العواصم من القواصم - ط دار الجيل
الباب الأول
قاصمة الظهر
وفات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعها في نفوس الصحابة
...
قاصمة الظهر:
بعد أن استأثر الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم, وقد أكمل له ولنا
دينه، وأتم عليه وعلينا نعمته، كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]؛ وما من شيء في
الدنيا يكمل إلا وجاءه النقصان؛ ليكون الكمال الذي يراد به وجه الله
خاصة، وذلك العمل الصالح والدار الآخرة، فهي دار الله الكاملة, قال
أنس: "ما نفضنا أيدينا من تراب قبر سول الله صلى الله عليه وآله وسلم
حتى أنكرنا قلوبنا"1.
واضطربت الحال، ثم تدارك الله الإسلام ببيعة أبي بكر، فكان موت النبي
صلى الله عليه وآله وسلم "قاصمة الظهر" ومصيبة العمر:
فأما علي فاستخفى3 في بيته مع فاطمة3.
ـــــــ
1 في مطبوعة الجزائر: "نفوسنا" والمروي في الحديث: "قلوبنا" من وجوه
متعددة, أشار إليها الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 5: 273-274,
أحدها للإمام أحمد عن أنس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي
مات فيه أظلم منها كل شيء", قال: "وما نفضنا عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا". وهكذا رواه الترمذي، وابن
ماجه.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب, قال ابن كثير: وإسناده صحيح على شرط
الصحيحين. "خ".
2 لأن فاطمة وجدت علي أبي بكر لما أصر على العمل بقول رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة", وسيأتي تفصيل ذلك في
صـ 62-63، فعاشت فاطمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر
معتزلة في بيتها ومعها علي، قال الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية"
6: 323, فلما مرضت جاءها الصديق, فدخل عليها, فجعل يترضاها فرضيت, رواه
البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي, ثم قال: وهذا مرسل حسن
بإسناد صحيح, وقال البخاري: "ك 64 ب 38 ج 5 صـ 83-82" من حديث عروة عن
عائشة: "فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا, ولم يؤذن لها أبا بكر وصلى
عليها، وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي
وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر
(1/54)
سكوت عثمان وإهجار عمر
...
وأما عثمان فسكت.
وأما عمر فأهجر وقال: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
ـــــــ
= ومبايعته إلخ, وبيعة علي هذه هي الثانية بعد بيعته الأولى في سقيفة
بني ساعدة, وأضاف الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية "249:5" أن
عليًّا لم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف الصديق، وخرج معه إلى ذي القصة
لما خرج الصديق شاهرًا سيفه يريد قتل أهل الردة.
ويحتمل أن يكون مراد المؤلف باستخفاء علي ما كان منه ومن الزبير قبيل
الاجتماع في سقيفة بني ساعدة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى ذلك في خطبته
الكبرى التي خطبها في المدينة في عقب ذي الحجة بعد آخر حجة حجها عمر،
وهذه الخطبة في مسند الإمام أحمد 55:1 الطبعة الأولى, ج1, رقم391,
الطبعة الثانية من حديث ابن عباس. "خ".
16 أن هذا الخبر لا يتفق مع الخبر الوارد في أعلى هذا الكلام القائل
بأن عليًّا لم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف الصديق, وإنه خرج معه لما
خرج أبو بكر شاهرًا سيفه لقتال المرتدين.
والحقيقة: لقد اضطربت الروايات في بيان موقف علي بن أبي طالب من خلافة
أبي بكر الصديق، ولعبت الدسائس دورها، ونسجت الافتراءات والأكاذيب
حولها بقصد زعزعة الثقة بالإسلام بصورة عامة، وبالصحابة بصورة خاصة،
وإظهارهم بمظهر الجشع والتهالك على المناصب والأموال ولو بمخالفة
الشريعة, ونحن ننقل فيما يلي أصح الروايات عن موقف علي النبيل, ثم نأتي
على بعض الروايات الأخرى التي تقول بامتناعه عن البيعة حتى وفاة فاطمة
بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ونوضح زيفها وكذبها.
قال العلامة محمد عزة دروزة في كتابه: "الجنس العربي: 14:7", وما
بعدها: لقد روى الطبري عن عبد الله بن سعيد الزهري, عن عمه يعقوب, عن
سعيد بن عمر, عن الوليد بن عبد الله, عن الوليد بن جميع الزهري, أن
عمرو بن حريث سأل سعيد بن زيد:
قال: فمتى بويع أبو بكر؟.
أشهدت وفاة النبي؟
قال: نعم...
قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرهوا أن يبقوا بعض
يوم، وليس في جماعة, قال: فخالف عليه أحد؟
قال: لا, إلا مرتد أو من قد كاد أن يرتد, لولا أن الله أنقذهم من
الأنصار.
قال: فهل قعد أحد من المهاجرين؟ قال: لا تتباعوا على بيعته من غير أن
يدعوهم: ج2صـ 447, والمتبادر أن القائل أراد بما ذكره عن الأنصار
=
(1/55)
..........................................
ـــــــ
موقف سعد بن عبادة وأنصاره يوم السقيفة, وتطلعهم إلى رئاسة الحكم،
فأنقذهم الله وجعلهم يتراجعون ويتابعون أبا بكر دون افتراق وخلاف
ونزاع.
والرواية تعبر عما كان من شدة حرص أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مهاجرين وأنصار على سرعة البت في أمر الرئاسة؛
حتى تجتمع كلمتهم، وتفيد أن الهاشميين أيضًا -وهم من المهاجرين- قد
تتابعوا على بيعة أبي بكر, ولم يقعد منهم أحد.
ولقد روى الطبري خبر مبايعة علي لأبي بكر فورًا، وبحركة رائعة, حيث روى
بأسانيده عن حبيب بن أبي ثابت أن عليًّا كان في بيته، فأتى إليه الخبر
عن جلوس أبي بكر للبيعة، فخرج في قميصه ما عليه إزار ولا رداء عجلًا؛
كراهية أن يبطيء عنه حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث, فأحضر ثوبه وتخلله
ولزم مجلسه: 447/2.
