البداية والنهاية، ط. دار الفكر
ثم دخلت سنة ثمانية
عشر
الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ طَاعُونَ عَمَوَاسَ
كَانَ بِهَا، وَقَدْ تَبِعْنَا قَوْلَ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ
جَرِيرٍ فِي إِيرَادِهِ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبِلَهَا،
لَكِنَّا نَذْكُرُ وَفَاةَ مَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ،
وَأَبُو مَعْشَرٍ: كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ طَاعُونُ عَمَوَاسَ وعام
الرمادة، فتفانى فيهما النَّاسُ. قُلْتُ: كَانَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ
جَدْبٌ عَمَّ أَرْضَ الْحِجَازِ، وَجَاعَ النَّاسُ جُوعًا شَدِيدًا.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي سِيرَةِ عُمَرَ.
وَسُمِّيَتْ عَامَ الرَّمَادَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْوَدَّتْ مِنْ
قِلَّةِ الْمَطَرِ حَتَّى عَادَ لَوْنُهَا شَبِيهًا بالرماد. وقيل:
لأنها تَسْفِي الرِّيحُ تُرَابًا كَالرَّمَادِ. وَيُمْكِنُ أَنْ
تَكُونَ سميت لكل منهما والله أعلم. وقد أجدبت النَّاسُ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، وَجَفَلَتِ الْأَحْيَاءُ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ زَادٌ فَلَجَئُوا
إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْفَقَ فِيهِمْ مِنْ حَوَاصِلِ
بَيْتِ الْمَالِ مِمَّا فِيهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْوَالِ
حَتَّى أَنْفَدَهُ، وَأَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا
وَلَا سَمِينًا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِالنَّاسِ، فَكَانَ فِي زَمَنِ
الْخِصْبِ يبث لَهُ الْخُبْزُ بِاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ، ثُمَّ كَانَ
عَامَ الرمادة يبث لَهُ بِالزَّيْتِ وَالْخَلِّ، وَكَانَ يَسْتَمْرِئُ
الزَّيْتَ. وَكَانَ لَا يَشْبَعُ مَعَ ذَلِكَ، فَاسْوَدَّ لَوْنُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَغَيَّرَ جِسْمُهُ حَتَّى كَادَ
يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ. وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحَالُ فِي
النَّاسِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ الْحَالُ إِلَى الْخِصْبِ
وَالدَّعَةِ وَانْشَمَرَ النَّاسُ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى
أَمَاكِنِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا من العرب قال لعمر حين
ترحلت الأحياء عن المدينة: لقد انجلت عنك ولأنك لَابْنُ حُرَّةٍ. أَيْ
وَاسَيْتَ النَّاسَ وَأَنْصَفْتَهُمْ وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ
رُوِّينَا أَنَّ عُمَرَ عَسَّ الْمَدِينَةَ ذات ليلة عَامِ
الرَّمَادَةِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَضْحَكُ، وَلَا يَتَحَدَّثُ
النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ ير سَائِلًا
يَسْأَلُ، فَسَأَلَ عَنْ سَبَبٍ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ السُّؤَّالَ سَأَلُوا فَلَمْ يُعْطَوْا
فَقَطَعُوا السُّؤَالَ، وَالنَّاسُ فِي هَمٍّ وَضِيقٍ فَهُمْ لَا
يَتَحَدَّثُونَ وَلَا يَضْحَكُونَ. فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى
بِالْبَصْرَةِ أَنْ يَا غَوْثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ. وَكَتَبَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِمِصْرَ أَنْ يَا غَوْثَاهُ لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَافِلَةٍ
عَظِيمَةٍ تَحْمِلُ الْبُرَّ وَسَائِرَ الْأَطْعِمَاتِ، وَوَصَلَتْ
مِيرَةُ عَمْرٍو فِي الْبَحْرِ إِلَى جُدَّةَ وَمِنْ جُدَّةَ إِلَى
مَكَّةَ. وَهَذَا الْأَثَرُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، لَكِنَّ ذِكْرَ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ
مِصْرَ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، فَإِمَّا
أَنْ يَكُونَ عَامُ الرَّمَادَةِ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ،
أَوْ يَكُونَ ذِكْرُ عمرو بن العاص في عام الرمادة وهم وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ سَيْفٌ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ راحلة تحمل طعاما، فأمره عمر
بتفريقها فِي الْأَحْيَاءِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ
ذلك أمر له بأربعة آلاف درهم فأبى أن يقبلها، فلح عليه عمر حتى قبلها.
