البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة
فيها ضل دبيس عن الطريق في البرية فأسره بعض أمراء الاعراب بأرض الشام، وحمله إلى ملك دمشق بوري بن طغتكين، فباعه من زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل بخمسين ألف دينار فلما حصل في يده لم يشك أنه سيهلكه، لما بينهما من العداوة، فأكرمه زنكي وأعطاه أموالا جزيلة وقدمه واحترمه، ثم جاءت رسل الخليفة في طلبه فبعثه معهم، فلما وصل إلى الموصل حبس في قلعتها وفيها وقع بين الاخوين محمود ومسعود، فتواجها للقتال ثم اصطلحا.
وفيها كانت وفاة الملك محمود بن ملكشاه فأقيم في الملك مكانه ابنه داود، وجعل له إتابك وزير أبيه وخطب له بأكثر البلاد وممن توفي فيها من الاعيان.
أحمد بن محمد بن عبد القاهر الصوفي (1) سمع الحديث وتفقه بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكان شيخا لطيفا، عليه نور العبادة والتعلم قال ابن الجوزي أنشدني: على كل حال فاجعل الحزم عدة * تقدمها بين النوائب والدهر فإن نلت خيرا نلته بعزيمة * وإن قصرت عنك الامور فعن عذر قال وأنشدني أيضا: لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد وقلت يا عدتي في كل نائبة * ومن عليه لكشف الضر أعتمد وقد مددت يدي والضر مشتمل * إليك يا خير من مدت إليه يد فلا تردنها يا رب خائبة * فبحر جودك يروي كل من يرد الحسن بن سليمان ابن عبد الله بن عبد الغني أبو علي الفقيه مدرس النظامية، وقد وعظ بجامع القصر، وكان
__________
(1) أبو نصر الطوسي، أصله من طوس ونزل الموصل وكان خطيبها.
قدم بغداد ولازم أبا إسحاق الشيرازي إلى حين
وفاته في ربيع الاول سنة 525 ه.
(*)

(12/250)


يقول ما في الفقه منتهى، ولا في الوعظ مبتدى.
توفي فيها وغسله القاضي أبو العباس بن الرطبي، ودفن عند أبي إسحاق.
حماد بن مسلم الرحبي الدباس، كان يذكر له أحوال ومكاشفات واطلاع على مغيبات، وغير ذلك من المقامات، ورأيت ابن الجوزي يتكلم فيه ويقول: كان عريا من العلوم الشرعية، وإنما كان ينفق على الجهال وذكر عن ابن عقيل أنه كان ينفر منه، وكان حماد الدباس يقول: ابن عقيل عدوي، قال ابن الجوزي: وكان الناس ينذرون له فيقبل ذلك، ثم ترك ذلك وصار يأخذ من المنامات وينفق على أصحابه.
توفي في رمضان ودفن بالشونيزية.
علي بن المستظهر بالله أخو الخليفة المسترشد، توفي في رجب منها وله من العمر إحدى وعشرون سنة، فترك ضرب الطبول وجلس الناس للعزاء أياما.
محمد بن أحمد أبن أبي الفضل الماهاني، أحد أئمة الشافعية، تفقه بإمام الحرمين وغيره، ورحل في طلب الحديث، ودرس وأفتى وناظر.
توفي فيها وقد جاوز التسعين، ودفن بقرية ماهان من بلاد مرو.
محمود السلطان بن السلطان ملكشاه كان من خيار الملوك، فيه حلم وأناة وصلابة، وجلسوا للعزاء به ثلاثة أيام سامحه الله.
هبة الله بن محمد ابن عبد الواحد بن العباس بن الحصين، أبو القاسم الشيباني، راوي المسند عن علي بن المهذب، عن أبي بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وقد سمع قديما لانه ولد سنة ثنتين وثلاثين وأربعمائة، وباكر به أبوه فأسمعه، ومعه أخوه عبد الواحد، على جماعة من علية المشايخ،
وقد روى عنه ابن الجوزي وغير واحد، وكان ثقة ثبتا صحيح السماع، توفي بين الظهر والعصر يوم الاربعاء (1) منها وله ثلاث وتسعون سنة، رحمه الله، والله سبحانه أعلم.
__________
(1) زيد في شذرات الذهب 4 / 77: في رابع عشر شوال.
(*)

(12/251)


ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة فيها قدم مسعود بن محمد بن ملكشاه بغداد وقدمها قراجا الساقي، وسلجوق شاه بن محمد، وكل منهما يطلب الملك لنفسه، وقدم عماد الدين زنكي لينضم إليهما فتلقاه الساقي فهزمه فهرب منه إلى تكريت، فخدمه نائب قلعتها نجم الدين أيوب والد الملك صلاح الدين يوسف، فاتح بيت المقدس كما سيأتي إن شاء الله، حتى عاد إلى بلاده، وكان هذا هو السبب في مصير نجم الدين أيوب إليه، وهو بحلب، فخدم عنده ثم كان من الامور ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن الملكين مسعود وسلجوق شاه اجتمعا فاصطلحا (1) وركبا إلى الملك سنجر فاقتتلا معه، وكان جيشه مائة وستين ألفا وكان جيشهما قريبا من ثلاثين ألفا، وكان جملة من قتل بينهما أربعين ألفا، وأسر جيش سنجر قراجا الساقي فقتله صبرا بين يديه، ثم أجلس طغرل بن محمد على سرير الملك، وخطب له على المنابر، ورجع سنجر إلى بلاده، وكتب طغرل إلى دبيس وزنكي ليذهبا إلى بغداد ليأخذاها، فأقبلا في جيش كثيف فبرز إليهما الخليفة فهزمهما، وقتل خلقا من أصحابهما، وأزاح الله شرهما عنه ولله الحمد.
وفيها قتل أبو علي بن الافضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ الفاطمي، فنقل الحافظ الاموال التي كان أخذها إلى داره واستوزر بعده أبا الفتح، يانس الحافظي، ولقبه أمير الجيوش، ثم احتال فقتله واستوزر ولده حسنا وخطب له بولاية العهد.
وفيها عزل المسترشد وزيره علي بن طراد الزينبي واستوزر أنوشروان بن خالد بعد تمنع.
وفيها ملك دمشق شمس الملوك إسماعيل بن بوري بن طغتكين بعد وفاة أبيه، واستوزر يوسف بن فيروز، وكان خيرا، ملك بلادا كثيرة، وأطاعه إخوته.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن عبيد الله ابن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن غثنة بن يزيد السلمي، ويعرف بابن كادش العكبري، أبو العز البغدادي، سمع الحديث الكثير، وكان يفهمه ويرويه وهو آخر من روى عن الماوردي، وقد أثنى عليه غير واحد، منهم أبو محمد بن الخشاب، وكان محمد بن ناصر يتهمه ويرميه بأنه اعترف بوضع حديث فالله أعلم.
وقال عبد الوهاب الانماطي كان مخلطا، توفي في جمادى الاولى منها.
__________
(1) تم الصلح بينهما على أن يكون العراق لوكيل الخليفة، وتكون السلطنة لمسعود، ويكون سلجوقشاه ولي عهده.
وتحالفوا على ذلك.
(*)

