العبر في خبر من غبر، من سنة 181 إلى 190
سنة إحدى وثمانين
ومئة
فيها غزا الرشيد، وافتتح حصن الصفصاف من أرض الروم بالسيف.
وسار عبد الملك بن صالح بن علي العباس حتى بلغ أنقرة وافتتح حصناً.
وفيها توفي الامام محدث الشام ومفتي أهل حمص أبو عتبة إسماعيلُ بن عياش
العنسي، عن بضع وسبعين سنة. روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد
الألهاني. وخلق من التابعين بالشام والحرمين.
قال ابن معين: هو ثقة في الشاميين.
وقال يزيد بن هارون: ما رأيت شامياً ولاعراقياً أحفظ من إسماعيل بن
عياش. ما أدري ما الثوري.
وقال ابن عدي: يحتج به في حديث الشاميين خاصة.
وقال أبو اليمان: كان إسماعيل جارنا، فكان يحيي الليل.
وقال داود بن عمرو: ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظه. وكان يحفظ نحواً من
(1/215)
عشرين ألف حديث.
وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين. ومناقبه كثيرة.
وفيها أبو المليح الرقي. وله نيف وتسعون سنة واسمه الحسنُ بن عمر روى
عن ميمون بن مهران. وابن الزهري. والكبار وثقه الإمام أحمد وغيره.
وفيها حفص بن ميسرة الصنعاني بعسقلان. روى عن زيد بن أسْلَم وطبقته.
وكان ثقة صاحب حديث.
وفيها المعمَر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفي ببغداد. وقد جاوز المئة
بعام. رأى عمرو بن حُرَيْث الصابي. وروى عن مُحارب بن دثار وجماعة.
قال أبو حاتم: َصدوق ثقة.
قلتُ: هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة.
وفيها الأمير حسن بن قحطبة بن شبيب الطائي، وله أربع وثمانون سنة. وكان
من كبار قواد المنصور.
وفيها، وقيل سنة ثمانين أبو معاوية عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب
المهلبي البصري. أحد المحثين والأشراف.
روى عن أبي جمرة الضبعي،
(1/216)
صاحب ابن عباس وغيره.
وفيها، في رمضان، الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك
الحنظلي، مولاهم، المروزي الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب رحمه الله،
وله ثلاث وستون سنة. سمع هشام بن عروة وحميد الطويل، وهذه الطبقة.
وصنف التصانيف الكثيرة. وحديثه نحو من عشرين ألف حديث.
قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه.
وقال شعبة: ما قدم علينا مثله.
وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين.
وعن شعيب بن حرب قال: ما لقي ابن المبارك مثل نفسه.
وقال غيره: كانت له تجارة واسعة، وكان ينفق على الفقراء في السنة مئة
ألف درهم. وكان يحج سنة ويغزو سنة. كان استاذه تاجراً فتعلم منه. وكان
ابوه تركياً وأمه خوارزمية.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري.
قلت: كان رأسا في العلم، رأسا في العمل رأسا في الذكاء، رأساً في
الشجاعة والجهاد، رأسا في الكرم وقبره بهيت ظاهر يُزار رحمه الله.
وفيها أبو الحسن ابن علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاز. يروي عن
الأعمش وأقرانه. وكان شيعياً جلْداً.
(1/217)
وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضل بن فضالة
القتباني الفقيه. روى عن يزيد بن أبي حبيب وطائفة كثيرة. وكان زاهداً
ورعاً قانتاً مُجاب الدعوة، عاش أربعاً وسبعين سنة.
وفيها بالإسكندرية يعقوب بن عبد الرحمن القاري المدني. روى عن زيد بن
أسلم وطبقته فأكثر.
سنة اثنتين وثمانين ومئة
في سملت الروم عيني طاغيتهم قسطنطين وملكوا عليهم أمة.
وفيها توفي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني روى
عن أبيه وجماعة.
وهو ضعيف كثير الحديث.
وفيها عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ. سمع من هشام بن
عروة وجماعة. وقال: سمعتُ من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث.
وقال ابن معين: ما بالكوفة أعلم بالثوري من عبيد الله الأشجعي.
وفيها عمار بن محمد الثوري الكوفي، ابن أخت سفيان. روى عن منصور والأعش
وعدة.
قال ابن عرفة: كان لا يضحك وكنا لا نسك أنه من الأبدال.
