البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلثمائة في شعبان منها أمر الطائع لله أن يدعى لعضد الدولة بعد الخليفة على المنابر ببغداد، وأن
تضرب الدبادب على بابه وقت الفجر وبعد المغرب والعشاء.
قال ابن الجوزي: وهذا شئ لم يتفق لغيره من بني بويه، وقد كان معز الدولة سأل من الخليفة أن يضرب الدبادب على بابه فلم يأذن له، وقد افتتح عز الدولة في هذه السنة وهو مقيم بالموصل أكثر بلاد أبي تغلب بن حمدان، كآمد والرحبة وغيرهما، ثم دخل بغداد في سلخ في ذي القعدة فتلقاه الخليفة والاعيان إلى أثناء الطريق.
قسام التراب (2) يملك دمشق لما ذهب الفتكين إلى ديار مصر نهض رجل من أهل دمشق يقال له قسام التراب، كان الفتكين يقربه ويدنيه، ويأمنه على أسراره، فاستحوذ على دمشق وطاوعه أهلها وقصدته عساكر العزيز من مصر فحاصروه فلم يتمكنوا منه، وجاء أبو تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان فحاصره فلم يقدر أن يدخل دمشق، فانصرف عنه خائبا إلى طبرية، فوقع بينه وبين بني عقيل وغيرهم من العرب حروب طويلة، آل الحال إلى أن قتل أبو تغلب وكانت معه أخته وجميلة امرأته وهي بنت سيف الدولة، فردتا إلى سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب، فأخذ أخته وبعث بجميلة إلى بغداد فحبست في دار وأخذ
__________
(1) انظر الحاشية السابقة.
(2) قال ياقوت: وكان في أول عمره ينقل التراب على الدواب (تلفيتا).
(*)

(11/331)


منها أموال جزيلة.
وأما قسام التراب هذا - وهو من بني الحارث بن كعب من اليمن - فإنه أقام بالشام فسد خللها وقام بمصالحها مدة سنين عديدة، وكان مجلسه بالجامع يجتمع الناس إليه فيأمرهم وينهاهم فيمتثلون ما يأمر به.
قال ابن عساكر: أصله من قرية تلفيتا، وكان ترابا.
قلت والعامة يسمونه قسيم الزبال، وإنما هو قسام، ولم يكن زبالا بل ترابا من قرية تلفيتا بالقرب من قرية منين، وكان بدو أمره أنه انتمى إلى رجل من أحداث أهل دمشق يقال له أحمد بن المسطان (1)، فكان من حزبه ثم استحوذ على الامور وغلب على الولاة والامراء إلى أن قدم بلكتكين التركي من مصر في يوم الخميس السابع عشر من المحرم سنة ست وسبعين وثلثمائة، فأخذها منه واختفى قسام التراب مدة ثم ظهر فأخذه أسيرا وأرسله مقيدا إلى الديار المصرية فأطلق وأحسن إليه وأقام بها مكرما.
وممن توفي فيها من الاعيان...العقيقي صاحب الحمام والدار المنسوبتين إليه بدمشق بمحلة باب البريد، واسمه أحمد بن الحسن العقيقي بن ضعقن بن عبد الله بن الحسين الاصغر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الشريف أبو القاسم الحسين العقيقي، قال ابن عساكر: كان من وجوه الاشراف بدمشق وإليه تنسب الدار والحمام بمحلة باب البريد.
وذكر أنه توفي يوم الثلاثاء لاربع خلون من جمادى الاولى منها، وأنه دفن من الغد وأغلقت البلد لاجل جنازته، وحضرها نكجور (2) وأصحابه - يعني نائب دمشق - ودفن خارج باب الصغير.
قلت: وقد اشترى الملك الظاهر بيبرس داره وبناها مدرسة ودار حديث وتربة وبها قبره، وذلك في حدود سنة سبعين ستمائة كما سيأتي بيانه.
أحمد بن جعفر ابن مالك بن شبيب بن عبد الله بن أبو بكر بن مالك القطيعي - من قطيعة الدقيق ببغداد - راوي مسند أحمد عن ابنه عبد الله، وقد روى عنه غير ذلك من مصنفات أحمد، وحدث عن غيره من المشايخ، وكان ثقة كثير الحديث، حدث عنه الدار قطني وابن شاهين والبرقاني وأبو نعيم الحاكم، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه ولا التفتوا إلى ما طعن عليه بعضهم وتكلم فيه، بسبب غرق كتبه حين غرقت القطيعة بالماء الاسود، فاستحدث بعضها من نسخ أخرى، وهذا ليس بشئ، لانها قد تكون معارضة على كتبه التي غرقت والله أعلم.
ويقال إنه تغير في آخر عمره فكان لا يدري ما جرى عليه، وقد جاوز التسعين.
__________
(1) في معجم البلدان: الحطار.
(2) تقدم.
راجع حاشية 1 صفحة 224 (*).

(11/332)


تميم بن المعز الفاطمي وبه كان يكنى، وقد كان من أكابر أمراء دولة أبيه وأخيه العزيز، وقد اتفقت له كائنة غريبة
وهي أنه أرسل إلى بغداد فاشتريت له جارية مغنية بمبلغ جزيل، فلما حضرت عنده أضاف أصحابه ثم أمرها فغنت - وكانت تحب شخصا ببغداد -: وبدا له من بعد ما انتقل الهوى * برق تألق من هنا لمعانه يبدو لحاشية اللواء ودونه * صعب الذرى ممتنع أركانه فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق * نظرا إليه وشده أشجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه * والماء ما سمحت به أجفانه ثم غنته أبياتا غيرها فاشتد طرب تميم هذا وقال لها: لابد أن تسأليني حاجة، فقالت: عافيتك.
فقال: ومع العافية.
فقالت: تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الابيات، فوجم لذلك ثم لم يجد بدا من الوفاء لها بما سألت، فأرسلها مع بعض أصحابه فأحجبها ثم سار بها على طريق العراق، فلما أمسوا في الليلة التي يدخلون فيها بغداد من صبيحتها ذهبت في الليل فلم يدر أين ذهبت، فلما سمع تميم خبرها شق عليه ذلك وتألم ألما شديد، وندم ندما شديدا حيث لا ينفعه الندم.
أبو سعيد السيرافي النحوي الحسن بن عبد الله بن المرزبان.
القاضي، سكن بغداد وولي القضاء بها نيابة، وله شرح كتاب سيبويه، وطبقات النحاة، روى عن أبي بكر بن دريد وغيره، وكان أبوه مجوسيا (1)، وكان أبو سعيد هذا عالما باللغة والنحو والقراءات والفرائض والحساب وغير ذلك من فنون العلم، وكان مع ذلك زاهدا لا يأكل إلا من عمل يده، كان ينسخ في كل يوم عشر ورقات بعشرة دراهم، تكون منها نفقته، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وكان ينتحل مذهب أهل العراق في الفقه، وقرأ القراءات على ابن مجاهد، واللغة على ابن دريد، والنحو على ابن السراج وابن المرزبان، ونسبه بعضهم إلى الاعتزال وأنكره آخرون.
توفي في رجب منها عن أربع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة الخيزران.
__________
(1) في الوفيات 2 / 78 واسمه بهزاد، فأسلم فسماه ابنه أبو سعيد: عبد الله.
وقال القفطي في أخباره، وكان
يذكر عنه الاعتزال ولم يكن يظهر ذلك.
والسيرافي: نسبة إلى سيراف وهي مدينة من بلاد فارس على ساحل البحر مما يلي كرمان (8 *).