(12/252)


محمد بن محمد بن الحسين ابن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، سمع أباه وغيره، وتفقه وناظر وأفتى ودرس، وكان له بيت فيه مال فعدي عليه من الليل فقتل وأخذ ماله، ثم أظهر الله عزوجل على قاتله فقتلوه.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة في صفر منها دخل السلطان مسعود إلى بغداد فخطب له بها وخلع عليه الخليفة وولاه السلطنة ونثر الدنانير والدراهم على الناس، وخلع على السلطان داود بن محمود.
وفيها جمع دبيس جمعا كثيرا بواسط، فأرسل إليه السلطان جيشا فكسروه وفرقوا شمله، ثم إن الخليفة عزم على الخروج إلى الموصل ليأخذها من زنكي، فعرض عليه زنكي من الاموال والتحف شيئا كثيرا ليرجع عنه فلم يقبل، ثم بلغه أن السلطان مسعود قد اصطلح مع دبيس وخلع عليه، فكر راجعا سريعا إلى بغداد سالما معظما.
وفيها مات ابن الزاغوني أحد أئمة الحنابلة، فطلب حلقته ابن الجوزي، وكان شابا، فحصلت لغيره، ولكن أذن له الوزير أنوشروان في الوعظ، فتكلم في هذه السنة على الناس في أماكن متعددة من بغداد، وكثرت مجالسه وازدحم عليه الناس.
وفيها ملك شمس الملوك إسماعيل صاحب
دمشق مدينة حماه، وكانت بيد زنكي.
وفي ذي الحجة نهب التركمان مدينة طرابلس وخرج إليهم القومص لعنه الله الفرنجي فهزموه وقتلوا خلقا من أصحابه، وحاصروه فيها مدة طويلة، حتى طال الحصار، فانصرفوا.
وفيها تولى قاسم بن أبي فليتة مكة بعد أبيه.
وفيها قتل شمس الملوك أخاه سونج، وفيها اشترى الباطنية قلعة حصن القدموس بالشام فسكنوها وحاربوا من جاورهم من المسلمين والفرنج.
وفيها اقتتلت الفرنج فيما بينهم قتالا شديدا فمحق الله بسبب ذلك خلقا كثيرا، وغزاهم فيها عماد الدين زنكي فقتل منهم ألف قتيل، وغنم أموالا جزيلة، ويقال لها غزوة أسوار.
وحج بالناس فيها قطز الخادم وكذا في التي بعدها وقبلها.
وتوفي فيها من الاعيان..أحمد بن سلامة ابن عبد الله بن مخلد بن إبراهيم، أبو العباس بن الرطبي، تفقه على أبي إسحاق وابن الصباغ ببغداد، وبأصبهان على محمد بن ثابت الخجندي، ثم تولى الحكم ببغداد بالحريم والحسبة ببغداد، وكان يؤدب أولاد الخليفة، توفي في رجب منها ودفن عند أبي إسحاق.
(*)

(12/253)


أسعد بن أبي نصر بن أبي الفضل أبو الفضل الميهني مجد الدين أحد أئمة الشافعية، وصاحب الخلاف والمطروقة، وقد درس بالنظامية في سنة سبع عشرة وخمسمائة إلى سنة ثلاث وعشرين فعزل عنها، واستمر أصحابه هنالك وقد تقدم في سنة سبع عشرة أنه وليها، وأنه توفي في سنة ثلاث وعشرين.
وقال ابن خلكان: توفي سنة سبع وعشرين.
ابن الزاغوني الحنبلي علي بن عبد الله (1) بن نصر بن السري الزاغوني، الامام المشهور، قرأ القراءات وسمع الحديث واشتغل بالفقه والنحو واللغة، وله المصنفات الكثيرة في الاصول والفروع، وله يد في الوعظ، واجتمع الناس في جنازته، وكانت حافلة جدا.
الحسن بن محمد ابن إبراهيم البورباري (2)، من قراء أصبهان، سمع الحديث ورحل وخرج، وله تاريخ، وكان يكتب حسنا ويقرأ فصيحا، توفي بأصبهان في هذه السنة (3).
علي بن يعلى ابن عوض، أبو القاسم العلوي الهروي، سمع مسند أحمد من أبي الحصين، والترمذي من أبي عامر الازدي، وكان يعظ الناس بنيسابور، ثم قدم بغداد فوعظ بها، فحصل له القبول التام، وجمع أموالا وكتبا.
قال ابن الجوزي: وهو أول من سلكني في الوعظ، وتكلمت بين يديه وأنا صغير، وتكلمت عند انصرافه.
محمد بن أحمد (4) ابن يحيى أبو عبد الله العثماني الديباجي، وكان ببغداد يعرف بالمقدسي، كان أشعري
__________
(1) في تذكرة الحفاظ ص 1288 وشذرات الذهب 4 / 80: عبيد الله.
(2) كذا بالاصل، وفي المنتظم " التورتاني " وكلاهما تحريف والصواب اليونارتي كما في الوافي والعبر وتذكرة الحفاظ.
واليونارتي نسبة إلى يونارت: قرية على باب إصفهان.
(3) توفي في شوال وقد جاوز الستين، كما في الشذرات والعبر، وفي اللباب أنه توفي بأصبهان في حدود سنة 530 ه.
(4) في الوافي ذكرت وفاته في صفر سنة ست وعشرين ببغداد.
قال وهو من أهل نابلس وأصله من مكة ولد سنة 442 ببيروت (2 / 109).
(*)

(12/254)


