العواصم من القواصم - ط دار الجيل

الباب الخامس
قاصمة التحكيم
الصحيح فيما رواه الدارقطني وخليفة بن خياط
...
قاصمة التحكيم:
وقد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيه ما لا يرضي الله، وإذا لاحظتموه بعين المروءة -دون الديانة- رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل بين.
والذي يصح من ذلك ما روى الأئمة كخليفة بن خياط798، والدارقطني799: أنه لما خرج الطائفة العراقية في مائة ألف والشامية في سبعين أو تسعين ألفًا ونزلوا على الفرات بصفين، اقتتلوا في أول يوم وهو الثلاثاء على الماء، فغلب أهل العراق عليه300.
ثم التقوا يوم الأربعاء لبسع خلون من صفر سنة "سبع وثلاثين" ويوم
ـــــــ
298 هو الإمام الحافظ أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري أحد أوعية العلم، ومن شيوخ الإمام البخاري. قال عنه ابن عدي: هو صدوق مستقيم الحديث من متيقظي رواة السنة. توفي سنة240."خ".
299 هو الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني 306-385 كان مع جلالته في الحديث من أئمة فقهاء الشافعية، وله تقدم في الأدب ورواية الشعر، وجاء من بغداد إلى مصر ليساعد ابن حنزابة وزير كافور على تأليف مسنده فبالغ الوزير في إجلاله، قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: "أحسن الناس كلامًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون القيسي في وقته، والدارقطني في وقته"."خ".
300 لم يكن القتال على الماء جديًّا، وقد قال عمرو بن العاص يومئذ "ليس من النصف أن نكون ريانين وهم عطاش"، والذين تظاهروا في الجيش الشامي بمنع العراقيين عن الماء أرادوا أن يذكروهم بمنعهم الماء عن أمير المؤمنين عثمان في عاصمة خلافته، وهو الذي اشترى بئر رومة من ماله ليستقي منه إخوانه المسلمين، وبعد اشتراكهم في الماء تناوشوا شهر ذي الحجة من سنة 36، ثم تهادنوا شهر المحرم من سنة 37، ووقعت وقائع شهر صفر التي سيشير إليها المؤلف."خ".

(1/175)


العراقيون جاءوا بأبي موسى من عزلته لأنه كان ناصحا بالدعوة إلى السلم
...
حتى يكون الرجلان يحكمان بين الدعويين بالحق، فكان من جهة علي الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت301، ورفعت المصاحف من أهل الشام، ودعوا إلى الصلح، وتفرقوا على أن تجعل كل طائفة أمرها إلى رجل أبو موسى302، ومن جهة معاوية عمرو بن العاص.
وكان أبو موسى رجلًا تقيًا ثقفًا فقيهًا عالِمًا حسبما بيناه في كتاب سراج المريدين303، أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن مع معاذ، وقدمه عمر وأثنى عليه بالفهم304، وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أنه كان أبله، ضعيف الرأي، مخدوعًا في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيدًا لما أرادت من الفساد، وتبع في ذلك بعض الجهال بعضًا، وصنفوا فيه حكايات، وغيره من الصحابة كان أحذق منه وأدهى. وإنما بنوا ذلك على أن عمرًا لما غدر أبا موسى في قصة التحيكم صار له الذكر في الدهاء [والفكر].
ـــــــ
301 وكانت تسمى "ليلة الهرير" اقتتل الناس فيها حتى الصباح."خ".
203 وكان آخر العهد بأبي موسى عندما كان واليًّا على الكوفة، وجاء دعاة علي يحرضون الكوفيين على لبس السلاح والالتحاق بجيش علي استمدادًا لما ينتظرونه من قتال مع أصحاب الجمل في البصرة، ثم مع أنصار معاوية في الشام، فكان أبو موسى يشفق على دماء المسلمين أن تسفك بتحريض الغلاة، ويذكر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقول نبيهم في الفتنة: "القاعد فيها خير من القائم" ، فتركه الأشتر يحدث الناس في المسجد بالحديث النبوي، وأسرع إلى دار الإمارة فاحتلها، فلما عاد إليها أبو موسى منعه الأشتر من الدخول وقال له: اعتزل إمارتنا. فاعتزلهم أبو موسى، واختار الإقامة في قرية يقال لها "عرض" بعيدًا عن الفتن وسفك الدماء. فلما شبع الناس من سفك الدماء واقتنعوا بأن أبا موسى كان ناصحًا للمسلمين في نهيهم عن القتال طلبوا من علي أن يكون هو ممثل العراق في أمر التحكيم؛ لأن الحالة التي كان يدعو إليها هي التي فيها الصلاح، فأرسلوا إلى أبي موسى وجاءوا به من عزلته."خ".
303 من مؤلفات أبي بكر بن العربي وهو في الزهد والتصوف السني، وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم 20348 ب."س".
304 واختصه بكتابه الشهير في القضاء وآدابه وقواعده."خ".