(11/333)


عبد الله بن إبراهيم ابن أبي القاسم الريحاني، ويعرف بالآبندوني (1)، رحل في طلب الحديث إلا الآفاق ووافق ابن عدي في بعض ذلك، ثم سكن بغداد وحدث بها عن أبي يعلى، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة وغيرهم، وكان ثقة ثبتا، له مصنفات، زاهدا روى عن البرقاني وأثنى عليه خيرا، وذكر أن أكثر أدم أهله الخبز المأدوم بمرق الباقلا، وذكر أشياء من تقلله وزهده وورعه.
توفي عن خمس وتسعين سنة.
عبد الله بن محمد بن ورقاء الامير أبو أحمد الشيباني من أهل البيوتات والحشمة، بلغ التسعين سنة، روى عن ابن الاعرابي أنه أنشد في صفة النساء هي الضلع العوجاء لست تقيمها * ألا إن تقويم الضلوع انكسارها أيجمعن ضعفا واقتدارا على الفتى * أليس عجيبا ضعفها واقتدارها ؟ قلت: وهذا المعنى أخذه من الحديث الصحيح: " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج " (2).
محمد بن عيسى ابن عمرويه الجلودي راوي صحيح مسلم، عن إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، عن مسلم بن الحجاج وكان من الزهاد، يأكل من كسب يده من النسخ وبلغ ثمانين سنة.
ثم دخلت سنة تسع وستين وثلثمائة في المحرم منها توفي الامير عمر بن شاهين صاحب بلاد البطيحة منذ أربعين سنة، تغلب عليها وعجز عنه الامراء والملوك والخلفاء، وبعثوا إليه الجنود والسرايا والجيوش غير مرة، فكل ذلك يفلها
ويكسرها، وكل ماله في تمكن وزيادة وقوة، ومكث كذلك هذه المدة، ومع هذا كله مات على فراشه حتف أنفه، فلا نامت أعين الجبناء، وقام بالامر من بعده ولده الحسن فرام عضد الدولة أن ينتزع
__________
(1) من تذكرة الحفاظ 3 / 943 وفي الاصل: الانبدري وهو تحريف.
والآبندوني نسبة إلى ابندون قرية من قرى جرجان.
(2) أخرجه البخاري في الانبياء باب (1) ومسلم في الرضاع ح (61 - 62) والدارمي في النكاح باب (35) وأحمد في المسند 5 / 8، 151 (*).

(11/334)


الملك من يده، فأرسل إليه سرية حافلة من الجنود فكسرهم الحسن بن عمر بن شاهين، وكاد أن يتلفهم بالكلية حتى أرسل إليه عضد الدولة فصالحه على مال يحمله إليه في كل سنة، وهذا من العجائب الغريبة.
وفي صفر قبض على الشريف أبي أحمد الحسن بن موسى الموسوي نقيب الطالبيين، وقد كان أمير الحج مدة سنين، اتهم بأنه يفشي الاسرار وأن عز الدولة أودع عنده عقدا ثمينا، ووجدوا كتابا بخطه في إفشاء الاسرار فأنكر أنه خطه وكان مزورا عليه، واعترف بالعقد فأخذ منه وعزل عن النقابة وولوا غيره، وكان مظلوما.
وفي هذا الشهر أيضا عزل عضد الدولة قاضي القضاة أبا محمد بن معروف وولى غيره (1) وفي شعبان منها ورد البريد من مصر إلى عضد الدولة بمراسلات كثيرة فرد الجواب بما مضمونه صدق النية وحسن الطوية، ثم سأل عضد الدولة من الطائع أن يجدد عليه الخلع والجواهر، وأن يزيد في إنشائه تاج الدولة، فأجابه إلى ذلك، وخلع عليه من أنواع الملابس ما لم يتمكن معه من تقبيل الارض بين يدي الخليفة، وفوض إليه ما وراء بابه من الامور ومصالح المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وحضر ذلك أعيان الناس، وكان يوما مشهودا.
وأرسل في رمضان إلى الاعراب من بني شيبان وغيرهم فعقرهم وكسرهم، وكان أميرهم منبه بن محمد الاسدي متحصنا بعين التمر مدة نيف وثلاثين سنة.
فأخذ ديارهم وأموالهم.
وفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة تزوج الطائع لله بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد بحضرة الاعيان على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان وكيل عضد الدولة الشيخ أبا
الحسين بن أحمد الفارسي النحوي، صاحب الايضاح والتكملة، وكان الذي خطب خط القاضي أبو علي الحسن بن علي التنوخي.
قال ابن الاثير: وفيها جدد عضد الدولة عم ومحاسنها، وجدد المساجد والمشاهد، وأجرى على الفقهاء الارزاق، على الائمة من الفقهاء والمحدثين والاطباء والحساب وغيرهم، وأطلق الصلات لارباب البيوتات والشرف، وألزم أصحاب الاملاك بعمارة بيوتهم ودورهم، ومهد الطرقات وأطلق المكوس وأصلح الطريق للحجاج من بغداد إلى مكة، وأرسل الصدقات للمجاورين بالحرمين.
قال: وأذن لوزيره نصر بن هارون - وكان نصرانيا - بعمارة البيع والاديرة وأطلق الاموال لفقرائهم.
وفيها توفي حسنويه بن حسين الكردي، وكان قد استحوذ على نواحي البلاد الدينور وهمدان ونهاوند مدة خمسين سنة، وكان حسن السيرة كثير الصدقة بالحرمين وغيرهما، فلما توفي اختلف أولاده (2) من بعده وتمزق شملهم، وتمكن عضد الدولة من أكثر بلادهم، وقويت شوكته في ذلك الارض.
__________
(1) في الكامل 8 / 710: استعمل على قضاء القضاة أبا سعد بشر بن الحسين وهو شيخ كبير، وكان مقيما بفارس واستناب على القضاء ببغداد.
(2) بعضهم انحاز إلى فخر الدولة وبعضهم إلى عضد الدولة، وهم أبو العلاء، وعبد الرزاق، وأبو النجم بدر، وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك (الكامل 8 / 706) (*).

