العبر في خبر من غبر، من سنة 61 إلى 70

سنة إحدى وستين
فيها يوم عاشوراء استشهد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه

(1/47)


أبو عبد الله الحسين بن علي بكربلاء عن ست وخمسين سنة. وكان قد أنف من إمرة يزيد ولم يبايعه. وجاءته كتب أهل الكوفة يحضونه على القدوم عليهم. فاغتر وسار في أهل بيته. والقصة فيها طول.
وفيها توفي حمزة بن عمرو الأسلمي، له صحبة ورواية.
وفيها توفيت أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية. وقيل توفيت سنة تسع وخمسين. وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة.
وقتل مع الحسين ولداه علي الأكبر وعبد الله. وإخوته جعفر، ومحمد، وعتيق، والعباس الكبير. وابن أخيه قاسم بن الحسن. وأولاد عمه محمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ومسلم بن عقيل بن أبي طالب وابناه عبد الله وعبد الرحمن. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
سنة اثنتين وستين
فيها غزا سلم بن أحور خوارزم. وصالحوه. ثم عبر إلى سمرقند فصالحوه.
وفيها توفي على الأصح بريدة بن الحصيب الأسلمي وقبره بمرو. وقد أسلم قبل بدر.

(1/48)


وفيها توفي عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، نزيل دمشق. له صحبه ورواية.
وفيها توفي أمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، له صحبة ورواية.
وفيها على الأصح علقمة بن قيس النخعي الكوفي الفقيه صاحب ابن مسعود. وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته. وكان غير واحد من الصحابة يسألونه ويستفتونه.
وفيها توفي أبو مسلم الخولاني الزاهد سيد التابعين بالشام.
وفد على أبي بكر مسلماً. وله مناقب غزيرة وكرامات. ويقال إن الأسود العنسي أمر بنار عظيمة وألقى أبا مسلم فيها. فلم تضره فنفاه لئلا يضطرب عليه أتباعه.
وهذا ما رواه أحد إلا شرحبيل بن مسلم، ولا رواه عنه إلا إسماعيل بن عياش. وهو خبر مرسل.

(1/49)


سنة ثلاث وستين
فيها كانت وقعة الحرة، وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه. فجهز لحربهم جيشاً عليهم مسلم بن عقبة. فالتقوا بظاهر المدينة لثلاث بقين من ذي الحجة. فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ثلاث مئة وست أنفس.
وقتل من الصحابة: معقل بن سنان الأشجعي، وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن قتل يومئذ: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس. ومحمد بن عمرو بن حزم، ومحمد بن أبي جهم بن حذيفة ومحمد بن أبي بن كعب. ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلي التراويح بالناس. وواسع بن حبان الأنصاري. ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التيمي. وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحب التي أرسلها عثمان. وأبو أفلح مولى أبي أيوب.
وفيها توفي مسروق بن الاجدع الهمداني الفقيه العابد صاحب ابن مسعود. وكان يصلي حتى تورم قدماه. وحج فما نام إلا ساجداً.
وعن الشعبي قال: ما رأيت أطلب للعلم منه. كان أعلم بالفتوى من شريح.

(1/50)


سنة أربع وستين
في أولها هلك مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة وعمل القبائح وما أمهله الله. والمليح أنه شهد الوقعة وهو مريض في محفة. نسأل الله العفو.
وكذلك لم يمهل يزيد بن حويه ومات بعد بضع وسبعين يوماً من الحرة. وذلك في نصف ربيع الأول وله ثمان وثلاثون سنة. وكان شديد الأدمة، كثير الشعر، ضخماً، عظيم الهامة، في وجهه أثر الجدري. كنيته أبو خالد. واستخلف بعهد من أبيه معاوية. فكانت مدته ثلاث سنين وثمانية أشهر.
وعهد بالأمر بعده إلى ابنه معاوية بن يزيد. فبقي في الخلافة شهرين أو أقل ومات. وكان شاباً مليحاً أبيض، فيه خير وصلاح. وعاش إحدى وعشرين سنة. ولما احتضر قالوا له: ألا تستخلف. فامتنع وقال: لم أصب من حلاوتها ما أتحمل به مرارتها.
وأما عبد الله بن الزبير فإنه كان قد أوى إلي مكة ولم يبايع يزيد.
فحاصره أصحاب يزيد ونصبوا المنجنيق على الكعبة ورموها بالنار، واحترق فيها مما احترق قرنا كبش إسماعيل. وقتل في الحصار بحجر المنجنيق المسور ابن مخرمة بن نوفل الزهري، وله صحبة ورواية وشرف. فبلغ ابن الزبير وفاة يزيد، فترحل عنه عسكر يزيد، وبايعه أهل الحرمين بالخلافة، ثم أهل العراق واليمن وغير ذلك، حتى كاد تجتمع الأمة عليه.

