البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
فيها خطب للسلطان محمد (1) بن ملكشاه بأمر الخليفة المستظهر بالله،
وفيها سأل دبيس بن صدقة الاسدي من السلطان محمود أن يرده إلى الحلة
وغيرها، مما كان أبوه يتولاه من الاعمال، فأجابه إلى ذلك، فعظم وارتفع
شأنه.
وفاة الخليفة المستظهر بالله
هو أبو العباس أحمد بن المقتدي، كان خيرا فاضلا ذكيا بارعا، كتب الخط
المنسوب، وكانت أيامه ببغداد كأنها الاعياد، وكان راغبا في البر
والخير، مسارعا إلى ذلك، لا يرد سائلا، وكان جميل العشرة لا يصغي إلى
أقوال الوشاة من الناس، ولا يثق بالمباشرين، وقد ضبط أمور الخلافة
جيدا، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير، وله شعر حسن.
قد ذكرناه أولا عند ذكر خلافته، وقد ولي غسله ابن عقيل وابن السني،
وصلى عليه ولده أبو منصور الفضل وكبر أربعا، ودفن في حجرة كان يسكنها،
ومن العجب أنه لما مات السلطان ألب أرسلان مات بعده الخليفة القائم، ثم
لما مات
__________
(1) تقدم أن السلطان محمد بن ملكشاه قد توفي سنة 511 وملك بعده ابنه
محمود، وهو الذي أرسل إلى الخليفة المستظهر بالله يطلب أن يخطب له
ببغداد، فخطب له في الجمعة ثالث عشر المحرم من سنة 512 ه.
أنظر الكامل 10 / 533 العبر 3 / 494.
(*)
(12/225)
السلطان ملكشاه
مات بعده المقتدي، ثم لما مات السلطان محمد مات بعده المستظهر هذا، في
سادس عشر (1) ربيع الآخر، وله من العمر إحدى وأربعون سنة، وثلاثة أشهر
وأحد عشر يوما (2).
خلافة المسترشد أمير المؤمنين أبو منصور
الفضل بن المستظهر:
لما توفي أبوه كما ذكرنا بويع له بالخلافة، وخطب له على المنابر وقد
كان ولي العهد من بعده مدة ثلاث وعشرين سنة، وكان الذي أخذ البيعة له
قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني، ولما استقرت البيعة له هرب أخوه أبو
الحسن في سفينة ومعه ثلاثة نفر، وقصد دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن
علي بن مزيد الاسدي بالحلة، فأكرمه وأحسن إليه، فقلق
أخوه الخليفة المسترشد من ذلك، فراسل دبيسا في ذلك مع نقيب النقباء
الزينبي، فهرب أخو الخليفة من دبيس فأرسل إليه جيشا فأ ؟ جأوه إلى
البرية، فلحقه عطش شديد، فلقيه بدويان فسقياه ماء وحملاه إلى بغداد،
فأحضره أخوه إليه فأعتنقا وتباكيا، وأنزله الخليفة دارا كان يسكنها قبل
الخلافة، وأحسن إليه، وطيب نفسه، وكانت مدة غيبته عن بغداد إحدى عشر
شهرا، واستقرت الخلافة بلا منازعة للمسترشد.
وفيها كان غلاء شديد ببغداد، وانقطع الغيث وعدمت الاقوات، وتفاقم أمر
العيارين ببغداد، ونهبوا الدور نهارا جهارا، ولم يستطع الشرط دفع ذلك.
وحج بالناس في هذه السنة الخادم.
وممن توفي فيها من الاعيان..الخليفة
المستظهر كما تقدم.
ثم توفيت بعده جدته أم أبيه المقتدي.
أرجوان الارمنية وتدعى قرة العين، كان لها بر كثير، ومعروف، وقد حجت
ثلاث حجات، وأدركت خلافة ابنها المقتدي، وخلافة ابنه المستظهر، وخلافة
ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا.
__________
(1) في العبر 3 / 495: منتصف ربيع الآخر.
وفي مرآة الزمان 8 / 73: ليلة الخميس السادس والعشرين من ربيع الآخر،
وفي العبر للذهبي 4 / 26: في الثالث والعشرين من ربيع الآخر ; وفي
الوافي بالوفيات 7 / 115: ليلة الاحد سابع عشر شهر ربيع الآخر، وفي
المنتظم 9 / 200: ليلة الخميس ثالث عشر ربيع الآخر (2) في الكامل 10 /
534: وستة أشهر وستة أيام ; وفي العبر 4 / 46: وله اثنتان وأربعون سنة.
(*)
(12/226)
بكر بن محمد بن
علي ابن الفضل أبو الفضل الانصاري، روى الحديث، وكان يضرب به المثل في
مذهب أبي حنيفة، وتفقه على عبد العزيز بن محمد الحلواني، وكان يذكر
الدروس من أي موضع سئل من غير مطالعة ولا مراجعة، وربما كان في ابتداء
طلبه يكرر المسألة أربعمائة مرة.
توفي في شعبان منها.
الحسين بن محمد بن عبد الوهاب (1) الزينبي، قرأ القرآن، وسمع الحديث،
وتفقه على أبي عبد الله الدامغاني، فبرع وأفتى ودرس بمشهد أبي حنيفة،
ونظر في أوقافها، وانتهت إليه رياسة مذهب أبي حنيفة، ولقب نور الهدى،
وسار في الرسلية إلى الملوك، وولي نقابة الطالبيين والعباسيين، ثم
استعفى بعد شهور فتولاها أخوه طراد.
توفي يوم الاثنين الحادي عشر من صفر، وله من العمر ثنتان وتسعون سنة،
وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي، وحضرت جنازته الاعيان والعلماء، ودفن
عند قبر أبي حنيفة داخل القبة.
يوسف بن أحمد أبو طاهر ويعرف بابن الجزري، صاحب المخزن في أيام
المستظهر، وكان لا يوفي المسترشد حقه من التعظيم وهو ولي العهد، فلما
صارت إليه الخلافة صادره بمائة ألف دينار، ثم استقر غلاما له فأومأ إلى
بيت فوجد فيه أربعمائة ألف دينار، فأخذها الخليفة ثم كانت وفاته بعد
هذا بقليل بهذا العام.
أبو الفضل (2) بن الخازن كان أديبا لطيفا شاعرا فاضلا فمن شعره قوله:
وافيت منزله فلم أر صاحبا (3) * إلا تلقاني بوجه ضاحك والبشر في وجه
الغلام نتيجة (4) * لمقدمات ضياء وجه المالك ودخلت جنته وزرت جحيمه *
فشكرت رضوانا ورأفة مالك
__________
(1) في الكامل 10 / 545: علي بن الحسن الزينبي، وفي تذكرة الحفاظ ص
1249: ابن علي الهاشمي الزينبي.
(2) وهو أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق المعروف بابن الخازن ;
أصله من دينور، بغدادي المولد والوفاة.
ترجمه في الوفيات 1 / 149 الوافي بالوفيات 8 / 78 المنتظم 9 / 204.
(3) في الوافي والوفيات: حاجبا..بسن ضاحك.
(4) في الوافي والوفيات: أمارة..لمقدمات حياء..(*)
(12/227)
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
فيها كانت الحروب الشديدة بين السلطان محمود بن محمد وبين عمه السلطان
سنجر بن ملكشاه وكان النصر فيها لسنجر، فخطب له ببغداد في سادس عشر (1)
جمادى الاولى من هذه السنة، وقطعت خطبة ابن أخيه في سائر أعماله.
وفيها سارت الفرنج إلى مدينة حلب ففتحوها عنوة وملكوها، وقتلوا من
أهلها خلقا، فسار إليهم صاحب ماردين إيلغازي بن أرتق في جيش كثيف،
فهزمهم ولحقهم إلى جبل (2) قد تحصنوا به، فقتل منهم هنالك مقتلة عظيمة،
ولله الحمد.
ولم يفلت منه إلا اليسير، وأسر من مقدميهم نيفا وتسعين (3) رجلا، وقتل
فيمن قتل سيرجال صاحب إنطاكية، وحمل رأسه إلى بغداد، فقال بعض الشعراء
في ذلك وقد بالغ مبالغة فاحشة: قل ما تشاء فقولك المقبول * وعليك بعد
الخالق التعويل واستبشر القرآن حين نصرته * وبكى لفقد رجاله الانجيل
وفيها قتل الامير منكوبرس الذي كان شحنة بغداد، وكان ظالما غاشما سئ
السيرة، قتله لسلطان محمود بن محمد صبرا بين يديه لامور: منها أنه تزوج
سرية أبيه قبل انقضاء عدتها، ونعم ما فعل وقد أراح الله المسلمين منه
ما كان أظلمه وأغشمه.
