العبر في خبر من غبر، من سنة 161 إلى 170

سنة إحدى وستين ومئة
فيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو. واستغوى خلائق لا يحصون، ورأى الناس قمراً ثانياً في السماء كان يرى إلى مسيرة شهرين.

(1/180)


وفي شعبان توفي الإمام العالم أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه، سيد أهل زمانه علماً وعملاً، وله ست وستون سنة. روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب، وخلق كثير.
قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومئة، ما فيهم أفضل من سفيان الثوري.
وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: لا يتقدم سفيان في قلبي أحد.
وقال يحيى القطان: ما رأيت أحداً أحفظ من الثوري، وهو فوق مالك في كل شيء.
وقال سفيان: ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني.
وقال ورقاء: لم ير الثوري مثل نفسه.
وكان كثير الحط على المنصور لظلمه. فهم به وأراد قتله، فما أمهله الله. ومناقب سفيان كثيرة لا يحتملها هذا التاريخ.
وفي أولها أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ. روى عن زياد بن علاقة وطبقته. قال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة.
وقال الطيالسي: كان لا يحدث عن صاحب بدعة.

(1/181)


وفيها حرب بن شداد اليشكري البصري. روى عن شهر بن حوشب، والحسن، ويحيى بن أبي كثير.
وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري، وقد نيف على الستين. روى عن أبي زهرة بن معبد وجماعة.
وفيها أو في حدودها، ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن. روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما. قال أبو داود الطياليسي: قال لي شعبة: عليك بورقاء، فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع.
وقال أحمد: كان ثقة صاحب سنة.
وفيها أو في حدودها هشام بن سعد المدني يتيم زيد بن أسلم. روى عن نافع وطائفة.
وفيها، أو في حدودها، داود بن قيس المدني الفراء الدباغ. روى عن المقبري وطبقته.
وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان. روى عن عطاء بن أبي رباح، الربيع بن أنس الخراساني. وكان زميل المهدي إلى مكة.
سنة اثنتين وستين ومئة
162- فيها احتفل لغزو الروم وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوعة فأغار وحرق وسبى ولم يلق بأسا

(1/182)


وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار إبراهيم بن أدهم واستولوا على جرجان. وقتلوا خلائق. فقصده عمر بن العلاء من طبرستان، فقتل عبد القاهر وخلق من أصحابه.
وفيها إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام. روى عن منصور. ومالك بن دينار، وطائفة. ووثقه النسائي. وغيره. وكان أحد السادات.
وفيها. وقيل سنة ستين، داود بن نصير الطائي الكوفي الزاهد. وكان أحد من برع في الفقيه، ثم اعتزل. روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة. وكان عديم النظير زهداً وصلاحاً.
وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري المدني. أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة. وهو متروك الحديث. قد ولي بعده القاضي أبو يوسف.
وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التيمي المروزي الخراساني. نزل الشام، ثم الحجاز. وحدث عن عمرو بن شعيب وطائفة.
وفيها، أو قبلها، يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري. روى عن الحسن وعطاء والكبار. وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره.

(1/183)


وفيها، أو في حدودها، شبيب بن شيبة المنقري البصري. وكان فصيحاً بليغاً أخبارياً. روى عن الحسن وابن سيرين.
وأبو سفيان حرب بن شريح المنقري البصري البزار، روى عن ابن أبي مليكة وجماعة.
قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص، عن سن عالية.
رأى أبا سعيد الخدري. وروى عن السائب بن يزيد وجماعة.
قال ابن سعد: كان من أهل الفضل والنسك، يعظ ويذكر.
قلت: آخر من روى عنه كامل بن طلحة.
سنة ثلاث وستين ومئة
فيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة. وصرف همته إلى تتبعهم، وأتى بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب.
وفيها بالغ سعيد الجرشي في حصار عطاء المقنع. فلما أحس الملعون بالغلبة استعمل سما وسقى نساءه. فأهلكهم الله. ودخل المسلمون الحصن فقطعوا رأسه ووجهوا به إلى المهدي. فوافاه بحلب.
وكان يقول بالتناسخ، وأن الله تحول إلى صورة آدم، ولذلك سجدت له الملائكة، ثم تحول إلى صورة نوح، ثم إلى غيره من الأنبياء والحكماء، ثم إلى صورة أبي مسلم الخراساني، ثم إلى صورته، تعالى الله عن قوله علواً كبيراً. فعبده خلق وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من قبح صورته وعوره ولكنته وقصره. وكان قد اتخذ وجهاً من ذهب ولذلك قيل له المقنع، واستغواهم بالسحر، وأطمع لهم قمراً يرى من مسيرة شهرين. كما قيل:

