العبر في خبر من غبر، من سنة 471 إلى 480
سنة إحدى وسبعين
وأربعمئة
فيها دخل تاج الدولة تتش، أخو السلطان ملكشاه إلى الشام، من جهة أخيه،
وأخذ حلب ودمشق، وكان عسكره التركمان، وكان أقسيس - ويقال أتسز وأطسز
الخوارزمي - قد جاءت المصريون لحربه، فاستنجد بتتش عندما أخذ حلب، فسار
إليه، وفرّ المصريون، فخرج أقسيس إلى خدمة تتش، فأظهر الغضب لكونه ما
تلقاه إلى بعيد، وقبض عليه وقتله في الحال، وأحسن سيرته في الشاميين،
وكان الناس في جورٍ وضرّ مع أتسز، نزل جنده في بيوت الناس، وصادر الناس
وعذبهم في الشمس.
وفيها توفي أبو علي بن البنّا، الفقيه، الحسن بن أحمد البغدادي
الحنبلي، صاحب التواليف والتخاريج، روى عن هلال الحفّار وطبقته، وقرأ
القراءات على الحمّامي، وتفقه ودرَّس وأفتى ووعظ، وكان ناصراً للسنة.
وأبو علي الوخشي، الحسن بن علي بن محمد البلخي الحافظ الكبير، رحل
وطوّف، وجمع وصنَّف، وعاش ستّاً وثمانين سنة. روى عن تمام الرازي، وأبي
عمر بن مهدي، وطبقتهما، بالشام والعراق ومصر وخراسان، وكان ثقةً.
وأبو القاسم الزنجاني، سعد بن علي، الحافظ القدوة الزاهد، نزيل الحرم،
جار بيت الله. روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفرَّاء، وعبد الرحمن بن
ياسر الجوبري، وخلق. سئل محمد بن طاهر المقدسي، عن أفضل من
(2/329)
رأى؟ فقال: سعد الزنجاني، وشيخ الإسلام
الأنصاري، فقيل: أيّهما أفضل؟ فقال: الأنصاري كان متفننا، وأما
الزنجاني، فكان أعرف بالحديث منه، وسئل إسماعيل التيمي عن سعد، فقال:
إمام كبير، عارف بالسنَّة. وقال غيره: توفي في أوّل سنة إحدى وسبعين،
أو في آخر سنة سبعين، عن تسعين سنة.
وعبد الباقي بن محمد بن غالب، أبو منصور الأزجي العطار، وكيل القائم
والمقتدي، صدوق جليل. روى عن المخلّص وغيره، توفي في ربيع الآخر.
وعبد العزيز بن علي، أبو القاسم الأنماطي، ابن بنت السُّكّري. روى عن
المخلص. قال عبد الوهاب: الأنماطي ثقة، ومات في رجب.
قلت: آخر من روى عنه، ابن الطلاية الزاهد.
وعبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، أبو بكر النحوي اللعلاّمة، صاحب
التصانيف، منها " المغني في شرح الإيضاح " ثلاثون مجلداً، وكان
شافعيّاً أشعرياً. ومنهم من يقول: توفي سنة أربع وسبعين.
وأبو عاصم الفضيلي الفقيه، واسمه الفضيل بن يحى الهروي، شيخ أبي الوقت،
في جمادى الأولى، وله ثمان وثمانون سنة.
وأبو الفضل القومساني، محمد بن عثمان بن زيرك، شيخ عصره بهمذان، فضلاً
وعلماً وجلالةً وزهادةً وتفنناً في العلوم، عن بضع وسبعين سنة.
روي عن الحسين بن فتحويه الثقفي، وعلي بن أحمد بن عبدان وجماعة.
ومحمد بن أبي عمران، أبو الخير بن موسى المروزي الصفّار، آخر أصحاب
الكشميهني، ومن به ختم سماع البخاري عالياً، ضعَّفه ابن طاهر.
(2/330)
سنة اثنتين وسبعين
وأربعمئة
فيها توفي أبو علي، الحسن بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي المكي الحنّاط
المعدَّل، روى عن أحمد بن فراس العبقسي، وعبيد الله بن أحمد السقطي،
توفي في ذي القعدة.
ومحمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد، أبو عبد الله الفرسي ثم
الهروي، راوي جزء أبي الجهم وغير ذلك، عن أبي محمد الشريحي، في شوال.
وأبو منصور العكبري، محمد بن أحمد الأخباري النديم، عن تسعين سنة،
صدوق. روى عن محمد بن عبد الله الجعفي، وهلال الحفّار وطائفة.
توفي في شهر رمضان.
وهيَّاج بن عبيد الزاهد القدوة، أبو محمد الحطِّيني، قال هبة الله
الشيرازي: أما هيّاج الزاهد الفقيه، فما رأت عيناي مثله في الزهد
والورع. وقال ابن طاهر: بلغ في زهده، أنه يواصل ثلاثة أيام، لكي يفطر
على ماء زمزم، فإذا كان اليوم الثالث، من أتاه بشيء أكله، وكان قد
نيَّف على الثمانين، وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه، ويدرس
عدَّة دروس لأصحابه، وكان يزور النبي صلى الله عليه وسلم في كل من مكة،
فيمشي حافياً ذاهباً وراجعاً. روى عن أبي ذرّ الهروي وطائفة.
سنة ثلاث وسبعين وأربعمئة
فيها توفي أبو القاسم، الفضل بن عبد الله بن المحب الواعظ
(2/331)
النيسابوري آخر أصحاب أبي الحسين الخفّاف
موتاً، وروي عن العلوي وغيره.
وأبو الفتيان بن حيوس، الأمير مصطفى الدولة، محمد بن سلطان الغنوي
الدمشقي، شاعر أهل الشام، له ديوان كبير. وقد روى عن خاله أبي نصر بن
الجندي، توفي في شعبان بحلب، عن ثمانين سنة.
سنة أربع وسبعين وأربعمئة
فيها سار تتش السلجوقي غازياً في دمشق، فافتتح طرسوس.
وفيها توفي أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف التجيبي القرطبي
بالمريّة، في رجب، عن إحدى وسبعين سنة. روى عن يونس بن عبد الله بن
مغيث، ومكّي بن أبي طالب، وجاور ثلاثة أعوام، ولزم أباذرّ الهروي، وكان
يمضي معه إلى السراة، ثم رحل إلى بغداد وإلى دمشق، وروى عن عبد الرحمن
بن الطبيز وطبقته بدمشق، وابن غيلان وطبقته ببغداد، وتفقه على أبي
الطيّب الطبري وجماعة، وأخذ علم الكلام بالموصل، عن أبي جعفر السمناني،
وسمع الكثير، وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر، وردَّ إلى وطنه،
بعد ثلاث عشرة سنة، بعلمٍ جمٍّ، مع الفقر والقناعة، وكان يضرب ورق
الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، ثم فتحت عليه الدنيا، وأجزلت صلاته، وولي
قضاء أماكن، وصنّف التصانيف الكثيرة. قال أبو علي بن سكرة: ما رأيت
أحداً على سمته وهيئته وتوقير مجلسه.
(2/332)
وأبو القاسم بن البسري، علي بن أحمد
البغدادي البندار. قال أبو سعد السمعاني: كان صالحاً ثقة فهماً عالماً،
سمع المخلّص وجماعة، وأجاز له ابن بطة، ونصر المرجي، وكان متولضعاً حسن
الأخلاق، ذا هيئة ورواء، توفي في سادس رمضان.
وأبو بكر محمد بن المزكّي المحدث، من كبار الطلبة، كتب عن خمسمئة نفس،
وأكثر عن أبيه، وأبي عبد الرحمن السُّلمي والحاكم. وروى عنه الخطيب، مع
تقدمه، توفي في رجب.
