العبر في خبر من غبر، من سنة 31 إلى 40

سنة إحدى وثلاثين
فيها كانت غزوة الأساود فغزا ابن أبي سرح في البحر الرومي.
وفيها توفي أبو سفيان بن حرب الأموي. وكان قد فقئت عينه على الطائف، وذهبت الأخرى فيما قيل يوم اليرموك. وكان يومئذ يحرض على الجهاد. وقيل توفي في السنة الآتية.
وفيها توفي الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي، والد مروان وابن عم أبي سفيان، وعم عثمان بن عفان. أسلم يوم الفتح. كان يفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل كان يحاكيه في مشيته، فطرده إلى الطائف وسبه. فلم يزل طريداً إلى أن استخلف عثمان، فأدخله المدينة وأعطاه مئة ألف.
وقال الحاكم: أجمع مشايخنا أن نيسابور فتحت صلحاً. وفتحها في سنة إحدى وثلاثين.

(1/23)


ثم روى بإسناد له أن صاحب نيسابور كتب إلى ابن عامر يدعوه إلى خراسان ويخبره أن يزدجرد بن كسرى قد قتله أهل مرو. فبادر ابن عامر إلى ناحية قومس، ونزل على نيسابور وحاصرها سبعة أشهر ثم افتتحها.
سنة اثنتين وثلاثين
فيها سار معاوية وتوغل في الروم
فالتقى العدو بالقرب من القسطنطينية.
وفيها توفي العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ست وثمانين سنة.
وأبو الدرداء عويمر بن زيد، وقيل ابن عبد الله، الأنصاري الخزرجي. أسلم بعد بدر. وكان حكم هذه الأمة. ولي قضاء دمشق وبها توفي.
ومات عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام. وكان غنياً شاكراً بعد أن كان فقيراً صابراً. وقد باع من أرضه بأربعين ألف دينار فتصدق بها. وفيها توفي عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أدى الأذان، وكان بدرياً.
وفيها توفي عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة، وما أكثر مناقبه.
وفيها توفي أبو ذر الغفاري واسمه جندب إبن جنادة على

(1/24)


الصحيح. أسلم خامس خمسة، ثم رجع إلى أرضه، ثم هاجر بعد بدر. وكان لا يأخذه في الله لومة لائم.
سنة ثلاث وثلاثين
فيها غزا المسلمون قبرس ثانياً
وفيها جهز الملك قارن بخراسان أربعين ألفاً. فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف فالتقى قارن، فقتل في المصاف قارن. وكانت الهزيمة.
وفيها غزا معاوية افرنطية وملطية وحصن المرأة من أرض الروم.
وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح بلاد الحبشة.
وفيها توفي المقداد بن الأسود الكندي، ولم يثبت أن بدراً شهدها فارس سواه. واختلف في الزبير.
سنة أربع وثلاثين
فيها غزا ذات الصواري في البحر من ناحية إسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.
وفيها وثب أهل الكوفة بسعيد بن العاص فأخرجوه ورضوا بأبي موسى. وكتبوا فيه إلى عثمان فأمره عليهم. ثم إنه رد عليهم سعيداً فخرجوا ومنعوه.
وفيها توفي أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل، أحد النقباء ليلة

(1/25)


العقبة، الذى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة ".
وفيها توفي عبادة بن الصامت، أبو الوليد الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة. ولي قضاء القدس. ومات بالرملة وقيل ببيت المقدس.
وفيها مات كعب الأحبار بحمص. وكان عالم أهل الكتاب قبل أن يسلم. فأسلم زمن أبي بكر، وروى عن عمر.
وفيها مات مسطح بن أثاثة، وكان بدرياً.
سنة خمس وثلاثين
وفيها غزوة ذي خشب وعلى الناس معاوية.
وفيها توفي عامر بن ربيعة حليف بني عدي. أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين.
وفيها توفي عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أخو عياش. وكان شريفاً نبيلاً من أحسن الناس وجهاً. ولاه النبي صلى الله عليه وسلم الجند ومخاليفها فبقي عليها إلى أن مات.
وفي أواخرها حصر المصريون عثمان رضي الله عنه لينزع نفسه من الخلافة، ولم يزل الأمر بهم إلى أن تجرؤوا عليه واقتحموا عليه داره فذبحوه والمصحف بين يديه، في يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة، وله بضع وثمانون سنة. رضي الله عنه. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم بويع علي رضي الله عنه

(1/26)


