بن أبي حفصة حين هجاه فقال في
هجائه له: لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر * وهذا علي بعده يدعى الشعرا
ولكن أبي قد كان جار لامه * فلما ادعى الاشعار أوهمني أمرا كان علي بن
الجهم قد قدم الشام ثم عاد قاصدا العراق، فلما جاوز حلب (2) ثار عليه
أناس من بني كلب فقاتلهم فجرح جرحا بليغا فكان فيه حتفه، فوجد في ثيابه
رقعة مكتوب فيها: يارحمتا للغريب بالبلد النا * زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا * بالعيش من بعده وما انتفعا (3) كانت وفاته
لهذا السبب في هذه السنة.
ثم دخلت سنة خمسين ومائتين من الهجرة فيما
كان ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين (4) بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمه أم الحسين فاطمة بنت الحسين بن عبد
الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وذلك أنه أصابته فاقة شديدة فدخل سامرا فسأل وصيفا أن يجري عليه رزقا
فأغلظ له القول.
فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلق من الاعراب، وخرج إليه خلق من أهل
الكوفة، فنزل على الفلوجة وقد كثر الجمع معه، فكتب محمد بن عبد الله بن
طاهر نائب العراق إلى عامله بالكوفة - وهو أبو أيوب بن الحسن بن موسى
بن جعفر بن سليمان - يأمره بقتاله.
ودخل يحيى بن عمر قبل ذلك في طائفة من أصحابه إلى الكوفة فاحتوى على
بيت مالها فلم يجد فيه سوى ألفي دينار وسبعين ألف درهم، وظهر أمره
بالكوفة وفتح السجنين وأطلق من فيهما، وأخرج نواب الخليفة منها وأخذ
أموالهم واستحوذ عليها، واستحكم أمره بها، والتف عليه خلق
__________
(1) ديوان علي بن الجهم ص 187 (2) في الاغاني: على مرحلة من حلب، بموضع
يقال له خساف (انظر الطبري 11 / 86).
(3) البيتان في ديوانه: 154.
(4) في مروج الذهب 4 / 169 حسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب الطيار أبو الحسن.
وفيه أن خروجه كان سنة 248 ه (*).
(11/8)
من الزيدية
وغيره، ثم خرج من الكوفة إلى سوادها ثم كر راجعا إليها، فتلقاه عبد
الرحمن بن الخطاب الملقب وجه الفلس، فقاتله قتالا شديدا فانهزم وجه
الفلس ودخل يحيى بن عمر الكوفة ودعا إلى الرضى من آل محمد، وقوي أمره
جدا، وصار إليه جماعة كثيرة من أهل الكوفة، وتولاه أهل بغداد من العامة
وغيرهم ممن ينسب إلى التشيع، وأحبوه أكثر من كل من خرج قبله من أهل
البيت، وشرع في تحصيل السلاح وإعداد آلات الحرب وجمع الرجال.
وقد هرب نائب الكوفة منها إلى ظاهرها، واجتمع إليه أمداد كثيرة من جهة
الخليفة مع محمد بن عبد الله بن طاهر، واستراحوا وجمعوا خيولهم، فلما
كان اليوم الثاني عشر من رجب أشار من أشار على حيى بن عمر ممن لا رأي
له، أن يركب ويناجز الحسين بن إسماعيل ويكبس جيشه، فركب في جيش كثير من
خلق من الفرسان والمشاة أيضا من عامة أهل الكوفة بغير أسلحة، فساروا
إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا في ظلمة آخر الليل، فما طلع الفجر إلا وقد
انكشف أصحاب يحييب بن عمر، وقد تقنطر به فرسه ثم طعن في ظهره فخر أيضا،
فأخذوه وحزوا رأسه وحملوه إلى الامير فبعثوه إلى ابن طاهر فأرسله إلى
الخليفة من الغد مع رجل يقال له عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن
الخطاب، فنصب بسامرا ساعة من النهار ثم بعث به إلى بغداد فنصب عند
الجسر، ولم يمكن نصبه من كثرة
العامة فجعل في خزائن السلاح.
