العواصم من القواصم - ط دار الجيل
الباب السادس
قاصمة
احتجاج الشيعة بحديث خم ودعاء وال من والاه
...
قاصمة:
قال قيل: إنما يكون ذلك في المعاني التي تشكل، وأما هذه الأمور كلها
فلا إشكال فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على استخلاف علي
بعده فقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"323،
وقال:" اللهم324 والِ من والاه، وعادِ من عاداه،
ـــــــ
323 في كتاب المغازي من صحيح البخاري: ك 64 ب 78 ج 5، صـ 129، وفي
فضائل الصحابة من صحيح مسلم: ك 44 ح 31 ج 7، صـ 120 من حديث سعد بن أبي
وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى تبوك واستخلف
عليًّا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: "ألا ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي" . وانظر المناقشة في هذا
الحديث بين السيد عبد الله بن الحسين السويدي سنة 1156 وبين الملا باشي
علي أكبر، شيخ علماء الشيعة ومجتهديهم في زمن نادر شاه في كتاب مؤتمر
النجف** صـ 25-27 طبع السلفية."خ".
324 أخرجه النسائي في "خصائص علي" وأحمد والحاكم، وقال: صحيح على شرط
الشيخين، وله طرق أخرى كلها صحيحة، ولكن ليس في طريق من طرقها جميعها:
"اللهم انصر من نصره واخذل من خذله"." م".
ـــــــ
** رجعت إلى كتاب مؤتمر النجف الذي أشار إليه محب الدين الخطيب، فإذا
به يذكر على لسان السويدي أن ابن الجوزي قال: إن هذا الحديث موضوع، مع
أنه رواه البخاري ومسلم.
وليس في هذا الحديث نص على استخلاف علي بعد الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم، قال الشيخ السويدي:
لو دل هذا على الاستخلاف، لاقتضى أن ابن أم مكتوم خليفة بعد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم؛ لأنه استخلفه على المدينة، واستخلف أيضًا غيره،
فلم خص علي رضي الله عنه بالخلافة دون غيره، مع اشتراك الكل في
الاستخلاف؟
وأيضًا لو كان هذا من باب الفضائل، لما وجد علي على نفسه وقال: "
أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم تطييبًا لنفسه: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟".
(1/183)
افتراء الشيعة على أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأهل الشام
...
وانصر من نصره، واخذل من خذله325 " فلم يبق بعد هذا خلاف لمعاند.
فتعدى عليه أبو بكر، واقتعد في غير موضعه.
ثم خلفه في التعدي عمر.
ثم رجا أن يوفق عمر للرجوع إلى الحق، فأبهم الحال وجعلها شورى نصرًا
للخلاف، للذي سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم تحيل ابن عوف حتى ردها عنه إلى عثمان.
ثم قتل عثمان لتسوره على الخلافة وعلى أحكام الشريعة326، وصار الأمر
إلى علي بالحق الإلهي النبوي، فنازعه من عاقده، وخالف عليه من بايعه،
ونقض عهده من شده.
وانتدب أهل الشام [مع معاوية] إلى الفسوق في الدين، بل الكفر327.
ـــــــ
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض كلامه على الحديث
السابق:
"... وقد شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى،
وشبه عمر بنوح وإبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام؛ لما أشارا في
الأسرى، وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة
أولئك الرسل. وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته في بعض الوجوه كثير في
الكتاب والسنة، وكلام العرب". "مجموع الفتاوى 419/4 باختصار"."م".
325 في مسند أحمد 152،119،118،88،84:1 الطبعة الأولى رقم
1310،131،961،950،670،641 وفي 372،370،368،281:4 الطبعة الأولى و
419،370،366،347:5 الطبعة الأولى.
وانظر تفسير الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب لهذا
الحديث، وسيأتي كلام المؤلف على الحديثين في صـ 263."خ".
326 كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا. وقد جاء في هذا
الكتاب مايثبت كذبهم."م".
327 كل هذه الفقرات من هذيان مرتكبي "القاصمة" وشيعتهم، وقد أجاب
المؤلف في العاصمة التالية مدحضًا سخافاتهم، ولكن اتسع عليه ميدان
القول ففاته الكلام على موقف أهل الشام من هذه الفتن التي وقعت في
الإسلام، وقد رأيت في صـ 92 قول ابن الكوا أحد زعماء الفتنة وهو يصف =
(1/184)
.................................................
ـــــــ
= أشباهه في الأمصار الكبرى: "وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع
الناس لمرشدهم، وأعصاهم لمغويهم، وإذا كان كان أهل الأحداث في الشام
هكذا على ما شهد به زعيم من زعماء الفتنة،, فإن أهل العافية والإيمان
منهم قد شهد لهم أمير المؤمنين علي: فيما نقله ابن كثير في البداية
والنهاية: 20:8 عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني أحد الأئمة الأعلام
الحافظ، عن شيخه معمر بن راشد البصري وهو أيضًا من الأعلام، عن الزهري
مدون السنة وشيخ الأئمة أن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: قال رجل من
صفين: "اللهم العن أهل الشام" فقال له علي: "تسب أهل الشام، فإن بها
الأبدال، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال"*، وروي هذا الحديث من وجه
آخر مرفوعا@ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى أبو إدريس
الخولاني وهو من أعلام حملة السنة والشريعة، ومن شيوخ الحسن البصري،
وابن سيرين، ومكحول، وأضرابهم أن أبا الدرداء قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "بينما أنا نائم رأيت الكتاب احتمل من تحت رأسي،
فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، وأن الإيمان -حين
تقع الفتنة- بالشام".** وروى هذا الحديث من الصحابة غير أبي الدرداء
أبو أمامة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وللمقارنة بين أهل الشام والذين
كانوا يحاربونهم ننقل عن ابن كثير 325:7 خبر الأعمش، عن عمرو بن مرة بن
عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم قال: خطبنا علي يوم جمعة فقال:
"نبئت أن بشرًا قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون
عليكم، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم،
وبيخانتكم وأمامنتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم، وقد بعثت فلانًا
فخان وغدر، وبعثت فلانًا فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية، لو ائتمنت
أحدكم على قدح لأخذ علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني،
الله فأرحهم مني وارحني منهم"، بهذا وصف علي جيشه وطائفته، وبعكسه في
الفضائل وصف أهل الشام الذين اضطروا إلى أن يقفوا من طائفته موقف
المحارب، وليس بعد وصف علي لأهل الشام بالطاعة والأمانة والإصلاح، إلا
الضرب بهذه القنبلة وجوه واصفيهم بالكفر والفسوق في الدين."خ".