وعلى كل حال فإن المتفق عليه في روايات الشيعة وغيرهم أن عليًّا وبني
هاشم بايعوا أبا بكر فورًا، كما يروي الطبري، أو بعد تردد كما تروي
رواية الشيعة، وتعاونوا معه، حيث يدل هذا دلالة حاسمة على أنه لم يكن
هناك وصية صريحة أو ضمنية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون
الأمر لعلي من بعده, وما رواه الطبري كذلك بأسانيد أخرى خبر امتناع علي
وبني هاشم عن بيعة أبي بكر طوال حياة فاطمة؛ لأن فاطمة جاءت هي والعباس
إلى أبي بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم,
وهو أرضه من فدك, وسهمه من خيبر, فقال لهما أبو بكر: "أما إني سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا نورث ما تركنا
صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال", وإني والله لا أدع أمرًا رأيت
رسول الله يصنعه إلا صنعته, فهجرته فاطمة, فلم تكلمه في ذلك حتى توفيت
بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ورأى علي انصراف
وجوه الناس عنه، وكان لم يبايع أبا بكر هو ولا أحد من بني هاشم, والقصة
طويلة وفي ختامها: بايع علي أبا بكر، أي بعد وفاة فاطمة, ويلحظ أن صيغة
خبر الطبري تجعل مسألة الميراث سببًا لامتناع علي، وبني هاشم عن مبايعة
أبي بكر، ومطالبتهم بالميراث من أبي بكر تقتضي أن تكون بعد الاعتراف
بخلافته، وفي هذا من التناقض ما يجعل القصة متهافتة، وإن كان لها أصل
ما فكل ما يمكن أن يكون هو أنهم بعد مبايعتهم لأبي بكر طالبوا بما
اجتهدوا أنه ميراثهم من النبي, فأورد أبو بكر عليهم حديث النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سمعه, ووقف الأمر عند هذا الحد، ويكون
ما عدا ذلك من مزيدات الشيعة ومدسوساتهم؛ لأنه لا يمكن أن يكون علي
وفاطمة و بنو هاشم لم يصدقوا أبا بكر في الحديث الذي رواه، كما لا يمكن
أن يكونوا كابروا وأصروا بعد سماعهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله
وسلم. ا. هـ. "الجنس العربي: 17/7".
(1/56)
وإنما واعده
الله كما واعد موسى17، وليرجعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم,
فليقطعن أيدي ناس وأرجلهم"18.
ـــــــ
= ومن الغريب أن أعداء الإسلام الذين يحملون على أبي بكر رضي الله عنه
منع فاطمة من إرثها في فدك وسهمها من خيبر، بينما علي نفسه لما تولى
الخلافة لم يعط أحد ورثها ولا لأحد من بني هاشم ما تركه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لحديث: "لا نورث...".
وإذا كان أبو بكر منع ذلك، فيكون قد منع ابنته عائشة أيضًا من هذا
الإرث.
وهناك روايات أخرى مختلطة ومكذوبة في رفض علي وبني هاشم بيعة أبي بكر
ضربنا عنها صفحًا؛ لتهافتها, وللروايات الكثيرة التي تثبت مسارعة علي
لبيعة أبي بكر ومعاونته في شئون الخلافة، وهو أعرف الناس بفضله. "م".
17 إشارة إلى قول الله عز وجل في سورة البقرة: 51: {وَإِذْ وَاعَدْنَا
مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} ، وقوله سبحانه في سورة الأعراف:142:
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ
فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ."خ".
18 مسند أحمد: "196:3 الطبعة الأولى", حديث أنس بن مالك عن يوم وفاة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: "ثم أرخى الستر، فقبض في يومه
ذاك, فقام عمر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت،
ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فمكث عن قومه أربعين ليلة، وإني
لأرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقطع أيدي رجال
المنافقين وألسنتهم يزعمون "أو قال: يقولون": إن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قد مات, وفي كتاب "فضائل الصحابة من صحيح البخاري: ك62
ب5" عن عائشة: فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم... والله ما يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله, فليقطعن
أيدي رجال وأرجلهم", ونقل الحافظ ابن كثير في: البداية والنهاية: 242:5
ما رواه البيهقي من طريق ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة بن الزبير
قال: قام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال "مات" بالقتل والقطع،
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غشية لو قد قام قتل
وقطع* وفي "241:5" من البداية والنهاية من حديث
ـــــــ
* في سنده ابن لهيعة، فهو ضعيف في هذه الحال."م".
تنبيه: يفهم من إطلاق الأستاذ مهدي الاستنابولي أن في الإسناد عبد الله
بن لهيعة أن الحديث ضعيف، ولكن في أمر ابن لهيعة تفصيل كبير, فهو قد
اختلط في آخره, فمن سمع منه قبل الاختلاط فحديثه حسن, كالعبادلة
الثلاثة, ومن سمع منه بعد الاختلاط فحديثه ضعيف, انظر تقريب التهذيب:
444/1. "س".
(1/57)
حوار العباس وعلي في مرضه صلى الله عليه وآله وسلم
...
وتعلق بآل العباس وعليّ بأمر أنفسهما في مرض النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال العباس لعلي: "إني أرى الموت في وجوه بني عبد المطلب, فتعال
حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان هذا الأمر فينا
علمناه"19.
وتعلق بأل العباس وعلي بميراثهما فيما تركه النبي صلى الله عليه وآله
وسلم من فدك وبني النضير وخيبر20.
واضطرب أمر الأنصار يطلبون الأمر لأنفهسم، أو الشركة فيه مع
المهاجرين21.
ـــــــ
=
عائشة وهي تذكر الساعة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم:
"فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما، ثم قاما، فلما دنوا
من الباب قال المغيرة: يا عمر، مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فقال عمر: كذبت، بل أنت رجل تحوسك "أي تخالطك" فتنة، إن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين، ثم جاء أبو
بكر... وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويقول: إن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
ومعنى أهجر: خلط في كلامه، وهذى، وأكثر الكلام فيما لا ينبغي.
وذلك من هول ما وقع في نفس عمر من هذا الحادث العظيم، فهو لا يكاد
يصدقه."خ".
19 فأجابه علي كرم الله وجهه: إنا والله لئن سألناها رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني
والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري في
كتاب المغازي من صحيحه: "ك64 ب 83, ج 5, صـ 140-141", ونقله ابن كثير
في: البداية والنهاية: "227:5, 251", من حديث الزهري, عن عبد الله بن
كعب بن مالك, عن ابن عباس, ورواه الإمام أحمد في مسنده: "263:1, 325"
الطبعة الأولى, وج4 رقم 2374, وج5 رقم 2999 الطبعة الثانية. "خ".
20 سيأتي تفصيله صـ 48 عند الكلام على حديث :" لا نورث ما تركنا صدقة"
."خ".
21 فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وبين ظهرانيهم سعد بن عبادة، وهم يرون
أن الأمر لهم؛ لأن البلد بلدهم, وهم أنصار الله وكتيبة الإسلام، أما
قريش فإن داقة منهم دفنت، فلا ينبغي أن تختزل الأمر من دون الأنصار,
وقال خطيب منهم -وهو الحباب بن المنذر-: "أنا جذيلها المحكك، وعذيقها
(1/58)
موقف جيش أسامة
...
