العبر في خبر من غبر، من سنة 191 إلى 200

سنة إحدى وتسعين ومئة
فيها توفي سلمة بن الفضل الأبرش، قاضي الري وراوي المغازي عن ابن إسحاق. وهو مختلف في الاحتجاج به. ولكنه في ابن إسحاق ثقة.
وفيها الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي مولاهم. المصري الفقيه، صاحب مالك. وله ستون سنة. وقد أنفق أموالاً كبيرة في طلب العلم. ولزم مالكاً مدة. وسأله عن دقائق الفقه. وفيها الفضل بن موسى السيناني شيخ مرو ومحدثها وسينان من قرى مرو. ارتحل وكتب الكثير. وحدث بن هشام بن عروة وطبقته.
قال أبو نعيم الكوفي: هو أثبت من ابن المبارك.

(1/238)


وقال وكيع: أعرفه ثقة صاحب سنة.
وفيها محمد بن سلمة الحراني الفقيه. محدث حران ومفتيها. روى عن هشام بن حبان وطبقته. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلاً، له رواية وفتوى.
وفيها مخلد بن الحسين الأزردي المهلبي البصري. نزيل المصيصة. وكان من عقلاء زمانه وصلحائهم.
وفيها معمر بن سليمان الرقي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته.
وكان من أجلاء المحدثين. ذكره الإمام أحمد فذكره من فضيلته وهيبته.
وقال أبو عبيد: كان من خير من رأيت.
سنة اثنتين وتسعين ومئة
فيها أول ظهور الخرمية المارقة بجبال أذربيجان. فغزاهم حازم ابن خزيمة فقتل وسبى.
وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله إدريس الأزدي الكوفي الحافظ العابد. روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته. وقد روى عن مالك مع تقدمه وجلالته.

(1/239)


قال الإمام أحمد بن حنبل: كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده.
وقال ابن عرفة: ما رأيت بالكوفة أفضل منه.
وقال أبو حاتم: هو إمام من أئمة المسلمين حجة.
وقال غيره: لم يكن بالكوفة أعبد لله منه. عاش اثنتين وسبعين سنة.
وفيها علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي، أبو الحسن ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة، وروى عن أبي حنيفة وإسماعيل بن أبي خالد. وكان محمود الأحكام دينا متواضعاً، ضعيف الحديث.
وفيها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي، أخو جعفر البرمكي، مات في السجن، وقد ولي أعمالاً جليلة. وكان أندى كفاً من جعفر مع كبر، وتيه.
له أخبار في السخاء المفرط، حتى إنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار. وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة صعصعة بن سلام الدمشقي.
أخذ عن الأوزاعي، ومالك، والكبار. أخذ عنه عبد الملك بن حبيب وجماعة.
سنة ثلاث وتسعين ومئة
فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها. وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير بن عيسى بن ماهان بحيلة

(1/240)


وخديعة، واستصفى أمواله وخزائنه، فبعث بها الرشيد، وهو بجرجان. على ألف وخمسين مئة جمل. ثم سار إلى طوس في صفر. وهو عليل. وكان رافع بن الليث قد استولى على ما وراء النهر وعصى فالتقى جيشه وعليهم أخوه هم وهرثمة فهزمهم. وقتل أخو رافع. وملك هرثمة بخارى.
وفيها توفي في ذي القعدة. توفي الإمام العلم أبو بشر إسماعيل بن علية الأسدي. مولاهم البصري. واسم أبيه إبراهيم بن مقسم. وعلية أمه. سمع أيوب وطبقته.
قال فهد بن هارون: دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث علي بن علية.
وقال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.
وقال ابن معين: كان ثقة ورعاً تقياً.
وقال شعبة: ابن علية سيد المحدثين.
وتوفي بعده بأيام محمد بن جعفر غندر الحافظ، أبو عبد الله البصري، صاحب شعبة. وقد روى عن حسين المعلم وطائفة وقال: لزمت شعبة عشرين سنة.