(11/335)


وفيها ركب عضد الدولة في جنود كثيفة إلى بلاد أخيه فخر الدولة، وذلك لما بلغه من ممالاته لعز الدولة واتفاقهم عليه، فتسلم بلاد أخيه فخر الدولة وهمدان والري وما بينهما من البلاد، وسلم ذلك إلى مؤيد الدولة - وهو أخوه الاخر - ليكون نائبه عليها، ثم سار إلى بلاد حسنويه الكردي فتسلمها وأخذ حواصله وذخائره، وكانت كثيرة جدا، وحبس بعض أولاده وأسر بعضهم، وأرسل إلى الاكراد الهكارية فأخذ منهم بعض بلادهم، وعظم شأنه وارتفع صيته، إلا أنه أصابه في هذا السفر داء الصداع، وكان قد تقدم له بالموصل مثله، وكان يكتمه إلى أن غلب عليه كثرة النسيان فلا يذكر
الشئ إلا بعد جهد جهيد، والدنيا لا تسر بقدر ما تضر: دار إذا ما أضحكت في يومها * أبكت غدا، بعدا لها من دار وفيها توفي من الاعيان...أحمد بن زكريا أبو الحسن (1) اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة وغيره، ومن شعره قبل موته بيومين: يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها * علما وبي وبإعلاني وأسراري أنا الموحد لكني المقر بها * فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري ذكر ذلك ابن الاثير (2) أحمد بن عطاء بن أحمد أبو عبد الله الروذباري - ابن أخت أبي علي الروذباري - أسند الحديث، وكان يتكلم على مذهب الصوفية، وكان قد انتقل من بغداد فأقام بصور وتوفي بها في هذه السنة.
قال: رأيت في المنام كأن قائلا يقول: أي شئ أصح في الصلاة ؟ فقلت صحة القصد، فسمعت قائلا يقول: رؤية المقصود بإسقاط رؤية القصد أتم.
وقال: مجالسة الاضداد ذوبان الروح، ومجالسة الاشكال تلقيح العقول، وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة، ولا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الاسرار، ولا يؤمن على الاسرار إلا الامناء فقط.
وقال: الخشوع في الصلاة علامة الفلاح.
قال
__________
(1) في الكامل 8 / 711 ووفيات الاعيان 1 / 118: أبو الحسين، وهو أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب، وقد وهم ابن الجوزي وابن الاثير في اسم أبيه فجعلاه - كالاصل - زكريا.
(2) اختلفوا اختلافا في تحديد سنة وفاته وقد بلغ الختلاف في بعضها حتى زاد الفرق بين السنوات على الثلاثين.
في المنتظم 7 / 103: سنة 389 وفي وفيات الاعيان 1 / 119: 390 ه.
وفي مختصر أخبار البشر 2 / 135: 395 ه.
وقد وهم ابن الاثير في ذكر وفاته سنة 369 ولعله يقصد وفاة والده فارس الذي توفي هذا العام كما في النجوم الزاهرة 4 / 135 (*).

(11/336)


تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) [ المؤمنون: 1 ] وترك الخشوع في الصلاة علامة النفاق وخراب القلب.
قال تعالى (إنه لا يفلح الكافرون) [ المؤمنون: 117 ].
عبد الله بن إبراهيم ابن أيوب بن ماسي أبو محمد البزاز، أسند الكثير وبلغ خمسا وتسعين سنة، وكان ثقة ثبتا.
توفي في رجب منها..محمد بن صالح ابن علي بن يحيى أبو الحسن الهاشمي، يعرف بابن أم شيبان، كان عالما فاضلا، له تصانيف، وقد ولي الحكم ببغداد قديما وكان جيد السيرة، توفي فيها وقد جاوز السبعين وقارب الثمانين.
ثم دخلت سنة سبعين وثلثمائة فيها ورد الصاحب بن عباد من جهة مؤيد الدولة إلى أخيه عضد الدولة فتلقاه عضد الدولة إلى ظاهر البلد وأكرمه وأمر الاعيان باحترامه، وخلع عليه وزاده في إقطاعه، ورد معه هدايا كثيرة.
وفي جمادى الآخرة منها رجع عضد الدولة إلى بغداد فتلقاه الخليفة الطائع وضرب له القباب وزينت الاسواق.
وفي هذا الشهر أيضا وصلت هدايا من صاحب اليمن إلى عضد الدولة، وكانت الخطبة بالحرمين لصاحب مصر، وهو العزيز بن المعز الفاطمي.
وممن توفي فيها من الاعيان: أبو بكر الرازي الحنفي أحمد بن علي أبو بكر الفقيه الحنفي الرازي أحد أئمة أصحاب أبي حنيفة، وله من المصنفات المفيدة كتاب أحكام القرآن، وهو تلميذ أبي الحسن الكرخي، وكان عابدا زاهدا وورعا، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته ورحل إليه الطلبة من الآفاق، وقد سمع الحديث من أبي العباس الاصم، وأبي القاسم الطبراني، وقد أراده الطائع على أن يوليه القضاء فلم يقبل، توفي في ذي الحجة من هذا العام، وصلى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.

(11/337)


محمد بن جعفر ابن (1) محمد بن زكريا أبو بكر الوراق، ويلقب بغندر، كان جوالا رحالا، سمع الكثير ببلاد فارس وخراسان، وسمع الباغندي وابن صاعد وابن دريد وغيرهم، وعنه الحافظ أبو نعيم الاصفهاني، وكان ثقة حافظا.
ابن خالويه الحسين بن أحمد بن خالويه أبو عبد الله النحوي اللغوي صاحب المصنفات، أصله من همذان، ثم دخل بغداد فأدرك بها مشايخ هذا الشأن: كابن دريد وابن مجاهد، وأبي عمر الزاهد، واشتغل على أبي سعيد السيرافي ثم صار إلى حلب فعظمت مكانته عند آل حمدان، وكان سيف الدولة يكرمه وهو أحد جلسائه، وله مع المتنبي مناظرات.
وقد سرد له ابن خلكان مصنفات كثيرة منها كتاب ليس في كلام العرب - لانه كان يكثر أن يقول ليس في كلام العرب كذا وكذا - وكتاب الآل تكلم فيه على أقسامه وترجم الائمة لاثني عشر وأعرب ثلاثين سورة من القرآن، وشرح الدريدية وغير ذلك، وله شعر حسن، وكان به داء كانت به وفاته.
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وثلثمائة في ربيع الاول منها وقع حريق عظيم بالكرخ، وفيها سرق شئ نفيس لعضد الدولة فتعجب الناس من جرأة من سرقه مع شدة هيبة عضد الدولة، ثم مع هذا اجتهدوا كل الاجتهاد فلم يعرفوا من أخذ.
ويقال إن صاحب مصر بعث من فعل ذلك فالله أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان...الاسماعيلي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الاسماعيلي الجرجاني الحافظ الكبير الرحال الجوال، سمع الحديث الكثير وحدث وخرج وصنف فأفاد وأجاد، وأحسن الانتقاد والاعتقاد، صنف كتابا على صحيح البخاري فيه فوئد كثيرة، وعلوم غزيرة.
قال الدار قطني: كنت عزمت غير مرة على
الرحلة إليه فلم أرزق.
وكانت وفاته يوم السبت عاشر رجب (2) سنة إحدى وسبعين وثلثمائة، وهو ابن أربع وسبعين (3) سنة رحمه الله.
__________
(1) في ابن الاثير 9 / 9 وتذكرة الحفاظ 3 / 960: ابن الحسين بن محمد..(2) في طبقات الشافعية 2 / 80: صفر.
(3) في تذكرة الحفاظ 3 / 650 وتاريخ جرجان للسهمي ص 109: أربع وتسعين (*).

