الدرر في اختصار المغازي والسير

باب ذكر الهجرة إلى المدينة
يقال إن المدينة مذكورة في التوراة طابة. قال : أوحى الله إلى طابة : يا طابة يا مسكينة، لا تقبلي الكنوز ، فإني أرفع أجاجيرك (1) على أجاجير القرى. وهي المدخل الصدق في كتاب الله تعالى، قال الله سبحانه: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا). المخرج الصدق مكة، والمدخل الصدق : المدينة، والسلطان النصير : الأنصار . وفيه دليل واضح على تفضيل المدينة، لأن الله ابتدأ بها، وكان القياس أن يبتدئ بمكة ، لأنه خرج منها قبل أن يدخل المدينة، وأضا فبالمدينة جعل له سلطانا نصيرا، وأيضا فيأبى الله إلا أن ينقل نبيه إلا إلى ما هو خير
__________
(1) أجاجير : جمع إجَّار بهمزة مكسورة وجيم مشددة، وهو السطح

(1/80)


فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة، وكانت سرا على كفار قومهم وكفار قريش، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة أرسالا، فقيل: أول من خرج أَبُو سلمة بْن عَبْد الأسد المخزومي، وحبست عنه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بمكة نحو سنة، ثم أذن لها في اللحاق بزوجها، فانطلقت مهاجرة، وشيعها عثمان بْن طلحة بْن أبي طلحة وهو كافر إلى المدينة، ونزل أَبُو سلمة في قباء، ثم عامر بْن ربيعة، حليف بني عدي بْن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بْن غانم، وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات إلى المدينة، ثم عَبْد اللهِ بْن جحش، وأخوه أَبُو أحمد بْن جحش الشاعر الأعمى، وأمها، وأم إخوتهما أميمة بنت عَبْد المطلب، وهاجر جميع بني جحش بنسائهم، فغدا أَبُو سفيان على دارهم فتملكها إذ خلت منهم، وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بْن حرب تحت أبي أحمد بْن جحش، فنزل هؤلاء الأربعة: أَبُو سلمة، وعامر بْن ربيعة، وعبد الله، وأبو أحمد ابنا جحش على مبشر بْن عَبْد المنذر بْن زنبر في بني عمرو بْن عوف بقباء، وهاجر مع بني جحش جماعة من بني أسد بْن خزيمة بنسائهم، منهم: عكاشة بْن محصن، وعقبة، وشجاع ابنا وهب، وأربد بْن حمير، ومنقذ بْن نباتة، وسعيد بْن رقيش، وأخوه يزيد بْن رقيش، ومحرز
بْن نضلة، وقيس بْن جابر، وعمرو بْن محصن، ومالك بْن عمرو، وصفوان بْن عمرو، وثقف بْن عمرو، وربيعة بْن أكثم، والزبير بْن عبيدة، وتمام بْن عبيدة، وسخبرة بْن عبيدة، ومحمد بْن عَبْد اللهِ بْن جحش،

(1/81)


ومن نسائهم: زينب بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وأم حبيب بنت جحش، وجدامة بنت جندل، وأم قيس بنت محصن، وأم حبيبة بنت نباتة، وأمامة بنت رقيش، ثم خرج عمر بْن الخطاب، وعياش بْن أبي ربيعة في عشرين راكبا، فقدموا المدينة فنزلوا في العوالي في بني أمية بْن زيد، وكان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا، وكان هشام بْن العاص بْن وائل قد أسلم وواعد عمر بْن الخطاب أن يهاجر معه، وقال: تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة، ثم إن أبا جهل، والحارث بْن هشام، أتيا المدينة فكلما عياش بْن أبي ربيعة، وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما، وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها، ولا تستظل حتى تراه، فرقت نفسه وصدقها، وخرج راجعا معهما، فكتفاه في الطريق، وبلغاه مكة فحبساه بها مسجونا إلى أن خلصه بعد ذلك بدعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في قنوت الصلاة: " اللهم أنج الوليد بْن الوليد، وسلمة بْن هشام، وعياش بْن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين
كسني يوسف " ثم استنقذ الله عياش بْن أبي ربيعة وسائرهم، وهاجر إلى المدينة،

(1/82)