وانقطعت قلوب الجيش الذي كان قد برز مع أسامة بن زيد بالجرف22
ـــــــ
= المرجب, منا أمير ومنكم أمير" وجذيلها المحكك: هو أصل شجرتها الذي
تتحكك به الإبل. وعذيقها المرجب: نخلتها التي دعمت ببناء أو خشب لكثرة
حملها, ومع ذلك فقد كان رجل من الأنصار -وهو بشير بن سعد الخزرجي والد
النعمان بن بشير- يسابق عمر لمبايعة أبي بكر, وقبيل ذلك كان في السقيفة
الرجلان الصالحان: عويم بن ساعدة الأوسي, ومعن بن عدي حليف الأنصار,
ولم تعجبهما هذه النزعة من الأنصار, فخرجا وهما يريان أن يقضي
المهاجرون أمرهم مغير ملتفتين إلى أحد، ولكن حكمة أبي بكر ونور الإيمان
الذي ملأ قلبه كانا أبعد مدًى وأحكم تدبيرًا لهذه الملة في أعظم
نوازلها. "خ".
22 كان هذا الجيش سبعمائة، والأمير عليهم أسامة بن زيد، وكان قد ندبهم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمسير إلى تخوم البلقاء "شرق
الأردن"، حيث قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة، ولما
انتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى أشار كثير من الصحابة
-ومنهم عمر- أن لا ينفذ الصديق هذا الجيش؛ لما وقع من الاضطراب في
الناس ولا سيما في القبائل, نقل ابن كثير في: البداية والنهاية:
"304:6-305" حديث القاسم وعمرة ,عن عائشة, قالت: "لما قبض رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق، والله لقد
نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، وصار أصحاب محمد صلى الله
عليه وآله وسلم كأنهم معزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة,
فوالله ما ختلفوا في نقطة إلا صار أبي بخطلها وعنانها وفصلها."خ".
(1/59)
عاصمة
تدارك الله الإسلام والأنام بأبي بكر
...
عاصمة:
فتدارك الله الإسلام والأنام -وانجابت الغمة انجياب الغمام، ونفذ وعد
الله باستئثار رسول الله32, وإقامة دينه على التمام، وإن كان قد أصاب
ما أصاب من الرزية الإسلام- بأبي بكر الصديق رضي الله عنه24, وكان إذ
مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم غائبًا في ماله بالسُّنح25، فجاء
إلى منزل ابنته عائشة رضي الله عنها -وفيه مات النبي صلى الله عليه
وآله وسلم- فكشف عن وجهه، وأكب عليه يقبله، وقال: "بأبي أنت وأمي يا
رسول الله، طبت حيًّا وميتًا، والله لا يجمع الله عليك الموتتين، أما
الموتة التي كتب عليك فقد متها" ثم خرج إلى المسجد -والناس فيه، وعمر
يأتي بهجر من القول كما قدمنا- فرقى المنبر, فحمد الله وأثنى عليه, ثم
قال: "أما بعد أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن
كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت", ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى
ـــــــ
23 استأثر الله فلانًا، وبفلان، إذا مات. "خ".
24 أي: فتدارك الله الإسلام والأنام بأبي بكر."خ".
25 في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: 244:5: "كان الصديق قد صلى
بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف ستر الحجرة، ونظر
إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر، فأعجبه ذلك وتبسم صلى
الله عليه وآله وسلم, حتى همَّ المسملون أن يتركوا ما هم فيه من
الصلاة؛ لفرحهم به، وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصِلَ الصف، فأشار
إليهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يمكثوا كما هم، وأرخى الستارة، وكان
آخر العهد به صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرف أبو بكر من الصلاة
دخل عليه، وقال لعائشة: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا
قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة -يعني إحدى زوجتيه، وكانت ساكنة
بالسنح شرقي المدينة-, فركب على فرس وذهب إلى منزله، وتوفي صلى الله
عليه وآله وسلم حين اشتد الضحى...، فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق
فأعلمه بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء الصديق حين بلغه
الخبر، وكان منه ما سيذكره المؤلف. والسنح منازل بني الحارث بن الخزرج
في عوالي المدينة، بينها وبين مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ميل واحد."خ".
(1/60)
موقفه في سقيفة بني ساعدة
...
عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
فخرج الناس يتلونها في سكك المدينة، كأنها لم تنزل إلا ذلك اليوم26.
واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يتشاورون، ولا يدرون ما يفعلون،
"وبلغ ذلك المهاجرين" فقالوا: نرسل إليهم يأتوننا، فقال أبو بكر: بل
نمشي إليهم، فسار إليهم المهاجرون، منهم أبي بكر وعمر وأبو عبيدة،
فتراجعوا الكلام, فقال بعض الأنصار: منا أمير ومنكم أمير27, فقال أبو
بكر كلامًا كثيرًا مصيبًا، يكثر ويصيب, منه: نحن الأمراء وأنتم
الوزراء، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الأئمة من قريش"
28 وقال: "أوصيكم بالأنصار خيرًا: أن تقبلوا
ـــــــ
26رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه: "ك62, ب 5, ج 4, صـ
194" من حديث عائشة، وفي البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: "242:5" من
حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد أعلام المسلمين، عن
أبيه أحد العشرة المبشرين بالجنة، عن عائشة أم المؤمنين التي وقعت هذه
الحوادث في بيتها، وفي المسجد النبوي الذي يطل بيتها عليه. وجميع
دواوين السنة سجلت هذا الموقف العظيم للصديق الأكبر بأصح الأحاديث،
وألفاظها قريب بعضها من بضع."خ".
27 الذي قال ذلك من خطباء الأنصار الحباب بن المنذر، وقد تقدم في هامش
21 صـ 56."خ".
28 الحديث في مسند الطيالسي برقم 926, عن أبي برزة، وبرقم 2133 منه عن
أنس، وفي كتاب الأحكام من صحيح البخاري: "ك 93، ب 2، ج 8، صـ 104-105"
عن معاوية أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن هذا
الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين"
.
وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال هذا
الأمر في قريش ما بقى منهم اثنان", وفي مسند الإمام أحمد 129:3 الطبعة
الأولى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام على
باب البيت ونحن فيه فقال: "الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا... إلخ",
ورواه الإمام أحمد أيضًا في المسند 183:3 الطبعة الأولى عن أنس قال:
كنا في بيت رجل من الأنصار، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى
وقف، فأخذ بعضادة الباب فقال :" الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم
مثل ذلك... إلخ" الإمام أحمد كذلك 421:4، الطبعة الأولى، عن أبي برزة
يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الأئمة من قريش: إذا
استرحموا
(1/61)
خلافة الصديق واستخلاف عمر
...
من محسنهم، وتتجاوزوا عن مسيئهم29، إن الله سمانا "الصادقين"30، وسماكم
"المفلحين"31، وقد أمركم أن تكونا معنا حيثما كُنَّا، فقال: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
إلى غير ذلك من الأقوال المصيبة والأدلة القوية، فتذكرت الأنصار ذلك،
وانقادت إليه، وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه32.
ـــــــ
= رحموا، وإذا عاهدوا وفّوا، وإذا حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "*، "خ".