(7/90)
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَهْلِ
بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ
عَشْرَةَ، وَأَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، أَصَابَ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا جُوعٌ فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،
حَتَّى جَعَلَتِ الْوَحْشُ تأوى إلى الانس، فكان الناس بذلك وَعُمَرُ
كَالْمَحْصُورِ عَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ حَتَّى أَقْبَلَ بِلَالُ بْنُ
الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فقال: أنا رسول
رسول الله إِلَيْكَ، يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ عَهِدْتُكَ كَيِّسًا، وَمَا زِلْتَ عَلَى
ذَلِكَ [1] ، فَمَا شَأْنُكَ» ؟ قَالَ:
مَتَى رَأَيْتَ هَذَا؟ قَالَ: الْبَارِحَةَ. فَخَرَجَ فَنَادَى فِي
النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
قَامَ فَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ منى أمرا
غيره خير منه؟ فقالوا: اللَّهمّ لَا، فَقَالَ: إِنَّ بِلَالَ بْنَ
الْحَارِثِ يزعم ذية وذية. قالوا: صَدَقَ بِلَالٌ فَاسْتَغِثْ باللَّه
ثُمَّ بِالْمُسْلِمِينَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ- وَكَانَ عُمَرُ عَنْ
ذَلِكَ مَحْصُورًا- فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، بَلَغَ
الْبَلَاءُ مُدَّتَهُ فَانْكَشَفَ. مَا أُذِنَ لِقَوْمٍ فِي الطَّلَبِ
إِلَّا وَقَدْ رفع عنهم الأذى والبلاء. وكتب إلى أمراء الأمصار أن
أغيثوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَ
جَهْدُهُمْ. وَأَخْرَجَ النَّاسَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ فَخَرَجَ
وَخَرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَاشِيًا،
فَخَطَبَ وَأَوْجَزَ وَصَلَّى ثُمَّ جَثَى لِرُكْبَتَيْهِ وَقَالَ:
اللَّهمّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهمّ اغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا وَارْضَ عَنَّا. ثُمَّ انْصَرَفَ فَمَا بَلَغُوا
الْمَنَازِلَ رَاجِعِينَ حَتَّى خَاضُوا الْغُدْرَانَ.
ثُمَّ رَوَى سَيْفٌ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ جُبَيْرِ
بْنِ صَخْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا
مِنْ مُزَيْنَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ سَأَلَهُ أَهْلُهُ أَنْ يَذْبَحَ
لَهُمْ شَاةً فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِنَّ شَيْءٌ. فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ
فَذَبَحَ شَاةً فَإِذَا عِظَامُهَا حُمْرٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدَاهُ.
فَلَمَّا أَمْسَى أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: «أَبْشِرْ بالحياة، ايت عمر
فأقره مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ إِنَّ عَهْدِي بِكَ وَفِيَّ
الْعَهْدِ شَدِيدَ الْعَقْدِ، فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا عُمَرُ» ،
فَجَاءَ حَتَّى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ اسْتَأْذِنْ
لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى
عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَفَزِعَ ثُمَّ صعد عمر المنبر فقال للناس أنشدكم
الله الّذي هَدَاكُمْ لِلْإِسْلَامِ هَلْ رَأَيْتُمْ مِنِّي شَيْئًا
تَكْرَهُونَهُ؟
فَقَالُوا: اللَّهمّ لَا، وَعَمَّ ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِ
الْمُزَنِيِّ- وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ- فَفَطِنُوا وَلَمْ
يَفْطَنْ.