وفيها أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري نزيل بغداد وكان
(1/218)
محدثاً مشهوراً ذا صلاح وعبادة. رحل إلى
معمر فلقب بالمعمري.
وفيها الوليد بن محمد الموقري البلقاوي، والموقر حصين بالبلقاء. وهو من
ضعفاء أصحاب الزهري.
وفيها على الأصح، عالم أهل الكوفة أبو زكريا يحيى بن أبي زائدة الكوفي
الحافظ روى عن أبيه، وعاصم الأحول. وطبقتهما. وعاش ثلاثاً وستين سنة.
قال علي بن المديني: انتهى العلم في زمانه إليه. ما كان بالكوفة بعد
الثوري أثبت منه.
وقال غيره: ولي قضاء المدينة وبها توفي رحمه الله.
وفيها الحافظ الثبت أبو معاوية يزيد بن زريع العيشي. بالبصرة. روى عن
أيوب السختياني وطبقته.
قال الإمام أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة ما أتقنه وما أحفطه! وقال
يحيى القطان: ما كان هنا أحد أثبت منه.
وقال نصر بن علي الجهضمي: رأيت يزيد بن زريع في النوم، فقلت: ما فعل
الله بك؟ قال: دخلت الجنة. قلت: بماذا؟ قال: بكثرة الصلاة.
وفيها في شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف، واسمه يعقوبُ بن إبراهيم
الكوفي قاضي القضاة. وهو أول من دعي بذلك. تفقه على الإمام أبي حنيفة،
وسمع من عطاء بن السائب وطبقته.
(1/219)
قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يحب
أصحاب الحديث ويميل إليهم.
وقال محمد بن سماعة: كان أبو يوسف يصلي بعد ما ولي القضاء في كل يوم
مائتي ركعة. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: سمعت أبا يوسُف يقول عند
وفاته: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة.
قلت: كان أبو يوسف مع سعة علمه أحد الأجواد الأسخياء.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: صدوق.
وفيها توفي أمير عرب الشام القيسية وفارسهم البطل أبو الهيذام عامر بن
عمارة المري
سنة ثلاث وثمانين ومئة
فيها خرج الخزرُ لعنهم الله. ومن قصتهم أن ستيت إبنة ملك الترك خاقان
خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحُملت إليه في عام أول. فماتت في
الطريق ببرذعة فرد من كان معها في خدمتها من العساكر وأخبروا خاقان
أنها قتلت غيلة. فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد،
وأوقع بأهل الإسلام وبالذمة، وقتل وسبى،
(1/220)
وبدع وبلغ السبي مئة ألف، وعظمت المصيبة
على المسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون. فانزعج هارون الرشيد واهتم
لذلك، وجهز البعوث. فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن إرمينية ثم سدوا
الباب الذي خرجوا منه.
وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي، محدث
بغداد. روى عن الزهري وطبقته.
قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: هشيم أحفظ للحديث من الثوري.
وقال يحيى القطان: هو أحفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني من سمع عمرو بن عون يقول: مكث هشيم يصلي
الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته.
وقال أحمد: كان كثير التسبيج.
وفيها الواعظُ ابن السماك أبو العباس محمد بن صبيح الكوفي الزاهدُ.
مولى بني عجل. روى عن الأعمش وجماعة. وكان كبير القدر. دخل على الرشيد
فوعظه وخوفه.
وفيها أبو محمد زياد بن عبد الله البكائي العامري الكوفي صاحب المغازي.
وهو أوثق الناس في ابن إسحاق. وسمع بن عبد الملك بن عُمير ومنصور
والكبار.
وفيها السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق وَوالد عليّ
(1/221)
ابن موسى الرضا.
ولد ثمان وعشرين ومئة وروى عن أبيه.
قال أبو حاتم: ثقة إمام من أئمة المسلمين. وقال غيره: أقدمه الرشيد معه
من المدينة فحبسه ببغداد ومات في الحبس رحمه الله. وكان صالحاً عابداً
جواداً حليماً كبير القدر.
وفيها شيخ إصبهان وعالمها أبو المنذر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم
الله من ثعلبة. وكان فقيهاً إماماً زاهداً عابداً صاحب تصانيف. أخذ عن
الثوري وأبي حنيفة وطائفة.
وفيها الفقيه أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة الحضرمي البتهلي قاضي دمشق
ومحدثها وله ثمانون سنة.
قال دحيم: هو ثقة عالم.
قلت: روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين. وولي القضاء دهراً، أظن
ثلاثين سنة.
