الدرر في اختصار المغازي والسير

غزوة بدر الثانية:
وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد بعث عَبْد اللهِ بْن جحش باقي رجب وشعبان، ثم اتصل به في رمضان أن عيرا لقريش عظيمةً، فيها أموال لهم كثيرة، مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا، رئيسهم أَبُو سفيان بْن حرب، وفيهم عمرو بْن العاص، ومخرمة بْن نوفل الزهري، فندب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين إلى تلك العير، وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج، ولم يحتفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحشد، لأنه أراد العير، ولم يعلم أنه يلقى حربا، فاتصل بأبي سفيان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج في طلبهم، فاستأجر ضمضم بْن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة مستصرخا لهم إلى نصر عيرهم، فنهض إلى مكة وهتف بها واستنفر، فخرج أكثر أهل مكة في ذلك النفير، ولم يتخلف من أشرافهم إلا أقلهم، وكان فيمن تخلف من أشرافهم أَبُو لهب، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة لثمان خلون من رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بْن أم مكتوم العامري ليصلي بالمسلمين، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بْن عمير، ودفع الراية الواحدة إلى علي، والثانية إلى رجل من الأنصار، وكانتا سوداوين، وكانت راية الأنصار يومئذ مع سعد بْن معاذ،

(1/110)


وكان مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وعلي، ومرثد بْن أبي مرثد يعتقبون بعيرا، وكان حمزة، وزيد بْن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة موالي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتقبون بعيرا، وكان أَبُو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بْن عوف يعتقبون بعيرا، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الساقة قيس بْن أبي صعصعة من بني النجار، وسلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طريق العقيق إلى ذي الحليفة، إلى ذات الجيش، إلى فج الروحاء، إلى مضيق الصفراء، فلما قرب من الصفراء، بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبس بْن عمرو الجهني حليف بني ساعدة، وعدي بْن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان أخبار أبي سفيان وعيره، واستخبر النبي عليه السلام عن جبلي الصفراء، هل لهما اسم يعرفان به؟ فَأُخْبِرَ عنهما، وعن سكانهما بأسماء كرهها: بنو النار، وبنو حراق بطنان من غفار فتركهما على يساره وأخذ على يمينه، فلما خرج من ذلك الوادي، وأتاه الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم فيما يعملون، فتكلم كثير من المهاجرين، فتمادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشورته، وهو يريد ما تقول الأنصار، فبدر سعد بْن معاذ وقال: يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فَسِرْ بنا يا رسول الله على بركة الله حيث شئت، فَسَرَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وقال: سيروا وأبشروا، فإن الله عز وجل قد
وعدني إحدى الطائفتين،

(1/111)


وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزل قريبا من بدر، وركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع رجال من أصحابه مستخبرا، ثم انصرف، فلما أمسى بعث عليا، والزبير، وسعد بْن أبي وقاص في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج السهميين، وأبو يسار عريض غلام بني سعيد بْن العاص بْن أمية، فَأَتَوْا بهما، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم يصلي، فسألوهما: من أنتما؟ فقالا: نحن سقاة قريش، فكره أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الخبر، وكانوا يرجون أن يكونا من العير لما في العير من الغنيمة وقلة المئونة، ولأن شوكة قريش شديدة، فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان، فسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، وقال: إذا صَدَقَاكُمْ ضربتموهما، وإذا كَذَبَاكُمْ تركتموهما؟ ثم قَالَ لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخبراني أين قريش؟ "، قالا: هم وراء هذا الكثيب، فسألهما: " كم ينحرون كل يوم من الإبل؟ "، قالا: عشرا من الإبل يوما وتسعا يوما، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القوم ما بين التسع مائة إلى الألف "، وكان بسبس بْن عمرو، وعدي بْن أبي الزغباء اللذان بعثهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخبرين قد وصلا إلى ماء بدر، فأناخا بقرب الماء ثم
استقيا في شنهما، ومجدي بْن عمرو بقربهما لم يفطنا به، فسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الحي وإحداهما تقول للأخرى: أعطيني دَيْنِي، فقالت الأخرى: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك، فصدقهما مجدي، وكان عينا لأبي سفيان، ورجع بسبس وعدي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه بما سمعا، ولما قرب أَبُو سفيان من بدر، تقدم وحده حتى أتى ماء بدر، فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فقال: لا، إلا راكبين أناخا إلى هذا التل واستقيا الماء ونهضا، فأتى أَبُو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ، فإذا فيه النَّوَى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع

(1/112)


سريعا حذرا فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجا، وأوحى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا هو والعير فارجعوا، فأبى أَبُو جهل، وقال: والله لا نرجع حتى نرى ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا فتهابنا العرب أبدا، ورجع الأخنس بْن شريق الثقفي حليف بني زهرة بجميع بني زهرة، فلم يشهد بدرا أحد منهم، وكان الأخنس مطاعا فيهم، فقال لهم: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت، وكان قد نفر من جميع بطون قريش جماعة إلا عدي بْن كعب فلم يكن نفر منهم أحد، فلم يحضر بدرا من المشركين عدوي ولا زهري، فسبق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إليه مَطَرٌ أنزله الله عليهم عظيم، ولم يصب منه المسلمين
إلا ما شد لهم دهس الوادي، وأعانهم على السير، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فأشار عليه الحباب بْن المنذر بْن عمرو بْن الجموح بغير ذلك، وقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت هذا المنزل؟ أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فاستحسن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك من رأيه وفعله، وَبُنِيَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش يكون فيه، ومشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مواضع الوقعة يعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفار من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عَدَا واحد منهم مَصْرَعَهُ ذلك الذي حَدَّهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نزلت قريش فيما يليهم بعثوا عمير بْن وهب الجمحي فحزر لهم

(1/113)


أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، منهم فارسان: المقداد والزبير، ثم انصرف، وأراد حكيم بْن حزام وعتبة بْن ربيعة قريشا على الرجوع وترك الحرب، وراما بهم كل مرام، فأبوا، وكان أَبُو جهل هو الذي أبى ذلك، وساعدوه على
رأيه، وبدأت الحرب، فخرج عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، والوليد بْن عتبة يطلبون البراز، فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بْن رواحة الأنصاري، فقالوا: لستم لنا بأكفاء، وأبوا إلا قومهم، فخرج إليهم حمزة بْن عَبْد المطلب، وعبيدة بْن الحارث، وعلي بن أبي طالب، فقتل الله عتبة، وشيبة، والوليد، وَسَلِمَ حمزة، وعبيدة، وعلي، إلا أن عبيدة ضربه عتبة فقطع رجله، وَارْتُثَّ منها فمات بالصفراء، وَعَدَّلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفوف، ورجع إلى العريش ومعه أَبُو بكر، وسائر أصحابه بارزون للقتال إلا سعد ابن معاذ في قوم من الأنصار، فإنهم كانوا وقوفا على باب العريش يحمون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أول قتيل قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بْن الخطاب، أصابه سهم فقتله، وسمع عمير بْن الحمام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحث على القتال، ويرغب في الجهاد، وَيُشَوِّقُ إلى الجنة، وفي يده تمرات يأكلهن، فقال: بخ بخ، أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم رمى بالتمرات وقاتل حتى قتل، ثم منح الله عز وجل المسلمين النصر، وهزم المشركين، وانقطع يومئذ سيف عكاشة بْن محصن، فأعطاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذلا من حطب، وقال له: دونك هذا، فصار في يده سيفا لم يكد الناس يرون مثله، أبيض كالملح، فلم يزل عنده يقاتل به حتى
قتل في الردة رضي الله عنه، وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان،

(1/114)