سنة خمس وسبعين وأربعمئة
فيها قدم الشريف أبو القاسم البكري الواعظ، من عند نظام الملك إلى
بغداد فوعظ بالنظامية ونبز الحنابلة بالتجسيم فسبوه وتعرضوا له وكبس
دور بني الفرّاء، وأخذ كتاب القاضي أبي يعلي في " إبطال التأويل " فكان
يقرأ بين يديه، وهو على المنبر، فيشنِّع به ويبشِّع شأنه.
وفيها توفي محدث أصبهان ومسندها، عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله
محمد بن إسحاق بن مندة، أبو عمرو العبدي الأصبهاني، الثقة المكثر، سمع
أباه وابن خرَّشيذ قوله، وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.
ومحمد بن أحمد بن علي السمسار، أبو بكر الأصبهاني، روى عن إبراهيم بن
خرَّشيذ قوله، وجماعة، ومات في شوال، وله مائة سنة. روى عنه
(2/333)
خلق كثير.
والمطهر بن عبد الواحد، أبو الفضل البزاني الأصبهاني توفي فيها، أو في
حدودها، روى ع ابن المرزبان الأبهري، جزء لوين، وعن ابن مندة، وابن
خرشيذ قوله.
سنة ست وسبعين وأربعمئة
فيها عزم أهل حرّان، وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي، على تسليم حرّان إلى
جنق أمير التركمان، لكونه سنيّاً، وعصواً على مسلم بن قريش صاحب
الموصل، لكونه رافضياً، ولكونه مشغولاً بمحاصرة دمشق مع المصريين،
كانوا يحاصرون بها، تاج الدولة تتش، وأسرع إلى حرّان ورماها بالمجانيق،
وأخذها، وذبح القاضي وولديه رحمهم الله.
وفيها توفي الشيخ أبو إسحاق الشِّيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف
الفيروزابادي الشافعي، جمال الدين، أحد الأعلام، وله ثلاث وثمانون سنة.
تفقه بشيراز، وقدم بغداد، وله اثنتان وعشرون سنة، فاستوطنها ولزم
القاضي أبا الطيّب، إلى أن صار معيده في حلقته، وكان أنظر أهل زمانه،
وأفصحهم وأورعهم، وأكثرهم تواضعاً وبشراً، وانتهت إليه رئاسة المذهب في
الدنيا. روى عن أبي عليّ بن شاذان والبرقاني، ورحل إليه الفقهاء من
الأقطار، وتخرّج به أئمةٌ كبار، ولم يحجّ ولا وجب عليه، لأنه كان
فقيراً متعففاً قانعاً باليسير، درَّس بالنظامية، وله شعر حسن، توفي في
الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.
وطاهر بن الحسين، أبو الوفا القوّاس الحنبلي الزاهد، ببغداد عن ست
وثمانين سنة. روى عن هلال الحفّار وجماعة، وكان إماماً في الفقه والورع
(2/334)
والإبراهيمي، عبد الله بن عطاء الهروي
الحافظ، وهو ضعيف، يروي عن أبي عمر المليحي وأقرانه.
وعبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الفقيه، أبو الفتح البغدادي ثم الحراني
الخزاز الحنبلي قاضي حران وصاحب القاضي أبي يعلى وروى عن أبي بكر
البرقاني وجماعة، قتله كما ذكرنا صاحب الموصل مسلم بن قريش كما ذكرنا.
والبكري، أبو بكر المغربي الواعظ، من دعاة الأشعرية، وفد على نظام
الملك بخراسان، فنفق عليه، وكتب له سجلاً أن يجلس بجوامع بغداد، فقدم
وجلس ووعظ، ونال من الحنابلة سبّاً وتكفيراً، ونالوا منه ولم تطل
مدّته، ومات في هذا العام.
وأبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصَّقر اللَّخمي الأنباري
الخطيب، في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة، سمع بالحجاز والشام ومصر،
وأكبر شيخ له، عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي.
ومقرئ الأندلس في زمانه، أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي
المقرئ، مصنف كتاب " الكافي " وكتاب " التذكير " وله أربع وثمانون سنة،
وقد حجّ وسمع من أبي ذرّ الهروي وجماعة.