الاعتقاد ووعظ الناس ببغداد، قال ابن الجوزي: سمعته ينشد في مجلسه قوله: دع دموعي يحق لي أن أنوحا * لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا أخلقت مهجتي أكف المعاصي * ونعاني المشيب نعيا فصيحا كلما قلت قد برا جرح قلبي * عاد قلبي من الذنوب جريحا إنما الفوز والنعيم لعبد * جاء في الحشر آمنا مستريحا
محمد بن محمد ابن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن حازم بن أبي يعلى بن الفراء، الفقيه ابن الفقيه، ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، سمع الحديث وكان من الفقهاء الزاهدين الاخيار، توفي في صفر منها.
أبو محمد عبد الجبار ابن أبي بكر محمد بن حمديس الازدي الصقلي الشاعر المشهور، أنشد له ابن خلكان أشعارا رائقة فمنها قوله (1): قم هاتها من كف ذات الوشاح * فقد نعى الليل بشير الصباح باكر إلى اللذات واركب لها * سوابق اللهو ذوات المراح من قبل أن نرشف شمس الضحا * ريق الغوادي من ثغور الاقاح ومن جملة معانيه النادرة: زادت على كحل الجفون تكحلا * وتسم (2) نصل السهم وهو قتول ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة فيها اصطلح الخليفة وزنكي.
وفيها فتح زنكي قلاعا كثيرة (3)، وقتل خلقا من الفرنج.
__________
(1) الابيات في ديوانه ص 89.
(2) في ديوانه ص 558 ووفيات الاعيان 3 / 214: ويسم.
(3) استولى على جميع قلاع الاكراد الحميدية منها قلعة العقر وقلعة شوش وغيرهما وقلاع الهكارية وكواشى.
(الكامل: 11 / 14 تاريخ أبي الفداء 3 / 8).
(*)

(12/255)


وفيها فتح شمس الملوك الشقيف تيروت (1)، ونهب بلاد الفرنج.
وفيها قدم سلجوق شاه بغداد فنزل بدار المملكة وأكرمه الخليفة وأرسل إليه عشرة آلاف دينار، ثم قدم السلطان مسعود وأكثر أصحابه ركاب على الجمال لقلة الخيل.
وفيها تولى إمرة بني عقيل أولاد سليمان بن مهارش العقيلي، إكراما
لجدهم.
وفيها أعيد ابن طراد إلى الوزارة، وفيها خلع على إقبال المسترشدي خلع الملوك، ولقب ملك العرب سيف الدولة، ثم ركب في الخلع وحضر الديوان.
وفيها قوي أمر الملك طغرل وضعف أمر الملك مسعود.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن علي بن إبراهيم أبو الوفا الفيروز ابادي، أحد مشايخ الصوفية، يسكن رباط الزوزني، وكان كلامه يستحلى، وكان يحفظ من أخبار الصوفية وسيرهم وأشعارهم شيئا كثيرا.
أبو علي الفارقي الحسن بن إبراهيم بن مرهون أبو علي الفارقي، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني صاحب المحاملي، ثم على الشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ، وسمع الحديث وكان يكرر على المهذب والشامل، ثم ولي القضاء بواسط، وكان حسن السيرة جيد السريرة، ممتعا بعقله وحواسه، إلى أن توفي في محرم هذه السنة عن ست وسبعين (2) سنة.
عبد الله بن محمد ابن أحمد بن الحسن، أبو محمد بن أبي بكر الشاشي، سمع الحديث وتفقه على أبيه، وناظر وأفتى وكان فاضلا واعظا فصيحا مفوها، شكره ابن الجوزي في وعظه وحسن نظمه ونثره، ولفظه، توفي في المحرم وقد قارب الخمسين، ودفن عند أبيه.
__________
(1) كذا بالاصل وابن خلدون 5 / 201 وزاد: وهو في الجبل المطل على بيروت وصيدا وكان بيد الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم.
وفي الكامل 10 / 11: تيرون.
وفي تاريخ أبي الفداء 3 / 8: حصن الشقيف.
(2) كذا بالاصل والصواب: تسعين.
(*)

(12/256)


محمد بن أحمد
ابن علي بن أبي بكر العطان، ويعرف بابن الحلاج البغدادي، سمع الحديث وقرأ القراءات، وكان خيرا زاهدا عابدا، يتبرك بدعائه ويزار.
محمد بن عبد الواحد (1) الشافعي أبو رشيد، من أهل آمل طبرستان، ولد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وحج وأقام بمكة، وسمع من الحديث شيئا يسيرا، وكان زاهدا منقطعا عن الناس مشتغلا بنفسه، ركب مرة مع تجار في البحر فأوفوا على جزيرة.
فقال: دعوني في هذه أعبد الله تعالى، فمانعوه فأبى إلا المقام بها.
فتركوه وساروا فردتهم الريح إليه فقالوا: إنه لا يمكن المسير إلا بك، وإذا أردت المقام بها فارجع إليها، فسار معهم ثم رجع إليها فأقام بها مدة ثم ترحل عنها ثم رجع إلى بلده آمل فمات بها رحمه الله، ويقال إنه كان يقتات في تلك الجزيرة بأشياء موجودة فيها، وكان بها ثعبان يبتلع الانسان، وبها عين ماء يشرب منها ويتوضأ منها، وقبره مشهور بآمل يزار.
أم خليفة المسترشد توفيت ليلة الاثنين بعد العتمة تاسع عشر شوال منها والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وخمسمائة
فيها كانت وفاة المسترشد وولاية الراشد، وكان سبب ذلك أنه كان بين السلطان مسعود وبين الخليفة واقع كبير، اقتضى الحال أن الخليفة أراد قطع الخطبة له من بغداد فاتفق موت أخيه طغرل بن محمد بن ملكشاه، فسار إلى البلاد فملكها، وقوي جأشه، ثم شرع يجمع العساكر ليأخذ بغداد من الخليفة، فلما علم الخليفة بذلك انزعج واستعد لذلك، وقفز جماعة من رؤس الامراء إلى الخليفة خوفا على أنفسهم من سطوة الملك محمود، وركب الخليفة من بغداد في جحافل كثيرة، فيهم القضاة ورؤس الدولة من جميع الاصناف، فمشوا بين يديه أول منزلة حتى وصل إلى السرادق، وبعث بين يديه مقدمة وأرسل الملك مسعود مقدمة عليهم دبيس بن صدقة بن منصور، فجرت خطوب كثيرة، وحاصل الامر أن الجيشين التقيا في عاشر رمضان يوم الاثنين فاقتتلوا قتالا شديدا، ولم يقتل من
__________
(1) ذكره ابن الاثير في تاريخه باسم: محمد بن علي بن عبد الوهاب من اهل طبرستان.
(*)

(12/257)