ـــــــ
* حديث الأبدال لعلي ضعيف لانقطاعه، فإن شريح بن عبيد الحمصي لم يدرك
عليًّا.
وبمناسبة الكلام على الأبدال نسوق رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية
رحمه الله تعالى نظرًا لخطورة الموضوع:
"...أما الأسماء الدائرة على ألسنة الكثيرين من النساك والعامة مثل
"الغوث" الذي بمكة، و"الأوتاد الأربعة"، و"الأقطاع السبعة"،
(1/185)
...............................
ـــــــ
= و"الأبدال الأربعين"، و"النجباء الثلاثمائة" فهذه أسماء ليست موجودة
في كتاب الله تعالى، ولا هي أيضًا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بإسناد صحيح، ولا ضعيف، يحمل عليه ألفاظ الأبدال...
أما الغوث والغياث، فلا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين، فلا
يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، لا يملك مقرب، ولا نبي مرسل "أي بعد موته
أو في حياته مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى"، ومن زعم أن أهل الأرض
يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم... إلى الغوث فهو كاذب
ضالٌّ مشرك، قد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {وَإِذَا
مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ
إِيَّاهُ} وقال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاه}.
فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحجاب، وهو
القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
وليس من أولياء الله المتقين، ولا عباد الله المخلصين الصالحين، ولا
أنبيائه المرسلين: "من كان غائب الجسد دائمًا عن أبصار الناس، بل هذا
من جنس قول القائلين أن عليًّا في السحاب، وأن محمد بن الحنفية في جبال
رضوى، وأن محمد بن الحسن بسرداب سامري، وأن الحاكم بجبل مصر، وأن
الأبدال الأربعين بجبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك
والبهتان... "الفتاوى: 433/11-443" باختصار".
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
روى في الأبدال حديث أنهم أربعون رجلًا، وأنهم بالشام، وهو في المسند
من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث منقطع ليس بثابت، ومعلوم أن عليًّا
ومن معه من الصحابة، كانوا أفضل من معاوية ومعه بالشام، فلا يكون أفضل
الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء
الشيطان" طبعة المكتب الإسلامي لصاحبه الأستاذ زهير الشاويش.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على المسند: إسناده
ضعييف لانقطاعه. شريح بن عبيد الحضرمي الحمصي لم يدرك عليًّا، بل، لم
يدرك إلا بعض متأخري الوفاة من الصحابة.
وما أحسن ما قاله الإمام ابن تيمية أيضًا:
وأما أهل العلم فكانوا يقولون عن "أهل الحديث" هم "الأبدال" أبدال
الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليس من المعدمين الذين لا يعرف لهم
حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه: هذا في
العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعًا،
وكانوا =
(1/186)
الصحابة كلهم كفرة عند الشيعة
...
وهذه حقيقة مذهبهم328، أن الكل [منهم]329 كفرة330، 331 لأن من
ـــــــ
= يقولون: هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق؛
لأن الهدى ودين الحق الذي بعث به رسله معهم، وهو الذي وعد الله بظهوره
على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا.
... إن الذين يعيبون أهل الحديث ويعدلون عن مذهبهم جهلة زنادقة مناقون
بلا ريب، ولهذا لما بلغ الإمام أحمد عن "أبي قتيلة" أنه ذكر عنده أهل
الحديث بمكة، فقال: قوم سوء، فقام الإمام أحمد، وهو ينفض ثوبه، ويقول:
زنديق، زنديق، زنديق، ودخل بيته، "الفتاوى 96/4-97".
328 أي حقيقة مذهب الرافضة وأعداء الصحابة."خ".
329 وفي طبعة الشيخ الخطيب "عندهم". "س".
330 يستثنون منهم -بعد علي: وبعض آله- سلمان الفارسي وأبا ذكر والمقداد
بن الأسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبا الهيثم بن التيهان وسهل
بن حنيف، وعبادة بن الصامت وأبا أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبا
سعيد الخدري، وبعض الشيعة يرى أن الطيبين من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أقل عددًا من هؤلاء."خ".
331 ومما يحتج به الرافضة على ارتداد الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أن
أناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال"، أي إلى جهنم.
ـــــــ
* يريد حديث رواه شريح بن عبيد قال: "ذكر أهل الشام عند علي رضي الله
عنه وقيل: العنهم يا أمير المؤمنين قال: "لا، إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول: "الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلًا،
كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلًا، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على
الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب" ، وهو حديث ضعيف؛ لانقطاعه،
فإن شريح هذا لم يدرك عليًّا.
** رأيت في المشكاة نحوه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"رأيت عمودًا من نور، خرج من تحت رأسي حتى استقر بالشام" ، رواه
البيهقي في دلائل النبوة وسنده صحيح كما قال محقق المشكاة.
وروى أبو داود بإسناد صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"ستفتح الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها، فعليكم بمدينة يقال لها دمشق،
فإنها معقل المسلمين من الملاحم وفسطاطها، منها أرض يقال لها: الغوطة"
وسنده صحيح كما قال محقق المشكاة."م".
(1/187)
............................
ـــــــ
=
فأقول: أصيحابي، أصيحابي" على صيغة القلة والتصغير، لقلة عددهم.
"فيقول" : أي الله سبحانه :" إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ
فارقتهم".
فأقول كما قال العبد الصالح- أي عيسى عليه السلام معتذرا :{ وَكُنْتُ
عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ } - إلى قوله- {الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} متفق عليه.