وكان من جملة القادمين مع عمر بْن الخطاب: أخوه زيد بْن الخطاب، وسعيد بْن زيد بن عمرو بْن نفيل، وعمرو، وعبد الله ابنا سراقة بْن المعتمر، وكلهم من بني عدي بْن كعب، وواقد بْن عَبْد اللهِ التميمي، وخولي، ومالك ابنا أبي خولي من بني عجل بْن لجيم، حلفاء بني عدي بْن كعب، وإياس، وعاقل، وعامر، وخالد، بنو البكير الليثي، حلفاء بني عدي بْن كعب، وخنيس بْن حذافة السهمي، وزوجته حفصة بنت عمر بْن الخطاب، نزلوا بقباء على رفاعة بْن عَبْد المنذر في بني عمرو بْن عوف، ثم قدم طلحة بْن عبيد الله فنزل هو وصهيب بْن سنان على خبيب بْن إساف في بني الحارث بْن الخزرج، ويقال: بل نزل طلحة على أبي أمامة أسعد بْن زرارة، وكان صهيب ذا مال فاتبعته قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله، فلما أشرفوا عليه، ونظر منهم، ونظروا إليه، قَالَ لهم: قد تعلمون أني من أرماكم رجلا، ووالله لا تصلون إِلَيَّ أو يَمُوتَ منكم من شاء الله أن يموت، قالوا: فاترك مالك وانهض، قَالَ: ما لي خلفته بمكة وأنا أعطيكم أمارة فتأخذونه، فعلموا صدقه وانصرفوا عنه إلى مكة بما أعطاهم من الأمارة، فأخذوا ماله، فنزلت فيه : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} الآية،

(1/83)


ونزل حمزة بْن عَبْد المطلب، وحليفاه أَبُو مرثد الغنوي، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، وزيد بْن حارثة، وأنسة، وأبو كبشة موالي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كلثوم بْن الهدم أخي بني عمرو بْن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بْن خيثمة، وقيل: إن حمزة نزل على أبي أمامة أسعد بْن زرارة، ونزل عبيدة، والطفيل، والحصين بنو الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف، ومسطح بْن أثاثة بْن عباد بْن المطلب، وسويبط بْن سعد بْن حرملة العبدري، وطليب بْن عمير من بني عَبْد بْن قصي، وخباب بْن الأرت مولى عتبة بْن غزوان، على عَبْد اللهِ بْن سلمة العجلاني بقباء، ونزل عَبْد الرحمن بْن عوف في رجال من المهاجرين، على سعد بْن الربيع في بني الحارث بْن الخزرج، ونزل الزبير بْن العوام، وأبو سبرة بْن أبي رهم، على المنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح في بني جحجبي، ونزل مصعب بْن عمير بْن هشام بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، على سعد بْن معاذ بْن النعمان الأشهلي في بني عَبْد الأشهل، ونزل أَبُو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعتبة بْن غزوان المازني، على عباد بْن بشر بْن وقش في بني عَبْد الأشهل،

(1/84)


ونزل عثمان بْن عفان، على أوس بْن ثابت أخي حسان بْن ثابت في بني النجار، ونزل العزاب، على سعد بْن خيثمة وكان عزبا، ولم يبق بمكة أحد من المسلمين إلا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعلي أقاما مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمره، وحبس قوم كرها، حبسهم قومهم، فكتب الله لهم أجر المجاهدين بما كانوا عليه من حرصهم على الهجرة، فلما رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة، وقد دخل أهلها في الإسلام، قالوا: هذا شر شاغل لا يطاق، فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبيتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يُعَمِّيَ عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤسهم ترابا ونهض، فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار دَيَّارٌ، فعلموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فات ونجا،

(1/85)


وتواعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي بكر الصديق للهجرة، فدفعا راحلتيهما إلى عَبْد اللهِ بْن أرقط، ويقال: ابن أريقط الديلي، وكان كافرا، لكنهما وثقا به، وكان دليلا بالطرق، فاستأجره ليدل بهما إلى المدينة

خروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للهجرة:
وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خوخة في ظهر دار أبي بكر التي في بني جمح، ونهضا نحو الغار في جبل ثور، وأمر أَبُو بكر ابنه عَبْد اللهِ أن يتسمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بْن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما
ليلا، ليأخذا منها حاجتهما، ثم نهضا فدخلا الغار، وكانت أسماء بنت

(1/86)


أبي بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عَبْد اللهِ بْن أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بْن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما، فلما فقدته قريش، جعلت تطلبه بقائف معروف، فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا، فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه، فرجعوا، وجعلوا في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة ناقة لمن رده عليهم، وقد روي من حديث أبي الدرداء، وثوبان، أن الله عز وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إليها على فم الغار ردهم ذلك عن الغار
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالا: أَنْبَأَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا "،

(1/87)