(11/338)


الحسن بن صالح أبو محمد السبيعي، سمع ابن جرير وقاسما المطرز وغيرهما، وعنه الدار قطني والبرقاني، وكان ثقة حافظا مكثرا، وكان عسر الرواية.
الحسن بن علي بن الحسن ابن الهيثم بن طهمان أبو عبد الله الشاهد، المعروف بالبادي، سمع الحديث وكان ثقة، عاش سبعا وتسعين سنة، منها خمس عشرة سنة مقيدا أعمى.
عبد الله بن الحسين ابن إسماعيل بن محمد أبو بكر الضبي، ولي الحكم ببغداد، وكان عفيفا نزها دينا.
عبد العزيز بن الحارث ابن أسد بن الليث أبو الحسن التميمي الفقيه الحنبلي.
له كلام ومصنف في الخلاف، وسمع الحديث وروى عن غير واحد، وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه وضع حديثا.
وأنكر ذلك ابن الجوزي وقال: ما زال هذا دأب الخطيب في أصحاب أحمد بن حنبل.
قال: وشيخ الخطيب الذي حكى عنه هذا هو أبو القاسم عبد الواحد بن أسد العكبري لا يعتمد على قوله، فإنه كان معتزليا وليس من أهل الحديث، وكان يقول بأن الكفار لا يخلدون في النار.
قلت: وهذا غريب فإن المعتزلة يقولون بأن الكفار يخلدون في النار، بل يقولون بتخليد أصحاب الكبائر.
قال: وعنه حكى الكلام عن ابن بطة أيضا.
علي بن إبراهيم أبو الحسن الحصري الصوفي الواعظ شيخ المتصوفة ببغداد، أصله من البصرة صحب الشبلي وغيره، وكان يعظ الناس بالجامع، ثم لما كبرت سنه بنى له الرباط المقابل لجامع المنصور، ثم عرف بصاحبه المروزي، وكان لا يخرج إلا من الجمعة إلى الجمعة، وله كلام جيد في التصوف على طريقتهم.
ومما نقله ابن الجوزي عنه أنه قال: ما على مني ؟ وأي شئ لي في ؟ حتى أضاف وأرجو، إن رحم رحم ماله، وإن عذب عذب ماله.
توفي في ذي الحجة وقد نيف على الثمانين، ودفن بمقبرة دار حرب من بغداد.

(11/339)


علي بن محمد الاحدب المزور كان قوي الخط، له ملكة على التزوير لا يشاء يكتب على أحد كتابه إلا فعل، فلا يشك ذلك المزور عليه أنه خطه، وحصل للناس به بلاء عظيم، وختم السلطان على يده مرارا فلم يقدر، وكان يزور ثم كانت وفاته في هذه السنة.
الشيخ أبو زيد المروزي الشافعي محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد أبو زيد المروزي شيخ الشافعية في زمانه وإمام أهل عصره في الفقه والزهد والعبادة والورع، سمع الحديث ودخل بغداد وحدث بها فسمع منه الدار قطني وغيره.
قال أبو بكر البزار: عادلت الشيخ أبا زيد في طريق الحج فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.
وقد ذكرت ترجمته بكمالها في طبقات الشافعية.
قال الشيخ أبو نعيم: توفي بمرو يوم الجمعة الثالث عشر من رجب من هذه السنة.
محمد بن خفيف أبو عبد الله الشيرازي أحد مشاهير الصوفية، صحب الجريري وابن عطاء وغيرهما.
قال ابن الجوزي: وقد ذكرت في كتابي المسمى بتلبيس إبليس عنه حكايات تدل على أنه كان يذهب مذهب الاباحية.
ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين وثلثمائة قال ابن الجوزي: في المحرم منها جرى الماء الذي ساقه عضد الدولة إلى داره وبستانه.
وفي صفر فتح المارستان الذي أنشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من بغداد، وقد رتب فيه الاطباء والخدم، ونقل إليه من الادوية والاشربة والعقاقير شيئا كثيرا (1).
وقال: وفيها توفي عضد الدولة فكتم أصحابه وفاته حتى أحضروا ولده صمصامة فولوه الامر وراسلوا الخليفة فبعث إليه بالخلع والولاية.
شئ من أخبار عضد الدولة أبو شجاع بن ركن الدولة أبو علي الحسين بن بويه الديلمي، صاحب ملك بغداد وغيرها،
__________
(1) ذكر ابن الاثير في الكامل 9 / 16 ان فتح المارستان العضدي تم سنة 371 ه (*).

(11/340)


وهو أول من تسمى شاهنشاه، ومعناه ملك الملوك.
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أوضع اسم - وفي رواية أخنع اسم - عند الله رجل تسمى ملك الملوك " وفي رواية " ملك الاملاك لا ملك إلا الله عز وجل " (1).
وهو أول من ضربت له الدبادب ببغداد، وأول من خطب له بها مع الخليفة.
وذكره ابن خلكان أنه امتدحه الشعراء بمدائح هائلة منهم المتنبي وغيره، فمن ذلك قول أبي الحسن محمد بن عبد الله السلامي في قصيدة له: إليك طوى عرض البسيطة جاعل * قصارى المطايا أن يلوح لها القصر فكنت وعزمي في الضلام وصارمي * ثلاثة أشياء (2) كما اجتمع النسر وبشرت آمالي بملك هو الورى * ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر وقال المتنبي أيضا: هي الغرض الاقصى ورؤيتك المنى * ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق قال وقال أبو بكر أحمد الارجاني في قصيدة له بيتا فلم يلحق السلامي أيضا وهو قوله: لقيته فرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والارض في دار
قال: وكتب إليه افتكين مولى أخيه يستمده بجيش إلى دمشق يقاتل به الفاطميين، فكتب إليه عضد الدولة " غرك عزك فصار قصاراك ذلك، فاخش فاحش فعلك، فعلك بهذا تهدأ ".
قال ابن خلكان: ولقد أبدع فيها كل الابداع، وقد جرى له من التعظيم من الخليفة ما لم يقع لغيره قبله، وقد اجتهد في عمارة بغداد والطرقات، وأجرى النفقات على المساكين والمحاويج، وحفر الانهار وبنى المارستان العضدي وأدار السور على مدينة الرسول، فعل ذلك مدة ملكه على العراق، وهي خمسة (3) سنين، وقد كان عاقلا فاضلا حسن السياسة شديد الهيبة بعيد الهمة، إلا أنه كان يتجاوز في سياسة الامور الشرعية، كان يحب جارية فألهته عن تدبير المملكة، فأمر بتغريقها.
وبلغه أن غلاما له أخذ لرجل بطيخة فضربه بسيفه فقطعه نصفين، وهذه مبالغة.
وكان سبب موته الصرع.
وحين أخذ في علة موته لم يكن له كلام سوى تلاوة قوله تعالى (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) [ الحاقة: 28 ] فكان هذا هجيراه حتى مات.
وحكى ابن الجوزي: أنه كان يحب العلم والفضيلة، وكان يقرأ عنده كتاب إقليدس وكتاب النحو لابي علي الفارسي، وهو الايضاح والتكملة الذي صنفه له.
وقد خرج مرة إلى بستان له فقال أود لو جاء المطر، فنزل المطر فأنشأ يقول:
__________
(1) أخرجه البخاري في الادب باب (114) ومسلم في الادب ح (20 - 21) وأبو داود في الادب باب (62) والترمذي في الادب باب (65) وأحمد في المسند 2 / 244، 315، 492.
(2) في وفيات الاعيان 4 / 52: أشباه.
(3) كذا بالاصل، وفي الكامل 9 / 18 خمسين سنة ونصفا (*).