ولما جئ برأس يحيى بن عمر إلى محم بن عبد الله بن طاهر دخل الناس
يهنونه بالفتح والظفر، فدخل عليه أبو هاشم داود بن الهيثم الجعفري فقال
له: أيها الامير ! إنك لتهنى بقتل رجل لو كان رسول الله حيا لعزي به،
لما رد عليه شيئا ثم خرج أبو هشام الجعفري وهو يقول: يا بني طاهر كلوه
وبيا * إن لحم النبي غير مري إن وترا يكون طالبه الل * ه لوتر نجاحه
(1) بالحري وكان الخليفة قد وجه أميرا إلى الحسين بن إسماعيل نائب
الكوفة، فلما قتل يحيى بن عمر دخلوا الكوفة فأراد ذلك الامير أن يضع في
أهلها السيف فمنعه الحسين وأمن الاسود والابيض، وأطفأ الله هذه الفتنة.
فلما كان رمضان من هده السنة خرج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن
الحسن (2) بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بناحية طبرستان، وكان
سبب خروجه أنه لما قتل يحيى بن عمر أقطع المستعين لمحمد بن عبد الله بن
طاهر طائفة من أرض تلك الناحية، فبعث كاتبا له يقال له جابر بن هارون،
وكان نصرانيا، ليتسلم تلك الاراضي، فلما انتهى إليهم كرهوا ذلك جدا
وأرسلوا إلى الحسن بن زيد هذا فجاء إليهم فبايعوه والتف عليه جملة
الديلم وجماعة الامراء في تلك النواحي،
__________
* (1) في مروج الذهب: لوتر بالفوت غير حري (2) من الطبري ومروج الذهب
وابن الاثير، وفي الاصل الحسين (*)
(11/9)
فركب فيهم ودخل
آمل طبرستان وأخذها قهرا، وجبى خراجها، واستفحل أمره جدا، ثم خرج منها
طالبا لقتال سليمان بن عبد الله أمير تلك الناحية، فالتقيا هنالك فكانت
بينهما حروب ثم انهزم سليمان هزيمة منكرة، وترك أهله وماله ولم يرجع
دون جرجان فدخل الحسن بن زيد سارية فأخذ ما فيها من الاموال والحواصل،
وسير أهل سليمان إليه مكرمين على مراكب، واجتمع للحسن بن زيد إمرة
طبرستان بكمالها.
ثم بعث إلى الري فأخذها أيضا وأخرج منها الطاهرية، وصار إلى جند همذان
ولما
بلغ خبره المستعين - وكان مدير ملكه يومئذ وصيف التركي - اغتم لذلك جدا
واجتهد في بعض الجيوش والامداد لقتال الحسن بن زيد هذا.
وفي يوم عرفة منها ظهر بالري أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب، وإدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى (1) بن
حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فصلى بالناس يوم العيد أحمد بن عيسى هذا
ودعا إلى الرضى من آل محمد، فحاربه محمد بن علي بن طاهر فهزمه أحمد بن
عيسى هذا واستفحل أمره.
وفيها وثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن فقتلوه في رجب، فوجه
المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير فاقتتلوا بأرض الرستن فهزمهم وقتل
جماعة من أهلها وأحرق أماكن كثيرة منها، وأسر أشراف أهلها.
وفيها وثبت الشاكرية والجند في أرض فارس على عبد الله بن إسحاق بن
إبراهيم فهرب منهم فانتهبوا داره وقتلوا محمد بن الحسن بن قارن.
وفيها غضب الخليفة على جعفر بن عبد الواحد ونفاه إلى البصرة.
وفيها أسقطت مرتبة جماعة من الامويين في دار الخلافة.
وفيها حج بالناس جعفر بن الفضل أمير مكة.
وفيها توفي من الاعيان أبو الطاهر
أحمد بن عمرو بن السرح (2)، والبزي (3) أحد القراء المشاهير.
الحارث بن مسكين (4).
وأبو حاتم السجستاني.