وفيها تولى قضاء قضاة بغداد الاكمل أبو القاسم بن علي بن أبي طالب بن
محمد الزينبي، وخلع عليه بعد موت أبي الحسن الدامغاني، وفيها ظهر قبر
إبراهيم الخليل عليه السلام وقبر ولديه إسحاق ويعقوب، وشاهد ذلك الناس،
لم تبل أجسادهم، وعندهم قناديل من ذهب وفضة، ذكر ذلك ابن الخازن في
تاريخه، وأطال نقله من المنتظم لابن الجوزي والله أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان..ابن
عقيل علي بن عقيل بن محمد، أبو الوفا شيخ الحنابلة ببغداد، وصاحب
الفنون وغيرها من التصانيف المفيدة، ولد سنة إحدى وأربعمائة، وقرأ
القرآن على ابن سبطا (4)، وسمع الحديث الكثير، وتفقه بالقاضي أبي يعلى
بن الفراء، وقرأ الادب على ابن برهان، والفرائض على عبد الملك
__________
(1) في الكامل 10 / 552: السادس والعشرين.
(2) في تل يقال له تل عفرين.
(3) في الكامل: وسبعون.
(3) في شذرات الذهب 4 / 36: أبي الفتح بن شيطا.
(المنهج الاحمد 2 / 252).
(*)
(12/228)
الهمداني،
والوعظ على أبي طاهر بن العلاف، صاحب ابن سمعون، والاصول على أبي
الوليد المعتزلي، وكان يجتمع بجميع العلماء من كل مذهب، فربما لامه بعض
أصحابه فلا يلوي عليهم، فلهذا برز على أقرانه وساد أهل زمانه في فنون
كثيرة، مع صيانة وديانة وحسن صورة وكثرة اشتغال، وقد وعظ في بعض
الاحيان فوقعت فتنة فترك ذلك، وقد متعه الله بجميع حواسه إلى حين موته،
توفي بكرة الجمعة ثاني جمادى الاولى من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين،
وكان جنازته حافلة جدا، ودفن قربيا من قبر الامام أحمد، إلى جانب
الخادم مخلص رحمه الله.
أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة ابن قاضي القضاة، ولد في
رجب سنة ست (1) وأربعين وأربعمائة، وولي القضاء بباب الطاق من بغداد
وله من العمر ست وعشرون سنة، ولا يعرف حاكم قضى لاربعة من الخلفاء غيره
إلا شريح، ثم ذكر إمامته وديانته وصيانته مما يدل على نخوته، وتفوقه
وقوته، تولى الحكم أربعا وعشرين سنة وستة أشهر، وقبره عند مشهد أبي
حنيفة.
المبارك بن علي ابن الحسين (2) أبو سعد المخرمي (3)، سمع الحديث وتفقه
على مذهب أحمد، وناظر وأفتى ودرس، وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى مثلها،
وناب في القضاء وكان حسن السيرة جميل الطريق، سديد الاقضية، وقد بنى
مدرسة بباب الازج وهي المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي،
ثم عزل عن القضاء وصودر بأموال جزيلة، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمسمائة،
وتوفي في المحرم من هذه السنة ودفن إلى جانب أبي بكر الخلال عند قبر
أحمد.
ثم دخلت سنة أربع عشرة وخمسمائة
في النصف من ربيع الاول منها كانت وقعة عظيمة بين الاخوين السلطان
محمود ومسعود ابني محمد بن ملكشاه عند عقبة اسداباذ، فانهزم عسكر مسعود
وأسر وزيره الاستاذ أبو إسماعيل وجماعة
__________
(1) في الكامل 10 / 561: تسع.
(2) في شذرات الذهب 4 / 40: الحسن.
والصواب ما أثبتناه وترجمته في مختصر الطبقات ص 412 وفي ذيل الطبقات
ترجمة 67 وفي المنتظم 9 / 215 وفي المنهج الاحمد 2 / 250.
(3) المخرمي: بكسر الراء - منسوب إلى المخرم محلة ببغداد شرقيها نزلها
بعض ولد يزيد بن المخرم فنسبت إليه.
وللمخرمي ذرية فيهم شيوخ تصوف ورؤساء ذوو ولايات ورواة حديث (المنهج
الاحمد 2 / 251).
(*)
(12/229)
من أمرائه،
فأمر السلطان محمود بقتل الوزير أبي إسماعيل، فقتل وله نيف وستون سنة،
وله تصانيف في صناعة الكيمياء.
ثم أرسل إلى أخيه مسعود الامان واستقدمه عليه، فلما التقيا بكيا
واصطلحا.
وفيها نهب دبيس صاحب الحلة البلاد، وركب بنفسه إلى بغداد، ونصب خيمته
بإزاء دار الخلافة، وأظهر ما في نفسه من الضغائن، وذكر كيف طيف برأس
أبيه في البلاد، وتهدد المسترشد، فأرسل إليه الخليفة يسكن جأشه ويعده
أنه سيصلح بينه وبين السلطان محمود، فلما قدم السلطان محمود بغداد أرسل
دبيس يستأمن فأمنه وأجراه على عادته، ثم إنه نهب جسر السلطان فركب
بنفسه السلطان لقتاله واستصحب معه ألف سفينة ليعبر فيها، فهرب دبيس
والتجأ إلى إيلغازي فأقام عنده سنة، ثم عاد إلى الحلة وأرسل إلى
الخليفة والسلطان يعتذر إليهما مما كان منه، فلم يقبلا منه، وجهز إليه
السلطان جيشا فحاصروه وضيقوا عليه قريبا من سنة، وهو ممتنع في بلاده لا
يقدر الجيش على الوصول إليه.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين الكرج والمسلمين بالقرب من تفليس، ومع الكرج
كفار الفقجاق فقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا، وغنموا أموالا جزيلة،
وأسروا نحوا من أربعة آلاف أسير، فإنه لله وإنا إليه راجعون.
ونهب الكرج تلك النواحي وفعلوا أشياء منكرة، وحاصروا تفليس مدة ثم
ملكوها عنوة، بعد ما أحرقوا القاضي والخطيب حين خرجوا إليهم يطلبون
منهم الامان، وقتلوا عامة أهلها، وسبوا الذرية واستحوذوا على الاموال،
فلا حول ولا قوة
إلا بالله.
وفيها أغار جوسكين (1) الفرنجي على خلق من العرب والتركمان (2) فقتلهم
وأخذ أموالهم، وهذا هو صاحب الرها.
وفيها تمردت العيارون ببغداد وأخذوا الدور جهارا ليلا ونهارا، فحسبنا
الله ونعم الوكيل.
وفيها كان ابتداء ملك محمد بن تومرت ببلاد المغرب، كان ابتداء أمر هذا
الرجل أنه قدم في حداثة سنه من بلاد المغرب (3) فسكن النظامية ببغداد،
واشتغل بالعلم فحصل منه جانبا جيدا من الفروع والاصول، على الغزالي
وغيره، وكان يظهر التعبد والورع، وربما كان ينكر على الغزالي حسن
ملابسه، ولا سيما لما لبس خلع التدريس بالنظامية، أظهر الانكار عليه
جدا، وكذلك على غيره، ثم إنه حج وعاد إلى بلاده، وكان يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ويقرئ الناس القرآن ويشغلهم في الفقه، فطار ذكره في
الناس، واجتمع به يحيى بن تميم بن المعز بن باديس صاحب بلاد إفريقية،
فعظمه وأكرمه، وسأله الدعاء، فاشتهر أيضا بذلك، وبعد صيته، وليس معه
إلا ركوة
__________
(1) كذا بالاصل وتاريخ ابن خلدون، وفي الكامل وابن العبري وأبي الفداء:
جوسلين.
(2) وكانوا نازلين بصفين، غربي الفرات.
(2) هو أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي الحسني من
قبيلة المصامدة وتعرف بهرغة في جبل السوس من بلاد المغرب وقد نزلوا به
لما فتحه المسلمون مع موسى بن نصير.
(وانظر تاريخ ابن خلدون 6 / 223 - 225) وابن خلكان 5 / 45 والوافي
بالوفيات 3 / 329.
(*)
(12/230)
وعصا، ولا يسكن
إلا المساجد، ثم جعل ينتقل من بلد إلى بلد حتى دخل مراكش ومعه تلميذه
عبد المؤمن بن علي، وقد كان توسم النجابة والشهامة فيه، فرأى في مراكش
من المنكرات أضعاف ما رأى في غيرها، من ذلك أن الرجال يتلثمون والنساء
يمشين حاسرات عن وجوههن، فأخذ في إنكار ذلك حتى أنه اجتازت به في بعض
الايام أخت أمير المسلمين يوسف ملك مراكش وما حولها، ومعها نساء مثلها
راكبات حاسرات عن وجوههن، فشرع هو وأصحابه في الانكار عليهن، وجعلوا
يضربون وجوه الدواب فسقطت أخت الملك عن دابتها، فأحضره الملك وأحضر
الفقهاء فظهر عليهم
بالحجة، وأخذ يعظ الملك في خاصة نفسه، حتى أبكاه، ومع هذا نفاه الملك
عن بلده فشرع يشنع عليه ويدعو الناس إلى قتاله، فاتبعه على ذلك خلق
كثير، فجهز إليه الملك جيشا كثيفا فهزمهم ابن تومرت، فعظم شأنه وارتفع
أمره، وقويت شوكته، وتسمى بالمهدي، وسمى جيشه جيش الموحدين وألف كتابا
في التوحيد وعقيدة تسمى المرشدة، ثم كانت له وقعات مع جيوش صاحب مراكش،
فقتل منهم في بعض الايام نحوا من سبعين ألفا، وذلك بإشارة أبي عبد الله
التومرتي (1)، وكان ذكر أنه نزل إليه ملك وعلمه القرآن والموطأ، وله
بذلك ملائكة يشهدون به في بئر سماه، فلما اجتاز به وكان قد أرصد فيه
رجالا، فلما سألهم عن ذلك والناس حضور معه على ذلك البئر شهدوا له
بذلك، فأمر حينئذ بطم البئر علبهم فماتوا عن آخرهم، ولهذا يقال من أعان
ظالما سلط عليه.
