البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وثلثمائة في هذه السنة المباركة في ذي القعدة
منها رد الحجر الاسود المكي إلى مكانه في البيت،
وقد كان القرامطة أخذوه في سنة سبع عشرة وثلثمائة كما تقدم، وكان ملكهم
إذ ذاك أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسين الجنابي، ولما وقع هذا أعظم
المسلمون ذلك، وقد بذل لهم الامير بجكم التركي خمسين ألف دينار على أن
يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمر فلا نرده إلا
بأمر من أخذناه بأمره.
فلما كان في هذا العام حملوه إلى الكوفة وعلقوه على الاسطوانة السابعة
من جامعها ليراه
الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابا فيه: إنا أخذنا هذا الحجر بأمر وقد
رددناه بأمر من أمرنا بأخذه ليتم حج الناس ومناسكهم.
ثم أرسلوه إلى مكة بغير شئ على قعود، فوصل في ذي القعدة من هذه السنة
ولله الحمد والمنة، وكان مدة مغايبته عنده ثنتين وعشرين سنة، ففرح
المسلمون لذلك فرحا شديدا.
وقد ذكر غير واحد أن القرامطة لما أخذوه حملوه على عدة جمال فعطبت تحته
واعترى أسنمتها القرح، ولما ردوه حمله قعود واحد ولم يصبه أذى.
وفيها دخل سيف الدولة بن حمدان بجيش عظيم نحو من ثلاثين ألفا إلى بلاد
الروم فوغل فيها وفتح حصونا وقتل خلقا وأسر أمما وغنم شيئا كثيرا ثم
رجع، فأخذت عليه الروم الدرب الذي يخرج منه فقتلوا عامة من معه وأسروا
بقيتهم واستردوا ما كان أخذه، ونجا سيف الدولة في نفر يسير من أصحابه.
وفيها مات الوزير أبو جعفر الضميري (1) فاستوزر معز الدولة مكانه أبا
محمد الحسين (2) بن محمد المهلبي في جمادى الاولى.
فاستفحل أمر عمران بن شاهين الصياد وتفاقم الامر به، فبعث إليه معز
الدولة جيشا بعد جيش، كل ذلك يهزمهم مرة بعد مرة، ثم عدل معز الدولة
إلى مصالحته واستعماله له على بعض تلك النواحي، ثم كان من أمره ما
سنذكره إن شاء الله تعالى.
__________
(1) تقدمت الاشارة إليه.
(2) في الكامل 8 / 485 والعبر 3 / 424: الحسن (*).
(11/252)
وممن توفي فيها
من الاعيان: الحسن بن داود بن باب شاذ أبو الحسن المصري قدم بغداد.
كان من أفاضل الناس وعلمائهم، بمذهب أبي حنيفة، مبسوط الذكاء قوي
الفهم، كتب الحديث، وكان ثقة.
مات ببغداد في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية ولم يبلغ من العمر
أربعين سنة.
محمد القاهر بالله أمير المؤمنين ابن المعتضد بالله، ولي الخلافة سنة
وستة أشهر وسبعة أيام.
وكان بطاشا سريع الانتقام،
فخاف منه وزيره أبو علي بن مقلة فاستتر منه فشرع في العمل عليه عند
الاتراك، فخلعوه وسملوا عينيه وأودع دار الخلافة برهة من الدهر، ثم
أخرج في سنة ثلاث وثلاثين إلى دار ابن طاهر، وقد نالته فاقة وحاجة
شديدة، وسأل في بعض الايام.
ثم كانت وفاته في هذا العام، وله ثنتان وخمسون سنة، ودفن إلى جانب أبيه
المعتضد.
محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله الصفار الاصبهاني محدث عصره
بخراسان، سمع الكثير وحدث عن ابن أبي الدنيا ببعض كتبه، وكان مجاب
الدعوة، ومكث لا يرفع رأسه إلى السماء نيفا وأربعين سنة، وكان يقول
اسمي محمد واسم أبي عبد الله واسم أمي آمنة، يفرح بهذه الموافقة في
الاسم واسم الاب واسم الام، لان النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه
محمد، واسم أبيه عبد الله، وأمه اسمها آمنة.
أبو نصر الفارابي التركي (1) الفيلسوف، وكان من أعلم الناس بالموسيقى،
بحيث كان يتوسل به وبصناعته إلى الناس في الحاضرين من المستمعين إن شاء
حرك ما يبكي أو يضحك أو ينوم.
وكان حاذقا في الفلسفة، ومن كتبه تفقه ابن سينا، وكان يقول بالمعاد
الروحاني لا الجثماني، ويخصص بالمعاد الارواح العالمة لا الجاهلة، وله
مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الاقدمين، فعليه إن كان
مات على ذلك لعنة رب العالمين.
مات بدمشق فيما قاله ابن الاثير في كامله ولم أن الحافظ ابن عساكر ذكره
في تاريخه لنتنه وقباحته فالله أعلم.
__________
(1) هو محمد بن محمد بن طرخان التركي ولد بفاراب.
قال أبو الفداء في مختصر أخبار البشر ص 99: تسمى اليوم أطرار.
مات بدمشق ناهز الثمانين ودفن خارج باب الصغير (*).
(11/253)
ثم دخلت سنة أربعين وثلثمائة فيها قصد صاحب عمان (1) البصرة ليأخذها في
مراكب كثيرة، وجاء لنصره أبو يعقوب الهجري فمانعه الوزير أبو محمد
المهلبي وصده عنها، وأسر جماعة من أصحابه وسبا سبيا كثيرا من مراكبه
فساقها معه في دجلة، ودخل بها إلى بغداد في أبهة عظيمة ولله الحمد.
وفيها رفع إلى الوزير أبي محمد المهلبي رجل من أصحاب أبي جعفر بن أبي
العز (2) الذي كان قتل على الزندقة كما قتل الحلاج، فكان هذا الرجل
يدعي ما كان يدعيه ابن أبي العز، وقد ابتعه جماعة من الجهلة من أهل
بغداد، وصدقوه في دعواه الربوبية، وأن أرواح الانبياء والصديقين تنتقل
إليهم.
ووجد في منزله كتب تدل على ذلك.
فلما تحقق أنه هالك ادعى أنه شيعي ليحضر عند معز الدولة بن بويه.
وقد كان معز الدولة بن بويه يحب الرافضة قبحه الله.
فلما اشتهر عنه ذلك لم يتمكن الوزير منه خوفا على نفسه من معز الدولة،
وأن تقوم عليه الشيعة، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولكنه احتاط على شئ من أموالهم، فكان يسميها أموال الزنادقة.
قال ابن الجوزي: وفي رمضان منها وقعت فتنة عظيمة بسبب المذهب.
وممن توفي فيها من الاعيان: أشهب بن
عبد العزيز (3) بن أبي داود بن إبراهيم أبو عمرو العامري - نسبة إلى
عامر بن لؤي - كان أحد الفقهاء المشهورين.
توفي في شعبان منها.
أبو الحسن الكرخي (4) أحد أئمة الحنفية المشهورين، ولد سنة ستين
ومائتين وسكن بغداد ودرس فقه أبي حنيفة وانتهت إليه رئاسة أصحابه في
البلاد، وكان متعبدا كثير الصلاة والصوم، صبورا على الفقر، عزوفا عما
في أيدي الناس، وكان مع ذلك رأسا في الاعتزال، وقد سمع الحديث من
إسماعيل بن إسحاق القاضي، وروى عنه حيوة وابن شاهين.
وأصابه الفالج في آخر عمره، فاجتمع عنده بعض أصحابه واشتوروا فيما
بينهم أن يكتبوا إلى سيف الدولة بن حمدان ليساعده بشئ يستعين به في
مرضه، فلما علم بذلك رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا تجعل رزقي إلا
من حيث عودتني.
فمات عقب ذلك قبل أن يصل إليه ما أرسل به سيف الدولة، وهو عشرة آلاف
درهم.
فتصدقوا بها
__________
(1) هو يوسف بن وجيه، وذكره ابن الاثير في حوادث سنة 341 ه.
(8 / 496).
(2) في ابن الاثير 8 / 495: ابن أبي القراقر.
وقد تقدمت الاشارة إليه.
راجع مقتل الحلاج.
(3) في الوفيات 1 / 238 والوافي 8 / 278: عبد العزيز بن داود.
وذكراه في وفيات سنة 204 ه.
قال في الوافي: مات في شهر رجب.
وقال: قيل اسمه مسكين ولقبه أشهب.
(4) هو عبد الله بن الحسين (مختصر أخبار البشر 2 / 99)، وفي تذكرة
الحفاظ 2 / 855: عبيد الله بن الحسن بن دلال وفي الكامل 8 / 495: عبد
الله بن حسين بن لال (*).
(11/254)
بعد وفاته في
شعبان من هذه السنة عن ثمانين سنة، وصلى عليه أبو تمام الحسن بن محمد
الزينبي، وكان صاحبه، ودفن في درب أبي زيد نهر على الواسطيين.