(1/176)


معاوية لم يكن يومئذ خليفة حتى يخلعه عمرو أو يثبته
...
وقالوا: إنهما لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل305، وتفاوضا اتفقا على أن يخلعا الرجلين306، فقال عمرو لأبي موسى: "اسبق بالقول". فتقدم فقال: "إني نظرت فخلعت عليًّا عن الأمر، ولينظر المسلمون لأنفسهم، كما خلعت سيفي هذا من عاتقي" وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال: "إني نظرت فأثبت معاوية في
ـــــــ
305 أذرح: قرية من أعمال الشراة تقع في منطقة بين أراضي شرقي الأردن والمملكة العربية السعودية في الأطراف الجنوبية من بادية الشام. "خ".
306 من الحقائق ما إذا أسيء التعبير عنه وشابته شوائب المغالطة يوهم غير الحققة، فينشأ عن ذلك الاختلاف في الحكم عليه، ومن ذلك حادثة التحكيم، وقول المغالطين أن أبا موس وعمرًا اتفقا على خلع الرجلين، فلخلعهما أبو موسى، واكتفى عمرو بخلع علي دون معاوية. وأصل المغالطة من تجاهل المغالطين أن معاوية لم يكن يومئذ خليفة. ولا هو ادعى الخلافة حتى يحتاج عمرو إلى خلعها عنه، بل إن أبا موسى وعمرًا اتفقا على أن يعهدا بأمر الخلافة على المسلمين إلى الموجودين على قيد الحياة من أعيان الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، واتفاق الحكمين على ذلك لا يتناول معاوية؛ لأنه لم يكن خليفة، ولم يقاتل على الخلافة، وإنما كان يطالب بإقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان، فلما وقع التحكيم على إمامة المسلمين، واتفق الحكمان على ترك النظر فيها إلى كبار الصحابة وأعيانهم تناول التحيكم شيئًا واحدًا هو الإمامة، أما التصرف العملي في إدارة البلاد التي تحت حكمه، ومعاوية متصرف في البلاد التي تحت حكمه، فالتحكيم لم يقع فيه خداع ولا مكر، ولم تتخلله بلاهة ولا غفلة، وكان يكون محل للمكر أو الغفلة لو أن عمرًا أعلن في نتيجة التحكيم أنه ولى معاوية إمارة المؤمنين وخلافة المسلمين، وهذا ما لم يعلنه عمرو، ولا ادعاه معاوية، ولم يقل به أحد في الثلاثة عشر قرنًا الماضية. وخلافة معاوية لم تبدأ إلا بعد الصلح مع الحسن بن علي، وقد تمت بمبايعة الحسن لمعاوية، ومن ذلك اليوم فقط سمي معاوية أمير المؤمنين، فعمرو لم يغالط أبا موسى ولم يخدعه، إنه لم يعطِ معاوية شيئًا جديًّا، ولم يقرر في التحيكم غير الذي قرره أبو موسى، ولم يخرج عما اتفقا عليه معًا، فبقيت العراق والحجاز وما يتبعهما تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وبقيت الشام وما يتبعها تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وتعلقت الإمامة بما سيكون من اتفاق أعيان الصحابة عليها، وأي ذنب لعمرو في أي شيء مما وقع؟ إن البلاهة لم تكن من أبي موسى، ولكن ممن يريد أن يفهم الوقائع على غير ما وقعت عليه، فليفهمها كل من شاء كما يشاء. أما هي، فظاهرة واضحة لكل من يراها كما هي. "خ".