وقد تقدم ذكره في التي قبلها وعياد بن يعقوب الرواجني (5) وعمرو بن بحر
الجاحظ صاحب الكلام والمصنفات.
وكثير ين عبيد الحمصي (6).
ونصر بن علي الجهضمي (7).
__________
(1) في الطبري وابن الاثير: موسى بن عبد الله بن حسن.
(2) في النجوم الزاهرة المطبوع " السراج " خطأ، وهو مولى بني أميه،
الفقيه روى عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (3) واسمه أحمد بن
محمد، أبو الحسن، مؤذن المسجد الحرام وشيخ الاقراء.
قال الذهبي في المغني: ثقة في القراءة.
قال العقيلى: منكر الحديث.
(4) أبو عمرو قاضي الديار المصرية فقيها على مذهب مالك ثقة ثبتا في
الحديث مات وله 96 سنة.
(5) الكوفي الحافظ الحجة سمع من شريك والوليد بن أبي ثور والكبار، صدوق
قاله ابن خزيمة.
(6) المذحجي إمام جامع حمص كان عبدا صالحا حدث عن ابن عيينة وبقية.
(7) أبو عمر البصري الحافظ الثقة أحد أوعية العلم روى عنه أبو داود
والترمذي والنسائي وغيرهم (*).
(11/10)
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين فيها اجتمع رأي المستعين وبغا الصغير
ووصيف على قتل باغر التركي، وكان من قواد الامراء الكبار الذين باشروا
قتل المتوكل، وقد اتسع إقطاعه وكثر عماله، فقتل ونهبت دار كتابه دليل
بن يعقوب النصراني، ونهبت أمواله وحواصله، وركب الخليفة في حراقة من
سامرا إلى بغداد فاضطربت الامور بسبب خروجه، وذلك في المحرم.
فنزل دار محمد بن عبد الله بن طاهر.
وفيها وقعت فتنة شنعاء بين جند بغداد وجند سامرا، ودعا أهل سامرا إلى
بيعة المعتز، واستقر أمر أهل بغداد على المستعين، وأخرج المعتز وأخوه
المؤيد من السجن فبايع أهل سامرا المعتز واستحوذ على حواصل بيت المال
بها فإذا بها خمسمائة ألف دينار، وفي خزانة أم المستعين ألف ألف دينار،
وفي حواصل العباس بن المستعين ستمائة ألف دينار، واستفحل أمر المعتز
بسامرا.
وأمر المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر أن يحصن بغداد ويعمل في
السورين والخندق، وغرم على ذلك ثلثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار،
ووكل بكل باب أميرا يحفظه، ونصب على السور خمسة مناجيق (1)، منها واحد
كبير جدا، يقال له الغضبان، وست عرادات وأعدوا آلات الحرب والحصار
والعدد، وقطعت القناطر من كل ناحية لئلا يصل الجيش إليهم.
وكتب المعتز إلى محمد بن علي بن طاهر يدعوه إلى الدخول معه في أمره،
ويذكره ما كان أخذه عليهم أبوه المتوكل من العهود والمواثيق، من أنه
ولي العهد بعده (2)، فلم يلتفت إليه بل رد عليه واحتج بحجج يطول ذكرها.
وكتب كل واحد من المستعين والمعتز إلى موسى بن بغا الكبير وهو مقيم
بأطراف الشام لحرب أهل.
حمص يدعوه إلى نفسه وبعث إليه بألوية يعقدها لمن اختار من أصحابه، وكتب
إليه المستعين يأمره بالمسير إليه إلى بغداد ويأمره أن يستنيب في عمله،
فركب مسرعا فسار إلى سامرا فكان مع المعتز على المستعين.
وكذلك هرب عبد الله بن بغا الصغير من عند أبيه من بغداد إلى المعتز،
وكذلك غيره من الامراء والاتراك.
وعقد المعتز لاخيه أبي أحمد بن المتوكل على حرب المستعين
وجهز معه جيشا لذلك، فسار في خمسة آلاف من الاتراك وغيرهم نحو بغداد،
وصلى بعكبرا يوم الجمعة، ودعا لاخيه المعتز.