محمد بن صالح بن يزيد أبو جعفر الوراق سمع الكثير، وكان يفهم ويحفظ،
وكان ثقة زاهدا لا يأكل إلا من كسب يده ولا يقطع صلاة الليل.
وقال بعضهم: صحبته سنين كثيرة فما رأيته فعل إلا ما يرضي الله عز وجل.
ولا قال إلا ما يسأل عنه، وكان يقوم أكثر الليل.
وفيها كانت وفاة منصور بن قرابكين
(1) صاحب الجيوش الخراسانية من جهة الامير نوح الساماني من مرض حصل له،
وقيل لانه أدمن شرب الخمر أياما متتابعة فهلك بسبب ذلك، فأقيم بعده في
الجيوش أبو علي المحتاج.
الزجاجي، مصنف الجمل، وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق النحوي
اللغوي البغدادي الاصل.
ثم الدمشقي، مصنف الجمل في النحو، وهو كتاب نافع، كثير الفائدة، صنفه
بمكة، وكان يطوف بعد كل باب منه ويدعو الله تعالى أن ينفع به.
أخذ النحو أولا عن محمد بن العباس اليزيدي، وأبي بكر بن دريد، وابن
الانباري.
توفي في رجب سنة سبع، وقيل سنة تسع وثلاثين، وقيل سنة أربعين.
توفي في دمشق وقيل بطبرية.
وقد شرح كتابه الجمل بشروح كثيرة من أحسنها وأجمعها ما وضعه ابن عصفور.
والله أعلم.
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وثلثمائة فيها
ملكت الروم سروج، وقتلوا أهلها وحرقوا مساجدها.
قال ابن الاثير: وفيها قصد موسى (2) بن وجيه صاحب عمان البصرة فمنعه
منها المهلبي كما تقدم.
وفيها نقم معز الدولة على وزيره فضربه مائة وخمسين سوطا ولم يعزله بل
رسم عليه.
وفيها اختصم المصريون والعراقيون بمكة
فخطبوا لصاحب مصر، ثم غلبهم العراقيون فخطبوا لركن الدولة بن بويه.
وفيها كانت وفاة :
المنصور الفاطمي وهو أبو طاهر إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم
محمد بن عبيد الله المهدي صاحب
__________
(1) في الكامل 8 / 492: قراتكين.
(2) في الكامل 8 / 496: يوسف.
(انظر تاريخ أبي الفداء 2 / 99) (*).
(11/255)
المغرب وله من
العمر تسع وثلاثون سنة، وكانت خلافته سبع سنين وستة (1) عشر يوما، وكان
عاقلا شجاعا فاتكا قهر أبا يزيد الخارجي الذي كان لا يطاق شجاعة
وإقداما وصبرا، وكان فصيحا بليغا، يرتجل الخطبة على البديهة في الساعة
الراهنة.
وكان سبب موته ضعف الحرارة الغريزية كما أورده ابن الاثير في كامله،
فاختلف عليه الاطباء، وقد عهد بالامر إلى المعز الفاطمي وهو باني
القاهرة المعزية كما سيأتي بيانه واسمه، وكان عمره إذ ذاك أربعا وعشرين
سنة (2)، وكان شجاعا عاقلا أيضا حازم الرأي، أطاعه من البربر وأهل تلك
النواحي خلق كثير، وبعث مولاه جوهر القائد فبنى له القاهرة المتاخمة
لمصر، واتخذ له فيها دار الملك، وهما القصران اللذان هناك - اللذان
يقال لهما بين القصرين اليوم - وذلك في سنة أربع وستين وثلثمائة كما
سيأتي.
وممن توفي فيها من الاعيان: إسماعيل
بن محمد بن إسماعيل بن صالح أبو علي الصفار أحد المحدثين، لقي المبرد
واشتهر بصحبته، وكان مولده في سنة سبع وأربعين ومائتين، وسمع الحسن بن
عرفة وعباسا الدوري وغيرهما، وروى عنه جماعة منهم الدار قطني.
قال صام أربعة وثمانين رمضانا، وقد كانت وفاته في هذه السنة عن أربع
وتسعين سنة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد زياد ابن يونس بن درهم أبو سعيد بن الاعرابي، سكن مكة
وصار شيخ الحرم، وصحب الجنيد بن محمد والنوري وغيرهما، وأسند وصنف
كتابا للصوفية.
(إسماعيل بن القائم) بن المهدي الملقب بالنصور العبيدي الذي يزعم انه
فاطمي، صاحب بلاد المغرب.
وهو والد المعز باني القاهرة، وهو باني المنصورية ببلاد المغرب.
قال أبو جعفر المروزي: خرجت معه لما كسر أبا يزيد الخارجي، فبينما أنا
أسير معه إذ سقط رمحه فنزلت فناولته إياه وذهبت أفاكهه بقول الشاعر:
فالقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافر فقال: هلا
قلت كما قال الله تعالى: (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) [
الشعراء: 45 ] (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا
صاغرين) [ الاعراف: 117 ] قال فقلت له: أنت ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم قلت ببعض ما علمت، وأنا قلت بما بلغ به أكثر علمي.
قال ابن خلكان: وهذا كما جرى لعبد الملك بن مروان حين أمر الحجاج أن
يبني بابا ببيت المقدس ويكتب عليه اسمه، فبنى له بابا وبنى لنفسه باب
آخر، فوقعت
__________
(1) في البيان المغرب لابن عذارى 1 / 221: خمسة.
(2) في ابن عذارى 1 / 221: اثنان وعشرون سنة (*).
(11/256)
صاعقة على باب
عبد الملك بأحرقته، فكتب إلى الحجاج بالعراق يسأله عما أهمه من ذلك
يقول: ما أنا وأنت إلا كما قال الله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم
الحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لاقتلنك)
[ المائدة: 27 ] فرضي عنه الخليفة بذلك.
توفي المنصور في هذه السنة من برد شديد والله أعلم.
ثم دخلت سنة أثنتين وأربعين وثلثمائة فيها
دخل سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب إلى بلاد الروم فقتل منهم خلقا كثيرا
وأسر آخرين، وغنم أموالا جزيلة، ورجع سالما غانما.
وفيها اختلف الحجيج بمكة ووقعت حروب بين أصحاب ابن طغج وأصحاب معز
الدولة، فغلبهم العراقيون وخطبوا لمعز الدولة، ثم بعد انقضاء الحج
اختلفوا أيضا فغلبهم العراقيون أيضا وجرت حروب كثيرة بين الخراسانية
والسامانية تقصاها
ابن الاثير في كامله.
وممن توفي فيها من الاعيان: علي بن
محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي جد القاضي أبي القاسم التنوخي
شيخ الخطيب البغدادي، ولد بإنطاكية، وقدم بغداد فتفقه بها على مذهب أبي
حنيفة، وكان يعرف الكلام على طريق المعتزلة، ويعرف النجوم ويقول الشعر،
ولي القضاء بالاهواز وغيرها، وقد سمع الحديث من البغوي وغيره، وكان
فهما ذكيا حفظ وهو ابن خمس عشرة (1) سنة قصيدة دعبل الشاعر في ليلة
واحدة، وهي ستمائة بيت، وعرضها على أبيه صبيحتها فقام إليه وضمه وقبل
بين عينيه وقال: يا بني لا تخبر بهذا أحدا لئلا تصيبك العين.
وذكر ابن خلكان: أنه كان نديما للوزير المهلبي، ووفد على سيف الدولة بن
حمدان فأكرمه وأحسن إليه، وأورد له من شعره أشياء حسنة فمن ذلك قوله في
الخمر: وراح من الشمس مخلوقة * بدت لك في قدح من نهار هواء، ولكنه جامد
* وماء، ولكنه ليس جار كأن المدير له باليمي * ن، إذا مال للفئ (2) أو
بالنهار تدرع ثوبا من الياسمي * ن له برد (3) كم من الجلنار
__________
(1) ورد في الاصل خمس عشر والصواب ما أثبتناه.
(2) في وفيات الاعيان 3 / 367: للسقي.
(3) في الوفيات: فرد (*).
(11/257)
محمد بن
إبراهيم ابن الحسين بن الحسن بن عبد الخلاق أبو الفرج البغدادي الفقيه
الشافعي يعرف بابن سكره سكن مصر وحدث بها وسع منه أبو الفتح بن مسرور،
وذكر أن فيه لينا.
محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون بن الرشيد هارون أبو بكر، ولي إمرة
مكة في سنة ثمان وستين ومائتين، وقدم مصر فحدث بها عن علي بن عبد
العزيز البغوي بموطأ مالك.
وكان ثقة مأمونا
توفي بمصر في ذي الحجة منها.
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة فيها
كانت وقعة بين سيف الدولة بن حمدان وبين الدمستق، فقتل خلقا من
أصحاب الدمستق وأسر آخرين في جماعة من رؤساء بطارقته، وكان في جملة من
قتل قسطنطين بن الدمستق، وذلك في ربيع الاول من هذه السنة، ثم جمع
الدمستق خلقا كثيرا فالتقوا مع سيف الدولة في شعبان منها، فجرت بينهم
حروب عظيمة وقتال شديد، فكانت الدائرة للمسلمين وخذل الله الكافرين،
فقتل منهم خلق كثير، وأسر جماعة من الرؤساء، وكان منهم صهر الدمستق
وابن بنته أيضا.