(1/184)


إليك فما بدرُ المّقنع طالعاً ... بأَسحر من ألحاظ بدري المّعمم
وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الخراساني بنيسابور روى عن عمر بن دينار وطبقته.
قال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث. ما كان بخراسان أكثر حديثاً منه.
وفيها أرطاة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار. وكان ثقة حافظاً زاهداً معمراً.
قال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر.
وفيها بكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور، بدمشق. روى عن أبي الزبير المكي وجماعة.
قال النسائي: ليس به بأس.
وفيها حريز بن عثمان الحمصي. روى عن عبد الله بن بسر الصحابي، وعن كبار التابعين. واتهم بنصب ما.
قال أبو اليمان: كان ساول من رجل ثم ترك.
وقال أبو حاتم: لا يصح ما يقال في رأيه. ولا أعلم بالشام منه.
وقال أحمد: ثقة ثقة.
وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين: ليس به بأس.

(1/185)


وفيها أو في التي قبلها، شعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي، مولى بني أمية. وصاحب الزهري.
قال أحمد بن حنبل: رأيت كتبه قد ضبطها وقيدها. قال: وهو عندنا فوق يونس وعقيل.
وقال علي بن عياش: كان عندنا من كبار الناس. وكان من صنف آخر في العبادة.
وفيها موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري. روى عن أبيه وطائفة. وولي إمرة ديار مصر للمنصور ستة أعوام.
وهمام بن يحيى العوذي، مولاهم، البصري. روى عن وعطاء وطائفة. وكان أحد أركان الحديث ببلده.
قال أحمد: هو ثبت في كل مشايخه.
وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري. روى عن بكير بن الأشج وجماعة. وكان كثير العلم فقيه النفس.
وفيها أو حدودها أبو غسان محمد بن مطرف المدني. روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته.

(1/186)


سنة أربع وستين ومئة
فيها أقبل ميخائيل البطريق وطازاد الأرمني لعنهما الله في تسعي ألفاً. ففشل عبد الكبير ومنع المسلمين من الملتقى ورد، فهم المهدي بضرب عنقه وسجنه.
وفيها توفي إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني شيخ آل طلحة عن سن عالية. روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعن عمته موسى وعيسى. وآخر روى عنه بشر بن الوليد الكندي. وهو متروك الحديث.
وفيها أبو معاوية شيبان النحوي الكوفي. نزل بغداد. وروى عن الحسن وطائفة بعده. وكان كثير الحديث عارفاً بالنحو صاحب حروف وقراءات، ثقة حجة.
وفيها عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه. روى عن الزهري وطبقته. وكان إماماً مفتياً صاحب حلقة.
وفيها مبارك بن فضالة البصري، مولى قريش. روى عن الحسن، وبكر المزني وطائفة. وكان من كبار المحدثين والنساك. وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه.
وقال أبو داود: مدلس. فإذا قال حديثاً فهو ثبت.
وقال مبارك: جالست الحسن ثلاث عشرة سنة.
وقال أحمد: مارواه عن الحسن يحتج به.

(1/187)


وفيها، أو في التي تليها، عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي. يروي بن القاسم ومكحول وكان بن أشراف البلد. عمر تسعين سنة.
سنة خمس وستين ومئة
فيها غزا المسلمون غزوة مشهورة، وعليهم هارون الرشيد وهو صبي أمرد. وفي خدمته الربيع الحاجب. فافتتحوا ماجدة من الروم، والتقوا الروم وهزموهم، ثم ساروا حتى وصلوا إلى خليج القسصنطينية، وقتلوا وسبوا. وصالحتهم ملكة الروم على مال جليل. فقيل إنه قتل من الروم في هذه الغزوة المباركة خمسون ألفاً. وغنم المسلمون ما لا يحصى، حتى بيع الفرس بدرهم، والبغل الجيد بعشرة دراهم.
وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصري، عالم أهل البصرة في وقته. روى عن ابن سيرين وثابت.
قال شعبة: هو سيد أهل البصرة.
وقال الخريبي: ما رأيت بصرياً أفضل منه.
وقال أحمد: ثبت ثبت.
وفيها عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي الزاهد عن تسعين سنة. روى عن خالد بن معدان وطبقته.