ثم وصل إلى بغداد ليلة الاحد لسبع لخون من صفر فاجتمعت العساكر هنالك،
وقد قال رجل يقال له باذنجانة كان في عسكر أبي أحمد: يا بني طاهر جنود
الل * ه والموت بينها منثور (3) وجيوش أمامهن (4) أبو أحم * د نعم
المولى ونعم النصير
__________
(1) في الطبري: مجانيق، وفي ابن الاثير: منجنيقات.
(2) تقدم أن المتوكل أخذ البيعة لاولاده: المنتصر وبعده المعتز ثم
المؤيد (انظر الطبري - ابن الاثير ومروج الذهب).
(3) البيت في ابن الاثير 7 / 145 والطبري 11 / 103: يا بني طاهر أتتكم.
في ابن الاثير: مشهور.
(4) في ابن الاثير: إمامهم (*).
(11/11)
ثم جرت بينهما
حروب طويلة وفتن مهولة جدا قد ذكرها ابن جرير مطولة، ثم بعث المعتز مع
موسى بن ارشناس ثلاثة آلاف مددا لاخيه أبي أحمد فوصلوا لليلة بقيت من
ربيع الاول فوقفوا في الجانب الغربي عند باب قطر بل، وأبو أحمد وأصحابه
على باب الشماسية، والحرب مستعرة والقتال كثير جدا، والقتل واقع.
قال ابن جرير.
وذكر أن المعتز كتب إلى أخيه أبي أحمد يلومه على التقصير في قتال أهل
بغداد فكتب إليه أبو أحمد: لامر المنايا علينا طريق * وللدهر فينا
اتساع وضيق وأيامنا عبر للانام * فمنها البكور ومنها الطروق ومنها هنات
تشيب الوليد * ويخذل فيها الصديق الصديق (1) وسور عريض له (2) ذروة *
تفوت العيون وبحر عميق قتال مبيد وسيف عتيد * وخوف شديد وحصن وثيق
وطول صياح لداعي الصباح ال * سلاح السلاح فما يستفيق فهذا طريح (3)
وهذا جريح * وهذا حريق وهذا غريق وهذا قتيل وهذا تليل * وآخر يشدخه
المنجنيق هناك اغتصاب وثم انتهاب * ودور خراب وكانت تروق إذا ما سمونا
إلى مسلك * وجدناه قد سد عنا الطريق فبالله نبلغ ما نرتجيه * وبالله
ندفع ما لانطيق قال ابن جرير: هذا الشعر ينشد لعلي بن أمية في فتنة
المخلوع والمأمون، وقد استمرت الفتنة والقتال ببغداد بين أبي أحمد أخي
المعتز وبين محمد بن عبد الله بن طاهر نائب المستعين، والبلد محصور
وأهله في ضيق شديد جدا، بقية شهور هذه السنة، وقتل من الفريقين خلق
كثير في وقعات متعددات، وأيام نحسات، فتارة يظهر أصحاب أبي أحمد
ويأخذون بعض الابواب فتحمل عليهم الطاهرية فيزيحونهم عنها، ويقتلون
منهم خلقا ثم يتراجعون إلى مواقفهم ويصابرونهم مصابرة عظيمة.
لكن أهل بغداد كلما هم إلى ضعف بسبب قلة الميرة والجلب إلى داخل البلد،
ثم شاع بين العامة أن محمد بن عبد الله بن طاهر يريد أن يخلع المستعين
ويبايع للمعتز، وذلك في أواخر السنة، فتنصل من ذلك واعتذر إلى الخليفة
وإلى العامة.
وحلف بالايمان الغليظة فلم تبرأ ساحته من ذلك حق البراءة عند العامة،
واجتمعت العامة والغوغاء إلى دار ابن طاهر والخليفة نازل بها، فسألوا
أن يبرز لهم الخليفة ليروه ويسألوه عن ابن طاهر أهو راض عنه أم لا.
وما زالت الضجة والاصوات مرتفعة حتى برز لهم الخليفة من فوق المكان
الذي هم فيه وعليه السواد ومن فوقه البردة النبوية وبيده القضيب
__________
(1) في ابن الاثير 7 / 152: الصدوق.