(1/241)


قال ابن معين: كان من أصح الناس كتاباً.
وقال آخر: مكث غندر خمسين سنة يصوم يوماً ويفطر يوما.
وفيها مخلد بن يزيد الحراني محدث رحال. روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وطبقته.
وفيها في ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري الكوفي الحافظ نزيل دمشق. وابن عم أبي إسحاق الفزاري. روى عن حميد الطويل وطبقته.
قال الإمام أحمد: ثبت حافظ.
وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين.
وفيها الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي، مولاهم، الكوفي الخياط. شيخ الكوفة في القراءة والحديث. وله بضع وتسعون سنة. كان من شيخ من أجل أصحاب عاصم. قطع الإقراء بن قبل موته بتسع عشرة سنة.
وقال ابن المبارك: ما رأيت أحداً أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش.
وقال غيره: كان لا يفر من التلاوة، قرأ اثني عشر ألف ختمة. وقيل أربعة وعشرين ألف ختمة.
وفيها العباس بن الأحنف، أحد الشعراء المجيدين، ولاسيما في الغزل.

(1/242)


وفي ثالث جمادى الآخر توفي هارون الرشيد أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله العباسي بطوس. وكانت أيامه ثلاثاً وعشرين سنة. ومولده بالري سنة ثمان وأربعين ومئة. روى عن أبيه وجده. مبارك بن فضالة. وحج مرات في خلافته. وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه:
فمن يطلب لقائك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
وكان شهماً شجاعاً حازماً جواداً ممدحاً فيه دين وسنة، مع انهماكه على اللذات والقيان. وكان أبيض طويلاً سميناً مليحاً، قد خطه الشيب. ورد أنه كان يصلي في اليوم مئة ركعة إلى أن مات، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم. وكان يخضع للكبار، ويتأدب معهم. وعظه الفضيل. وابن السماك، وغيرهما. وله مشاركة قوية في الفقه والعلم والأدب.
وفيها وقيل بعدها. فقيه الأندلس زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون صاحب مالك. وعليه تفقه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل الى مالك. وكان زياد ناسكاً ورعاً، أريد على القضاء فهرب. وفيها نقفور ملك الروم في حرب برجان. وكانت مملكته تسعة أعوام. فملك بعده ابنه شهرين وهلك. فملك زوج أخته ميخائل بن جرجس لعنهم الله.

(1/243)


سنة أربع وتسعين ومئة
فيها وثب الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب. وقام بعده ليون القائد.
وفيها مبدأ الفتنة بين الأمين والمأمون. وكان الرشيد أبوهما قد عقد بالعهد للأمين، ثم من بعده للمأمون. وكان المأمون على إمرة خراسان. فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدم ولده ابن خمس سنين وأخذ يهدي الأموال للقواد ليقوموا معه في ذلك. ونصحه أولو الرأي فلم يرعو، حتى آل الأمر إلى أن قتل.
وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة، وقاضي بغداد. روى عن الأعمش وطبقته. وعاش خمساً وسبعين سنة.
قال يحيى القطان: حفص أوثق أصحاب الأعمش.
وقال سجادة: كان يقال ختم القضاء يحفص بن غياث. وقال ابن معين: جميع ما حدث به حفص بالكوفة وبغداد فمن حفظه.

(1/244)


وقال حفص: والله ما وليت القضاء حتى حملت لي الميتة.
وفيها سويد بن عبد العزيز الدمشقي قاضي بعلبك. قرأ القرآن على يحيى الزماري. وروى عن أبي الزبير المكي. والكبار وعاش بضعاً وثمانين سنة. ضعفوه.
وفيها عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي محدث البصرة.
روى عن أيوب السختياني. ومالك بن دينار. وطبقتهما.
قال الفلاس: كانت غلته في السنة أربعين ألفاً ينفقها كلها على أصحاب الحديث.
وقال أبو إسحاق النظام المتكلم، وذكر عبد الوهاب: هو والله أحلى، من أمن من بعد خوف. وبرء بعد سقم وخصب بعد جذب، وغنى بعد فقر، ومن إطاعة المحبوب ومن فرج المكروب. وفيها محمد بن أبي عدي البصري المحدث. وروى عن حميد وطبقته. وكان أحد االثقات الكبار.
وفيها محمد بن حرب الخولاني الأبرش الحمصي قاضي دمشق. روى عن الزبيدي فأكثر. وعن محمد بن زياد الألهاني وكان حافظاً مكثراً.
وفيها يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ ولقبه جمل.
روى عن الأعمش وخلق. وحمل المغازي عن ابن إسحاق واعتنى بها، وزاد فيها أشياء.

