العبر في خبر من غبر، من سنة 141 إلى 150
سنة إحدى وأربعين
ومئة
قال المدائني: فيها ظهرت الريوندية. وهم قوم خراسانيون على رأي أبي
مسلم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم
المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريلُ. فأتوا قصر المنصور وطافوا به،
فقبض على مئتين من كبارهم. فغضب الباقون وحفوا بنعشٍ وحملوا هيئة
جنازة. ثم مروا بالسجن فشدوعلى الناس، وفتحوا السجن وأخرجوا أصحابهم.
وقصدوا المنصور في ست مئة مقاتل. فأغلق البلد، وحاربهم العسكُر مع
مَعْن بن زائدة. ثم وضعوا فيهم السيف. وأصيب عثمان بن نهيك الأمير.
فاستعمل المنصور مكانه على الحرس أخاه عيسى. وكان ذلك بالهاشمية.
فحدثني أبو بكر الهذلي قال: اطلع المنصور، فقال رجل إلى جانبي: هذا رب
العزة الذي يطعمنا ويرزقنا.
وفيها افتتح المسلمون طَبَرَسْتان بعد حروب طويلة.
وأقام الحج صالح بن علي أمير الشام.
(1/147)
وفيها توفي موسى بن عقبة المدني صاحبُ
المغازي. روى عن أم خالد بنت خالد الأموية ولها صُحبة. قال الواقدي:
وكان مُوسى فقيهاً يُفتي.
وفيها، أو في التي تليها. أبو إسحاق الشيباني الكوفي سليمان بن فيروز،
ويُقال بن خاقان من مواليهم. سمع عبد الله بن أبي أوفى وطائفة.
وفيها موسى بن كعب التميمي المروزي. أحد نقباء بني العباس الاثني عشر.
وولي إمرة مصر سبعة أشهر.
ومات فيها أبان بن تغلب الكوفي القارىء المشهور. وكان من ثقات الشيعة.
يروى عن الحكم وطائفة.
سنة اثنتين وأربعين ومئة
فيها عزل عن مصر محمد بن الأشعث، ووليها حميد بن قحطبة.
وولي الجزيرة والثغورعباس أخو المنصور.
وفيها توفي خالد الحذاء البصري الحافظ. يروي عن كبار التابعين وقد رأى
أنساً. وكان يجلس في الحذائين فلقب الحذاء.
وفيها الأمير سليمان بن علي عم المنصور. وكان جواداً ممدحاً، بلغت
(1/148)
عطاياه في المواسم خمسة آلاف ألف درهم.
وولي إمرة البصرة وعاش ستين سنة.
وفيها عاصُم بن سُليمان الأحول، أحدُ حُفاظِ البصرة. روى عن عبد الله
بن سرجس، وأنس وطائفة.
وفيها أو في سنة ثلاثٍ، عمرو بن عُبيد البصري الزاهد العابد المعتزلي
القدري. صَحب الحسن ثم خالفه. واعتزل حلقته فلذا قيل المعتزلي.
وفيها محمد بن أبي إسماعيل الكوفي. روى عن أنس وجماعة.
قال شريك: رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة وُلدوا في بطن واحد وعاشوا.
وفيها أبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني المصري. روى عن علي بن رباح
وعدة. وأدركه ابن وهب.
سنة ثلاث وأربعين ومئة
فيها ثارت الديلُم وبَدَعوا وقتلوا خلائق من المسلمين. فانتُدب الناس
لغزوهم. وفيها سار الأمير محمد بن الأشعث إلى المغرب، فالتقى الأباضية
وهَزَمَهم، وقُتل زعيمهم أبو الخطاب في المصاف.
فيها توفي حجاح بن أبي عثمان الصواف، أحد حفاظ البصرة. روى عن الحسن
وغيره.
(1/149)
وفيها، على الصحيح، حميد الطويل، واسم أبيه
أبي حميد تيرويه. أحد الثقات التابعين البصريين. قان قائماً يصلي فسقط
ميتاً. سمع أنساً وطائفة، وكنيته أبو عبيدة.
وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي. أحد علماء البصرة
وعبادها، سمع أنساً وطائفة.
قال شعبة: كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه تغير لونه. وما رأيت
أصدق منه. وقال المعتمر: مكث أبي أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً،
ويصلي الفجر بوضوء العشاء. وعاش سبعاً وتسعين سنة.
وفيها، على الأصح، ليث بن أبي سليم الكوفي. يروي عن مجاهد طبقته. وكان
أحد الفقهاء.
قال الفضيل بن عياض: كان أعلم أهل بلده بالمناسك.
وقال الدراقطني: كان صاحب سنة، إنما أنكروا عليه جمعه بين عطاء وطاوس
ومجاهد.
وفيها مطرف بن طريف الكوفي الحارثي الزاهد. روى عن
(1/150)
عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة. وفيها يحيى
بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد. أحد الأعلام. ولي قضاء
المنصور، ومات بالهاشمية قبل أن يبني بغداد. روى عن أنس وخلق.
قال أيوب السختياني: ما تركت بالمدينة أفقه منه. وكان يحيى القطان
يقدمه على الزهري.
وقال الثوري: كان من الحفاظ.
وقال ابن المديني: له نحو ثلاث مئة حديث.
سنة أربع وأربعين ومئة
فيها سار جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح.
وحج بالناس المنصور. وأهمه شأن محمد بن عبد الله بن حسن وأخيه إبراهيم
لتخلفهما عن الحضور عنده. فوضع عليهما العيون، وبذل الأموال، وبالغ في
تطلبهما لأنه عرف مرامهما، وجرت أمور يطول شرحها. وقبض على أبيهما
فسجنه.
وفيها توفي سعيد بن إياس الجريري البصري، محدث البصرة. روى عن أبي
الطفيل وعدة. وساء حفظه قبيل موته. ويكنى أبا مسعود.
وفي آخرها، أو في أول سنة خمس، توفي عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي
بن أبي طالب الهاشمس بالمدينة في حبس المنصور،
(1/151)
وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبيه، وعبد
الله بن جعفر.
قال الواقدي: كان من العباد، وله شرف وهيبة ولسان سديد.
وفيها توفي فقيهُ الكوفة أبو شُبْرُمة عبد الله بن ُشْبُرمة الضبي
القاضي. روى عن أنس والتابعين.
قال أحمد العجلي: كان عفيفاً صارماً عاقلاً يشبه النُساك، شاعراً
جواداً.
وفيها عقيل بن خالد الأيلي، مولى بني أمية، وصاحب الزهري. لقي عكرمة
وطائفة. وكان حافطاً ثبتاً حجة.
وفي ذي الحجة مُجالد بن سعيد الهمداني الكوفي، صاحب الشعبي.
كتبوا حديثه. وقد خرح له مسلم في صحيحه مقروناً بآخر.
سنة خمس وأربعين ومئة
فيها ظهر محمد بن عبد الله بن حسن. فخرح في مئتين وخمسين نفساً
بالمدينة، وهو على حمار. وذلك في أول رجب. فوثب على متولي المدينة رباح
وسجنه. وتتبع أصحاب رباح. ثم خطب الناس، وبايعه بالخلافة أهل المدينة
قاطبةً طوعاً وكرهاً. وأظهر أنه قد خرج غضباً لله، وما تخلف عنه من
الوجوه إلا نفر يسير. واستعمل على مكة عاملاً وعلى اليمن وعلى الشام،
فلم يتمكن عماله وكان شديد الأدمة ضخماً فيه تمتمة وندب المنصور لحربة
ابن عمه عيسى ابن موسى وقال: لا أبالي أيهما قتل صاحبه لأن عيسى كان
ولي العهد بعد
(1/152)
المنصور عقد له ذلك السفاح. وكان المنصور
يود هلاكه ليولي مكانه ولده المهدي. وسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى
الأشراف يستميلهم ويمنيهم، فتفرق عن محمد بن عبد الله ناس كثير. وأشير
عليه باللحاق بمصر ليتقوى منها. فأبى وتحصن بالمدينة. وعمق خندقها.