ثم جهز ابن تومرت الذي لقب نفسه بالمهدي جيشا عليهم أبو عبد الله
التومرتي، وعبد المؤمن، لمحاصرة مراكش، فخرج إليهم أهلها فاقتتلوا
قتالا شديدا، وكان في جملة من قتل أبو عبد الله التومرتي هذا الذي زعم
أن الملائكة تخاطبه، ثم افتقدوه في القتلى فلم يجدوه، فقالوا: إن
الملائكة رفعته، وقد كان عبد المؤمن دفنه والناس في المعركة، وقتل ممن
معه من أصحاب المهدي خلق كثير، وقد كان حين جهز الجيش مريضا مدنفا،
فلما جاءه الخبر ازداد مرضا إلى مرضه، وساءه قتل أبي عبد الله
التومرتي، وجعل الامر من بعده لعبد المؤمن بن علي، ولقبه أمير
المؤمنين.
وقد كان شابا حسنا حازما عاقلا، ثم مات ابن تومرت (2) وقد أتت عليه
إحدى وخمسون سنة (3)، ومدة ملكه عشر (4) سنين، وحين صار إلى عبد المؤمن
بن علي الملك أحسن إلى الرعايا، وظهرت له سيرة جيدة فأحبه الناس،
واتسعت ممالكه، وكثرت جيوشه ورعيته، ونصب العداوة إلى تاشفين صاحب
مراكش، ولم يزل الحرب بينهما إلى سنة خمس وثلاثين، فمات تاشفين فقام
ولده من بعده، فمات في سنة تسع
__________
(1) في الكامل والوافي بالوفيات: الونشريشي، وفي وفيات الاعيان:
الونشريسي.
(2) في ابن خلدون 6 / 229: سنة ثنتين وعشرين، واتفق ابن الاثير والوافي
وابن خلكان أن وفاته كانت سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
(3) في الوافي ووفيات الاعيان: كان مولده سنة 485 ه.
فإن صح فيكون له عند وفاته 59 سنة.
(4) في الكامل: عشرين سنة.
(*)
(12/231)
وثلاثين ليلة
سبع وعشرين من رمضان، فتولى أخوه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين، فسار
إليه عبد المؤمن فملك تلك النواحي، وفتح مدينة مراكش، وقتل هنالك أمما
لا يعلم عددهم إلا الله عزوجل، قتل ملكها إسحاق وكان صغير السن في سنة
ثنتين وأربعين، وكان إسحاق هذا آخر ملوك المرابطين، وكان ملكهم سبعين
سنة.
والذين ملكوا منهم أربعة: علي وولده يوسف، وولداه أبو سفيان وإسحاق
ابنا علي المذكور، فاستوطن عبد المؤمن مدينة مراكش، واستقر ملكه بتلك
الناحية، وظفر في سنة ثلاث وأربعين بدكالة وهي قبيلة عظيمة نحو مائتي
ألف راجل وعشرين ألف فارس مقاتل، وهم من الشجعان الابطال، فقتل منهم
خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وسبى ذراريهم وغنم أموالهم حتى إنه بيعت
الجارية الحسناء بدراهم معدودة، وقد رأيت لبعضهم في سيرة ابن تومرت هذا
مجلدا في أحكامه وإمامته، وما كان في أيامه، وكيف تملك بلاد المغرب،
وما كان يتعاطاه من الاشياء التي توهم أنها أحوال برة، وهي محالات لا
تصدر إلا عن فجرة، وما قتل من الناس وأزهق من الانفس.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن
عبد الوهاب بن السني (1) أبو البركات، أسند الحديث وكان يعلم أولاد
الخليفة المستظهر، فلما صارت الخلافة إلى المسترشد ولاه المخزن، وكان
كثير الاموال والصدقات، يتعاهد أهل العلم، وخلف مالا كثيرا حزر بمائتي
ألف دينار، أوصى منه بثلاثين ألف دينار لمكة والمدينة، توفي فيها عن ست
وخمسين سنة وثلاثة أشهر، وصلى عليه الوزير أبو علي بن صدقة، ودفن بباب
حرب.
عبد الرحيم بن عبد الكبير ابن هوازن، أبو نصر القشيري، قرأ على أبيه
وإمام الحرمين، وروى الحديث عن جماعة، وكان ذا ذكاء وفطنة، وله خاطر
حاضر جرئ، ولسان ماهر فصيح، وقد دخل بغداد فوعظ بها
فوقع بسببه فتنة بين الحنابلة والشافعية، فحبس بسببها الشريف أبو جعفر
بن أبي موسى، وأخرج ابن القشيري من بغداد لاطفاء الفتنة فعاد إلى بلده،
توفي في هذه السنة.
عبد العزيز بن علي ابن حامد أبو حامد الدينوري، كان كثير المال
والصدقات، ذا حشمة وثروة ووجاهة عند
__________
(1) في الكامل 10 / 587: السيبي.
(*)
(12/232)
الخليفة، وقد
روى الحديث ووعظ، وكان مليح الايراد حلو المنطق، توفي بالري والله
أعلم.
ثم دخلت سنة خمس عشرة وخمسمائة فيها أقطع
السلطان محمود الامير إيلغازي مدينة ميافارقين، فبقيت في يد أولاده إلى
أن أخذها صلاح الدين يوسف بن أيوب، في سنة ثمانين وخمسمائة.
وفيها أقطع آقسنقر البرشقي مدينة الموصل لقتال الفرنج، وفيها حاصر ملك
(1) بن بهرام وهو ابن أخي إيلغازي مدينة الرها فأسر ملكها جوسكين (2)
الافرنجي وجماعة من رؤس أصحابه وجماعة من رؤس أصحابه وسجنهم بقلعة
خرتبرت.
وفيها هبت ريح سوداء فاستمرت ثلاثة أيام فأهلكت خلقا كثيرا من الناس
والدواب.
وفيها كانت زلزلة عظيمة بالحجاز فتضعضع بسببها الركن اليماني، وتهدم
بعضه، وتهدم شئ من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيها ظهر رجل علوي بمكة كان قد اشتغل بالنظامية في الفقه وغيره، يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، فاتبعه ناس كثير فنفاه صاحبها ابن أبي هاشم
إلى البحرين.
وفيها احترقت دار السلطان بأصبهان، فلم يبق فيها شئ من الآثار والقماش
والجواهر والذهب والفضة سوى الياقوت الاحمر، وقبل ذلك بأسبوع احترق
جامع أصبهان، وكان جامعا عظيما، فيه من الاخشاب ما يساوي ألف دينار،
ومن جملة ما احترق فيه خمسمائة مصحف، من جملتها مصحف بخط أبي بن كعب،
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي شعبان منها جلس الخليفة المسترشد في دار الخلافة في أبهة الخلافة،
وجاء الاخوان السلطان محمود ومسعود فقبلا الارض ووقفا بين يديه، فخلع
على محمود سبع خلع وطوقا وسوارين وتاجا، وأجلس على كرسي ووعظه الخليفة،
وتلا عليه قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال
ذرة شرا يره) [ الزلزلة: 7 - 8 ] وأمره بالاحسان إلى الرعايا، وعقد له
لواءين بيده، وقلده الملك، وخرجا من بين يديه مطاعين معظمين، والجيش
بين أيديهما في أبهة عظيمة جدا.
وحج بالناس قطز الخادم.
وممن توفي فيها: ابن القطاع اللغوي
أبو القاسم علي بن جعفر بن محمد ابن الحسين بن أحمد بن محمد بن زيادة
الله بن محمد بن الاغلب السعدي الصقلي، ثم المصري اللغوي المصنف كتاب
الافعال، الذي برز فيه على ابن القوطية، وله مصنفات كثيرة، قدم مصر في
__________
(1) في ابن خلدون 5 / 198: مالك ; وفي الكامل 10 / 593 وتاريخ أبي
الفداء 2 / 235: بلك.
(2) انظر حاشية (1) ص (230).
(*)
(12/233)
حدود سنة
خمسمائة لما أشرفت الفرنج على أخذ صقلية، فأكرمه المصريون وبالغوا في
إكرامه، وكان ينسب إلى التساهل في الدين، وله شعر جيد قوي، مات وقد
جاوز الثمانين (1).