الصفين سوى خمسة أنفس، ثم حمل الخليفة على جيش مسعود فهزمهم، ثم تراجعوا فحملوا على جيش الخليفة فهزموهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا وأسروا الخليفة، ثم نهبت أموالهم وحواصلهم، من جملة ذلك أربعة آلاف ألف دينار، وغير ذلك من الاثاث والخلع والآنية والقماش، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وطار الخبر في الاقاليم بذلك، وحين بلغ الخبر إلى بغداد انزعج الناس لذلك، وزلزلوا زلزالا شديدا، صورة ومعنى، وجاءت العامة إلى المنابر فكسروها وامتنعوا من حضور الجماعات، وخرج النساء في البلد حاسرات ينحن على الخليفة، وما جرى عليه من الاسر، وتأسى بأهل بغداد في ذلك خلق كثير من أهل البلاد، وتمت فتنة كبيرة وانتشرت في الاقاليم، واستمر الحال على ذلك شهر ذي القعدة والشناعة في الاقاليم منتشرة، فكتب الملك سنجر إلى ابن أخيه يحذره غب ذلك عاقبة ما وقع فيه من الامر العظيم، ويأمره أن يعيد الخليفة إلى مكانه ودار خلافته، فامتثل الملك مسعود ذلك وضرب للخليفة سرادق عظيم، ونصب له فيه قبة عظيمة وتحتها سرير هائل، وألبس السواد على عادته وأركبه بعض ما كان يركبه من مراكبه، وأمسك لجام الفرس ومشى في خدمته، والجيش كلهم مشاة حتى أجلس الخليفة على سريره، ووقف الملك مسعود فقبل الارض بين يديه وخلع الخليفة عليه، وجئ بدبيس مكتوفا وعن يمينه أميران، وعن يساره أميران، وسيف مسلول ونسعة بيضاء، فطرح بين يدي الخليفة ماذا يرسم تطبيبا لقلبه، فأقبل السلطان فشفع في دبيس وهو ملقى يقول العفو يا أمير المؤمنين، أنا أخطأت والعفو عند المقدرة.
فأمر الخليفة بإطلاقه وهو يقول: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم.
فنهض قائما والتمس أن يقبل يد الخليفة فأذن له فقبلها، وأمرها على وجهه وصدره.
وسأل العفو عنه وعما كان منه، واستقر الامر على ذلك، وطار هذا الخبر في الآفاق وفرح الناس بذلك، فلما كان مستهل ذي الحجة جاءت الرسل من جهة الملك سنجر إلى ابن أخيه يستحثه على الاحسان إلى الخليفة، وأن يبادر إلى سرعة رده إلى وطنه، وأرسل مع الرسل جيشا ليكونوا في خدمة الخليفة إلى بغداد، فصحب الجيش عشرة (1) من الباطنية، فلما وصل الجيش حملوا على الخليفة فقتلوه في خيمته وقطعوه قطعا، ولم يلحق الناس منه إلا الرسوم، وقتلوا معه أصحابه منهم عبيد
الله بن سكينة، ثم أخذ أولئك الباطنية فأحرقوا قبحهم الله، وقيل إنهم كانوا مجهزين لقتله فالله أعلم.
وطار هذا الخبر في الآفاق فاشتد حزن الناس على الخليفة المسترشد، وخرجت النساء في بغداد حاسرات عن وجوههن ينحن في الطرقات، قتل على باب مراغة في يوم الخميس (2) سابع عشر ذي الحجة (3) وحملت أعضاؤه إلى بغداد، وعمل عزاؤه ثلاثة أيام بعد ما بويع لولده الراشد، وقد
__________
(1) في الكامل 11 / 27: أربعة وعشرون رجلا.
وفي ابن خلدون 3 / 510: عشرون رجلا أو يريدون.
وفي الفخري ص 303: جماعة من الباطنية.
(2) في تاريخ أبي الفداء 3 / 10: يوم الاحد.
وفي الجوهر الثمين 1 / 202: يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة.
(3) في الكامل وتاريخ أبي الفداء وابن خلدون: ذي القعدة.
(*)

(12/258)


كان المسترشد، شجاعا مقداما بعيد الهمة فصيحا بليغا، عذب الكلام حسن الايراد، مليح الخط، كثير العبادة محببا إلى العامة والخاصة، وهو آخر خليفة رئي خطيبا، قتل وعمره خمس (1) وأربعون سنة، وثلاثة أشهر، وكانت مدة خلافته (2) سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين ويوما، وكانت أمه أم ولد من الاتراك، رحمه الله.
خلافة الراشد بالله أبي جعفر منصور بن المسترشد، كان أبوه قد أخذ له العهد ثم أراد أن يخلعه فلم يقدر على ذلك لانه لم يغدر.
فلما قتل أبوه بباب مراغة في يوم الخميس السابع عشر من ذي القعدة من سنة تسع وعشرين وخمسمائة، بايعه الناس والاعيان، وخطب له على المنابر ببغداد، وكان إذ ذاك كبيرا له أولاد، وكان أبيض جسيما حسن اللون، فلما كان يوم عرفة من هذه السنة جئ بالمسترشد وصلى عليه ببيت التوبة، وكثر الزحام، وخرج الناس لصلاة العيد من الغد وهم في حزن شديد على المسترشد، وقد ظهر الرفض قليلا في أول أيام الراشد.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن محمد بن الحسين
ابن عمرو، أبو المظفر بن أبي بكر الشاشي، تفقه بأبيه واخترمته المنية بعد أخيه ولم يبلغ سن الرواية.
إسماعيل بن عبد الله ابن علي أبو القاسم الحاكم، تفقه بإمام الحرمين، وكان رفيق الغزالي يحترمه ويكرمه، وكان فقيها بارعا، وعابدا ورعا، توفي بطوس ودفن إلى جانب الغزالي.
__________
(1) في الكامل 11 / 28: ثلاث.
وفي دول الاسلام 2 / 50 عاش أربعا وأربعين سنة.
وفي فوات الوفيات 2 / 248 والعبر 4 / 77: وله خمس وأربعون سنة.
(2) في ابن خلدون 3 / 510: سبع عشرة سنة ونصف.
وفي فوات الوفيات 2 / 248: سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما.
وفي نهاية الارب 23 / 277: سبع عشرة سنة وسبعة أشهر ويوم واحد.
وفي دول الاسلام 2 / 50: سبع عشرة سنة وسبعة أشهر.
(*)

(12/259)