فَقَالُوا: إِنَّمَا اسْتَبْطَأَكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتَسْقِ
بِنَا. فَنَادَى فِي النَّاسِ فَخَطَبَ فَأَوْجَزَ ثُمَّ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ عَجَزَتْ عَنَّا
أَنْصَارُنَا، وَعَجَزَ عَنَّا حَوْلُنَا وَقُوَّتُنَا، وَعَجَزَتْ
عَنَّا أَنْفُسُنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بك، اللَّهمّ
اسقنا وَأَحْيِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو
نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بكر الفارسي قالا: حدثنا أبو عمر بْنُ
مَطَرٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مَالِكٍ قال: أصاب الناس قحط في زمن عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
[1] في الطبري: فما زالت على رجل.
(7/91)
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ
اللَّهَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأَتَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال: ايت عمر
فأقره منى السلام وأخبرهم أنهم مسقون، وقل له عليك بالكيس الْكَيْسَ.
فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا رب ما آلوا إِلَّا
مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وقال الطبراني: حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا أبو محمد الْأَنْصَارِيُّ
ثَنَا أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ الله ابن أنس، عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي وَخَرَجَ بالعباس معه يستسقى يقول:
اللَّهمّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا
تَوَسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ
بِعَمِّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ محمد بن عبد الله
بِهِ وَلَفْظُهُ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذا قحطوا يستسقى
بالعباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَيَقُولُ: اللَّهمّ إِنَّا كُنَّا
نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ
إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. وَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا- فِي كِتَابِ الْمَطَرِ وَفِي كتاب
مجابي الدعوة- حدثنا أبو بكر النيسابورىّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ
عَنِ الْعُمَرِيِّ عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ
يَسْتَسْقِي بِهِمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّا
نَسْتَغْفِرُكُ وَنَسْتَسْقِيكَ فَمَا بَرِحَ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى
مُطِرُوا فَقَدِمَ أَعْرَابٌ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
بَيْنَا نحن في وادينا فِي سَاعَةِ كَذَا إِذْ أَظَلَّتْنَا غَمَامَةٌ
فَسَمِعْنَا مِنْهَا صَوْتًا: أَتَاكَ الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ، أَتَاكَ
الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثناء
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
طَرِيفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي
بِالنَّاسِ فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ فَقَالُوا
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَرَاكَ اسْتَسْقَيْتَ. فَقَالَ:
لَقَدْ طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي
يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ ثُمَّ قَرَأَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً 71:
10- 11 ثُمَّ قَرَأَ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ 11: 3 الآية.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ سَيْفِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ أَبِي الْمُجَالِدِ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي عُثْمَانَ
وَأَبِي حَارِثَةَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالُوا: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ إِنَّ نَفَرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا الشَّرَابَ،
مِنْهُمْ ضِرَارٌ وأبو جندل بن سهل، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا:
خُيِّرْنَا فَاخْتَرْنَا.
قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ منتهون؟ ولم يعزم. فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ
فَأَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِمْ، وَأَنَّ المعنى: فهل أنتم منتهون أَيِ
انْتَهُوا. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَلْدِهِمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ.
وَأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ
يُقْتَلُ.
فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنِ ادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ
عَنِ الْخَمْرِ فَإِنْ قَالُوا هِيَ حَلَالٌ فَاقْتُلْهُمْ، وَإِنْ