سنة أربع وثمانين ومئة
فيها توفي الفقيه أبو إسحاق أبو إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني،
قاضي المدينة ومحدثها، وله خمس وسبعون سنة. وقيل توفي في العام الماضي.
سمع أباه والزهري وجماعة.
(1/222)
وفيها الفقيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى
الأسلمي مولاهم، روى عن الزهري وابن المنكدر وطبقتهما. يروي عنه
الشافعي فيقول: أخبرني من لا أتهم. وقال: قدرياً.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: كان قدرياً معتزلياً جهمياً كل بلاء فيه، لا
يكتب حديثه.
وقال البخاري: جهمي تركه الناس.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً إلا عن شيوخ يحتملون، وله كتاب
الموطأ أضعاف موطأ مالك.
وفيها الزاهد العمري بالمدينة، واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد
الله بن عمر بن الخطاب روى عن أبيه. وكان إماماً فاضلاً رأساً في الزهد
والورع.
وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمام عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن
دينار. أخذ عن أبيه، وزيد بن أسلم، وطائفة.
قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه.
وقال ابن سعد: ولد سنة سبع ومئة، ومات ساجداً رحمة الله عليه.
وفيها علي بن غراب الكوفي القاضي. روى عن هشام بن عروة وطبقته.
(1/223)
وفيها مروان بن شجاع الجزري ببغداد. روى عن
خصيف، وعبد الكريم بن مالك.
وفيها، أو في التي مَضَتَ، نُوح بن قيس الُحَدانيّ الطاحي البصري. روى
عن محمد بن واسع وطبقته.
سنة خمس وثمانين ومئة
فيها، وقيل في التي تليها، توفي الإمام القارىء القدوة أبو إسحاق
الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي نزيل ثغر المصيصَة. روى عن
عبد الملك بن عمير وطبقته. ومن جلالته روى عنه الأوزاعي حديثاً، فقيل
له: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني الصادق المصدق أبو إسحاق الفزاريَ.
وقال الفضل بن عياض: ربُما اشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط بل لأرى
أبا إسحاق الفزاري.
وقال غيره: كان إماماً قانتاً مجاهداً مرابطاً أماراً بالمعروف، إذا
رأى بالثغر مبتدعاً أخرجه. وفيها الأمير عبد الصمد بن علي بن عبد الله
بن عباس، شيخُ آل العبّاس وبقية عمومة المنصور. روى عن أبيه، عن جده
ابن عباس وكان ذا قعدد في النسب. ولي إمرة البصرة مرة إمرة دمشق.
(1/224)
وفيها ضمام بن إسماعيل المصري بالإسكندرية.
روى عن أبي قبيل المعافري وطبقته.
قال أبو حاتم: كان صدوقاً متعبداً.
قلتُ: لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً. وهو من مشاهير المحدثين.
وفيها عُمرُ بن عبيد الطنافسي الكوفي. وكان أكبر إخونه. روى عن سماك بن
حرب وطبقته.
وفيها المطّلبُ بن أبي زياد الكوفي. روى عن زياد بن علاقة والكبار.
وثقه أحمد وابن معين. وفيها، على الأصح، المُعافى بن عمران، الإمام أبو
مسعود الأزدي. عالم أهل الموصل وزاهدهم. رَحَلَ وطَوَف وسمع من ابن
جُرَيَّح وطبقته. ذكره سفيان الثوري فقال: هو ياقوتةُ العلماء.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ: لم ألق أفضلَ منه.
وقال ابن سعد: كان ثقةً فاضلاً صاحبَ سُنَة.
وكان ابنُ المبارك، وهو أسن منه. يقول: حدثني ذاك الرجل الصالح.
وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدنيّ، ابن عم عبد
(1/225)
العزيز الماجشون. روى عن الزهري. وابن
المنكدر. وكان كثير العلم.
وفيها أمير دمشق للرشيد محمد بن ابراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد
الله بن عباس العباسي.
سنة ست وثمانين ومئة
فيها سار علي بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو فالتقى هو وأبو الخصيب
بنسا. فظفر بأبي الخصيب، واستقامت خراسان للرشيد.
وفيها توفي حاتم بن اسماعيل المدني. روى عن هشام بن عُروة وطبقته. وكان
ثقة كثير الحديث. وقيل مات في التي تليها.
وفيها حسان بن إبراهيم الكرماني قاضي كرمان يروي عن عاصم الأحول
وجماعة.