دبيس بن صدقة ابن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الاعز الاسدي الامير من بيت الامرة وسادة الاعراب، كان شجاعا بطلا، فعل الافاعيل وتمرق في البلاد من خوفه من الخليفة، فلما قتل الخليفة عاش بعده أربعة وثلاثين يوما، ثم اتهم عند السلطان بأنه قد كاتب زنكي ينهاه عن القدوم إلى السلطان، ويحذره منه، ويأمره أن ينجو بنفسه، فبعث إليه السلطان غلاما أرمنيا فوجده منكسا رأسه يفكر في خيمته، فما كلمه حتى شهر سيفه فضربه به فأبان رأسه عن جثته، ويقال بل استدعاه السلطان فقتله صبرا بين يديه فالله أعلم.
طغرل السلطان بن السلطان محمد بن ملكشاه توفي بهمذان يوم الاربعاء ثالث المحرم منها (1).
علي بن محمد النروجاني كان عابدا زاهدا، حكى ابن الجوزي عنه أنه كان يقول بأن القدرة تتعلق بالمستحيلات، ثم
أنكر ذلك وعذره لعدم تعقله لما يقول، ولجهله.
الفضل أبو منصور أمير المؤمنين المسترشد، تقدم شئ من ترجمته والله أعلم (2).
ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة فيها وقع بين الخليفة الراشد وبين السلطان مسعود بسبب أنه أرسل إلى الخليفة يطلب منه ما كان كتبه له والده المسترشد حين أسره (3)، التزم له بأربعمائة ألف دينار، فامتنع من ذلك وقال:
__________
(1) قال أبو الفداء في تاريخه 3 / 8 قال: والاصح في ظني أن وفاته كانت في أول سنة ثمان وعشرين..(2) قال الفخري ص 303: واختلف الناس عند قتل المسترشد في سبب قتله ; فقال قوم: إن مسعودا لم يعلم بذلك ولا رضي به.
وقال قوم: بل مسعود هو الذي واطأ الباطنية على قتله وأمرهم بذلك، لانه خافه حيث قويت نفسه على جمع الجموع وجر الجيوش، ولم يمكنه قتله ظاهرا ثم قتله باطنا (انظر الجوهر الثمين 1 / 202).
(3) قال ابن خلدون في العبر 3 / 510: تقرر الصلح بينهما على أن يحمل مالا للسلطان ولا يجمع العساكر للحرب ولا فتنة ولا يخرج من داره.
(*)

(12/260)


ليس بيننا وبينكم إلا السيف، فوقع بينهما الخلف، فاستجاش السلطان بالعساكر، واستنهض الخليفة الامراء، وأرسل إلى عماد الدين زنكي فجاء والتف على الخليفة خلائق، وجاء في غضون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه، فخطب له الخليفة ببغداد، وخلع عليه وبايعه على الملك، فتأكدت الوحشة بين السلطان والخليفة جدا، وبرز الخليفة إلى ظاهر بغداد ومشى الجيش بين يديه، كما كانوا يعاملون أباه، وذلك يوم الاربعاء سلخ شعبان، وخرج السلطان داود من جانب آخر، فلما بلغهم كثرة جيوش السلطان محمود حسن عماد الدين زنكي للخليفة أن يذهب معه إلى الموصل، واتفق دخول مسعود إلى بغداد، في غيبتهم يوم الاثنين رابع شوال، فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه، ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحلى والمصاغ والثياب التي للزينة، وغير ذلك، وجمع القضاة والفقهاء، وأبرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال
السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه، فخلع في يوم الاثنين سادس عشر شهر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء، وكانت خلافته إحدى عشر شهرا وإحدى عشر يوما، واستدعى السلطان بعمه المقتفي بن المستظهر فبويع بالخلافة عوضا عن ابن أخيه الراشد بالله.
خلافة المقتفي لامر الله أبي عبد الله بن المستظهر، وأمه صفراء تسمى نسيما، ويقال لها ست السادة، وله من العمر يومئذ أربعون سنة، بويع بالخلافة بعد خلع الراشد بيومين، وخطب له على المنابر يوم الجمعة لعشرين من ذي القعدة، ولقب بالمقتفي لانه يقال إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المنام وهو يقول له سيصل هذا الامر إليك فاقتف بي، فصار إليه بعد ستة أيام فلقب بذلك.
فائدة حسنة ينبغي التنبه لها ولي المقتفي والمسترشد الخلافة وكانا أخوين، وكذلك السفاح والمنصور، وكذلك الهادي والرشيد، ابنا المهدي، وكذلك الواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة فالامين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمقتفي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فلم يكن إلا في بني أمية وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان، ولما استقر المقتفي بالخلافة استمر الراشد ذاهبا إلى الموصل صحبة صاحبها عماد الدين زنكي، فدخلها في ذي الحجة من هذه السنة.
وممن توفي فيها من الاعيان..

(12/261)


محمد بن حمويه ابن محمد بن حمويه أبو عبد الله الجويني، روى الحديث وكان صدوقا مشهورا بالعلم والزهد، وله كرامات، دخل إلى بغداد فلما ودعهم بالخروج منها أنشدهم: لئن كان لي من بعد عود إليكم * نصيب لبانات الفؤاد إليكم
وإن تكن الاخرى وفي الغيب غيره * قضاه وإلا فالسلام عليكم محمد بن عبد الله ابن أحمد بن حبيب، أبو بكر العامري، المعروف بابن الخباز (1)، سمع الحديث وكان يعظ الناس على طريق التصوف، وكان ابن الجوزي فيمن تأدب به، وقد أثنى عليه وأنشد عنه من شعره: كيف احتيالي وهذا في الهوى حالي * والشوق أملك لي من عذل عذالي وكيف أشكو (2) وفي حبي له شغل * يحول بين مهماتي وأشغالي وكانت له معرفة بالفقه والحديث، وقد شرح كتاب الشهاب، وقد ابتنى رباطا، وكان عنده فيه جماعة من المتعبدين والزهاد، ولما احتضر أوصاهم بتقوى الله عزوجل والاخلاص لله والدين، فلما فرغ شرع في النزع وعرق جبينه فمد يده وقال بيتا لغيره: ها قد بسطت (3) يدي إليك فردها * بالفضل لا بشماتة الاعداء ثم قال: أرى المشايخ بين أيديهم الاطباق وهم ينتظرونني، ثم مات، وذلك ليلة الاربعاء نصف رمضان ودفن برباطه، ثم غرق رباطه وقبره في سنة أربعين وخمسمائة.
محمد بن الفضل ابن أحمد بن محمد بن أبي العباس أبو عبد الله الصاعدي الفراوي، كان أبوه من ثغر فراوة (4)، وسكن نيسابور، فولد له بها محمد هذا، وقد سمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ بالآفاق.
__________
(1) في الوافي 3 / 349: ابن الخبازة.
(2) في الوافي: أسلو.
(3) في الوافي والكامل 11 / 46: مددت.
(4) فراوة: بلد قرب خوارزم.
(*)