قَالُوا هِيَ حَرَامٌ فَاجْلِدْهُمْ. فَاعْتَرَفَ الْقَوْمُ
بِتَحْرِيمِهَا، فَجُلِدُوا الْحَدَّ وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ
مِنْهُمْ مِنَ اللَّجَاجَةِ فِيمَا تَأَوَّلُوهُ، حَتَّى وُسْوِسَ
أَبُو جَنْدَلٍ فِي نَفْسِهِ، فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ
فِي ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ
وَيُذَكِّرَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ،
مِنْ عُمَرَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لمن يشاء، فَتُبْ وَارْفَعْ
رَأْسَكَ وَابْرُزْ وَلَا تَقْنَطْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
(7/92)
قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 39:
53 وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى النَّاسِ: أَنْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ
وَمَنْ غَيَّرَ فَغَيِّرُوا عَلَيْهِ، وَلَا تُعَيِّرُوا أَحَدًا
فَيَفْشُوَ فِيكُمُ الْبَلَاءُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الزَّهْرَاءِ
الْقُشَيْرِيُّ فِي ذَلِكَ.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الدَّهْرَ يَعْثُرُ بِالْفَتَى ... وَلَيْسَ عَلَى
صَرْفِ الْمَنُونِ بِقَادِرِ
صَبَرْتُ وَلَمْ أَجْزَعْ وَقَدْ مَاتَ إِخْوَتِي ... وَلَسْتُ عَنِ
الصَّهْبَاءِ يَوْمًا بِصَابِرِ
رَمَاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بحتفها ... فخلانها يبكون حول المقاصر
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي
الْحِجَّةِ مِنْهَا حَوَّلَ عُمَرُ الْمَقَامَ- وَكَانَ مُلْصَقًا
بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ- فَأَخَّرَهُ إِلَى حَيْثُ هُوَ الْآنَ لِئَلَّا
يُشَوِّشَ الْمُصَلُّونَ عِنْدَهُ عَلَى الطَّائِفِينَ. قلت: قد
ذَكَرْتُ أَسَانِيدَ ذَلِكَ فِي سِيرَةِ عُمَرَ وللَّه الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ قَالَ: وَفِيهَا اسْتَقْضَى عُمَرُ شُرَيْحًا على الكوفة،
وكعب ابن سُورٍ عَلَى الْبَصْرَةِ [قَالَ وَفِيهَا حَجَّ عُمَرُ
بِالنَّاسِ وَكَانَتْ نُوَّابُهُ فِيهَا الَّذِينَ تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُمْ في السنة الماضية] [1] وَفِيهَا فُتِحَتِ الرَّقَّةُ
وَالرُّهَا وَحَرَّانُ عَلَى يَدَيْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ. قَالَ:
وَفُتِحَتْ رَأْسُ عَيْنِ الْوَرْدَةِ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ. وَقَالَ
شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَفِيهَا- يَعْنِي
هَذِهِ السَّنَةَ- افْتَتَحَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الرُّهَا
وشمشاط عَنْوَةً، وَفِي أَوَائِلِهَا وَجَّهَ أَبُو عُبَيْدَةَ عِيَاضَ
بْنَ غَنْمٍ إِلَى الْجَزِيرَةِ فَوَافَقَ أَبَا مُوسَى فَافْتَتَحَا
حَرَّانَ وَنَصِيبِينَ وَطَائِفَةً مِنَ الْجَزِيرَةِ عَنْوَةً، وقيل
صلحا. وفيها صار عِيَاضٌ إِلَى الْمَوْصِلِ فَافْتَتَحَهَا وَمَا
حَوْلَهَا عَنْوَةً. وَفِيهَا بَنَى سَعْدٌ جَامِعَ الْكُوفَةِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا كَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ فَمَاتَ
فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. قُلْتُ: هَذَا الطَّاعُونُ
مَنْسُوبٌ إِلَى بلدة صَغِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا عَمَوَاسُ- وَهِيَ
بَيْنَ الْقُدْسِ والرملة- لأنها كان أول ما نجم الدَّاءُ بِهَا، ثُمَّ
انْتَشَرَ فِي الشَّامِ مِنْهَا فنسب إليها، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 قَالَ الْوَاقِدِيُّ تُوُفِّيَ: فِي عَامِ
طَاعُونِ عَمَوَاسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ خَمْسَةٌ
وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: ثَلَاثُونَ أَلْفًا.
وَهَذَا ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم.
الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ
أَخُو أَبِي جَهْلٍ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ سَيِّدًا
شَرِيفًا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
اسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي قَوْلٍ، وَتَزَوَّجَ
عُمَرُ بَعْدَهُ بامرأته فاطمة.
شرحبيل بن حَسَنَةَ
أَحَدُ أُمَرَاءِ الْأَرْبَاعِ، وَهُوَ أَمِيرُ فِلَسْطِينَ، وَهُوَ
شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَاعِ بْنِ قَطَنٍ
الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَحَسَنَةُ أُمُّهُ، نُسِبَ
إِلَيْهَا وَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ
إِلَى الْحَبَشَةِ وَجَهَّزَهُ الصِّدِّيقُ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ
أَمِيرًا عَلَى رُبُعِ الْجَيْشِ، وَكَذَلِكَ في الدولة العمرية، وطعن
هو
__________
[1] لم ترد في المصرية.