وفيها حصل للناس أمراض كثيرة وحمى وأوجاع في الحلق.
وفيها مات الامير الحميد نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان وما وراء
النهر، وقام بالامر من بعده ولده عبد الملك.
وممن توفي فيها من الاعيان: الحسن
بن أحمد أبو علي الكاتب المصري، صحب أبا علي الروذباري وغيره، وكان
عثمان المغربي يعظم أمره ويقول: أبو علي الكاتب من السالكين إلى الله.
ومن كلامه الذي حكاه عنه أبو عبد الرحمن السلمي قوله: روائح نسيم
المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها، ويظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها،
وتبدو عليهم وإن ستروها.
وأنشد: إذا مات استسرت أنفس الناس ذكره * تبين فيهم وإن لم يتكلموا
تطيبهم أنفاسهم فتذيعها * وهل سر مسك أودع الريح يكتم ؟ علي بن حمد بن
عقبة بن همام أبو الحسن الشيباني الكوفي، قدم بغداد فحدث بها عن جماعة
وروى عنه الدار قطني.
وكان
(11/258)
ثقة عدلا كثير
التلاوة فقيها، مكث يشهد على الحكام ثلاثا وسبعين سنة، مقبولا عندهم،
وأذن في مسجد حمزة الزيات نيفا وسبعين سنة، وكذلك أبوه من قبله.
محمد بن علي بن أحمد بن العباس الكرخي الاديب، كان عالما زاهدا ورعا،
يختم القرآن كل يوم ويديم الصيام، سمع الحديث من عبدان وأقرانه.
أبو الخير التيناني العابد الزاهد، أصله من العرب (1)، كان مقيما بقرية
يقال لها تينات (2) من عمل إنطاكية، ويعرف بالاقطع لانه كان مقطوع
اليد، كان قد عاهد الله عهدا ثم نكثه، فاتفق له أنه مسك مع جماعة من
اللصوص في الصحراء وهو هناك سائح يتعبد، فأخذ معهم فقطعت يده معهم،
وكانت له أحوال وكرامات، وكان ينسج الخوص بيده الواحدة.
دخل عليه بعض الناس فشاهد منذ ذلك فأخذ منه العهد أن لا يخبر به أحدا
ما دام حيا، فوفى له بذلك.
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وثلثمائة قال ابن
الجوزي: فيها شمل الناس ببغداد وواسط وأصبهان والاهوز داء مركب من دم
وصفراء ووباء، مات بسبب ذلك خلق كثير، بحيث كان يموت في كل يوم قريب من
ألف نفس، وجاء فيها جراد عظيم أكل الخضروات والاشجار والثمار.
وفي المحرم منها قعد معز الدولة لابنه أبي منصور بختيار الامر من بعده
بأمرة الامراء.
وفيها خرج رجل من أذربيجان ادعى أنه يعلم الغيب، وكان يحرم اللحم وما
يخرج من الحيوانات، فأضافه مرة رجل فجاءه بطعام كشكية بشحم فأكله، فقال
له الرجل بحضرة من معه: إنك تدعي أنك تعلم الغيب وهذا طعام فيه شحم
وأنت تحرمه فلم لا علمته ؟ فتفرق عنه الناس.
وفيها جرت حروب كثيرة بين المعز الفاطمي وبين صاحب الاندلس عبد الرحمن
الناصر الاموي، استقصاها ابن الاثير (3).
وممن توفي فيها من الاعيان:
__________
(1) في صفة الصفوة 4 / 282: المغرب.
(2) من معجم البلدان، وفي الاصل: تينان.
وتينات: فرضة على بحر الشام قرب المصيصة، تجهز منها المراكب بالخشب إلى
الديار المصرية.
ومنها عيسى بن أبي الخير التيناتي (أبوه أبو بكر الزابي) من الصالحين.
وفي الكامل لابن الاثير 8 / 533 ذكره في وفيات 349 ه.
(3) انظر الكامل 8 / 513 (*).
(11/259)
عثمان بن أحمد
ابن عبد الله بن يزيد أبو عمرو الدقاق المعروف بابن السماك، روى عن
حنبل بن إسحاق وغيره، وعنه الدار قطني وغيره، وكان ثقة ثبتا، كتب
المصنفات الكثيرة بخطه، توفي في ربيع الاول منها ودفن بمقبرة باب
التبن، وحضر جنازته خمسون ألفا.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو جعفر القاضي السمناني، ولد سنة إحدى
وستين ومائتين، وسكن بغداد وحدث بها، وكان ثقة عالما فاضلا سخيا حسن
الكلام، عراقي المذهب، وكانت داره مجمع العلماء، ثم ولي قضاء الموصل
وتوفي بها في هذه السنة في ربيع الاول منها (1).
محمد بن أحمد بن بطة بن إسحاق الاصبهاني أبو عبد الله سكن نيسابور ثم
عاد إلى أصبهان.
وليس هذا بعبد الله بن بطة العكبري، هذا متقدم عليه، هذا شيخ الطبراني
وابن بطة الثاني يروي عن الطبراني، وهذا بضم الباء من بطة، وابن بطة
الثاني وهو الفقيه الحنبلي بفتحها.
وقد كان جد هذا، وهو ابن بطة بن إسحاق أبو سعيد، من المحدثين أيضا.
ذكره ابن الجوزي في منتظمه.
محمد بن محمد بن يوسف بن الحجاج أبو النضر الفقيه الطوسي، كان عالما
ثقة عابدا، يصوم النهار ويقوم الليل، ويتصدق بالفاصل من قوته، ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد رحل في طلب الحديث إلى الاقاليم النائية
والبلدان المتباعدة، وكان قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء، فثلث للنوم، وثلث
للتصنيف، وثلث للقراءة.
وقد رآه بعضهم في النوم بعد وفاته فقال له: وصلت إلى ما طلبت ؟ فقال:
أي والله نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرضت مصنفاتي في
الحديث عليه فقبلها.
أبو بكر بن الحداد الفقيه الشافعي، هو محمد بن أحمد بن محمد أبو بكر بن
الحداد أحد أئمة الشافعية، روى عن
__________
(1) ذكر وفاته في الوافي بالوفيات 2 / 65: سنة 444 ه.
وقال ابن خلكان 2 / 408 أن أبا الوليد الباجي درس على أبي جعفر
السمناني بالموصل الفقه بعد سنة 426 ه.
فعلى هذا يكون اقحام اسمه في من توفي هذه السنة سهوا من الناسخ.
ولعله اختلط عليه بين سنتي 344 و 444 ه (*).
(11/260)
النسائي، وقال:
رضيت به حجة بيني وبين الله عز وجل.
وقد كان ابن الحداد فقيها فروعيا، ومحدثا ونحويا وفصيحا في العبارة
دقيق النظر في الفروع، له كتاب في ذلك غريب الشكل، وقد ولي القضاء بمصر
نيابة عن أبي عبيد بن حربويه.
ذكرناه في طبقات الشافعية.
أبو يعقوب الاذرعي إسحاق بن إبراهيم بن هاشم بن يعقوب النهدي، قال ابن
عساكر: من أهل أذرعات - مدينة بالبلقاء - أحد الثقات من عباد الله
الصالحين.
رحل وحدث عنه جماعة من أجل أهل دمشق وعبادها وعلمائها، وقد روى عنه ابن
عساكر أشياء تدل على صلاحه وخرق العادة له، فمن ذلك قال: إني سألت الله
أن يقبض بصري فعميت، فلما استضررت بالطهارة سألت الله عوده فرده علي.
توفي بدمشق في هذه السنة - سنة أربع وخمسين (1) - وصححه ابن عساكر وقد
نيف على التسعين.
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وثلثمائة
وفيها عصى الروزبهان على معز الدولة وانحاز إلى الاهواز ولحق به عامة
من كان مع المهلبي الذي كان يحاربه، فلما بلغ ذلك معز الدولة لم يصدقه
لانه كان قد أحسن إليه ورفع من قدره بعد الضعة والخمول، ثم تبين له أن
ذلك حق، فخرج لقتاله وتبعه الخليفة المطيع لله خوفا من ناصر الدولة بن
حمدان فإنه قد بلغه أنه جهز جيشا مع ولده أبي المرجا جابر إلى بغداد
ليأخذها، فأرسل معز الدولة حاجبه سبكتكين إلى بغداد، وصمد معز الدولة
إلى الروزبهان فاقتتلوا قتلا شديدا، وهزمه معز الدولة وفرق أصحابه
وأخذه أسيرا إلى بغداد فسجنه، ثم أخرجه ليلا وغرقه، لان الديلم أرادوا
إخراجه من السجن قهرا وانطوى ذكر روزبهان وإخوته، وكان قد اشتعل اشتعال
النار.