وتمام الآية :{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ
عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ
فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
قال في أشعة اللمعات في الرد على الرافضة:
قالوا: ليس المراد بهذا خواص الأصحاب، لأنا نعلم- يقينا- أنه لم يرتد
أحد منهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قوم من جفاة العرب من
اصحاب مسليمة الكذاب والأسود العنسي أو بعض مؤلفة القلوب الذين لم تكن
لهم بصيرة بالدين، ولا قوة في افيمان..
ولما كانكل من رأى النبي صلى الله عليه وىله وسلم لحظة* يطلق عليه لفظ
صاحب، كان هذا الحديث بحث من لم يرسخ افسلام في نفسه، وهو بحق هؤلاء
الأصحاب!
مما سبق ندرك مبلغ افتراء الرافضة بالاحتجاج بهذا الحديث على ردة أكابر
الصحابة الذين وردت في الثناء عليهم الآيات والأحاديث الكثيرة التي
رأينا بعضها في أول هذا الكتاب وقد حضنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على التمسك بسنته وسنتهم في قوله: في الحديث الصحيح :"عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" رواه
أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من كان مستنا، فليستن بمن قد مات.
أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وىله وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة،
وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحة نبيه، ولإقامة دينهن فاعرفوا لهم
فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما اسطتعتم من أخلاقهم وسيرهم،
فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
ويقصد الرافضة من وراء الدعوة إلى ارتداد كبار الصحابة نسف الشريعة
التي نقولها إلينا، وزرع الشك في نفوسنا في نقلهم ماداموا قد ارتدوا،
لذلك فهم يزعمون أن لهم قرآنا غير قرآننا، راجع كتاب الكافي للكليني
طبعة إيران سنة 1378 ص4 5 ، 57 وكتب الكافي هذا هو كتاب موثوق لديهم
=
ـــــــ
* ومات على الإسلام.س.
(1/188)
تكفيرهم كل عاص بكبيرة
...
مذهبهم التكفير بالذنوب333. وكذلك تقوم هذه الطائفة التي تسمى
ـــــــ
= يشبه كتاب البخاري عندنا، وراجع كذلك كتاب: فصل الخطاب في إثبات
تحريف كتاب رب الأرباب وهو محشو بالأكاذيب والأباطيل.
ومن أغراض الرافضة التي يقصدونها من وراء ادعاء ارتداد الصحابة العمل
على فقدان الثقة في الأجيال الإسلامية بسلفيهم وحرمانهم الاقتداء
بالجيل المثالي الأول الذي ترى في مدرسة محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
فيصبحون هملا لا تاريخ عظيم لهم ولا قدورة صالحة يقتدو بها..
وقد حقق الرافضة مآربهم، فدسوا في تاريخنا الإسلامي ما يريدونه من
تشويه تاريخ الصحابة وتضليل الناشئة مئات السنين...مما رأينا في هذا
الكتاب نماذج من أكذيبهم وأضاليلهم، وكيف رد عليها القاضي ابن العربي،
ومحب الدين الخطيب.
ومما يؤسف له أن جميع هذه الردود، ومثلها الكتاب العظيم: منهاج السنة
لشيخ الإسلام ابن تيمية بقيت حبرا على ورق ولم تدخل دارسنا ولم توضع
بين أيد يالمؤلفين والأساتذة والطلبة الذين مازالوا في فتنة عمياء وفي
ضلال مبين. وقد حدثت كثير من هؤلاء المؤلفين والأساتذة عن كذب كثير مما
يدرسونه فكانوا يعتذرون بانهم إنما استقوا معلوماتهم من تاريخ الطبري.
وقد جهلوا أن في هذا المصدر قد اختلط الصواب والخطأ والصحيح والمكذوب
مما لا يستطيع التمييز بينهما إلا المؤرخ العارف بتاريخ الرجال ومعرفة
الثقة من الكاذب من الرواة. وكل ذلك تكفلت ببيانه كتب الرجال أمثال
ميزان الاعتدال ولسان الميزان وتهذي التهذيب وغيرها.
ومن مكائد الرافضة التي تخفى على الكثيرين أنهم يلجؤون إلى الكتب التي
تفضح مؤامراتهم، فيجمعونها من الأسواق ويحضرون أتباعهم على حرقها، فقد
ذكر لي ثقة أن أحد الدجالين من المتطببين يصف لمرضاه وجوب إحراق منهاج
السنة أو العواصم من القواصم والتبخر على نارها طلبا للشفاء، فيسارع
المريض المغفل بشراء كتاب من هذين الكتابين،ولو بأغلى الأسعار، وحرقه
كما وصف له المتطببون من الرافضة.
كل هذا يدعونا إلى المسارعة لتصحيح تاريخنا وتنظيفه من التحريف
والتضليل، وهذا ما قصدناه من نشر هذا الكتاب بعد مراجعته، وعرضناه في
الأسواق بسعر رخيص ليسهل على الجميع اقتناؤه.خ.
332 ومن مذهبهم أن عليا واحد عشر من آله معصومون عن الخطأ،
ـــــــ
* قال شرح حجازي - كان الله له-: هذا أيضاما دعانا إلى الجروع إلى
المخطوطات الصلية لهذا الكتاب- النافع- لننشره على الناس خليا من
التحريف والتصحيف، أداء للأمانة، وتحملا للمسئولية... مسئولية نشر
العلم والذب عن الدين أمام تحريف الغالبين وانتحال المبطلين.
(1/189)
طعن الشيعة في الصحابة
...
بالإمامية: إن كل عاص بكبيرة كافر333، على رسم القدرية 334، ولا أعصى
من الخلفاء المذكورين335 ومن ساعدهم على أمرهم، وأصحاب محمد صلى الله
عليه وآله وسلم أحرص الناس على دنيا336، وأقلهم
ـــــــ
= وأنهم مصدر تشريع. ويقبلون التشريع الذي ينسبه إليهم رواة يشترط فيهم
التشيع والموالاة، وأن عرفهم الناس بما ينافي الصدق أو يناقض ما هو
معلوم من الدين بالضرورة.خ
33 ومدلول الكبيرة عندهم عبر مدلولها عند المسلمين.خ.