والقافية فيه وفي الطبري " بالرفع ".
(2) في ابن الاثير.
وفتنة دين لها..(3) في الطبري: قتيل (*)
(11/12)
وقال لهم فيما
خاطبهم به: أقسمت عليكم بحق صاحب هذه البردة والقضيب لما رجعتم إلى
منازلكم
ورضيتم عن ابن طاهر فإنه غير متهم لدي.
فسكت الغوغاء ورجعوا إلى منازلهم، ثم انتقل الخليفة من دار ابن طاهر
إلى دار رزق الخادم (1)، وذلك في أوائل ذي الحجة، وصلى بهم العيد يوم
الاضحى في الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر، وبرز الخليفة يومئذ للناس
وبين يديه الحربة وعليه البردة وبيده القضيب وكان يوما مشهودا ببغداد
على ما بأهلها من الحصار والغلاء بالاسعار، وقد اجتمع على الناس الخوف
والجوع المترجمان لباس الخوع والخوف، نسأل الله العافية في الدنيا
والآخرة.
ولما تفاقم الامر واشتد الحال وضاق المجال وجاع العيال وجهد الرجال،
جعل ابن طاهر يظهر ما كان كامنا في نفسه من خلق المستعين، فجعل يعرض له
في ذلك ولا يصرح، ثم كاشفه به وأظهره له وناظره فيه وقال له: إن
المصلحة تقتضي أن تصالح عن الخلافة على مال تأخذه سلفا وتعجيلا، وأن
يكون لك من الخراج في كل عام ما تختاره وتحتاجه، ولم يزل يفتل في
الذروة والغارب حتى أجاب إلى ذلك وأناب.
فكتب فيما اشترطه المستعين في خلعه نفسه من الخلافة كتابا، فلما كان
يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة ركب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى
الرصافة وجمع القضاة والفقهاء وأدخلهم على المستعين فوجا فوجا يشهدون
عليه أنه قد صير أمره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وكذلك جماعة
الحجاب والخدم، ثم تسلم منه جوهر الخلافة، وأقام عند المستعين إلى هوي
من الليل.
وأصبح الناس يذكرون ويتنوعون فيما يقولون من الاراجيف.
وأما ابن طاهر فإنه أرسل بالكتاب مع جماعة من الامراء إلى المعتز
بسامرا، فلما قدموا عليه بذلك أكرمهم وخلع عليهم وأجازهم فأسنى
جوائزهم.
وسيأتي ما كان من أمره أول السنة الداخلة.
وفيها كان ظهور رجل من أهل البيت أيضا بأرض قزوين وزنجان في ربيع الاول
منها، وهو الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الارقط بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويعرف بالكوكبي (2).
وسيأتي ما كان من أمره هناك.
وفيها خرج إسماعيل بن يوسف العلوي، وهو ابن أخت موسى بن عبيد الله
الحسني، وسيأتي ما كان من أمره أيضا.
وفيها خرج بالكوفة ايضا رجل من الطالبيين وهو الحسين بن محمد (3) بن
حمزة بن عبد الله بن حسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فوجه
إليه المستعين مزاحم بن خاقان فاقتتلا فهزم العلوي وقتل من
أصحابه بشر كثير.
ولما دخل مزاحم الكوفة حرق بها ألف دار ونهب أموال الذين خرجوا معه،
وباع بعض جواري الحسين بن محمد هذا، وكانت معتقة.
__________
(1) وكانت دار ابن رزق بالرصافة (ابن الاثير 7 / 159 الطبري 11 / 133).
(2) في ابن الاثير 7 / 165 ومروج الذهب 4 / 176: الكركي، وذكره صاحب
المروج: الحسن بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب وهو من ولد الارقط.
(3) في ابن الاثير: أحمد (*).