(1/51)


وغلب على دمشق الضحاك بن قيس الفهري. وفي صحبته خلاف.
فدعا إلى ابن الزبير، ثم تركه ودعا إلى نفسه. وانحاز عنه مروان بن الحكم في بني أمية إلى أرض حوران. فوافاهم عبيد الله بن زياد بن أبيه من الكوفة على البرية منهزماً من أهلها. فقوي عزم مروان على طلب الخلافة. وجرت أمور طويلة إلى أن التقى هو والضحاك بمرج راهط شرقي الغوطة. فقتل الضحاك، وقتل معه نحو ثلاثة آلاف. وانتصر مروان. وذلك في آخر السنة.
وبايعه أهل الشام. وسار أمير حمص يومئذ النعمان بن بشير الأنصاري لنصر الضحاك فقتله أصحاب مروان.
وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب. وكان جواداً حكيماً. عين للخلافة بعد يزيد، وولي إمرة المدينة غير مرة.
وفيها توفي ربيعة الجرشي شهيداً يوم مرج راهط مع الضحاك. وهو جد هشام بن الغاز. ويقال: له صحبة.
قال أبو المتوكل التاجي: سألت ربيعة الجرشي وكان فقيه الناس في زمن معاوية.
وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأدخل الحجر في البيت، وكان قد تشقق أيضاً من المنجنيق واحترق سقفه.
سنة خمس وستين
فيها توجه مروان إلى مصر فتملكها. واستعمل عليها ابنه عبد العزيز، ومهد قواعدها ثم عاد إلى دمشق. ومات في رمضان فعهد بالأمر بعده إلى ابنه عبد الملك بن مروان.

(1/52)


وكان مروان من الفقهاء وكان كاتب السر لابن عمه عثمان رضي الله عنه. وكان قصيراً، كبير الرأس واللحية، دقيق الرقبة، أو قص، أحمر الوجه، يلقب خيط باطل لدقة عنقه عاش ثلاثاً وستين سنة.
وفيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير. وحارب الأزارقة وأباد منهم ألوفاً.
وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي. والمسيب بن نجبة الفزاري صاحب علي في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين. وكان مروان قد جهز ستين ألفاً مع عبيد الله بن زياد ليأخذ العراق، فالتقى مقدمة عبيد الله وعليهم شرحبيل بن ذي الكلاع هم وأولائك بالجزيرة، وانكسروا. وقتل سليمان بن صرد والمسيب وطائفة. وكان لسليمان صحبة ورواية.
وفيها مات، على الصحيح، عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي. وكان أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة. وكان ديناً صالحاً كثير العلم كثير القدر. يلوم أباه على القيام في الفتنة ويطيعه للأبوة.
وفيها توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور الفقيه، صاحب علي وابن مسعود. وحديثه في السنن الأربعة.

(1/53)


سنة ست وستين
فيها كان الوباء العظيم بمصر.
وتوثب على الكوفة عام أول المختار بن أبي عبيد وتتبع قتله الحسين.
فقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وأضرابه. وجهز جيشاً ضخماً مع إبراهيم ابن الأشتر النخعي فكانوا ثمانية آلاف لحرب عبيد الله بن زياد. فكانت وقعة الخازر بأرض الموصل. وقيل كانت في سنة سبع وهو أصح. وكانت ملحمة عظيمة.
وفيها، وقيل في سنة ثمان، توفي زيد بن أرقم الأنصاري، وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، ونزل الكوفة.
وفيها، وقيل في سنة أربع وسبعين، توفي جابر بن سمرة بالكوفة. وأبوه صحابي أيضاً.
وفيها قويت شوكة الخوارج، واستولى نجدة الحروري على اليمامة والبحرين.
سنة سبع وستين
في المحرم كانت وقعة الخازر، اصطدم فيها أهل الشام وكانوا أربعين ألفاً ظفر بهم إبراهيم بن الأشتر. وقتلت أمراءهم: عبيد الله بن زياد ابن أبيه، وحصين بن نمير السكوني الذي حاصر ابن الزبير، وشرحبيل بن ذي الكلاع.
وبعثت رؤوسهم فنصبت بمكة والمدينة.