ثم أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب ورموا فيه، وضم عليهم التراب، ثم وقف عليهم فناداهم: " هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ " فقيل له: يا رسول الله، تنادي أقواما أمواتا قد جَيَّفُوا؟ فقال: " ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون "، ومن هذا المعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه: " إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين "، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأنفال عَبْد اللهِ بْن كعب بْن عمرو الأنصاري، ثم انصرف، فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله عز وجل، وضرب بها عنق النضر بْن الحارث بْن علقمة بْن كلدة العبدري، وهو الذي جاءت ابنته قتيلة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدته: يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ به ميتا بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق أمحمد يا خير ضنء كريمة من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من قتلت قرابة وأحقهم إن كان عتق يعتق فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا
إِنِّي لَوْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ "

(1/115)


وهذا ليس معناه الندم، لأنه عليه السلام لا يقول ولا يفعل إلا حقا، لكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها، وفيه تنبيه على حق الشفاعة والضراعة، ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده، والله أعلم، ثم لما نزل عرق الظبية ضرب عنق عقبة بْن أبي معيط، قَالَ أَبُو عمر: روى عن عبادة بْن الصامت، قَالَ: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر فَلَقُوا العدو، فلما هزمهم الله، اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستلوت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لئلا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استلووا على العسكر والنهب: ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن حويناه واستلوينا عليه، فأنزل الله عز وجل : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، فقسمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فواق بينهم، قَالَ أَبُو عمر: قَالَ أهل العلم بلسان العرب: استلووا: أطافوا وأحاطوا، يقال
: الموت مستلو على العباد، وقوله: فقسمه عن فواق يعني عن سرعة، قالوا: والفواق: ما بين حلبتي الناقة، يقال: انتظره فواق ناقة أَيْ هذا المقدار، ويقولونها بالفتح والضم فَوَاق فُوَاق، وكان هذا قبل أن ينزل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية، وكان المعنى عند العلماء: أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله،
وذكر مُحَمَّد بْن إسحاق قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَبِي الأَشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الأَنْفَالِ، فَقَالَ: " فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَإِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْن

(1/116)


ِ

تسمية من استشهد ببدر من المسلمين
فائدة هذه التسمية معرفة الحق لأهل الحق، وفضيلة السبق لأهل السبق، وحسن العهد، وتجديد الذكر، والمسارعة إلى الدعاء لهم بالرضوان والغفران على اليقين: عبيدة بْن الحارث بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وعمير بْن أبي وقاص، وكانت سنه فيما ذكروا يوم قتل ستة عشر أو سبعة عشر عاما، وعمير بْن الحمام من بني سلمة من الأنصار، وسعد بْن خيثمة بْن بني عمرو بْن عوف من الأوس، وذو الشمالين بْن عَبْد عمرو بْن نضرة الخزاعي حليف بني زهرة، وهو غير ذي اليدين، ذاك سلمي اسمه خرباق، وهو صاحب حديث السهو، ووهم فيه الزهري على جلالة قدره، لأنه بنى على أنه لقب واحد، واعتمد أَبُو العباس المبرد ذلك من كلام ابن شهاب فغلط، ويحقق ذلك أن ذا اليدين روى حديثه أَبُو هريرة، وكان إسلام أبي هريرة بعد قتل ذي الشمالين بسنين عدة، ومبشر بْن عَبْد المنذر الأنصاري من بني عمرو بْن عوف، وعاقل بْن البكير الليثي حليف بني عدي بْن كعب، ومهجع مولى عمر بْن الخطاب رضي الله عنه، وصفوان بْن بيضاء الفهري، ويزيد بْن الحارث الأنصاري من بني الحارث بْن الخزرج، ورافع بْن المعلى الأنصاري، وحارثة بْن سراقة الأنصاري من بني النجار، وعوف ومعوذ ابنا عفراء، الجميع أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، ستة من الأوس، واثنان من الخزرج

(1/117)


تسمية من قتل ببدر من كفار قريش
وهم سبعون رجلا منهم حنظلة بْن أبي سفيان بْن صخر بْن حرب قتله زيد بْن حارثة، وعبيدة بْن سعيد بْن العاص قتله الزبير، وأخوه العاص بْن سعد بْن العاص قتله علي، وعتبة بْن ربيعة قتله علي، وشيبة بْن ربيعة قتله حمزة، والوليد بْن عتبة بْن ربيعة قتله عبيدة بْن الحارث، وقيل: قتله علي، وقيل: اشترك علي وحمزة في قتل عتبة، والوليد، وشيبة، وعقبة بْن أبي معيط قتله عاصم بْن ثابت صبرا، وقيل: بل قتله علي صبرا بأمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بذلك، والحارث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْد مناف قتله علي، وطعيمة بْن عدي بْن نوفل قتله حمزة، وقيل: بل قتل صبرا، والأول أصح، وزمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، وابنه الحارث بْن زمعة، وأخوه عقيل بْن الأسود، وأبو البختري العاص بْن هشام بْن الحارث بْن أسد، ونوفل بْن خويلد بْن أسد قتله علي، وقيل: قتله الزبير، والنضر بْن الحارث قتل صبرا بالصفراء، وعمير بْن عثمان عم طلحة بْن عبيد الله بْن عثمان، وأبو جهل بْن هشام اشترك في قتله معاذ بْن عمرو بْن الجموح ومعوذ بْن عفراء، وأجهز عليه عَبْد اللهِ بْن مسعود وجده وبه رمق فحز رأسه، وأخوه العاص بْن هشام قتله عمر بْن الخطاب وهو خاله، ومسعود بْن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس بْن الوليد بْن المغيرة أخو خالد بْن
الوليد، وقيس بْن الفاكه بْن المغيرة، والسائب بْن السائب بْن أبي السائب المخزومي، وقد قيل: لم يُقْتَلِ السائب يومئذ بل أسلم بعد ذلك،

(1/118)


ومنبه ونبيه ابنا الحجاج بْن عامر السهمي، والعاصي والحارث ابنا منبه بْن الحجاج، وأمية بْن خلف الجمحي، وابنه علي بْن أمية، وسائر السبعين قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره

تسمية من أسر ببدر من كفار قريش
وأسر مالك بْن عبيد الله أخو طلحة فمات أسيرا، وأسر حذيفة بْن أبي حذيفة بْن المغيرة، وأسر من بني مخزوم وحلفائهم يوم بدر أربعة وعشرون رجلا، ومن بني عَبْد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا، منهم عمرو بْن أبي سفيان بْن صخر بْن حرب، والحارث بْن أبي وجزة بْن أبي عمرو بْن أمية، وأبو العاص بْن الربيع بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس صهر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنته زينب، وأسر من بني هاشم يومئذ العباس بْن عَبْد المطلب، وعقيل بْن أبي طالب، ونوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، ومن بني المطلب بْن عَبْد مناف السائب بْن عبيد بْن عَبْد يزيد، والنعمان بْن عمرو، وأسر من سائر قريش عدي بْن الخيار بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وأبو عزيز بْن عمير بْن هاشم أخو مصعب بْن عمير، والسائب بْن أبي حبيش بْن المطلب بْن أسد، والحارث بْن عامر بْن عثمان بْن أسد، وخالد بْن هشام بْن المغيرة المخزومي، وصيفي بْن أبي رفاعة المخزومي، وأخوه أَبُو المنذر بْن أبي رفاعة، والمطلب بْن حنطب المخزومي. ومن ولده الحكم بن المطلب بن عبد الله بن عبد المطلب وكان جوادا جدا، وتزهد في آخر عمره ومات بمنبح، وكان من خيار المسلمين، وفيه قال الشاعر يرثيه

(1/119)