(1/188)


قال أحمد بن حنبل: كان عابد أهل الشام. وذكر من فضله.
وقال أبو داود: كان مجاب الدعوة. وكانت فيه سلامة. وما به بأس.
وقال أبو حاتم: ثقة.
وفيها توفي معروف بن مشكان قارئ أهل مكة. وأحد أصحاب ابن كثير. وقد سمع من عطاء وغيره.
وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصري الحافظ. روى عن منصور وطائفة كبيرة.
قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أبصر اصحابه بالحديث والرجال.
وقال أبو حاتم: يقال لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه.
وفيها خالد بن برمك وزير السفاح، وجد جعفر البرمكي، عن خمس وسبعين سنة. وكان يتهم بالمجوسية.
وفيها في آخر يوم منها أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حبان بالبصرة روى عن أبي رجاء العطاردي والحسن والكبار، وعاش خمساً وتسعين سنة.
سنة ست وستين ومئة
فيها قبض المهدي على وزيره يعقوب بن داود لكونه أعطاه هاشمياً من ولد فاطمة رضي الله عنه ليقتله، فاصطنعه وهربه. فظفر به

(1/189)


الأعوان وكان يعقوب شيعياً يميل إلى الزيدية ويقربهم. وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السمين، من كبار محدثي دمشق. روى عن القاسم أبي عبد الرحمن وطائفة.
وفيها معقل بن عبد الله الجزري، من كبار علماء الجزيرة. روى عن عطاء بن أبي رباح، وميمون بن مهران، والكبار.
وفيها أبو بكر النهشلي الكوفي، وفي اسمه أقوال. روى عن أبي بكر ابن أبي موسى الأشعري وجماعة. وآخر أصحابه موتاً جبارة بن المغلس.
سنة سبع وستين ومئة
فيها جد المهدي في طلب الزنادقة في الآفاق وأكثر الفحص عنهم، وقتل طائفة.
وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام وغرم عليها أموالاً عظيمةً، ودخلت فيه دور كبيرة.
وفيها توفي عالم أهل البصرة حماد بن سلمة بن دينار، أبو سلمة البصري الحافظ. في أواخر السنة. سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي

(1/190)


وطبقتهما. وكان سيد أهل وقته.
قال وهيب بن خالد: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.
وقال ابن المديني: كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشر آلاف حديث.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل الحماد بن سلمة إنك تموت غداً ما قدر أن يزد في العمل شيئاً.
وقال شهاب البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال.
وقال غيره: كان فصيحاً مفوهاً، إماماً في العربية، صاحب سنة. وله تصانيف في الحديث. وكان بطائنياً. فروى سوار بن عبد الله عن أبيه قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه. فإذا ربح ثوب حبة أو حبتين شد جونته وقام.
وقال موسى بن اسماعيل: لو قلت إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً لصدقت. كان يحدث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي قد قسم النهار على ذاك.
وفيها الحسن بن صالح بن حي الهمداني، فقيه الكوفة وعابدها. روى عن سماك بن حرب وطبقته.
قال أبو نعيم: ما رأيت أفضل منه.
وقال أبو حاتم: ثقة حافظ متقن.
وقال ابن معين: يكتب رأي الحسن بن صالح يكتب رأي الأوزاعي.
وهؤلاء ثقات.

(1/191)


وقال وكيع: الحسن بن صالح يشبه سعيد بن جبير، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزءا الليل ثلاثة أجزاء. فماتت. فقسما الليل بينهما. فمات علي. فقام حسن الليل كله.
قلت: مات سنة أربع وخمسين. وهما توأم. أخرج مما مسلم.
وفيها الربيع بن مسلم الجمحي، مولاهم، البصري. وكان من بقايا أصحاب الحسن.
وفيها مفضل بن مهلهل السعدي الكوفي صاحب منصور.
قال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة وفضل وفقه. لما مات الثوري جاء أصحابه إلى مفضل فقالوا: تجلس لنا مكانه فقال: ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه.
وفيها فقيه الشام بعد الأوزاعي أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي. عن نحو ثمانين سنة. أخذ بن مكحول، وربيعة بن يزيد القصير، ونافع مولى ابن عمر، وخلق. وكان صالحاً قانتاً خاشعاً. قال: ما قمت إلى صلاة حتى مثلت لي جهنم.
وقال الحاكم: هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة.
وفيها أبو روح سلام بن مسكين البصري. روى عن الحسن والكبار.

