العبر في خبر من غبر، من سنة 41 إلى 50
سنة إحدى وأربعين
في ربيع الآخر سار أمير المؤمنين الحسن بن علي في جيوشه يقصد معاويه.
وسار معاوية في جيوشه. فدخل العراق وتنازل الجمعان بمسكن من ناحية
الأنبار. فرأى الحسن من عسكره الاختلاف عليه وقلة الخير. وكان سيداً
وادعاً لا يرى سفك الدماء. واتفق أنه وقع في معسكره هوشة وخبطة، ووقع
النهب حتى إنهم نهبوا فسطاطه، وضربه رجل من الخوارج بخنجر مسموم في
إليته فخدشه. فتألم ومقت أهل العراق. ورأى الصلح أولى، تحقيقاً لقول
جده المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين
فئتين عظيمتين من المسلمين.
فراسل معاوية وشرط عليه شروطاً بادر إليها معاوية بالإجابة، ثم سلم
إليه الخلافة، على أن تكون الأمر من بعده للحسن، وعلى أن يمكنه أخذ ما
شاء من بين المال ليقضي منه دينه وعداته وغير ذلك.
(1/34)
فروى مجالد، عن الشعبي. ويونس بن أبي
إسحاق، عن أبيه أن أهل العراق بايعوا الحسن، وسار بهم نحو الشام. وجعل
على مقدمته قيس بعد سعد. وأقبل معاوية حتى نزل منبج. فبينا الحسن
بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: قتل قيس بن سعد. فشد الناس على خيمة
الحسن فنهبوها. وطعنه رجل بخنجر، فتحول إلى القصر الأبيض، وسبهم وقال:
لا خير فيكم. قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم كتب إلى
معاوية على أن يسلم إليه بيت المال، وأن لا يسب علياً بحضرته، وأن يحمل
إليه خراج فسا ودارابجرد كل سنة. فأجابه.
فكتب إليه أن أقبل. فسار معاوية من منبج إلى مسكن في خمسة أيام. فسلم
إليه الحسن الأمر، ثم سارا حتى دخلا جميعاً الكوفة. وتسلم الحسن بيت
المال، وكان فيه سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها وتجهز إلى المدينة،
وأجرى معاوية على الحسن في السنة ألف ألف درهم.
وقال عمرو بن دينار: لما توفي علي بعث معاويه عهداً: إن حدث به حدث
ليجعلن هذا الأمر إلى الحسن.
وصح في البخاري عن الحس البصري قال: استقبل والله الحسن بن علي معاوية
بكتائب أمثال الجبال.
فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى يقتل أقرانها.
فقال له معاوية، وكان والله خير الرجلين: أي عمرو. إن قتل هؤلاء هؤلاء،
وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور المسلمين؟ من لي بنسائهم وضعفتهم؟ فبعث إليه
برجلين عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز في الصلح.
(1/35)
كريز في الصلح
فقال لهما الحسن: إنا بني عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه
الأمة قد عاثت في دمائنا.
قال: وإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك.
قال: فمن لي بهذا؟ فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه.
قلت: وسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية.
وفيها توفي صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. أسلم بعد حنين، ثم شهد
اليرموك أميراً. وكان شريفاً جليلاً. وملك قنطاراً من الذهب. وله رواية
في صحيح مسلم.
وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر العدوية. عن بضع وخمسين سنة.
وصلى عليها مروان أمير المؤمنين. وقيل توفيت سنة خمس وأربعين.
وفيها، فيما قيل، توفي لبيد بن ربيعة العامري الشاعر المشهور القائل:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن إسلامه. وقيل مات في إمرة
عثمان بالكوفة عن مئة وخمسين سنة. قيل: أنه ما قال شعراً منذ أسلم.
سنة اثنتين وأربعين
فيها غزا عبد الرحمن بن سمرة سجستان. فافتتح زرنج وغيرها. وسار راشد بن
عمرو فشن الغارات ووغل في بلاد السند.
(1/36)
سنة ثلاث وأربعين
فيها فتحت الرخج من أرض سجستان.
وأفتتح عقبة بن نافع كوراً من بلاد السودان.
وشتا بسر بن أبي أرطاة بأرض الروم.
وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي أمير مصر.
أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر، وولي إمرة جيش ذات السلاسل. وكان من
دهاة قريش وأجدادها وذوي الحزم والرأي.
وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار. وقد شهد له
النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وفيها توفي محمد بن مسلمة الأنصاري بالمدينة في صفر. وكان بدرياً.
اعتزل الفتنة واتخذ سيفاً من خشب.
سنة أربع وأربعين
في ذي الحجة توفي أبو موسى الأشعري المقرئ الأمير. استعمله النبي صلى
الله عليه وسلم على عدن. واستعمله عمر على الكوفة والبصرة. وفتحت على
يده عدة أمصار.
وفيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة مدينة كابل.
وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة في أرض الهند ووصل إلى قندابيل فالتقى
العدو فهزمهم. وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة بنت سفيان الأموية.
(1/37)
سنة خمس وأربعين
فيها غزا معاوية بن حديج إفريقية.
وفيها توفي أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي
الكاتب، وله ست وخمسون سنة. وأول مشاهدة الخندق.
وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا حج. وقيل بقي إلى سنة أربع وخمسين.
وفيها توفي عاصم بن عدي سيد بني العجلان. وكان رده النبي صلى الله عليه
وسلم من بدر في شغل، وضرب له بسهمه، وقتل أخوه معن يوم اليمامة.
سنة ست وأربعين
فيها ولي الربيع بن زياد الحارثي سجستان. فزحف كابل شاه في جمع من
الترك وغيرهم، فالتقوا على بست، فهزمهم الربيع وساق خلفهم إلى الرخج.
وفيها، قيل في سنة تسع وأربعين، توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن
المغيرة. وكان شريفاً جواداً ممدحاً مطاعاً. وكان إليه لواء معاوية يوم
صفين. وغزا الروم غير مرة.
سنة سبع وأربعين
فيها جمعت الترك فالتقاهم عبد الله بن سوار العبدي ببلاد القيقان.
فاستشهد عبد الله وعامة من معه. وغلبت الترك على القيقان.
(1/38)
وغزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمير أطرابلس
الغرب أفريقية، فدخلها ثم أنصرف.
سنة ثمان وأربعين
فيها توجه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي والياً على أرض الهند عوض عبد
الله بن سوار.
وقتل بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وكان مولده
بالحبشة.
سنة تسع وأربعين
في ربيع الأول توفي سيد شباب أهل الجنة أبو محمد الحسن بن علي الهاشمي.
وأرخه فيها الواقدي وسعيد بن عفير. والأكثر على أنه سنة خمسين.
سنة خمسين
فيها بخلف الحسن بن علي رضي الله عنه، وله سبع وأربعون سنة، بالمدينة.
وفيها توفي عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس العبشمي
الأمير، أسلم يوم الفتح وافتتح سجستان وغيرها.
وفيها توفي كعب بن مالك السلمي الشاعر، أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب
الله عليهم. وكان ممن شهد العقبة.
(1/39)
وفيها توفي المغيرة بن شعبة الثقفي. أسلم عام الخندق، وولي العراق لعمر
ولغيره. وكان من رجال الدهر حزماً وعزماً ورأياً ودهاء. يقال إنه أحصن
ثلاث مئة امرأة، وقيل ألف امرأة. وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت
حييّ بن أخطب.
وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية، وقيل في سنة إحدى. |