أبو القاسم شاهنشاه الافضل بن أمير الجيوش بمصر، مدبر دولة الفاطميين،
وإليه تنسب قيسرية أمير الجيوش بمصر، والعامة تقول مرجوش، وأبوه باني
الجامع الذي بثغر الاسكندرية بسوق العطارين، ومشهد الرأس بعسقلان أيضا،
وكان أبوه نائب المستنصر على مدينة صور، وقيل على عكا، ثم استدعاه إليه
في فصل الشتاء فركب البحر فاستنابه على ديار مصر، فسدد الامور بعد
فسادها، ومات في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقام في الوزارة ولده
الافضل هذا، وكان كأبيه في الشهامة والصرامة، ولما مات المستنصر أقام
المستعلي واستمرت الامور على يديه، وكان عادلا حسن السيرة، موصوفا
بجودة السريرة فالله أعلم، ضربه فداوى وهو راكب فقتله في رمضان من هذه
السنة، عن سبع وخمسين سنة، وكانت إمارته من ذلك بعد أبيه ثمان وعشرين
سنة، وكانت داره دار الوكالة اليوم بمصر، وقد وجد له أموال عديدة جدا،
تفوق العد والاحصاء، من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل
المسومة والانعام والحرث، والجواهر النفائس، فانتقل ذلك كله إلى
الخليفة الفاطمي فجعل في خزانته، وذهب جامعه إلى سواء الحساب، على
الفتيل من ذلك والنقير والقطمير واعتاض عنه الخليفة بأبي عبد الله
البطائحي، ولقبه المأمون.
قال ابن خلكان: ترك الافضل من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار مكررة،
ومن الدراهم مائتين وخمسين أردبا، وسبعين ثوب ديباج أطلس، وثلاثين
راحلة أحقاق ذهب عراقي، ودواة ذهب فيها جوهرة بإثني عشر ألف دينار،
ومائة مسمار ذهب زنة كل مسمار مائة مثقال، في عشرة مجالس كان يجلس
فيها، على كل مسمار منديل مشدود بذهب، كل منديل على لون من الالوان من
ملابسه، وخمسمائة صندوق كسوة للبس بدنه، قال: وخلف من الرقيق والخيل
والبغال والمراكب والمسك والطيب والحلى ما لا يعلم قدره إلا الله
عزوجل، وخلف من البقر والجواميس والغنم ما يستحيي الانسان من ذكره،
وبلغ ضمان ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار، وترك صندوقين كبيرين
مملوءين إبر ذهب برسم النساء.
عبد الرزاق بن عبد الله ابن علي بن إسحاق الطوسي، ابن أخي نظام الملك،
تفقه بإمام الحرمين، وأفتى ودرس وناظر، ووزر للملك سنجر.
__________
(1) 82 سنة.
ومولده سنة 433 ه.
(تاريخ الفداء 2 / 236).
(*)
(12/234)
خاتون السفرية
حظية السلطان ملكشاه، وهي أم السلطانين محمد وسنجر، كانت كثيرة الصدقة
والاحسان إلى الناس، لها في كل سنة سبيل يخرج مع الحجاج.
وفيها دين وخير، ولم تزل تبحث حتى عرفت مكان أمها وأهلها، فبعثت
الاموال الجزيلة حتى استحضرتهم، ولما قدمت عليها أمها كان لها عنها
أربعين سنة لم ترها، فأحبت أن تستعلم فهمها فجلست بين جواريها، فلما
سمعت أمها كلامها عرفتها فقامت إليها فاعتنقا وبكيا، ثم أسلمت أمها على
يديها جزاها الله خيرا.
وقد تفردت بولادة ملكين من ملوك المسلمين، في دولة الاتراك والعجم، ولا
يعرف لها نظير في ذلك إلا اليسير من
ذلك، وهي ولادة بنت العباس، ولدت لعبد الملك الوليد وسليمان، وشاهوند
ولدت للوليد يزيد وإبراهيم، وقد وليا الخلافة أيضا، والخيزران ولدت
للمهدي الهادي والرشيد.
الطغرائي صاحب لامية العجم، الحسين بن علي بن عبد الصمد، مؤيد الدين
الاصبهاني، العميد فخر الكتاب الليثي الشاعر، المعروف بالطغرائي، ولي
الوزارة بأربل مدة، أورد له ابن خلكان قصيدته اللامية التي ألفها في
سنة خمس وخمسمائة، في بغداد، يشرح فيها أحواله وأموره، وتعرف بلامية
العجم أولها: أصالة الرأي صانتني عن الخطل * وحلية الفضل زانتني لدى
العطل مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع * والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل
فيم الاقامة بالزوراء ؟ لا سكني * بها ولا ناقتي فيها ولا جملي وقد
سردها ابن خلكان بكمالها، وأورد له غير ذلك من الشعر والله أعلم.
ثم دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة في المحرم
منها رجع السلطان طغرلبك إلى طاعة أخيه محمود، بعد ما كان قد خرج عنها،
وأخذ بلاد أذربيجان.
وفيها أقطع السلطان محمود مدينة واسط لاقسنقر مضافا إلى الموصل، فسير
إليها عماد الدين زنكي بن آقسنقر، فأحسن السيرة بها وأبان عن حزم
وكفاية.
وفي صفر منها قتل الوزير السلطان محمود أبو طالب السميرمي، قتله باطني،
وكان قد برز للمسير إلى همذان، وكانت قد خرجت زوجته في مائة جارية
بمراكب الذهب، فلما بلغهن قتله رجعن حافيات حاسرات عن وجوههن، قد هن
بعد العز، واستوزر السلطان مكانه شمس الدين الملك عثمان بن نظام الملك.
وفيها التقى آقسنقر ودبيس بن صدقة، فهزمه دبيس وقتل خلقا من جيشه،
فأوثق السلطان
(12/235)
منصور بن صدقة
أخا دبيس وولده، ورفعهما إلى القلعة، فعند ذلك آذى دبيس تلك الناحية
ونهب البلاد، وجز شعره ولبس السواد، ونهبت أموال الخليفة أيضا، فنودي
في بغداد للخروج لقتاله،
وبرز الخليفة في الجيش وعليه قباء أسود وطرحة، وعلى كتفيه البردة وبيده
القضيب، وفي وسطه منطقة حرير صيني، ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام
الملك، ونقيب النقباء علي بن طراد الزينبي، وشيخ الشيوخ صدر الدين بن
إسماعيل، وتلقاه آقسنقر البرشقي ومعه الجيش فقبلوا الارض ورتب البرشقي
الجيش، ووقف القراء بين يدي الخليفة، وأقبل دبيس وبين يديه الاماء
يضربن بالدفوف والمخانيث بالملاهي، والتقى الفريقان، وقد شهر الخليفة
سيفه وكبر واقترب من المعركة، فحمل عنتر بن أبي العسكر على ميمنة
الخليفة فكسرها وقتل أميرها ثم حمل مرة ثانية فكشفهم كالاولى فحمل عليه
عماد الدين زنكي بن آقسنقر فأسر عنتر وأسر معه بديل (1) بن زائدة، ثم
انهزم عسكر دبيس وألقوا أنفسهم في الماء، فغرق كثير منهم، فأمر الخليفة
بضرب أعناق الاسارى صبرا بين يديه، وحصل نساء دبيس وسراريه تحت الاسر،
وعاد الخليفة إلى بغداد فدخلها في يوم عاشوراء من السنة الآتية، وكانت
غيبته عن بغداد ستة عشر يوما، وأما دبيس فإنه نجا بنفسه وقصد غزية ثم
إلى المنتفق فصحبهم إلى البصرة فدخلها ونهبها وقتل أميرها، ثم خاف من
البرشقي فخرج منها وسار على البرية والتحق بالفرنج، وحضر معهم حصار
حلب، ثم فارقهم والتحق بالملك طغرل أخي السلطان محمود.
وفيها ملك السلطان سهام (2) الدين تمراش بن إيلغازي ابن أرتق قلعة
ماردين بعد وفاة أبيه، وملك أخوه سليمان ميافارقين.
وفيها ظهر معدن نحاس بديار بكر قريبا من قلعة ذي القرنين.
وفيها دخل جماعة من الوعاظ إلى بغداد فوعظوا بها، وحصل لهم قبول تام من
العوام.
وحج بالناس قطز الخادم.
وممن توفي فيها من الاعيان..عبد
الله بن أحمد ابن عمر بن أبي الاشعث، أبو محمد السمرقندي، أخو أبي
القاسم، وكان من حفاظ الحديث، وقد زعم أن عنده منه ما ليس عند أبي زرعة
الرازي، وقد صحب الخطيب مدة وجمع وألف وصنف ورحل إلى الآفاق، توفي يوم
الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول (3) بها عن ثمانين سنة (4).
__________
(1) في الكامل 10 / 609: بريك.
(2) في الكامل 10 / 604 وتاريخ أبي الفداء: حسام الدين ; تمرتاش.
(3) في تذكرة الحفاظ ص 1264: ربيع الآخر.
(4) في الكامل 10 / 605 وتذكرة الحفاظ ص 1264: كان مولده سنة أربع
وأربعين وأربعمائة، أي 72 سنة - انظر شذرات الذهب 4 / 49.