(1/192)


قال أبو سلمة التبوذكي: كان من أعبد أهل زمانه.
وفيها أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري بالإسكندرية. روى عن أبي قبيل وطبقته. وكان ذا عبادة وفضل وجلالة.
وفيها أبو عقيل يحيى بن المتوكل المدني بغداد روى عن بقية وابن المنكدر. وليس بالقوي عندهم.
وفيها عبد العزيز بن مسلم بالبصرة. روى عن مطر الوراق وطائفة.
وكان عابداً قدرةً. روى عنه يحيى السليحيني وقال: كان من الأبدال.
وفيها القاسم بن الفضل الحداني بالبصرة. روى عن ابن سيرين والكبار. وكان كثير الحديث. قال ابن مهدي: هو من مشايخنا الثقات.
وفيها أبو هلال محمد بن سليم الراسبي بالبصرة. روى عن الحسن والكبار. وهو حسن الحديث. وثقه أبو داود وغيره.
وفيها محمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي. أحد المكثرين الثقات. يروي عن أبيه وطبقته.
وفيها أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي السكري. ارتحل وأخذ عن

(1/193)


زياد بن علاقة ونحوه. وكان شيخ بلده في الحديث والفضل والعبادة.
وفيها أبو بكر الهذلي البصري الأخباري. أحد الضعفاء. واسمه سلمى. روى عن الشعبي ومعاذة العدوية والقدماء.
وفيها قتل في الزندقة بشار بن برد البصري الأعمى شاعر العصر.
سنة ثمان وستين ومئة
فيها غزا المسلمون الروم لنقضهم الهدنة.
وفيها سار سعيد الجرشي في أربعين ألفاً إلى طبرستان.
وفيها مات السيد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شيخ بني هاشم في زمانه، وأمير المدينة للمنصور، ووالد الست نفيسة. خافه المنصور فحبسه. ثم أخرجه المهدي وقربه. ولم يزل معه حتى مات بطريق مكة معه عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبيه.
وفيها أبو الحجاح خارجة بن مصعب السرخسي، من كبار المحدثين بخراسان. رحل أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته. وهو صدوق كثير الغلط، لا يحتج به.

(1/194)


وفيها سعيد بن بشير البصري ثم الدمشقي المحدث المشهور. أكثر عن قتادة وطبقته.
قال أبو مسهر: لم يكن في بلدنا أحفظ منه.
وقال أبو حاتم: محلة الصدق. وضعفه وغيره.
وفيها على الصحيح قيس بن الربيع، أبو محمد الأسدي الكوفي الحافظ. أحد علماء الحديث مع ضعفه. على أن ابن عدي قال فيه عامة رواياته مستقيمة. والقول فيه ما قال شعبة: فإنه لا بأس به.
وقال عفان: ثقة.
وقال أبو الوليد: حضر شريك القاضي جنازة قيس بن ربيع، فقال: ما ترك بعده مثله.
قلت: روى عن محارب بن دثار وطبقته.
وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي. ولي عهد السفاح، بعد أخيه المنصور. وقد ذكرنا أن المهدي خلعه.
وقد توفي أبوه شاباً سنة ثمان ومئة.
وفيها فليح بن سليمان المدني مولى آل الخطاب. روى عن نافع

(1/195)


وطبقته. وكان ثقة مشهوداً كثير العلم. لينه ابن معين.
وفيها مندل بن علي العنزي الكوفي. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. وكان صدوقاً مكثراً، في حديثه لين.
وفيها نافع بن يزيد المصري، بن جعفر بن ربيعة وطبقته. وكان أحد الثقات.
وفيها يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي. روى عن إياس بن سلمة بن الأكوع وغيره. وليس بالمكثر.
سنة تسع وستين ومئة
فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد ويؤخر موسى الهادي. فطلبه وهو بجرجان ففهمها ولم يقدم. فهم بالمصير إلى جرجان لذلك.
وفيها لثمان بقين من المحرم ساق المهدي واسمه أبو محمد بن عبد الله أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي خلف صيد، فدخل الوحش خربة، فدخل الكلاب خلفه، وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخربة لشدة سوقه، فتلف لساعته.
وقيل بل أكل طعاماً سمته جارية لضرتها، فلما وضع يده فيه ما جسرت أن تقول هيأته لضرتي فيقال كان انجاص. فأكل واحدة وصاح من جوفه ومات من الغد عن ثلاث وأربعين سنة.