فَلَمَّا مَضَتْ لِبَقَائِهِمَا فِي الْغَارِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، أَتَاهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا، وَأَتَتْهُمَا أَسْمَاءُ بِسُفْرَتِهِمَا، وَكَانَتْ قَدْ شَقَّتْ نِطَاقَهَا فَرَبَطَتْ بِنِصْفِهِ السُّفْرَةَ، وَانْتَطَقَتِ النِّصْفَ الآخَرَ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، فَرَكِبَا الرَّاحِلَتَيْنِ، وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، وَحَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ نَفْسِهِ جَمِيعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ سِتَّةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ بِنَاحِيَةِ مَوْضِعِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْثُمٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَعَلِمَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ جَعَلَتْ فِيهِمْ قُرَيْشٌ مَا جَعَلَتْ لِمَنْ أَتَى بِهِمْ، فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَتَبِعَهُمْ لِيَرُدَّهُمْ بِزَعْمِهِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِ، فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ فَأَتْبَعَ يَدَيْهِ دُخَانٌ، فَعَلِمَ أَنَّهَا آيَةٌ فَنَادَاهُمْ: قِفُوا عَلَيَّ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ، ثُمَّ هَمَّ بِهِ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي فَلَنْ تَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ، فَدَعَا لَهُ فَاسْتَقَلَّتْ فَرَسُهُ، وَرَغِبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَكَتَبَ لَهُ،

(1/88)


ثُمَّ مَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ شَاتِهَا مَا هُوَ مَنْقُولٌ مَشْهُورٌ عَنِ الثِّقَاةِ، وَنَهَضُوا قَاصِدِينَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَعْهُودَةِ، وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ مَرَاحِلَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجْهًا،

(1/89)


وَعَبَرُوا عَلَى عَسَفَانَ وَهُوَ وَادٍ تَعْتَسِفُهُ السُّيُولُ، وَكَانَ مَأْوَى الْجُذَمَاءِ قَدِيمًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ حِينَ سَلَكَهُ، وَقَالَ: " إِنْ كَانَ مِنَ الْعِلَلِ شَيْءٌ بَعْدِي فَهَذِهِ الْعِلَّةُ "، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ،

(1/90)


وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى الْعَرَجَ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِينَ مِيْلا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَفَ بِهِمْ بَعْضُ ظَهْرِهِمْ، إِبِلِهِمْ، فَأَلْفَوْا رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، فَحَمَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ لِيَرُدَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَاحْتَمَلُوا إِلَى بَطْنِ رِئْمٍ حَتَّى نَزَلُوا بِقُبَاءَ، وَذَلِكَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ ضُحًى، وَقَدْ قِيلَ: عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ،

(1/91)


وَأَوَّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، وَقَلَصَتِ الظِّلالُ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَئِسُوا مِنْهُ فَانْصَرَفُوا، وَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَكَانَ فِي نَخْلٍ لَهُ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، يَعْنِي حَظَّكُمْ، فَخَرَجُوا وَتَلَقَّوْهُ، وَدَخَلَ مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَكِلاهُمَا مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ: فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ " أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ "، وَأَقَامَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَدَّى وَدَائِعَ كَانَتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ بِأَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا ثُمَّ يَلْحَقُ بِهِ، فَفَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَنَزَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءٍ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى،

(1/92)


ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا رَاكِبًا نَاقَتَهُ مُتَوَجِّهًا حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلاهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَالِمٍ مِنْهُمُ: الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعَتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ وَيُقِيمَ، فَقَالَ: خَلُّوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَنَهَضَ الأَنْصَارُ حَوْلَهُ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي بَيَاضَةَ، فَتَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ، فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي سَاعِدَةَ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ وَالْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَتَلَقَّاهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَدَعَوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقَاءِ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ: دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتَلَقَّاهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ يَسِيرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فَدَعَوْهُ إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ: دَعُوهَا إِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَمَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى دُورَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدُ تَمْرٍ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، وَكَانَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَكَانَ فِيهِ وَحَوَالَيْهِ نَخْلٌ، وَخِرَبٌ، وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَبَرَكَتِ النَّاقَةُ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى ظَهْرِهَا لَمْ يَنْزِلْ، فَقَامَتْ وَمَشَتْ قَلِيلا وَهُوَ لا يُهَيِّجُهَا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا، فَكَرَّتْ إِلَى مَكَانِهَا وَبَرَكَتْ فِيهِ وَاسْتَقَرَّتْ، فَنَزَلَ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

(1/93)


وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ جُبَارَ بْنَ صَخْرٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، جَعَلَ يَنْخُسُهَا مُنَافَسَةً عَلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي نُزُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ، فَانْتَهَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْعَدَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاقَتِهِ، أَخَذَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ فَحَمَلَهُ إِلَى دَارِهِ، وَنَزَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا عِلْيَتُهُ مَسْكَنُ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ وَيُسْكِنَهُ فِيهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ أَوْ غُبَارٍ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَنَزَلَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَقْسَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَبْدَى الرَّغْبَةَ لَهُ لَيَطْلُعَنَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيَهْبِطُ أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ، وَحُجَرَهُ، وَمَنَازِلَ أَزْوَاجِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إِلَى مَا بَنَى فِي ذَلِكَ الْمِرْبَدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ لِغُلامَيْنِ، فَأَرَادَ شِرَاءَهُ، فَأَبَتْ بَنُو النَّجَّارِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلُوهُ لِلَّهِ، وَعَاوَضُوا الْيَتِيمَيْنِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِلا بِثَمَنٍ، وَاللهُ أَعْلَم

(1/94)


بِنَاءُ مسجد رسول الله:
فبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده، وجعل عضادتيه الحجارة، وَسَوَارِيَهُ جُذُوعَ النخل، وسقفه جريدها بعد أن نبش قبور المشركين وسواها، وسوى الخرب، وقطع النخل، وعمل فيه المسلمون حسبة، ومات أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة في الأيام التي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني فيها مسجده وبيوته، فوجد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدا شديدا، وقد كان كواه من ذبحة نزلت به، وكان نقيبا في بني النجار، فلم يجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عليهم نقيبا

(1/95)


مؤاخاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين:
وآخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنائه المسجد بين الأنصار والمهاجرين، وقد قيل: إن المؤاخاة كانت والمسجد يبنى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت : {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}
رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى نَزَلَتْ : {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وذكر سعيد بْن داود، قَالَ: بَلَغَنَا وَكَتَبْنَا عن شيوخنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى يومئذ بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعويم بْن ساعدة،
قَالَ: ويقال: بين عمر بْن الخطاب ومعاذ بْن عفراء، قَالَ: وقيل

(1/96)


أيضا: بين عمر وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت، وبين علي بْن أبي طالب وسهل بْن حنيف، وبين زيد بْن حارثة وأسيد بْن الحضير، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين الزبير وكعب بْن مالك، وبين طلحة وأبي بْن كعب، وبين سعد بْن أبي وقاص وسعد بْن معاذ، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين عتبة بْن غزوان وأبي دجانة، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين ابن مسعود ومعاذ بْن جبل، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان، وبين أبي عبيدة ومحمد بْن مسلمة، وبين عثمان بْن مظعون وأبي الهيثم بْن التيهان، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، قَالَ الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: ذكر هذا سنيد ولم يسنده إلى أحد، إلا أنه بلغه، والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر في المؤاخاة التي عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار في حين قدومه إلى المدينة، أنه آخى بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت بْن المنذر أخي حسان بْن ثابت،

(1/97)


وآخى بين علي بْن أبي طالب
وبين نفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: أنت أخي في الدنيا والآخرة
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ أَخِي وَصَاحِبِي "
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ -، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ: " وَاللهِ إِنِّي لأَخُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّهُ "
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، وَلا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ

(1/98)


"
وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حُضَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُهَنِيُّ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يَقُولُهَا أَحَدٌ بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ " وآخى بين جعفر بْن أبي طالب وهو بأرض الحبشة ومعاذ بْن جبل، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين الزبير وسلمة بْن سلامة بْن وقش، وبين طلحة وكعب بْن مالك، وبين أبي عبيدة وسعد بْن معاذ، وبين سعد ومحمد بْن مسلمة، وبين سعيد بْن زيد وأبي بْن كعب، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان حليف بني عَبْد الأشهل، وقد قيل: بين عمار وثابت بْن قيس، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين أبي ذر والمنذر بْن عمرو، وبين ابن مسعود وسهل بْن حنيف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وبين بلال وأبي رويحة الخثعمي حليف الأنصار، وبين حاطب بين أبي بلتعة وعويم بْن ساعدة، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين عبيدة بْن الحارث وعمير بْن الحمام، وبين الطفيل بْن الحارث أخيه وسفيان بْن بشر بْن زيد من بني جشم بْن الحارث بْن الخزرج، وبين الحصين بْن الحارث أخيهما وعبد الله بْن جبير، وبين عثمان بْن
مظعون والعباس بْن عبادة، وبين عتبة بْن غزوان ومعاذ بْن ماعص، وبين صفوان بْن بيضاء ورافع بْن المعلى، وبين المقداد بْن عمرو وعبد الله بْن رواحة، وبين ذي الشمالين ويزيد بْن الحارث من بني حارثة بْن ثعلبة بْن كعب بْن الخزرج، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعيد بْن خيثمة، وبين عمير بْن أبي وقاص وخبيب بْن عدي، وبين عَبْد اللهِ بْن مظعون وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وبين شماس بْن عثمان وحنظلة بْن أبي عامر، وبين الأرقم بْن أبي الأرقم وطلحة بْن زيد