29 في كتاب مناقب الأنصار من صحيح البخاري: "ك 63، ب 11"، من حديث هشام
بن زيد بن أنس قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس رضي
الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار يبكون، "والظاهر أن ذلك كان في مرض
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي مات به" فقال: ما يبكيكم؟ قالوا:
ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم منا. فدخل على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر -ولم يصعده بعد
ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي
وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقى الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم
وتجاوزوا عن مسيئهم" ، وبعده في صحيح البخاري حديث لعكرمة عن ابن عباس،
وحديث لقتادة عن أنس بمعنى ذلك، وقريب من ذلك في صحيح مسلم عن أبي سعيد
الخدري، وفي سنن الترمذي عن ابن عباس."خ".
31،30 في سورة الحشر: "8-9": {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ."خ".
32 نقل الحافظ ابن كثير في: "البداية والنهاية: 247:5" من حديث الإمام
أحمد، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري "ابن أخت أمير المؤمنين-
=
ـــــــ
تكملة: ذكر العلامة القارئ في شرحه لشرح النخبة أن الحافظ قال في هذا
الحديث أنه متواتر" ا.هـ. وللحديث تكملة هي"... لا يقبل منه في صرف ولا
عدل" رواه الإمام أحمد والنسائي والضياء المقدسي في "المختارة". "س".
* الحديث صحيح لطرقه وشواهده الكثيرة "راجع تخريج الإرواء" "م".
(1/62)
وقال أبو بكر
لأسامة: "انفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
فقال عمر: "كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك؟ فقال: لو لعبت
الكلاب بخلاخيل نساء المدينة، ما رددت جيشًا أنفذه رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم33.
وقال له عمر وغيره: "إذا منعكم العرب الزكاة فاصبر عليهم". فقال:
ـــــــ
عثمان" خطبة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، ومنها قوله: لقد علمتم أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لوسلك الناس واديًا، وسلك
الأنصار واديًا سلكت وادي الأنصار" * ولقد علمت يا سعد أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر: فبر
الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم"، فقال له سعد: "صدقت، نحن
الوزراء، وأنتم الأمراء" **
33 نقل الحافظ ابن كثير في: "البداية والنهاية: 305:6" عن الحافظ أبي
بكر البيهقي حديث محمد بن يوسف الفريابي الحافظ، "قال البخاري: كان
أفضل أهل زمانه"، عن عباد بن كثير الرملي "أحد شيوخه" "قال ابن
المديني: كان ثقة لا بأس به"، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج "أحد
التابعين، توفي بالإسكندرية"، عن أبي هريرة قال: "والله الذي لا إله
إلا هو، لولا أبو بكر استخلف ما عُبِد الله"، ثم قال الثانية، ثم قال
الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وارتدت العرب حول المدينة،
فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا أبا
بكر، رد هؤلاء، نوجه هؤلاء إلى الروم، وقد ارتدت العرب حول المدينة؟
فقال: والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ما رددت جيشًا وجهه رسول الله، ولا حللت لواءًا
عقده رسول الله" فوجه أسامة، فجعل لا يمر بقبيل يريد الارتداد إلا
قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى
يلقوا الروم، فلقوا الروم، فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على
الإسلام."خ".
ـــــــ
* رواه البخاري."م"
** رجاله ثقات إلا حميد بن عبد الرحمن، وللحديث شواهد تقويه، راجع
الأحاديث الضعيفة 1156."م".
(1/63)
موقف الصديق من مانعي الزكاة
...
"والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة"34.
قيل: ومع من تقاتلهم؟ قال: "وحدي، حتى تنفرد سالفتي"35.
وقدم الأمراء على الأجناد والعمال في البلاد مختارًا لهم، مرتئيًا
فيهم، فكان ذلك من أسدِّ عمله، وأفضل [مقدمه]36.
ـــــــ
34 لما مضى جيش أسامة في طريقه إلى شرق الأردن جعلت وفود القبائل تقدم
المدينة، يقرون بالصلاة ويمتنعون عن أداء الزكاة، قال ابن كثير
"311:6": ومنهم من احتج بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ
صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103]. قالوا: فلسنا ندفع زكاتنا إلا
إلى من صلاته سكن لنا، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم
عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد
ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، وقد روى الجماعة في كتبهم -سوى
ابن ماجه- عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: علام تقاتل
الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرت أن أقاتل
الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟" فقال أبو بكر: والله لو منعوني
عناقًا "وفي رواية: عقالًا" كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقلاتلن من
فرق بين الصلاة والزكاة" قال عمر: "فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر
أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"، وهذا الحديث في مسند أحمد: "11:1،
19، 53-36 الطبعة الأولى-ج1 رقم 67، 117، 239 الطبعة الثانية" من حديث
عبيد بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، وفي البداية والنهاية:
"312:6" قال القاسم بن محمد "ابن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء
السبعة": اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة الأسدي، وبعثوا وفودًا إلى
المدينة فنزلوا على وجوه الناس، فأنزلوهم إلا العباس، فحملوهم إلى أبي
بكر على أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فعزم الله لأبي بكر على
الحق، وقال: "لو منعوني عقالًا لجاهدتهم"."خ".
35 السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه، ولا تنفرد إحداهما
عما يليها إلا بالموت."خ".
36 غير الشيخ محب النص اجتهادًا منه فكتب عمله وأفضل ما قدمه للإسلام،
وهو في جميع النسخ كما أثبتنا، ولكنه لم ينبه إلى ما عمله في النص
"صفحة 47"."س".
37 وفي طليعة هؤلاء القواد: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح
الفهري، وعمرو بن العاص السهمي، وخالد بن الوليد المخزومي، وخالد
=
(1/64)
حديث لا نورث ما تركناه صدقة
...
وقال لفاطمة وعلى والعباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"لا نورث، ما تركنا صدقة". فذكر الصحابة ذلك 38.
=
ـــــــ
ابن أبي سعيد بن العاص الأموي، ويزيد بن أبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل،
والمهاجر بن أبي أمية "شقيق أم المؤمنين أم سلمة"، وشرحبيل بن حسنة،
ومعاوية بن أبي سفيان، وسهيل بن عمرو العامري خطيب قريش، والقعقاع بن
عمرو التميمي، وعرفجة هرثمة البارقي، والعلاء بن الحضرمي حليف بني
أمية، والمثنى بن حارثة الشيباني، وحذيفة بن محصن الغطفاني، وفي طليعة
ولاته: عتاب بن أسيد الأموي، وعثمان بن العاص الثقفي، وزياد بن لبيد
الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، ويعلى بن منية، وجرير بن
عبد الله البجلي، وعياض بن غنم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وعبد
الله بن ثور أحد بني غوث، وسويد بن مقرن المزني.