(11/341)


ليس شرب الراح (1) إلا في المطر * وغناء من جوار في السحر غانيات سالبات للنهى * ناعمات (2) في تضاعيف الوتر راقصات زاهرات نجل * رافلات في أفانين الحبر مطربات غنجات لحن رافضات الهم أمال الفكر مبرزات الكاس من مطلعها مسقيات الخمر (3) من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها * مالك الاملاك غلاب القدر (4) سهل الله إليه نصره * في ملوك الارض ما دام القمر (5) وأراه الخير في أولاده * ولباس الملك فيهم بالغرر قبحه الله وقبح شعره وقبح أولاده، فإنه قد اجترأ في أبياته هذه فلم يفلح بعدها، فيقال: إنه حين أنشد قوله غلاب القدر، أخذه الله فأهلكه، ويقال: إن هذه الابيات إنما أنشدت بين يديه ثم هلك عقيبها.
مات في شوال من هذه السنة عن سبع أو ثمان وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد علي فدفن فيه، وكان فيه رفض وتشيع، وقد كتب على قبره في تربته عند مشهد علي: هذا قبر عضد الدولة، وتاج المملكة، أبي شجاع بن ركن الدولة، أحب مجاورة هذا الامام المتقي لطمعه في الخلاص (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) [ النحل: 111 ] والحمد لله وصلواته على محمد وعترته الطاهرة.
وقد تمثل عند موته بهذه الابيات وهي للقاسم بن عبيد الله: قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا ولم أمهل على ظنه خلقا وأخليت در الملك من كان باذلا * فشردتهم غربا وشردتهم شرقا فلما بلغت النجم عزا ورفعة * وصارت رقاب الخلق اجمع لي رقا رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى فأذهبت دنياي وديني سفا * فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى ؟ ثم جعل يكرر هذه الابيات وهذه الآية (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) [ الحاقة 28 - 29 ] إلى أن مات.
وأجلس ابنه صمصامه على الارض وعليه ثياب السواد، وجاءه الخليفة معزيا وناح النساء عليه في الاسواق حاسرات عن وجوههن أياما كثيرة، ولما انقضى العزاء ركب ابنه
__________
(1) في اليتيمة 2 / 259 والكامل لابن الاثير 9 / 20: الكأس.
(2) في الكامل واليتيمة: ناغمات.
(3) في اليتيمة والكامل ووفيات الاعيان: ساقيات الراح.
(4) بهامش الاصل: كذب القائل في لحنته، وكذا في شعره أيضا كفر.
(5) في اليتيمة: سهل الله له بغيته..ما دار القمر (*).

(11/342)


صمصامة إلى دار الخلافة فخلع عليه الخليفة سبع خلع وطوقه وسوره وألبسه التاج ولقبه شمس الدولة، وولاه ما كان يتولاه أبوه، وكان يوما مشهودا.
محمد بن جعفر ابن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب أبو بكر الجريري المعروف بزوج الحرة، سمع ابن جرير والبغوي وابن أبي داود وغيرهم، وعنه ابن رزقويه وابن شاهين والبرقاني، وكان أحد العدول الثقات جليل القدر.
وذكر ابن الجوزي والخطيب سبب تسميته بزوج الحرة: أنه كان يدخل إلى مطبخ أبيه بدار مولاته التي كانت زوجة المقتدر بالله، فلما توفي المقتدر وبقيت هذه المرأة سالمة من الكتاب والمصادرات وكانت كثيرة الاموال، وكان هذا غلاما شابا حدث السن يحمل شيئا من حوائج المطبخ على رأسه فيدخل به إلى مطبخها مع جملة الخدم، وكان شابا رشيقا حركا، فنفق على القهرمانة حتى جعلته كاتبا على المطبخ، ثم ترقى إلى أن صار وكيلا للست على ضياعها، ينظر فيها وفي أموالها، ثم آل به الحال حتى صارت الست تحدثه من وراء الحجاب، ثم علقت به وأحبته وسألته أن يتزوج بها فاستصغر نفسه وخاف من غائلة ذلك فشجعته هي وأعطته أموالا كثيرة ليظهر عليه الحشمة والسعادة مما يناسبها ليتأهل لذلك، ثم شرعت تهادي القضاة والاكابر، ثم عزمت على تزويجه ورضيت به عند حضور القضاة، واعترض أولياؤها عليها فغلبتهم بالمكارم والهدايا، ودخل عليها فمكثت معه دهرا طويلا ثم ماتت قبله فورث منها نحو ثلثمائة ألف دينار، وطال عمره بعدها حتى كانت وفاته في هذه السنة والله أعلم.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة فيها غلت الاسعار ببغداد حتى بلغ الكر من الطعام إلى أربع آلاف وثمانمائة، ومات كثير من الناس جوعا، وجافت الطرقات من الموتى من الجوع، ثم تساهل الحال في ذي الحجة منها، وجاء الخبر بموت مؤيد الدولة بن ركن الدولة، وأن أبا القاسم بن عباد الوزير بعث إلى أخيه فخر الدولة
فولاه الملك مكانه، فاستوزر ابن عباد أيضا على ما كان عليه، ولما بلغ القرامطة موت عضد الدولة قصدوا البصرة ليأخذوها مع الكوفة فلم يتم لهم ذلك، ولكن صولحوا على مال كثير فأخذوه وانصرفوا.
وممن توفي فيها من الاعيان بويه مؤيد الدولة بن ركن الدولة، وكان ملكا على بعض ما كان أبوه يملكه، وكان الصاحب أبو القاسم بن عباد وزيره، وقد تزوج مؤيد الدولة هذا ابنة عمه معز الدولة، فغرم على عرسه سبعمائة ألف دينار، وهذا سرف عظيم.