(1/177)


الأمر307، 308 كما أثبت سيفي هذا في عاتقي، وتقلده، فأنكره أبو موسى، فقال عمرو: كذلك اتفقنا، وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف.
ـــــــ
307 أي أمر؟ إن كان الاستمرار في إدارة البلاد التي تحت يده، فإن هذا لأمر ماضٍ على معاوية وعلي معًا، فكل منهما باقٍ في الحكم على ما تحت يده، وإن كان المراد بالأمر الإمامة العامة وإمارة المؤمنين فإن معاوية لم يكن إمامًا -أي خليفة- حتى يثبته عمرو كما كان. وقد أوضحنا هذه الحقيقة في الفقرة السابقة، وهذه هي نقطة المغالطة التي هزأ بها مؤرخو الإفك المفترى، فسخروا بجميع قرائهم وأوهموهم بأن هناك خليفتين أو أميرين للمؤمنين، وأن الاتفاق بين الحكمين كان على خلعهما معًا، وأن أبا موسى خلع الخليفتين تنفيذًا للاتفاق، وأن عمرًا خلع أحدهما وأبقى الآخر خليفة خلافًا للاتفاق.
وهذا كله كذب وإفك وبهتان، والذي فعله عمرو هو نفس الذي فعله أبو موسى لا يفترق عنه قط في نقير ولا قطمير، وبقي أمر الإمامة والخلافة أو إمارة المؤمنين معلق على نظر أعيان الصحابة ليروا فيه رأيهم متى شاءوا وكيف شاءوا.
وإذا كانت هذه الخطوة الثانية لم تتم، فما في ذلك تقصير من أبي موسى ولا من عمرو، فهما قد قاما بمهمتهما بحسب ما أدى إليه اجتهادهما واقتناعهما؟
ولو لم تكلفهما الطائفتان معًا بأداء هذه المهمة لما تعرضا لها، ولا أبديا رأيًا فيها.
ولو كان موقف أبي موسى في هذا الحادث التاريخي العظيم موقف بلاهة وفشل لكان ذلك سبة عليه في التاريخ، وأن الأجيال التي بعده فهمت موقفه على أنه من مفاخره التي كتب الله له بها النجاح والسداد، حتى قال ذو الرمة الشاعر يخاطب حفيده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى:
أبوك تلافى الدين والناس بعدما ... تشاءوا وبيت الدين منقطع الكسر
فشد أصار الدين أيام أذرح ... ورد حروبًا قد لقحن إلى عقر
"خ".
308 قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى بعدما روى هذه القصة: "فإنه حديث منكر ورفعه موضوع والله أعلم، إذ لو كان هذا معلومًا عند علي لم يوافق على تحكيم الحكمين، حتى لا يكون سببًا لإضلال الناس كما نطق به هذا الحديث، وآفة هذا الحديث هو زكريا بن يحيى، وهو الكندي الحميري الأعمى. قال ابن معين: ليس بشيء البداية 385/7."م".

(1/178)


عاصمة:
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء [اخترعته] المبتعدة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثته أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع309.
وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر-
ـــــــ
309 إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله، فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه، وطائفة ظنت أن التدين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، ألا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعًا، وطائفة ثالثة من أهل الإنصاف والدين -كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب -كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، سيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها، وقد أثبت أكثر هؤلاء الأسماء رواة الأخبار التي أوردها؛ ليكون الباحث على بصيرة من كل بخبر بالبحث عن حال راويه، وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، متكفيًا بأصول الأخبار الصحيحة عن الزيادات الطارئة عليها، وأن الرجوع إلى كتب السنة، وملاحظات أئمة الأمة، مما يسهل هذه المهمة، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء، وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتب جرجي زيدان، ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق؛ فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة، ولا يبعد -إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق- أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم، ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات."خ".

(1/179)


رواية الدارقطني خبر التحكيم فضحت الأكاذيب المفتراة
...
في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر ونحوه عزل [عمرو] معاوية310 ذكر الدارقطني بسنده إلى حصين بن المنذر311: لما عزل عمرو معاوية جاء "جاء حصين بن المنذر" فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ [ثناه]312 معاوية، فأرسل "إلي" فقال: إنه بلغني عن هذا "أي عن عمرو" كذا وكذا313، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا314، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغنِ عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه. فأتيته فأخبرته "أي فأتى حصين معاوية فأخبره" أن الذي بلغني عنه كما بلغه. فأرسل إلى ابن الأعور الذكواني315 فبعثه في خيله، فخرج يركض فرسه ويقول: أين عدو الله، أي هذا الفاسق؟
قال أبو يوسف316: أظنه قال: "إنما يريد حوباء نفسه" فخرج
ـــــــ
310 أي بتقريره مع أبي موسى أن أمامة المسلمين يترك النظر فيها إلى أعيان الصحابة."خ".
311 قال الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن همام، حدثنا أبو يوسف الفلوسي وهو يعقوب بن عبد الرحمن بن جرير، حدثنا الأسود بن شيبان، عن عبد الله بن مضارب، عن حصين بن المنذر "وحصين من خواص علي الذين حاربوا معه"."خ".
312 أي عزله عليًّا ومعاوية وتفويضه الأمر إلى كبار الصحابة. "خ".
313 أي أنهما لم يعزلا، ولم يوليا، ولكن تركا الأمر لأعيان الصحابة."خ".
314 وكتبها الشيخ محب: "نباه"، "س".
315 هو أبو الأعور السلمي، "وذكوان قبيلة من سليم" واسمه عمرو بن سفيان، كان من كبار قواد معاوية، وفي حرب صفين طلب الأشتر أن يبارزه، فرفع عن ذلك؛ لأنه لم ير الأشتر من أنداده.
316 أي الفلوسي راوي هذا الخبر عن الأسود بن شيبان عن عبد الله بن مضارب عن حصين.