(7/93)
وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو مَالِكٍ
الْأَشْعَرِيُّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. لَهُ
حَدِيثَانِ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَحَدَهُمَا فِي الْوُضُوءِ
وَغَيْرُهُ.
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ
ابْنُ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فهر
القرشي أبو عبيدة بن الجراج الْفِهْرِيُّ، أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ،
وَأَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَحَدُ
الْخَمْسَةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ،
وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. أَسْلَمُوا عَلَى يَدَيِ
الصِّدِّيقِ. وَلَمَّا هَاجَرُوا آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقِيلَ
بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا
بَعْدَهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ يَوْمَ
السَّقِيفَةِ: وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ
فَبَايِعُوهُ- يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَبَا عُبَيْدَةَ-
وَبَعَثَهُ الصِّدِّيقُ أَمِيرًا عَلَى رُبُعِ الْجَيْشِ إِلَى
الشَّامِ، ثُمَّ لَمَّا انْتَدَبَ خَالِدًا مِنَ الْعِرَاقِ كَانَ
أَمِيرًا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ لِعِلْمِهِ بِالْحُرُوبِ.
فَلَمَّا انْتَهَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى عُمَرَ عَزَلَ خَالِدًا
وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ ابن الْجَرَّاحِ، وَأَمَرَهُ أَنْ
يَسْتَشِيرَ خَالِدًا، فَجَمَعَ لِلْأُمَّةِ بَيْنَ أَمَانَةِ أَبِي
عُبَيْدَةَ وَشَجَاعَةِ خَالِدٍ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ بِالشَّامِ. قَالُوا:
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ طِوَالًا نحيفا أجنى مَعْرُوقَ الْوَجْهِ،
خَفِيفَ اللِّحْيَةِ، أَهْتَمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَزَعَ
الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ خَافَ أَنْ يُؤْلِمَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فتحامل على ثنيتيه فسقطنا، فما رأى
أَحْسَنُ هَتْمًا مِنْهُ. تُوُفِّيَ بِالطَّاعُونِ عَامَ عَمَوَاسَ كما
تقدم سياقه في سنة ست عَشْرَةَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ. وَالصَّحِيحُ
أَنَّ عَمَوَاسَ كَانَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ- سَنَةَ ثَمَانِيَ
عَشْرَةَ- بِقَرْيَةِ فِحْلَ، وَقِيلَ بِالْجَابِيَةِ. وَقَدِ
اشْتُهِرَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ قَبْرٌ بِالْقُرْبِ مِنْ عَقَبَةِ
يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَعُمُرُهُ يَوْمَ مَاتَ
ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
كَانَ حَسَنًا وَسِيمًا جَمِيلًا، أَرْدَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ، وَهُوَ شَابٌّ حَسَنٌ، وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ الشَّامِ،
وَاسْتُشْهِدَ بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ، فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ
وَالزُّبَيْرِ بن بكار وأبى حاتم وابن الرقى وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيلَ يَوْمَ مَرْجِ الصُّفَّرِ، وَقِيلَ بأجنادين. ويقال باليرموك
سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ.