سالوا عن الجود والمعروف ما فعلا ... فقلت إنهما ماتا مع الحكم
وأسر خالد بْن الأعلم الخزاعي، وقيل: إنه عقيلي حليف لهم، وهو القائل:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدِّمَا
وهو أول من فر يوم بدر، فَأُدْرِكَ وَأُسِرَ، وعثمان بْن عَبْد شمس بْن جابر المازني حليف لهم، وهو ابن عم عتبة بْن غزوان، وأمية بْن أبي حذيفة بْن
المغيرة، وأبو قيس بْن الوليد أخو خالد بْن الوليد، وعثمان بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة، وأبو عطاء عَبْد اللهِ بْن أبي السائب بْن عابد المخزومي، وأبو وداعة بْن صبيرة السهمي، وهو أول أسير فُدِيَ منهم، وعبد الله بْن أبي بْن خلف الجمحي، وأخوه عمرو بْن أُبَيٍّ، وأبو عزة عمرو بْن عَبْد اللهِ بْن عثمان بْن أهيب بْن حذافة بْن جمح الجمحي، وسهيل بْن عمرو العامري، وعَبْد بْن زمعة بْن قيس العامري، وعبد الله بْن حميد بْن زهير الأسدي، فهؤلاء مشاهير من قُتِلَ، ومشاهير من أُسِرَ، ولا يختلفون في أن القتلى يومئذ سبعون، والأسرى سبعون في الجملة، وقد يختلفون في تفصيل ذلك

(1/120)


قَالَ أَبُو عمر: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عقبة بْن أبي معيط صبرا
كما رواه حماد بْن سلمة، عن عطاء بْن السائب، عن عامر الشعبي، قَالَ: لما أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل عقبة بْن أبي معيط عدو الله، قَالَ: أتقتلني يا مُحَمَّد من بين سائر قريش؟ قَالَ: " نعم، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي وجعل يغمزها، فما رفعها ظننت أن عيني تندران، أو قَالَ: تسقطان، ثم مرة أخرى جاء بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد خلف المقام، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي

تسمية من شهد بدرا من المهاجرين من بني هاشم بْن عَبْد مناف
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمزة، وعلي، ومن مواليهم: زيد بْن حارثة الكلبي، وأنسة حبشي، أَبُو كبشة فارسي، ومن حلفائهم: أَبُو مرثد الغنوي حليف حمزة، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، ثمانية رجال، ثلاثة من أنفسهم، وثلاثة من مواليهم، واثنان من حلفائهم، ومن بني المطلب بْن عَبْد مناف: عبيدة بْن الحارث، وأخواه الطفيل والحصين ابنا الحارث بْن المطلب، ومسطح بْن أثاثة، أربعة رجال، ومن بني عَبْد شمس بْن عَبْد مناف: عثمان بْن عفان يعد فيهم لأنه تخلف على رقية ابنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمره، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه، قَالَ له: وَأَجْرِي يا رسول الله، قَالَ: وأجرك، وأبو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة، قيل: اسمه عامر،

(1/121)


وقيل: اسمه قيس، وقيل: مهشم، وسالم مولاه، وكان يُدْعَى يومئذ ابنه، ومن مواليهم: صبيح مولى سعيد بْن العاص بْن أمية، وقيل: إن صبيحا تجهز للخروج إلى بدر فمرض، فحمل على بعيره أبا سلمة بْن عَبْد الأسد، ثم شهد صبيح بعد ذلك سائر المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن حلفائهم: عَبْد اللهِ بْن جحش الأسدي، وعكاشة بْن محصن الأسدي، وأخواه سنان بْن محصن وأبو سنان بْن محصن، وابنه سنان بْن أبي سنان، وشجاع بْن وهب الأسدي،
وأخوه عقبة بْن وهب، ويزيد بْن رقيش بْن رئاب الأسدي، ومحرز بْن نضلة الأسدي، وربيعة بْن أكثم بْن سخبرة الأسدي، ومن حلفاء بني أسد بْن خزيمة: ثقف بْن عمرو، ومدلج، وقيل: مدلاج بْن عمرو، وأخوهما مالك بْن عمرو من بني سليم، وأبو مخشي سويد بْن مخشي الطائي، ثمانية عشر أو سبعة عشر رجلا، اثنان من أنفسهم، واثنان من مواليهم، وعشرة من حلفائهم من بني أسد بْن خزيمة، ومن حلفاء بني أسد بْن خزيمة أربعة، ومن بني نوفل بْن عَبْد مناف، شهدها من حلفائهم، ولم يشهدها من أنفسهم أحد، عتبة بْن غزوان بْن جابر بْن وهب المازني، وخباب مولى عتبة بْن غزوان، وليس بخباب بْن الأرت، رجلان، ومن بني أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي: الزبير بْن العوام، وحاطب بْن أبي بلتعة حليف لهم، وسعد مولى حاطب، ثلاثة رجال، اثنان منهم حليفان، ومن بني عَبْد الدار بْن قصي: مصعب بْن عمير، وسويبط بْن سعد بْن حرملة، رجلان من أنفسهم،

(1/122)


ومن بني زهرة بْن كلاب: عَبْد الرحمن بْن عوف، وسعد بْن أبي وقاص، وأخوه عمير بْن أبي وقاص، ثلاثة رجال، ومن حلفائهم: المقداد بْن عمرو البهرائي، يعرف بالمقداد بْن الأسود، لأن الأسود بْن عَبْد يغوث الزهري كان قد تبناه قبل الإسلام، وعبد الله بْن مسعود الهذلي حليف لهم، ومسعود بْن ربيعة بْن عمرو القاري من ولد الهون بْن خزيمة
بْن مدركة، وهم القارة حلفاء بني زهرة، وذو الشمالين عمير بْن عَبْد عمرو بْن نضلة الخزاعي حليف لهم، وخباب بْن الأرت حليف لهم، يقال: إنه خزاعي، ويقال: إنه تميمي، وقد ذكرنا الاختلاف في نسبه وولائه وحلفه في باب اسمه من كتاب الصحابة، خمسة رجال تتمة ثمانية، ومن بني تيم بْن مرة: أَبُو بكر الصديق، وبلال بْن رباح مولاه، وعامر بْن فهيرة مولاه، وكان من مُوَلَّدِي الأزد، وصهيب بْن سنان النمري حليف عَبْد اللهِ بْن جدعان التيمي، وطلحة بْن عبيد الله بْن عثمان كان بالشام في تجارة، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره، فيعد لذلك في أهل بدر خمسة رجال، اثنان من أنفسهم، واثنان من مواليهم، وواحد حليف لهم، ومن بني مخزوم بْن يقظة: أَبُو سلمة بْن عَبْد الأسد واسمه عَبْد اللهِ، وشماس بْن عثمان بْن الشريد واسمه عثمان بْن عثمان، والأرقم بْن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عَبْد مناف، وعمار بْن ياسر العنسي مولى لهم، ومعتب بْن عوف السلولي ثم الخزاعي حليف لهم، خمسة رجال، ثلاثة من أنفسهم، وواحد مولى لهم، وواحد من حلفائهم، ومن بني عدي بْن كعب: عمر بْن الخطاب بْن نفيل، وأخوه زيد بْن الخطاب، وعمرو بْن سراقة بْن المعتمر، وأخوه عَبْد اللهِ بْن سراقة، وسعيد بْن زيد بْن عمرو بْن نفيل كان غائبا بالشام، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره
، فهو معدود في البدريين، ومهجع مولى عمر بْن الخطاب، ومن حلفائهم واقد بْن عَبْد اللهِ اليربوعي التميمي، وخولي، ومالك

(1/123)


ابنا أبي خولي من بني عجل بْن لجيم، وعامر بْن ربيعة العنزي، وعامر، وعاقل، وخالد، وإياس بنو البكير بْن عَبْد يا ليل الليثيون، من بني سعد بْن ليث، أربعة عشر رجلا، خمسة من أنفسهم، وواحد من مواليهم، وثمانية من حلفائهم، ومن بني جمح: عثمان، وقدامة، وعبد الله بنو مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، ومعمر بْن الحارث بْن معمر بْن حبيب، خمسة رجال، ومن بني سهم بْن هصيص: خنيس بْن حذافة رجل واحد، ومن بني عامر بْن لؤي: أَبُو سبرة بْن أبي رهم بْن عَبْد العزى، وعبد الله بْن مخرمة بْن عَبْد العزى، وعبد الله بْن سهيل بْن عمرو خرج مع المشركين، فلما التقى الجمعان فر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهب بْن سعد بْن أبي سرح، وحاطب بْن عمرو، وعمير بْن عوف، وسعد بْن خولة حليف لهم من اليمن، سبعة رجال، خمسة من أنفسهم، ومولى لهم، وحليف، ومن بني الحارث بْن فهر: أَبُو عبيدة بْن الجراح واسمه عامر بْن عَبْد اللهِ بْن الجراح، وعمرو بْن الحارث بْن زهير، وسهيل بْن وهب بْن ربيعة، وأخواه صفوان بْن وهب وهما ابنا بيضاء، وعمرو بْن أبي سرح بْن ربيعة،
وعياض بْن زهير، ستة رجال كلهم من أنفسهم،