(1/196)


وكانت خلافته عشر سنين وشهراً.
وكان جواداً ممدحاً محبباً إلى الناس. وصولاً لأقاربه، حسن الأخلاق، حليماً. قصاباً للزنادقة. وكان طويلاً أبيض مليحاً.
يقال إن المنصور خلف في الخزاين مئة ألف ألف، وستين ألف ألف درهم ففرقها المهدي. ولم يل الخلافة أحد أكرم منه، ولا أبخل من أبيه، ويقال إنه أعطى شاعراً مرةً خمسين ألف دينار. ولما مات أرسلوا بالخاتم والقضيب إلى الهادي. فأسرع على البريد، وقدم بغداد، وبلغ في طلب الزنادقة وقتل منهم عدة.
وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي الحسيني بالمدينة، وتابعة عدد كثير. وحارب العساكر التي بالمدينة، وقتل مقدمهم خالد البربري. ثم تأهب وخرج في جمع إلى مكة، فالتف عليه خلق كثير. فأقبل عليه ركب العراق معهم جماعة من أمراء بني العباس بعدة وخيل. فالتقوا بفج، فقتل الحسين في مئة من أصحابه.
وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمن المنصور.
وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة.
وهو جد الشرفاء الإدريسيين. ثم تحيل الرشيد وبعث من سم إديس. فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وتملك مدة.
وفيها توفي أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي. وله عن أبيه نسخة وكان عريف قومه بني سدوس.

(1/197)


وفيها أبو سعيد المؤدب ببغداد، واسمه محمد بن مسلم. وهو جزري روى عن عبد الكريم الجزري، وحماد بن أبي سليمان، وجماعة. وهو مؤدب موسى الهادي.
وفيها نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن، وقيل أبو رويم الليثي، مولاهم، قارىء أهل المدينة، وأحد السبعة.
قال موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين.
وقال الليث: حججت سنة ثلاث عشرة ومئة، وإمام الناس في القراءة نافع ابن أبي نعيم.
وقال مالك: نافع إمام الناس في القراءة.
قلت: وثقه غير واحد، وليس له رواية في الكتب الستة.
وفيها نافع بن عمر الجمحي المكي. سمع ابن أبي مليكة، وسعيد بن أبي هند، وطائفة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أثبت الناس.
وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصري. له عن هلال بن حباب وجماعة. وكان من ثقات الشيوخ.

(1/198)


سنة سبعين ومئة
في ربيع الأول توفي الخليفة الهادي أبو محمد بن المهدي. وكان طويلاً أبيض. جسيماً مات من قرحة أصابته. وقيل قتلته أمه الخيزران لما هم بقتل أخيه الرشيد. فعمدت لما وعك إلى أن غمته. وعاش بضعاً وعشرين سنة. فالله يسامحه، وقد كان جباراً ظالم النفس.
وفيها توفي أبو النضر جرير بن حازم الأزدي البصري أحد فصحاء البصرة ومحدثيها. عمر دهراً. أختلط بأخرة فحجبه ابنه وهب. فلم يرو شيئاً في اختلاطه. روى عن الحسن والكبار. وحضر جنازة ابن الطفيل بمكة.
وفيها الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور والمهدي وفيها عبد الله بن جعفر المخزومي المدني. روى عن عمة أبيه أم بكر بنت المسور بن مخرمة، وجماعة من التابعين. قال الواقدي: كان عالماً بالمغازي والفتوى. وكان قصيراً دميماً.
وفيها محمد بن مهاجر الحمصي. روى عن نافع وطبقته. وآخر من حدث عنه أبو توبة الحلبي.
وفيها أبو معشر السندي واسمه نجيح بن عبد الرحمن المدني صاحب المغازي والأخبار.
قال ابن معين: كان أمياً يتقى من حديثه المسند.

(1/199)


قلت: روى عن محمد بن كعب القرظي والكبار. واستصحبه المهدي معه لما حج إلى بغداد. وقال: يكون بحضرتنا ويفقه من حولنا، وصله بألف دينار. وكان أبيض أزرق سميناً. وقيل له السندي بن قبيل اللقب بالضد.
وفيها الوزير أبو عبيد الله واسمه معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعري. مولاهم، كاتب المهدي ووزيره. وكان من خيار الوزراء، صاحب علم. وعبارة وصدقات. روى عن منصور بن المعتمر.
وفيها، أو في حدودها، محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني مولى الأنصار. أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته. وكان ثقة كثير العلم.
وأسباط بن نصر الهمداني الكوفي المفسر، صاحب إسماعيل السدي.