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
ابْنِ عمرو بن أوس بن عابد بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
أدى بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ طِوَالًا حَسَنَ الشَّعْرِ وَالثَّغْرِ
بَرَّاقَ الثَّنَايَا، لَمْ يُولَدْ لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ
وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. شَهِدَ مَعَهُ
الْيَرْمُوكَ. وَقَدْ شَهِدَ مُعَاذٌ الْعَقَبَةَ. وَلَمَّا هَاجَرَ
النَّاسُ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(7/94)
بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَحَكَى الْوَاقِدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ. وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا. وَكَانَ أَحَدَ
الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْخَزْرَجِ، الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي
حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ أُبَيُّ
بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جبل، وأبو زيد بن
عمر بن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبى عبد الرحمن الجيلي عَنِ
الصُّنَابِحِيِّ. عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ «يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي
لَأُحِبُّكَ فَلَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ
اللَّهمّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» وَقَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ «بم
تحكم» ؟ فقال: بكتاب الله وبالحديث. وَكَذَلِكَ أَقَرَّهُ الصِّدِّيقُ
عَلَى ذَلِكَ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ بِالْيَمَنِ. ثُمَّ هَاجَرَ
إِلَى الشَّامِ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ بَعْدَ مَا اسْتَخْلَفَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ حِينَ طُعِنَ ثُمَّ طُعِنَ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ مُعَاذًا
يُبْعَثُ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَبْوَةٍ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
كَعْبٍ مُرْسَلًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نُشَبِّهُهُ
بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إن معاذا كان
قانتا الله حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَكَانَتْ
وَفَاتُهُ شرقى غورينسان سنة ثماني عشرة. وقيل سنة تسع وعشرة [وقيل سبع
عشرة، عن ثمان وثلاثين سنة عَلَى الْمَشْهُورِ] [1] وَقِيلَ غَيْرُ
ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
أَبُو خَالِدٍ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، أَخُو مُعَاوِيَةَ،
وَكَانَ يَزِيدُ أَكْبَرَ وَأَفْضَلَ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ
الْخَيْرِ، أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَحَضَرَ حُنَيْنًا وَأَعْطَاهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً مِنَ
الْإِبِلِ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ
عَلَى رُبُعِ الْجَيْشِ إِلَى الشَّامِ، وَهُوَ أَوَّلُ أَمِيرٍ وَصَلَ
إِلَيْهَا، وَمَشَى الصِّدِّيقُ فِي رِكَابِهِ يُوصِيهِ، وَبَعَثَ
مَعَهُ أَبَا عُبَيْدَةَ وَعَمْرَو بْنَ العاص وشرحبيل ابن حَسَنَةَ
فَهَؤُلَاءِ أُمَرَاءُ الْأَرْبَاعِ. وَلَمَّا افْتَتَحُوا دِمَشْقَ
دَخَلَ هُوَ مِنْ بَابِ الْجَابِيَةِ الصَّغِيرِ عَنْوَةً كَخَالِدٍ
فِي دُخُولِهِ مِنَ الْبَابِ الشَّرْقِيِّ عَنْوَةً وَكَانَ
الصِّدِّيقُ قَدْ وَعَدَهُ بِإِمْرَتِهَا، فَوَلِيَهَا عَنْ أَمْرِ
عُمَرَ وَأَنْفَذَ لَهُ مَا وَعَدَهُ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ أَوَّلَ
مَنْ وَلِيَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَاتَ فِي
طَاعُونِ عَمَوَاسَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَزَعَمَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تسع عشرة
بعد ما فَتَحَ قَيْسَارِيَّةَ. وَلَمَّا مَاتَ كَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ
أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ عَلَى دِمَشْقَ فَأَمْضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
لَهُ ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَلَيْسَ له فِي الْكُتُبِ
شَيْءٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ
مَثَلُ الْجَائِعِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ إِلَّا التَّمْرَةَ
وَالتَّمْرَتَيْنِ لَا يغنيان عنه شيئا» .
__________
[1] لم ترد في الحلبية.
(7/95)
أبو جندل بن سهيل
ابن عَمْرٍو، وَقِيلَ اسْمُهُ الْعَاصُ أَسْلَمُ قَدِيمًا وَقَدْ جَاءَ
يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مُسْلِمًا يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ
لِأَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتُضْعِفَ فَرَدَّهُ أَبَوْهُ وَأَبَى أَنْ
يُصَالِحَ حَتَّى يُرَدَّ، ثُمَّ لَحِقَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَبِي
بَصِيرٍ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَشَهِدَ فَتْحَ الشَّامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَأَوَّلَ آيَةَ
الْخَمْرِ ثُمَّ رَجَعَ، وَمَاتَ بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ هُوَ
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ تَقَدَّمَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ،
قِيلَ اسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ قَدِمَ مُهَاجِرًا سَنَةَ خَيْبَرَ
مَعَ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ، وَشَهِدَ مَا بَعْدَهَا، وَاسْتُشْهِدَ