(1/180)


"عمرو" إلى فرس تحت فسطاطه فجال في ظهره عريانًا، فخرج يركضه نحو فسطاط معاوية وهو يقول: "إن الضجور قد تحتلب العلبة، يا معاوية إن الضجور قد تحتلب العلبة"، فقال معاوية: "[أحسبه]، وتزيد الحالب فتدق أنفه، وتكفأ إناءه"319.
قال الدارقطني ،وذكر سندًا عدلًا320 [وساق الحديث]: ربعي عن أبي موسى أن عمرو بن العاص قال: "والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهو يحل لهما منه شيء لقد غبنا ونقصنا رأيهما. وايم الله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي، ولئن كانا أمرأين يحرم عليهما هذا المال الذي أصبناه بعدهما لقد هلكنا، وايم الله ما جاء الوهم إلا من قبلنا"321.
ـــــــ
317 الضجور: الناقة التي ترغو وتعربد عند الحلب. و"قد تحلب الضجور العلبة" مَثَل، ومعناه: أن الناقة التي ترغو قد تحلب ما يملأ العلبة، يضربونه للسيء الخلق قد يصاب منه الرفق واللين، وللبخيل قد يستخرج منه المال.
318 في نسخة الشيخ محب "أجل". "س".
319 ثم قال: ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ودعلج بن أحمد قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عمر، ثنا زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ...."س".
320 أورد المؤلف هذا الخبر للدلالة على ورع عمرو* ومحاسبته لنفسه وتذكيره بسيرة السلف.
321 وأسقطها الشيخ محب من النص وجعلها في الهامش."س".
ـــــــ
* قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثناء على عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه :" أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" وهو حديث حسن كما جاء في الأحاديث الصحيحة: 64/2.
قال شيخنا محدث الديار الشامية في المصدر السابق: وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، أن شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم :" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" متفق عليه. وقال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}.
وعلى هذا لا يجوز الطعن في عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين، وغيرهم من المخالفين؛ بسبب ما وقع من الخلاف بل القتال مع علي رضي الله عنه؛ لأن ذلك لا ينافي الإيمان، فإنه لا يستلزم العصمة كما لا يخفى، لاسيما إذا قيل: إن ذلك وقع منه بنوع من الاجتهاد وليس اتباعًا للهوى."م".

(1/181)


نصيحة المؤلف للناس بالأدب مع الصحابة
...
فهذا كان بدء الحديث ومنتهاه، فأعرضوا عن الغاوين، وازجروا العاوين، وعرجوا عن سبيل الناكثين، غلى سنن الهتدين.وأمسكوا الألسنة عن السابقين إلى الدين، إياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد هلك من كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصمه، دعوا ما مضى، فقد قضى الله فيه ما قضى، وخذوا لأنفسكم الجد فيما يلزمكم اعتقادًا وعملًا، ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل [ماجن] اتخذ الدين هملًا، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. ورحم الله الربيع بن خثيم322 فإنه لما قيل له: قتل الحسين قال: أقتلوه؟ قالوا: نعم. فقال: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:46] ولم يزد على هذا أبدًا، فهذا العقل والدين، والكف عن أحوال المسلمين، والتسليم لرب العالمين.
ـــــــ
322 هو من تلاميذ عبد الله بن مسعود وأبي أيوب الأنصاري وعمرو بن ميمون، وأخذ عنه الإمام الشعبي وإبراهيم النخعي وأبو بردة، قال له ابن مسعود: "لو رآك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحبك، توفي سنة 64."خ".
تكلمة: ب، ج، ز ومطبوعة الشيخ محب: "خيثم" وهو خطأ والتصحيح من طبقات ابن خياط - صفحة 141 ."س".

(1/182)