وحضيت الاتراك عند معز الدولة وانحطت رتبة الديلم عنده، لانه ظهر له
خيانتهم في أمر الروزبهان وإخوته.
وفيها دخل سيف الدولة إلى بلاد الروم فقتل وسبى ورجع إلى حلب، فحميت
الروم فجمعوا وأقبلوا إلى ميافارقين فقتلوا وسبوا وحرقوا ورجعوا،
وركبوا في البحر إلى طرسوس فقتلوا من أهلها ألفا وثمانمائة وسبوا
وحرقوا قرى كثيرة.
وفيها زلزلت همذان زلزالا شديدا تهدمت البيوت وانشق قصر شيرين بصاعقة،
ومات تحت الهدم خلق كثير لا يحصون كثرة، ووقعت فتنة عظيمة بين أهل
أصبهان وأهل قم بسبب سب الصحابة من أهل قم، فثاروا عليهم أهل أصبهان
وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ونهبوا أموال التجار، فغضب ركن الدولة لاهل
قم، لانه كان شيعيا، فصادر أهل أصبهان بأموال كثيرة.
__________
(1) كذابالاصل وهو خطأ واضح والصواب وأربعين (*).
(11/261)
وفيها توفي
من الاعيان: غلام ثعلب محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمرو الزاهد
غلام ثعلب، روى عن الكديمي وموسى بن سهل الوشاء وغيرهما، روى عنه
جماعة، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان وكان كثير العلم والزهد حافظا
مطيقا يملي من حفظه شيئا كثيرا، ضابطا لما يحفظه.
ولكثرة إغرابه اتهمه بعض الرواة ورماه بالكذب، وقد اتفق له مع القاضي
أبي عمر حكاية - وكان يؤدب ولده - فإنه أملى من حفظه ثلاثين مسألة
بشواهدها وأدلتها من لغة العرب، واستشهد على بعضها ببيتين غريبين جدا،
فعرضهما القاضي أبو عمر على ابن دريد وابن الانباري وابن مقسم، فلم
يعرفوا منها شيئا.
حتى قال ابن دريد: هذا ما وضعه أبو عمرو من عنده، فلما جاء أبو عمرو
ذكر له القاضي ما قال ابن دريد عنه، فطلب أبو عمرو أن يحصر له من كتبه
دواوين العرب.
فلم يزل أبو عمرو يعمد إلى كل مسألة ويأتيه بشاهد بعد شاهد حتى خرج من
الثلاثين مسألة ثم قال: وأما البيتان فإن ثعلبا أنشدنا هما
وأنت حاضر فكتبتهما في دفترك الفلاني، فطلب القاضي دفتره فإذا هما فيه،
فلما بلغ ذلك ابن دريد كف لسانه عن أبي عمرو الزاهد فلم يذكره حتى مات.
توفي أبو عمرو هذا يوم الاحد ودفن يوم الاثنين الثالث عشر من ذي
القعدة، ودفن في الصفة المقابلة لقبر معروف الكرخي ببغداد رحمه الله.
محمد بن علي بن أحمد بن رستم أبو بكر المادرائي الكاتب، ولد في سنة خمس
وخمسين ومائتين بالعراق، ثم صار إلى مصر هو وأخوه أحمد مع أبيهما، وكان
على الخراج لخمارويه بن أحمد بن طولون، ثم صار هذا الرجل من رؤساء
الناس وأكابرهم، سمع الحديث من أحمد بن عبد الجبار وطبقته.
وقد روى الخطب عنه أنه قال: كان ببابي شيخ كبير من الكتاب قد تعطل عن
وظيفته، فرأيت والدي في المنام وهو يقول بابني أما تتقي الله ؟ أنت
مشغول بلذاتك والناس ببابك يهلكون من العري والجوع.
هذا فلان قد تقطع سراويله ولا يقدر على إبداله، فلا تهمل أمره.
فاستيقظت مذعورا وأنا أناوله الاحسان، ثم نمت فأنسيت المنام، فبينا أنا
أسير إلى دار الملك، فإذا بذلك الرجل الذي ذكره على دابة ضعيفة، فلما
رآني أراد أن يترجل لي فبدا لي فخذه وقد لبس الخف بلا سراويل، فلما
رأيت ذلك ذكرت المنام فاستدعيت به وأطلقت له ألف دينار وثياب، ورتبت له
على وظيفته مائتي دينار كل شهر، ووعدته بخير في الآجل أيضا.
أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن
حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب،
(11/262)
الشريف الحسني
الرسي - أبو القاسم المصري الشاعر - كان نقيب الطالبيين بمصر ومن شعره
قوله: قالت لطيف خيال زارني ومضى * بالله صفه، ولا تنقص ولا تزد فقلت:
أبصرته لو مات من ظمأ * وقال: قف لا ترد الماء لم يرد (1) قالت: صدقت،
وفاء الحب (2) عادته * يا برد ذاك الذي قالت على كبدي توفي ليلة
الثلاثاء لخمس بقين (3) من هذه السنة.
ثم دخلت سنة ست وأربعين وثلثمائة فيها وقعت
فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير.
وفيها نقص البحر المالح ثمانين ذراعا.
ويقال باعا.
فبدت به جبال وجزائر وأماكن لم تكن ترى من قبل ذلك.
وفيها كان بالعراق وبلاد الري والجبل وقم ونحوها زلازل كثيرة مستمرة
نحو أربعين يوما، تسكن ثم تعود، فتهدمت بسبب ذلك أبنية كثيرة وغارت
مياه كثيرة، ومات خلق كثير.
وفيها تجهز معز الدولة بن بويه لقتال ناصر الدولة بن حمدان بالموصل،
فراسله ناصر الدولة والتزم له بأموال يحملها إليه كل سنة، فسكت عنه، ثم
إنه مع ما اشترط على نفسه لم يرجع عنه معز الدولة، بل قصده في السنة
الآتية كما سيأتي بيانه.
وفي تشرين منها كثرت في الناس أورام في حلوقهم ومناخرهم، وكثر فيهم موت
الفجأة، حتى إن لصا نقب دارا ليدخلها فمات وهو في النقب.
ولبس القاضي خلعة القضاء ليخرج للحكم فلبس إحدى خفيه فمات قبل أن يلبس
الاخرى.
وممن توفي فيها من الاعيان: أحمد بن
عبد الله بن الحسين أبو هريرة العذري، المستملي على المشايخ، كتب عن
أبي مسلم الكجي وغيره، وكان ثقة توفي في ربيع الاول منها.
الحسن بن خلف بن شاذان أبو علي الواسطي روى عن إسحاق الازرق ويزيد بن
هارون وغيرهما، وروى عنه البخاري في صحيحه.
توفي في هذه السنة.
هكذا رأيت ابن الجوزي ذكر هذه الترجمة في هذه السنة في منتظمه والله
أعلم.
__________
(1) في الوفيات 1 / 130: فقال..وقلت: قف عن ورود الماء لم يرد.
(2) في الوفيات: قالت: صدقت الوفا في الحب عادته..(3) في الوفيات: لخمس
بقين من شعبان.
وعمره 64 سنة (*).
(11/263)
أبو العباس
الاصم محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان بن عبد الله الاموي
مولاهم أبو العباس الاصم مولده في سنة سبع وأربعين ومائتين، رأى الذهلي
ولم يسمع منه، ورحل به أبوه إلى أصبهان ومكة ومصر والشام والجزيرة
وبغداد وغيرها من البلاد، فسمع الكثير بها عن الجم الغفير، ثم رجع إلى
خراسان وهو ابن ثلاثين سنة، وقد صار محدثا كبيرا، ثم طرأ عليه الصمم
فاستحكم حتى كان لا يسمع نهيق الحمار، وكان مؤذنا في مسجده ثلاثين سنة،
وحدث ستا وسبعين سنة، فألحق الاحفاد بالاجداد وكان ثقة صادقا ضابطا لما
سمعه ويسمعه، كف بصره قبل موته بشهر، وكان يحدث من حفظه بأربعة عشر
حديثا، وسبع حكايات ومات وقد بقي له سنة من المائة.
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وثلثمائة فيها
كانت زلزلة ببغداد في شهر نيسان وفي غيرها ممن البلاد الشرقية فمات
بسببها خلق كثير، وخربت دور كثيرة، وظهر في آخر نيسان وشهر أيار جراد
كثير أتلف الغلات الصيفية والثمار.
ودخلت الروم آمد، وميا فارقين، فقتلوا ألفا وخمسمائة إنسان، وأخذوا
مدينة سمساط وأخربوها.
وفي المحرم (2) منها ركب معز الدولة إلى الموصل فأخذها من يد ناصر
الدولة، وهرب ناصر الدولة إلى نصيبين، ثم إلى ميافارقين، فلحقه معز
الدولة فصار إلى حلب عند أخيه سيف الدولة، ثم أرسل سيف الدولة إلى معز
الدولة في المصالحة بينه وبين أخيه، فوقع الصلح على أن يحمل ناصر
الدولة في كل سنة ألفي ألف وتسعمائة ألف، ورجع معز الدولة إلى بغداد
بعد انعقاد الصلح، وقد امتلات البلاد رفضا وسبا للصحابة من بني بويه
وبني حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد مصرا وشاما وعراقا وخراسان
وغير ذلك من البلاد، كانوا رفضا، وكذلك الحجاز وغيره، وغالب بلاد
المغرب، فكثر السب والتكفير منهم للصحابة.