(1/124)


فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ستة وثمانون رجلا، كلهم شهدها بنفسه إلا ثلاثة رجال وهم: عثمان، وطلحة، وسعيد بْن زيد، ضرب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهامهم وأجورهم، فهم كمن شهدها إن شاء الله، ومنهم من صليبة قريش أحد وأربعون رجلا، وسائرهم حلفاء لهم وموال، وجميعهم مهاجري بدر رحمهم الله ورضي عنهم

تسمية من شهد بدرا من الأنصار
ذكر من شهد بدرا من الأوس
شهدها من الأوس: حارثة بْن ثعلبة بْن عمرو بْن عامر، ثم من بني عَبْد الأشهل: سعد بْن معاذ الأشهلي، وأخوه عمرو بْن معاذ، وابن أخيه الحارث بْن أوس بْن معاذ، ومن بني عَبْد الأشهل أيضا: الحارث بْن أنس بْن رافع، وسعد بْن زيد بْن مالك بْن عبيد، وسلمة بْن سلامة بْن وقش، وعباد بْن بشر بْن وقش، وسلمة بْن ثابت بْن وقش، ورافع بْن يزيد بْن كرز من بني زعورا بْن عَبْد الأشهل، ومن حلفائهم: الحارث بن خزمة بْن عدي،

(1/125)


خرج عن قومه وحالف بني زعورا بْن عَبْد الأشهل، ومحمد بْن سلمة من بني الحارث بْن الخزرج، خرج عن قومه وحالف بني زعورا، وسلمة بْن أسلم بْن حريش، خرج أيضا عن قومه بني الحارث بْن الخزرج وحالف بني زعورا، وأبو الهيثم بْن التيهان، وأخوه عبيد، ويقال: عتيك بْن التيهان، وعبد الله بْن سهل، ويقال: إنه من نفس بني زعورا خمسة عشر رجلا، ومن بني ظفر واسمه كعب بْن الخزرج بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: قتادة بْن النعمان، وعبيد بْن أوس ويعرف بمقرن، لأنه أسر أربعة من المشركين فقرنهم وساقهم، ونصر بْن الحارث بْن عبيد، ومعتب بْن عبيد، ومن حلفائهم: عَبْد اللهِ بْن طارق البلوي، خمسة رجال، ومن بني حارثة بْن الحارث بْن الخزرج بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: مسعود بْن سعد بْن عامر، وأبو
عبس بْن جبر بْن عمرو، ومن حلفائهم: أَبُو بردة بْن نيار البلوي، واسمه هانئ بْن نيار بْن عمرو بْن عبيد بْن كلاب، من بلي بْن عمرو بْن الحاف بْن قضاعة ثلاثة رجال، ومن بني عوف بْن مالك بْن الأوس، ثم من بني ضبيعة بْن زيد: عاصم بْن ثابت بْن أبي الأقلح، واسم أبي الأقلح قيس بْن عصمة بْن النعمان بْن مالك بْن أمية بْن ضبيعة، ومعتب بْن قشير بْن مليل، وقد قيل: إن معتب بْن قشير من المنافقين، والله أعلم، وأبو مليل

(1/126)


بن الأزعر بْن زيد بْن العطاف بْن ضبيعة، وعمير بْن معبد بْن الأزعر، وسهل بْن حنيف بْن واهب، خمسة رجال، ومن بني أمية بْن زيد بْن مالك بْن عوف: أَبُو لبابة بشير، وأخوه مبشر، وأخوهما رفاعة بنو عَبْد المنذر بْن زنبر بْن أمية بْن زيد، وسعد بْن عبيد بْن النعمان، وعويم بْن ساعدة بْن عائش بْن قيس بْن النعمان بْن زيد بْن أمية بْن زيد، ورافع بْن عنجدة وهي أمه، وعبيد بْن أبي عبيد، وثعلب بْن حاطب، وقد قيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد أبا لبابة، والحارث بْن حاطب إلى المدينة، وَأَمَّرَ أبا لبابة عليها، وضرب لهما بسهميهما وأجرهما تسعة رجال، وقيل: إن ثعلبة بْن حاطب هو الذي نزلت فيه : {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} الآيات، إذ منع الزكاة والله أعلم، وما جاء فيمن
شهد بدرا يعارضه قوله تعالى : {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ} الآية، ولعل قول من قَالَ في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح والله أعلم، ومن بني عبيد بْن زيد بْن مالك بْن عوف: أنيس بْن قتادة بْن ربيعة بْن خالد بْن الحارث بْن عبيد، ومن حلفائهم من بلي: معن بْن عدي بْن الجد بْن عجلان بْن ضبيعة، وثابت بْن أقرم بْن ثعلبة، وعبد الله بْن سلمة بْن مالك، وزيد بْن أسلم بْن ثعلبة، وربعي بْن رافع بْن زيد، وخرج عاصم بْن عدي بْن الجد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرده وضرب له بسهمه وأجره سبعة رجال،

(1/127)


ومن بني معاوية بْن مالك بْن عوف بْن عمرو بْن عوف: جبر بْن عتيك بْن الحارث، ومالك بْن نميلة المزني حليف لهم، والنعمان بْن عصر البلوي حليف لهم، ثلاثة رجال، ومن بني ثعلبة بْن عمرو بْن عوف: عَبْد اللهِ بْن جبير بْن النعمان، وأخوه خوات بْن جبير بْن النعمان رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرب له بسهمه وأجره، وعاصم بْن قيس بْن ثابت بْن النعمان، وأخوه أَبُو ضياح بْن ثابت بْن النعمان، وأخوه أَبُو حية بْن ثابت بْن النعمان، وسالم بْن عمير بْن ثابت بْن النعمان، والحارث بْن النعمان بْن أمية بْن البرك، واسم البرك امرؤ القيس بْن ثعلبة بْن عمرو بْن عوف، سبعة رجال، ومن بني
جحجبي بْن كلفة بْن عوف بْن عمرو بْن مالك بْن الأوس: منذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح بْن الحريش بْن جحجبي، ومن حلفائهم: أَبُو عقيل بْن عَبْد اللهِ بْن ثعلبة البلوي، رجلان، ومن بني غنم بْن السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس: سعد بْن خيثمة بْن الحارث، ومولاه تميم، والحارث بْن عرفجة، ومنذر بْن قدامة بْن عرفجة، ومالك بْن قدامة بْن عرفجة، خمسة رجال، وجميعهم واحد وستون رجلا على حسب ما ذكرنا ممن شهدها بنفسه، ومن أُسْهِمَ له فيها بسهم

(1/128)