بِالطَّاعُونِ عَامَ عَمَوَاسَ هُوَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ فَتْحُ الْمَدَائِنِ
وَجَلُولَاءَ فِيهَا. وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ مَا قَالَ كَمَا
تَقَدَّمَ. وقال محمد ابن إِسْحَاقَ: كَانَ فَتْحُ الْجَزِيرَةِ
وَالرُّهَا وَحَرَّانَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ وَنَصِيبِينَ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ. وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ وَخَلِيفَةُ وَابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ
فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَأَمِيرُهَا مُعَاوِيَةُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ
أَنَّ مُعَاوِيَةَ افْتَتَحَهَا قَبْلَ هَذَا بسنتين. وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَ فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ مِنْ
فِلَسْطِينَ وَهَرَبُ هِرَقْلَ وَفَتْحُ مِصْرَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ: كَانَ فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ وَفَتْحُ
مِصْرَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَأَمَّا
فَتْحُ قَيْسَارِيَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا فَتْحُ مِصْرَ
فَإِنِّي سَأَذْكُرُهُ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَتْ نَارٌ
من حرة ليلا فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَخْرُجُ بِالرِّجَالِ إِلَيْهَا،
ثُمَّ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّدَقَةِ فَطَفِئَتْ وللَّه
الْحَمْدُ. وَيُقَالُ كَانَ فِيهَا وَقْعَةُ أَرْمِينِيَّةَ،
وَأَمِيرُهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَقَدْ أُصِيبَ فِيهَا
صَفْوَانُ بْنُ المعطل بن رخصة السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ،
وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ يَوْمَئِذٍ. وَقَدْ قَالَ فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ
إِلَّا خَيْرًا» وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُنَافِقُونَ فِي قِصَّةِ
الْإِفْكِ فَبَرَّأَ اللَّهُ سَاحَتَهُ، وَجَنَابَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ زَوْجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِمَّا قَالُوا. وَقَدْ كَانَ إِلَى حِينِ قَالُوا لَمْ
يَتَزَوَّجْ، ولهذا قال والله ما كشفت كنف أثنى قَطُّ. ثُمَّ تَزَوَّجَ
بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ كَثِيرَ النَّوْمِ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ
عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا، كَمَا جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي
دَاوُدَ وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ شَاعِرًا ثُمَّ حَصَلَتْ لَهُ شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قِيلَ بِهَذَا الْبَلَدِ، وقيل بالجزيرة، وقيل بشمشاط.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا فِيمَا سَلَفَ. وَفِيهَا فُتِحَتْ
تَكْرِيتُ فِي قَوْلٍ وَالصَّحِيحُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِيهَا فِيمَا
ذَكَرْنَا أَسَرَتِ الرُّومُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ. وَفِيهَا
فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ
قُتِلَ فِيهَا أَمِيرُ الْمَجُوسِ شَهْرَكُ، وَكَانَ أَمِيرَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ
عُمَرُ، وَنُوَّابُهُ في الْبِلَادِ وَقُضَاتُهُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ
قَبْلَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(7/96)
ذكر مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
سَيِّدُ الْقُرَّاءِ، وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
النَّجَّارِ، أَبُو الْمُنْذِرِ وَأَبُو الطُّفَيْلِ، الْأَنْصَارِيُّ
النَّجَّارِيُّ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا
وَمَا بَعْدَهُمَا، وَكَانَ سَيِّدًا جَلِيلَ الْقَدْرِ. وَهُوَ أَحَدُ
الْقُرَّاءِ الْأَرْبَعَةِ الْخَزْرَجِيِّينَ الَّذِينَ جَمَعُوا
الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ لِعُمَرَ يَوْمًا: إِنِّي تَلَقَّيْتُ
الْقُرْآنَ مِمَّنْ تَلَقَّاهُ منه جبريل وهو رطب. وَفِي الْمُسْنَدِ
وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ
أَنَسٍ مَرْفُوعًا «أَقْرَأُ أُمَّتِي أبى ابن كَعْبٍ» وَفِي
الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُ «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ» .
قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ «قَالَ نَعَمْ» فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَقَدْ
تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ سُورَةَ لَمْ
يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ
مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ 98: 1 قَالَ
الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: تُوُفِّيَ أُبَيٌّ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: سنة سبع عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ
وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْفَلَّاسُ وَخَلِيفَةُ: تُوُفِّيَ فِي
خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهَا
مَاتَ خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مِنَ السَّابِقِينَ
وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَمَاتَ فِيهَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ
فِي قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. |