(*)
(12/236)
علي بن أحمد
السميري نسبة إلى قرية بأصبهان، كان وزير السلطان محمود، وكان مجاهرا
بالظلم والفسق، وأحدث على الناس مكوسا، وجددها بعد ما كانت قد أزيلت من
مدة متطاولة، وكان يقول: قد استحييت من كثرة ظلم من لا ناصر له، وكثرة
ما أحدثت من السنن السيئة، ولما عزم على الخروج إلى همذان أحضر
المنجمين فضربوا له تخت رمل لساعة خروجه ليكون أسرع لعودته، فخرج في
تلك الساعة وبين يديه السيوف المسلولة، والمماليك الكثيرة بالعدد
الباهرة، فما أغنى عنه ذلك شيئا، بل جاءه باطني فضربه فقتله، ثم مات
الباطني بعده، ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب،
حاسرات عن وجوههن، قد أبدلهن الله الذل بعد العز، والخوف بعد الامن،
والحزن بعد السرور والفرح، جزاء وفاقا، وذكل يوم الثلاثاء سلخ صفر، وما
أشبه حالهن بقول أبي العتاهية في الخيزران وجواريها حين مات المهدي:
رحن في الوشي عليهن المسوح * كل بطاح من الناس له يوم يطوح لتموتن ولو
عمرت ما عمر نوح * فعلى نفسك نح إن كنت لا بد تنوح الحريري صاحب
المقامات القاسم بن علي بن محمد بن محمد بن عثمان، فخر الدولة أبو محمد
الحريري.
مؤلف المقامات التي سارت بفصاحتها الركبان، وكاد يربو فيها على سحبان،
ولم يسبق إلى مثلها ولا يلحق، ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة وسمع
الحديث واشتغل باللغة والنحو، وصنف في ذلك كله، وفاق أهل
زمانه، وبرز على أقرانه، وأقام ببغداد وعمل صناعة الانشاء مع الكتاب في
باب الخليفة، ولم يكن ممن تنكر بديهته ولا تتعكر فكرته وقريحته.
قال ابن الجوزي: صنف وقرأ الادب واللغة، وفاق أهل زمانه بالذكاء
والفطنة والفصاحة، وحسن العبارة، وصنف المقامات المعروفة التي من
تأملها عرف ذكاء منشئها، وقدره وفصاحته، وعلمه.
توفي في هذه السنة بالبصرة.
وقد قيل إن أبا زيد والحارث بن همام المطهر لا وجود لهما، وإنما جعل
هذه المقامات من باب الامثال، ومنهم من يقول أبو زيد بن سلام السروجي
كان له وجود، وكان فاضلا، وله علم ومعرفة باللغة فالله أعلم.
وذكر ابن خلكان أن أبا زيد كان اسمه المطهر بن سلام (1)، وكان بصريا
فاضلا في النحو واللغة، وكان يشتغل عليه الحريري بالبصرة، وأما الحارث
بن همام فإنه غني بنفسه، لما جاء في الحديث كلكم حارث وكلكم همام.
كذا قال ابن خلكان.
وإنما اللفظ المحفوظ " أصدق الاسماء حارث وهمام " لان كل أحد
__________
(1) في ابن خلكان 4 / 64 وأنباه الرواة 3 / 276: سلار.
(*)
(12/237)
إما حارث وهو
الفاعل، أو همام من الهمة وهو العزم والخاطر، وذكر أن أول مقامة عملها
الثامنة والاربعون وهي الحرامية، وكان سببها أنه دخل عليهم في مسجد
البصرة رجل ذو طمرين فصيح اللسان، فاستسموه، فقال: أبو زيد السروجي،
فعمل فيه هذه المقامة، فأشار عليه وزير الخليفة المسترشد جلال الدين
عميد الدولة أبو علي الحسن بن أبي المعز بن صدقة، أن يكمل عليها تمام
خمسين مقامة.
قال ابن خلكان: كذا رأيته في نسخة بخط المصنف، على حاشيتها، وهو أصح من
قول من قال إنه الوزير شرف الدين أبو نصر أنوشروان بن محمد بن خالد بن
محمد القاشاني، وهو وزير المسترشد أيضا، ويقال إن الحريري كان قد عملها
أربعين مقامة، فلما قدم بغداد ولم يصدق في ذلك لعجز الناس عن مثلها،
فامتحنه بعض الوزراء أن يعمل مقامة فأخذ الدواة والقرطاس وجلس ناحية
فلم يتيسر له شئ، فلما عاد إلى بلده عمل عشرة أخرى فأتمها خمسين مقامة،
وقد قال فيه أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، وكان من جملة المكذبين له
فيها: شيخ لنا من ربيعة الفرس * ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما * رماه وسط الديوان بالخرس ومعنى قوله بالمشان
هو مكان بالبصرة، وكان الحريري صدر ديوان المشان، ويقال إنه كان ذميم
الخلق، فاتفق أن رجلا رحل إليه فلما رآه ازدراه ففهم الحريري ذلك فأنشأ
يقول: ما أنت أول سار غره قمر * ورائدا أعجبته خضرة الدمن فاختر لنفسك
غيري إنني رجل * مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني ويقال إن المعيدي اسم
حصان جواد كان في العرب ذميم الخلق والله أعلم.
البغوي المفسر الحسين بن مسعود بن محمد البغوي، صاحب التفسير وشرح
السنة والتهذيب في الفقه، والجمع بين الصحيحين والمصابيح في الصحاح
والحسان، وغير ذلك، اشتغل على القاضي حسين وبرع في هذه العلوم، وكان
علامة زمانه فيها، وكان دينا ورعا زاهدا عابدا صالحا.
توفي في شوال منها وقيل في سنة عشر فالله أعلم.
ودفن مع شيخه القاضي حسين بالطالقان.
والله أعلم.
ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة في يوم
عاشوراء منها عاد الخليفة من الحلة إلى بغداد مؤيدا منصورا من قتال
دبيس.
وفيها عزم الخليفة على طهور أولاد أخيه، وكانوا اثني عشر ذكرا، فزينت
بغداد سبعة أيام بزينة لم ير مثلها.
وفي
(12/238)
شعبان منها قدم
أسعد المهيتي مدرسا بالنظامية ببغداد، وناظرا عليها، وصرف الباقرجي
عنها، ووقع بينه وبين الفقهاء فتنة بسبب أنه قطع منهم جماعة، واكتفى
بمائتي طالب منهم، فلم يهن ذلك على كثير منهم.
وفيها سار السلطان محمود إلى بلاد الكرج وقد وقع بينهم وبين القفجاق
خلف فقاتلهم فهزمهم، ثم عاد إلى همدان.
وفيها ملك طغتكين صاحب دمشق مدينة حماه بعد وفاة صاحبها قراجا (1)، وقد
كان ظالما غاشما.
وفيها عزل نقيب العلويين وهدمت داره وهو علي بن أفلح، لانه كان عينا
لدبيس، وأضيف إلى علي بن طراد نقابة العلويين مع نقابة العباسيين.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن
محمد ابن علي (2) بن صدقة، التغلبي، المعروف بابن الخياط الشاعر
الدمشقي، الكاتب، له ديوان شعر مشهور.
قال ابن عساكر ختم به شعر الشعراء بدمشق، شعره جيد حسن، وكان مكثرا
لحفظ الاشعار المتقدمة وأخبارهم، وأورد له ابن خلكان قطعة جيدة من شعره
من قصيدته التي لو لم يكن له سواها لكفته وهي التي يقول فيها (3): خذا
من صبا نجد أمانا لقلبه (4) * فقد كاد رياها يطير بلبه وإياكما ذاك
النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه خليلي، لو أحببتما لعلمتما *
محل الهوى من مغرم القلب صبه أتذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن
يعلق به الحب يصبه غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوق على بعد المزار
وقربه وفي الركب مطوي الضلوع على جوى * متى يدعه داعي الغرام يلبه إذا
خطرت من جانب الرمل نفحة * تضمن منها داؤه دون صحبه ومحتجب بين الاسنة
معرض * وفي القلب من أعراضه مثل حجبه أغار إذا آنست في الحي أنة *
حذارا وخوفا (5) أن تكون لحبه توفي في رمضان منها عن سبع وتسعين (6)
سنة بدمشق.
__________
(1) وهو محمود بن قراجة.
(2) زيد في الوافي 3 / 67 ووفيات الاعيان 1 / 145:..علي بن يحيى بن
صدقة...(3) الابيات في ديوانه، ص 170 ; قالها في مدح مجد الدين أبق بن
عبد الرزاق.
(4) كذا بالاصل والوفيات، وفي الوافي: لصبه.
(5) كذا بالاصل والديوان ووفيات الاعيان، وفي الوافي: حذارا عليه.
(6) في الوافي والوفيات: كانت ولادته سنة خمسين وأربعمائة، فيكون له
عند وفاته سبع وستون سنة.
(*)
(12/239)
ثم دخلت سنة ثمان عشر وخمسمائة فيها ظهرت الباطنية بآمد فقاتلهم أهلها
فقتلوا منهم سبعمائة.
وفيها ردت شحنكية بغداد إلى سعد الدولة يرنقش الزكوي وسلم إليه منصور
بن صدقة أخو دبيس ليسلمه إلى دار الخلافة، وورد الخبر بأن دبيسا قد
التجأ إلى طغرلبك وقد اتفقا على أخذ بغداد، فأخذ الناس بالتأهب إلى
قتالهما، وأمر آقسنقر بالعود إلى الموصل، فاستناب على البصرة عماد
الدين زنكي بن آقسنقر.
وفي ربيع الاول دخل الملك حسام تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صاحب حلب،
وقد ملكها بعد ملكها بلك بن بهرام، وكان قد حاصر قلعة منبج فجاءه سهم
في حلقه فمات، فاستناب تمرتاش بحلب، ثم عاد إلى ماردين فأخذت منه بعد
ذلك، أخذها آقسنقر مضافة إلى الموصل، وفيها أرسل الخليفة القاضي أبا
سعد الهروي ليخطب له ابنة السلطان سنجر، وشرع الخليفة في بناء دار على
حافة دجلة لاجل العروس.