ذكر من شهد بدرا من الخزرج
وشهد بدرا من الخزرج بْن حارثة ثم من بني كعب بْن الخزرج بْن الحارث بْن الخزرج: خارجة بْن زيد بْن أبي زهير بْن مالك بْن امرئ القيس بْن مالك بْن ثعلبة بْن كعب بْن الخزرج، وسعد بْن الربيع بْن عمرو بْن أبي زهير، وعبد الله بْن رواحة بْن ثعلبة بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن امرئ القيس بْن مالك، وخلاد بْن سويد بْن ثعلبة، وبشير بْن سعد بْن ثعلبة، وأخوه سماك بْن سعد، وسبيع بْن قيس بْن عبسة، ويقال: عيشة، وأخوه عباد بْن قيس، وعبد الله بْن عبس، ويزيد بْن الحارث بْن قيس، يقال له: ابن فسحم، عشرة رجال، ومن بني جشم وزيد ابني الحارث بْن الخزرج وهما التوءمان: خبيب بْن إساف بْن عتبة، وعبد الله بْن زيد بْن ثعلبة صاحب الأذان، وأخوه حريث بْن زيد، وسفيان بْن نسر بْن عمرو، أربعة رجال، ومن بني جدارة بْن عوف بْن الحارث بْن الخزرج: تميم بْن يعار بْن قيس، وعبد الله بْن عمير، وزيد بْن المزين بْن قيس، وعبد الله بْن عرفطة بْن عدي بْن أمية بْن جدارة، أربعة رجال،

(1/129)


ومن بني الأبجر وهو خدرة بْن عوف بْن الحارث بْن الخزرج، أخو جدارة عَبْد اللهِ بْن ربيع بْن قيس بْن عمرو بْن عباد بْن الأبجر رجل واحد، وأصل الخدرة الخمس الثاني من الليل، والخمس الأول الهزيع، والخمس الثالث اليعفور، والرابع السدفة، ذكره
كراع، ومن بني عوف بْن الخزرج ثم من بني الحبلى: عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ بْن أُبَيِّ بْن سلول، وسلول أم أبي بْن مالك بْن الحارث بْن عبيد، وأوس بْن خولى بْن عَبْد اللهِ بْن الحارث بْن عبيد، رجلان، ومن بني جزء بْن عدي بْن مالك بْن سالم: زيد بْن وديعة بْن عمرو بْن قيس بْن جزء، وعقبة بْن وهب بْن كلدة حليف لهم من بني عَبْد اللهِ بْن غطفان، رجلان، ومن بني ثعلب بْن مالك بْن سالم: رفاعة بْن عمرو بْن زيد بْن عمرو بْن ثعلبة، وعامر، ويقال: عمرو بْن سلمة بْن عامر حليف لهم من اليمن، رجلان، ومن بني المقدام بْن سالم بْن غنم: أَبُو حميضة معبد بْن عباد بْن قشير بْن المقدم بْن سالم، وعامر بْن البكير حليف لهم، ويقال: عاصم بْن العكير، رجلان، ومن بني سالم بْن عوف بْن عمرو بْن عوف بْن الخزرج، ثم من بني العجلان بْن زيد بْن غنم بْن سالم: عتبان بْن مالك بْن عمرو بْن العجلان، ونوفل بْن عَبْد اللهِ بْن نضلة بْن مالك بْن العجلان، رجلان، ومن بني أصرم بْن فهر بْن ثعلبة بْن غنم بْن سالم بْن عوف، وقد قيل: إنه غنم بْن عوف أخو سالم بْن عوف بْن الخزرج: عبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم، وأخوه أوس بْن الصامت، رجلان،

(1/130)


ومن بني دعد بْن فهر بْن ثعلبة بْن غنم: النعمان بْن مالك بْن
ثعلبة، وثعلبة هو قوقل، رجل واحد، ومن بني قريوش، ويقال: قريوس بْن غنم بْن أمية بْن لوذان بْن سالم بْن عوف: ثابت بْن هزال بْن ثابت بْن عمرو بْن قريوش، رجل واحد، ومن بني مرضخة، وهو عمرو بْن غنم بْن أمية بْن لوذان: مالك بْن الدخشم بْن مالك بْن الدخشم بْن مرضخة، والربيع، وورقة، وعمرو بنو إياس بْن عمرو بْن غنم بْن أمية بْن لوذان، وقد قيل: إن عمرو بْن إياس ليس بأخ لهما، وإنه حليف لهم من اليمن، ومن حلفائهم من قضاعة: المجذر بْن زياد بْن عمرو البلوي، واسم المجذر عَبْد اللهِ، وعبادة بْن الخشخاش بْن عمرو بْن زمزمة، وبحاث، ويقال: نحاب بْن ثعلبة بْن حزمة، وعبد الله بْن ثعلبة بْن حزمة، وعتبة بْن ربيعة بْن خالد البهرائي من قضاعة، وقيل: البهزي من بهز بْن سليم حليف لهم، ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج، ثم من بني ثعلبة بْن الخزرج بْن ساعدة: أَبُو دجانة سماك بْن خرشة، ويقال: سماك بْن أوس بْن خرشة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثعلبة، والمنذر بْن عمرو بْن خنيس بْن حارثة بْن لوذان بْن عَبْد ود بْن زيد بْن ثعلبة، رجلان،

(1/131)


ومن بني عمرو بْن الخزرج بْن ساعدة: أَبُو أسيد مالك بْن ربيعة بْن البدن بْن عامر بْن عوف بْن حارثة بْن عمرو بْن الخزرج بْن ساعدة، ومالك بْن مسعود بْن البدن،
رجلان، ومن بني طريف بْن الخزرج بْن ساعدة: عَبْد ربه بْن حق بْن أوس بْن وقش بْن ثعلبة بْن طريف بْن الخزرج بْن ساعدة، ومن حلفائهم كعب بْن حمار بْن ثعلبة الجهني، وضمرة، وزياد، وبسبس بنو عمرو، وعبد الله بْن عامر من بلي، ومن بني سلمة بْن سعد بْن علي بْن أسد بْن ساردة بْن تزيد بْن جشم بْن الخزرج: خراش بْن الصمة بْن عمرو بْن الجموح بْن زيد بْن حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وأبوه الصمة بْن عمرو، والحباب بْن المنذر بْن الجموح، وعمير بْن الحمام، وتميم مولى خراش بْن الصمة، وعبد الله بْن عمرو بْن حرام بْن ثعلبة بْن حرام بْن كعب، ومعاذ بْن معوذ ابنا عمرو بْن الجموح، وأخوهما خلاد بْن عمرو بْن الجموح، وعقبة بْن عامر من بني نابي بْن زيد بْن حرام، وحبيب بْن أسود مولى لهم، وعمير بْن الحارث بْن ثعلبة بْن الحارث بْن حرام،

(1/132)


وبشر بْن البراء بْن معرور بْن صخر بْن مالك بْن خنساء، والطفيل بْن مالك بْن خنساء، والطفيل بْن النعمان بْن خنساء، وسنان بْن صيفي بْن صخر بْن خنساء، وعبد الله بْن الجد بْن قيس بْن صخر بْن خنساء، وعتبة بْن عَبْد اللهِ بْن صخر بْن خنساء، وجبار بْن أمية بْن صخر بْن خنساء، وقد قيل: إن جبار بْن صخر بْن أمية بْن خناس، وخناس وخنساء أخوان، وخارجة بْن حمير، وأخوه عَبْد اللهِ بْن حمير
حليفان لهم من أشجع، ويزيد بْن المنذر بْن سرح بْن خناس، وأخوه معقل بْن المنذر، وعبد الله بْن النعمان بْن بلدمة، والضحاك حارثة بْن زيد بْن ثعلبة بْن عبيد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وسواد بْن رزق بْن زيد بْن ثعلبة بْن عبيد بْن غنم، ومعَبْد بْن قيس بْن صخر بْن حرام بْن ربيعة بْن عدي بْن غنم، وعبد الله بْن قيس بْن صخر بْن حرام، وعبد الله بْن عَبْد مناف بْن النعمان بْن سنان بْن عبيد، وجابر بْن عَبْد اللهِ بْن رئاب بْن النعمان بْن سنان بْن عبيد، وخليدة بْن قيس بْن النعمان، والنعمان بْن يسار مولى لهم، وأبو المنذر يزيد بْن عامر بْن حديدة بْن عمرو بْن سواد بْن غنم بْن كعب بْن سلمة، وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وسليم بْن عمرو بْن حديدة، وعنترة مولاه، ويقال: إن عنترة هذا من بني سليم، وعبس بْن عامر بْن عدي بْن نابي بْن عمرو بْن سواد بْن غنم، وثعلبة بْن عنمة بْن عدي، وأبو اليسر كعب بْن عمرو بْن عباد بْن عمرو بْن سواد بْن غنم، وسهل بْن سعد بْن قيس بْن أبي كعب بْن القين بْن كعب بْن سواد بْن غنم، وعمرو بْن طلق بْن زيد بْن أمية بْن سنان بْن كعب بْن غنم،