وفيها بعث المعز الفاطمي مولاه أبا الحسن جوهر القائد في جيوش معه ومعه
زيري بن مناد الصنهاجي ففتحوا بلادا كثيرة من أقصى بلاد المغرب، حتى
انتهوا إلى البحر المحيط، فأمر جوهر بأن يصطاد له منه سمك، فأرسل به في
قلال الماء إلى المعز الفاطمي، وحظي عنده جوهر وعظم شأنه
حتى صار بمنزلة الوزير.
وممن توفي فيها من الاعيان:
__________
(1) في الاصل بأربع والصواب ما أثبتناه.
(2) كان ذلك في منتصف جمادى الاولى سنة 347، ووقع الصلح بينهما في
المحرم سنة 348 ه.
(الكامل 8 / 522 - 523 والعبر 3 / 424) (*)
(11/264)
الزبير بن عبد
الرحمن (1) ابن محمد بن زكريا بن صالح بن إبراهيم.
أبو عبد الله الاستراباذي (2)، رحل وسمع الحديث وطوف الاقاليم، سمع
الحسن بن سفيان وابن خزيمة وأبا يعلي وخلقا، وكان حافظا متقنا صدوقا،
صنف الشروح والابواب.
أبو سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر.
هو عبد الرحمن (3) بن يونس بن عبد الاعلى الصدفي المصري المؤرخ، كان
حافظا مكثرا خبيرا بأيام الناس وتواريخهم، له تاريخ مفيد جدا لاهل مصر
ومن ورد إليها.
وله ولد يقال له أبو الحسن علي، كان منجما له زيج مفيد يرجع إليه
أصحابه هذا الفن، كما يرجع أصحاب الحديث إلى أقوال أبيه وما يؤرخه
وينقله ويحكيه، ولد الصدفي سنة إحدى وثمانين ومائتين وتوفي في هذه
السنة يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادى الآخرة في القاهرة.
ابن درستويه النحوي عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد
الفارسي النحوي، سكن بغداد وسمع عباسا الدوري وابن قتيبة والمبرد، وسمع
منه الدار قطني وغيره من الحفاظ، وأثنى عليه غير واحد، منهم أبو عبد
الله بن منده، توفي في صفر منها، وذكر له ابن خلكان مصنفات كثيرة
مفيدة، فيما يتعلق باللغة والنحو وغيره.
محمد بن الحسن
ابن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أبو الحسن
القرشي الاموي قاضي بغداد، كان حسن الاخلاق طلابة للحديث، ومع هذا كان
ينسب إلى أخذ الرشوة في الاحكام والولايات رحمه الله.
محمد بن علي أبو عبد الله الهاشمي الخاطب الدمشقي.
وأظنه الذي تنسب إليه حارة الخاطب من نواحي
__________
(1) في تذكرة الحفاظ 2 / 900: عبد الواحد.
(2) في التذكرة: الاسد اباذي.
(3) في الوفيات 3 / 137: عبد الرحمن بن أحمد (أبي الحسن) بن يونس (*).
(11/265)
باب الصغير،
كان خطيب دمشق في أيام الاخشيد، وكان شابا حسن الوجه مليح الشكل، كامل
الخلق.
توفي يوم الجمعة السابع والعشرين من ربيع الاول من هذه السنة، وحضر
جنازته نائب السلطنة وخلق كثير لا يحصون كثرة، هكذا أرخه ابن عساكر،
ودفن بباب الصغير.
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة فيها
كانت فتنة بين الرافضة وأهل السنة قتل فيها خلق كثير، ووقع حريق بباب
الطاق، وغرق في دجلة خلق كثير من حجاج الموصل، نحو من ستمائة نفس.
وفيها دخلت الروم طرسوس والرها وقتلوا وسبوا، وأخذوا الاموال ورجعوا.
وفيها قلت الامطار وغلت الاسعار واستسقى الناس فلم يسقوا، وظهر جراد
عظيم في آذار فأكل ما نبت من الخضراوات، فاشتد الامر جدا على الخلق فما
شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وفيها عاد معز الدولة إلى بغداد من الموصل وزوج ابنته من ابن أخيه مؤيد
الدولة بن معز الدولة، وسيرها معه إلى بغداد.
وممن توفي فيها من الاعيان: إبراهيم
بن شيبان القرميسيني شيخ الصوفية بالجبل، صحب أبا عبد الله المغربي.
ومن جيد كلامه قوله: إذا سكن الخوف
القلب أحرق مواضع الشهوات منه، وطرد عنه الرغبة في الدنيا.
أبو بكر النجاد أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس، أبو بكر
النجاد الفقيه، أحد أئمة الحنابلة ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين، سمع
عبد الله بن أحمد وأبا داود، والباغندي وابن أبي الدنيا وخلقا كثيرا،
وكان يطلب الحديث ماشيا حافيا، وقد جمع المسند وصنف في السنن كتابا
كبيرا، وكان له بجامع المنصور حلقتان، واحدة للفقه وأخرى لاملاء
الحديث، وحدث عنه الدار قطني وابن رزقويه وابن شاهين وأبو بكر بن مالك
القطيعي وغيرهم، وكان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف ويعزل منه
لقمة، فإذا كانت ليلة الجمعة أكل اللقم وتصدق بالرغيف صحيحا.
توفي ليلة الجمعة لعشرين من ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة ودفن قريبا من
قبر بشر الحافي رحمه الله.
جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم أبو محمد الخواص المعروف بالخلدي، سمع
الكثير وحدث كثيرا، وحج ستين حجة، وكان ثقة صدوقا دينا.
(11/266)
محمد بن
إبراهيم بن يوسف بن محمد أبو عمر الزجاج النيسابوري، صحب أبا عثمان
والجنيد والنوري والخواص وغيرهم، وأقام بمكة وكان شيخ الصوفية بها، وحج
ستين حجة، ويقال إنه مكث أربعين سنة لم يتغوط ولم يبل إلا خارج الحرم
بمكة.
محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة ابن يزيد بن عبد الملك أبو بكر الادمي،
صاحب الالحان، كان حسن الصوت بتلاوة القرآن وربما سمع صوته من بعد في
الليل، وحج مرة مع أبي القاسم البغوي، فلما كانوا بالمدينة دخلوا
المسجد النبوي فوجدوا شيخا أعمى يقص على الناس أخبارا موضوعة مكذوبة،
فقال البغوي: ينبغي الانكار عليه، فقال له بعض أصحابه: إنك لست ببغداد
يعرفك الناس إذ أنكرت عليه،
ومن يعرفك هنا قليل والجمع كثير، ولكن نرى أن تأمر أبا بكر الادمي
فيقرأ، فأمره فاستفتح فقرأ فلم يتم الاستعاذة حتى انجفل الناس عن ذلك
الاعمى وتركوه وجاؤوا إلى أبي بكر ولم يبق عند الضرير أحد، فأخذ الاعمى
بيد قائده وقال له: اذهب بنا فهكذا تزول النعم.
توفي يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من ربيع الاول من هذه السنة، عن ثمان
وثمانين سنة، وقد رآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل الله بك ؟ قال:
وقفني بين يديه وقاسيت شدائد وأهوالا.
فقلت له: فتلك القراءة الحسنة وذلك الصوت الحسن وتلك المواقف ؟ فقال:
ما كان شئ أضر علي من ذلك، لانها كانت للدنيا.
فقلت: إلى أي شئ انتهى أمرك ؟ فقال: قال الله عز وجل آليت على نفسي أن
لا أعذب أبناء الثمانين.
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن علي ابن الحسن بن إبراهيم بن طباطبا بن
إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي
المصري، كان من ساداتها وكبرائها، لا تزال الحلوى تعقد بداره، ولا يزال
رجل يكسر اللوز بسببها، وللناس عليه رواتب من الحلوى، فمنهم من يهدي
إليه كل يوم، ومنهم في الجمعة، ومنهم في الشهر.
وكان لكافور الاخشيد عليه في كل يوم جامان ورغيف من الحلوى، ولما قدم
المعز الفاطمي إلى القاهرة وتلقاه سأله: إلى من ينتسب مولانا من أهل
البيت ؟ فقال: الجواب إلى أهل البلد، فلما دخل القصر جمع الاشراف وسل
نصف سيفه وقال هذا نسبي، ثم نثر عليهم الذهب وقال: هذا حسبي.
فقالوا: سمعنا وأطعنا.
والصحيح أن القائل للمعز هذا الكلام ابن هذا (1) أو شريف آخر فالله
أعلم.