38 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري: 62ب 12-ج4 صـ 109-210 حديث
الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر نسأله
ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أفاء الله على رسوله
صلى الله عليه وآله وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي
بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى
اله عليه وآلهوسلم قال: "لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة، إنما يأكل آل
محمد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل" ،
"وإني والله لا أغير شيئًا من صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم
التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأعملن فيها
بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، فتشهد علي، ثم قال:
"إنا عرفنا يا أبا بكر فضيلتك"، وذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وحقهم، فتكلم أبو بكر فقال: "والذي نفسي بيده، لقرابة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" وأوسع
منه في كتاب المغازي بباب غزوة خيبر من صحيح البخاري: ك 64، ب 38-ج5 صـ
82.
وفي كتاب الوصايا من صحيح البخاري: ك 55، ب 32-ج3، صـ 197، وكتاب فرض
الخمس منه: ك 57، ب 3-ج4، صـ 45 حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي
دينارًا، ما تركت -بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي-، فهو صدقة".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج: 158:2: "قول النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: "لا نورث، ما تركنا صدقة" ، رواه عنه أبو بكر، وعمر،
وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن
عبد المطلب، وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو هريرة،
والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد، وقال قبل ذلك: 157:2
(1/65)
..............................................
ـــــــ
=
إن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا لئلا يكون ذلك شبهة لمن
يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه ومنهم عائشة بنت أبي بكر، وقد
حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب
أن ترث ابنته.
وفي كتاب فرض الخميس من صحيح البخاري: ك 57، ب1-ج4، صـ 42 حديث ابن
شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرت أن فاطمة ابنة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: "إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة"... فأبى أبو
بكر عليها ذلك وقال: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى اله عليه
وآله وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى أن تركت شيئًا من أمره أن
أزيغ".
وفي الباب نفسه من صحيح البخاري: ج4، صـ 42-44، من حديث الإمام مالك بن
أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه قال: بينما أنا
جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب فقال: أجب أمير
المؤنين، فانطلقت معه... فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال:
هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟
قال: نعم. فأذن لهم... ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في علي وعباس؟
قال: نعم، فأذن لهما، فدخلا فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين،
اقض بيني وبين هذا -وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله
عليه وآله وسلم من بني النضير- فقال الرهط، عثمان وأصحابه: يا أمير
المؤمين، اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال عمر: تيدكم، أنشدكم
بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة" ، يريد رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك.
فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، "وبعد أن ذكر أنه
صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفق على أهله سنتهم من هذا المال ثم يجعل
ما بقى مجمل مال الله، واستشهدهم على ذلك فشهدوا، قال": ثم توفى الله
نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، فقبضها، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، والله يعلم أنه فيها لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم
توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي،
أعمل فيها
(1/66)
حديث لا يدفن نبي إلا حيث يموت
...
وقال: سمعته صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يدفن نبي إلا حيث يموت"
35, وهو في ذلك كله رابط الجأش، ثابت العلم، والقدم في الدين،
ـــــــ
=
بما عمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما عمل فيها
أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم جئتماني
تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من
ابن أخيك، وجائني هذا -يريد عليًّا- يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت
لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا
صدقة" فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن
عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها،
فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله، هل دفعتها
إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما
بالله، هل دفعتها إليكم بذلك؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير
ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير
ذلك، فإن عجزتما عنها، فأدفعاها إلي، فإني أكفيكماها.
وأورد البخاري حديث مالك بن أوس هذا في كتاب المغازي من صحيحه: ك 64، ب
14-ج5، صـ 23-24 من حديث شعيب عن الزهري عن مالك ابن أوس، وفي كتاب
النفقات من صحيحه: ك 69، ب 3-ج 6، صـ 190-192، وفي كتاب الاعتصام
بالكتاب والسنة من صحيحه: ك 69، ب 5-ج 8، صـ 146-147، وانظر كتاب
الفرائض من صحيح البخاري: ك 85، ب 3-ج 8، صـ 3-5، ومسند الإمام أحمد:
13:1 الطبعة الأولى- ورقم77، 78 الطبعة الثانية.
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: 230:3 إلى أن أبا بكر
وعمر أعطيا من مال الله أضعاف هذا الميراث الذين كانوا سيرثونه، قال:
وإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة،
ثم قال: 231:3: وقد تولى علي بعد ذلك، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم
يعط لأولاد فاطمة ولا زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ولد
العباس شيئًا من ميراثه....إلخ."خ".
39 في كتاب الجنائز من موطأ مالك: ك 16، ج 27- صـ 31 أن مالكًا بلغه أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي يوم الاثنين، ودفن يوم
الثلاثاء، صلى الناس عليه أفذاذًا لا يؤمهم أحد، فقال ناس: يدفن عند
المنبر، وقال آخرون، يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه
الذي توفي فيه"
(1/67)
جعل عمر الأمر شورى في اختيار الخليفة بعده
...
ثم استحلف عمر، فظهرت بركة الإسلام، ونفذ الوعد الصادق في الخليفتين40
ثم جعلها عمر شورى، فأخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الأمر حتى
ـــــــ
= قال الحافظ ابن عبد البر: صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها
مالك، وفي كتاب الجنائز من جامع الترمذي: ك 8، ب 33 حديث عائشة: لما
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر:
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا ما نسيته، قال: "وما
قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" "ادفنوه في موضع
فراشه"، وفي كتاب الجنائز من سنن ابن ماجه: ك 6، ب 65 عن ابن عباس: لقد
اختلف المسملون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده،
وقال قائلون: يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض".
ورواه ابن إسحاق "في السيرة لابن هشام: 103:3 بولاق" من حديث عكرمة عن
ابن عباس، وانظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: 266-268:5."خ".
40 وهو وعد الله عز وجل في سورة النور: 55: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي
الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي
لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ } ، ولقد كان المجتمع الإسلامي-بتوجيه هذين
الخليفتين- أسعد مجتمع إنساني عرفه التاريخ؛ لأن الناس -من ولاة ورعية-
كانوا يتعاملون بالإيثار، وكان الواحد منهم يكتفي بما يفي بحاجته،
ويبذل من ذات نفسه أقصى ما يستطيع أن يستخرج منها من جهد لإقامة الحق
في الأرض وتعميم الخير بين الناس، ويلقى الرجل الخير منهم رجلًا لا
تزال تنزع به نزعات الشر، فلا يزال به حتى يخدر عناصر الشر المتوثبة في
نفسه، ويوقظ ما كمن فيها من عناصر الخير إلى أن يكون من أهل الخير، وفي
المنتسبين إلى الإسلام حتى يومنا هذا طوائف امتلأت قلوبهم بالضغن حتى
على أبي بكر وعمر، فضلًا عمن استعان بهم أبو بكر وعمر من أهل الفضل
والإحسان، فصنعوا لهم من الأخبار الكاذبة شخصيات لأخرى غير شخصياتهم
التي كانوا عليها في نفس الأمر؛ ليقنعوا أنفسهم بأنهم أبغضوا أناسًا
يستحقون منهم هذه البغضاء؛ ولهذا امتلأ التاريخ الإسلامي بالأكاذيب،
ولن تتجدد للمسلمين نهضة إلا إذا عرفوا سلفهم على حقيقته واتخذوا منه
قدوة لهم، ولن يعرفوا سلفهم على حقيقته إلا بتطهير التاريخ الإسلامي
مما ألصق به."خ".