(11/13)
وفيها ظهر
إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (1) بن علي
بن أبي طالب بمكة فهرب منه نائبها جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى،
فانتهب منزله ومنازل أصحابه وقتل جماعة من الجند وغيرهم من أهل مكة،
وأخذ ما في الكعبة من الذهب والفضة والطيب وكسوة الكعبة، وأخذ من الناس
نحوا من مائتي ألف دينار، ثم خرج إلى المدينة النبوية فهرب منه نائبها
أيضا علي بن الحسين بن علي بن إسماعيل، ثم رجع إسماعيل بن يوسف إلى مكة
في رجب فحصر أهلها حتى هلكوا جوعا وعطشا فبيع الخبز ثلاث أواق بدرهم،
واللحم الرطل بأربعة، وشربة الماء بثلاثة دراهم، ولقي منه أهل مكة كل
بلاء، فترحل عنهم إلى جدة - بعد مقامه عليهم سبعة وخمسين يوما - فانتهب
أموال التجار هنالك وأخذ المراكب وقطع الميرة عن أهل مكة ثم عاد إلى
مكة لا جزاه الله خيرا عن المسلمين.
فلما كان يوم عرفة لم يمكن الناس من الوقوف نهارا ولا ليلا، وقتل من
الحجيج ألفا ومائة، وسلبهم أموالهم ولم يقف بعرفة عامئذ سواه ومن معه
من الحرامية، لا تقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.
وفيها وهن أمر الخلافة جدا.
وفيها توفي من الاعيان إسحاق بن
منصور الكوننج (2) وحميد بن زنجويه (3).
وعمرو بن عثمان بن كثير بن دينار الحمصي (4).
وأبو البقى (5) هشام بن عبد الملك اليزني.
سنة ثنتين وخمسين ومائتين " ذكر خلافة
المعتز بالله بن المتوكل على الله بعد خلع المستعين نفسه "
استهلت هذه السنة وقد استقرت الخلافة باسم أبي عبد الله محمد المعتز بن
جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، وقيل إن اسم المعتز
أحمد، وقيل الزبير، وهو الذي عول عليه ابن عساكر وترجمه في تاريخه.
فلما خلع المستعين نفسه من الخلافة وبايع للمعتز دعا الخطباء يوم
الجمعة رابع المحرم من هذه السنة بجوامع بغداد على المنابر للخليفة
المعتز بالله، وانتقل المستعين من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل هو
وعياله وولده وجواريه، ووكل بهم سعيد بن رجاء في جماعة معه، وأخذ من
المستعين البردة والقضيب والخاتم، وبعث بذلك إلى المعتز ثم أرسل إليه
المعتز يطلب منه خاتمين من جوهر ثمين عنده يقال لاحدهما برج وللآخر
جبل.
فأرسلهما.
وطلب المستعين أن يسير إلى مكة فلم يمكن، فطلب البصرة فقيل له إنها
وبيئة.
فقال إن ترك الخلافة أوبأ منها.
ثم أذن له في المسير إلى
__________
(1) من الطبري وابن الاثير، وفي الاصل: الحسين.
(2) في ابن الاثير 7 / 166: الكوشج.
وفي تقريب التهذيب: 1 / 61: الكوسج.
وهو أبو يعقوب المروزي سمع ابن عيينة وتفقه على أحمد وإسحاق وكان ثقة
نبيلا.
(3) أبو أحمد النسائي الحافظ من الثقات روى عن النضر بن شميل وخلق
بعده.
(4) محدث حمص كان ثقة عدلا.
روى عن إسماعيل بن عياش وبقية وابن عيينة (5) في تقريب التهذيب: أبو
تقي، الحمصي الحافظ الثقة المتقن روى عن إسماعيل بن عياش وبقية بن
الوليد (*).
(11/14)
واسط فخرج ومعه
حرس يوصلونه إليها نحو من أربعمائة.
واستوزر المعتز أحمد بن أبي إسرائيل وخلع عليه وألبسه تاجا على رأسه.