فإن وفاة هذا كانت في هذا العام عن ثنتين وستين
__________
(1) كذا بالاصل، وشكك ابن خلكان في ان صاحب الحكاية هو أبو محمد، وقال:
ولعل صاحب الواقعة مع (*) =
(11/267)
سنة، والمعز
إنما قدم في سنة ثنتين وستين وثلثمائة كما سيأتي.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين وثلثمائة فيها ظهر
رجل بأذربيجان من أولاد عيسى بن المكتفي بالله فلقب بالمستجير بالله
ودعا إلى الرضا
من آل محمد، وذلك لفساد دولة المرزبان في ذلك الزمان، فاقتتلوا قتالا
شديدا وانهزم أصحاب المستجير وأخذ أسيرا فمات، واضمحل أمره.
وفيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم فقتل من أهلها خلقا كثيرا،
وفتح حصونا وأحرق بلدانا كثيرة، وسبى وغنم وكر راجعا، فأخذت الروم عليه
فمنعوه من الرجوع ووضعوا السيف في أصحابه فما نجا هو في ثلاثمائة فارس
إلا بعد جهد جهيد.
وفيها كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة قتل فيها خلق
كثير، وفي آخرها توفي أنوجور بن الاخشيد صاحب مصر، فأقام بالامر بعده
أخوه علي.
وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن أبي عبد الله البريدي الذي كان صاحب
الاهواز وواسط.
وفيها رجع حجيج مصر من مكة فنزلوا واديا فجاءهم سيل فأخذهم فألقاهم في
البحر عن آخرهم.
وفيها أسلم من الترك مائتا ألف خركاة (1) فسموا ترك إيمان، ثم خفف
اللفظ بذلك، فقيل تركمان.
وممن توفي فيها من الاعيان: جعفر بن
حرب الكاتب كانت له نعمة وثروة عظيمة تقارب أبهة الوزارة، فاجتاز يوما
وهو راكب في موكب له عظيم، فسمع رجلا يقرأ (ألم يأن للذين آمنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) [ الحديد: 16 ] فصاح: اللهم
بلى، وكررها دفعات ثم بكى ثم نزل عن دابته ونزع ثيابه وطرحها ودخل دجلة
فاستتر بالماء ولم يخرج منه حتى فرق جميع أمواله في المظالم التي كانت
عليه، وردها إلى أهلها، وتصدق بالباقي ولم يبق له شئ بالكلية، فاجتاز
به رجل فتصدق عليه بثوبين فلبسهما وخرج فانقطع إلى العلم والعبادة حتى
مات رحمه الله.
أبو علي الحافظ (2) ابن علي بن يزيد بن داود أبو علي الحافظ
النيسابوري، أحد أئمة الحفاظ المتقنين المصنفين.
__________
= المعز كان ولده.
ثم نقلا عن ابن زولاق: ان الشريف الذي التقى بالمعز هو أبو جعفر مسلم
بن عبيد الله الحسيني والشريف أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الحسيني
الرسي.
(ابن خلكان 3 / 82 - اتعاظ الحنفا).
(1) خركاة: نفس
(2) واسمه: الحسين (*).
(11/268)
قال الدار
قطني: كان إماما مهذبا، وكان ابن عقدة لا يتواضع لاحد كتواضعه له.
توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وخمسين سنة (1).
حسان بن محمد بن أحمد بن مروان أبو الوليد القرشي الشافعي إمام أهل
الحديث بخراسان في زمانه، وأزهدهم وأعبدهم، أخذ الفقه عن ابن سريج وسمع
الحديث من الحسن بن سفيان وغيره، وله التصانيف المفيدة، وقد ذكرنا
ترجمته في الشافعيين.
كانت وفاته ليلة الجمعة لخمس مضين من ربيع الاول من هذه السنة، عن
ثنتين وسبعين سنة.
حمد (2) بن إبراهيم بن الخطاب أبو سليمان الخطابي، سمع الكثير وصنف
التصانيف الحسان، منها المعالم شرح فيها سنن أبي داود، والاعلام شرح
فيه البخاري، وغريب الحديث.
وله فهم مليح وعلم غزير ومعرفة باللغة والمعاني والفقه.
ومن أشعاره قوله: ما دمت حيا فدار الناس كلهم * فإنما أنت في دار
المداراة من يدر دارى من لم يدر سوف يرى * عما قليل نديما للندامات
هكذا ترجمه أبو الفرج بن الجوزي حرفا بحرف.
عبد الواحد بن عمر بن محمد ابن أبي هاشم.
كان من أعلم الناس بحروف القراءات، وله في ذلك مصنفات، وكان من الآمناء
الثقات، روى عن ابن مجاهد وأبي بكر بن أبي داود، وعنه أبو الحسن
الحماني، توفي في شوال منها، ودفن بمقبرة الخيزران.
أبو أحمد العسال الحافظ محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد أبو
أحمد العسال الاصبهاني أحد الائمة
__________
(1) في تذكرة الحفاظ 3 / 905: جمادى الاولى، وكانت ولادته سنة 277 ه
فعلى هذا يكون له من العمر عند وفاته 72 سنة.
(2) في تذكرة الحفاظ 3 / 1018: حمد بن محمد بن إبراهيم الخطاب.
وذكر وفاته سنة 388 ه.
وانظر وفيات الاعيان 2 / 215 (*).
(11/269)
الحفاظ وأكابر
العلماء، سمع الحديث وحدث به، قال ابن منده: كتبت عن ألف شيخ لم أر
أفهم ولا أتقن من أبي أحمد العسال.
توفي في رمضان منها رحمه الله.
والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة خمسين وثلثمائة في المحرم منها
مرض معز الدولة بن بويه بانحصار البول فقلق من ذلك وجمع بين
صاحبه سبكتكين ووزيره المهلبي، وأصلح بينهما ووصاهما بولده بختيار
خيرا، ثم عوفي من ذلك فعزم على الرحيل إلى الاهواز لاعتقاده أن ما
أصابه من هذه العلة بسبب هواء بغداد ومائها، فأشاروا عليه بالمقام بها،
وأن يبني بها دارا في أعلاها حيث الهواء أرق والماء أصفى، فبنى له دارا
غرم عليه ثلاثة عشر ألف ألف درهم، فاحتاج لذلك أن يصادر بعض أصحابه،
ويقال أنفق عليها ألفي ألف دينار (1)، ومات وهو يبني فيها ولم يسكنها،
وقد خرب أشياء كثيرة من معالم الخلفاء ببغداد في بنائها، وكان مما خرب
المعشوق من سر من رأى، وقلع الابواب الحديد التي على مدينة المنصور
والرصافة وقصورها، وحولها إلى داره هذه، لا تمت فرحته بها، فإنه كان
رافضيا خبيثا.
وفيها مات القاضي أبو السائب عتبة بن عبد الله وقبضت أملاكه، وولى بعده
القضاء أبو عبد الله (2) الحسين بن أبي الشوارب، وضمن أن يؤدي في كل
سنة إلى معز الدولة مائتي ألف درهم، فخلع عليه معز الدولة وسار ومعه
الدبابات والبوقات إلى منزله، وهو أول من ضمن القضاء ورشى عليه والله
أعلم.
ولم يأذن له الخليفة المطيع لله في الحضور عنده ولا في حضور الموكب من
أجل ذلك غضبا عليه، ثم ضمن معز الدولة الشرطة وضمن الحسبة أيضا.
وفيها سار قفل من أنطاكية يريدون طرسوس، وفيهم نائب أنطاكية، فثار
عليهم الفرنج
فأخذوهم عن بكرة أبيهم، فلم يفلت منهم سوى النائب جريحا في مواضع من
بدنه.
وفيها دخل نجا غلام سيف الدولة بلاد الروم فقتل وسبى وغنم ورجع سالما.
وفيها توفي الامير: نوح بن عبد
الملك الساماني (3) صاحب خراسان وغزنة وما وراء النهر، سقط عن فرسه
فمات، فقام بالامر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني.
__________
(1) في العبر 3 / 425: أنفق عليها ألف ألف دينار.
(2) في الكامل 8 / 536: أبو العباس.
(3) في الكامل 8 / 535: عبد الملك بن نوح.
ومات يوم الخميس حادي عشر شوال.
وفي العبر: مات سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
(*)
(11/270)
وفيها توفي:
الناصر لدين الله عبد الرحمن الاموي صاحب الاندلس، وكانت خلافته خمسين
سنة وستة أشهر، وله من العمر يوم مات ثلاث وسبعون سنة، وترك أحد عشر
ولدا، كان أبيض حسن الوجه عظيم الجسم طويل الظهر قصير الساقين، وهو أول
من تلقب بأمير المؤمنين من أولاد الامويين الداخلين إلى المغرب، وذلك
حين بلغه ضعف الخلفاء بالعراق، وتغلب الفاطميين، فتلقب قبل موته بثلاث
وعشرين سنة.