سنة سبع وسبعين وأربعمئة
فيها سار سليمان بن قتلمش السلجوقي، صاحب قونية وأقصرى، بجيوشه إلى
الشام، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد النصارى، من مائة وعشرين سنة، وكان
ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتّب بها نائباً فأساء إلى أهلها
(2/335)
وإلى الجند في إقامته بها، فلما دخل الروم،
اتفق ولده ولده والنائب المذكور، على تسليمها إلى صاحب قونية، سليمان
فكاتبوه فأسرع في البحر، ثم طلع وسار إليها في جبال وعرة، فأتاها بغتةً
ونصب السلالم ودخلها، وقتل جماعة، وعفا من الرعيّة، وأخذ منها أموالاً
لا تحصى، ثم بعث إلى نسيبه السلطان ملكشاه يبشّره بالفتح، وكان صاحب
الموصل مسلم، يأخذ القطيعة من أنطاكية، فطلب العادة من سليمان، فقال
إنما كان ذلك المال جزية، وأنا بمحمد الله فمؤمن، فنهب مسلم بلاد
أنطاكية، ثم تمت وقعة بين سليمان ومسلم، في صفر من العام الآتي، قتل
فيها مسلم.
وفيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد ابن
إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو القاسم، صدر عالم نبيل وافر الحشمة،
له يدٌ في النظم والنثر. روى عن حمزة السهمي وجماعة، وعاش سبعين سنة،
روى " الكامل " لابن عديّ.
وبيبى بنت عبد الصمد بن علي، أم الفضل، وأم عربي الهرثميّة الهرويّة،
لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، توفيت في هذه
السنة، أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة.
وأبو سعد، عبد الله بن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري،
أكبر الأخوة، في ذي القعدة، وله أربع وستون سنة. روى عن القاضي أبي بكر
الحيري وجماعة، وعاشت أمه فاطمة بنت أبي علي الدقاق بعده، أربعة أعوام.
وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي كلام، آخر أصحاب
(2/336)
عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي موتاً، وهو
من كبار شيوخ أبي الوقت.
وأبو نصر بن الصبّاغ، الفقيه عبد السيِّد بن محمد بن عبد الواحد
البغدادي الشافعي، أحد الأئمة، ومؤلف " الشامل " كان نظيراً للشيخ أبي
إسحاق ومنهم من يقدمه على أبي اسحاق في نقل المذهب وكان ثبتاً حجة
ديّنا خيّراً، ولي النظامية بعد أبي إسحاق، ثم كفّ بصره. وروى عن محمد
بن الحسين القطّان، وأبي علي بن شاذان، وكان مولده في سنة أربعمئة،
توفي في جمادى الأولى، ببغداد، ودفن في داره.
وأبو علي الفارمذي، الفضل بن محمد الزاهد، شيخ خراسان: قال عبد الغافر:
هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير، التي لم يسبق
إليها، في عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح استعارته ورقة ألفاظه. دخل
نيسابور، وصحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ. إلى أن قال: وحصل له
عند نظام الملك قبول خارج عن الحدّ، روى عن أبي عبد الله بن باكويه
وجماعة، وعاش سبعين سنة، توفي في ربيع الآخر.
ومحمد بن عمار، أبو بكر المهري، ذو الوزارتين، شاعر الأندلس، كان هو
وابن زيدون القرطبي، كفرسي رهان، وكان ابن عمار قد اشتمل عليه المعتمد،
وبلغ الغاية، إلى أن استوزره، ثم جعله نائباً على مرسية، فخرج عليه، ثم
ظفر به المعتمد فقتله.
ومسعود بن ناصر السِّجزي، أبو سعيد الركّاب الحافظ، رحل
(2/337)
وصنّف وحدّث عن أبي حسّان المزكّي، وعلي بن
بشرى اللّيثي وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان. قال الدقاق: لم أر
أجود إتقاناً، ولا أحسن ضبطاً منه، توفي بنيسابور، في جمادى الأولى.