334 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 24: كان قدماء الشيعة
متفقين على إثبات القدر والصفات. وإنما شاع فيهم رد القدر من حين
اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه.خ.
335 وهم أبو بكر وعمر ومثان.خ.
336 قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعلى ردا على قول ابن المطهر
الرافضي: فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق،وبايعه أكثر الناس طلبا
للدنيا.
وهذا إشارة إلى أبي بكر، فإنه هو الذي بايعه أكثر الناس، ومن المعلوم
أن أبا بكر لم يطلب الأمر لنفسه لا بحق ولا بغير حق،بل قال: قد رضيت
لكم أحد هذين الرجلين: أما عمر بن الخطاب، وإما أبا عبيدة، فقا لعمر
فوالله لأن أقدم فتضر ب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم، أحب إلى من أن
أتأمر على قوم فيهم أبو بكر. وهذا للفظ في الصحيحين.
وقد روى عنه أيضا أنه قال: أقيلوني أقيلوني فالمسلمون اختاروه وبايعوه
لعلمهم بأنه خيرهمم... والمسلمون اختراروه كما قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في الحديث الصحيح لعائشة:" ادعي لي أباك.. الحديث " وقد
ذكرنواه كاملا في موضع آخر.
ثم قال ابن تيمية: هب أنه طلبها وبايعه أكثر الناس. فقولكم إن ذلك طلب
الدنيا كذب ظاهر. فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعطهم دنيا.
والذين بايعوه أزهد الناس في الدنيا، وهم الذين أثنى الله تعالى عليهم.
وكان أبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله في حياة الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم، فلم يأخذ بدله، واوصى بأن يرد إلى بيت المال جرد قطيعة،
وبكر وأمة سوداء ونحو ذلك منهاج السنة باختصار 25/2-41.
(1/190)
حماية337 على
دين، وأهدمهم لقاعدة وشريعة328.
***
ـــــــ
337: وفي نسخة الشيخ محب الدين الخطيب حمية!.س.
338 ومع ذلك يوجد فيمن ينتمي إلى الأزهر،وإلى السنة، من يوالي دار
التقريب بين المذاهب التي تأسست في القاهرة بعد الحرب العالمية
الثانية، ويتسلى بصرف بعض عمره في الاختلاف إليها وتبادل التقية مع
القائمين عليها.خ.
(1/191)
عاصمة
يكفيك من شر سماعه
...
عاصمة:
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: يكفيك من شر سماعه، فكيف التململ به.
خمسمائة عام عدا إلى يوم مقال هذا- لا ينقص منها يوما ولا يزيد يوما-
وهو مهل شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وماذا يرجى بعد التمام إلا
النقص؟
ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى ما رضيت الروافض في أصحاب
محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على
افكر والباطل339. فما يرجى من هؤلاء، وما يستبقى منهم؟ وقد قال الله
تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}
[ سورة النور:55]، وهذا قول صدق،ووعد حق. وقد انقضر عصرهم ولا خليفة
فهيم ولا تمكين، ولا أمن ولا سكون، إلا في ظلمن وتعد وغصب وهرج وتشتيت
وإثارة ثائرة.
وقد أجمعت 341 الأمة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما نص
ـــــــ
337 أخرد الحافظ ابن عساكر 165:4 أن الحسن المثني بن الحسن السبط ابن
علي بن أبي طالب قال لرجل من الرافضة: والله لئن لمكننا الله منكم
لنقطعن أيديكم وأرجلكم، ثم لا نقبل منكم توبة. فقال له الرجل: لم لا
تقبل منهم توبة؟ قال: نحن أعلم بهؤلاء منكم. إن هؤلاء إن شاءوا صدقوكم،
وإن شاءوا كذبوكم وزعموا أن ذليك يستقيم لهم في التقية. ويلك! إن
التقية هي باب رخصة للمسلم، إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير
ما في نفسه يدرأ عن ذمة الله، وليست باب فضل، إنما الفضل في القيام
بأمر الله وقول الحق. وايم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبد من
عبد الله أن يضل عباد الله.خ.
341 ليس هناك إجماع. قال شارح العقيدة الطحاوية:
ثم اختلف أهل السنة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه هل كانت
=
(1/192)
على أحد يكون
من بعده343. وقد قال العباس لعلي- فيما روى عنه
ـــــــ
= بالنص، أو بالاختيار؟ فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث إلى
أنها ثبتت بالنص الخفي وافشالرة، ومنهم من قال بالنص الجلي. وذهب جماعة
من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية إلى أنها ثبتت بالاختيار.
والدليل على إثباتها بالنص أخبار: من ذلك ما رواه أبو داودد عن جابر
رضي الله عنه، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله سولم قال:
"رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم،ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر" قال جابر: فلما قمنا من عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،قال لنا: أما الرجل الصالح فرسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما المنوط بعضهم ببعض، فهو ولاة هذا
الأمر الذي بعث الله به نبيه. وهو حديث صحيح كما قال محقق الطحاوية
ص473.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر
وعمر " وسنده صحيح كما قال محقق الطحاوية، وأحاديث تقديمه في الصلاة
مشهور معروفة، وهو يقول: "مروا أبا بكر يصلي بالناس" رواه البخاري
ومسلم.
وتصرف النظر عن ذكر بقية النصوص، فقد أثبتها القاضي ابن العربي رحمه
الله فيما يأتي.
واحتج من قال: لم يستخلف بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمرو عن عمر
رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني،
يعني أبا بكر، وأن لا أستخلف، فلم يستخلف من هو خير مني، يعني رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عبد الله ، فعرفت أنه حين ذكر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستخلف. وما روى عن عائشة رضي الله
عنها أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستخلفا لو
استخلف. والظاهر- والله أعلم- أن المراد أنه لم يستخلف بعده مكتوب، ولو
كتب عهدا لكتبه لأبي بكر، بل قد أراد كتابته ثم تركه، وقال: " يأبى
الله والمسلمون إلا أبا بكر " رواه مسلم، فكان هذا أبلغ من مجرد
العهد... ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتابة اكتفاء
بذلك...
