الدرر في اختصار المغازي والسير

مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعوثه:

غزوة ودان، ويقال لها: غزوة الأبواء
وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داعيا بالمدينة إلى الله، ومعلما مما علمه الله باقي شهر ربيع الأول، الشهر الذي قدم فيه المدينة، وباقي العام كله إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة، ثم خرج غازيا في صفر المؤرخ، واستعمل
على المدينة سعد بْن عبادة حتى بلغ ودان، فوادع بني ضمرة بْن عَبْد مناة بْن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بْن عمرو، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وهي أول غزوة غزاها بنفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(1/103)


باب بعث حمزة، وبعث عبيدة:
ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة الأبواء أقام بالمدينة بقية صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر، وفي هذه المدة بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمه حمزة بْن عَبْد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقي أبا جهل في ثلاث مائة راكب من كفار أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بْن عمرو الجهني، وتوادع الفريقان على يديه، فلم يكن بينهما قتال، وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه المدة أيضا عبيدة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف في ستين راكبا من المهاجرين أو ثمانين ليس فيهم من الأنصار أحد، فنهض حتى بلغ أحياء وهي ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فتلقى بها جمعا من قريش عليهم عكرمة بْن أبي جهل، وقيل: كان عليهم مكرز بْن أبي حفص، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بْن أبي وقاص، وكان في ذلك البعث، رَمَى بسهم، فكان أول سهم رُمِيَ به في سبيل الله، وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بْن عمرو، وعقبة بْن غزوان، وكانا قديمي الإسلام إلا أنهما لم يجدا السبيل إلى
اللحاق بالنبي عليه السلام إلى يومئذ،

(1/104)


واختلف أهل السير في أي البعثين كان أول، أبعث حمزة، أو بعث عبيدة؟ فقال ابن إسحاق: أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأول سرية بعثها عبيدة بْن الحارث، قَالَ ابن إسحاق: وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال المدائني: أول سرية بعثها رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمزة بْن عَبْد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة،

فرض صوم رمضان
ثم فرض صوم رمضان سنة إحدى قبل صرف القبلة بعام

غزوة بواط:
ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ربيع الآخر إلى تمام عام من مقدمه المدينة، واستعمل على المدينة السائب بْن عثمان بْن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا

غزوة العشيرة:
فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى، ثم

(1/105)


خرج غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بْن عَبْد الأسد، وأخذ على طريق إلى العشيرة فأقام هنالك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا

غزوة بدر الأولى:
ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العشيرة، لم يُقِمْ بالمدينة إلا عشر ليال أو نحوها حتى أغار كرز بْن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبه
حتى بلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر، وفاته كرز فرجع إلى المدينة

بَعْثُ سعد بْن أبي وقاص:
وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث في حين خروجه لطلب كرز بْن جابر سعد بْن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين، فبلغ إلى الخرار، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وقيل: إنما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلب كرز بْن جابر الفهري

(1/106)


بَعْثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جحش وسَرِيَّتِهِ:
ولما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طلب كرز بْن جابر، وَتُعْرَفُ تلك الْخَرْجَةُ ببدر الأولى، أقام بالمدينة بقية جمادى الآخرة ورجبا، وبعث في رجب عَبْد اللهِ بْن جحش بْن رئاب، ومعه ثمانية رجال من المهاجرين وهم: أَبُو حذيفة بْن عتبة، وعكاشة بْن محصن، وعتبة بْن غزوان، وسهيل بْن بيضاء الفهري، وسعد بْن أبي وقاص، وعامر بْن ربيعة، وواقد بْن عَبْد اللهِ التميمي، وخالد بْن البكير الليثي، وكتب لعبد الله بْن جحش كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يستكره أحدا من أصحابه وكان أميرهم، ففعل عَبْد اللهِ بْن جحش ما أمره به، فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم،

(1/107)


فلما قرأ الكتاب، قَالَ: سمعا وطاعة، ثم أخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكره أحدا منهم، وأنه ناهض
لوجهه مع من طاوعه، وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فقالوا: كلنا نرغب فيما ترغب، وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهض ونهضوا معه، فسلك على الحجاز، وشرد لسعد بْن أبي وقاص وعتبة بْن غزوان جمل كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وَنَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بْن الحضرمي، واسم الحضرمي عَبْد اللهِ بْن عباد من الصدف، والصدف بطن من حضرموت، وعثمان بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة، وأخوه نوفل بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة المخزوميان، والحكم بْن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون، وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فَإِنْ نحن قتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اتفقوا على لقائهم، فرمى واقد بْن عَبْد اللهِ التميمي عمرو بْن الحضرمي بسهم فقتله، وأسروا عثمان بْن عَبْد اللهِ، والحكم بْن كيسان، وَأَفْلَتَ نوفل بْن عَبْد اللهِ، ثم قدموا بالعير والأَسِيرَيْنِ، وقال لهم عَبْد اللهِ بْن جحش: اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعلوا، فكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل القرآن : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فَأَقَرَّ الله ورسوله فِعْلَ عَبْد اللهِ بْن جحش في ذلك ورضيه وسنه للأمة إلى
يوم القيامة، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أسيرين، وعمرو بْن الحضرمي أول قتيل، وأنكر رسول الله قتل عمرو بْن الحضرمي في الشهر الحرام، فَسُقِطَ في أيدي القوم، فأنزل الله عز وجل : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله

(1/108)


ِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفداء في الأسيرين، فأما عثمان بْن عَبْد اللهِ فمات بمكة كافرا، وأما الحكم بْن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استشهد ببئر معونة، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سَالِمَيْنِ

صرف القبلة:
وصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في السنة الثانية على رأس ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وذلك قبل بدر بشهرين، وقد ذكرنا الاختلاف في الصلاة بمكة قبل الهجرة، هل كانت إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس؟ والروايات بالوجهين في كتاب التمهيد في كتاب الاستذكار، وَرُوِيَ أن أول من صلى إلى الكعبة حين صرفت القبلة عن بيت المقدس أَبُو سعيد بْن المعلى، وذلك أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بتحويل القبلة، فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة

(1/109)