(1/245)


وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخي الزاهد شيخ خراسان.
سافر مرة وفي صحبته ثلاث مئة مريد. وهو شيخ حاتم الأصم.
وفيها سلم بن سالم البلخي الزاهد. روى عن ابن جريج وجماعة.
وكان صواماً قواماً في الأمر بالمعروف.
قال أبو مقاتل السمرقندي: سلم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه.
قلت: هو وشقيق ضعيفان في الحديث.
وفيها عمر بن هارون البلخي. روى عن جعفر الصادق وطبقته. وكان كثير الحديث بصيراً بالقراءات. تركوه.
سنة خمس وتسعين ومئة
فيها لما تيقن المأمون أن الأمين خلعه تسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك. وجهز الأمين علي بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالاً لا تحصى. وأخذ علي معه له قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه. فبلغ إلى الري. وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعي في نحو أربعة آلاف. فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح، وقد إمتلأت بهم الصحراء بياضاً وصفرة في العدد المذهبة. فقال ابن طاهر: هذا ما لا قبل لنا به. ولكن جعلوها خارجية، واقصدوا القلب. ثم ذلك ذكروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون. فلم يلتفت. وبرز فارس من جند ابن

(1/246)


ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله. وشد داود شباه على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه، وهو لا يعرفه، ثم ذبحه بالسيف. فانهزم جيشه وحمل رأسه على رمح. وأعتق طاهر مماليكه شكراً لله. وشره أمر الأمين في سفال، وملكه في زوال.
قيل إنه لما بلغه قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيد سمكاً. فقال للبريدي: ويلك دعني. كوثر وقد صاد سمكتين وأنا فما صدت شيئاً بعد. وندم في الباطل على خلع أخيه وطمع في أمراؤه. ولقد فرق عليهم أموالاً لا تحصى حتى فرغ الخزائن وما نفعوه. وجهز جيشاً فالتقاهم طاهر أيضاً بهمدان. فقتل في المصاف خلق كثير من الفريقين، وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث. وقتل مقدم الجيش الأمين عبد الرحمن الأساوي أخذ الفرسان المذكورين، بعد أن قتل جماعة. وزحف طاهر حتى نزل بحلوان.
وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفياني، فبايعوه بالخلافة. واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور. فسير الأمين عسكراً لحربه. فنزلوا الرقة ولم يقدموا عليه.
وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدث واسط. روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظاً عابداً يقال إنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء.

(1/247)


وفيها بشر بن السري البصري الأفوه نزيل مكة. وكان فصيحاً بالمواعظ مفوهاً ذا صلاح. وقال الإمام أحمد: كان متقناً للحديث عجباً.
قلت: روى عن مسعر والثوري وطبقتهما.
وفيها أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي الحافظُ. ولد سنة ثلاث عشرة ومئة. ولزم الأعمش عشر سنين.
وقال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: أما أنت فقد ربطت رأس كيسك.
وكان شعبة إذا توقف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه.
وفيها عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ. روى عن عبد الملك بن عُميْر وخلق.
قال وكيع: ما كان أحفظه للطوال. توفي بالكوفة.
وفيها، أو في التي مضت، عثام بن علي الكوفي. روى عن هشام بن عروة والأعمش.
وفيها، أو في الماضية، محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، مولاهم، روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وكان يتشيع.

(1/248)


وفيها محدث الشام أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي، وله ثلاث وسبعون سنة. توفي بذي المروة راجعاً من الحج في المحرم. روى عن يحيى الذماري، ويزيد بن أبي مريم. وخلائق. وصنف التصانيف.
قال ابن جوصا: ثم نزل نسمع انه بن كتب مصنفات الوليد بن مسلم صلح أن يلي القضاء. وهي سبعون كتاباً.
وقال أبو مسهر: كان مدلساً ربما دلس عن الكذابين.
وفيها يحيى بن سليم الطائفي الحذاء بمكة. وكان ثقة صاحب حديث. روى عن عبد الله بن عثمان بن خثيم وطبقته.
سنة ست وتسعين ومئة.
فيها توثب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد.
فخلع الأمين في رجب وحبسه. ودعا إلى بيعة المأمون فلم ينشب أن وثب الجند عليه فقتلوه. وأخرجوا الأمين. وجرت أمور طويلة وفتنة كثيرة.
وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري في ربيع الآخر. روى عن حميد الطويل وطبقته وكان أحد الحفاظ.
قال يحيى القطان: ما بالبصرة. ولابالكوفة. ولا بالحجاز. أثبت من مُعاذ بن معاذ.