(1/54)


وفيها، وقيل في سنة ثمان، توفي عدي بن حاتم الطائي رئيس طي عن مئة وعشرين سنة بقرقيسيا. ولما أسلم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وألقى له وسادة وقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ".
ولما تحقق ابن الزبير دبر المختار وكذبه بعث أخاه مصعب بن الزبير على العراق، فدخل البصرة وتأهب منها، وسار وعلى ميمنته وميسرته المهلب ابن أبي صفرة، وعمرو بن عبيد الله التيمي. فجهز المختار لحربهم جيشاً عليهم أحمر بن شميط وكيسان أبو عمرة، فهزمهم مصعب، وقتل أحمر وكيسان. وقتل من عسكر مصعب محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ابن أخت الصديق. وعبيد الله بن علي أبي طالب. وقتل من جند المختار عمر الأكبر ابن علي بن أبي طالب. ثم ساق عسكر مصعب فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياماً، إلى أن قتله الله في رمضان.
وكان كذاباً يزعم أن جبريل ينزل عليه. وصفت العراق لمصعب.
سنة ثمان وستين
فيها توفي أبو شريح الخزاعي الكعبي. وكان قد أسلم قبل فتح مكة.
وفيها توفي أبو واقد الليثي بمكة وكان ممن شهد الفتح. وعاش بضعاً وسبعين سنة.
وفيها على قول عبد الله بن عمرو، وزيد بن أرقم، وزيد بن خالد

(1/55)


الجهني. وقد مر بعضهم.
وفيها توفي رباني الأمة عبد الله بن عباس الهاشمي الفقيه المفسر الحبر البحر، بالطائف، عن إحدى وسبعين سنة.
وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعباً وولى ابنه حمزة.
سنة تسع وستين
فيها كان طاعون الجارف بالبصرة. قال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام، فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفاً.
وروى خليفة عن أبي اليقظان قال: مات لأنس بن مالك في الجارف سبعون ابناً.
وقيل: مات في طاعون الجارف عشرون ألف عروس.
وأصبح الناس في الرابع ولم يبق إلا اليسير من الناس. وصعد ابن عامر يوم الجمعة المنبر وما في الجامع إلا سبعة رجال وامرأة. فقال: ما فعلت الوجوه؟ فقيل: تحت التراب أيها الأمير وفيها قتل نجدة بن عامر الحروري. قتله أصحابه واختلفوا وقيل بل ظفر به أصحاب ابن الزبير.

(1/56)


وفيها مات قاضي البصرة أبو الأسود الدؤلي صاحب النحو. سمع من عمر وعلي.
وفيها مات بالكوفة قبيصة بن جابر الأسدي. وكان فصيحاً مفوهاً.
روى عبد الملك بن عمير عنه قال: لي عمر: إني أراك شاباً فصيح اللسان فسيح الصدر.
وفيها أعاد ابن الزبير مصعباً على العراق وعزل ابنه حمزة بن عبد الله. فقصد هو وعبد الملك كل منهما الآخر. ثم فصل بينهما الشتاء. فتوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، وأراد الخلافة. فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال، وحصار ثم نزل إليه بالأمان.
وفيها كان بين الأزارقة وبين المهلب حرب شديد ودام القتال أشهرا.
سنة سبعين
فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق وذبحه صبراً، بعد أن آمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده.
وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها، وقتل في التي قبلها مالك بن يخامر السكسكي صاحب

(1/57)


معاذ. وكان قد أدرك الجاهلية. وفيها كان الوباء بمصر.
وفيها قال ابن جرير: ثارت الروم ووثبوا على المسلمين. فصالح عبد الملك بن مروان ملك الروم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفاً منه على المسلمين.
قلت: هذا أول وهن دخل على الإسلام. وما ذاك إلا لاختلاف الكلمة ولكون الوقت فيه خليفتان يتنازعان الأمر فما شاء الله كان.