وفيها خالد بن الحارث أبو عثمان البصري الحافظ. روى عن أيوب وخلق.
قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.
(1/226)
وفيها سفيان بن حبيب البصري البزاز روى عن
عاصم الأحول وطائفة.
قال أبو حاتم: ثقة. أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروبة.
وفيها أو في التي تليها. عباد بن العوام الواسطي ببغداد. روى عن أبي
مالك الأشجعي وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان.
وفيها عيسى بن موسى غنجار أبو أحمد البخاري. محدث ما وراء النهر رحل
وحمل عن سفيان الثوري وطبقته.
قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السن وطوف. يروي عن أكثر
من مئة شيخ من المجهولين. وحديثه الثقات مستقيم.
وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وله
اثنتان وستون سنة. روى عن هشام بن عروة وطبقته.
قال الزبير بن بكّار: عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع. فأعفاه
ووصله بألفي دينار. وكان فقيه المدينة بعد مالك.
سنة سبع وثمانين ومئة
فيها خلعت الروم من الملك الست ريني وهلكت بعد أشهر.
وأقاموا عليهم نقفور.
والروم تزعم أن تقفور من ولد جفنة الغساني الذي تنصّر.
وكان نقفور قبل الملك يلي نظر الديوان.
(1/227)
فكتب نقفور هذا الكتاب من نقفور ملك الروم
إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام
الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق. فحملت إليك من أموالها، وذلك لضعف
النساء وحمقهن. فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك،
وإلا فالسيفُ بيننا.
فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه، وتفرق جلساؤه خوفاً من بادرة تقعُ
منه. ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور
كلب الروم: قرأت كتابك يا ابن الكافرة. والجواب ما تراه دون ما تسمعه.
ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل على مدينة هرقلة، وأوطأ الروم ذلاً
وبلاءً. فقتل وسبى. وذل نقفور وطلب الموادعة على خراج يحملُه. فأجابه.
فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نقفور. فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد، حتى
عملت الشعراء أبياتاً يلوحون بذلك. فقال أو قد فعلها؟ فكر راجعاً في
مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال منه مراده. وفي ذلك يقول أبو
العتاهية:
ألا نَادَتْ هرَقّلةْ بالخراب ... منَ الملكِ الموفق للصواب
غدا هارونُ يُرعد بالمنايا ... ويُبرق بالمذكرة الصعاب
ورايات يحل النصرُ فيها ... تمُر كأنها قِطَعُ السَحاب
(1/228)
وفيها توفي أو في التي قبلها، بشر بن
المفضل أحدُ حفاظ البصرة. روى عن سهل بن أبي صلح، وخالد الحذاء.
وطائفة.
قال علي المديني: كان يصلي كل يوم أربع مئة ركعة، ويصوم يوماً ويفطر
يوماً رحمه الله. وفيها محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري. سمع أيوب
السختياني وجماعة.
وفيها رباح بن زيد الصنعاني صاحب معمر.
قال أحمد: كان خياراً. ما أرى في زمانه من كان خيراً منه. انقطع في
بيته.
وفيها عبد الرحيم سليمان الرازي نزيل الكوفة. كان ثقة صاحب حديث. له
تصانيف. روى عن عاصم الأحول وخلق.
وفيها عبد السلام بن حرب الملاني الكوفي الحافظ. وله ست وتسعون سنة.
روى عن أيوب السختياني وطبقته.
وفيها عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري الحافظ. روى عن
(1/229)
أبي عمران الجوني والكبار. يكنى أبا الصمد.
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني. روى عن صفوان بن
سليم وخلق. وكان فقيهاً صاحب حديث.
قال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح.
وفيها علي بن نصر بن علي الجهضمي. والد نصر بن علي. روى عن هشام
الدستوائي وأقرانه.
وفيها أبو الخطاب محمد بن سواء السدوسي البصري المكفوف الحافظ.
سمع من حسين المعلم. وأكثر عن أبي عروبة.
وفيها الإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ.
أحد شيوخ البصرة. وله إحدى وثمانون سنة. روى عن عن أبيه ومنصور وخلق لا
يحصون. قال قرة بن خالد: ما معتمر عندنا بدون أبيه.
وقال غيره: كان عابداً صالحاً حجة.
وفيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكي الوزير
أحد الأجواد والفصحاء.