(1/133)


ومن بني أدي بْن سعد أخي سلمة بْن سعد بْن علي: معاذ بْن جبل بْن عمرو بْن أوس بْن عائذ بْن عدي بْن كعب بْن عمرو بْن أدي بْن سعد
، أخي سلمة بْن سعد، ومن بني زريق بْن عامر بْن زريق بْن عَبْد حارثة بْن مالك بْن غضب بْن جشم بْن الخزرج: قيس بْن محصن بْن خالد بْن مخلد بْن عامر بْن زريق، وأبو خالد الحارث بْن قيس بْن خالد بْن مخلد، وجبير بْن إياس بْن خالد بْن مخلد، وأبو عبادة سعد بْن عثمان بْن خلدة بْن مخلد، وأخوه عقبة بْن عثمان، وذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بْن مخلد، ومسعود بْن خلدة بْن عامر بْن مخلد، وعباد بْن قيس بْن عامر بْن خالد بْن عامر بْن زريق، وأسعد بْن يزيد بْن الفاكه بْن زيد بْن خلدة بْن عامر بْن زريق، والفاكه بْن بشر بْن الفاكه بْن زيد بْن خلدة، ومعاذ بْن ماعص بْن قيس بْن خلدة بْن زريق، وأخوه عائذ بْن ماعص، وعمهما مسعود بْن سعد بْن قيس، ومن بني العجلان بْن عمرو بْن عامر بْن زريق: رفاعة بْن رافع بْن العجلان، وأخوه خلاد بْن رافع، وعبيد بْن زيد بْن عامر بْن العجلان، ومن بني بياضة بْن عامر بْن زريق: زياد بْن لبيد بْن ثعلبة بْن سنان بْن عامر بْن عدي بْن أمية بْن بياضة، وفروة بْن عمرو بْن ودفة بْن عبيد بْن عامر بْن بياضة، وخالد بْن قيس بْن مالك بْن العجلان بْن عامر بْن بياضة، ورجيلة بْن ثعلبة بْن خالد بْن ثعلبة بْن عامر بْن بياضة، وعطية بْن نويرة بْن عامر بْن عطية بْن عامر بْن بياضة، وخليفة بْن عدي بْن
عمرو بْن مالك بْن عامر بْن بياضة،

(1/134)


ومن بني حبيب بْن عَبْد حارثة أخي زريق: رافع بْن المعلى بْن لوذان بْن حارثة بْن عدي بْن زيد بْن ثعلبة بْن زيد مناة بْن حبيب بْن عَبْد حارثة بْن مالك بْن غضب بْن جشم بْن الخزرج، ومن بني النجار، وهو تيم الله بْن ثعلبة بْن عمرو بْن الخزرج، ثم من بني غنم بْن مالك بن النجار: أَبُو أيوب خالد بْن زيد بْن كليب بْن ثعلبة بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وثابت بْن خالد بْن النعمان بْن خنساء بْن عسيرة بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وعمارة بْن حزم بْن زيد بْن لوذان بْن عمرو بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وسراقة بْن كعب بْن عبد العزى بْن غزية بْن عمرو بْن عَبْد بْن عوف بْن غنم، وحارثة بْن النعمان بْن نفع بْن زيد بْن عبيد بْن ثعلبة بْن غنم، وسليم بْن قيس بْن قهد، واسم قهد خالد بْن قيس بْن ثعلبة بْن غنم، وسهيل بْن رافع بْن أبي عمرو بْن عائذ بْن ثعلبة بْن غنم، وعدي بْن أبي الزغباء حليف لهم من جهينة، ومسعود بْن أوس بْن زيد بْن أصرم بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وأبو خزيمة بْن أوس بْن زيد بْن أصرم بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم، ورافع بْن الحارث بْن سواد بْن زيد بْن ثعلبة بْن غنم، وعوف، ومعوذ، ومعاذ بنو
الحارث بْن رفاعة بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار وهم بنو عفراء، ويقال: إن أبا الحمراء مولى الحارث بْن عفراء شهد بدرا، والنعمان بْن عمرو بْن رفاعة بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار، وعامر بْن مخلد بْن الحارث بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار،

(1/135)


وعبد الله بْن قيس بْن خالد بْن خلدة بْن الحارث بْن سواد بْن مالك بن غنم بْن مالك بْن النجار، وعصيمة حليف لهم من أشجع، ووديعة بْن عمرو حليف لهم من جهينة، وثابت بْن عمرو بْن زيد بْن عدي بْن سواد بْن مالك بْن غنم بْن مالك بْن النجار، ومن بني مبذول، واسمه عامر بْن مالك بْن النجار، ثم من بني عمرو بْن عتيك بْن عمرو بْن مبذول: ثعلبة بْن عمرو بْن محصن بْن عمرو بْن عتيك، وسهل بْن عتيك بْن النعمان بْن عمرو بْن عتيك، والحارث بْن الصمة بْن عمرو بْن عتيك، كسر به بالروحاء، فضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه، ومن بني معاوية بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وهم بنو حديلة: أُبَيُّ بْن كعب بْن قس بْن عبيد بْن زيد بْن معاوية، وأنس بْن معاذ بْن أنس بْن قيس بْن عبيد بْن زيد بْن معاوية بن عمرو بْن مالك بْن النجار، ومن بني عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وهم بنو مغالة، فَنُسِبُوا إلى أمهم امرأةٍ من كنانة: أوس بْن ثابت بْن المنذر
بْن حرام بْن عمرو بْن زيد مناة بْن عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، وأبو شيخ بْن أبي بْن ثابت، وقيل: أَبُو شيخ بْن ثابت أخو حسان بْن ثابت، وأوس بْن ثابت، وأبو طلحة زيد بْن سهل بْن الأسود بْن حرام بْن عمرو بْن زيد مناة بْن عدي بْن عمرو بْن مالك بْن النجار، انقضى بنو مالك بْن النجار، ومن بني عدي بْن النجار: حارثة بْن سراقة بْن الحارث بْن عدي بْن مالك بْن عدي بْن عامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وعمرو بْن ثعلبة بْن وهب بْن عدي بْن مالك بْن عدي بْن عامر بن غنم بْن عدي بْن النجار، وهو أَبُو حكيم، وسليط بْن قيس بْن عمرو بْن عتيك بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وأبو سليط أسيرة بن عمرو، وهو أَبُو خارجة بْن قيس بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وثابت بْن خنساء

(1/136)


بْن عمرو بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وعامر بْن أمية بْن زيد بْن الحسحاس بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، ومحرز بْن عامر بْن مالك بْن عدي بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وسواد بْن غزية بْن أهيب حليف لهم من بلي، وأبو زيد قيس بْن سكن بْن قيس بْن زعوراء بْن حرام بْن جندب بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، وأبو الأعور الحارث
بْن ظالم، ويقال: أَبُو الأعور بْن الحارث بْن ظالم بْن عبس بْن حرام بْن جندب، وسليم، وحرام ابنا ملحان، واسم ملحان مالك بْن خالد بْن زيد بْن حرام بْن جندب بْن عامر بْن غنم بْن عدي بْن النجار، ومن بني مازن بْن النجار قيس بْن أبي صعصعة، واسم أبي صعصعة عمرو بْن زيد بْن عوف بْن مبذول بْن عمرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار، وعبد الله بْن كعب بْن عمرو بْن عوف بْن مبذول، وعصيمة حليف لهم من بني أسد بْن خزيمة، وأبو داود عمير بْن عامر بْن مالك بْن خنساء بْن مبذول، وسارقة بْن عمرو بْن عطية بْن خنساء بْن مبذول، وقيس بْن مخلد بْن ثعلبة بْن صخر بْن حبيب بْن الحارث بْن ثعلبة بْن مازن بْن النجار، ومن بني دينار بْن النجار النعمان بْن عَبْد عمرو بْن مسعود بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بن دينار بْن النجار، وأخوه الضحاك بْن عَبْد عمرو، وسليم بْن الحارث بْن ثعلبة بْن كعب بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار بْن النجار، وجابر بْن خالد بْن مسعود بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار، وسعد بْن سهيل بْن عَبْد الأشهل بْن حارثة بْن دينار،