(11/343)


بلكين بن زيري بن منادي الحميري الصنهاجي، ويسمى أيضا يوسف، وكان من أكابر أمراء المعز الفاطمي، وقد استخلفه على بلاد إفريقية حين سار إلى القاهرة، وكان حسن السيرة، له أربعمائة حظية، وقد بشر في ليلة واحدة بتسعة (1) عشر ولدا، وهو جد باديس المغربي.
سعيد بن سلام أبو عثمان المغربي، أصله من بلاد القيروان، ودخل الشام وصحب أبا الخير الاقطع، وجاور بمكة مدة سنين، وكان لا يظهر في المواسم، وكانت له كرامات، وقد أثنى عليه أبو سليمان الخطابي وغيره، وروى له أحوال صالحة رحمه الله تعالى.
عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن عثمان بن المختار بن محمد المري الواسطي، يعرف بابن السقا، سمع عبدان وأبا يعلى الموصلي وابن أبي داود والبغوي، وكان فهما حافظا، دخل بغداد فحدث بها مجالس كثيرة من حفظه، وكان يحضره الدا رقطني وغيره من الحفاظ فلم ينكروا عليه شيئا، غير أنه حدث مرة عن أبي يعلى بحديث أنكروه عليه ثم وجوده في أصله بخط الضبي، كما حدث به، فبرئ من عهدته.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ثلثمائة فيها جرى الصلح بين صمصامة وبين عمه فخر الدولة، فأرسل الخليفة لفخر الدولة خلعا
وتحفا.
قال ابن الجوزي: وفي رجب منها عمل عرس في درب رياح فسقطت الدار على من فيها فهلك أكثر النساء بها، ونبش من تحت الردم فكانت المصيبة عامة.
وفيها كانت وفاة :
الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسن (2) ابن أحمد ابن الحسين الازدي الموصلي المصنف في الجرح والتعديل، وقد سمع الحديث من أبي يعلى وطبقته، وضعفه كثير من الحفاظ من أهل زمانه، واتهمه بعضهم بوضع حديث رواه لابن
__________
(1) في الوفيات 1 / 287: سبعة.
(2) في الكامل 9 / 40: الحسين (*).

(11/344)


بويه، حين قدم عليه بغداد، فساقه بإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم " أن جبريل كان ينزل عليه في مثل صورة ذلك الامير ".
فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة.
والعجب إن كان هذا صحيحا كيف راج على أحد ممن له أدنى فهم وعقل، وقد أرخ ابن الجوزي وفاته في هذه السنة، وقد قيل إنه توفي سنة تسع وستين.
وفيها توفي...الخطيب بن نباته الحذاء (1) في بطن من قضاعة، وقيل إياد الفارقي خطيب حلب في أيام سيف الدولة بن حمدان، ولهذا أكثر ديوانه الخطب الجهادية، ولم يسبق إلى مثل ديوانه هذا، ولا يلحق إلا أن يشاء الله شيئا، لانه كان فصيحا بليغا دينا ورعا، روى الشيخ تاج الدين الكندي عنه أنه خطب يوم جمعة بخطبة المنام ثم رأى ليلة السبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه بين المقابر، فلما أقبل عليه قال: له: مرحبا بخطيب الخطباء، ثم أومأ إلى قبور هناك فقال لابن نباتة: كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعدوا في الاحياء مرة، أبادهم الذي خلقهم، وأسكتهم الذي أنطقهم، وسيجدهم كما أخلقهم، ويجمعهم كما فرقهم، فتم الكلام ابن نباتة حتى أنتهى إلى قوله (يوم تكونوا شهداء على الناس - وأشار إلى الصحابة الذين مع الرسول - ويكون الرسول عليكم شهيدا) [ البقرة: 143 ] وأشار إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: أحسنت أحسنت أدنه أدنه، فقبل وجهه وتفل في فيه وقال: وفقك الله.
فاستيقظ وبه من السرور أمر كبير، وعلى وجهه بهاء ونور، ولم يعش بعد ذلك إلا سبعة عشر يوما لم يستطعم بطعام، وكان يوجد منه مثل رائحة المسك حتى مات رحمه الله.
قال ابن الازرق الفارقي: ولد ابن نباتة في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، وتوفي في سنة أربع وسبعين وثلثمائة.
حكاه ابن خلكان.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وثلثمائة فيها خلع الخليفة على صمصامة الدولة وسوره وطوقه وأركب على فرس بسرج ذهب، وبين يديه جنيب مثله، وفيها ورد الخبر بأن اثنين من سادة القرامطة وهما إسحاق وجعفر، دخلا الكوفة في حفل عظيم فانزعجت النفوس بسبب ذلك، وذلك لصرامتهما وشجاعتهما، ولان عضد الدولة مع شجاعته كان يصانعهما، وأقطعهما أراضي من أراضي واسط، وكذلك عز الدولة من قبله أيضا.
فجهز إليهما صمصامة جيشا فطردهما عن تلك النواحي التي قد أكثروا فيها الفساد، وبطل ما كان في
__________
(1) وهو عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي.
والحذاقي نسبة إلى حذاقة بطن من قضاعة...(*).

(11/345)


نفوس الناس منهما، وفيها عزم صمصامة الدولة على أن يضع مكسا على الثياب الابريسمات فاجتمع الناس بجامع المنصور وأرادوا تعطيل الجمعة وكادت الفتنة تقع بينهم فأعفوا من ذلك.
وفي ذي الحجة ورد الخبر بموت مؤيد الدولة فجلس صمصامة للعزاء، وجاء إليه الخليفة معزيا له فقام إليه صمصامة وقبل الارض بين يديه وتخاطبا في الغزاء بألفاظ حسنة.
وفيها توفي الشيخ: أبو علي بن أبي هريرة واسمه الحسن بن الحسين، وهو أحد مشايخ الشافعية، وله اختيارات كثيرة غريبة في المذهب وقد ترجمناه في طبقات الشافعية.
الحسين بن علي
ابن محمد بن يحيى أبو أحمد النيسابوري المعروف بحسنك (1)، كانت تربيته عند ابن خزيمة وتلميذا له، وكان يقدمه على أولاده ويقر له ما لا يقر لغيره، وإذا تخلف ابن خزيمة عن مجالس السلطان بعث حسنك مكانه.
ولما توفي ابن خزيمة كان عمر حسنك ثلاثا وعشرين سنة، ثم عمر بعده دهرا طويلا، وكان من أكثر الناس عبادة وقراءة للقرآن، لا يترك قيام الليل حضرا ولاسفرا، كثير الصدقات والصلات، وكان يحكي وضوء ابن خزيمة وصلاته، ولم يكن في الاغنياء أحسن صلاة منه رحمه الله، وصلى عليه الحافظ أبو أحمد النيسابوري.
أبو القاسم الداركي (2) عبد العزيز بن عبد الله بن محمد: أبو القاسم الداركي أحد أئمة الشافعية في زمانه، نزل نيسابور ثم سكن بغداد إلى أن مات بها، قال الشيخ أبو حامد الاسفراييني: ما رأيت أفقه منه.
وحكى الخطيب عنه أنه كان يسأل عن الفتوى فيجيب بعد تفكر طويل، فربما كانت فتواه مخالفة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة فيقال له في ذلك فيقول: ويلكم روى فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فالاخذ به أولى من الاخذ بمذهب الشافعي وأبي حنيفة، ومخالفتهما أسهل من مخالفة الحديث.
قال ابن خلكان: وله في المذهب وجوه جيدة دالة على متانة علمه، وكان يتهم بالاعتزال، وكان قد أخذ العلم عن الشيخ أبي إسحاق المروزي، والحديث عن جده لامه الحسن بن
__________
(1) في تذكرة الحفاظ 3 / 968: حسينك، ويعرف أيضا بابن منينة.
وحسينك أشهر.
(2) الداركي: قال السمعاني في الانساب 5 / 276 هذه النسبة إلى دارك، وأظنها أنها من قرى أصبهان وذكره باسم عبد العزيز بن الحسن بن أحمد الداركي (*).