وحج بالناس جمال الدولة إقبال المسترشدي.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن
علي بن برهان أبو الفتح، ويعرف بابن الحمامي، تفقه على أبي الوفاء بن
عقيل، وبرع في مذهب الامام أحمد، ثم نقم عليه أصحابه أشياء، فحمله ذلك
على الانتقال إلى مذهب الشافعي، فاشتغل على الغزالي والشاشي، وبرع وساد
وشهد عند الزينبي فقبله، ودرس في النظامية شهرا.
توفي في جمادى ودفن بباب إبرز.
عبد الله بن محمد بن جعفر أبو علي الدامغاني، سمع الحديث وشهد عند أبيه
وناب في الكرخ عن أخيه، ثم ترك ذلك كله، وولي حجابة باب النوبى، ثم عزل
ثم أعيد.
توفي في جمادى.
أحمد بن محمد ابن إبراهيم أبو الفضل الميداني (1)، صاحب كتاب الامثال،
ليس له مثله في بابه، له شعر جيد، توفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين
من رمضان والله سبحانه أعلم.
__________
(1) الميداني نسبة إلى ميدان زياد، وهي محلة في نيسابور.
(*)
(12/240)
ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة
فيها قصد دبيس والسلطان طغرل بغداد ليأخذاها من يد الخليفة، فلما
اقتربا منها برز إليهما الخليفة في جحفل عظيم، والناس مشاة بين يديه
إلى أول منزلة، ثم ركب الناس بعد ذلك، فلما أمست الليلة التي يقتتلون
في صبيحتها، ومن عزمهم أن ينهبوا بغداد، أرسل الله مطرا عظيما، ومرض
السلطان طغرل في تلك الليلة، فتفرقت تلك الجموع ورجعوا على أعقابهم
خائبين خائفين، والتجأ دبيس وطغرل إلى الملك سنجر وسألاه الامان من
الخليفة، والسلطان محمود، فحبس دبيسا في قلعة ووشى واش أن الخليفة يريد
أن يستأثر بالملك، وقد خرج من بغداد إلى اللان لمحاربة الاعداء، فوقع
في نفس سنجر من ذلك وأضمر سوء، مع أنه قد زوج ابنته من الخليفة.
وفيها قتل القاضي أبو سعد بن نصر بن منصور الهروي بهمدان، قتلته
الباطنية، وهو الذي أرسله الخليفة إلى سنجر ليخطب ابنته.
وحج بالناس قطز الخادم.
وممن توفي فيها من الاعيان..آقسنقر
البرشقي (1) صاحب حلب، قتلته الباطنية - وهم الفداوية - في مقصورة
جامعها يوم الجمعة، وقد كان تركيا جيد السيرة، محافظا على الصلوات في
أوقاتها، كثير البر والصدقات إلى الفقراء، كثير الاحسان إلى الرعايا،
وقام في الملك بعده ولده السلطان عز الدين مسعود، وأقره السلطان محمود
على عمله.
بلال (2) بن عبد الرحمن ابن شريح بن عمر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن
سليمان بن بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحل وجال
في البلاد، وكان شيخا جهوري الصوت، حسن القراءة، طيب النغمة توفي في
هذه السنة بسمرقند رحمه الله.
القاضي أبو سعد الهروي أحمد (3) بن نصر، أحد مشاهير الفقهاء، وسادة
الكبراء، قتلته الباطنية بهمذان فيها.
__________
(1) في الكامل 10 / 633: البرسقي وذكر أنه قتل سنة 520 ه.
(2) في الكامل: هلال.
(3) في الكامل 10 / 630 والوافي 5 / 11 ومرآة الزمان ص 115 والنجوم
الزاهرة 5 / 228: محمد.
(*)
(12/241)
ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة فيها تراسل السلطان محمود والخليفة على
السلطان سنجر، وأن يكونا عليه،
فلما علم بذلك سنجر كتب إلى ابن أخيه محمود ينهاه ويستميله إليه،
ويحذره من الخليفة، وأنه لا تؤمن غائلته، وأنه متى فرغ مني دار إليك
فأخذك، فأصغى إلى قول عمه ورجع عن عزمه، وأقبل ليدخل بغداد عامه ذلك،
فكتب إليه الخليفة ينهاه عن ذلك لقلة الاقوات بها، فليم يقبل منه،
وأقبل إليه، فلما أزف قدومه خرج الخليفة من داره وتجهز إلى الجانب
الغربي فشق عليه ذلك وعلى الناس، ودخل عيد الاضحى فخطب الخليفة الناس
بنفسه خطبة عظيمة بليغة فصيحة جدا، وكبر وراءه خطباء الجوامع، وكان
يوما مشهودا.
وقد سردها ابن الجوزي بطولها ورواها عن من حضرها، مع قاضي القضاة
الزينبي، وجماعة من العدول، ولما نزل الخليفة عن المنبر ذبح البدنة
بيده، ودخل السرادق وتباكى الناس ودعوا للخليفة بالتوفيق والنصر، ثم
دخل السلطان محمود إلى بغداد يوم الثلاثاء الثامن عشر (1) من ذي الحجة،
فنزلوا في بيوت الناس وحصل للناس منهم أذى كثير في حريمهم، ثم إن
السلطان راسل الخليفة في الصلح فأبى ذلك الخليفة، وركب في جيشه وقاتل
الاتراك ومعه شرذمة قليلة من المقاتلة، ولكن العامة كلهم معه، وقتل من
الاتراك خلقا، ثم جاء عماد الدين زنكي في جيش كثيف من واسط في سفن إلى
السلطان نجدة، فلما استشعر الخليفة ذلك دعا إلى الصلح، فوقع الصلح بين
السلطان والخليفة، وأخذ الملك يستبشر بذلك جدا، ويعتذر إلى الخليفة مما
وقع، ثم خرج في أول السنة الآتية إلى همذان لمرض حصل له.
وفيها كان أول مجلس تكلم فيه ابن الجوزي
على المنبر يعظ الناس، وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة، وحضره الشيخ أبو
القاسم علي بن يعلى العلوي البلخي، وكان نسيبا، علمه كلمات ثم أصعده
المنبر فقالها، وكان يوما مشهودا.
قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا، والله أعلم.
وفيها اقتتل طغتكين صاحب دمشق وأعداؤه من الفرنج فقتل منهم خلقا كثيرا،
وغنم منهم أموالا جزيلة ولله الحمد والمنة.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن
محمد بن محمد أبو الفتح الطوسي الغزالي، أخو أبي حامد الغزالي، كان
واعظا مفوها، ذا حظ من الكلام والزهد وحسن التأني، وله نكت جيدة، ووعظ
مرة في دار الملك محمود فأطلق له ألف دينار، وخرج فإذا على الباب فرس
الوزير بسرجها الذهب، وسلاحها وما عليها من الحلى، فركبها، فبلغ ذلك
__________
(1) في الكامل: في العشرين من ذي الحجة، وفي العبر 3 / 504: في عشر ذي
الحجة.
(*)
(12/242)
الوزير فقال:
دعوه ولا يرد علي الفرس، فأخذها الغزالي، وسمع مرة ناعورة تئن فألقى
عليها رداءه فتمزق قطعا قطعا.
قال ابن الجوزي: وقد كانت له نكت إلا أن الغالب على كلامه التخليط
والاحاديث الموضوعة المصنوعة، والحكايات الفارغة، والمعاني الفاسدة، ثم
أورد ابن الجوزي أشياء منكرة من كلامه فالله أعلم، من ذلك أنه كان كلما
أشكل عليه شئ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة فسأله عن ذلك
فدله على الصواب، وكان يتعصب إلى بليس ويعتذر له، وتكلم فيه ابن الجوزي
بكلام طويل كثير.
قال ونسب إلى محبة المردان والقول بالمشاهدة فالله أعلم بصحة ذلك.
قال ابن خلكان: كان واعظا مليح الوعظ حسن المنظر صاحب كرامات وإشارات،
وكان من الفقهاء، غير أنه مال إلى الوعظ فغلب عليه ودرس بالنظامية
نيابة عن أخيه لما تزهد، واختصر إحياء علوم الدين في مجلد سماه " لباب
الاحيا " وله: " الذخيرة في علم البصيرة "، وطاف البلاد وخدم الصوفية
بنفسه، وكان مائلا إلى الانقطاع والعزلة والله أعلم بحاله.
أحمد بن علي (1)
ابن محمد الوكيل، المعروف بابن برهان، أبو الفتح الفقيه الشافعي، تفقه
على الغزالي وعلى الكيا الهراسي، وعلى الشاشي، وكان بارعا في الاصول،
وله كتاب الذخيرة في أصول الفقه، وكان يعرف فنونا جيدة، بعينها.
وولي تدريس النظامية ببغداد دون شهر.
بهرام بن بهرام أبو شجاع البيع، سمع الحديث وبنى مدرسة لاصحاب أحمد
بكلواذي، ووقف قطعة من أملاكه على الفقهاء بها.