فلما أظله عيسى قال: قد أحللتكم من بيعتي. فإن هذا قد جاء في عَددٍ
وعُددٍ. فتسللوا عن محمد وبقي في طائفة فراسله عيسى يدعوه إلى الإنابة،
ويبذل له الأمان فلم يسمع. ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورغبهم ورهبهم
أياماً ثم زحف على المدينة فظهر عليها وبادر محمداً وناشده الله، ومحمد
لا يرعوي.
قال عثمان بن محمد بن خالد: إني لأحسب محمداً قتل بيده يومئذ سبعون
رجلاً. وكان معه ثلاث مئة مقاتل. ثم قتل في المعركة وبعث عيسى برأسه
إلى المنصور.
وفيها خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله بن حسن بالبصرة وكان قد سار من
الحجاز إلى البصرة فدخلها سراً. في عشرة أنفس. وقد جرت له أمور غريبة
في اختفائه وكان ربما يقع به بعض الأعوان فيصطنعه. فإنه دعا إلى نفسه
سراً بالبصرة حتى بايعه نحو أربعة آلاف. وجاءه خبر ظهور أخيه بالمدينة
فوجم واغتم.
ولما بلغ المنصور خروجه تحول فنزل الكوفة حتى يأمن غائلة أهلها. وألزم
الناس بلبس السواد، وجعل يقتل كل من اتهمه أو يحبسه. وكان بالكوفة ابن
ماعز يبايع لإبراهيم سراً. وتهاون متولي البصرة في أمر إبراهيم حتى
اتسع الخرق. وخرج إبراهيم أول ليلة من رمضان، وتحسس منه سفيان
(1/153)
متولي البصرة. وأقبل الخلق الى إبراهيم من
بين ناصر وناظر. ونزل سفيان بالأمان ووجد إبراهيم في الحواصل ست مئة
ألف. ففرضها لأصحابه خمسين خمسين. وبعث عاملاً على الأهواز ليفتحها.
وبعث آخر إلى فارس، وآخر إلى واسط.
فجهز المنصور لحربه خمسة آلافٍ عليهم عامر المسكي. فكان بين الفريقين
عدة وقعات. وقتل خلق من أهل البصرة وواسط. وبقي إبراهيم سائر رمضان
يفرق العمال على البلدان ليخرج على المنصور من كل جهة فتق. فأتاه مصرع
أخيه بالمدينة قبل الفطر بثلاث. فعيد بالناس وهم يرون فيه الانكسار.
وكان المنصور في جمعٍ يسير وعامة جيوشه في النواحي. فالتزم بعدها أن لا
يفارقه ثلاثون ألفاً. فلم يبرح أن رد من المدينة عيسى بن موسى. فوجهه
لحرب إبراهيم.
ومكث المنصور لا يقر له قرار. وجهز العساكر، ولم يأو إلى فراش خمسين
ليلة. وكل يوم يأتيه فتق من ناحية. هذا ومئة ألف سيف كامنة بالكوفة،
ولولا السعادة لثل عرشه بدون ذلك. وكان ذلك صقراً أحوذياً مشمراً ذا
عزم ودهاء.
وعن داود بن جعفر قال: أحصي ديوان إبراهيم بالبصرة فبلغوا مئة ألف.
وقال غيره: بل قام معه عشرة آلاف، فلو هجم بالكوفة لظفر بالمنصور،
ولكنه كان فيه دين. قال: أخاف إن هجمتها أن يستباح الصغير والكبير،
وكان أصحابه مع قلة رأيه يختلفون عليه. وكل يشير برأي إلى أن التقى
الجمعان بباخمرا على يومين من الكوفة. فاشتد الحرب. واستظهر أصحاب
إبراهيم.
(1/154)
وكان على مقدمة جيوش المنصور حميد بن
قحطبة. فانهزم، وجعل عيسى بن موسى يثبت الناس، قد بقي في مئة من
حاشيته. فأشاروا عليه بالفرار. فقال: لا أزل حتى أظفر أو أقتل. وكان
يضرب به المثل بشجاعته ثم دار أبناء سليمان بن علي في طائفة وجاءوا من
وراء إبراهيم. وحملوا على عسكره.