(11/346)


محمد الداركي، وهو أحد مشايخ أبي حامد الاسفراييني، وأخذ عنه عامة شيوخ بغداد وغيرهم من أهل الآفاق، وكانت وفاته في شوال، وقيل في ذي القعدة منها، وقد نيف على السبعين رحمه الله.
محمد بن أحمد بن محمد بن حسنويه أبو سهل النيسابوري، ويعرف بالحسنوي، كان فقيها شافعيا أديبا محدثا مشتغلا بنفسه عما لا
يعينه.
محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح أبو بكر الفقيه المالكي، سمع من أبي عمرويه والباغندي وأبي بكر بن أبي داود وغيرهم، وعنه البرقاني، وله تصانيف في شرح مذهب مالك، وانتهت إليه رياسة مذهب مالك، وعرض عليه القضاء فأباه وأشار بأبي بكر الرازي الحنفي، فلم يقبل الآخر أيضا.
توفي في يوم شوال منها عن ست وثمانين سنة رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وثلثمائة قال ابن الجوزي: في محرمها كثرت الحيات في بغداد فهلك بسبب ذلك خلق كثير.
ولسبع خلون من ربيع الاول - وكان يوم العشرين من تموز - وقع مطر كثير ببرق ورعد.
وفي رجب غلت الاسعار جدا ووردا الخبر فيه بأنه وقع بالموصل زلزلة عظيمة سقط بسببها عمران كثر، ومات من أهلها أمة عظيمة.
وفيها وقع بين صمصام الدولة وبين أخيه شرف الدولة فاقتتلا فغلبه شرف الدولة ودخل بغداد فتلقاه الخليفة وهنأه بالسلامة، ثم استدعى شرف الدولة بفراش ليكحل صمصام الدولة فاتفق موته فأكحله بعد موته (1)، وهذا من غريب ما وقع.
وفي ذي الحجة منها قبل قاضي القضاة أبو محمد بن معروف شهادة القاضي الحافظ أبي الحسن الدار قطني، وأبي محمد بن عقبة، فذكر أن الدار قطني ندم على ذلك وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدي فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع غيري.
__________
(1) ذكر ابن الاثير في الكامل 9 / 61 أن ذلك وقع سنة 379 ه.
وكان صمصام الدولة يقول بعد سلمه، ما أعماني إلا العلاء (بن الحسن الناظر في القلعة التي حبس فيها صمصام) لانه أمضى في حكم سلطان قد مات (يعني شرف الدولة) (*).

(11/347)


ثم دخلت سنة سبع وسبعين وثلثمائة
في صفرها عقد مجلس بحضرة الخليفة فيه القضاة وأعيان الدولة وجددت البيعة بين الطائع وبين شرف الدولة بن عضد الدولة وكان يوما مشهودا، ثم في ربيعها الاول ركب شرف الدولة من داره إلى دار الخليفة وزينت البلد وضربت البوقات والطبول والدبادب، فخلع عليه الخليفة وسوره وأعطاه لواءين معه، وعقد له على ما وراء داره، واستخلفه على ذلك، وكان في جملة من قدم مع شرف الدولة القاضي أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، فلما رآه الخليفة قال: مرحبا بالاحبة القادمينا * أو حشونا وطال ما آنسونا فقبل الارض بين يدي الخليفة، ولما قضيت البيعة دخل شرف الدولة على أخته امرأة الخليفة فمكث عندها إلى العصر والناس ينتظرونه، ثم خرج وسار إلى داره للتهنئة.
وفيها اشتد الغلاء جدا ثم لحقه فناء كثير.
وفيها توفيت أم شرف الدولة - وكانت تركية أم ولد - فجاءه الخليفة فعزاه.
وفيها ولد لشرف الدولة ابنان توأمان.
وممن توفي فيها من الاعيان...أحمد بن الحسين بن علي (1) أبو حامد المروزي، ويعرف بابن الطبري، كان حافظا للحديث مجتهدا في العبادة، متقنا بصيرا بالاثر، فقيها حنفيا، درس على أبي الحسين الكرخي وصنف كتبا في الفقه والتاريخ، وولي قضاء القضاة بخراسان، ثم دخل بغداد وقد علت سنه، فحدث الناس وكتب الناس عنه، منهم الدار قطني.
إسحاق بن المقتدر بالله توفي ليلة الجمعة لسبع عشرة (2) من ذي الحجة عن ستين سنة، وصلى عليه ابنه القادر بالله وهو إذ ذاك أمير المؤمنين، ودفن في تربة جدته شغب أم المقتدر، وحضر جنازته الامراء والاعيان من جهة الخليفة وشرف الدولة، وأرسل شرف الدولة من عزى الخليفة فيه، واعتذر من الحضور لوجع حصل له.
جعفر بن المكتفي بالله
كان فاضلا توفي فيها أيضا.
__________
(1) في الاصل لسبع عشر والصواب ما أثبتناه.
(2) تاريخ بغداد 4 / 107 والجواهر المضيئة 1 / 65 والوافي بالوفيات 6 / 347 المنتظم 7 / 137 (*).

(11/348)


أبو علي الفارسي النحوي (1) صاحب الايضاح والمصنفات الكثيرة، ولد ببلده ثم دخل بغداد وخدم الملوك وحظي عند عضد الدولة بحيث إن عضد الدولة كان يقول أنا غلام أبي على في النحو، وحصلت له الاموال، وقد اتهمه قوم بالاعتزال وفضله قوم من أصحابه على المبرد، وممن أخذ عنه أبو عثمان بن جني وغيره، توفي فيها عن بضع وتسعين سنة.
ستيتة بنت القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، وتكنى أم عبد الواحد، قرأت القرآن وحفظت الفقه والفرائض والحساب والدرر والنحو وغير ذلك، وكانت من أعلم الناس في وقتها بمذهب الشافعي، وكانت تفتي به مع الشيخ أبي علي بن أبي هريرة، وكانت فاضلة في نفسها كثيرة الصدقة، مسارعة إلى فعل الخيرات، وقد سمعت الحديث أيضا، وكانت وفاتها في رجب عن بضع وتسعين سنة.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وثلثمائة في محرمها كثر الغلاء والفناء ببغداد إلى شعبان كثرت الرياح والعواصف، بحيث هدمت كثيرا من الابنية، وغرق شئ كثير من السفن، واحتملت بعض الزوارق فألقته بالارض من ناحية جوخى، وهذا أمر هائل وخطب شامل.
وفي هذا الوقت لحق أهل البصرة حر شديد بحيث سقط كثير من الناس في الطرقات وماتوا من شدته.
وفيها توفي من الاعيان...الحسن بن علي بن ثابت
أبو عبد الله المقري، ولد أعمى، وكان يحضر مجلس ابن الانباري فيحفظ ما يقول وما يمليه كله، وكان ظريفا حسن الزي، وقد سبق الشاطبي إلى قصيدة عملها في القراءات السبع، وذلك في حياة النقاش، وكانت تعجبه جدا، وكذلك شيوخ ذلك الزمان أذعنوا إليها.
__________
(1) وهو الحسن بن أحمد عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان.
ولد بمدينة فسا.
ذكر ابن الاثير وفاته سنة 376 ه (*).