(12/262)


وتفقه وأفتى وناظر ووعظ، وكان ظريفا حسن الوجه جميل المعاشرة كثير التبسم، وأملى أكثر من ألف
مجلس، ورحل إليه الطلبة من الآفاق حتى يقال للفراوي ألف راوي، وقيل إن ذلك كان مكتوبا في خاتمه، وقد أسمع صحيح مسلم قريبا من عشرين مرة، توفي في شوال منها عن تسعين سنة.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فيها كثر موت الفجأة بأصبهان فمات ألوف من الناس، وأغلقت دور كثيرة.
وفيها تزوج الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد بن ملكشاه على صداق مائة ألف دينار، فحضر أخوها السلطان مسعود العقد وجماعة من أعيان الدولة والوزراء والامراء، ونثر على الناس أنواع النثار.
وفيها صام أهل بغداد رمضان ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة إحدى وثلاثين، مع كون السماء كان مصحية.
قال ابن الجوزي: وهذا شئ لم يقع مثله.
وفيها هرب وزير صاحب مصر وهو تاج الدولة بهرام النصراني، وقد كان تمكن في البلاد وأساء السيرة، فتطلبه الخليفة الحافظ حتى أخذه فسجنه ثم أطلقه فترهب وترك العمل، فاستوزر بعده رضوان بن الريحيني ولقبه الملك الافضل، ولم يلقب وزير قبله بهذا، ثم وقع بينه وبين الخليفة الحافظ، فلم يزل به الخليفة حتى قتله واستقل بتدبير أموره وحده.
وفيها ملك عماد الدين زنكي عدة بلدان (1).
وفيها طلع بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا، ثم ظهر بعده سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا، ثم جاءت ريح عاصف ألقت أشجارا كثيرة، ثم وقع مطر شديد، وسقط برد كبار.
وفيها قصد ملك الروم بلاد الشام فأخذ بلادا كثيرة من أيدي الفرنج، وأطاعه ابن ال ؟ ون ملك الارمن.
وممن توفي فيها من الاعيان...أحمد بن محمد بن ثابت ابن الحسن أبو سعد (2) الخجندي، تفقه على والده الامام أبي بكر الخجندي الاصبهاني، وولي تدريس النظامية ببغداد مرارا، ويعزل عنها، وقد سمع الحديث ووعظ، وتوفي في شعبان منها، وقد قار ؟ التسعين.
هبة الله بن أحمد ابن عمر الحريري، يعرف بابن الطير، سمع الكثير وهو آخر من روى عن أبي الحسن ابن
__________
(1) منها: حمص، وقلعة بعرين وهي تقارب حماة، وبقاع بعلبك (حصن المجدل) وبانياس وسليمة (الكامل 11 / 51 - 52 تاريخ أبي الفداء 3 / 12).
(2) في الكامل 11 / 54: أبو سعيد.
(*)

(12/263)


زوج الحرة، وقد حدث عنه الخطيب، وكان ثبتا كثير السماع، كثير الذكر والتلاوة، ممتعا بحواسه وقواه، إلى أن توفي في جمادى الاولى عن ست وتسعين سنة.
ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين وخمسمائة فيها قتل الخليفة الراشد المخلوع، وذلك أنه اجتمع معه الملك داود وجماعة من كبار الامراء، فقصدوا قتال مسعود بأرض مراغة فهزمهم وبدد شملهم، وقتل منهم خلقا صبرا، منهم صدقة بن دبيس، وولى أخاه محمدا مكانه على الحلة، وهرب الخليفة الراشد المخلوع، فدخل أصبهان فقتله رجل ممن كان يخدمه من الخراسانية، وكان قد برأ من وجع أصابه، فقتلوه في الخامس والعشرين من رمضان، ودفن بشهرستان ظاهر أصبهان.
وقد كان حسن اللون مليح الوجه شديد القوة مهيبا، أمه أم ولد.
وفيها كسى الكعبة رجل من التجار يقال له راست (1) الفارسي، بثمانية عشر ألف دينار، وذلك لانه لم تأتها كسوة في هذا العام لاجل اختلاف الملوك.
وفيها كانت زلزلة عظيمة ببلاد الشام والجزيرة والعراق، فانهدم شئ كثير من البيوت، وماتت تحت الهدم خلق كثير.
وفيها أخذ الملك عماد الدين زنكي مدينة حمص في المحرم، وتزوج في رمضان بالست زمرد خاتون، أم صاحب دمشق، وهي التي تنسب إليها الخاتونية البرانية.
وفيها ملك صاحب الروم مدينة بزاعة، وهي على ستة فراسخ من حلب، فجاء أهلها الذين نجوا من القتل والسبي يستغيثون بالمسلمين ببغداد، فمنعت الخطبة ببغداد، وجرت فتن طويلة.
وفيها تزوج السلطان مسعود بسفري بنت دبيس بن صدقة وزينت بغداد لذلك سبعة أيام.
قال ابن الجوزي: فحصل بسبب ذلك فساد عريض طويل منتشر، ثم تزوج ابنة عمه فزينت بغداد ثلاثة أيام أيضا.
وفيها ولد للسلطان الناصر صلاح يوسف بن أيوب بن شاري بقلعة تكريت.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن محمد أبو بكر بن أبي الفتح الدينوري الحنبلي، سمع الحديث وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وأفتى ودرس وناظر، كان أسعد الميهني يقول عنه: ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلمه، وقد تخرج به ابن الجوزي، وأنشد: تمنيت أن يمسي فقيها مناظرا * بغير عياء والجنون فنون وليس اكتساب المال دون مشقة * تلقيتها، فالعلم كيف يكون ؟
__________
(1) في الكامل 11 / 65: رامشت.
(*)

(12/264)