وفيها توفي معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عن نحو مئة سنة وهو
الذي سارت فيه هذه الكلمة:
(1/230)
إن معاذ بن مسلم رجل ... ليس لميقات عمره
أمد
الأبيات.
وفيها في الأبيات في المحرم شيخ الحجاز الإمام أبو علي الفضيل بن عياض
التميمي المروزي الزاهد. أحد الأعلام. الذي قال فيه ابن المبارك: ما
بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض.
وكان قد قدم الكوفة شاباً فحمل عن منصور وطبقته.
قال شريك: القاضي فضيل حجة لأهل زمانه.
سنة ثمان وثمانين ومئة
فيها غزا المسلمون الروم من درب الصفصاف، والتقوا، فجرح الملك نقفور
ثلاث جراحات. وانهزم، وقتل من جيشه عدة ألوف.
وفيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي.
وله ثمان وسبعون سنة. روى عن منصور وطبقته من الكوفيين، ورحل إليه
الناس لثقته وسعة علمه.
وفيها رشدين بن سعد المهري. محدث مصر لكنه ضعيف وفيه دين وصلاح. روى عن
زبان بن فائد، وحميد بن هانئ، وخلق كثير.
وفيها عبدة بن سليمان الكلابي الكوفي. روى عن عاصم الأحول
(1/231)
وطبقته. قال أحمد: ثقة وزيادة، مع صلاح
وشدة فقر.
وفيها، وقيل في سنة تسعين. عتاب بن بشير الحراني صاحب خصيف. وكان صاحب
حديث. وفيها عقبة بن خالد السكوني الكوفي. روى عن هشام بن عروة وطبقته.
وفيها، أو في سنة تسعين، محمد بن يزيد الواسطي عن إسماعيل بن أبي خالد
وجماعة.
وفيها عمر بن أيوب الموصلي المحدث الزاهد. رحل وسمع من جعفر بن برقان
وطبقته.
قال ابن معين: ثقة مأمون.
وقال ابن عمار: ما رأيته يذكر الدنيا.
وفيها مقرئ الكوفة سليم بن عيسى الحنفي، مولاهم. صاحب حمزة. تصدر
لإقراء الناس مدة عليه دارت قراءة حمزة.
وفيها، على الصحيح، الإمام أبو عمرو عيسى بن بن أبي إسحاق السبيعي. رأى
جده، وسمع من إسماعيل بن أبي خالد وخلق من طبقته. وروى عنه من الكبار
حماد بن أبي سلمة وهو أكبر منه. ذكر لابن المديني فقال: بخ بخ ثقة
مأمون.
(1/232)
وقال أحمد بن داود الحداني: سمعت عيسى بن
يونس يقول: لم يكن في أسناني أبصر بالنحو مني، فدخلتني منه نخوة
فتركته.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: الذي كنا نخبر أن عيسى سنة في الغزو وسنة في
الحج. فقدم بغداد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبله.
وفيها، أو في السنة الماضية، مرحوم بن عبد العزيز العطار بالبصرة. كان
محدثاً صالحاً عابداً. روى عن أبي عمران الجوني والكبار.
قال الخريبي: ما رأيت بصرياً أفضل منه ومن سليمان بن المغيرة.
وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي روى عن العلاء بن المسيب
وعدة. وكان بن عباد المحدثين.
قال أحمد العجلي: قالوا له: دواء عينيك ترك البكاء. قال: فما خيرهما
إذاً؟
سنة تسع وثمانين ومئة
فيها كان الفداء الذي لم يسمع بمثله، حتى لم يبق بأيدي الروم مسلم إلا
فودي به.
وفيها توهم الرشيد في علي بن عيسى بن علي بن ماهان أمير خراسان الخروح
فسار حتى نزل بالري. فبادر إليه علي بأموال وجواهر وتحف تتجاوز الوصف.
فأعجب الرشيد ورده على عمله.
(1/233)
وفيها توفي في صحبة الرشيد شيخ القراءات
والنحو الإمام أبو الحسن علي بن حمزة الأسدي الكوفي الكسائي. أحد
السبعة. قرأ على حمزة، وأدب الرشيد وولده الأمين. وهو من تلامذة
الخليل.
قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
وفيها توفي في صحبة الرشيد أيضاً بالري قاضي القضاة وفقيه العصر أبو
عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولاهم. الكوفي المنشأ. ولد بواسط،
وعاش سبعاً وخمسين سنة. وسمع أبا حنيفة ومالك بن مغول وطائفة. وكان من
أذكياء العالم.