(11/349)


الخليل بن أحمد القاضي شيخ الحنفية في زمانه، كان مقدما في الفقه والحديث، سمع ابن جرير والبغوي وابن صاعد وغيرهم، ولهذا سمي باسم النحوي المتقدم.
زياد بن محمد بن زياد بن الهيثم أبو العباس الخرخاني بخاءين معجمتين نسبة إلى قرية من قرى قومس، ولهم الجرجاني بجيمين، وهم جماعة، ولهم الخرجاني بخاء معجمة ثم جيم (1).
وقد حرر هذه المواضع الشيخ ابن الجوزي في منتظمه.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين وثلثمائة
فيها كانت وفاة شرف الدولة بن عضد الدولة بن بويه الديلمي، وكان قد انتقل إلى قصر معز الدولة عن إشارة الاطباء لصحة الهواء، وذلك لشدة ما كان يجده من الداء، فلما كان في جمادى الاولى تزايد به ومات في هذا الشهر، وقد عهد إلى أخيه (2) أبي نصر، وجاء الخليفة في طيارة لتعزيته في والده (3) فتلقاه أبو نصر والترك بين يديه والديلم، فقبل الارض بين يديه الخليفة، وكذلك بقية العسكر والخليفة في الطيارة وهم يقبلون الارض إلى ناحيته.
وجاء الرئيس أبو الحسين علي بن عبد العزيز من عند الخليفة إلى أبي نصر فبلغه تعزيته له في والده (3) فقبل الارض أيضا ثانية، وعاد الرسول أيضا إلى الخليفة فبلغه شكر الامير، ثم عاد من جهة الخليفة لتوديع أبي نصر فقبل الارض ثالثا، ورجع الخليفة.
فلما كان يوم السبت عاشر هذا الشهر ركب الامير أبو نصر إلى حضرة الخليفة الطائع
لله ومعه الاشراف والاعيان والقضاة والامراء، وجلس الخليفة في الرواق، فلما وصل الامير أبو نصر خلع عليه الخليفة سبع خلع أعلاهن السواد وعمامة سوداء وفي عنقه طوق وفي يده سواران ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف والمناطق، فقبل الارض ثانية ووضع له كرسي فجلس عليه وقرأ الرئيس أبو الحسن عهده، وقدم إلى الطائع لواء فعقده بيده ولقبه بهاء الدولة وضياء الملة، ثم خرج من بين
__________
(1) قال السهمي في تاريخ جرجان ص 508: الخرجان فهي قرية من قرى أصفهان (أصبهان في معجم البلدان) منها أبو العباس زياد بن محمد بن زياد بن الهيثم الخرجاني ".
وهي غير خرخان إحدى قرى قومس.
(2) من وفيات الاعيان ومآثر الانافة والعبر لابن خلدون 4 / 435 والكامل 9 / 62، وفي الاصل: ابنه، وهو تحريف.
(3) كذا بالاصل وهو تحريف والصواب: أخيه (*).

(11/350)


يديه والعسكر معه حتى عاد إلى دار المملكة، وأقر الوزير أبا منصور بن صالح (1) على الوزارة، وخلع عليه.
وفيها بنى جامع القطيعة - قطيعة أم جعفر - بالجانب الغربي من بغداد، وكان أصل بناء هذا المسجد أن امرأة رأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مكانه، ووضع يده في جدار هناك، فلما أصبحت فذكرت ذلك فوجدوا أثر الكف في ذلك فبني مسجدا ثم توفيت تك المرأة في ذلك اليوم، ثم إن الشريف أبا أحمد الموسوي جدده وجعله جامعا، وصلى الناس فيه في هذه السنة.
وفيها توفي من الاعيان...شرف الدولة ابن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الديلمي، تملك بغداد بعد أبيه، وكان يحب الخير ويبغض الشر، وأمر بترك المصادرات.
وكان مرضه بالاستسقاء فتزايد به حتى كانت وفاته ليلة الجمعة الثاني من جمادى الآخرة عن ثمان وعشرين سنة أشهر، وكانت مدة ملكه سنتين وثمانية أشهر، وحمل تابوته إلى تربة أبيه بمشهد علي، وكلهم فيهم تشيع ورفض.
محمد بن جعفر بن العباس أبو جعفر، وأبو بكر النجار، ويلقب غندر أيضا، روى عن أبي بكر النيسابوري وطبقته، وكان فهما يفهم القرآن فهما حسنا وهو من ثقات الناس (2).
عبد الكريم بن عبد الكريم ابن بديل أبو الفضل الخزاعي الجرجاني قدم بغداد وحدث بها.
قال الخطيب: كانت له عناية بالقراءات وصنف أسانيدها، ثم ذكر أنه كان يخلط ولم يكن مأمونا على ما يرويه، وأنه وضع كتابا في الحروف ونسبه إلى أبي حنيفة، فكتب الدار قطني وجماعة أن هذا الكتاب موضوع لا أصل له، فافتضح وخرج من بغداد إلى الجبل فاشتهر أمره هناك وحبطت منزلته، وكان يسمي نفسه أولا جميلا، ثم غيره إلى محمد.
__________
(1) في الكامل 9 / 62: صالحان.
وهو محمد بن الحسن بن صالحان ولي الوزارة للاميرين شرف الدولة وبهاء الدولة.
قدم إلى بغداد سنة 377 ه.
كان أبو منصور خيرا متدينا متمكنا من عمله.
قال أبو شجاع يروي عن الصابي: ما رأينا وزيرا دبر من الممالك ما دبر، فإن مملكة شرف الدولة أحاطت بما بين الحد من كرمان طولا إلى ديار ربيعة وبكر، وعرضا إلى الاحساء والرقة والرحبة وحلوان (ذيل تجارب الامم ص 138).
(2) في تذكرة الحفاظ 3 / 963: توفي في المحرم سنة سبع وستعين وثلاثمائة (*).

(11/351)


محمد بن المظفر (1) ابن موسى بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن سلمة بن إياس، أبو الحسين البزار الحافظ، ولد في محرم سنة ثلثمائة (2)، ورحل إلى بلاد شتى، وروى عن ابن جرير والبغوي وخلق، وروى عنه جماعة من الحفاظ - منهم الدار قطني - شيئا كثيرا، وكان يعظمه ويجله ولا يستند بحضرته، كان ثقة ثبتا، وكان قديما ينتقد على المشايخ، ثم كانت وفاته في هذه السنة ودفن يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الاولى أو الاخرى منها.