(1/68)
خلافة عثمان ودعاة الفتنة
...
ينظر، ويتحرى فيمن يقدم41 فقدم عثمان، فكان عند الظن به: ما خالف له
عهدًا، ولا نكث عقدًا، ولا اقتحم مكروهًا، ولا خالف سنة42.
ـــــــ
41 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك 62، ب 8-ج 4، صـ 204-207
حديث عمرو بن ميمون أحد تلاميذ معاذ وابن مسعود ومن شيوخ الشعبي وسعيد
بن جبير وطبقتهما، وقد اشتمل هذا الحديث على خبر مقتل أمير المؤمنين
عمر، وكيف جعل عمر الخلافة شورى بين الستة الذين توفي رسول الله صلى
عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، وكيف أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه منها،
ثم انتهى إلى تقديم عثمان، وهذا الحديث من أصح ما ثبت في هذا الموضوع
وأجوده، وأقرأ بعد ذلك ما كتبه شيخ الإسلام بن تيمية عن موقف عمر في
جعله الأمر شورى في كتاب منهاج السنة: 168:3-172، وفيه إرشاد دقيق إلى
ما كان عليه بنو هاشم وبنو أمية من الاتفاق والمحبة والتعاون في أيام
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وأن عثمان وعليًّا كان
أحدهما أقرب إلى صاحبه من سائر الأربعة إليهما، ونقل ابن تيمية في:
233:3-234 قول الإمام أحمد: "لم يتفق الناس على بيعة كما اتفقوا على
بيعة عثمان: ولاه المسلمون بعد تشاورهم ثلاثة أيام، وهم مؤتلفون متفقون
متحابون متواردون معتصمون بحبل الله جميعًا.
وقد أظهرهم الله، وأظهر بهم ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق، ونصرهم
على الكفار، ففتح بهم بلاد الشام والعراق وبعض خراسان... إلخ "خ".
42 وكيف لا يكون عثمان عند حسن الظن به وقد شهد له بطهارة السيرة وحسن
الخاتمة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، قال
الحافظ ابن حجر في ترجمة عثمان من الإصابة: جاء من أوجه متواترة أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر عثمان بالجنة، وعدَّه من أهل
الجنة، وشهد له بالشهادة. والحديث الذي يتواتر بذلك عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لا يرتاب فيه ولا يجنح إلى غير مدلوله إلا الذي
يرضى لنفسه بأن يقتحم أبواب الجحيم. وروى الترمذي من طريق الحارث بن
عبد الرحمن عن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال: "لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان "*، وقال
الحافظ بن عبد البر في ترجمة عثمان من كتاب الاستيعاب: ثبت عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "سألت ربي عز وجل أن لا يدخل النار
أحدًا صاهر إلي أو صاهرت إليه" **.
=
ـــــــ
* قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده القوي، وهو منقطع."م".
** صححه الحاكم عن طريق عمار بن سيف، ووافقه الذهبي، وفيه نظر؛ فإن
عمارًا هذا قال الحافظ: ضعيف الحديث، راجع الأحاديث الضعيفة."م".
(1/69)
سجايا عثمان ومكانته العالية في الإسلام
...
.......................................................
ـــــــ
وشهادة أخرى من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الإنسان الأفضل
يتمنى مثلها أبو بكر وعمر، فقد روى الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة
من صحيحه: ك 44، ح 26-ج 7، صـ 116-117 عن عائشة أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال في عثمان: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟"
. وفي صحيح البخاري: ك 62، ب 7، ج 4، صـ 203 عن نافع عن عبد الله بن
عمر بن الخطاب قال: "كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدل
بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لا نفاضل بينهم". وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذو
النورين؟ قال: لأنه لم يعلم أن أحدًا أرسل سترًا على ابنتي نبي غيره.
وروى خيثمة في فضائل الصحابة عن النزال بن سبرة العامري "أحد الذين
أخذوا عن أبي بكر وعثمان وعلي، وهو من شيوخ الشعبي والضحاك وطبقتهما".
قال: قلنا لعلي: حدثنا عن عثمان، فقال: "ذاك امرؤ يدعى في الملأ
الأعلى: ذا النورين"، وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة: بايعنا
خيرنا، ولم نال، ووضعه علي بن أبي طالب قعد انقضاء أجله فقال: كان
عثمان أوصلنا للحرم، وكان من الذين آمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب
المحسنين، وروى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: لقد
عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه". وعبد الله بن عمر
كان شاهد عيان لخلافة عثمان من أولها إلى آخرها، وكان أشد الناس في
التزام السنة المحمدية، ومع ذلك فإنه يشهد لعثمان بأن كل ما عتبوا به
عليه كان يحتمل أن يكون من عمر -وهو أبوه-، ولو كان ذلك من عمر لما عتب
أحد به عليه، وقال مبارك بن فضالة مولى زيد بن الخطاب: سمعت عثمان يخطب
وهو يقول: "يا أيها الناس ما تنقمون عليَّ وما من يوم إلا وأنتم
تقتسمون فيه خيرًا، وقال الحسن البصري: "شهدت منادي عثمان ينادي: يا
أيها الناس اغدوا على أعطياتكم، فيغدون ويأخذونها وافية، حتى -والله-
سمعته أذناني يقول: اغدوا على كسوتكم، فيأخذون الحلل، واغدوا على السمن
والعسل، قال الحسن: أرزاق دارَّة،وخير كثير، وذات بين حسن، ما على
الأرض مؤمن يخاف مؤمنًا، إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على
الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق، ولكنهم لم يصبروا،
وسلُّوا السيف مع من سلَّ، فصار عن الكفار مغمدًا، وعلى المسلمين
مسلولًا" "روى ذلك عنه الحافظ ابن عبد البر". وقال ابن سيرين صنو الحسن
البصري وزميله وهو أيضًا كان معاصرًا لعثمان: "كثر المال في زمن عثمان
حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم"، وسئل
عبد الله بن عمر بن الخطاب عن علي وعثمان، فقال للسائل: قبحك الله،
تسألني عن رجلين-كلاهما خير مني؟- تريد أن أغض من أحدهما وأرفع من
الآخر؟."خ".
(1/70)
حديث أن عمر شهيد وعثمان شهيد وله الجنة على بلوى تصيبه
...
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن عمر شهيد، وبأن عثمان
شهيد43، وبأن له الجنة على بلوى تصيبه44.