ولما توفي قام بالامر من بعده ولده الحكم وتلقب بالمنتصر، وكان الناصر
شافعي المذهب ناسكا شاعرا، ولا يعرف في الخلفاء أطول مدة منه، فإنه
أقام خليفة خمسين سنة، إلا الفاطمي المستنصر بن الحكم الفاطمي صاحب
مصر، فإنه مكث ستين سنة كما سيأتي ذلك.
وممن توفي فيها من الاعيان: أبو سهل
بن زياد القطان أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد أبو سهل القطان.
كان ثقة حافظا كثير التلاوة للقرآن،
حسن الانتزاع للمعاني من القرآن، فمن ذلك أنه استدل على تكفير المعتزلة
بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا
لاخوانهم إذا ضربوا في الارض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما
قتلوا) [ آل عمران: 156 ].
إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن بيان أبو محمد الحطبي سمع الحديث من ابن
أبي أسامة وعبد الله بن أحمد الكوكبي وغيرهم، وعنه الدار قطني وغيره،
وكان ثقة حافظا فاضلا نبيلا عارفا بأيام الناس، وله تاريخ مرتب على
السنين، وكان أدبيا لبيبا عاقلا صدوقا، توفي في جمادى الآخرة من هذه
السنة، عن إحدى وثمانين سنة.
أحمد بن محمد بن سعيد ابن عبيد الله بن أحمد بن سعيد بن أبي مريم أبو
بكر القرشي الوراق، ويعرف بابن فطيس، وكان حسن الكتابة مشهورا بها،
وكان يكتب الحديث لابن جوصا، ترجمه ابن عساكر وأرخ وفاته بثاني شوال من
هذه السنة.
تمام بن محمد بن عباس ابن عبد المطلب أبو بكر الهاشمي العباسي، حدث عن
عبد الله بن أحمد وعنه ابن رزقويه توفي في هذه السنة عن إحدى وثمانين
سنة.
(11/271)
الحسين (1) بن
القاسم أبو علي الطبري الفقيه الشافعي، أحد الائمة المحررين في الخلاف،
وهو أول من صنف فيه، وله الايضاح في المذهب، وكتاب في الجدل، وفي أصول
الفقه وغير ذلك من المصنفات، وقد ذكرناه في الطبقات (2).
عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم ابن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور
الهاشمي الامام، ويعرف بابن بويه، ولد سنة ثلاث وستين ومائتين، روى عن
ابن أبي الدنيا وغيره، وعنه ابن رزقويه، وكان خطيبا بجامع المنصور مدة
طويلة، وقد خطب فيه سنة ثلاثين وثلثمائة وقبلها تمام سنة، ثم خطب فيه
الواثق سنة ثلاثين ومائتين
وهما في النسب إلى المنصور سواء.
توفي في صفر منها.
عتبة بن عبد الله بن موسى بن عبد الله أبو السائب القاضي الهمذاني
الشافعي، كان فاضلا بارعا، ولي القضاء، وكان فيه تخليط في الامور، وقد
رآه بعضهم بعد موته فقال: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي وأمر بي إلى
الجنة على ما كان مني من التخليط، وقال لي: إني كتبت على نفسي أن لا
أعذب أبناء الثمانين.
وهذا الرجل أول من ولي قضاء القضاة ببغداد من الشافعية والله أعلم.
محمد بن أحمد بن حيان أبو بكر الدهقان، بغدادي، سكن بخارى وحدث بها عن
يحيى بن أبي طالب، والحسن بن مكرم وغيرهما، وتوفي عن سبع وثمانين سنة.
أبو علي الخازن توفي في شعبان منها فوجد في داره من الدفائن وعند الناس
من الودائع ما يقارب أربعمائة ألف دينار.
والله أعلم.
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وثلثمائة فيها كان
دخول الروم إلى حلب صحبة الدمستق ملك الروم لعنه الله، في مائتي
ألف مقاتل، وكان سبب ذلك أنه ورد إليها بغتة فنهض إليه سيف الدولة بن
حمدان بمن حضر عنده من المقاتلة، فلم يقو به لكثرة جنوده، وقتل من
أصحاب سيف الدولة خلقا كثيرا، وكان سيف الدولة قليل الصبر ففر منهزما
في نفر يسير من أصحابه، فأول ما استفتح به الدمستق قبحه الله أن استحوذ
على دار سيف الدولة، وكانت ظاهر حلب (3)، فأخذ ما فيها من الاموال
العظيمة (4) والحواصل الكثيرة، والعدد
__________
(1) كذا بالاصل وهو تحريف والصواب: الحسن كما في الوافي ووفيات
الاعيان.
(2) ذكر ابن خلكان وفاته سنة 305 - وانظر طبقات الفقهاء للشيرازي - وهو
تحريف.
(3) وكانت تسمى الدارين.
(الكامل 8 / 540 مختصر أخبار البشر 2 / 103) (*).
(11/272)
وآلات الحرب،
أخذ من ذلك ما لا يحصى كثرة، وأخذ ما فيها من النساء والولدان وغيرهم،
ثم حاصر سور حلب فقاتل أهل البلد دونه قتالا عظيما، وقتلوا خلقا كثيرا
من الروم، وثلمت الروم بسور حلب ثلمة عظيمة، فوقف فيها الروم فحمل
المسلمون عليهم فأزاحوهم عنها، فلما جن الليل
جد المسلمون في إعادتها فما أصبح الصباح إلا وهي كما كانت، وحفظوا
السور حفظا عظيما، ثم بلغ المسلمون أن الشرط والبلاحية قد عاثوا في
داخل البلد ينهبون البيوت، فرجع الناس إلى منازلهم يمنعونها منهم قبحهم
الله، فإنهم أهل شر وفساد، فلما فعلوا ذلك غلبت الروم على السور فعلوه
ودخلوا البلد يقتلون من لقوه، فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وانتهبوا
الاموال وأخذوا الاولاد والنساء.
وخلصوا من كان بأيدي المسلمين من أسارى الروم، وكانوا ألفا وأربعمائة
(1)، فأخذ الاسارى السيوف وقاتلوا المسلمين، وكانوا أضر على المسلمين
من قومهم، وأسروا نحوا من بضعة عشر ألفا ما بين صبي وصبية، ومن النساء
شيئا كثيرا، ومن الرجال الشباب ألفين، وخربوا المساجد وأحرقوها، وصبوا
في جباب الزيت الماء حتى فاض الزيت على وجه الارض، وأهلكوا كل شئ قدروا
عليه، وكل شئ لا يقدرون على حمله أحرقوه، وأقاموا في البلد تسعة أيام
يفعلون فيها الافاعيل الفاسدة العظيمة، كل ذلك بسبب فعل البلاحية
والشرط في البلد قاتلهم الله.
وكذلك حاكمهم ابن حمدان كان رافضيا يحب الشيعة ويبغض أهل السنة، فاجتمع
على أهل حلب عدة مصائب، ثم عزم الدمستق على الرحيل عنهم خوفا من سيف
الدولة، فقال له ابن أخيه: أين تذهب وتدع القلعة وأموال الناس غالبها
فيها ونساؤهم ؟ فقال له الدمستق: إنا قد بلغنا فوق ما كنا نأمل، وإن
بها مقاتلة ورجالا غزاة، فقال له لابد لنا منها، فقال له: اذهب إليها،
فصعد إليها في جيش ليحاصرها فرموه بحجر فقتلوه في الساعة الراهنة من
بين الجيش كله، فغضب عند ذلك الدمستق وأمر بإحضار من في يديه من أسارى
المسلمين، وكانوا قريبا من ألفين (2)، فضربت أعناقهم بين يديه لعنه
الله، ثم كر راجعا.
وقد دخلوا عين زربة قبل ذلك في المحرم من هذه السنة، فاستأمنه أهلها
فأمنهم وأمر بأن يدخلوا كلهم المسجد ومن بقي في منزله قتل، فصاروا إلى
المسجد كلهم ثم قال: لا يبقين أحد من أهلها اليوم إلا ذهب حيث شاء، ومن
تأخر قتل، فازدحموا في خروجهم من المسجد فمات كثير منهم، وخرجوا على
وجوههم لا يدرون أين يذهبون، فمات في الطرقات منهم خلقا كثير.
ثم هدم الجامع وكسر المنبر وقطع من حول البلد أربعين ألف نخلة، وهدم
سور البلد والمنازل المشار إليها، وفتح حولها أربعة وخمسين حصنا بعضها
بالسيف وبعضها
بالامان، وقتل الملعون خلقا كثيرا، وكان في جملة من أسر أبو فراس بن
سعيد بن حمدان نائب منبج
__________
(4) ثلاثمائة بدرة من الد راهم.
(الكامل 8 / 540) وفي تاريخ الزمان لابن العبري ص 62: 390 وزنة فضة.
(1) في تاريخ الزمان ص 62: ألف ومائتي رومي.
(2) في الكامل 8 / 542 والعبر 4 / 239: ألف ومائتين (*).