ولما تمهد أمر بغداد واستقرت البيعة للمعتز بها ودان لهو أهلها وقدمتها
الميرة من كل جانب، واتسع الناس في الارزاق والاطعمة، ركب أبو أحمد
منها في يوم السبت لثنتي عشرة ليلة من المحرم إلى سامرا وشيعه ابن طاهر
في وجوه الامراء، فخلع أبو أحمد على ابن طاهر خمس خلع وسيفا ورده من
الطريق إلى بغداد.
وقد ذكر ابن جرير مدائح الشعراء في المعتز وتشفيهم بخلع المستعين،
فأكثر من ذلك جدا، فمن ذلك قول محمد بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان
في مدح
المعتز وذم المستعين كما جرت به عادة الشعراء: إن الامور إلى المعتز قد
رجعت * والمستعين إلى حالاته رجعا وكان يعلم أن الملك ليس له * وأنه لك
لكن نفسه خدعا ومالك الملك مؤتيه ونازعه * آتاك ملكا ومنه الملك قد
نزعا إن الخلافة كانت لا تلائمه * كانت كذات حليل زوجت متعا ما كان
أقبح عند الناس بيعته * وكان أحسن قول الناس قد خلعا ليت السفين إلى
قاف دفعن به * نفسي الفداء لملاح به دفعا كم ساس قبلك أمر الناس من ملك
* لو كان حمل ما حملته ظلعا أمسى بك الناس بعد الضيق في سعة * والله
يجعل بعد الضيق متسعا والله يدفع عنك السوء من ملك * فإنه بك عنا السوء
قد دفعا وكتب المعتز من سامرا إلى نائب بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر
أن يسقط اسم وصيف وبغا ومن كان في رسمهما في الدواوين عزم على قتلهما،
ثم استرضي عنهما فرضي عنهما.
وفي رجب من هذه السنة خلع المعتز أخاه إبراهيم الملقب بالمؤيد من ولاية
العهد وحبسه، وأخاه أبا أحمد، بعدما ضرب المؤيد أربعين مقرعة.
ولما كان يوم الجمعة خطب بخلعه وأمره أن يكتب كتابا على نفسه بذلك،
وكانت وفاته بعد ذلك بخمسة عشر يوما، فقيل إنه أدرج في لحاف سمور وأمسك
طرفاه حتى مات غما، وقيل بل ضرب بحجارة من ثلج حتى مات بردا وبعد ذلك
أخرج من السجن ولا أثر به فأحضر القضاة والاعيان فشهدوا على موته من
غير سبب ولا أثر، حمل على حمار ومعه كفنه إلى أمه فدفنته.
ذكر مقتل المستعين في شوال منها كتب
المعتز إلى نائبه محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بتجهيز جيش نحو
المستعين فجهز أحمد بن طولون التركي فوافاه فأخرجه لست بقين من رمضان
فقدم به القاطول لثلاث مضين من شوال ثم قتل، فقيل ضرب حتى مات، وقيل بل
غرق في دجيل، وقيل بل ضربت عنقه.
وقد ذكر ابن جرير: أن المستعين سأل من سعيد بن صالح التركي حين أراد
قتله أن يمهله حتى يصلي ركعتين
فأمهله، فلما كان في السجدة الاخيرة قتله وهو ساجد، ودفن جثته في مكان
صلاته، وخفى أثره وحمل
(11/15)
رأسه إلى المعتز فدخل به عليه وهو يلعب بالشطرنج، فقيل هذا رأس
المخلوع.
فقال: ضعوه حتى أفرغ من الدست.
فلما فرغ نظر إليه وأمر بدفنه، ثم أمر لسعيد بن صالح الذي قتله بخمسين
ألف درهم، وولاه معونة البصرة وفيها مات إسماعيل بن يوسف العلوي الذي
فعل بمكة ما فعل كما تقدم من إلحاده في الحرم، فأهلكه الله في هذه
السنة عاجلا ولم ينظره.
وفيها مات أحمد بن محمد المعتصم وهو المستعين بالله كما تقدم.
وإسحاق بن بهلول (1)، وزياد بن أيوب (2)، ومحمد بن بشار بندار (3).
وموسى بن المثنى الزمن (4).
ويعقوب بن إبراهيم الدورقي (5). |