وهو زوجه رقيه ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أول
ـــــــ
43 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر
وعثمان فرجف بهم، فضربه برجله، فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق
وشهيدان" ، رواه البخاري. ولعل هذا الحديث هو الذي دعا عثمان إلى منع
الصحابة من الدفاع عنه، خشية على أرواح المسلمين، ما دام المصير
محتومًا."م".
44 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري: ك 62، ب 7-ج 4، صـ 202 حديث
أبي موسى الأشعري قال: "إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل حائطًا
"أي بستانًا"، وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال صلى الله
عليه وآله وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة" ، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر
يستأذن، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة" فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن،
فسكت هنيهة، ثم قال: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه" فإذا
عثمان بن عفان، وانظر صحيح البخاري: ك 62، ب 5، 6 -ج 4، صـ 195-197،
201-202. ومثله في كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم: ك 44،ح 28، 29-ج
7، صـ 117-119 من حديث أبي موسى الأشعري أيضًا، وروى ابن ماجه في الباب
11 من مقدمة السنن ج 1، صـ 28 طبعة مصر سنة 1313 عن محمد بن سيرين من
أئمة التابعين، عن كعب بن عجرة البلوى حليف الأنصار واحد الذين شهدوا
عمرة الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونزلت فيه آية
الفدية: 195 من سورة البقرة، قال كعب بن عجرة: ذكر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "هذا يومئذ على الهدى" ، فوثبت، فأخذت بضبعي
عثمان، ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: هذا؟ قال:
هذا. وفي مسند أحمد: "85:1 الطبعة الأولى- رقم 407 الطبعة الثانية" عن
أبي سهلة مولى عثمان -وهو تابعي ثقة- أن عثمان قال يوم الدار حين حصر:
"إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلى عهدًا، فأنا صابر
عليه"، والحديث عند الترمذي: 324:4 من طريق وكيع، وقال: حديث حسن صحيح.
وعند ابن ماجه: 28:1 حديثان أحدهما لأبي سهلة مولى عثمان والآخر
لعائشة.
وأوردهما الحاكم في المستدرك على الصحيحين: 99:3 عن عائشة. "خ".
(1/71)
وصف إجمالي لدعاة الفتنة الذين قاموا على عثمان
...
مهاجر بعد إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وسلم، دخل به في باب "أول
من....45" وهو علم كبير جمعه الناس.
ولما صحت إمامته قتل مظلومًا46؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ما نصب
حربًا47 ولا جيش عسكرًا48، ولا سعى إلى فتنة49 ولا دعا إلى بيعة50، ولا
حاربه ولا نازعه من هو من أضرابه ولا أشكاله51،
ـــــــ
45 للجلال السيوطي وغيره من العلماء قبله وبعده كتب ألفوها في تسمية
الأشخاص الذين سبقوا غيرهم إلى شيء من الأعمال المحمودة وغيرها،
فيقولون مثلًا: كان عثمان أول من هاجر في سبيل الله الهجرة الأولى إلى
الحبشة."خ".
تكملة: تسمى هذه الكتب ب "الأوائل" منها:
- الأوائل: لأبي هلال العسكري.
- الأوائل: للإمام الطبراني. "س".
- الأوائل: للإمام المزي.
46 روى الإمام أحمد في: مسنده: 115:2 الطبعة الأولى -ج 8 رقم 5953
الطبعة الثانية" عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: ذكر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم فتنة، فمر رجل، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
"يقتل فيها هذا المقنَّع يومئذ مظلومًا" قال "عبد الله بن عمر":
"فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان، قال الشيخ أحمد شاكر: والحديث رواه
الترمذي 323:4 ونقل شارحه عن الحافظ ابن حجر أنه قال: إسناده صحيح.
وروى الحاكم في المستدرك: 102:3 نحوه من حديث مرة بن كعب، وصححه على
شرط الشيخين، ووافقه الذهبي."خ".
47 أي لقتال أهل القبلة، أما حروبه لإعلاء كلمة الله ونشر دعوة الحق،
فكانت من أنشط ما عرفه التاريخ الإسلامي."خ".
48 أي للدفاع عن نفسه، وكبح جماح البغاة عليه."خ".
49 بل كان أشد خلق الله كرهًا لها، وحرصًا على تضييق دائرتها؛ حقنًا
لدماء المسلمين، ولو أدى ذلك به إلى أن يكون هو ضحية لغيره."خ".
50 وإنما أتته منقادة على غير تشوف منه إليها، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية في منهاج السنة: 164:3: إن الصحابة اجتمعوا على عثمان رضي الله
عنه؛ لأن ولايته كانت أعظم مصلحة وأقل مفسدة من ولاية غيره، ثم قال في
الصفحة التالية: ولا ريب أن الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وهو عنهم راضٍ-أي الذين عينهم عمر- لا يوجد أفضل منهم، وإن
كان في كل منهم ما كرهه، فإن غيرهم يكون فيه من المكروه، أعظم، ولهذا
لم يتولَّ بعد عثمان خير منه ولا أحسن سيرة."خ".
51 أضراب أمير المؤمين عثمان، وأشكاله هم إخوانه الذين أشركهم أمير
المؤمنين عمر في الشورى، أما الذين استطاع عبد الله بن سبأ وتلاميذه أن
(1/72)
ولا كان يرجوها
لنفسه ولا خلاف انه ليس لأحد ان يفعل ذلك في غير عثمان فكيف بعثمان رضى
الله عنه
وقد سموا من قام عليه فوجدناهم أهل أغراض سوء حيل بينهم وبينها
52فوعظوا وزجروا 53 وأقاموا بحمص عند عبد الرحمن
ـــــــ
= يوقعوهم في حبائل الفتنة فبينهم وبين مستوى أهل الشورى أبعد مما بين
الحضيض والقمة, بل أبعد مما بين الشر والخير . وإن الشر الذي أقحموه
على تاريخ الإسلام بحماقاتهم وقصر أنظارهم لو لم يكن من نتائجه إلا
وقوف حركة الجهاد الإسلامي فيما وراء حدود الإسلام سنين طويلة لكفى به
إثما وجناية . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (2 : 186) :
إن خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان . لا قتل، ولا أمر
بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل وأهل
الفتن . وكان علي رضي الله عنه يقول « اللهم العن قتلة عثمان في البر
والبحر والسهل والجبل » ."خ"
52 الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب :
فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين، فأكبروا الهنات، وارتكبوا في
إنكارها الموبقات . وفيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ
الصحابة من قريش, ولم تكن لهم في الإسلام سابقة . فحسدوا أهل السابقة
من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم وفتوحهم, فأرادوا أن
يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد . وفيهم الموتورون من حدود شرعية
أقيمت على بعض ذويهم, فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة والغل لأجلها . وفيهم
الحمقى الذين استغل السبئيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة والفساد
والعقائد الضالة . وفيهم من أثقل كاهله خير عثمان ومعروفه نحوه, فكفر
معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة والتقدم بسبب
نشأته في أحضانه . وفيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر
بدرت منهم تخالف أدب الإسلام, فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان, ولو
أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين . وفيهم المتعجلون
بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغترارا بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا
تغذيها الحكمة, فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه . وبالإجمال, فإن
الرحمة التي جبل عليها عثمان وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثير فيه,
وأرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم . ولعلي إذا اتسع لي الوقت
أتفرغ لدراسة نفسيات هؤلاء الخوارج على عثمان, وتنظيم المعلومات
الصحيحة التي بقيت لنا عنهم, ليكون من ذلك درس عبرة لطلاب التاريخ
الإسلامي .