عبد المنعم بن عبد الكريم ابن هوازن، أبو المظفر القشيري، آخر من بقي منهم، سمع أباه وأبا بكر البيهقي وغيرهما، وسمع منه عبد الوهاب الانماطي، وأجاز ابن الجوزي، وقارب التسعين.
محمد بن عبد الملك ابن محمد بن عمر، أبو الحسن الكرخي (1)، سمع الكثير في بلاد شتى، وكان فقيها مفتيا، تفقه بأبي إسحاق وغيره من الشافعية، وكان شاعرا فصيحا، وله مصنفات كثيرة منها الفصول في أعتقاد الائمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة، وله تفسير وكتاب في الفقه، وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم يصح ذلك في حديث، وقد كان إمامنا الشافعي يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي الحائط.
وقد كان حسن الصورة جميل المعاشرة، ومن شعره قوله: تناءت داره عني ولكن * خيال جماله في القلب ساكن إذا امتلا الفؤاد به فماذا * يضر إذا خلت منه الاماكن توفي وقد قارب التسعين (2).
الخليفة الراشد منصور بن المسترشد، قتل بأصبهان بعد مرض أصابه، فقيل إنه سم، وقيل قتلته الباطنية، وقيل قتله الفراشون الذين كانوا يلون أمره فالله أعلم.
وقد حكى ابن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال: الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الاسلام لا بد أن يخلع (3).
قال ابن الجوزي: فتأملت ذلك فرأيته عجبا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلعه معاوية ثم يزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك، ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل (4)، ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام ثم الوليد بن يزيد فخلع
__________
(1) في تذكرة الحفاظ 4 / 1277 الكرجي وضبطها في شذارت الذهب 4 / 100 الكرجي بكاف وراء مفتوحتين وبالجيم.
(2) في الكامل 11 / 66: مولده سنة 458 ه فيكون عمره عند وفاته 74 سنة (انظر شذرات الذهب).
(3) زيد في رواية ابن الاثير عن الصولي: وربما قتل.
(4) قال ابن الاثير: وفي هذا - أي في قول الصولي - نظر لان البيعة لابن الزبير كانت قبل البيعة لعبد الملك وكونه جعله بعده لا وجه له.
والصولي إنما ذكر إلى أيام المقتدر بالله ومن بعده ذكره غيره.
(11 / 63).
(*)

(12/265)


وقتل، ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الامين فخلع وقتل، ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع ثم قتل، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل.
أنو شروان بن خالد (1) ابن محمد القاشاني القيني، من قرية قين من قاشان، الوزير أبو نصر، وزر للسلطان محمود وللخليفة المسترشد، وكان عاقلا مهيبا عظيم الخلقة، وهو الذي ألزم أبا محمد الحريري بتكميل
المقامات، وكان سبب ذلك أن أبا محمد كان جالسا في مسجد بني حرام في محلة من محال البصرة، فدخل عليه شيخ ذو طمرين فقالوا: من أنت ؟ قال أنا رجل من سروج، يقال لي: أبو زيد.
فعمل الحريري المقامة الحرامية واشتهرت في الناس، فلما طالعها الوزير أنوشروان أعجب بها وكلف أبا محمد الحريري أن يزيد عليها غيرها فزاد عليها غيرها إلى تمام خمسين مقامة، فهي هذه المشهورة المتداولة بين الناس، وقد كان الوزير أنوشروان كريما، وقد مدحه الحريري صاحب المقامات: ألا ليت شعري والتمني لعله * وإن كان فيه راحة لاخي الكرب أتدرون أني مذ تناءت دياركم * وشط اقترابي من جنابكم الرحب أكابد شوقا ما أزال أداره * يقلبني في الليل جنبا على جنب وأذكر أيام التلاقي فأنثني * لتذكارها بادي الاسى طائر اللب ولي حنة في كل وقت إليكم * ولا حنة الصادي إلى البارد العذب فو الله لو أني كتمت هواكم * لما كان مكتوما بشرق ولا غرب ومما شجا قلبي المعنى وشفه * رضاكم بإهمال الاجابة عن كتبي وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة * فقد صرت أخشاها وما لي من ذنب ولما سرى الوفد العراقي نحوكم * وأعوزني المسرى إليكم مع الركب جعلت كتابي نائبا عن ضرورتي * ومن لم يجد ماء تيمم بالترب ويعضد أيضا بضعة من جوارحي * تنبيكم عن سر حالي وتستنبي ولست أرى أذكاركم بعد خيركم * بمكرمة، حسبي اعتذاركم حسبي
__________
(1) ذكرت وفاته سنة 533 ه (انظر الكامل 11 / 70 الوافي ترجمة 4363).
(*)

(12/266)


ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة فيها كانت زلزلة عظيمة بمدينة جبرت فمات بسببها مائتا ألف وثلاثون ألفا، وصار مكانها ماء أسود عشرة فراسخ في مثلها، وزلزل أهل حلب في ليلة واحدة ثمانين مرة.
وفيها وضع السلطان
محمود مكوسا كثيرة عن الناس، وكثرت الادعية له.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين السلطان سنجر وخوارزم شاه، فهزمه سنجر وقتل ولده في المعركة، فحزن عليه والده حزنا شديدا.
وفيها قتل صاحب دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري بن طغتكين، قتله ثلاثة من خواصه ليلا وهربوا من القلعة، فأدرك اثنان فصلبا وأفلت واحد.
وفيها عزل اليهود والنصارى عن المباشرات ثم أعيدوا قبل شهر وحج بالناس فيها قطز الخادم.
وفيها توفي من الاعيان..زاهر بن طاهر ابن محمد، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر السحامي (1) المحدث المكثر، الرحال الجوال، سمع الكثير وأملى بجامع نيسابور ألف مجلس، وتكلم فيه أبو سعد السمعاني، وقال: إنه كان يخل بالصلوات.
وقد رد ابن الجوزي على السمعاني بعذر المرض ويقال: إنه كان به مرض يكثر بسببه جمع الصلوات فالله أعلم، بلغ خمسا وثمانين سنة توفي بنيسابور في ربيع الآخر، ودفن بمقبرته.
يحيى بن يحيى بن علي ابن أفلح، أبو القاسم الكاتب، وقد خلع عليه المسترشد ولقبه جمال الملك، وأعطاه أربعة دور، وكانت له دار إلى جانبهن فهدمهن كلهن واتخذ مكانهن دارا هائلة، طولها ستون ذراعا في عرض أربعين ذراعا، وأطلق له الخليفة أخشابها وآجرها وطرازاتها، وكتب عليها أشعارا حسنة من نظمه ونظم غيره، فمن ذلك ما هو على باب دارها: إن أعجب الراؤن من ظاهري * فباطني لو علموا أعجب شد باني من كفه مزنة * يخجل منها العارض الصيب ورنحت روضة أخلاقه * في ديار نورها مذهب صدر كسي صدري من نوره * شمسا على الايام لا تغرب
__________
(1) في الكامل وشذرات الذهب: الشحامي.
قال ابن الاثير في تاريخه: وكان مولده سنة 446 ه فيكون له عند
وفاته 87 سنة.
(*)