سنة ست وثلاثين
لما قتل عثمان صبراً توجع له كل أحد وأسقط في أيدي جماعة وسار طلحة والزبير وعائشة نحو البصرة طالبين بدم عثمان من غير أمر علي بن أبي طالب. فساق وراءهم. وكانت وقعة الجمل أثارها سفهاء الفريقين، وقتل بينهما نحو العشرة آلاف. ورمى مروان طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي أحد العشرة بسهم فقتله، ومناقبه كثيرة. وقتل الزبير بن العوام الأسدي حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته، وأول من سل سيفه في سبيل الله.
قتله ابن جرموز بوادي السباع.
وممن قتل يوم الجمل مجاشع بن مسعود السلمي، وأخوه مجالد، ولهما صحبة.
وزيد بن صوحان، وكان من سادة التابعين، صواماً قواماً.
وفي أولها توفي حذيفة بن اليمان أحد السابقين وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثبت عنه أنه قال: ما معني وأبي أن نشهد بدراً إلا أنا أخذنا كفار قريش، فأخذوا علينا عهد الله وميقاقه أن لا نقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال فأخبرناه الخبر. فقال: نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم.
سنة سبع وثلاثين
وقعة صفين في صفر
وبقيت أياماً وليالي، وقتل بين الفريقين ستون ألفاً. فقتل مع علي عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي الذي قال له

(1/27)


النبي صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية. وكان أحد السابقين، وممن عذب في الله. ومناقبه جمة.
وقتل مع علي من الصحابة: أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن وذو الشهادتين خزيمة بن ياسين بن الفاكه الأنصاري يقال أنه بدري.
وسعد بن الحارث بن الصمة أخو أبي جهم.
ومن غير الصحابة: عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. كان على خيل أهل الشام يومئذ. يقال: قتله عمار. ولما طعن والده سل سيفه ووثب على الهرمزان صاحب تستر فقتله، وقتل أيضاً مفينة وبنتاً لأبي لؤلؤة فلما ولي عثمان هم بقتله ثم تركه.
وقتل مع علي: هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمرقال، حامل راية علي يومئذ، ويقال: له صحبة.
وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان على رجالة علي.
وأبو حسان قيس بن المكشوح المرادي أحد الأبطال، وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي.
وقتل أيضاً مع معاوية: حابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وكان على رجالة معاوية.

(1/28)


وقتل مع علي: جندب بن زهير الغامدي الكوفي، ويقال: له صحبة.
وقتل من أمراء معاوية: ذو الكلاع الحميري، نزيل حمص، وأحد من شهد اليرموك، وكان على ميمنة معاوية، وكان من أعظم أصحابه خطراً لشرفه ودينه. وطلب منه أن يخطب الناس ويحرضهم على القتال.
وقال يزيد بن هارون: سمعت الجراح بن المنهال يقول: كان عند ذي الكلاع اثنا عشر ألف بيت من المسلمين. فبعث إليه عمر رضي الله عنه فقال: نشتري هؤلاء نستعين بهم على عدوهم. فقال: لا، هم أحرار. فأعتقهم في ساعة واحدة.
الجراح متروك الحديث.
وصح عن أبي وائل، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت قباباً في رياض. فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وأصحابه. ورأيت قباباً في رياض فقيل: هذه لعمار بن ياسر وأصحابه. فقلت: كيف وقد قتل بعضهم بعضاً؟ قال: إنهم وجدوا الله واسع المغفرة.
وممن قتل يومئذ: كريب بن الصباح بن إبراهيم الحميري أحد الأبطال المذكورين.
قتل جماعة مبارزة، ثم بارزه علي رضي الله عنه، فقتله علي.
وكان معاويه في سبعين ألفاً، وكان علي في تسعين ألفاً وقيل في مئة ألف، وقيل في خمسين ألفاً.

(1/29)


قال خليفة: تسمية من شهد صفين من البدريين مع علي بن أبي طالب: سهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو أسيد الساعدي. وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه.
ومن غير البدريين: خزيمة بن ثابت، وقيس بن سعد عبادة، وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري. وأبو عياش الزرقي، وقرظة بن كعب، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وأبو قتادة، الأنصاريون.
وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة. وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر، والحسن، والحسين.
ثم قال: تسمية من شهدها مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص، وابنة عبد الله، وفضالة بن عبيد، والنعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد. وبسر بن أبي أرطاة ومعاوية بن حديج الكندي، وحبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي. وأبو غادية الجهني قاتل عمار.
فبلغنا أن الأشعث بن قيس برز في ألفين، وبرز أبو الأعور السلمي في خمسة آلاف. فاقتتلوا. ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.
ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ويوم الخميس، ويوم الجمعة، وليلة السبت. ثم لما خاف أهل الشام الكسرة، رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن

(1/30)


العاص ودعوا إلى الحكم بما في كتاب الله. فأجاب علي رضي الله عنه إلى تحكيم الحاكمين. فاختلف عليه جيشه، وخرجت الخوارج وقالوا: لا حكم إلا لله. وكفروا علياً فحاربهم.
وقال ابن سيرين: افترقوا عن سبعين ألف قتيل يوم صفين يعدون بالقضب. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها توفي خباب بن الأرت التميمي أحد السابقين البدريين وصلى عليه علي بالكوفة.
وفي رمضان اجتمع أبو موسى الأشعري ومن معه من الوجوه، وعمرو بن العاص ومن معه من الوجوه بدومة الجندل للتحكيم، فلم يتفقا لأن عمراً خلا بأبي موسى وخدعه وقال: تكلم قبلي فأنت أفضل مني، وأكثر سابقة.
فقال: أرى أن نخلع علياً ومعاوية. ويختار المسلمون لهم رجلاً يجتمعون عليه.
فقال: هذا الرأي.
فلما خرجا وتكلم أبو موسى وحكم بخلعهما قام عمرو وقال: أما بعد، فإن أبا موسى قد خلع علياً كما سمعتم، وقد وافقته على خلع علي ووليت معاوية.
فسار الشاميون وقد بنوا في الظاهر على هذه الصورة. ورد أصحاب علي إلى الكوفة أن الذي فعله عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها.

(1/31)


سنة ثمان وثلاثين
في شعبان قتلت الخوارج عبد الله بن خباب وعليهم مسعر بن فدكي وشبث بن ربعي.
وفيها كانت وقعة النهروان بين علي والخوارج. فقتل رأس الخوارج عبد الله بن وهب السبائي. وقتل أكثر صحابه. وقتل من جند علي اثنا عشر رجلاً. ويقال كانت هذه الوقعة في سنة تسع.
وفيها توفي صهيب بن سنان المعروف بالرومي توفي في شوال بالمدينة. وكان من السابقين الأولين.
وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي، والد أبي أمامة. وكان بدرياً.
توفي بالكوفة وصلى عليه علي.
وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق. وكان قد سار إلى مصر والياً عليها لعلي. وبعث معاوية عسكراً عليهم معاوية بن حديج الكندي. فالتقى هو ومحمد، فانهزم عسكر محمد واختفى هو في بيت لامرأة. فدلت عليه. فقال: احفظوني في بيت أبي بكر. فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان وأتركك؟ وأنت صاحبه فقتله وصيره في بطن حمار وأحرقه.
وقال شعبة عن عمرو بن دينار: إن عمراً قتل محمد بن أبي بكر.
وفيها مات الأشتر النخعي. واسمه مالك بن الحارث. بعثه علي على مصر. فهلك في الطريق فيقال إنه سم، وإن عبداً لعثمان لقيه فسقاه

(1/32)


عسلاً مسموماً. وكان الأشتر من الأبطال الكبار. وكان سيد قومه وخطيبهم وفارسهم.
سنة تسع وثلاثين
فيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بسرف، وثم بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها تنازع أصحاب علي وأصحاب معاوية في إمامة الحج. فمشى في الصلح أبو سعيد الخدري على أن يكون إمام الموسم شيبة بن عثمان الحجبي.
سنة أربعين
فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري، أحد الشجعان المذكورين.
وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري نزل ماء ببدر فقيل له البدري. ولكنه شهد العقبة.
وأبو أسيد الساعدي مالك ربيعة بدري مشهور، وقيل بقي إلى سنة ستين.
استشها استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وفيها ليلة الجمعة سابع عشر رمضان استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وثب عليه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي فضربه في يافوخه

(1/33)


بخنجر، فبقي يوماً وتوفي، وعاش نيفاً وستين ستة أو دونها، رضي الله عنه.
ثم قتل ابن ملجم وأحرق ولله الحمد.
وفيها مات الأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة.
وكان شريفاً مطاعاً جواداً شجاعاً. له صحبة. ثم ارتد، وحسن إسلامه. وكان أجل أمراء علي. وفيها مات معيقيب الدوسي. هاجر إلى الحبشة، وشهد بدراً بخلف. وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم. له حديثان.