(1/99)


الأنصاري، وبين زيد بْن الخطاب ومعن بْن عدي، وبين عمرو بْن سراقة وسعيد بْن زيد من بني عَبْد الأشهل، وبين عاقل بْن البكير ومبشر بْن عَبْد المنذر، وبين عَبْد اللهِ بْن مخرمة وفروة بْن عمرو البياضي، وبين خنيس بْن حذافة والمنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح، وبين أبي سبرة بْن أبي رهم وعبادة بْن الخشخاش، وبين مسطح بْن أثاثة وزيد بْن المزين، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين عكاشة بْن محصن والمجذر بْن ذياد البلوي حليف الأنصار، وبين عامر بْن فهيرة والحارث بْن الصمة، وبين مهجع مولى عمر وسراقة بْن عمرو بْن عطية من بني غنم بْن مالك بْن النجار، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة أيضا، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بْن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بْن عوف، وبين
الزبير وعبد الله بْن مسعود، وبين عبيدة بْن الحارث وبلال، وبين مصعب بْن عمير وسعد بْن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بْن زيد وطلحة بْن عبيد الله، فلما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على ما تقدم ذكرنا له

(1/100)


فرض الزكاة:

ثم فرضت الزكاة، وأسلم عَبْد اللهِ بْن سلام وطائفة من اليهود

كفار اليهود والمنافقون
وكفر جمهور اليهود، ونافق قوم من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم من الأنصار، وأبطنوا الكفر، ففضحهم الله عز وجل بالقرآن، وممن ذكر منهم من بني عمرو بْن عوف أهل قباء: الحارث بْن سويد بْن الصامت منافق، وكان أخوه خلاد بْن سويد من فضلاء الأنصار، وكان أخوهما الخلاس بْن سويد ممن اتهم بالنفاق لنزغة نزغ بها ثم لم يظهر بعد منه إلا النصح للمسلمين والخير والصلاح، ونبتل بْن الحارث، وبجاد بْن عثمان بْن عامر، وأبو حبيبة بْن الأزعر وهو أحد الذين بنوا مسجد الضرار، وعباد بْن حنيف أخو سهل بْن حنيف، وكان أخواه سهل وعثمان من فضلاء الأنصار وصالحيهم، وجارية بْن عامر بْن العطاف، وابناه زيد ومجمع، وقد قيل: إن مجمع بْن جارية لم يصح عنه النفاق، بل صح عنه الإسلام، وَحَمَلَ القرآن، وإنما ذكر منهم، لأن قومه الذين بنوا مسجد الضرار اتخذوه إماما فيه، ومن بني أمية بْن زيد: وديعة بْن ثابت وهو من أصحاب مسجد الضرار اتخذوه إماما، وبشر بْن زيد، وأخوه رافع بْن
زيد،

(1/101)


ومن النبيت من بني حارثة: مربع بْن قيظي، وأخوه أوس بْن قيظي، وحاطب بْن أمية بْن رافع، وكان ابنه يزيد بْن حاطب من الفضلاء، وقزمان حليف لهم قتل نفسه يوم أحد بعد أن أنكى في المشركين، ولم يكن في بني عَبْد الأشهل منافق ولا منافقة رجل ولا امرأة، إلا أن الضحاك بْن ثابت اتهم بشيء لم يصح عليه، ومن الخزرج من بني النجار: رافع بْن وديعة، وزيد بْن عمرو، وعمرو بْن قيس، ومن بني جشم بْن الخزرج: الجد بْن قيس، ومن بني عوف بْن الخزرج: عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، كان رئيس المنافقين وكهفا لهم يأوون إليه، وكان ابنه عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ من صلحاء المسلمين وفضلائهم، ووديعة، وسويد، وداعس، ومالك، وهؤلاء من القواقل، وقيس بْن فهر ممن اتهم بالنفاق والله أعلم، وكان قوم من اليهود نافقوا بعد أن أظهروا الإيمان بالله ورسوله واستبطنوا الكفر منهم: سعد بْن حنيف، وزيد بْن اللصيت، ورافع بْن حريملة، ورفاعة بْن زيد بْن التابوت، وكنانة بْن صوريا

(1/102)