قال عيسى: لولا ابنا سليمان لافتضحنا. ومن صنع الله أن أصحابنا
انهزموا.
فاعترض لهم نهرٌ، ولم يجدوا مخاضة، فرجعوا. فوقعت الهزيمة على أصحاب
إبراهيم، حتى بقي في سبعين، وأقبل حميد بن قحطبة فحمل بأصحابه. واشتد
القتال حتى تفانى خلق تحت السيف طول النهار. وجاء سهم غرب لا يدرى من
رمي به في حلق إبراهيم، فأنزلوه وهو يقول " وكان أمر الله قدراً
مقدوراً " أردنا أمراً وأراد الله غيره. واجتمع أصحابه يحمونه. وأنكر
حميداً اجتماعهم وحمل عليهم. فتفرقوا عن إبراهيم فنزل جماعة واحتزوا
رأسه. وبعث به إلى المنصور. وذلك في الخامس والعشرين من ذي القعدة،
وعمره ثمان وأربعون سنة. وكان قد آذاه يومئذ الحر وحرارة الزردية.
فحسرها عن صدره، فأصيب في لبته. ووصل إلى المنصور خلق منهزمين، وهيأ
النجائب ليهرب إلى الري وكان يتمثل:
ونصبت نفسي للرماح درية ... إن الرئيس لمثل ذاك فعول
فلما أسرعوا إليه بالبشارة وبالرأس تمثل بقول معقر البارقي:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
قال خليفة: خرج مع إبراهيم: هشيم، وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس.
وعباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وكان أبو حنيفة يجاهر في
(1/155)
أمره ويأمر بالخروج. قال أبو نعيم: فلما
قتل هرب أهل البصرة براً وبحراً واستخفى الناس.
وفيها خرجت الترك والخزرج بباب الأبواب وقتلوا واستباحوا بعض أرمينية.
وفيها أمر المنصور فأسست بغداد. وابتدىء بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها
أولاً بالرماد وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي وتحول إليها
المنصور في سنة ست وأربعين قبل تمامها. وبغداد في وقتنا أكثرها من
الجانب الشرقي.
وفيها توفي الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة. روى عن الشعبي
وطبقته.
وفيها وقيل في سنة ست، إسماعيل بن أبي خالد البجلي، مولاهم، الكوفي
الحافظ. أحد أعلام الحديث. سمع أبا جحيفة، وابن أبي أوفى، وخلقاً وكان
صالحاً ثبتاً حجة.
وفيها حبيب ابن الشهيد البصري. روي عن الحسن وأقرانه، وأرسل عن أنس
وجماعة. وكان ثبتاً كثير الحديث.
وفيها عمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه. أخذ عن أبيه
(1/156)
ومكحول وكان يقول: لو علمت أنه بقي علي حرف
من السنة باليمن لأتيتها.
وفيها عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ. أحد المحدثين
الكبار. وكان شعبة جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك. روى عن أنس فمن
بعده.
وفيها عمر بن عبد الله مولى غفرة عن سن عالية. روى عن أنسٍ والكبار.
قال أحمد: أكثر حديثه مراسيل، وليس به بأس.
وقال ابن معين: ضعيف.
وفيها محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني. روى عن أبي سلمة
وطائفة. وكان حسن الحديث، كثير العلم، مشهوراً. أخرج له البخاري
مقروناً بآخر.
وفيها يحيى بن الحارث الذماري مقرىء دمشق وإمام جامعها. قرأ على ابن
عامر. وروى عن واثلة بن الأسقع وخلق. وورد أنه قرأ القرآن أيضاً على
واثلة، وعليه دارت قراءة الشاميين. وفيها يحيى بن سعيد التيمي تيم
الرباب الكوفي. وكان ثقة إماماً صاحب سنة. روى عن الشعبي ونحوه.