صاعد بن سيار ابن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو الاعلا إلاسحاقي
الهروي الحافظ، أحد المتقنين، سمع الحديث وتوفي بعتورج قرية على بابه
هراة.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة استهلت
هذه السنة والخليفة والسلطان محمود متحاربان والخليفة في السرادق في
الجانب
__________
(1) ذكره في وفيات سنة 518 ه.
وذكره وفاته هذه السنة ابن خلكان.
(*)
(12/243)
الغربي، فلما
كان يوم الاربعاء رابع المحرم توصل جماعة من جند السلطان إلى دار
الخلافة فحصل فيها ألف مقاتل عليهم السلاح، فنهبوا الاموال، وخرج
الجواري وهن حاسرات يستغثن حتى دخلن دار الخاتون.
قال ابن الجوزي: وأنا رأيتهن كذلك، فلما وقع ذلك ركب الخليفة في جيشه
وجئ بالسفن وانقلبت بغداد بالصراخ حتى كأن الدنيا قد زلزلت، وثارت
العامة مع جيش الخليفة فكسروا جيش السلطان وقتلوا خلقا من الامراء،
وأسروا آخرين ونهبوا دار السلطان ودار وزيره ودار طبيبه أبي البركات،
وأخذوا ما كان في داره من الودائع، ومرت خبطة عظيمة جدا، حتى أنهم
نهبوا الصوفية، برباط نهر جور، وجرت أمور طويلة، ونالت العامة من
السلطان، وجعلوا يقولون له: يا باطني تترك الفرنج والروم وتقاتل
الخليفة، ثم إن الخليفة انتقل إلى داره في سابع المحرم، فلما كان في
يوم عاشوراء تماثل الحال وطلب السلطان من الخليفة الامان والصلح، فلان
الخليفة إلى ذلك،
وتباشر الناس بالصلح، فأرسل إليه الخليفة نقيب النقباء وقاضي القضاة،
وشيخ الشيوخ وبضعا وثلاثين شاهدا، فاحتبسهم السلطان عنده ستة أيام فساء
ذلك الناس، وخافوا من فتنة أخرى أشد من الاولى، وكان برنقش الزكوي شحنة
بغداد يغري السلطان بأهل بغداد لينهب أموالهم، فلم يقبل منه، تم أدخل
لاولئك الجماعة فأدخلوا عليه وقت المغرب فصلى بهم القاضي وقرأوا عليه
كتاب الخليفة، فقام قائما، وأجاب الخليفة إلى جميع ما اقترح عليه، ووقع
الصلح والتحليف، ودخل جيش السطان وهم في غاية الجهد من قلة الطعام
عندهم في العسكر، وقالوا: لو لم يصلح لمتنا جوعا، وظهر من السلطان حلم
كثير عن العوام، وأمر الخليفة برد ما نهب من دور الجند، وأن من كتم
شيئا أبيح دمه.
وبعث الخليفة علي بن طراد الزينبي النقيب إلى السلطان سنجر ليبعد عن
بابه دبيسا، وأرسل معه الخلع والاكرام، فأكرم سنجر رسول الخليفة، وأمر
بضرب الطبول على بابه في ثلاثة أوقات، وظهر منه طاعة كثيرة، ثم مرض
السلطان محمود ببغداد فأمره الطبيب بالانتقال عنها إلى همذان، فسار في
ربيع الآخر فوضع شحنكية بغداد إلى عماد الدين زنكي، فلما وصل السلطان
إلى همذان بعث على شحنكية بغداد مجاهد الدين بهروز، وجعل إليه الحلة
وبعث عماد الدين زنكي إلى الموصل وأعمالها.
وفيها درس الحسن بن سليمان بالنظامية ببغداد.
وفيها ورد أبو الفتوح الاسفراييني فوعظ ببغداد، فأورد أحاديث كثيرة
منكرة جدا، فاستتيب منها وأمر بالانتقال منها إلى غيرها فشد معه جماعة
من الاكابر وردوه إلى ما كان عليه، فوقع بسببه فتن كثيرة بين الناس،
حتى رجمه بعض العامة بالاسواق، وذلك لانه كان يطلق عبارات لا يحتاج إلى
إيرادها، فنفرت منه قلوب العامة وأبغضوه، وجلس الشيخ عبد القادر الجيلي
فتكلم على الناس فأعجبهم، وأحبوه وتركوا ذاك.
وفيها قتل السلطان سنجر من الباطنية اثنا عشر ألفا (1).
وحج بالناس قطز الخادم.
وممن توفي فيها من الاعيان..
__________
(1) في الكامل 10 / 647: كانوا يزيدون على عشرة آلاف نفس.
(*)
(12/244)
محمد بن عبد
الملك
ابن إبراهيم بن أحمد، أبو الحسن بن أبي الفضل الهمذاني الفرضي، صاحب
التاريخ من بيت الحديث.
وذكر ابن الجوزي عن شيخه عبد الوهاب أنه طعن فيه.
توفي فجأة في شوال، ودفن إلى جانب ابن شريح.
فاطمة بنت الحسين بن الحسن ابن فضلويه سمعت الخطيب وابن المسلمة
وغيرها، وكانت واعظة لها رباط تجتمع فيه الزاهدات، وقد سمع عليها ابن
الجوزي مسند الشافعي وغيره.
أبو محمد عبد الله بن محمد ابن السيد البطليوسي (1)، ثم التنيسي صاحب
المصنفات في اللغة وغيرها، جمع المثلث في مجلدين، وزاد فيه على قطرب
شيئا كثيرا جدا، وله شرح سقط الزند لابي العلاء، أحسن من شرح المصنف
وله شرح أدب الكاتب لابن قتيبة، ومن شعره الذي أورده له ابن خلكان: أخو
العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم وذو الجهل ميت وهو
ماش على الثرى * يظن من الاحياء وهو عديم ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين
وخمسمائة في أولها قدم رسول سنجر إلى الخليفة يسأل منه أن يخطب له على
منابر بغداد، وكان يخطب له في كل جمعة بجامع المنصور.
وفيها مات ابن صدقة وزير الخليفة، وجعل مكانه نقيب النقباء.
وفيها اجتمع السلطان محمود بعمه سنجر واصطلحا بعد خشونة، وسلم سنجر
دبيسا إلى السلطان محمود على أن يسترضي عنه الخليفة ويعزل زنكي عن
الموصل، ويسلم ذلك إلى دبيس، واشتهر في ربيع الاول ببغداد أن دبيسا
أقبل إلى بغداد في جيش كثيف، فكتب الخليفة إلى السلطان محمود: لئن لم
تكف دبيسا عن القدوم إلى بغداد وإلا خرجنا إليه ونقضنا ما بيننا وبينك
من العهود والصلح.
وفيها
__________
(1) البطليوسي: نسبة إلى بطليوس مدينة بالاندلس من أعمال ماردة على نهر
آنة غربي قرطبة قال ياقوت: ينسب إليها خلق كثير، منهم: أبو محمد عبد
الله بن محمد بن السيد البطليوسي النحوي اللغوي صاحب التصانيف والشعر
(معجم البلدان).
(*)
(12/245)
ملك الاتابك
زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وما حولها من البلاد.
وفيها ملك تاج الملوك بوري بن طغتكين مدينة دمشق بعد وفاة أبيه، وقد
كان أبوه من مماليك ألب أرسلان، وكان عاقلا حازما عادلا خيرا، كثير
الجهاد في الفرنج رحمه الله.
وفيها عمل ببغداد مصلى للعيد ظاهر باب الحلية، وحوط عليه، وجعل فيه
قبلة.
وحج بالناس قطز الخادم المتقدم ذكره وممن
توفي فيها من الاعيان..الحسن بن علي بن صدقة أبو علي وزير
الخليفة المسترشد (1)، توفي في رجب منها.
ومن شعره الذي أورد له ابن الجوزي وقد بالغ في مدح الخليفة فيه وأخطأ:
وجدت الورى كالماء طعما ورقة * وأن أمير المؤمنين زلاله وصورت معنى
العقل شخصا مصورا * وأن أمير المؤمنين مثاله فلولا مكان الشرع والدين
والتقى * لقلت من الاعظام جل جلاله الحسين بن علي ابن أبي القاسم
اللامتني (2)، من أهل سمرقند، روى الحديث وتفقه، وكان يضرب به المثل في
المناظرة، وكان خيرا دينا على طريقة السلف، مطرحا للتكلف أمارا
بالمعروف.
قدم من عند الخاقان ملك ما وراء النهر في رسالة إلى دار الخلافة، فقيل
له ألا تحج عامك هذا ؟ فقال: لا أجعل الحج تبعا لرسالتهم، فعاد إلى
بلده فمات في رمضان من هذه السنة عن إحدى وثمانين سنة رحمه الله.
طغتكين الاتابك صاحب دمشق التركي، أحد غلمان تتش، كان من خيار الملوك
وأعدلهم وأكثرهم جهادا للفرنج، وقام من بعده ولده تاج الملوك بوري.
__________
(1) قال الفخري ص 304: استوزره المسترشد سنة 513 ه ولقبه بجلال الدين
سيد الوزراء صدر الشرق والغرب
ظهير أمير المؤمنين، كان من أفاضل وزرائه، عالما بقوانين الرياسة خيرا.