ولم يقل أحد من الصحابة قط أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على
غير أبي بكر، لا علي،ولا العباس،ولا غيرهما، كما قال أهل البدع.
وروى ابن بطة بإسناده: أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير
الحنظلي إلى الحسن، فقال: هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف
أبا بكر؟ فقال: أو فخانك صاحبك؟ نعم، والله الذي لا إله إلا هو استخله!
لهو كان أنقى لله أن يتوثب عليها. باختصار ص471- 475.خ.
242 نقل الحافظ ابن عساكر 166:4 عن الحافظ البيهقي حديث=
(1/193)
عبد الله ابنه-
قال عبد الله بن عباس: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من عند رسول
الله صلى الله علي وسلم في وجه الذي توفى فيه، فقال الناس يا أبا
الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أصبح بحمد
الله بارئا. فأخذ بيده العباس بن عبد المطلب فقال له: انت والله بعد
ثلاث عبد العصا. وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
سوف يتوفى من وجعه هذا. إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب
بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنسأله فيمن يكون هذا
الأمر بعده، فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمانه فأوصى
بنا. فقال علي343: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله
ـــــــ
=
فضيل بن مرزوق أن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب سئل
فقيل له: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه
فعلي مولاه" ؟ فقال: بلى، ولكن والله لم يعن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم بذلك الإمارة والسلطان. ولو أراد ذلك لأفصح بهم به، فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أنصح للمسلمين. ولو كان الأمر كما
قيل لقال: يا أيهنا الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي،
فاسمعوا له وأطيعوا. والله لئن كان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر
وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله، لكان علي
أول من ترك أمر الله ورسوله. ورواه البيهقي من طرق متعددة في بعضها
زيادة وفي بعضها نقصان والمعنى واحد.خ.
343 سبق الكلام في بحث مضى على بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما.
وننقل فيما يلي كلاما لطيفا للإمام المازري نقله الحافظ في الفتح 378/7
بمناسبة الرواية التي تقوم بتأخر علي عن مبايعة أبي بكر:
لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به- أي لأبي بكر- أنه يكفي في بيعة
الإمام أن قع من أهل الحد والعهقد، ولا يجب الاستيعاب. ولا يلزم كل
واحد أن يحضر عنده، ويضع يده في يده، بل يكفي التزام طاعته ولانقياد له
بأن لا يخالفه. ولا يشق العصا عليه. وهذا كانحال علي لم يقع منه إلا
التأخر عن الحضور عند أبي بكر.م.
(1/194)
صلى الله عليه
وآله وسلم344.
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: رأى العباس عندي أصح، وأقرب إلى
الآخرة، والتصريح بالتحقيق. وهذا يبطل قول مدعي الإشارة باستخلاف علي،
فكيف أن يدعي فيه نص؟!
فأما أبو بكر، فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فأمرها أن ترجع إ ليه. قالت: فإن لم أجدك- كأنها تعني الموت- قال: "
تجدين أبا بكر "345.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر وقد وقع بينه أبي بين عمر
وبين أبي بكر كلام، فتمر وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم346، حتى
أشفق من ذلك أبو بكر، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم" هل أنتم
تاركوا لي صاحبي مرتين، إني بعثت إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر:
صدقت. ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته" 347.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لو كنت متخذا في الإسلام خليلا
لاتخذت أبا بكر خليلا. ولكني أخي، وصاحبي "348.
ـــــــ
344 رواه البخاري في كتاب المغازي من صحيحه ك 64 ب5 ج5 ص140-141. ونقله
ابن كثير في البداية والنهاية 227:5 و 251 من حديث الزهري عن عبد الله
بن مالك عن ابن عباس. ورواه الإمام أحمد في مسنده 263:1 و 325 رقم 2374
و 2999.
345 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك 62 ب5 ج4 ص191 من حديث
جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرها أن
ترجع إليه. قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك- كأنها تقول الموت- قال صلى
الله عليه وآله وسلم: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر". خ.
346 تمعر وجهه: تغير، وذهب ما كان فيه من النضارة، وإشراق اللون.خ.
347 في كتاب مناقب الصحابة من صحيح البخاري ك 62 ب5 ج4 ص192 عن أبي
الدرداء مطولا.خ.
348 في الباب المذكور من كتاب مناقب الصحابة في صحيح البخاري ج4 ص191
من حديث عكرمة عن ابن عباس.خ.
(1/195)
وقد اتخذ الله
صاحبكم خليلا. لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" 349.
وقال النبي صلى الله عليه وآلهوسلم:" بينما أنا نائم رأيتني على
قليب350 عليها دلو، فنزعت منها ما شياء الله، ثم اخذها ابن أبي قحافة
فهنزع منها ذنوبا أو ذنوبين"351 وفي نزعه ضعف والله يغفر له،ثم استحالة
غربا352، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى
ضرب الناس بعطن" 253.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعدا أحدا وأبو بكر وعمر
وعثمان رضي الله عنهما، فرجف بهم: فقال :"اثبت أحد، فإنما عليك نبي
وصديق وشهيدان" 354.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل
رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم
ـــــــ
349 في هذه الجملة اضطراب ونقص. وانظر لهذا المعنى حديث ابي سعيد
الخدري في ذلك الموضع من صحيح البخاري ج4ص190-191، وحديث ابن عباس في
مسند أحمد 270:1 رقم 2432 والبداية والنهاية* 329:5 و 230.
350 القليب: البئر غير المطوية.خ.
350 الذنوب: الدلو العظيمة إذا ملئت ماء، وابن أبي قحافة هو أبو بكر.خ.
352 أي ثم عظمت فصارت كالدلو الواسعة الي تتخذ من جلد الثور لكبرها.خ.