(12/267)


وعلى الطرز مكتوب: ومن المروءة للفتى * ما عاش دار فاخره فاقنع من الدنيا بها * واعمل لدار الآخرة هاتيك وافيت بما * وعدت وهاتي باتره وفي موضع آخر مكتوب: وناد كأن الجنان الخ * لد أعارته من حسنها رونقا وأعطته من حادثات الزما * ن أن لا يلم به موبقا فأضحى ينبئه على كل ما * بنى مغربا كان أو مشرقا ؟ ؟ ظل الوفود به عكفا * ويمسي الضيوف به طرقا بقيت له يا جمال الملو * ك وذا الفضل مهما أردت البقا وسالمه فيك ريب الزما * ن ووقيت فيه الذي يتقى فما والله صدقت هذه الاماني، بل عما قريب اتهمه الخليفة بأنه يكاتب دبيسا فأمر بخراب داره تلك فلم يبق فيها جدار، بل صارت خربة بعد ما كانت قرة العيون من أحسن المقام والقرار، وهذه حكمة الله من تقلب الليل والنهار، وما تجري بمشيئة الاقدار، وهي حكمته في كل دار بنيت بالاشر والبطر، وفي كل لباس لبس على التيه والكبر والاشر.
وقد أورد له ابن الجوزي أشعارا حسنة من نظمه، وكلمات من نثره فمن ذلك قوله: دع الهوى لا ناس يعرفون به * قد مارسوا الحب حتى أصعبه أدخلت نفسك فيما لست تجربه * والشئ صعب على من لا يجربه أمن اصطبار وإن لم تستطع خلدا * فرب مدرك أمر عز مطلبه أحن الضلوع على قلب يخيرني * في كل يوم يعييني تقلبه
تأرج الريح من نجد يهيجه * ولامع البرق من نغمات يطربه وقوله: هذه الخيف وهاتيك مني * فترفق أيها الحادي بنا واحبس الركب علينا ساعة * نندب الدار ونبكي الدنا فلذا الموقف أعددت البكا * ولذا اليوم الدموع تقتني زماننا كان وكنا جيرة * فأعاد الله ذاك الزمنا بيننا يوم ائتلاف نلتقي * كان من غير تراض بيننا

(12/268)


ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وخمسمائة فها حاصر زنكي دمشق فحصنها الاتابك معين الدين بن مملوك طغتكين، فاتفق موت ملكها جمال الدين محمود بن بوري بن طغتكين، فأرسل معين الدين إلى أخيه مجير الدين أتق، وهو ببعلبك فملكه دمشق، فذهب زنكي إلى بعلبك فأخذها واستناب عليها نجم الدين أيوب صلاح الدين.
وفيها دخل الخليفة على الخاتون فاطمة بنت السلطان مسعود، وأغلقت بغداد أياما.
وفيها نودي للصلاة على رجل صالح فاجتمع الناس بمدرسة الشيخ عبد القادر فاتفق أن الرجل عطس فأفاق، وحضرت جنازة رجل آخر غيره فصلى عليه ذلك الجمع الكثير.
وفيها نقصت المياه من سائر الدينا وفيها ولد صاحب حماه تقي الدين عمر شاهنشاه بن أيوب بن شاري.
وممن توفي فيها من الاعيان..أحمد بن جعفر ابن الفرج أبو العباس الحربي، أحد العباد الزهاد، سمع الحديث وكانت له أحوال صالحة، حتى كان يقال: إنه كان يرى في بعض السنين بعرفات، ولم يحج في تلك السنة.
عبد السلام بن الفضل أبو القاسم الجيلي، سمع الحديث وتفقه على الكيا الهراسي، وبرع في الاصول والفروع،
وغير ذلك، وولي قضاء البصرة وكان من خيار القضاة.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة فيها وصلت البردة والقضيب إلى بغداد، وكانا مع المسترشد حين هرب سنة تسع وعشرين، وخمسمائة فحفظهما السلطان سنجر عنده حتى ردهما في هذه السنة.
وفيها كملت المدرسة الكمالية المنسوبة إلى كمال الدين، أبي الفتوح حمزة بن طلحة، صاحب المخزن، ودرس فيها الشيخ أبو الحسن الحلي (1)، وحضر عنده الاعيان.
وممن توفي فيها من الاعيان.
__________
(1) في الكامل 11 / 80: الخل.
(*)

(12/269)


إسماعيل بن محمد ابن علي، أبو القاسم الطلحي الاصبهاني، سمع الكثير، ورحل وكتب وأملى بأصبهان، قريبا من ثلاثة آلاف مجلس، وكان إماما في الحديث والفقه والتفسير واللغة، حافظا متقنا، توفي ليلة عيد الاضحى وقد قارب الثمانين، ولما أراد الغاسل تنحية الخرقة عن فرجه ردها بيده، وقيل: إنه وضع يده على فرجه.
محمد بن عبد الباقي ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مسجعة بن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري، سمع الحديث وتفرد عن جماعة من المشايخ، وأملى الحديث في جامع القصر، وكان مشاركا في علوم كثيرة، وقد أسر في صغره في أيدي الروم فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر فلم يفعل، وتعلم منهم خط الروم، وكان يقول من خدم المحابر خدمته المنابر، ومن شعره الذي أورده له ابن الجوزي عنه وسمعه منه قوله: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال، إن سئلت، ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب
وقوله: لي مدة لا بد أبلغها * فإذا انقضت في وقتها مت لو عاندتني الاسد ضارية * ما ضرني ما لم يجي الوقت قال ابن الجوزي: بلغ من العمر ثلاثا وتسعين سنة، لم تتغير حواسه ولا عقله، توفي ثاني رجب منها.
وحضر جنازته الاعيان وغيرهم، ودفن قريبا من قبر بشر.
يوسف بن أيوب ابن الحسن بن زهرة، أبو يعقوب الهمذاني، تفقه بالشيخ أبي إسحاق، وبرع في الفقه والمناظرة ثم ترك ذلك واشتغل بالعبادة، وضحب الصالحين، وأقام بالجبال (1)، ثم عاد إلى بغداد فوعظ بها، وحصل له قبول.
توفي في ربيع الاول ببعض قرى هراة.
__________
(1) قال ابن الاثير في تاريخه: وهو من أهل بروجرد، وسكن مرو، ووعظ ببغداد (11 / 80) قال في العبر: توفي في ربيع الاول عن أربع وتسعين سنة.
(*)

(12/270)