(1/137)


وكعب بْن زيد بْن قيس بْن مالك بْن كعب بْن حارثة بْن دينار، وبجير بْن أبي بجير حليف لهم من بني عبس بْن بغيض، فجميع من شهد بدرا على ما وصفنا من الخزرج بْن حارثة، مائة وسبعون رجلا، وجميع أهل بدر على ما ذكرنا،
ثلاث مائة رجل وسبعة عشر رجلا، وقد ذكرنا من غاب عنها وضرب له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره فيها

(1/138)


فصل:
قَالَ الفقيه أَبُو عمر رضي الله عنه: فلما أوقع الله عز وجل بالمشركين يوم بدر، واستأصل وجوههم، قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة، فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع مُحَمَّد فنقتلهم بمن قتل منا ببدر

بَعْثُ مُشْرِكِي قريش عَمْرَو بْنَ العاص، وَابْنَ أبي ربيعة إلى النجاشي:
وبالإسناد قَالَ الفقيه أَبُو عمر:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن بكر، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن السرح، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابن وهب، قَالَ: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قَالَ: بلغني أن مخرج عمرو بْن العاص، وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر، فلما بلغ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْرَجُهُمَا، بعث عمرو بْن أمية الضمري من المدينة إلى النجاشي بكتاب
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،

(1/139)


أَنَّ الْهِجْرَةَ الأُولَى هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنَّهُ هَاجَرَ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِامْرَأَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ ِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ، وَهَاجَرَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ذَوُو عَدَدٍ، لَيْسَ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَلَمَّا أُرِيَ رَسُولُ اللهِ دَارَ هِجْرَتِهِمْ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: " قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبَخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ " فَهَاجَرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَرَجَعَ رِجَالٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ سَمِعُوا بِذَلِكَ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بِابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَبَسَ مُكْثٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَحَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ شِهَابٍ، وَرِجَالا ذَوِي عَدَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبُ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَقَتَلَ اللهُ فِيهَا صَنَادِيدَ الْكُفَّارِ، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنَّ ثَأْرَكُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَابْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ ذَوِي رَأْيِكُمْ لَعَلَّهُ يُعْطِيكُمْ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَتَقْتُلُونَهُمْ بِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ بِبَدْرٍ، فَبَعَثَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَهْدَوْا لِلنَّجَاشِيِّ وَلِعُظَمَاءِ الْحَبَشَةِ هَدَايَا، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَكَلَّمَ النَّجَاشَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلا عَلَى دِينِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ: صَدَقَ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَلا وَاللهِ لا أَدْفَعُهُمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ فَأَنْظُرَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فِيهِمْ، وَأَجْلَسَ مَعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا دِينُكُمْ؟ أَنَصَارَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: دِينُنَا الإِسْلامُ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ، أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فَعَرَفْنَا كَلامَ اللهِ وَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالُوا: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَبِالْوَفَاءِ، وَبِأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَبِالْعَفَافِ،

(1/140)


قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَوَاللهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا إِلا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّجَاشِيِّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ ابْنَ مَرْيَمَ إِلَهَكَ الَّذِي تَعْبُدُ عَبْدٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، فَخَفَضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ فَأَخَذَ عُودًا، وَقَالَ: وَاللهِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ هَذَا الْعُودِ، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ: وَاللهِ لَئِنْ سَمِعَتِ الْحَبَشَةُ بِهَذَا لَتَخْلَعَنَّكَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللهِ لا أَقُولُ فِي ابْنِ مَرْيَمَ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَبَدًا، إِنَّ اللهَ لَمْ يُطِعْ فِيَّ النَّاسَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي الله، مَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ، فَوَاللهِ لَوْ رَشَوْنِي دَبْرًا مِنْ ذَهَبٍ مَا قَبِلْتُهُ، وَالدَّبْرُ الْجَبَلُ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: لا أَدْرِي عَرَبِيٌّ أَمْ لا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً يُؤْذِيهِمْ بِهَا فَقَدْ غَرِمَ، وَمَعْنَى غَرِمَ هَلَكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِ قُرَيْشٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ جَعْفَرًا يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،

(1/141)


فَقَرَأَ سُورَةَ مَرْيَمَ {كهيعص} وَقَامُوا تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ، فَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ إِلَى الشَّاهِدِينَ}
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمُرَادِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا نُؤْذَى، وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ مَا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّةً، ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّةً قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ سَلاهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمَا قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ، وَقَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، خَالَفُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، يُرِيدُ أَقْعَدَ عِلْمًا بِهِمْ، الْعَيْنُ الْعِلْمُ هَاهُنَا، أَيْ فَوْقَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِمْ وَأَعْلَى

(1/142)


مِنْ غَيْرِهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ، ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدَّمَا هَدَايَاهُمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالا: أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ، جَاءُوا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَعْمَامِهِمْ، وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَعْلَى عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلامَهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمْ لِيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، قَالَ: فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لا وَاللهِ أَبَدًا لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلا يُكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِبِلادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ، أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي، قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا اللهُ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي

(1/143)


كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدُ اللهَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ، وَقَالَ: فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ لَهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا حَلَّلَ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا، وَظَلَمُونَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كهيعص، قَالَتْ: فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللهِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، انْطَلِقَا، فَوَاللهِ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللهِ لآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ،

(1/144)


قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا: لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا، قَالَ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ قَوْلا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ مَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ: عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ وَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، وَقَالَ: مَا عَدَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِمَّا قُلْتَ هَذَا الْمِقْدَارَ، قَالَ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ، ثُمَّ قَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالشُّيُومُ الآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَ ذَهَبٍ وَأَنِّي آذَيْتُ وَاحِدًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدِيَّتَهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ، قَالَتْ: فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ، إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَنَا رَجُلٌ لا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، وَسَارَ إِلَيْهِ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا أَخْرُجُ، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَه

(1/145)


ُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ، فَوَاللهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إِذْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ وَيَقُولُ: أَلا أَبْشِرُوا فَقَدْ ظَهَرَ النَّجَاشِيُّ، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ وَمَكَّنَ لَهُ فِي بِلادِهِ، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا عَلَتْنَا فَرْحَةٌ قَطُّ مِثْلُهَا، قَالَتْ: وَرَجَعَ النَّجَاشِيُّ سَالِمًا، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوَّهُ، وَاسْتَوْسَقَ لَهُ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ "
قَالَ الفقيه الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: هؤلاء قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثم هاجروا إلى المدينة، وجعفر وأصحابه بقوا بأرض الحبشة إلى عام خيبر، وقد قيل: إن إرسال قريش إلى النجاشي في أمر المسلمين المهاجرين إليها كان مرتين في زمانين، المرة الواحدة: كان الرَّسُولَ مع عمرِو بْنِ العاص عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي ربيعة المخزومي، والمرة الثانية: كان مع عمرو بْن العاص عمارة بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي، وقد ذكر الخبر بذلك كله ابن إسحاق وغيره، وذكروا ما دار لعمرو مع عمارة بْن الوليد من رميه إياه في البحر، وَسَعْيِ عمرو به إلى النجاشي في بعض وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله، فتشرد، ولزم البرية، وفارق الإنس، وهام حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه، فلما قربوا منه فاضت نفسه ومات، هذا معنى الخبر، قَالَ أَبُو عمرو: ولم أر لإيراده على وجهه معنى اكتفاء بما كتبناه في الكتاب، ولأن ابن إسحاق قد ذكر بتمامه، والله الموفق للصواب