352 أي حتى اتخذ الناس حولها مبركا لا يلهم لغزارة مائها، والحديث في
ذلك الموضع من صحيح البخاري ج4 ص193 من حيث سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة.خ.
354 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم ك62 ب5 ج4 ص197 من حديث قتادة
عن أنس بن مالك.خ.
ـــــــ
* نظرنا في البداية والنهاية فإذا نص الحديث:"... لا يبقى في المسجد
باب إلا سد إلا باب أبي بكر " وهكذا رواه البخاري وأحمد...أهـ.
باختصار.
وعند مسلم:"..... لا يبقى في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر".
م.
(1/196)
أحد فعمر "355.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة رضي الله عنها في مرضه:
"ادعى لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن
ويقول: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" 356.
وقال ابن عباس: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا
رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظلمة تنظف السمن والعسل، فأرى
الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقلز وأرى سببا واصلا من السماء
إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به
رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل له فعلا وذكر
الحديث. ثم عبرها أبو بكر فقال: واما السب الواصل من السماء إلى الأرض
فالحق الذي أنت عليه، فأخذته فيعليك الله. ثم يأخذ به رجل آخر بعدك
فيلعو به، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به. ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم
يوصل له فيعلو به"357.
وصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا"
؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر
فرجحت. ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر. ووزن عمر وعثمان فرجح عمر. ثم
رفع الميزان. فرأينا الكراهية في وجه رسول الله
ـــــــ
355 في كتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري ك62 ب6ج4 ص200 من حديث أبي
سلمة عن أبي هريرة.خ.
356 في مسند أحمد 14:6 الطبعة الأولى من حديث الزهري عن عروة بن الزبير
عن عائشة، وانظر المسند أيضا 47:6 و 106 وطبقات ابن سعد 3 1: 127 ومسند
* أبي داود الطيالسي: الحديث 1508.خ.
357 في كتاب التعبير من صحيح البخاري ك91 ب47 ج8 ص83-84 من حديث عبد
الله بن عباس، وفي كتاب الرؤيا من صحيح مسلم ك47 ح17 ج7 ص55-56 من حديث
ابن عباس، وفي مسند أحمد 236:1 الطبعة الأولى رقم 2113 من حديث ابن
عباس.خ.
ـــــــ
* وروى هذا الحديث الإمام مسلم أيضا.
(1/197)
صلى الله عليه
وآله وسلم358، 359.
وهذه الأحاديث جبال في البيان، وحبال في التسبب إلى الحق لمن وفقه
الله. ولو لم يكن معكم- أيها السنية- إلا قوله تعالى: {إِلاّ
تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 360[التوبة:40]
فجعلها 361 في نصيف وجعل أبا بكر في نصيف آخر وقام معه جميع الصحابة.
وإذا تبصرتم هذه الحقائق فليس يخفى منها حال الخلفاء في خلالهم
وولايتهم وترتيبهم خصوصا وعموما. وقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي
لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور:55]. وإذا لم ينفذ هذا الوعد في
الخلفاء فلمن ينفذ؟ وإذا لم يكن فيهم ففيمن يكون؟ والدليل على انعقاد
الإجماع أنه لم يتقدمهم في الفضيلة أحد إلى يومنا هذا، وما بعدهم مختلف
فيه، وأولئك مقطوع بهم، متيقن إمامتهم، ثابت نفوذ وعد الله لهم. فإنهم
ذبواعن حوزة المسلمين وقاموا بسياسة الدين.
قال علماؤنا:ومن بعدهم تبع لهم من الأئمة الذين هم أركان الملة،
ـــــــ
358 في كتاب السنة من سنن أبي داود ك 39 ب8 ح4634 من حديث أبي بكرة.
وفي كتاب الرؤيا من جامع الترمذي الباب10 من حديث أبي بكرة أيضا. وانظر
في مسند أحمد 259:5 الطبعة الأولى حديث أبي أمامة عن رجحان كفة أبي بكر
بكفة فيها جميع الأمة...إلخ.خ.
359 قال محقق الطحاوية هذا الحديث صحيح من طريقين، وفي أحد الطريقين
زيادة: خلافة نبوة، ثم يؤتى الله الملك من يشاء فيها علي بن يزيد، وهو
ابن جدعان، وفيه ضعف.م.
360 أنه على الرغم من ثناء الله سبحانه على أبي بكر رضي الله عنه في
هذه الآية،يؤولها بعض أعاء الإسلام ويحرفون معناها، بأسلوبك يضحك
الثكلى ويترفع عنه حتى المجانين لتكون ذما لا مدحا لأبي بكر رضي الله
عنه فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!.م.
361 أي الأمة.خ.
(1/198)
ودعائم
الشريعة، الناصحون لعباد الله، الهادون من استرشد إلى الله. فأما من
كان من الولاة الظلمة فضرروه مقصور على الدنيا وأحكامها.
وأما حفاظ الدين فهم الأئمة العلماء الناصحون لدين الله، وهم أربعة
أصناف:
الصنف الأول- حفظوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم
بمنزلة الخزان لأقوات المعاش.
الصنف الثاني- علماء الأصول: ذبوا عن دين الله أهل العناد وأصحاب
البدع، فهم شجعان الإسلام، وأبطاله المداعسون عنه في مآزق الضلال362.
الصنف الثالث- قوم ضبطوا أصول العبادات، وقانون المعاملات، وميزوا
المحللات من المرحمات، وأحكموا الجراح والديات،وبينوا معاني الإيمان
والمنذوريات، وفصلوا الأحكام في الدعاوى. فهم- في الدين- بمنزلة
الوكلاء المتصرفين في الأموال.
الصنف الرابع- تجردوا للخدمة، ودأبوا على العبادة، واعتزلوا الخلق. هم-
في الآخرة- كخواص الملك في الدنيا.
وقد أوضحنا في كتاب سراج المريدين في القسم الرابع من علوم القرآن أي
المنازل أفضل من هؤلاء الأصناف، وترتيب درجاتهم.
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: وهذه كلها إشارات أو تصريحات أو
دلالات أو تنبيهات. ومجموع ذلك يدل على صحة ما جرى، وتحقيق ما كان من
العقلاء.