قال أبو عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه.
قال الشافعي: لو أشاء أن أقول تنزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت
لفصاحته وقد حملت عنه وقر بختي.
وقال محمد بن الحسن: خلف أبي ثلاثين ألف درهم فأنفقت نصفها على النحو
بالري. وأنفقت الباقي على الفقه ولما توفي هو والكسائي قال الرشيد:
دفنا الفقه والنحو بالري.
(1/234)
قال الخطيب: وولي القضاء بعد محمد بن الحسن
علي بن حرملة التيمي صاحب أبي حنيفة. وفيها أو محمد عبد الأعلى بن عبد
الأعلى الشامي البصري. أحد علماء الحديث. سمع من حميد الطويل وطبقته.
وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي أحد الكبار، روى عن أبي
مالك الأشجعي وخلق من طبقته.
فيها قاضي الموصل علي بن مسهر. أبو الحسن الكوفي الفقيه. روى عن أبي
مالك الأشجعي وأقرانه.
قال أحمد: هو أثبت من ابن أبي معاوية في الحديث.
وقال أحمد العجلي: ثقة جامع للفقه والحديث.
وفيها حكام بن سلم الرازي. يروي بن حميد الطويل وطبقته.
وفيها، وقيل قبلها بعام، يحيى بن اليمان العجلي الكوفي الحافظ. روىعن
هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وطائفة.
ذكره أبو بكر بن عياش فقال: ذاك راهب.
وعن وكيع قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ منه. كان يحفظ في المجلس خمس
مئة حديث ثم، نسي.
وقال ابن المديني: صدوق ثقة تغير من الفالج.
(1/235)
وفيها أو في حدودها. محمد بن مروان
السدوسي، الصغير الكوفي المفسر صاحب الكلبي وهو متروك الحديث.
سنة تسعين ومئة
فيها فتح هرقلة في شوال. استعد للرشيد وأمعن في بلاد الروم.
فدخلها في مئة ألف وبضعة وثلاثين ألفاً، سوى المجاهدين تطوعاً. وبث
جيوشه تغير وتغنم وتخرب. ولما افتتح هرقلة أخربها وسبى أهلها. وكان
مقامه عليها شهراً. وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة. وفرقة افتنحت حصن
الصفصاف ومقدونية.
وركب حميد بن معيوف في البحر، فغزا قبرس فخرب وسبى وأحرق، وبلغ السبي
من قبرس ستة عشر ألفاً. وكان فيهم أسقف قبرس ابن علية، فنودي عليه فبلغ
ألفي دينار وبعث نقفور الجزية عن رأسه وامرأته وخواصه. فكان ذلك خمسين
ألف دينار. وبعث إلى الرشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصوناً
سماها. فاشترط عليه الرشيد أن لا يعمر هرقلة، وأن يحمل في العام ثلاث
مئة ألف دينار.
وكتب نقفور إليه: أما بعد، فلي إليك حاجة أن تهب لي لابني جارية من سبي
هرقلة كنت خطبتها له فأسعفني بها. فأحضر الرشيد الجارية
(1/236)
فزينت. وأرسل معها سرادقاً وتحفاً. فأعطى
نقفور للرسول خمسين ألفاً وثلاثين مئة ثوب وبراذين وبزاة.
وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة وقاضي
بغداد.
وفيها قارىء مكة في زمانه إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي،
مولاهم. المعروف بالقسط. وله تسعون سنة. وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة.
قرأ عليه الشافعي وجماعة.
وفيها أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد. واسمه عبد الواحد بن واصل.
روى عن عوف الأعرابي وعدة.
وفيها عبيده بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ، وله بضع وثمانون سنة. روى
عن الأسود بن قيس ومنصور والكبار. وكان صاحب قرآن وحديث ونحو أدب
الأمين بعد الكسائي.
وفيها عمر بن علي المقدمي، أبو حفص البصري. كان حافظاً مدلساً. كان
يقول: ثنا. يقول: سمعت. ثم يسكت. ثم يقول: هشام بن عروة وينوي القطع.
وفيها عطاء بن مسلم الخفاف. كوفي صاحب حديث، ليس بالقوي. نزل حلب. وروى
عن محمد بن سوقة وطبقته.
(1/237)
وفيها حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته. قال
أبو بكر بن أبي شيبة: قل من رأيت مثله.
وفيها يحيى بن خالد البرمكي. توفي في سجن الرشيد. وله سبعون سنة. |