ثم إن المسترشد قبض عليه وعزله عن الوزارة، وليم يكن ذلك عن إرادة من
المسترشد، وإنما دعته الضرورة لان وزير السلطان كان يتعصب عليه، ثم وقع
الرضى عليه وأعيد إلى الوزارة وكان يوما مشهودا..ولم يزل في علو قدر
إلى أن توفي.
(2) في تذكرة الحفاظ 4 / 1272: اللامشي ; السمرقندي الحنفي، عالم ما
وراء النهر.
(*)
(12/246)
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة في المحرم منها دخل السلطان محمود
إلى بغداد، واجتهد في إرضاء الخليفة عن دبيس،
وأن يسلم إليه بلاد الموصل، فامتنع الخليفة من ذلك وأبى أشد الاباء،
هذا وقد تأخر دبيس عن الدخول إلى بغداد، ثم دخلها وركب بين الناس
فلعنوه وشتموه في وجهه، وقدم عماد الدين زنكي فبذل للسلطان في كل سنة
مائة ألف دينار، وهدايا وتحفا، والتزم للخليفة بمثلها على أن لا يولي
دبيسا شيئا وعلى أن يستمر زنكي على عمله بالموصل، فأقره على ذلك وخلع
عليه، ورجع إلى عمله فملك حلب وحماه، وأسر صاحبها سونج بن تاج الملوك،
فافتدى نفسه بخمسين ألف دينار.
وفي يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر خلع السلطان على نقيب النقباء
استقلالا، ولا يعرف أحد من العباسيين باشر الوزارة غيره.
وفي رمضان منها جاء دبيس في جيش إلى الحلة فملكها ودخلها في أصحابه،
وكانوا ثلاثمائة فارس، ثم إنه شرع في جمع الاموال وأخذ الغلات من القرى
حتى حصل نحوا من خمسمائة ألف دينار، واستخدم قريبا من عشرة آلاف مقاتل،
وتفاقم الحال بأمره، وبعث إلى الخليفة يسترضيه فلم يرض عليه، وعرض عليه
أموالا فلم يقبلها، وبعث إليه السلطان جيشا فانهزم إلى البرية ثم أغار
على البصرة فأخذ منها حواصل السلطان والخليفة، ثم دخل البرية فانقطع
خبره.
وفي هذه السنة قتل صاحب دمشق من الباطنية ستة آلاف، وعلق رؤوس كبارهم
على باب القلعة، وأراح الله الشام منهم.
وفيها حاصرت الفرنج مدينة دمشق فخرج إليهم أهلها، فقاتلوهم قتالا
شديدا، وبعث أهل دمشق عبد الله الواعظ ومعه جماعة من التجار يستغيثون
بالخليفة، وهموا بكسر منبر الجامع، حتى وعدهم بأنه سيكتب إلى السلطان
ليبعث لهم جيشا يقاتلون الفرنج، فسكنت الامور،
فلم يبعث لهم جيشا حتى نصرهم الله من عنده، فإن المسلمين هزموهم وقتلوا
منهم عشر آلاف، ولم يفلت منهم سوى (1) أربعين نفسا ولله الحمد والمنة.
وقتل بيمند الفرنجي صاحب إنطاكية (2).
وفيها تخبط الناس في الحج حتى ضاق الوقت بسبب فتنة دبيس، حتى حج بهم
برنقش الزكوي، وكان اسمه بغاجق.
وممن توفي فيها من الاعيان..أسعد بن
أبي نصر الميهني أبو الفتح، أحد أئمة الشافعية في زمانه، تفقه على أبي
المظفر السمعاني، وساد أهل
__________
(1) قال ابن الاثير في تاريخه: لم يفلت منهم غير مقدمهم ومعه أربعون
رجلا.
(2) ذكر ابن الاثير وفاته سنة 524 ه، بعد أن استولى سنة 523 على حصن
القدموس من المسلمين.
(*)
(12/247)
زمانه وبرع
وتفرد من بين أقرانه، وولي تدريس النظامية ببغداد، وحصل له وجاهة عند
الخاص والعام وعلق عنه تعليقة في الخلاف.
ثم عزل عن النظامية فسار إلى همذان فمات بها في هذه السنة رحمه الله
تعالى.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة فيها
كانت زلزلة عظيمة بالعراق تهدم بسببها دور كثيرة ببغداد.
ووقع بأرض الموصل مطر عظيم فسقط بعضه نارا تأجج فأحرقت دورا كثيرة،
وخلقا من ذلك المطر وتهارب الناس.
وفيها وجد ببغداد عقارب طيارة لها شوكتان، فخاف الناس منها خوفا شديدا.
وفيها ملك السلطان سنجر مدينة سمرقند وكان بها محمد بن خاقان.
وفيها ملك عماد الدين زنكي بلادا كثيرة من الجزيرة وهما مع الفرنج،
وجرت معهم حروب طويلة، نصر عليهم في تلك المواقف كلها ولله الحمد.
وقتل خلقا من جيش الروم حين قدموا الشام، ومدحه الشعراء على ذلك.
قتل خليفة مصر وفي ثاني ذي القعدة قتل الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام
الله بن المستعلي صاحب مصر، قتله
الباطنية وله من العمر أربع وثلاثون سنة، وكانت مدة خلافته تسعا وعشرين
سنة وخمسة أشهر ونصفا (1)، وكان هو العاشر من ولد عبيد الله المهدي ;
ولما قتل تغلب على الديار المصرية غلام من غلمانه أرمني فاستحوذ على
الامور ثلاثة أيام حتى حضر أبو علي أحمد بن الافضل بن بدر الجمالي
فأقام الخليفة الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن الامير أبي القاسم بن
المستنصر (2) ; وله من العمر ثمان وخمسون سنة، ولما أقامه استحوذ على
الامور دونه وحصره في مجلسه، لا يدع أحدا يدخل إليه إلا من يريد هو،
ونقل الاموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط.
وممن توفي فيها من
الاعيان...إبراهيم بن يحيى (3) بن عثمان بن محمد أبو إسحاق الكلبي من
أهل غزة، جاوز الثمانين، وله شعر جيد في الاتراك.
فمنه:
__________
(1) كذا بالاصل وابن خلدون، وفي ابن الاثير: تسعا وعشرين سنة وخمسة
أشهر.
(2) في ابن خلدون 4 / 71: عبد الحميد بن أبي القاسم بن المستضئ.
ولم يبايع بالخلافة وإنما بويع له لينظر في الامر نيابة (كافلا) ولقبوه
بالحافظ لدين الله حتى يكشف عن حمل إن كان للآمر فتكون الخلافة فيه،
ويكون هو نائبا عنه.
(الكامل 10 / 665 تاريخ أبي الفداء 3 / 4).
(3) سقطت من عامود نسبه في المراجع..انظر الكامل 10 / 666 الوافي 6 /
51 تهذيب تاريخ ابن عساكر 2 / 229 المنتظم 10 / 15 النجوم الزاهرة 5 /
236 وأثبته في الوفيات 1 / 57.
(*)
(12/248)
في فتية من
جيوش الترك ما تركت * للرعد كراتهم صوتا ولا صيتا قوم إذا قوبلوا كانوا
ملائكة * حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا وله: ليت الذي بالعشق دونك
خصني * يا ظالمي قسم المحبة بيننا ألقى الهزبر فلا أخاف وثوبه *
ويروعني نظر الغزال إذا دنا وله:
إنما هذه الحياة متاع * والسفيه الغوي من يصطفيها ما مضى فات والمؤمل
غيب * ولك الساعة التي أنت فيها وله أيضا: قالوا: هجرت الشعر قلت:
ضرورة * باب الدواعي والبواعث مغلق خلت الديار فلا كريم يرتجى * منه
النوال ولا مليح يعشق ومن العجائب (1) أنه لا يشترى * ويخان فيه مع
الكساد ويسرق كانت وفاته في هذه السنة ببلاد بلخ ودفن بها.
ومما أنشده ابن خلكان له: إشارة منك تكفينا وأحسن ما * رد السلام غداة
البين بالعنم حتى إذا طاح عنها المرط من دهش * وانحل بالضم سلك (2)
العقد في الظلم تبسمت فأضاء الليل (3) فالتقطت * حبات منتثر في ضوء
منتظم الحسين بن محمد ابن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين بن
عبيد الله بن القاسم بن عبد الله بن سليمان ابن وهب الدباس أبو عبد
الله الشاعر المعروف البارع، قرأ القراءات وسمع الحديث، وكان عارفا
بالنحو واللغة والادب، وله شعر حسن، توفي في هذه السنة وقد جاوز
الثمانين.
محمد بن سعدون بن مرجا أبو عامر العبدري القرشي الحافظ، أصله من بيروقة
(4) من بلاد المغرب وبغداد، وسمع بها
__________
(1) في الوافي: ومن الرزية.
(2) في الوافي: عقد السلك.
(3) في الوافي: الجو.
(4) في الوافي 3 / 93: ميورقة.
تقدم شرحها.
(*)
(12/249)
على طراد الزينبي والحميدي وغير واحد، وكانت له معرفة جيدة بالحديث،
وكان يذهب في الفروع
مذهب الظاهرية.
توفي في ربيع الآخر في بغداد. |