(1/249)


وقال الإمام أحمد: كان ثبتاً. وما رأيت أعْقَلَ منه.
وفيها قاضي شيراز ومحدثها سعد بن الصلت الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظاً. قال سفيان: ما فعل سعد بن الصلت؟ قالوا له: ولي القضاء.
قال: ذره واقعد في الحش.
قلت: آخر من روى عنه شيخه إسحاق بن ابراهيم بن شاذان.
وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق.
قال ابن عيينة: هو أشعر الناس.
وقال الحافظ: ما رأيت أعلم باللغة منه.
سنة سبع وتسعين ومئة
فيها حوصر الأمين ببغداد وأحاط به طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين، وزهير بن المسيب في جيوشهم. وقاتلت مع الأمين الرعية. وقاموا معه قياماً لا مزيد عليه، ودام الحصار سنة. واشتد البلاء وعظم الخطب.
وفيها، أي سنة ثمان، توفي الإمام العلم أبو محمد سفيان بن

(1/250)


عيينة الهلالي، مولاهم الكوفي. شيخ الحجاز في أول رجب، وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة، الزهري والكبار. وقال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز.
وقال ابن وهب: لاأعلم أحداً أعلم بالتفسير منه.
وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحواً من سبعة آلاف حديث. ولم يكن له كتاب، وكان ثبتاً في الحديث.
وقال فهر بن أسد: مارأيت متل ابن عيينة. فقيل له: ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة.
وقال أحمد: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن منه.
وفيها الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن وهب الفهري، مولاهم، المصري أحد الأعلام، في شعبان. ومولده سنة خمس وعشرين ومئة. وطلب العلم بعد الأربعين ومئة بعام أوعامين. وروى عن ابن جُرَيْج. وعمرو بن الحارث، وخلق. وتفقه بمالك والليث.
قال أبو سعد بن يونس: جمع ابن وهب بين الفقه والرواية والعبادة. وله تصانيف كثيرة.
وقال أحمد بن صالح المصري: حدث ابن وهب بمئة ألف حديث، مارأيت أحداً أكثر حديثاً منه.

(1/251)


وقال خالد بن خداش: قرىء على ابن وهب كتابه في أهوال يوم القيامة فخر مغشياً عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام.
وقال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوه على القضاء فتغيب.
وفيها محدث الشام الإمام أبو يحمد بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي الحافظ. ومولده سنة عشر ومئة. وروى عن محمد بن زياد الألهاني، وبجير بن سعد، والكبار. وأخذ عمن دب ودرج. وتفقه بالأوزاعي. وكان مشهوراً بالتدليس كالوليد بن مسلم.
وقال ابن معين: إذا روى عن ثقة فهو حجة.
وقال بقية: قال لي شعبةُ: إني لأسمع منك أحاديث لو لم أسمعها لطرت.
وفيها شُعَيْبُ بن حرب المدائني الزاهد أحد علماء الحديث. روى عن مالك بن مغول وطبقته. قال الطبيب بن إسماعيل: دخلنا عليه وقد بنى له كوخاً، وعنده خبز يابس يبله ويأكل، وهو جلد وعظم.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حمل على نفسه في الورع.

(1/252)


وفيها شيخ الإقراء بالديار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري ورش، صاحبُ نافع. وله سبع وثمانون سنة.
وفيها محمد بن فليح بن سليمان المدني. روى عن هشام بن عروة وطبقته.
وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعاني. أخذ عن معمر. وابن جريح، وجماعة.
قال ابن معين: هو أثبت بن عبد الرزاق في ابن جُريْج.
وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح الرؤاسي في المحرم، راجعاً من الحج بفَيد، وله سبع وستون سنة. روى عن الأعمش وأقرانه.
قال ابن معين: كان وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه.
وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع.
وقال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد، فخرج وكيع فقالوا: هذا راوية سفيان. قال: إن شئتم أرجح من سفيان.
وقال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعاً فكان يصومُ الدهر ويختم القرآن فيه كل ليلة.
وقال الإمام بن أحمد: ما رأت عيني مثل وكيع قط.