53 وقد وعظهم وزجرهم أهل العافية والحكمة والرضا من أعيان =
(1/73)
ابن خالد بن
الوليد54 يؤنبهم ويؤدبهم، حتى تابوا 55 فأرسل بهم إلى عثمان فتابوا6،
وخيرهم فاختاروا التفرق في البلاد، فأرسلهم، فلما سار كل ما اختار
أنشأوا الفتنة، وألبوا الجماعة، وجاءوا إليه57 بجملتهم، فاطلع عليهم من
حائط داره ووعظهم، وذكرهم، وورعهم عن دمه85، وخرج طلحة يبكي ويورع
الناس، وأرسل علي ولديه59، وقال الناس لهم60: أنك أرسلتم إلينا "أقبلوا
إلى من غير سنة الله"61.
فلما جئنا قعد هذا في بيته يعنون عليًّا -وخرجت أنت62 تفيض عينيك،
والله لا برحنا حتى نريق دمه.
وهذا قهر عظيم، وافتئات الصحابة، وكذب في وجوههم، وبهت
ـــــــ
= أمصارهم وعلمائها في الكوفة والبصرة والفسطاط، ثم وعظهم وزجرهم
معاوية في مجالس له معهم عندما سيرهم عثمان إلى الشام كما سيجيء عند
كلام المؤلف على سطوهم على المدينة -بحجة الحج- فحولوا حجهم الكاذب إلى
البغي على خليفتهم وسفك دمه الحرام في جوار قبر المصطفى عليه الصلاة
والسلام. "خ".
54 وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليًا لمعاوية على حمص وما
يليها من شمال الشام إلى أطراف جزيرة ابن عمر، وسيأتي الحديث عن
أحوالهم عندما قبض عليهم هذا الشبل المخزومي بمثل مخالب أبيه."خ".
55 بل تظاهروا بأنهم تابوا،: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَىْ شَيَاطِيْنِهِمْ
قَاْلُوْا إِنَّا مَعَكُمْ} . خ.
56 خيَّرَهم عبد الرحمن بن خالد في أن يذهبوا إلى عثمان، فهب كبيرهم
الأشتر النخعي، وله قصة نذكرها في موضعها من هذا الكتاب."خ".
57 أي إلى أمير المؤمنين عثمان."خ".
58 ورعهم عن الشيء: كفهم ومنعهم بالحجة والحق المنير."خ".
59 ليكونا في حراسة أمير المؤمني عثمان، ويدافعا عنه بالسلاح إذا
شاء."خ".
60 أي قال البغاة بخاطبون عليًّا وطلحة والزبير."خ".
61 زعم البغاة أنهم تلقوا من علي وطلحة والزبير رسائل يدعونهم بها
للثورة على عثمان بدعوى أنه غير سنة الله. وسيأتي إنكار علي وطلحة
والزبير أنهم كتبوا بذلك، والظاهر أن الفريقين صادقان، وأن منظمي
الفتنة من السبأيين زوروا الرسائل التي ذكرها البغاة الثائرون. "خ".
62 الخطاب لطلحة بن عبيد الله."خ".
(1/74)
لهم، ولو أراد
عثمان لكان مستنصرًا بالصحابة، ولنصروه في لحظة63.
وإنما جاء القوم مستجيرين متظلمين64، فوعظهم، فاستشاطوا، فأراد الصحابة
[إليهم]*، فأوعز إليهم عثمان لا يقاتل أحد بسببه أبدًا.
فاستسلم، وأسلموه برضاه.
وهي مسألة من الفقه كبيرة: هل يجوز للرجل أن يستسلم، أم يجب عليه أن
يدافع عن نفسه؟
وإذا استسلم وحرم على أحد أن يدافع عنه بالقتل، هل يجوز لغيره أن يدافع
عنه ولا يلتفت إلى رضاه؟ اختلف العلماء فيها.
فلم يأتِ عثمان منكرًا لا في أول الأمر، ولا في آخره، ولا جاء الصحابة
بمنكرة, وكل ما سمعت من خبر باطل إياك أن تلتفت إليه66.
ـــــــ
63 ولقد راوده في ذلك مرارًا، وعرض عليه معاوية أن ينقل دار الخلافة
إلى الشام، أو يمده بجند من الشام لا يعرف له التاريخ إلا التقدم
والظفر."خ".
64 أي أن البغاة ظهروا بمظهر المتظلم، وهو يدعى أمورًا يشكوها، فكان
عثمان يرى لهم حقًّا عليه أن يبين لهم وللناس حجته فيما ادعوا، ووجهة
نظره في الأمور التي زعموها أنهم جاءوا يتظلمون منها."خ".
* كذا في جميع النسخ "إليهم" إلا أن الشيخ محب الدين غيره إلى "ألهم"
دون أن يشير إلى ذلك، والظاهر أن النص كما هو مثبت والمقصود منه أنهم
ارادوا القيام إليهم ومدافعتهم عن عثمان "من تعليق الدكتور عمار
طالبي"."س".
66 ومعيار الأخبار في تاريخ كل أمة الوثوق من مصادرها، والنظر في
ملائمتها لسجايا الأشخاص المنسوبة إليهم، وأخبار التاريخ الإسلامي نقلت
عن شهود عيان ذكروها لمن جاءوا بعدهم، وهؤلاء رووها لمن بعدهم، وقد
اندس في هؤلاء الرواة أناس من أصحاب الأغراض زوروا أخبارًا على لسان
آخرين وروَّجوها في الكتب إما تقربًا لبعض أهل الدنيا، أو تعصبًا لنزعة
يحسبونها من الدين، ومن مزايا التاريخ الإسلامي-تبعًا لما جرى عليه
علماء الحديث- إنه قد تخصص فريق من العلماء في نقد الرواية والرواة،
وتمييز الصادقين منهم عن الكذبة، حتى صار ذلك علمًا محترمًا له قواعد،
وألفت فيه الكتب، ونظمت للرواة معاجم حافلة بالتراجم، فيها التنبيه على
مبلغ كل راوٍ من الصدق والتثبت والأمانة في النقل، وإذا كان لبعضهم
نزعات حربية أو مذهبية
=
(1/75)
|