سنة ثمان وسبعين وأربعمئة
فيها أخذ الأذفنش لعنه الله، مدينة طليلطلة، من الأندلس، بعد حصار سبع
سنين، فطغى وتمرّد، وحملت إليه الضريبة، ملوك الأندلس، حتى المعتمد بن
عبّاد، ثم استعان المعتمد على حربه، بالملَّثمين، وأدخلهم الأندلس.
وفيها قدم أمير الجيوش، فحاصر تتش بدمشق، فلم يقدر عليها، وردَّ.
وفيها ثارت الفتنة ببغداد، بين الرافضة والناس، واقتتلوا وأحرقت أماكن.
وفيها توفي أبو العباس العذري، أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الأندلسي
الدَّلائي - ودلاية من عمل المريّة - كان حافظاً محدّثاً متقناً، مات
في شعبان وله خمس وثمانون سنة ثمان وأربعمئة مع أبويه فجاوزوا ثمانية
أعوام، وصحب هو أباذرّ، فتخرَّج به، وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة،
ومن جلالته، أن إمامي الأندلس: ابن عبد البرّ، وابن حزم، رويا عنه. وله
كتاب " دلائل النبوّة ".
وأبو سعد المتولي، عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، شيخ الشافعية،
وتلميذ القاضي حسين، وهو صاحب " التتمة " تمّم به " الإبانة " لشيخه
أبي القاسم الفوراني، وقد درّس أياماً بالنظامية، بعد الشيخ أبي إسحاق،
ثم صرف بابن الصبّاغ، ثم وليها بعد ابن الصباغ، ومات كهلاً.
(2/338)
وأبو معشر الطبري، عبد الكريم بن عبد الصمد
الطبري القطّان المقرئ، نزيل مكة، وصاحب كتاب " التلخيص " وغيره، قرأ
بحرّان على أبي القاسم الزيدي، وبمكة على الكارزيني، وبمصر أيضاً على
جماعة. وروى عن أبي عبد الله ابن نظيف، وجلس للإقراء مدة بمكة.
وإمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، عبد الملك بن أبي محمد بن عبد
الله بن يوسف، الفقيه الشافعي ضياء الدين، أحد الأئمة الأعلام، عاش
ستين سنةً، وتفقّه على والده، وجور بمكة في شبيبته أربعة أعوام، ومن ثم
قيل له إمام الحرمين، وكان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم، توفي
في ربيع الآخر بنيسابور، وكان له نحو من أربعمئة تلميذ، رحمه الله.
وأبو علي بن الوليد الكرخي، وله اثنتان وثمانون سنة، أخذ عن أبي الحسين
البصري وغيره، وبه انحرف ابن عقيل عن السنّة قليلاً، وكان ذا زهد وورع
وقناعة وتعبُّد، وله عدّة تصانيف، ولما افتقر، جعل ينقص داره، ويبيع
خشبها، ويتقوّت به، وكانت من حسان الدور ببغداد.
وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، محمد بن علي بن محمد الحنفي،
تفقّه بخراسان ثم ببغداد، على القدوري، وسمع من الصوري وجماعة، وعاش
ثمانين سنة. وكان نظير القاضي أبي يوسف، في الجاه والحشمة والسُّؤدد،
وبقي في القضاء دهراً، ودفن في القبة، إلى جانب الإمام أبي حنيفة
رحمهما الله.
(2/339)
ومسلم، الملك شرف الدولة، أبو المكارم بن
الملك أبي المعالي، قريش بن بدران بن مقلَّد العقيلي، صاحب الجزيرة
وحلب، وكان رافضياً، اتسعت ممالكه، ودانت له العرب، وطمع في الاستيلاء
على بغداد، عند موت طغرلبك، وكان شجاعاً فاتكاً مهيباً، داهية ماكراً،
التقى هو والملك سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب الروم على باب أنطاكية،
فقتل في المصافّ.
سنة تسع وسبعين وأربعمئة
فيها التقي تتش - وسليمان بن قتلمش، فقتل سليمان، وسارتتش، فنازل حلب،
وخافه أخوه تتش فهرب.