(1/146)


غزوة بني سليم:
ولم يَتِمّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد منصرفه عن بدر إلا سبعة أيام، ثم خرج بنفسه الكريمة يريد بني سليم، واستخلف على المدينة سباع بْن عرفطة الغفاري، وقيل: ابن أم مكتوم، فبلغ ماء يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال ثم انصرف ولم يلق أحدا

غزوة السويق:
ثم إن أبا سفيان بْن حرب لما انصرف إلى بدر آلى أن يغزو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة، فحرق أصوارا من النخل، وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما، ثم كر راجعا، ثم نفر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون في أثره، واستعمل على المدينة أبا لبابة بْن عبد المنذر، وبلغ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، وَفَاتَهُ أَبُو سفيان والمشركون

(1/147)


وقد طرحوا سويقا كثيرا من أزوادهم، يتخففون بذلك، فأخذه المسلمون، فسميت غزوة السويق، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر بشهرين وأيام، قَالَ المصنف رضي الله عنه: ولعمر رضي الله عنه حديث حسن في غزوة قرقرة الكدر، يقال: إن عمران بْن سوادة قَالَ له وهو خليفة: إن رعيتك تشكو منك عنف السياف، وقهر الرعية، فدق على الدرة وجعل يمسح سيورها، ثم قَالَ: قد كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع، وأسقي فأروى، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وَأَرُدُّ الْعَنُودَ، وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ، وأصم اللَّفُوتَ، وَأَسِمُ بالعصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك لأعذرت، أي تركت فضيعت، يذكر حسن سياسته حينئذ، والعنود الحائد، والعروض المستصعب من الرجال والدواب، والقرقرة الأرض الواسعة الملساء، والكدر طيور غُبْرٌ كأنها القطا

غزوة ذي أمر:
وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غزا نجدا يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بْن عفان، فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنجد صفرا كله، ثم انصرف ولم يلق حربا

(1/148)


غزوة بحران:
فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ربيعا الأول، ثم غزا يريد قريشا، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فبلغ بحران معدنا بالحجاز ولم يلق حربا، فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السنة الثالثة، ثم انصرف إلى المدينة

غزوة بني قينقاع:
وَنَقَضَ بنو قينقاع من اليهود عقد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، فشفع فيهم عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول ورغب في حقن دمائهم، وألح على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلق به حتى أدخل يده في جيب درعه، فقال: أرسلني، فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن إلي في موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع تريد أن تحصدهم في غداة واحدة، فشفعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، وحقن دماءهم، وهم قوم عَبْد اللهِ بْن سلام، وكان حصاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم خمس عشرة ليلة، واستخلف على المدينة في تلك المدة أبا لبابة بشير بْن عَبْد المنذر،

(1/149)


وذكر ابن إسحاق، عن عاصم بْن عمر، وعبد الله بْن أبي بكر، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة، وادعته اليهود، وكتب عنه وعنهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم، وشرط
عليهم فيما شرط أن لا يظاهروا عليه أحدا، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر أتاه بنو قينقاع، فقالوا له: يا مُحَمَّد، لا يغرك من نفسك أن نِلْتَ من قومك ما نلت، فإنه لا علم لهم بالحرب، أَمَا والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا ليس كحربهم، وأنا لنحن الناس، قَالَ ابن إسحاق: وكان أول من نقض العهد بينه وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغدر من يهود بنو قينقاع، فسار إليهم رسول الله وحاصرهم في حصونهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

البعث إلى كعب بْن الأشرف:
ولما اتصل بكعب بْن الأشرف وهو رجل من نبهان من طيئ، وأمه من بني النضير، قَتْلُ صناديد قريش ببدر، قَالَ: بطن الأرض خير من ظهرها، ونهض إلى مكة فجعل يرثي قتلى قريش، ويحرض على قتال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شاعرا، ثم انصرف إلى موضعه، فلم يزل يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدعو إلى خلافه، ويسب المسلمين حتى آذاهم

(1/150)


، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لي بابن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله والمؤمنين، فقال له مُحَمَّد بْن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا أقتله إن شاء الله، قَالَ: فافعل إن قدرت على ذلك، فمكث مُحَمَّد بْن مسلمة أياما مشغول النفس بما وعد رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه في قتل ابن الأشرف،
وأتى أبا نائلة سلكان بْن سلامة بْن وقش وكان أخا كعب بْن الأشرف من الرضاعة، وعباد بْن بشر بْن وقش، والحارث بْن أوس بْن معاذ، وأبا عبس بْن جبر، فأعلمهم بما وعد به رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتل ابن الأشرف، فأجابوه إلى ذلك، وَقَالُوا: كلنا يا رسول الله نقتله، ثم أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول، فقال: قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل، ثم قدموا إلى كعب بْن الأشرف أبا نائلة فجاءه وتحدث معه ساعة، وتناشدا الشعر، وكان أَبُو نائلة يقول الشعر أيضا، فقال له أَبُو نائلة: يا بْن الأشرف إني جئت في حاجة أذكرها لك فاكتم علي، قَالَ: أفعل، قَالَ: إن قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أحدثك يابن سلامة أن أمركم سيصير إلى هذا، فقال له سلكان: إني أريد أن تبيعنا طعاما ونرهنك، ونوثق

(1/151)


لك، ونحسن في ذلك، قَالَ: أترهنوني أبناءكم أو نساءكم؟ قَالَ: لقد أردت أن تفضحنا، أنت أجمل العرب، فكيف نرهنك نساءنا؟ وكيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم فيقال: رَهْنُ وَسَقٍ، ورهن وسقين؟ إن معي أصحابا على مثل رأيي، وقد
أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء، وأراد أَبُو نائلة أن لا ينكر السلاح عليهم إذا أتوه، قَالَ: إن في الحلقة لوفاءً، فرجع أَبُو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعلوا، واجتمعوا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمشى بهم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ورجع عنهم، فنهضوا وكانت ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أَبُو نائلة، وكان كعب حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: إنك امرؤ مُحَارِبٌ، وإن أهل الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، فقال: إنه أَبُو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني، فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال لها كعب: لو دُعِيَ الفتى إلى طعنة أجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة، ثم قالوا له: يا بن الأشرف لو رأيت أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا، قَالَ: إن شئتم، فخرجوا يتماشون، ثم إن أبا نائلة مس فَوْدَ رأسه بيده ثم شمها، وقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر، ثم مشى ساعة وعاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بِفَوْدَيْ رأسه، وقال: اضربوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم، فصاح صيحة منكرة سمعها أهل الحصون،

(1/152)


فأوقدوا النيران واختلفت سيوفهم فلم
تعمل شيئا، قَالَ مُحَمَّد بْن مسلمة: فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافهم لا تغني، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة أسمعت كل حصن حوله، فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله ميتا، وأصاب الحارثَ بْنَ أوس يومئذ جرحٌ في رجله أو في رأسه ببعض سيوف أصحابه فتأخر، ونجا أصحابه، وسلكوا على دور بني أمية بْن زيد، إلى بني قريظة، إلى بعاث، إلى حرة العريض، وانتظروا هنالك صاحبهم حتى وافاهم، فأتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر الليل وهو يصلي، فأخبروه، فتفل في جرح الحارث بْن أوس فبرئ، وأطلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين على قتل اليهود، وحينئذ أسلم حويصة بْن مسعود، وقد كان أسلم أخوه محيصة قبله