ونقول- بعد هذا البيان- على مقام آخر: لو كان هناك نص على أبي بكر362
أو على علي، لم يكن بد من احتجاج علي به، أو يحتج له
ـــــــ
362 المداعسة: المطاعنة، والمدافعة.خ.
363 قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية تعليقا على الحديث السابق وقد
صححه:" ادعى لي أباك وأخاك اكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من
بعدي..." فأبى الله وعباده المؤمنون أن يتولى غير أبي بكر، فالله هو
ولاه
(1/199)
به غيره من
المهاجرين والأنصار. فأما حديث غدير خم فلا حجة فيه، لأنه إنما365
استخلفه في حياته على المدينة كما استخلف موسى هارون في حياته- عند
سفره للمناجاة- على بني إسرائيل. وقد اتفق الكل من إخوانهم اليهود
قاطبة على أن موسى مات بعد هارون، فأين الخلافة؟
وأما قوله:" اللهم وال من والاه "266 فكلام صحيح، ودعوة مجابة. وما
يعلم أحد عاداه إلا الرافضة، فإنهم أنزلوه في غير منزلته، ونسبوا إليه
ما لا يليق بدرجته. والزيادة في الحد نقصان من المحدود. ولو تعدى عليه
أبو بكر ما كان المتعدى وحده، بل جميع الصحابة- كم قلنا- لأنهم ساعدوه
على الباطل.
ولا تستغربوا هذا من قولهم، فإنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان مداريا لهم، وممتحنا267 بهم على نفاق وتقية. وأين أنت من قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع قول عائشة رضي الله عنها: مروا
عمر فليصل بالناس:" إنكم لأنتن صواحب يوسف، مروا
ـــــــ
=
قدرا وشرعا، وأمر المؤمنين بولايته، وهداهم إلى أن ولوه من غير أن يكون
طلب ذلك لنفسه الفتاوى.
وبمثل هذا الكلام تقريبا قال الإمام ابن حزم.
365 لعل في هذه العبارة نقصا. فإن حديث غدير خم غير حديث استخلاف
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه لما ذهب إلى تروك.
366 سند صحيح ونرى تفصيل ذلك في موضع آخر. قال ابن قتيبة في تأويل
مختلف الحديث: يريد الرسول أن الولاية بينه وبين المؤمنين، ألطف من
الولاية بين المؤمنين بعضهم مع بعض، فجعلها لعلي.. وقد جاءت آيات
وأحاديث تفيد بأن الله ورسوله ولى الذين آمنوا.م.
367 صحيح البخاري ك10 ب39 و 46 و67 و 86 و 70ج ص161-162 و 165و 174-176
من حديث عائشة وأبي موسى الأشعري.خ.
(1/200)
أبا بكر فليصل
بالناس " وما قدمنا من تلك الأحاديث369.
لقد اقتحموا عظيما، ولقد افتروا كبيرا. وما جعلها عمر شورى إلا اقتداء
بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأبي بكر، إذ قال: إن استخلف فقد
استخلف من هو خير مني، وإن لم أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لم يستخلف370. فما رد هذه الكلمات أحد. وقال: اجعلها شورى في
النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض371.
وقد رضى الله عن أكثر منهم، ولكنهم كانوا خيار الرضا، وشهد لهم
بالأهلية للخلافة.
وأما قولهم تحيل ابن عوف حتى ردها لعثمان، فلئن كانت حيلة ولم يكن سواه
فلأن الحول ليس إليه372.. وإذا كان عمل العباد حيلة أو كان القضاء
بالحول والقوة لله. وقد علم كل أحد أنه لا يليها إلا واحد، فاستبد عبد
الرحمن بن عوف ب الأمر- بعد أن أخرج نفسه- على أن يجتهد للمسلمين في
الأسد والأشد، فكان كما فعل، وولا ها من استحقها، ولم يكن غيره أولى
منه بها، حسبما بينا في مراتب الخلافة من أنوار الفجر372،وفي غيره من
كتب الحديث.
ـــــــ
369 في كتاب الإمارة من صحيح مسلم ك33 ح11 و12 ج6 ص4-5 من حديث عروة بن
الزبير عن ابن عمر،ومن حديث سالم عن ابن عمر. وفي مسند أحمد 42:1
رقم299 عن عروة بن عمر، و 46:1 رقم322 عن حميد بن عبد الرحمن عن ابن
عباس، و47:1 رقم 332 عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.خ
370 من حديث عمرو بن ميمون المطول في كتاب فضائل الصحابة من صحيح
البخاري ك62 ب8ج 4 ص204-207.
372 بل إلى الله. وأن الله هو الموفق لابن عوف وسائر إخوانه الصحابة
حتى كانوا في ذلك الموقف على ما أراده الله لهم من صفاء النية وإخلاص
القصد والعمل لله وحده، فكان اختيار خليفة عمر في حاديث الشورى مثلا
أعلى للنفس الإنسانية عندما تكون في أعلى مراتب النبل، والتجرد عن جميع
خواطر الهوى.
373 هو التفسير الكبير لابن العربي في ثمانين مجلدا.خ.
(1/201)
وقتل عثمان،
فلم يبق على الأرض أحق بها من علي فجاءته على قدر، في وقتها ومحلها
وبين الله على يديه من الأحكام والعلوم ما شاء الله أن يبين. وقد قال
عمر لول علي لهلك عمر،374 375 وظهر ان فقهه وعله في قتال أهل القبلة-
من استدعائهم ومناظرتهم، وتر مبادرتهم، والتقدم إليهم قبل نصب الحرب
معهم، وندائه: لا تبدأوا بالحرب، ولا يتبع حول، ولا يجهز على جريح، ولا
تهاج امرأة، ولم يغنم لهم مالا- وأمره بقبول شهاداتهم، والصلاة خلفهم،
حتى قال أهل العلم: لولا ما جرى ما عرفنا حكم قتال أهل البغي.
وأما خروج طلحة والزبير فقد تقدم بيانه376.