(1/253)


وقال ابن معين: ما رأيت أفضل بن وكيع. كان يحفظ حديثه، ويوم يقوم الليل. ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة قال: وكان يحيى القطان يفتي بقوله أيضاً.
سنة ثمان وتسعين ومئة
في المحرم ظفر طاهر بن الحسين بعد أمور يطول شرحها بالأمين.
فقتله ونصب رأسه على رمح. وكان مليحاً أبيض جميل الوجه طويل القامة. عاش سبعاً وعشرين سنة. واستخلف ثلاث سنين وأياماً، وخلع في رجب سنة ست وتسعين. وحارب سنة ونصفاً وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور.
وكان مبذراً للأموال قليل الرأي كثير اللعب. لا يصلح للخلافة. سامحه الله ورحمه.
وفيها توفي أول رجب شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي، مولاهم، الكوفي الحافظ نزيل مكة. وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار.
وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
وقال ابن وهب: لاأعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة.
وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحواً من سبعة آلاف حديث. ولم يكن له كتب.
وقال فهر بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة.
وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة.
توفي سنة سبع وهذا هو الصحيح.

(1/254)


وفي جمادى الآخرة الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي الحافظ. أحد أركان الحديث بالعراق. وله ثلاث وستون سنة. روى عن هشام الدستوائي وخلق. وأول طلبه سنة نيف وخمسين ومئة. فكتب عن صغار التابعين كأيمن بن نائل وغيره.
قال الإمام أحمد بن حنبل: هو أفقه من القطان وأثبت من وكيع.
وقال ابن المديني: كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس. لو حلفت. لحلفت بين الركن والمقام أني لم أر أعلم منه.
قلت: وكان أيضاً رأساً في العبادة رحمه الله.
وفي شوال الإمام أبو يحيى معن بن عيسى المدني القزاز، صاحب مالك. روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة. وكان حجة، صاحب حديث.
قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم.
وفي صفر الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان البصري الحافظ. أحد الأعلام. وله ثمان وسبعون سنة روى عن عطاء بن السائب وحميد وخلق.

(1/255)


قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثله.
وقال ابن معين: قال لي عبد العجمان بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى لقطان.
وقال بندار: اختلفت إليه عشرين سنة فما أظنه أنه عصى الله قط.
وقال ابن معين: أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم في كل ليلة، ولم تفته الزوال في المسجد أربعين سنة.
وفيها أبو عبد الرحمن مسكين بن كبير الحراني. روى عن جعفر بن برقان وطبقته. وكان مكثراً تقة.
وفيها انتدب محمد بن صالح بن بيهس الكلابي أميرعرب الشام لحرب السفياني، ولمن قام معه من الأموية. وأخذ منهم دمشق. وهرب أبو العميطر السفياني في إزار بن المزة. وجرت بين أهل المزة وداريا، وبين ابن بيهس حروب ظهر فيها عليهم. واستولى على دمشق. وأقام الدعوة فيها للمأمون.
سنة تسع وتسعين ومئة
فيها فتنة ابن طباطبا العلوي. وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

(1/256)


ظهر بالكوفة، وقام بأمره أبو السرايا السري بن منصور الشيباني. وسرع الناس إلى ابن طباطبا، وغلب على الكوفة. وكثر جيشه. فسار لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف. فالتقوا. فهزم زهير واستبيح عسكره. وذلك في سلخ جمادى الآخرة. فلما كان بن الغد أصبح ابن طباطبا ميتاً. فقيل إن أبا السرايا سمه لكونه لم ينصفه في الغنيمة. وأقام بعده في الحال محمد بن محمد ابن زيد بن علي الحسيني. شاب أمرد.
ثم جهز الحسن بن سهل جيشاً عليهم عبدوس المروذي، فالتقوا، فقتل عبدوس. وأسر عمير، وقتل خلق من جيشه. وقوي العلويون.
ثم استولى أبو السرايا على واسط فسار لحربه هرثمة بن أعين. فالتقوا، فقتل خلق من أصحاب أبي السرايا، وتقهقر إلى الكوقة. ثم التقوا ثانياً وعظمت الفتنة ولا سيما بالحجاز.
وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل. روى عن ابن أبي ذيب وطبقته. وكان عابداً خاشعاً يقال إنه من الأبدال.
وفيها حفص بن عبد الرحمن البلخي، ثم النيسابوري، أبو عمر قاضي نيسابور. روى عن عاصم الأحول، وأبي حنيفة، وطائفة. وكان ابن المبارك يزوره ويقول: هذا اجتمع فيه الفقه والوقار والورع.
وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة،