(1/157)
سنة ست وأربعين ومئة
في صفر تحول المنصور فنزل بغداد قبل استتمام بنائها. وكان لا يدخلها
أحد أبداً راكباً حتى إن عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي فلم يأذن له.
وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمراني، مولى حمران مولى عثمان. روى عن
ابن سيرين وغيره، وكان ثقة ثبتاً حافظاً.
أما أشعث بن سوار فكوفي فيه ضعف.
وكذا أشعث الحداني الراوي عن أنس ليس بالقوي.
وفيها عوف الأعرابي البصري. وكان صدوقاً شيعياً كثير الحديث. روى عن
أبي العالية وطائفة.
وفيها محمد بن السائب أبو نضر الكلبي الكوفي صاحب التفسير والأخبار
والأنساب. أجمعوا على تركه وقد أتهم بالكذب والرفض.
قال ابن عدي: ليس لأحد أطول من تفسيره.
وفيها هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، الفقيه، أبو المنذر الأسدي
المدني. أحد أئمة الحديث. أدرك عمه عبد الله بن الزبير وقال: مسح ابن
عمر رأسي ودعا لي.
(1/158)
قال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة. وكان
مثل الحسن وابن سيرين.
وفيها أو في التي تليها، يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه
بالمدينة.
سنة سبع واربعين ومئة
فيها بدعت الكفرة الترك بناحية إرمينية وقتلوا أمماً. ودخلوا تفليس.
فالتقاهم المسلمون فلم ينصروا. وهرب أميرهم جبريل بن يحيى، وقتل مقدمه
الآخر حرب الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد.
وفيها ألح المنصور وأسرف وتحيل بكل ممكن على ابن عمه ولي العهد عيسى بن
موسى بالرغبة والرهبة حتى خلع نفسه كرهاً. وقيل بل عوضه عشرة آلاف ألف
درهم. وعلى أن يكون أيضاً ولي عهدٍ بعد المهدي بن المنصور.
وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي حدث عن
مجاهد وجماعة. وكان عالماً فقيهاً نبيلاً.
وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي عم المنصور الذي هزم
مروان وافتتح دمشق. وكان من رجال الدهر حزماً ورأياً ودهاءً وشجاعة.
سجنه المنصور مدة. وقيل إنه قتله سراً وهدم الحبس قصداً.
وفيه الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب العدوي العمري المدني. وكان أوفق إخوته وأفضلهم وأكثرهم علماً
(1/159)
وصلاحاً وعبادة. روى عن القاسم وسالم
ونافع.
وفيها هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ محدث البصرة وصاحب الحسن
وابن سيرين. قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث الحسن. وقيل: كان
عنده ألف حديث.
سنة ثمان وأربعين ومئة
فيها توجه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر إرمينية.
وفي آخرها توفي الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق ولد أبي جعفر محمد
الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي. وأمه فروة ابنه
القاسم ابن محمد بن أبي بكر. فهو علوي الأب بكري الأم. روى عن أبيه
وجده القاسم وطبقتهما. وكان سيد بني هاشم في زمانه. عاش ثمانياً وستين
سنة وأشهراً.
وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي
مولاهم، الأعمش. روى عن ابن أبي أوفى وأبي وائل، والكبار.
وكان محدث الكوفة وعالمها.
قال ابن المديني: للأعمش نحو ألف وثلاث مئة حديث.
وقال ابن عيينة: كانأقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم
للحديث.
وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام.
(1/160)
وقال وكيع: بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة
لم تفته التكبيرة الأولى.
قال الخريبي: ما خلف أعبد منه.
وفيها شبل بن عباد قارىء أهل مكة. وتلميذ ابن كثير. حدث عن أبي الطفيل
وطائفة.
وفيها عمرو بن الحارث المصري الفقيه. حدث عن ابن أبي مليكه وطبقته.
قال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه.
وقال أبو حاتم الرازي: كان أحفظ الناس في زمانه، لم يكن له نظير في
الحفظ.
وفيها محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي، عالم أهل حمص.