وأما تكفيرهم للخلق، فهم الكفار. وقد بينا أحوال أهل الذنوب الذين ليس
منهم عليها شر فلي غير ما كتاب،وشرحناها في كل باب.
فإن قيل: فقد قال العباس ي علي ما رواه الأئمة أن العباس وعليا اختصما
عند عمر في شأن أوقاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال العباس
لعمر: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الظالم الكاذب الغادر الآثم
ـــــــ
374 لم نجد هذا الحديث ي الكتب المعتمدة التي استطعنا الاطلاع عليها
ولعله لا يصح مع اعترافنا بفضل علي وعلمه.م.
375 هذا مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه:" أول من يصافحه
الحق عمر**، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم" إن الله وضع الحق على لسان
عمر يقول به ***، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو كان من بعدي نبي
لكان عمر "***.خ.
367 وأنه كان خروجا للتفاهم والتعاون على إقامة الحدود الشريعة في مقتل
أمير المؤمنين عثمان.م.
ـــــــ
* لم أجده بهذا اللفظ. إنما بلفظ أول من يعطي كتابه بيمينه من هذه
الأمة عمر بن الخطاب...رواه الخطيب عن زيد بن ثابت مرفوعا. والمتهم به
عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي.م.
*** حسنهما الترمذي ووافقه محقق مشكاة المصابيح.
(1/202)
الخائن377.
فقال الرهط لعمر: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وارح أحدهما من الآخر.
فقال عمر: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"لا نورث، ما تركنا صدقة" يريد
بذلك نفسه؟ قالوا: قد قال ذلك. فأقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما
الله، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك؟ قالا:
نعم. قال عمر: إن الله خص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا
الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره، فعمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم حياته، ثم توفى، فقال أبو بكر:أنا ولي رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، فقبضها سنتين في إمارته فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم. وأنتما تزعمان أن أبا بكر، كاذب غادر خائن278،
والله ليعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق... وذكر الحديث.
قلنا: أما قول العباس لعلي فقول الأب للابن، وذلك على الراس محمول، وفي
سبيل المغفرة مبذول،وبين الكبار والصغار-فكيف الآباء والأبناء- مغفور
موصول. وأما قول عمر أنهما اعتقدا أن أبا بكر ظالم خائن غادر وكذلك
اعتقد فيه، فإنما ذلك خبر عن الاختلاف في نازلة وقعت من الأحكام، رأى
فيها هذا رأيا ورأى فيها أولئك لأيا، فحكم أبو بكر
ـــــــ
377 تقدم ذكر هذا التقاضي بين العباس وعلى عند أمير المؤمنين عمر من
حديث مالك بن أوس بن الحدثان النصرى في صحيح البخاري. قال الحافظ ابن
حجر في فتح الباري ك57 ب1 ج6 ص125: زاد شعيب ويونس: فاستبد علي والعباس
وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض: اقض بين وبين هذا الظالم.
استبا وفي رواية جويرية وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. قال
الحافظ: ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء،
بخلاف ما يفهم من قوله في رواية عقيل استبا. واستصوب المازري صنيع من
حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال: لعل بعض الرواة وهم فيها وإن كانت
محفوظة، فأجود ما تحمل عليه أن العباس قالها دلالا علي علي، لأنه كان
عنده بمنزلة الولد، فأراد ردعه عمايعتقد أنه مخطيء فيه.خ.
378 قال الحافظ ابن حجر 125:6: وكان الزهري يحدث به تارة فيصرح، وتارة
فيكنى، وكذلك مالك، وقد حذف ذلك في رواية بشر بن عمر عنه عند
الإسماعيلي وغيره، وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي، إلخ.خ.
(1/203)
وعمر بما رأيا،
ولم ير العباس وعلي ذلك. ولكن لما حكما سلما لحكمهما كما يسلم لحكم
القاضي في المختلف فيه. وأما المحكوم عليه فرأى أنه قد وهم، ولكن سكت
وسلم.
فإن قيل: إنما يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر- إذاكان الحكم
باجتهاد، وأنماكان هذا الحكم على منع فاطمة والعباس الميارث بقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم:" لا نورث ما تركناه صدقة" وعلمه أزواج النبي
صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه العشرة وشهدوا به، فبطل ما قلتموه.
قلنا: يحتمل أن يكون ذلك في أول الحال- والأمر لم يظهر بعد- فرأيا أن
خبر الواحد في معارض القرآن والأصول والحكم المشهور في الزمن لا يعمل
به حتى يتقرر الأمر، فلما تقرر سلما وانقادا، بدليل ما قدمنا من الحديث
الصحيح إلى آخره، فلينظر فيه. وهذا ايضا ليس بنص في المسألة، لأن قوله
"لا نورث، ما تركنا صدقة" يحتمل أن يكون: لا يصح ميراثنا، ولا أنا أهل
له، لأنه ليس لي ملك، ولا تلبست بشيء من الدنيا ينتقل إلى غيري عني.
ويحتمل"لا نورث"
حكم، وقوله" ما تركنا صدقة" حكم آخر معين أبر به أنه قد أنفذ الصدقة
فيما كان بيده من سهمه المتصير إليه بتسويع الله له، وكان من ذلك
مخوصاص بما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان له سهمه مع
المسلمين فيما غنموه بما أخذوه عنوة. ويحتمل ان يكون صدقة منصوبا على
أن يكون حالا من المتروك. وإلى هذا أشار أصحاب أبي حنيفة، وهو ضعيف وقد
بيناه في موضعه. بيد أنه يأتيك من هذا أن المسألة مجرى الخلاف، ومحل
الاجتهاد380، وأنها ليست بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحتمل
التصويب والتخطئة من المجتهدين. والله أعلم.
***
ـــــــ
380 ولعل فاطمة وعليا والعباس رضي الله عنهم أخذوا بهذا الاجتهاد، فهم
مأجورون على كل حال. ولاشك أن عليا إذا كان أخذ به، فقد رجع عنه مادام
لم ينفذه في خلافته.م.
(1/204)
|