(1/257)


وصاحب كتاب الفقه الأكبر، وله أربع وثمانون سنة. ولي قضاء بلخ. وحدث عن ابن عون وجماعة.
قال أبو داود: كان جهمياً تركوا حديثه. وبلغنا أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وفيها شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه.
وفيها عبد الله بن نمير أبو هشام الخارقي الكوفي. أحد أصحاب الحديث المشهورين. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وعاش بضعاً وثمانين سنة.
وفيها عمرو بن محمد العنقزي الكوفي. والعنقز هو المرزنجوش. روى عن ابن جريج وطبقته. وكان صاحب حديث.
وفيها محمد بن شعيب بن سابور الدمشقي ببيروت. روى عن عروة ابن رويم وطبقته. وكان من عقلاء المحدثين وعلمائهم المشهورين.
وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشيباني الكوفي الحافظ صاحب المغازي. روى عن الأعمش وخلق.
قال ابن معين: صدوق.

(1/258)


وفيها. وقيل في التي تليها، سيار بن حاتم العنزي البصري. صاحب القصص والرقائق، وراوية جعفر بن سليمان الضبعي. وثقه ابن حبان.
سنة مئتين من الهجرة
في أولها أبو السرايا والعلويون بن الكوفة إلى القادسية وضعف سلطانهم. فدخل هرثمة الكوفة وآمن أهلها. ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ابن وبمحمد بن محمد العلوي، فأمر الحسن بن سهل فقتل أبو السرايا في ربيع الأول، وبعث بمحمد إلى المأمون.
وخرج بالبصرة خارجي وبالحجاز آخر. فلم تقم لهما قائمة بعد فتن وحروب.
وفيها طلب لمأمون هرثمة بن أعين. فشتمه وضربه وحبسه. وكان الفضل بن سهل الوزير يبغضه، فقتله في: الحبس سراً.
وفيها أحصي ولد العباس رضي الله عنه فبلغوا ثلاثة وثلاثين الف نسمة.
وفيها قتلت الروم عظيمهم إليون. وكانت أيامه سبع سنين ونصفا. وأعادوا الملك الى ميخائيل الذي ترهب.
وفيها توفي أسباط بن محمد أبو محمد الكوفي. وكان ثقة صاحب حديث روى عن الأعمش وطبقته.

(1/259)


وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني. وله ست وتسعون سنة. روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته. وكان مكثراً صدوقاً.
وفيها سلم بن قتيبة بالبصرة. روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته. وأصله خراساني.
وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري. روى عن ثور ابن يزيد، وابن عون.
وفيها عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي. ولد سنة ثماني عشرة ومئة. وقرأ القران على الذماري. وحدث عن جماعة. وكان من ثقات الشاميين.
وفيها قتادة بن الفضل الرهاوي. رحل وسمع من الاعمش وعدة.
وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الدؤلي، مولاهم، المدني الحافظ. روى عن سلمة بن ودان وطبقته. وكان كثير الحديث.
وفيها أبو عبد الله أمية بن أسد بن خالد أخو هدية. روى عن شعبة والثوري.

(1/260)


وفيها صفوان بن عيسى القسام بالبصرة. روى عن يزيد بن أبي عبيد وطبقته.
وفيها محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن التل. روى عن فطر بن خليفة وطبقته.
وفيها في صفر محمد بن حمير السليحي محدث حمص. روى عن محمد ابن زياد الألهاني وطائفة. وثقه ابن معين ودحيم.
وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبي. روى عن جعفر بن برقان وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان.
وفيها معاد بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. روى عن أبيه، وابن عون. وطائفة. وكان صاحب حديث له أوهام يسيرة.
وفيها المغيرة بن سعيد بن سلمة المخزومي بالبصرة.
قال ابن المديني: ما رأيت قرشياً أفضل منه، ولا أشد تواضعاً. أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل.
قلت: روى عن القاسم بن الفضل الحداني وطبقته.
وفيها القاضي أبو البختري وهب بن وهب القرشي المدني، ببغداد. وكان جواداً محتشماً. روى عن هشام بن عروة وطائفة واتهم بالكذب.

(1/261)


وفيها على الصحيح القدوة الزاهد معروف الكرخي أبو محفوظ.
صاحب الأحوال والكرامات.