أخذ عن مكحول وعمرو بن شعيب وخلق. وقال: أقمت مع الزهري عشر سنين
بالرصافة. وقال الزهري عنه: قد احتوى هذا على ما بين جنبي من العلم.
وقال محمد بن سعد: كان أعلم التابعين بالفتوى والحديث.
وفيها العوام بن حوشب شيخ واسط. وروى عن إبراهيم النخعي وجماعة.
قال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
(1/161)
وفيها في رمضان قاضي الكوفة ومفتيها أبو
عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الفقيه لم يدرك
أباه. وسمع الشعبي وطبقته.
قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدنيا.
قلت: وكان صاحب قرآن وسنة. قرأ عليه حمزة وكان صدوقاً جائز الحديث.
وفيها محمد بن عجلان المدني. روى عن أبيه وأنس وطائفة وكان ناسكاً
صادقاً. له حلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم للفتوى. روى له مسلم
مقروناً بآخر.
سنة تسع وأربعين ومئة
فيها غزا الناس بلاد الروم وعليهم العباس بن محمد. فمات في الغزاة أكبر
أمرائه محمد بن الأشعث الذي كان ولي إمرة مصر.
وفيها توفي بالكوفة زكريا بن أبي زائدة الهمداني القاضي ولد يحيى. روى
عن الشعبي وغيره. وفيها كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل
وجماعة.
وفيها المثنى بن الصباح اليماني بمكة. روى مجاهد وعمرو بن شعيب وطائفة.
وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف.
(1/162)
سنة خمسين ومئة
فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استاذ سيس حتى اجتمع له
فيما قيل ثلاث مئة ألف مقاتل من بين فارس وراجل، سائرهم من أهل
وسجستان. واستولى على أكثر خرسان. وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم
المروروذي. فقتل الأخثم واستبيح عسكره. فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم
بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق كثير، حتى قيل إنه قتل
في هذه الوقعة سبعون ألفاً. وانهزم استاذ سيس في طائفة إلى جبل. وكانت
هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطراداً.
ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم. وكانوا أربعة عشر ألفاً. ثم
حاصر استاذ سيس مدة. ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، وأطلق أصحابه،
وكانوا ثلاثين ألفاً.
فيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
الرومي ثم المكي مولى بني أمية، عن أكثر من تسعين سنة. أخذ عن عطاء
وطبقته. وهو أول من صنف الكتب بالحجاز، كما أن سعيد بن أبي عروبة أول
من صنف بالعراق.
قال أحمد: كان ابن جريج من أوعية العلم.
قلت: ولم يطلب العلم إلا في الكهولة، ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن
غير واحد من الصحابة. فإنه قال: كنت أتبع الأشعار والعربية والأنساب
حتى قيل لي: لو لزمت عطاءً فلزمته ثمانية عشر عاماً.
قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج.
(1/163)
وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحداً أحسن صلاة
من ابن جريج.
وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومئة لألقاه
فوجدته قد مات رحمه الله.
وفي رجب توفي فقيه العراق الإمام أبو حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي
مولى بني تيم الله بن ثعلبة. ومولده سنة ثمانين. رأى أنساً، وروى عن
عطاء بن أبي رباح وطبقه. وتفقه على حماد بن أبي سليمان. وكان من أذكياء
بني آدم، جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز
الدولة بن ينفق ويؤثر من كسبه. له دار كبيرة لعمل الخز، وعنده صُناع
وأجراءُ.
قال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة.
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ
سمعت رجلاً يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال: والله لا
يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعاً. وقد روي
أن المنصور سقاه السم فمات شهيداً رحمه الله سمّه لقيامه مع إبراهيم.
وفيها توفي عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى
عن سالم بن عبد الله وطائفة. ولم يعقب. وكان من السادة العباد.
(1/164)
قال الثوري: لم يكن في آل ابن عمر أفضل منه. وقال أبو عاصم نبيل: كان
من أفضل أهل زمانه.
وفيها توفي عثمان بن الأسود المكي. روى عن سعيد بن جبير ومجاهد وطاوس. |