(11/273)
من جهة سيف
الدولة، وكان شاعرا مطيقا، له ديوان شعر حسن، وكان مدة مقامه بعين زربة
إحدى وعشرين يوما، ثم سار إلى قيسرية فلقيه أربعة آلاف من أهل طرسوس مع
نائبها ابن الزيات، فقتل أكثرهم وأدركه صوم النصارى فاشتغل به حتى فرغ
منه، ثم هجم على حلب بغتة، وكان من أمره ما ذكرناه.
وفيها كتبت العامة من الروافض على أبوب المساجد لعنة معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنه، وكتبوا أيضا: ولعن الله من غصب فاطمة حقها، وكانوا
يلعنون أبا بكر ومن أخرج العباس من الشورى، يعنون عمر، ومن نفى أبا ذر
- يعنون عثمان - رضى الله عن الصحابة، وعلى من لعنهم لعنة الله، ولعنوا
من منع من دفن الحسن عند جده يعنون مروان بن الحكم، ولما بلغ ذلك جميعه
معز الدولة لم ينكره ولم يغيره، ثم بلغه أن أهل السنة محوا ذلك وكتبوا
عوضه لعن الله الظالمين لآل محمد من الاولين والآخرين، والتصريح باسم
معاوية في اللعن، فأمر بكتب ذلك، قبحه الله وقبح شيعته من الروافض، لا
جرم أن هؤلاء لا ينصرون، وكذلك سيف الدولة بن حمدان بحلب فيه تشيع وميل
إلى الروافض، لاجرم أن الله لا ينصر أمثال هؤلاء، بل يديل عليهم
أعداءهم لمتابعتهم أهواءهم، وتقليدهم سادتهم وكبراءهم وآباءهم وتركهم
أنبياءهم وعلماءهم، ولهذا لما ملك الفاطميون بلاد مصر والشام، وكان
فيهم الرفض وغيره، استحوذ الفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها،
حتى بيت المقدس، ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماه ودمشق وبعض
أعمالها، وجميع السواحل وغيرها مع الفرنج، والنواقيس النصرانية والطقوس
الانجيلية تضرب في شواهق الحصون والقلاع، وتكفر في إماكن الايمان من
المساجد وغيرها من
شريف البقاع، والناس معهم في حصر عظيم، وضيق من الدين، وأهل هذه المدن
التي في يد المسلمين في خوف شديد في ليلهم ونهارهم من الفرنج، فإنا لله
وإنا إليه راجعون وكل ذلك من بعض عقوبات المعاصي والذنوب، وإظهار سب
خير الخلق بعد الانبياء.
وفيها وقعت فتنة عظيمة بين أهل البصرة بسبب السب أيضا، قتل فيها خلق
كثير وجم غفير.
وفيها أعاد سيف الدولة بن حمدان بناء عين زربة، وبعث مولاه نجا فدخل
بلاد الروم، فقتل منها خلقا كثيرا وسبى جما غفيرا، وغنم وسلم.
وبعث حاجبه مع جيش طرسوس فدخلوا بلاد الروم فغنموا وسبوا ورجعوا
سالمين.
وفيها فتح المعز الفاطمي حصن طبرهين من بلاد المغرب - وكان من أحصن
بلاد الفرنج - فتحه قسرا بعد محاصرة سبعة أشهر ونصف، وقصد الفرنج جزيرة
إقريطش فاستنجد أهلها المعز، فأرسل إليهم جيشا فانتصروا على الفرنج
ولله الحمد والمنة.
وممن توفي فيها من الاعيان: الحسن
بن محمد بن هارون المهلبي الوزير لمعز الدولة بن بويه، مكث وزيرا له
ثلاث عشرة سنة (1)، وكان فيه حلم وكرم
__________
(1) ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر.
كما في الكامل 8 / 547 وذكر ابن الاثير وفاته سنة 352 ه (*).
(11/274)
وأناة، حكى أبو
إسحاق الصابي قال: كنت يوما عنده وقد جئ بدواة قد صنعت له ومرفع قد
حليا له بحلية كثيرة، فقال أبو محمد الفضل بن عبد الله الشيرازي - سرا
بيني وبينه -: ما كان أحوجني إليها لابيعها وأنتفع بها، قلت: وأي شئ
ينتفع الوزير بها ؟ فقال: تدخل في خزانتها، فسمعها الوزير - وكان مصغ
لنا ولا نشعر - فلما أمسى بعث بالدواة إلى أبي محمد الشيرازي ومرفعها
وعشرة ثياب وخمسة آلاف درهم، واصطنع له غيرها.
فاجتمعنا يوما آخر عنده وهو يوقع من تلك الدواة الجديدة، فنظر إلينا
فقال: من يريدها منكما ؟ قال: فاستحيينا وعلمنا أنه قد سمع كلامنا ذلك
اليوم، وقلنا يمتع الله الوزير بها ويبقيه ليهب لنا مثلها.
توفي المهلبي في هذه السنة عن أربع وستين سنة.
دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن أبو محمد (1) السجستاني المعدل،
سمع بخراسان وحلوان وبغداد والبصرة والكوفة ومكة، وكان من ذوي اليسار
والمشهورين بالبر والافضال، وله صدقات جارية، وأوقاف دارة دائرة على
أهل الحديث ببغداد وسجستان، كانت له دار عظيمة ببغداد، وكان يقول: ليس
في الدنيا مثل بغداد، ولا في بغداد مثل القطيعة، ولا في القطيعة مثل
دار (2) أبي خلف، ولا في دار (3) أبي خلف مثل داري.
وصنف الدار قطني له مسندا.
وكان إذ شك في حديث طرحه جملة، وكان الدار قطني يقول: ليس في مشايخنا
أثبت منه، وقد أنفق في ذوي العلم والحاجات أموالا جزيلة كثيرة جدا،
اقترض منه بعض التجار عشرة آلاف دينار فاتجر بها، فربح في مدة ثلاث
سنين ثلاثين ألف دينار، فعزل منها عشرة آلاف دينار وجاءه بها فأضافه
دعلج ضيافة حسنة، فلما فرغ من شأنها قال له: ما شأنك ؟ قال له: هذه
العشرة آلاف دينار التي تفضلت بها، قد أحضرت فقال: يا سبحان الله إني
لم أعطكها لتردها فصل بها الاهل.
فقال: إني قد ربحت بها ثلاثين ألف دنيار فهذه منها: فقال له دعلج: أذهب
بارك الله لك، فقال له: كيف يتسع مالك لهذا ؟ ومن أين أفدت هذا المال ؟
قال: إني كنت في حداثة سني أطلب الحديث، فجاءني رجل تاجر من أهل البحر
فدفع إلى ألف ألف درهم، وقال: اتجر في هذه، فما كان من ربح فبيني وبيك،
وما كان من خسارة فعلي دونك، وعليك عهد الله وميثاقه إن وجدت ذا حاجة
أو خلة إلا سددتها من مالي هذا دون مالك، ثم جاءني فقال: إني أريد
الركوب في البحر فإن هلكت فالمال في يدك على ما شرطت عليك.
فهو في يدي على ما قال.
ثم قال لي: لا تخبر بها أحدا مدة حياتي.
فلم أخبر به أحد حتى مات.
توفي في جمادى الاخرة من هذه السنة عن أربع أو خمس وتسعين سنة.
رحمه الله.
__________
(1) في تذكرة الحفاظ 3 / 881: أبو اسحاق السجزي المعدل.
وفي الكامل لابن الاثير 8 / 545: السجزي العدل (2) في ابن خلكان 2 /
271: درب.
(*)
(11/275)
عبد الباقي بن قانع ابن مرزوق أبو الحسن الاموي مولاهم، سمع الحارث بن
أسامة، وعنه الدار قطني وغيره، وكان ثقة أمينا حافظا، ولكنه تغير في
آخر عمره.
قال الدار قطني: كان يخطئ ويصر على الخطأ، توفي في شوال منها.
أبو بكر النقاش المفسر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن
جعفر، أبو بكر النقاش المفسر المقرئ، مولى أبي دجانة سماك بن خرشة،
أصله من الموصل، كان عالما بالتفسير وبالقراءات، وسمع الكثير في بلدان
شتى عن خلق من المشايخ، وحدث عنه أبو بكر بن مجاهد والخلدي وابن شاهين
وابن زرقويه وخلق، وآخر من حدث عنه ابن شاذان، وتفرد بأشياء منكرة، وقد
وثقه الدار قطني على كثير من خطئه ثم رجع عن ذلك، وصرح بعضهم بتكذيبه
والله أعلم.
وله كتاب التفسير الذي سماه شفاء الصدور وقال بعضهم: بل هو سقام
الصدور، وقد كان رجلا صالحا في نفسه عابدا ناسكا، حكى من حضره وهو يجود
بنفسه وهو يدعو بدعاء ثم رفع صوته يقول (لمثل هذا فليعمل العاملون) [
الصافات: 61 ] يرددها ثلاث مرات ثم خرجت روحه رحمه الله.
توفي يوم الثلاثاء الثاني من شوال منها ودفن بداره بدار القطن.
محمد بن سعيد أبو بكر الحربي الزاهد، ويعرف بابن الضرير، كان ثقة صالحا
عابدا.
ومن كلامه: دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة. |