وفيها وقعة الزلاقة، وذلك أن الإّذقونش، جمع الجيوش، فاجتمع المعتمد،
ويوسف بن تاشفين،،أمير المسلمين، والمطوّعة، فأتوا الزلاّقة، من عمل
بطليوس، فالتقى الجمعان، فوقعت الهزيمة على الملاعين، وكانت ملحمة
عظيمة، في أول جمعة من رمضان، وجرح المعتمد عدّة جراحات سليمة، وطابت
الأندلس للملثّمين، فعمل أميرهم ابن تاشفين على تملكها.
وفيها لما افتتح ملكشاه حلب والجزيرة، قدم بغداد، وهو أول قدومه إليها،
ثم خرج وتصيَّد، وعمل منارة القرون، من كثرة وحشٍ صاد، ثم ردّ إلى
أصبهان، وزّوج أخته زليخا، محمد بن مسلم بن قريش العقيلي، وأقطعه
الرَّحبة، وحرّان، والرَّقّة، وسروج.
وفيها أعيدت الخطبة العباسية بالحرمين وقطعت خطبة العبيديين.
وفيها توفي أبو سعد النيسابوري، شيخ الشيوخ ببغداد، أحمد بن محمد ابن
دوست، وكان كثير الحرمة في الدولة، له رباط مشهور ومريدون، وكان
(2/340)
نظام الملك يعظّمه.
وإسماعيل بن زاهر النوقاني النيسابوري الشافعي، أبو القاسم الفقيه، وله
اثنتان وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، وعبد الله بن يوسف، وابن
محمش وطائفة، ولقي ببغداد، أبا الحسين بن بشران وطبقته، وأملى وأفاد.
وطاهر بن محمد بن محمد، أبو عبد الرحمن الشَّحّامي المستملي، والد
زاهر، روى عن أبي بكر الحيري وطائفة، وكان فقيهاً صالحاً، ومحدّثاً
عارفاً، له بصر تام بالشروط، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة.
وأبو علي التستري، علي بن أحمد بن علي البصري السَّقطي، راوي السُّنن،
عن أبي عمر الهاشمي.
وأبو الحسن علي بن فضّال المجاشعي القيرواني، صاحب المصنّفات في
العربية والتفسير، توفي في شهر ربيع الأول، وكان من أوعية العلم، تنقل
بخراسان، وصحب نظام الملك.
وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصَّرّام النيسابوري، الرجل الصالح.
روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي وطبقتهما. توفي في
شعبان.
ومسند العراق، أبو نصر الزَّينبي، محمد بن محمد بن علي الهاشمي
العباسي، آخر أصحاب المخلّص، ومحمد بن عمر الوراق، توفي في جمادى
الآخرة، وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر، وكان ثقة خيّراً.
(2/341)
سنة ثمانين وأربعمئة
480- فيها عرس المقتدي بالله على ابنة السلطان وكان وقتا مشهودا فأنفق
فيه الخليفة أموالا كثيرة وخلع على سائر الأمراء ومد سماطا هائلا
وفيها توفي مقرئ الأندلس عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي أخذ القراءات
عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عبد الله محمد بن سفيان ومكي وجماعة
وفاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدقاق الزاهدة زوجة القشيري
وكانت كبيرة القدر عالية الإسناد من عوابد زمانها رحمها الله روت عن
أبي نعيم الإسفراييني والعلوي والحاكم وطائفة وتوفيت في ذي القعدة عن
تسعين سنة
وفاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أم الفضل البغدادية الكاتبة التي جودوا
على خطها وكانت تنقل طريقة ابن البواب، حكت أنها كتبت ورقة للوزير
الكندري فأعطاها ألف دينار وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي
والسيد المرتضى ذو الشرفين أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي
الحسيني الحافظ قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما وله خمس وسبعون سنة
روى عن أبي علي ابن شاذان وخلق وتخرج بالخطيب ولازمه وصنف التصانيف حدث
بسمرقند وبأصبهان وبغداد وكان متمولا معظما وافر الحشمة، كان يفرق في
العام نحو العشرة آلاف دينار ويقول هذه زكاة مالي
(2/342)
|